قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية ابن رستم للكاتبة ياسمين عادل الفصل الثالث والثلاثون

رواية ابن رستم للكاتبة ياسمين عادل الفصل الثالث والثلاثون

رواية ابن رستم للكاتبة ياسمين عادل الفصل الثالث والثلاثون

وبعد وقت ليس بقليل، تم حلّ مشكلة انقطاع الكهرباء عن المصعد التي سُجنت فيه هايدي خمسة وثلاثون دقيقة كاملة وهي تعاني من نوبة الهلع والذعر نتيجة إصابتها ب فوبيا الأماكن المظلمة..

كان الكثير من التجمهر أمام المصعد في انتظار خروجها، وحاول الأمن إصرافهم لمنع الحرج عنها، وما أن انفتح الباب هرعت تخرج من الداخل متعرقة بشكل مفرط وقد التصقت شعيرات رأسها بجبهتها وتتنفس بمعدل سريع للغاية وكأنها انتهت من ركض مسافات طويلة، أمسكت إحداهن بيدها وكأنها تساندها وأردفت: - ألف سلامة عليكي ياغالية.

رفعت هايدي بصرها نحوها وقد اعتراها غضب شديد عندما رأت تمارا، سحبت يدها وهي تصيح فيها: - وانتي مالك انتي!
ف تماثلت تمارا للبرود الشديد وهي تشير لزجاجة المياه الباردة التي كساها بخار الجو: - أخس عليكي! وانا اللي جيبالك ميا ساقعة مخصوص عشان تروقي دمك!
نظرت هايدي للمحيطين وصرخت فيهم وهي تصرفهم من حولها: - واقفين تتفرجوا على إيه! أبعدوا عني.

ف بدأ الجميع ينصرف من حولها وهم يتمتمون بكلمات مبهمة غالبًا كان أغلبها سباب لاذع..
ثم التفتت إليها وجذبت المياه منها وهي تردف: - أبعدي عني ياتمارا، أبعدي
وراحت ترتشف من المياه لتتخلص من جفاف حلقها، ولكنها بصقته فجأة و: - ميا بملح!
فأجابت ببراءة مصطنعة وهي تعقد حاجبيها بضيق: - أنا غلطانة إني فكرت في حاجه تتطهرك!
نظرت هايدي إليها بحنق وكادت تنقض عليها لتفتك بها: - أنتي عايزة مني إيه!

ف تغيرت تعابير وجه تمارا على الفور وأصبحت أكثر حزم وصرامة وهي تحذرها: - تبعدي عن أثير خالص، بدل ما اطلعلك في كوابيسك ياديدي، خليكي في حالك بدل ما اقلبهولك.

ثم ابتسمت متابعة: - المرة الجاية أبقي أطلعي على السلم أسهل، أوكي؟
واستدارت لتنصرف وعلى محياها ابتسامة منتصرة، خرجت لتستقل سيارتها بجوار أثير التي كانت تنتظرها، ثم غمزت لها و: - أي خدمة، خليتك تشوفي كل حاجه صوت وصورة أهو؟
ضحكت أثير بسعادة وهي تشكرها: - ربنا يخليكي ليا ياتوته، مش عارفه من غيرك كنت هعمل إيه!
تحمست تمارا وهي تقول: - دلوقتي نروح ناكل بقى.

وأشارت للسائق: - يلا ياعم حسين ودينا المطعم اللي بحبه
ثم نظرت ل أثير و: - بيعمل شوية جمبري بقى إنما إيه! وهم.

مجرد وصول نبأ گهذا ل مسامع ظافر جعله يشتط، كان منهمكًا في عمله لم يتفرغ للتواصل معها حتى منذ الأمس، ولكن ما أخبره به مهندس الديكور المسؤول عن الشُقة جعله يمقتها أكثر، غرز أصابعه بين شعيرات رأسه وضغط بقوة وهو يردف: - مجاش في بالي نهائي إن لسه معاها مفتاح الشقة! النهاردة تغيرلي الباب ده كله، وانا لما اشوفك هستلم منك المفاتيح، شكرًا.

أغلق الهاتف في اللحظة التي دخل فيها فني الطيارات إليه و: - حبيت أفكرك إن في اجتماع قيادة بعد نص ساعة يافندم
ف أومأ برأسه إيجابًا و: - شكرًا
خرج، ف بدأ يجري مكالمة عبر هاتف المكتب حتى أتاه الرد: - ألو، وصلني ب اللواء زكريا من فضلك
نفخ بضيق وهو يردف: - تمام، هتصل بيه وقت تاني
أغلق الهاتف وبدأ يستخدم هاتفه الشخصي كي يتصل بها، ولكنه وجد هاتفها مغلقًا، ف ألقى الهاتف ب عدم اكتراث وغمغم ب: - وبعدين!

عمّ مساءًا..
كان أغلب أفراد العائلة يتجمعون حول طاولة العشاء بجانب مروان الذي أصرت عليه زينب بالتواجد معهم، جلس بجوار تمارا التي لم تهتم به إطلاقًا، ملأت صحنها بالطعام وجلست لتبدأ بتناوله، ف لفتت زينب انتباهها قائلة: - حطي في طبق مروان ياتوته! انتي نسيتي ولا إيه؟
ف نظرت نحوه ب استهجان و: - ليه هو صغير ياماما! ما يحط لنفسه!
حدقت فيها چيهان و: - الأصول بتقول كده ياتمارا.

دست تمارا الملعقة في فمها وكادت تلتقط طبقه ولكنه كان يسحبه من قبلها و: - متشغليش بالك ياطنط أنا هحط لنفسي
ف عادت تمارا تنظر لطبقها و: - جدع
بدأ رستم بتناول الحساء خاصته وهو يتحدث ل مروان و: - فكرتم في حاجه بخصوص الفرح يامروان
ف سعلت تمارا وقد توقف الطعام في حلقها، حتى عيناها أغرورقت بالدموع عقب ما سمعته، فناولها عمر الماء و: - كلي براحة ياخالتو.

ف كتم مروان ضحكة وهو يقول: - معلش ياحبيبي هي كده، مستعجلة على طول
ف رمقته بحدة وهي تترك كأس المياه، ف أعاد رستم سؤاله: - مقولتش حاجه يامروان!
ف أجاب بدبلوماسية محنكة: - اللي تشوفه ياعمي
دعست تمارا على قدمه بعنف، ف كتم تأوه متألمة، وأجابت هي نيابة عنه: - لسه بدري يابابا، حضرتك ناسي إني داخله رابعة كلية!
- عادي يابنتي، بنات كتير بتتجوز وتكمل جامعتها مع الجواز
ف أيّد مروان رأيه و: - عندك حق ياعمي.

تركت الملعقة من يدها ورفضت رفضًا قاطعًا: - لأ، مش عايزة أتجوز وانا بدرس
ف تدخلت زينب و: - عادي ياحببتي ممكن يبقى في أجازة الترم ونبقى قسمنا البلد نصين
نهضت تمارا عن مقعدها و: - هنبقى نشوف الموضوع ده أنا ومروان ونبلغكم، أنا شبعت عن أذنكم
غمز مروان ل رستم الذي تفهم على الفور، فأومأ بالإيجاب وتابع تناول طعامه.

كان ظافر يلاعب الكلب بيكاتشو مع تيّا حتى تحضر أثير التي غابت عن المنزل حتى وقت متأخر، حتى إنها فوتت الحديث الهام الذي كان بينه وبين سمية، حيث أفصح عن حسن نواياه ووعدها ألا يخذل ثقتها أبدًا، حتى إنه وعد بأشياء كثيرة لا يعلم هل حقًا سيستطيع فعلها أم لا، فهو لا ينقض وعدًا ولا عهدًا أبدًا.

انفتح الباب ودخلت أثير وهي تحمل العديد من الحقائب، ومع رؤيتها له تفاجئت وهي تضع حوائجها جانبًا و: - مقولتليش إنك جاي!
- وانتي مقولتليش إنك هتتأخري أوي كده!، انتي متعودة ترجعي في الوقت ده ولا إيه؟
ف اقتربت منه وجلست أمامه: - لأ، بس كنت بجيب حجات نقصاني
هز رأسه متفهمًا وهو يردف: - طيب، متتأخريش تاني
وكأنها أحبت أن يُملي عليها أوامره وتعليماته، ف ابتسمت مرددة: - حاضر.

ثم نظرت لشقيقتها الصغيرة و: - خدي بيكاتشو والعبوا جوا ياتوتي
فأشارت له تيا وكأنه يفهمها: - يلا يابيكو
خرجت سمية حاملة القهوة الخاصة ب ظافر و: - أتفضل يابني، القهوة دي مش هتشربها من حد غيري
نهض وهو يأخذها منها و: - تسلم إيدك
ثم جمعت سمية الحقائب و: - أنا هدخل دول واسيبكم تتكلموا براحتكوا
حينما كانت أثير تُخرج بطاقات الدعوة من حقيبتها و: - الدعوات دي عملها عمي عشان نختار منهم.

تفاجئ قليلًا وهو ينظر لهم، وعقب على ذلك قائلًا: - آه يارُستم
ثم نظر إليها و: - أثير، أنا مش بحب حد يتدخل في حياتي حتى بابا، عشان كده مش عايزه يستخدمك في إنه يتحكم باللي هنقرره
- عارفه
- بكرة چيهان هتاخدك عشان تختاروا الفستان مع بعض
أومأت برأسها وهي تترك هذه الأحاديث الجانبية و: - ظافر، مش عايز تقولي حاجه!؟
ف أطرق رأسه بضيق وهو يردد: - أنا آسف على اللي حصل امبارح، صدقيني مجاش في بالي إن ده ممكن يحصل.

ولكن لم يكن هذا مغزى سؤالها، ف أعادت التساؤل بصيغة أخرى: - أنت كنت عارف بموضوع أمي!
وكأنه يخبئ عيناه منها وهو يجيب: - آه
فعاتبته قائلة: - ليه مقولتش!؟
- لأنه مش موضوع مهم بالنسبالي ومقللش من نظرة الإحترام اللي جوايا لوالدتك
نهض عن مكانه وجلس قريبًا منها، حاول أن ينصاع لشئ بداخله يسحبه لفعل ذلك وفعل، أمسك كفها وهو يقول: - متزعليش، كل حاجه هصلحها بنفسي.

شبكت أصابعها بيده وكأنه عانقت كفه، ثم أردفت: - كل حاجه هتتصلح بوجودك، طول ماانت موجود كل حاجه كويسة ياظافر
ابتسم وكاد يسحب يده، ولكنها تشبثت به و: - خليك جمبي، وجودك اللي بيهون عليا كل حاجه
نظرة بعيناها، ف تبيّن له الحب المختبئ خلف بُنيّتيها، كيف لإنسان أن يعشق هكذا بدون أن ينتظر مقابل؟، هل سيكون له مصير يتمناه معها بالفعل أم إنه يقضي على أحلامها؟!

أجفل ظافر بصره قبل أن يستطرد: - أيام كده ونروح نعمل التحاليل عشان كتب الكتاب
- ماشي
وفتحت الأمر معه قائلة: - ظافر، أنا هشتغل بعد الجواز
تنغض جبينه وسأل: - ده قرار ولا سؤال؟
- سؤال
ف لم يُقيد حريتها لهذا الحد وترك لها حرية الأختيار: - اللي يريحك، أنا معنديش مشكلة في الحالتين
خرجت تيا متذمرة وهي تحمل حقيبة طعام الكلب و: - ريري! أكل الكلب خلص وهو جعان.

نهضت أثير عن مكانها واتجهت نحو المطبخ: - هشوفلك في المطبخ كيس تاني
- لأ كان آخر واحد
قالتها وهي تسير خلفها، ف خرجت أثير و: - خلاص هجيبلك بكرة الصبح قبل ما اروح الشغل
نهض ظافر عن مكانه و: - أنا هجيبلك ياتوتي عشان بيكو ميفضلش جعان
ف بعثت بنظرة ممتنة له و: - شكرًا
ف عرض عليها قبل أن يتحرك: - تيجي معايا؟
كادت تقفز من مكانها بسعادة عقب عرضه هذا، وسرعان ما التقطت حقيبتها و: - يلا بينا.

كانا يتشاركان شرب الشاي في الشرفة حينما التهى الجميع بالخارج، استند رستم على الدرابزون ونظر للخارج وهو يسأل: - أنا واثق إنك هتقدر تعملها
نظر مروان لقدح الشاي بتعجب و: - أكيد ياعمي، شوية وقت بس وهي بنفسها هتعترف إن الخطوبة دي رسمية
ثم تسائل: - هو الشاي ده ماله! طعمه غريب
ف ضحك رستم و: - عمايل تمارا كلها طعمها غريب.

دلفت تمارا فجأة وهي تحمل الحلوى گ حجة جيدة لتكتشف فيما يتكلمون و: - جبتلكم كنافة بالمانجا
فسحب رستم كوب الشاي خاصته و: - أنا ماليش فيها، خلي مروان ياكل وانا هخرج عشان الهوا تعبني
خرج تاركًا إياهم بتعمد، ف لم تصبر تمارا وسألته: - كنتوا بتكلموا في إيه؟
- ولا حاجه، سياسة ملكيش فيها
ثم رفع يده بكوب الشاي و: - هو الشاي ده فيه إيه؟
لم تهتم لسؤاله و: - أنا بكلم معاك ركز معايا، بابا فتح سيرة الجواز تاني؟

تعمق بعيناه التي تفقد أمامها السيطرة بالنظر إليها و: - انتي قلقانة مني ليه ياتمارا؟
أشاحت بوجهها عنه، فترك كوب الشاي واقترب منها، رفع رأسها لتنظر له و: - أنا عمري ما هسمح إنك تتجبري على حاجه، عايزة تفسخي هنفسخ، عايزة تكملي هنكمل، كله في إيدك، ده وعد مني.

ثم مسح على خدها ب إبهامه وانسحب للخارج..
وقفت هي ثابتة هكذا متسمرة لا حراك فيها، موضع بصرها لم يتحرك وكأنه مازال واقفًا، رفعت أصابعها وتحسست بشرتها الدافئة، لماذا يؤثر عليها هكذا بطباعه التي لا تعرف عنها شيئًا؟!، لماذا يترك أثرًا في كل مرة قبل أن يغادر ويتركها!

دخلت سمر لدورة المياه وقد استعدت كي تستمتع بجلسة استحمامية باردة تنعش جسدها..
ف وجد علي فرصة مناسبة كي يبحث عن مراده، فتح خزانتها الخاصة وبدأ يبحث ويبحث، وجد بعض الملابس الثمينة التي كانت تعود ل زوجته السابقة، فساتين وأثواب ناعمة للنوم وثياب متعددة.

ذُهل غير مصدقًا إنها فعلت شيئًا گهذا!، ولم يتوقف عن بحثه حتى وجد أسفل الملابس حقيبة صغيرة، سحبها وفتحها، ليجدها ممتلئة بمصوغات ذهبية كلها تعود ل چيهان بجانب مبلغ مالي ليس صغير، اتسعت عيناه بعدم تصديق، هل يعقل إنها تجرأت على ذلك!؟

دلفت هايدي لغرفتها منهكة وقذفت ب حقيبتها بعنف، ارتمت على فراشها وهي تستعيد في ذهنها ما حدث هذا الصباح وجعلها في حالة مذرية، تفكر فعليًا في الإنتقام لنفسها، ف الوضع الذي حُشرت فيه ليس ب هيّن.
وأثناء أنشغالها بالتفكير في ذلك انفتح الباب فجأة ودخل منه زكريا وعلى وجهه تعابير تُنذر بوجود أمر ما، ومن خلفه جميلة تحاول تهدئته: - أهدى يازكريا مش كده.

فسألها والدها وهو ينظر لوجهها مباشرة: - انتي روحتي شقة ظافر!؟
لم تستطع هايدي قول حقيقة گتلك لوالدها، توترت على الفور وأحادت بصرها محاولة اختلاق ذريعة تنقذ نفسها بها، ف وجدته يجذبها من رسغها ويعتصره ب عنف وهو يكرر: - ردي عليا!
فحاولت جميلة أن تتدخل قبيل أن يفقد سيطرته على نفسه: - استنى بس خلينا نحسم الموضوع بهدوء.

دفعها زكريا على فراشها وقذف بدعوة كتب الكتاب في وجهها وهو يقول: - اللي بتجري وراه هيتجوز كمان أسبوعين، مش فاكرك ولا باصصلك، نسي من زمان انتي مين.

تحجرت الدموع في عيون هايدي، ولكن والدها لم يشفق عليها أبدًا ولم يتردد في اتخاذ قرار يوقف دلالها: - جهزي نفسك، أنا كلمت عمك في أمريكا وهتسافري عنده الأسبوع الجاي
اضطربت جميلة وحاولت أن تتدخل في قراره: - زكريا آ...
فقاطعها وقد ارتفع صوته الجهوري قائلًا: - مفيش مناقشة في القرار ده، هايدي هتسيب مصر لحد ما انا أقرر هترجع أمتى، خلصنا.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة