قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية ابن رستم للكاتبة ياسمين عادل الفصل الثالث والأربعون

رواية ابن رستم للكاتبة ياسمين عادل الفصل الثالث والأربعون

رواية ابن رستم للكاتبة ياسمين عادل الفصل الثالث والأربعون

إلى زائري أحلامنا، لم يكن وجودكم صُدفة، بل هو ترتيب عقولنا الباطلة التي سكنتموها بصمت، على الأقل نجد معنى للصبر على غيابكم عن واقعنا، ف لا تطيلوا في الغياب.

كان ضيفًا رقيقًا في حلمها الطويل، ضيف وجوده مألوف ومُنتظر، ودّت لو لم تستيقظ أبدًا ليستمر هذا الحلم الذي ظنته للحظة واقعًا، ولكنها فتحت عيناها لتكتشف إنها بداخل غرفتها الجميلة في بيت والدها وليست بين ذراعيه وفي أحضانه كما كانت ترى منذ قليل.

أستيقظت تمارا ومحياها مُزين ب ابتسامة سعيدة، مطت ذراعيها في الهواء وأصدرت آنين خافت، وغمغمت بصوت لا يسمعه غيرها: - حتى أحلامي مش سايبها، ده انا وقعت على بوزي زي ما قالت فدوى!
رفعت الغطاء عنها والتقطت هاتفها، فوجدت العديد من الرسائل النصية منه، تحمست وهي تفتحهم بعجالة وتقرأهم:
- وحشتيني
- انتي نايمة ليه لحد دلوقتي، الساعة 6 الصبح أصحي ونسيني عشان قاعد لوحدي
- توته الساعة بقت 7 ونص مش هتصحي بقى.

- طب انا عايز أفطر معاكي، الساعة بقت 8
- الساعة بقت 9 وربع ياتوته
- الساعة 10 وانا مفطرتش، طب وربنا ماانا واكل حاجه غير لما تيجي
- ياتوووووووتة الساعة 11 إلا ربع
العديد من الرسائل تلو بعضها، قرأتهم وهي تضحك متخيلة ماذا سيكون تعبير وجهه وهو يكتب هذه الرسائل، نظرت للساعة ف إذا بها الثانية والنصف ظهرًا، ف نهضت متعجلة وهي تفكر كيف ستذهب له، وما نوع الإفطار الذي س تُعده ليتغذى به قبل أن يتناول أدويته.

خرجت تمارا من دورة المياه ثم قصدت المطبخ، نظرت في المبرد ونظرت في المحيط وهي تفكر ماذا ستصنع له من أجل الفطور، أخرجت أنواع شتى من الجُبن بجانب البيض والفول المعلب، وشرعت في البدء.

~على جانب آخر~
كانت چيهان قد انتهت توًا من مساعدة عمر على إرتداء ملابسه الجديدة كي تقيس مدى مناسبتها استعدادًا لحفل الغد، كانت فخورة به وهي تراه يحقق نجاحات عدة، وكأنه نتاج صبرها.

راحت تتفقد ثيابها هي وعقلها منشغل بما سيحدث في مدار اليوم غدًا، س تُواجه علي وتضطر على محادثته بلطف وكأن شيئًا لم يكن من أجل طفلها فقط، كي لا يضطرب نفسيًا ويواجه أزمة انطوائية بحتة، نفخت ب انزعاج وهي تهمس: - رينا يعدي اليوم على خير
دققت حاسة الشم خاصتها وهي تردد بتشكك: - ريحة حاجه بتتحرق!

وأسرعت تخرج من غرفتها متجهة نحو المطبخ، ف رأت تمارا تسعل وهي تحاول إطفاء النيران التي أشتعلت ب منشفة المطبخ متجاهلة البيض الذي احترق بالمقلاة وقد تحول الجو لهالات رمادية من الدخان، شهقت چيهان وهي ترفع المقلاة عن الموقد وصاحت: - تمارا بتعملي إيه! انتي هتولعي فينا
قذفت تمارا بالمنشفة المحترقة أرضًا و: - إيه القرف ده! أنا مش بحب أدخل المطبخ أصلًا إيه دخلني!

ضحكت چيهان وهي تنظر للفوضى من حولها، قالب السمن في مكان والملعقة في مكان، كل شئ منثور حتى الملح، ثم عادت تنظر إليها و: - كل ده عشان تعملي أومليت؟
دنت تمارا منها وأخفضت صوتها قائلة: - بعمل فطار عشان مروان، please ياچيچي ساعديني، لو اعتمدت على نفسي مروان مش هياكل النهاردة، Please.

ف نظرت چيهان من حولها وعادت تنظر إليها بنظراتها المتوسلة تلك، وتنهدت وهي تجيب: - حاضر ياتوته، هساعدك
ف انشرح صدرها و: - حببتي والله ياچيچي، أنا هروح آخد شاور عقبال ما تخلصي
وفرّت من أمامها راكضة، بينما صاحت چيهان ب اعتراض: - يعني هشيل الليلة لوحدي! انتي نصابة ياتمارا على فكرة
ثم عادت تنظر للمطبخ ب تذمر و: - أوف.

كانت أثير تدخل للفندق متأبطة في ذراعه وهي تضحك ملء شدقيها، سخر هو منها و: - بعرف أعوم بعرف أعوم!، أتعلمتي فين العوم الكلابي ده!
ف ضربت على ذراعه و: - خلاص بقى، الله!
وكأن بصره لمح شيئًا ما ودقق فيه، رمى ظافر بصره على هذا الرجل الذي يقف موليه ظهره وبجواره سيدة، وكأنه استشعر إنه والده، بينما تسائلت أثير وقد رأت ما ينظر إليه بتفحص هكذا: - ده بابا رستم!؟
- تقريبًا!

وراح يدنو منه حتى تتأكد شكوكه، كان هو بالفعل، ذُهل ظافر من رؤية والده هنا وهو الذي لم يترك عمله في القاهرة منذ أن خرج من الخدمة العسكرية ولو يوم واحد فقط، أقترب منه، ووضع يده على كتفه وهو يسأل: - بتعمل إيه هنا يابابا؟ وماما كمان معاك؟!

ورفع حاجبيه وهو يرى والدته أيضًا، والتي لم تكن تفرط بمغادرة منزلها سوى في الأجازات الصيفية، قد تأنقت وبرزت ملامحها البشوشة الجميلة، ابتسمت زينب وهي ترحب بهم متجاهلة سؤاله: - محدش قالي إنكم نازلين هنا ياولاد!
ف أكد رستم على جهله بذلك: - ولا انا كنت اعرف، ظافر قالي إنه رايح دهب
- ماانا طالع سفاري في دهب فعلًا بس بعد ساعتين من دلوقتي بس جينا هنا الأول.

ثم وزع أنظاره عليهم قبل أن يغمز بنصف عين متسائلًا: - في إيه!
ف حاوط رستم كتفها وهو يجيب: - بحتفل انا وامك بعيد جوازنا ال 36
ف تحمست أثير وكأن عيناها ستتحول لباقات من الزهور: - الله! حضرتك راجل مثالي يابابا
ف ربت رستم على كتف ولده الوحيد وهو يقول: - وظافر كمان راجل مثالي زي أبوه
سحب رستم بطاقة غرفته و: - أحنا طالعين نرتاح من السفر، وانتوا عيشوا
- ماشي يابابا
فودعتهم زينب: - خلوا بالكم من نفسكم ياحبايبي.

ف انتقل رستم برفقتها وهو يسحبها بلطف: - ياستي سيبك منهم هما صغيرين!

ضحك ظافر غير مصدقًا ذلك الحُب الذي لم يعجز أو يشيب، لم يمت يومًا، وكأن والده يلقنه دروس مستفادة عن الحُب، نظر ظافر لعيني زوجته يتأمل مستقبله فيهما، رأى أطفال يركضون هنا وهناك وهو يحاول اصطياد الكرة منهم، بينما تُعد أثير مشروب طازج برفقة ابنتهم ل يهدئ ويلطف من حرارة الجو الحار الذي تسلط عليهم، السعادة تسكن وجوههم وبيتهم المرح لا يخلو من طعم الحياة، أحس ب طاقة هائلة في هذه اللحظة، وكأنه ندم حقًا على ما فات، ومن أوج شروده اختطفته زوجته وهي تهز يده: - ظافر انت سامعني؟

ف انبعج فمه وهو يقول: - كان في حاجه مهمة عايز أوريهالك فوق قبل ما نسافر دهب
فتنغض جبينها و: - حاجة إية؟!
- فوق، هقولك فوق
وجذبها بعجلة من خلفه، وكأنها تفهمت مقصده الخبيث وضحكت سائرة معه بطواعية...

كان يقرأ بشهية مفتوحة للغاية، وقد كان للطعام مذاق فريد ومميز، ف لم يتناول طعام منزلي منذ فترة ليست بقليلة، حتى إنه أنهى طعامه وبدأ يشاركها صحنها، ف تذمرت تمارا وسحبت الطبق من أمامه و: - إيه الطفاسة دي يامروان! ده أكلي أنا
رمقها بنظرة معاتبة مصطنعة و: - بقى كده ياتيمو! بتشيلي الأكل من قدامي وانا مكلتش من امبارح!
ف عقدت حاجبيها ب انزعاج وهي تنظر للطعام بشهية و: - ماانا كمان جعانة!

نفخت و: - أوف، أتفضل
ووضعت الطبق أمامه من جديد وزجرته بنظرة حادة: - هسيبك عشان بس انت في فترة نقاهه
ف ابتسم ب استخفاف وهو يسحب الصحن ويتناول منه مستمتعًا بالمذاق: - بس انا مكنتش اعرف إن ليكي في المطبخ، تسلم إيدك ياتوته
بصقت مشروب البرتقال المُصنّع وسعلت بعدما قاله، ولكنها لم تظهر الحقيقة في الوسط وقد أعجبها إطراءه، ناولها كأس المياه ف ارتشفت رشفة و: - آه طبعًا امال فاكر إيه، ألف هنا.

كانا يجلسان في شرفة منزله بعدما سئم الجلوس في فراشه، ثمة موضوعات عديدة يفكر بها، زواجه الذي س يُعد له بعدما يسترد عافيته كاملة، عمله الذي لا يدري كيف سيعود ويمارسه كأن شيئًا لم يكن، والأقوى تأثيرًا عليه، تلك الزيارة الحتمية التي سيقوم بها لتنفيذ وصية رفيقه، تجهم وجه مروان وترك الخبز من يده و: - أنا شبعت.

تأهب لينهض وسحب عصاه كي يستند عليها، ف أوفضت تمارا نحوه تساعده وقد لاحظت تعابير وجهه، فسألت بقلق: - انت تعبت ولا إيه؟
ف هز رأسه بالسلب و: - لأ
دخل لغرفة المعيشة التي تطل على الشرفة، ف أجلسته تمارا على الأريكة وراحت تسأل مرة أخرى وهي تجاوره جلسته: - أمال وشك قلب فجأة ليه؟
ف أفاض ب: - في مشوار مهم لازم أعمله
ثم نظر إليها و: - أهل مُعاذ
ف ذمّت على شفتيها بتأثر و: - تحب أبقى معاك؟

ف هزّ رأسه بالسلب و: - لأ، مش هتقدرى تكوني هناك في الظروف دي
مسحت على وجهه محاولة التهوين عليه، وتسللت أصابعها لشعره أيضًا وهي تقول عباراتها المواسية: - إن شاء الله ربنا هيعوضهم بالصبر ومش هيبسيبهم أبدًا.

أطبق جفونه محاولًا الإستسلام لرغبته في نسيان المآساة التي عاشها، ف ترك العصا خاصته ومال نحوها، ترك رأسه ترتكز على فخذها، وبينما يدها تمسح على وجهه، أمسك بها ووضعها على صدره معانقًا إياها وقد أغمض عيناه أيضًا كأنه س يسبح في تفكيره لبعض الوقت، وإذ ب تفكيره يقوده نحو عبرة تنزلق من بين جفنه المغلق، ف تألمت تمارا لحاله الذي ظنت إنه قد انصلح، على ما يبدو هناك بعض الفتوق التي لم ترتتق بعد، وعليها أن ترتقها بنفسها.

هذا النوع من الرحلات خاص جدًا، ليس أي نوع من البشر يهواه، ولكنها تحمست له وأحبته لأجل ظافر الذي أجج حماستها.
رحلة سفاري تستمر لأيام في مدينة السحر دهب، والتي تشمل ليلة كاملة تُعسكر فيها المجموعة بالصحراء بين أجواء الليل المظلم والمخيمات البسيطة والهدوء المنعش.

انتهى الجميع من نصب الخيام وفضّل الجميع الإستراحة بداخلها حتى يأتى موعد حفلة السمر، كانت أوقات ممتعة للغاية تقضيها أثير مع زوجها الحبيب، كانت تنظر للخيمة وهي تجلس بداخلها بينما صوت البحر يخترق آذانها كأنه خلفها مباشرة رغم ابتعاده عن معسكرهم، سحبت شهيقًا وهي تلتفت ل ظافر الذي كان يعبث في هاتفه و: - ظافر، أنا جعانة
ترك ظافر الهاتف و: - في برا فاكهة وعصاير ومشروبات وكل حاجه، هجيبلك وآجي.

ف تشبثت بيده و: - خدني معاك
انحنت وهي تخرج من خلفه، نظرت للمشهد الرائع من حولها، المشاعل تنير المكان وتزينه، وتنسيق المخيمات كما ينبغي أن يكون، سحبت أثير هواء منعش لصدرها و: - المكان هنا حلو أوي
مشت على الرمال الباردة التي دغدغت قدمها وتابعت وهي تمسك بيده: - عايزين نيجي هنا تاني
ف ضغط على يدها وهو يعدها: - بس كده! ح...
- عاااااااا.

لم يكمل عبارته، حيث قفزت من مكانها بعد أن دعست على شئ أملس دافئ، وتعددت قفزاتها وهي تتشبث به ومازالت تصرخ: - ألحقني، دوست على حاجه، والله دوست على حاجه
- أهدى ياأثير متهيألك
أخرج هاتفه وأضاءه صوب المكان المراد، ف إذ ب ثعبان حجمه متوسط يتلوى ويزحف على الرمال، ف عادت تصرخ من جديد وقد انتابتها نوبة هلع: - تعبان، ألحقونا!

أنحنى ظافر عليه ف صرخت فيه أثير ليتوقف وحاولت منعه: - لأ ياظافر لأ، هيسمّك أوعى تمسكه
أمسكه من رأسه ليفسد إمكانية وصول سمه ولسانه ليده، ورفعه عاليًا وهو يقول: - ده صغير متخافيش
صرخت وهي تبتعد عنه و: - أوعى يقع منك
ضحك ظافر وهو يعيد يضع هاتفه على الأرض ليكون مصدر الضوء نحوهم قائلًا: - أنا مدرب على الحجات دي متقلقيش
ثم أخرج سكين صغير من جيب بنطاله القصير، ف نظرت إليه بتخوف مترقب و: - آ، انت! هتعمل إيه؟

بدأ ظافر في فصل رأسه عن جسده لضمان إنه سيموت في الحال، ولم يكن به ذرة شفقة أو تفكير، بل فعلها بدم بارد وهو منبعج الفم كأنه محترف في ذلك، شهقت أثير ووضعت كفها على عيناها من هول ما رأت، و ابتعدت للخلف وهي تصيح: - أنا قتلت التعبان!
ف رمقها ب استهجان وهو يقترب منها: - أمال أسيبه عايش عشان يسرح على أي خيمة!
- كنت رميته في أي حته حرام عليك!

ف قذف ظافر ما بقى منه في الهواء وهو يصيح: - انتي عبيطة! ماانا لو مكنتش موته كان هيسمنا احنا!
ركضت أثير مبتعدة عنه وقد أصابتها نوبة هلع: - أوعى تقرب، أبعد عني
ف ركض من خلفها و: - أستنى بس، أثير..!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة