قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية ابن رستم للكاتبة ياسمين عادل الفصل الحادي عشر

رواية ابن رستم للكاتبة ياسمين عادل الفصل الحادي عشر

رواية ابن رستم للكاتبة ياسمين عادل الفصل الحادي عشر

في نفس اللحظة التي كانت فيها هايدي تخطو نحو قسم الإستقبال، كانت أثير غير متواجدة بمحلها، حيث اهتمت بمتابعة مشكلة واجهت نزيل بالفندق لعدم تواجد نزار.
شقت هايدي طريقها بتغنج وهي تبحث في وجوه المتواجدين في القسم، ولكنهن لا يشبهن تلك الصورة التي انتشرت مؤخرًا، ف وقفت أمام إحداهن وتسائلت: - بسأل عن موظفة هنا أسمها أثير، هي فين؟

كانت تغريد تحاول تخطي مرحلة الذهول وهي تراها، فهي تعلم هويتها جيدًا، ومع السؤال عن أثير استنتجت ما الذي أتت لأجله، ف راوغتها وكأنها لا تعلم شيئًا عن الأمر: - أثير في أجازة
ف تدخلت شروق على الفور و: - لأ أثير موجودة
ونظرت نحو هايدي وهي تتابع: - بس أكيد تغريد مشافتهاش النهاردة، هتلاقيها موجودة في الدور الخامس غرفة 577.

كانت نظرة الإحتقار جليّة في عينيها ل تغريد، ثم تجاهلت كلتاهما واتجهت نحو المصعد لتسلك طريقها نحو الغرفة المنشودة.

- مجنونة، والله مجنونة يامرات عمي وجننتني معاها
قالها نزار الذي وصل هو الآخر من دقائق معدودة وهو يبرر ل زينب عقب أن اتهمته مباشرة بالخيانة، بينما كان مروان يقف بينهم حاملًا الصغير يَزِن يحاول تلطيف الأجواء بعد أن اختفى ظافر ملتهيًا بمشاكله التي لا تنتهي، ف نظر ل نرمين و: - أهدى يانرمين مش كده! الراجل بيقول إنه معملش حاجه انتي بتبني خيال في دماغك على أساس إيه!

ف أشارت نحو زوجها ب انفعال وهي تردد: - أسأله كان بيعمل إيه مع البت الروسية في الهول بتاع الفندق الساعة 2 ونص بعد نص الليل، ودي مش أول مره أقفشه.

ف ضرب نزار كفًا على كف وقد سئم شرح الأمر للمرة السادسة تقريبًا: - لا حول ولا قوة إلا بالله! للمرة المليون بقول إني نزلت أطلب ريموت التكييف لأن الأوضة كانت شبه متلجة وانا مش عارف أنام، لقيتها بالصدفة راجعة من برا وبتسألني المطعم بتاع الفندق مستمر لحد الساعة كام.

فتابعت بنفس اللهجة المُتهِمة: - واشمعنا انت اللي بتكلمك كل مرة! ما عندها الإستعلامات
- عشان أنا أول حد اتعرفت عليه في الفندق وبتكلم روسي كويس، ليه بتنسي دايمًا إن شغلتي علاقات عامة داخلية وخارجية وكل شغلي مع الأجانب!

زفر مروان بنفاذ صبر وهو يهز الصغير الذي بدأ ينزعج بين ذراعيه، بينما كانت زينب تجاهد لتلطيف الأجواء: - يابنتي ما بلاش مشاكل على الصغيرة والكبيرة، عديها طالما الراجل متصرفش غلط
- قوليلها يامرات عمي، أحسن دي خلاص دماغها فوتت
ف نظرت زينب ب اتجاه چيهان التي جلست في زاوية وتشاهد التلفاز غير معتنية بما يحدث، ف حدجتها ب بنظرة مغتاظة و: - ما تقولي حاجه ياچيهان!

فأشاحت بيدها و: - أقول إيه هما الاتنين هيفضلوا كدا زي القط والفار، قولنا هيتجوزوا ويعقلوا لكن مفيش فايدة، براحتهم.

ف صاحت نرمين من جديد: - أنا عاقلة جدًا، هو اللي عينه فارغه بيبص على الرايحة والجاية
فصاح هو الأخر وهو يشير بسبابته محذرًا: - شكلك مش هترتاحي غير لما أقص لسانك الطويل ده
ف صاح مروان فيهم وقد نفذ صبره بحق: - بس بقى!

صمت الجميع وساد هدوء مريب للحظات والجميع يتبادل النظرات بعضهم ببعض، ف زفر مروان ب اختناق وناول الصغير إلى تمارا التي كانت تشاهد ما يحدث بصمت و: - أنا همشي عشان صدعت وهسيبكوا تحلوا مشاكلكم مع بعضكم.

وأوفض منصرفًا ليتخلص من هذا الإزعاج وهذه الضوضاء التي انتشرت من حوله وهو غير معتاد على ذلك، فهو أنسان نمى وكبر على حب الهدوء والأجواء المرجيحة، وفقد سيطرته على أعصابه فورًا ما أن تعايش مع هذه الأجواء التي تعج بالضوضاء.

كانت هايدي تسير في الرواق الطويل المفترش ب بُساط أزرق داكن وتبحث بعيناها عن الغرفة المنشودة، ولكنها وجدت نفسها تقترب من رستم الذي كان يسير ب اتجاهها من الجهة المقابلة وكأنه حضر للقائها خصيصًا.
بطئت خطواتها قليلًا وزفرت ب تذمر، ف لقائه سوف يُعثر ما حضرت لأجله، وقفت أمامه مباشرة وقالت بفتور: - صباح الخير ياأونكل رستم
- صباح النور، خير ياهايدي إيه سبب زيارتك المفاجئة؟

لم تستطع إخفاء الأمر عنه، ف مؤكد إنه استنتج السبب مسبقًا، فقالت: - جاية أقابل نزار، محتاجة اتكلم معاه في موضوع
ولكنها كذبت رغم ذلك، ولم تجد سببًا غير ذلك تبرر به رغم ضعفه، بينما أردف رستم غير مصدقًا ما قيل: - أكيد عندك خبر إن نزار في شهر العسل، عمومًا لما يرجع هو مراته تقدري تكلميه وتقابليه برا، لكن هو مش موجود دلوقتي.

أحست بحرج شديد ينتابها، فقد قام بطردها بشكل لائق وغير مباشر، أجفلت بصرها وتراجعت للخلف خطوة وهي تقول: - okey
وراحت تنصرف متعجلة، بينما تطلع هو لانصرافها وتمتم: - لو فاكرة نفسك هترجعي لأبني تبقي غلطانة، ده انا اروح أدفن نفسي أحسن!
خرجت هايدي من المصعد وسارت بسرعة كي تغادر، ولكن رؤية أثير وقد عادت لمكانها استوقفتها، تقريبًا هي تلك الفتاة التي كانت بالصورة، ملامحها قريبة منها للغاية.

ارتفع الأدرينالين بجسدها ومضت نحوها وقد ازدادت حرارتها، وما أن لمحتها أثير حتى تعرفت على هويتها بسهولة، توترت ولم تدري ماذا يجب أن تفعل في موقف گهذا، حتى وجدت هايدي تقف أمامها مباشرة ونسأله بنبرة منفعلة: - أنتي عايزة إيه بالظبط من كل اللي بتعمليه ده!، عايزة إيه من راجل متجوز وبيسعى إنه يرجع لمراته؟! لو فاكرة إنه ممكن يبصلك...

ورمقتها ب احتقار وهي تتابع: - تبقي غلطانة
- أنتي بتعملي إيه هنا؟
هذا هو صوته الحاد المنفعل الذي تعرفه جيدًا، التفتت إليه وقد جذب رسغها بعنف وهو يوبخها قائلًا: - فاكرة نفسك فين عشان الحركات التافهه اللي بتعمليها دي؟
نظرت إليه بنظرة تجعله أضعف ما يكون أمامها، نظرة لها تأثير السحر عليه، ظن إنه تخلص من مفعول تأثيرها عليه ولكن رؤيتها من جديد كأنه أيقظ مشاعر قد دعس عليها لتموت..

تنفست وهي تجيبه بصوت خافت: - جاية انقذك قبل ما تقع مع واحدة زي دي، أنا عارفه غرضهم في النهاية بيكون إيه
- بس!
وسحبها معه للخارج كي لا تفتعل مشكلة هنا في هذا المكان المفتوح على الجميع، حينما كانت أثير تكافح لتبدو بصورة طبيعية رغم ألمٍ اعتراها، قبضت كفيها على بعضهما لتسيطر على ارتجافة أطرافها، ولكنها لم تستطع، ف أجفلت بصرها ونظرت إلى الحاسوب معتقدة إنها بذلك تغطي على ما تشعر به من قهر.

ابتعد ظافر بها عن محيط الفندق ووقف يصيح فيها: - انتي مين عشان تدخلي في موضوع ميخصكيش؟
فأجابت بدون تفكير: - مراتك ياظافر
فلم يترك مسافة ثانية واحدة ليجيب هو صائحًا ب انفعال: - كنتي، كنتي مراتي، مجرد كتب كتاب ومكملش، إيه اللي فكرك بيا!
ف رق صوتها وهي تجيب: - أنا عارفه إنك لسه بتحبني ومستنيني أقولك نرجع
ف ضحك بسخرية و: - مستنياكي؟، ده خيالك اللي مصورلك كدا، أنا نسيت خلاص، ياريت انتي كمان تنسي.

وأولاها ظهره، خطى بسرعة ليبتعد، مازالت رائحتها عالقة بأنفه، وصوتها يتردد في آذانه، يسيطر على قلبه المريض بصعوبة شديدة، فلم يرتتق جرحه بعد وهي أتت لتضغط عليه بقوة عازمة على إنزافه.
توقف لحظات، سحب شهيقًا عميقًا وزفره على مهل، وأعاد الكرّة مرتين، ثم ولج للفندق سالكًا الطريق نحوها، وقف أمامها صلبًا مدعيًا الثبات وهو يسألها: - كانت بتقولك إيه؟

فرفعت بصرها نحوه، صمتت ثوانٍ ثم أجابت وهي تتهرب من نظراته: - قالتلي إنكوا هترجعوا لبعض وإن محاولاتي كلها مفيش منها فايدة
ثم طأطأت رأسها بضيق وتابعت: - مع إني معملتش أي حاجه!
أومأ برأسه متفهمًا وقرر خدشها هو الآخر قائلًا: - انتي اللي ابتديتي كل ده! لولا تصرفاتك مكنش ده حصل!

ثم غادر، لم يكن فظًا غليظًا من قبل، حتى هو يتعجب لحاله الذي تغير مع تلك الفتاة بالذات، ولكنه يرى إنها تنال ما تستحقه، لذا كان إصراف التفكير في الأمر سهلًا يسيرًا.

السعادة التي تشعر بها تمارا في هذه اللحظة سعادة عارمة، منذ أن تدخل ظافر في أمر رحلتها التي رفضها رستم والأمر بات سهلًا أكثر، حتى وافق رستم بالأخير بعد إقناع ظافر له.

كانت تجوب غرفتها ذهابًا وإيابًا وهي تضب أغراضها في حقيبة السفر، حيث أن الحافلة ستتحرك في السابعة صباحًا، كان ظافر ينظر إلى تحمسها ب حبور، فهي الصغيرة التي حازت على دلاله واهتمامه أكثر من جميعهمن، نظر لساعة يده ثم أردف: - على مهلك ياتوته لسه الساعة 6 يعني
ف صفقت بتحمس و: - مش قادرة أقولك قد إيه متحمسة ياظاظا، دي مش أول مرة أروح الغردقة بس مع صحابي يعني غير أي مرة.

ثم عانقته ب امتنان و: - ربنا يخليك ليا ياظاظا
دخل رستم راسمًا الإمتعاض على وجهه وهو يقول: - نفذتي اللي في راسك برضو وهتروحي الرحلة! لولا أخوكي والله ما كنت سيبتك تروحي حته.

ف تدللت أكثر وهي تقول: - خلاص يابابا ربنا يخليك لينا بقى
- لو أتأخرتي هناك عن 4 أيام زي ما قولتي انتي حره!
- حاضر
وتركهم منصرفًا، بينما قال ظافر: - هبقى اجيلك 3 يوم زي ما اتفقنا، تمام؟
- تمام أوي
وتابعت ما تقوم به، تتخيل أحداث الأيام المُقبلة والتي ستنعم فيها ببعض الحرية التي لا تحظى بها هنا في منزل أبيها، تنتظر فقط أن ينفتح القفص ل تطير هي منه گالعصفورة التي حُل قيدها.

مرّت الساعات عليها ببطء حتى أصبحت بداخل الحافلة تستمتع بالفقرات التي يقودها مشرف الرحلة، حتى وصلت لأراضي العاصمة الساحلية الغردقة أحد أروع الأماكن التي قد تسافر إليها.
ولم تطيق حتى صبرًا لكي تستريح، بل بدلت ثيابها وانطلقت لتذهب إلى البحر وبعجلة.

كان رستم يتحدث في هاتفه عندما أحضرت زينب الكعك والشاي المخمر إلى الشرفة، حيث كان مهتمًا بما يتحدث حوله ولم ينتبه حتى لتواجدها وجلوسها بجواره: - بالظبط كده، يبقى خبر حلو والتفاعل عليه بزيادة، موّل المنشور زي ما تحب، كأنك صفحة بتسعى لتزويد عدد المتابعين مثلًا، أنا هبعتلك الصور اللي تشتغل عليها وتعمل بيها كل الهيصة دي، وعشان نبقى منطقيين أكتر هبعتلك صور لبنتي وجوزها برضو تنشرها.

انتبه رستم لتواجد زينب وهي تناوله قدح الشاي، ف تناوله منها و: - اتفقنا، سلام
- إيه الحكاية اللي انت مشغول بسببها من امبارح يارستم؟
تنهد رستم بضيق و: - من ساعة ما شوفت هايدي امبارح وانا دماغي مش على بعضها، مش هسمح إنها تسيطر عليه مرة تانية.

ثم نظر ب امتعاض إليها وقد تذكر ما قالت: - مش فاهم هي عايزة إيه من إبن الفلاح؟!، مش خلاص فضينا الموضوع واكتشف إن ابني مش بالعقلية اللي تليق بمستواها الرفيع؟ بتجري وراه دلوقتي ليه!

ارتشفت زينب رشفة شاي وبادرت بعدها: - منها لله، كفاية إنها خلته يبعد عن هنا عشان ميشوفهاش، بس انت ناوي على إيه!
فأجاب بدون أن تُغمض جفونه: - هجوزه، هجوزه أثير
ارتفع حاجبي زينب وهي تترك قدح الشاي خاصتها و: - انت بتقول إيه ياحج! هو ابنك صغير عشان هتقوله روح اتجوز دي؟ طبعًا مش هيوافق.

- غصب عنه هيوافق وهيقتنع، حتى لو بالحيلة، ودي هتبقى بتاعتي أنا، يكفيني نظرة الحب اللي شوفت البنت دي بتبص بيها لأبني، أنا مش عايز حاجه تانية.

ألتقط رستم قطعة كعك و: - وتمارا كمان، تمارا كمان لازم تتجوز
لم تستوعب زينب بالضبط إلام يرمي رستم، ولذلك كانت عبارته محط تعجبها: - تمارا!

سحبت تمارا شهيقًا عميقًا لصدرها برائحة البحر وصوت فقاعات زبدهِ المثيرة للراحة، ثم زفرته على مهلٍ وهي تنظر ل زُرقة السماء التي تلتصق ب سفح البحر العريض، أغمضت جفونها وهي تستمع لصوت البحر ممددة على مقعد طويل أمامه مباشرة وأردفت: - قد إيه حاسه براحة! مكنتش اعرف إن شعور الحرية ممتع كده.

بينما أردفت فدوى التي كانت تهتم بوضع طبقة من واقي الشمس على ذراعها: - مش قولتلك السفر من غير أهلك غير أي سفر تاني، المهم مش عايزين احتكاك مع حد نهائي ولا مع حسام ولا غيره
- ششش، متجيبيش سيرة الهمجي ده، أنا قولتلهم إنه مش موجود في الرحلة ووعدت ظاظا إني هلتزم بكل القواعد اللي قالهالي.

ثم عادت ترخي ظهرها و: - المهم اعيش يومين من غير تحكم وقرارات
- تيمو!
اخترق الصوت سمعها گصوت صاروخ اخترق طبقات الأرض توًا، صوتًا تعرفه جيدًا بل تحفظه أيضًا، انتفضت من نومتها وجحظت عيناها وهي تردد بعد تصديق: - إن شاء الله يكون اللي سمعته غلط، أنا ممكن أموت فيها لو ده حصل.

ف إذ ب مروان يقف قبالتها مباشرة مرتديًا تيشيرت رياضي ذا ألوان لبنيه فاتحة، وشورت يصل إلى ما قبل ركبتيه بقليل من اللون الأزرق، ابتسم ابتسامة عريضة وهو يقول: - صباح الورد ياتيمو
ازدردت ريقها وهي تقف عن جلستها قائلة: - كده كتير، كتير عليا أوي أقسم بالله!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة