قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية ابن رستم للكاتبة ياسمين عادل الفصل الثاني والثلاثون

رواية ابن رستم للكاتبة ياسمين عادل الفصل الثاني والثلاثون

رواية ابن رستم للكاتبة ياسمين عادل الفصل الثاني والثلاثون

كانت رؤيتها هنا صدمة شديدة لم تتوقعها قط، حتى إنها ظنت يومًا إنها لم تراها ثانية..
لم تهتم أثير حتى لوالدتها التي تسائلت من تلك، وسألتها مباشرة بعيون مترقبة تتفحصها: - انتي دخلتي هنا إزاي!؟
ف ابتسمت هايدي بسخافة وهي ترفع يدها الممسكة بمفتاح الشُقة وأردفت: - بمفتاحي!

تدخل المهندس فور شعوره ببداية شجار سيبدأ توًا محاولًا أن لا يسمح بوجود شئ گهذا: - آنسه هايدي مفيش داعي لل show ده، ياريت نقفل الحوار لحد كده وتتفضلي انتي
لم تهدأ سمية قبل أن تعرف هويتها، وكأن صدرها تسعّر ولم تطيق صبرًا أكثر: - مين دي ياأثير؟ ردي عليا يابنتي؟
فأجابت هايدي نيابة عنها: - أنا الزوجة الأولى للراجل اللي بنتك خطفته مني
حدقت سمية ل ابنتها و: - إيه الكلام ده ياأثير!

ف دافعت أثير عن نفسها بقوة وهي تنفي هذه التهمة الشنيعة عنها: - كدابة، محصلش ياماما
ثم نظرت إليها ب احتقار و: - أمشي من هنا دلوقتي، وانا هعرف إزاي أرد على تصرفك ده
هبطت هايدي الدرجتين ببرود و: - فاجئتيني! حتى طنط مامتك متعرفش؟
تلوت شفتيها ب استهجان و: - غريبة! مش مصدقة إن ظافر استمر مع واحدة أمها ليها سوابق! حقيقي مش مصدقة!

تحجرت سمية في مكانها من وصول معلومة گهذه لتلك الحقودة، ولم تقل عنها أثير صدمة، ولكنها كانت متنبهة أكثر ولم تترك الأمر هادئًا هكذا، حيث جرجرتها من ثيابها وهي تصيح فيها: - أطلعي برا، أطلعي
تخلصت هايدي من قبضتيها وضبطت هندامها وهي تردف: - هطلع، مش محتاجة أفضل في مكان سيبته ورايا ومشيت.

وانسحبت بالفعل، ولكن بعد أن تركت الوسط مشتعلًا هكذا، تحرجت أثير وهي تنظر للمهندس ثم أردفت بجدية: - معلش يابشمهندس مش هينفع نكمل النهاردة، خليها يوم تاني، ممكن؟
- أكيد
ثم نظر في ساعة هاتفه و: - هنتظر من ظافر تليفون يبلغني بالمعاد الجديد، سلامُ عليكم
انصرف..
وحاولت أثير تبرير ما حدث لوالدتها أو مواساتها لتلك الإهانة التي استمعت إليها قبل قليل وهي ترى هذه الحالة التي أصبحت فيها: - ماما أنا...

وقبل أن تتحدث حتى كانت سمية تستجمع نفسها وتتحرك لمغادرة هذه الشُقة على الفور، ركضت أثير خلفها وهي تنادي وترجو أن تنصت إليها ولكن هيهات لم تنظر سمية خلفها حتى، شقت طريقها وحدها وكأن ابنتها ليست خلفها حتى، ما زرع شعور الرهبة بداخل أثير خوفًا من أن تصاب ب ارتفاع في ضغط الدم أو يؤثر هذا الحديث على صحتها النفسية، كانت دائمًا شديدة الحساسية في موضوع گهذا، حتى إنها استغرقت وقت طويل لتتناسى فقط ما عانت منه، وأكثر ما كان يرهبها أن يصبح الأمر وصمة عار لبناتها، وها هو يحدث ما خشيته طوال سنوات وبهذا الشكل المثير للخجل.

وضعت تمارا سماعة الأذن الضخمة على رأسها وهي تستمع لصخب الأغاني لعلها تنسى هذا الموقف المرعب الذي واجهته اليوم، وأثناء ذلك كانت تقرأ عشوائيًا من مذاكرتها الدراسية وهي تدندن مع الأغنية ب انسجام.
وفجأة لمحت أضاءة هاتفها تنبثق والأغاني تتوقف معلنة عن إتصال هاتفي، ابتسمت وهي تنزع السماعة عن رأسها وتجيب على المكالمة و: - ريري، وحشتيني خالص.

اختفت ابتسامتها فجأة واعتدلت في جلستها وهي تستمع لشهقاتها و: - بتعيطي ليه؟ أهدي وأحكيلي اللي حصل
نزحت أثير دموعها وقالت شاعرة بضعف يؤرقها: - حصلت حاجه وحشة أوي ياتمارا، ومش عارفه اتصرف ازاي!
ف هونت عليها وقد انزعجت لحالتها و: - أهدي طيب وكل حاجه بتعدي، قوليلي بس وانا هتصرف.

سردت عليها تفصيليًا ما حدث، ف انفجرت براكين ملتهبة بصدر تمارا التي تفاقم غضبها كثيرًا وقررت ألا تترك الأمر هكذا بدون عقاب مناسب ودرس جديد تلقنه ل تلك الحقودة البغيضة، حتى إنها أقسمت أن تأتي ب حق أثير ووالدتها كاملًا: - أصبري عليا بس وانا هربيها، والله ل أكون كابوسها ال ×××× دي.

هدأت أثير بعد أن فاضت بما بداخلها، وأرادت هي الأخرى أن تنتقم لنفسها منها: - أنا زعلانة من نفسي عشان معرفتش أرد القلم ليها ودي مش أول مرة، زهقت من قلة الحيلة دي! هي مشكلتي إني متربية يعني!
- أنا هعلمك فن الرد متقلقيش، نخلص من البومة دي بس وانا هديكي كورسات مدفوعة الأجر.

ضحكت أثير، ف تفائلت تمارا عقب أن استطاعت تخليصها من كئابتها ولو قليلًا و: - أيوة كده اضحكي
وتابعت بخبث في نبرتها: - وتعالي بقى أقولك هنعمل إيه.

كانت زينب تتحدث إلى رستم في الهاتف و: - خلاص مستنياك على العشا، لأ چيهان لسه مرجعتش
ثم تنفست شاعرة بثقل على صدرها: - الولاد اتعشوا وناموا وهي لسه برا
استمعت لصوت رنين الجرس، فنهضت عن جلستها و: - هشوف مين على الباب يارستم واكلمك، سلام
فتحت الباب لتنصدم برؤية سمية أمامها، ولكنها تجاوزت شعور الصدمة واستقبلتها بترحاب وهي تُدخلها: - أهلًا وسهلًا أهلًا، أدخلي ياحببتي نورتي.

لم تجيب سمية حتى على سلامها، مما جعل زينب تشعر بريبة، مستحيل أن يكون الأمر خير، تعابير وجهها وصمتها ينبئان بوجود شئ خطير.
اصطحبتها نحو غرفة الإستقبال وهي تقول: - تشربي إيه ياحببتي
التفتت إليها، كانت شابكة أصابع يديها وملامحها جامدة گالثلج وهي تردف: - تسلمي، أنا جيالك في كلمتين مهمين لازم أقولهم وامشي على طول.

ف أجلستها وقد تسرب القلق لداخلها بالفعل وتسائلت: - قلقتيني ياست سمية، حصل حاجه بين الولاد ولا إيه؟
- اللي حصل حصلي أنا
كانت شجاعة للغاية وهي تتحدث، لم تكن تدري إنها ستكتسب هذه الطاقة التي دفعتها للمجئ إلى هنا والتحدث عن هذا الأمور بتاتًا، ولكن الأمر يحتاج لمواجهة مباشرة.

تنفست سمية وسردت على الفور: - أثير كانت صغيرة لسه لما أبوها مات، مبقاش ليها غيري في الدنيا، حتى عمها استكتر علينا الشقة الورث وحط إيده عليها، مكنش معايا اللي اصرف بيه على محامين ومحاكم عشان أرجع حق البنات اللي كانت واحدة منهم بترضع لسه، روحت اشتغلت وحاولت أقف على رجلي، جيبت مكنة خياطة وقماش وبدأت اشتغل عشان اصرف عليهم يدوب على الأد، بس معرفتش، جامعة أثير ومصاريف البيت والإيجار وإيصالات الأمانة اللي كانت عليا، كله اتحط على بعضه.

ثم ابتسمت وكأنه الخذل، وتابعت كلمتها بمرارة: - لحد ما اتسجنت بسبب إيصال أمانة ب 30 ألف جنيه
حدقت زينب مذهولة من تلك المأساة التي تستمع إليها، ولكنها لم تشعر بالضيق منها قط، بينما تابعت سمية مسترسلة: - بنتي ربنا يحميها عمرها ما حسستني إن في نقطة سودا في حياتهم بسببي، مع إن الفقر عمره ما كان عيب، بس الناس مش هتبص لكده، دي الحقيقة اللي لازم تعرفوها كلكوا قبل ما بنتي تبقى واحدة منكم.

ربتت زينب على كفها وهي تقول: - انتي معملتيش حاجه عيب ياست سمية، انتي استحملتي الحياة وواجهتي عشان ولادك
هزت سمية رأسها بتفهم و: - صح، اللي مش صح هو الوضع اللي بنتي اتحطت فيه النهاردة وانا معرفتش أرد فيه بالرد المناسب
- وضع إيه!
- وضع مرات إبنك الأولانية اللي مكنتش اعرف عنها حاجه!

اضطربت زينب غير قادرة على الرد، بينما تابعت سمية: - مش هسمح أكون وسيلة تتذل بيها بنتي ياست زينب!، بنتي مش علاج لحد، بنتي تتحط على العين والراس وتستاهل أكتر من كده.

نهضت سمية عن مكانها، ف لحقت بها زينب قبل أن تتحرك و: - انتي فاهمه غلط، خليني أشرحلك الحكاية كلها وبعدين أحكمي بنفسك
وكأن طاقتها للسماع ما زالت باقية، لن تصدر أحكام هكذا بدون أن تعرف أصل الحكائة، ولكنها لن تتراجع عن ردّ اعتبار ابنتها مهما حدث.

كم كانت منتعشة وتشع بالحيوية والنشاط منذ البكور!
وكأن ما فعلته أمس راق لها كثيرًا وجعلها في مزاج أفضل.
غادرت هايدي منزلها بالملابس الرياضية مستعدة للذهاب إلى النادي كي تمارس رياضتها بداخل صالات ال gem وودعتها جميلة بسرور وهي تراها قد بدأت تستعيد ابنتها.
حتى إنها وقفت تُعد بنفسها فنجان من القهوة كي تحتسيه، ف إذ بالخادمة تدخل المطبخ و: - مدام جميلة، في ضيفة مستنياكي برا أسمها زينب.

تنغض جبينها مدهوشة من وجود زينب تحديدًا هنا، وخرجت متعجلة لتجدها أمام الباب، ف دعتها للدخول و: - طب أدخلي، دي أول مرة تيجي هنا من آخر زيارة!
رمقتها زينب بنظرات ممتعضة وهي تتحدث بأسلوب عنيف: - مش جاية عشان نتبادل الهموم ونكلم مع بعض زي الأخوات ياست جميلة، أنا جاية أحذرك انتي وبنتك التحذير الأخير.

نفخت جميلة وهي تشيح بوجهها بعيدًا وحاولت إلقاء اللوم عليهم ثانية: - مش فاهمه هتشيلي بنتي من دماغك أمتى يازينب! أنا ما صدقت إنها بدأت ترجع لحياتها الطبيعية.

ف ابتسمت زينب بسخرية و: - خلي بنتك هي اللي تبعد عن أبني وتبطل تلف ورا خطيبته، بنتك دمرت حياة ظافر بما فيه الكفاية، أكتر من كده هتلاقيني أنا في وشها، ولو فكرت تتحرك خطوة واحدة ناحية خطيبة ظافر، أنا مش هقول إني أم وليا بنات زيها، هعمل كل حاجه ممكن تتخيليها.

ف انفعلت جميلة وهي تقول: - انتي جاية تهدديني في بيتي!
- زي ما بنتك راحت تعمل الشويتين بتوعها مع أثير وفي بيت إبني
لم تجد جميلة ما ترد به أو تدافع عن ابنتها عن طريقه، ولم تهدأ ثورة زينب قط، بل إنها كانت تنفعل أكثر وأكثر بدون توقف.

~ على جانب آخر ~.

كانت ترتدي نظارتها الشمسية وهي تسير بخيلاء تحمل حقيبة الظهر على كتفها، وما أن وصلت هايدي للمبنى الخاص ب الصالات الرياضية خطت نحو المصعد الألكتروني واستقلته، وقفت تنظر للمرآة بإعجاب شديد لنفسها والمصعد يتحرك بها للأعلى، وفجأة، شعرت ب اهتزازه عنيفة قبل أن يقف المصعد نهائياً عن العمل وتنطفئ الأضواء، ف صرخت بهلع وقد سقطت نظارتها وتركت حقيبتها بدون اهتمام، طرقت على باب المصعد بعنف وهي تصرخ وتستغيث: - ألحقوني الأسانسير عطل! حد يلحقني، عندي فوبيا الأماكن المظلمة please جد يلحقني.

وظلت تضرب بأيادي عنيفة وتستنزف كل قوتها وطاقتها في الهلع والصراخ، حتى حضر أحدهم وحدثها من خلف المصعد: - أهدي يافندم إحنا بنحاول نشوف حل، أهدي
وكأنها تبكي وهي تستغيث به: - بسرعة أنا خايفة، حاسه إني بتخنق، الدنيا ضلمة أوي هنا
- حاضر.

ركض موظف الأمن ليحاول إيجاد حل سريع لإخراجها بينما تجمع عدد من رواد المكان حول المصعد وأشفقوا على حالها، عاد موظف الأمن و: - هنشوف حد يحل المشكلة اللي حصلت في الكهربا عشان في قفلة
ف صرخت أكثر وهي تضرب أكثر وأكثر: - يعني إيه قفلة، ده انا هوديكم في داهية!، بقولك أتصرف وخرجني.

كانت تمارا تتناول البطاطس المقرمشة بنهمٍ وتتلذذ بمذاقها الذي تعشقه، تقف مستندة على الجدار وهي تنظر للبطاطس ب إعجاب، بينما كانت الموظف ينظر حوله قبل أن يردف: - كفاية كده ياآنسه تمارا، بقالنا ربع ساعة قافلين عليها الكهربا ممكن تتخنق
تمطقت تمارا وهي تنظر لساعة يدها و: - متخافش مش هتموت، دي بومة، خليها تتربى الحرباية اللي ملقتش حد يقف في وشها دي.

ثم تناولت أصابع البطاطس ودستها في فمها وهي تردف ببرود: - البطاطس المقرمشة دي بحس إنها بتغسلني من جوا كده وانا باكلها، ياااه.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة