قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية ابن رستم للكاتبة ياسمين عادل الفصل الرابع والثلاثون

رواية ابن رستم للكاتبة ياسمين عادل الفصل الرابع والثلاثون

رواية ابن رستم للكاتبة ياسمين عادل الفصل الرابع والثلاثون

طاقة الخوف التي تدعها تُغلفك تقضي على لحظات السعادة التي تعيشها، تخشى فقدان ضحكتك، تخاف ألا تدوم فرحتك، ولكنك في النهاية ستخسر مقابل خوف جعلته هاجسك، ف لا تفعل ذلك بنفسك.

كانت تنظر لأشكال النجوم البلاستيكية المضيئة الملتصقة بالجدران والسقف كأنها تعيش في مجرة أثناء الظلام، تستعيد اللحظات القليلة التي قضتها معه وإن لم تكن بالغة الرومانسية، ف هي ترضى حتى بالقليل طالما معه.
فتحت أثير أضاءة الأباجورة الخافتة ومدت يدها تلتقط الحقيبة البلاستيكية عن الأرض، والتي كانت تحتوي على حلوى ومقرمشات والعديد من الشيكولاتات والبسكوت ورقائق البطاطس شيبسي، ألخ.

جميعها أشياء أحضرها لها وأحضر مثيلتها لشقيقتها الصغرى، إنها تفصيلة صغيرة ولكنها كانت فارقة، استطاعت أن تتجاوز كل شئ بهذا الشعور، الآن يخبرها حدثها بأن ثمار صبرها على وشك النضوج وستأتي بنتائج تبهرها، وهي تنتظر تحقيق ذلك على أحرّ من الجمر.

لم تتناول من تلك الأشياء وكأنها ستحتفظ بها للأبد، ثم سحبت هاتفها من أسفل الوسادة وفتحت تلك الصورة التي التقطت لهم ليلة خِطبة تمارا، كانت مميزة للغاية، حتى إنها جعلتها خلفية ل حسابها الشخصي على مواقع التواصل الإجتماعي مع كتابة عبارات رومانسية رقيقة، نهضت عن مكانها متيقنة إنها لن تنام بسبب سعادتها التي دفعتها لأن تشاهد فيلم رومانسي وتفكر به حين ذلك، كي لا تنسى أي لحظة مرت بها اليوم وهي بصحبته، ستكون ذكرى خالدة في عقلها مهما مرّ ومضى.

قضت تمارا أغلب الوقت في الشرفة بعد انصراف الكُل إلى مكانه، فيما تفكر ولماذا؟، لا تعلم، عقلها مشوش للغاية وتداخلت الأمور وتكاثرت على عقلها، إلى أن وجدت شقيقها العزيز يداهم خلوتها ويقف بجوارها فجأة، ف نظرت إليه بينما كان يقول: - بالك مشغول بإيه ياتوته؟
استعادت طبيعتها الشقية في لمح البصر وهي تجيب: - ولا حاجه، زهقت من الأوضة، انت أتأخرت ليه؟
- كنت عند أثير.

ثم اعتدل في وقفته ملتفتًا إليها وتسائل: - انتي السبب في اللي حصل ل هايدي الصبح في الچيم؟
زاغت عيناها يمينًا ويسارًا ثم استقرت في الأعلى، كبح ضحكته وكأنه يتصنع الحزم وهو يعيد: - تمارا! أنا بسألك؟
توترت على الفور وهي تحاول إنقاذ نفسها من الموقف الذي حُشرت فيه و: - أكيد البومة هي اللي قالتلك! ده انا ساعدتها وشربتها ياكش تكون آخر شربة وبرضو مطمرش، ده انا آ...

ف قاطعها بعدما رأى حالتها المتوترة تلك و: - مش مهم، أنتي عملتي حاجه الصح المرة دي
وكأنها لم تستوعب ما قاله للتو، ف حدقت به وهي تتسائل: - ده بجد؟ يعني مش زعلان؟
- تؤ، كان لازم تلاقي رد على تصرفها
ف اتسعت ابتسامتها وفتحت يدها لتصفق على يده و: - جدع ياظاظا
رأى رستم تلك الحالة المبهجة التي وصل لها أبنائه، فوزع نظراته المتوجسة عليهم و: - أنا مش مرتاح للتجمع ده والضحكة دي!

عاد وجه ظافر لجديته وهو ينظر لوالده و: - ليه ياحج!، ده تجمع خير وانت هتفرح بيه أوي
فدخل رستم وتسائل بفضول: - خير!
تأهب ظافر ل يزّف إليه الخبر بنفسه قبل أن يسعى لمعرفته من أثير: - هنروح نعمل تحاليل عشان كتب الكتاب، حبيت أعرفك قبل ما تسأل برا
وكأنه يلمح إلى شئ ما في حديثه، وتفهم رستم ذلك على الفور وأجاب بسرعة: - برا أو جوا، الاتنين واحد عندي.

ثم نظر لابنته الصغرى وحبة قلبه، آخر أبناءه ومدللة العائلة، ثم وضع يده على كتفها وهو يقول: - خلاص أثير بقت في غلاوة تمارا عندي، اللي يزعلها يزعلني
ارتفع حاجبي ظافر ب تعجب و: - بقيت أبو العروسة يارستم!
ف أجاب بتباهي: - طبعًا، خلي بالك عشان أبو العروسة دمه حامي شويتين
أومأ رأسه بتفهم ولين مجيبًا: - متقلقش، عارف
دخلت زينب وهي تتشح بوشاح خفيف ونظرت للجميع وهي تتسائل: - متجمعين كلكم هنا ليه!

ف حاوطها رستم و: - تعالي جوا عشان الهوا وانا هفهمك
وخرجن معًا..
راقبتهم تمارا حتى اختفوا من أمامها، ثم أردفت: - رستم الأب غير رستم الزوج خالص ياظاظا، عمري ما شوفت بابا زعق لماما ولا زعلها ولا اتعصب عليها!

لم يعقب على ما قالته، ف التفتت إليه لتجده قد شرد وذهب في عالم آخر، انسحبت بهدوء من مكانها، وتركته وحيدًا كي يختلي بأفكاره قليلًا، على ما يبدو إنه وصل لمكان ما ولا يرغب في تركه الآن.

وفي ذروة الظهيرة..
كانت تمارا قد أنهت آخر امتحان لها بالفصل الدراسي الثاني ووقفت تنتظر حضور مروان كي يصحبها للمنزل.
وبينما كانت تهتم بالنظر في هاتفها سألتها فدوى: - طب انا واقفة معاكي ليه طالما مروان جاي ياخدك؟ سيبيني أمشي
كانت تمارا تقرأ بصوت خافت من هاتفها ولم تستمع لها: - لن يتحمل جنونك رجل لا يحبك!
ثم تحدثت لنفسها گالعادة: - معقولة! أممم نجرب
- توته!

ف انتبهت لها أخيرًا و: - إيه ياديدي! في إيه؟
- أنا ماشية
قالتها ب امتعاض وهي تنصرف من جوارها، ف تنهدت تمارا ب انزعاج جلي و: - مش وقته ياديدي، أنا بفكر في الخطة الجاية
ونظرت للطريق تبحث عنه حتى لمحت سيارته تقترب، ف سحبت شهيقًا عميقًا زفرته على مهلٍ ومسحت كفيّها سويًا وهي تهمس: - تعالى ياميرو، تعالى ياحبيبي.

كان ظافر جالسًا على أريكة مريحة في زاوية غرفة مكتبه يتواصل معها عبر تطبيق المحادثات الشهير، حيث بدأ مهندس الديكور بتنفيذ رغباتها وتعديل ما أرادت تعديله ب اهتمام، حتى أن ظافر قام بتغيير بعض الألوان التي أصرّت هايدي سابقًا على طلاء الجدران بها.
أرسل لها بعض الصور المصورة لجدران الشُقة بعد التعديل وسألها عن رأيها: - إيه رأيك؟ أحلى ولا نغيره
- جميل أوي، أحلى من الأول.

- لو حابه تروحي الشقة في أي وقت أنا غيرت الباب كله وبعتلك المفاتيح
- شكرًا ياظافر، شكرًا على كل حاجه
ابتسم ظافر وهو يقرأ كلماتها، ثم أجاب: - انتي تؤمري.

ومع سماع صوت طرقات على الباب أغلق الهاتف ونهض عن مكانه ليهتم بعمله، ولكن كانت أنظاره الشغوفة على هاتفه الذي أضاءت لمبة إشعاراته الخضراء، متلهفًا ليقرأ ماذا أجابت وما الذي أرسلته، ولكنه مضطر الآن أن لا يقرأها، ف بقى مزاجه متعكرًا منزعجًا، حتى عندما اضطر لحضور اجتماع القيادة العاجل كان هكذا.

~على جانب آخر~
لا تدري ما هذا الشعور وما ماهيته، أحست إنها ترغب وبشدة في إجراء إنقلاب بحياتها، كل شئ قديم سينهار ليأتي خليفهُ المستجد.
استيقظت چيهان بالصباح منتوية على زيارة المتاجر التجارية ل ابتياع الكثير من الأشياء التي ستفيدها بالمرحلة المقبلة، وإيمانًا منها بأن التسوق يغير من مزاج المرء أيضًا وهذه النظرية صحيحة.

ارتدت ملابسها على عجل واطمئنت على حال الصغار قبيل أن تتركهم أمانة بين يديّ والدتها، ثم خرجت للتسوق.

كانت الأغاني الأجنبية الصاخبة تُشعل سيارة مروان الذي ضاق ذرعًا وأحس بتضاعف حجم رأسه من شدة الصداع، كما إنها كانت تحرك ذراعيها وكتفيها مع إيقاعات الأغنية بحركة مفرطة وفجأة تغني بصراخ معها، حتى إنها أفزعته في مرة، وعندما سئم تلك الحالة ضغط على مكبر الصوت الخاص بالسيارة وصاح فيها: - إيه! فاكرة نفسك في الديسكو ياتمارا! أنا دماغي بقت شبه الكورة الكفر حرام عليكي.

ف صاحت به تعنفه لأغلاقه الأغنية: - أنت بتقفل الأغنية وانا بغني!
- يعني قفلت عليكي النور؟ أيوة قفلتها، أنا أول مرة أشوفك هايبر أوي كده!
لم تهتم له، وقامت بتشغيلها من جديد، ف أعاد غلقها من جديد ورمقها ب حنق بلغ حلقومه: - مش عايز أتعصب ياتيمو، خليكي هادية ياروحي
اعتدلت في جلستها وهي تلتفت نحوه و: - أنا أعمل اللي انا عايزاه في المكان اللي أنا عايزاه.

ف ضحك مستخفًا و: - أي مكان غير عربيتي ياحببتي، دي ملكية خاصة، أوكي؟
- أنت شايف كده؟!
- كده ونص
ف تطور أمر العند ذلك معها، وراحت تحرك عجلة القيادة بجنون لا تأبه بأي نتائج وهي تقول: - ملكية خاصة مش كده!
حاول السيطرة على عجلة القيادة وهو ينظر للطريق أمامه ويدفعها بذراعه الآخر أثناء صياحه الجهوري المتذمر: - أنتي بتعملي إيه يامعتوهه! هنعمل حادثة!

ومازالت تمارس جنونها والسيارة تتحرك يمينًا ويسارًا، وأبواق الإنذارات من الخلف تضج بصوت مزعج عقب أن اعتقد الجميع إنه شخص ثمل أو مجنون..
لم يجد مروان مفر سوى دفعها دفعة قوية قذفت بها على مقعدها وأطاح بنفسه أقصى اليمين كي يصفّ سيارته بعد تلك المعركة الجنونية التي أحدثتها صغيرته المشاغبة، نزع عنه حزام الأمان وصرخ فيها: - أنتي مش ممكن تكوني طبيعية!، إيه الدلع اللي انتي فيه ده!

أستمع لطرقات على زجاج سيارته، ف التفت يكاد يتعارك مع أي شخص يراه أمامه، حتى وجد شرطي المرور أمامه، ف حاول ضبط انفعالاته وهو يفتح الزجاج، ليجد الشرطي يمد يده الممسكة بالقلم ويهتف بحزم: - هات الرُخص.

المرة الأولى في حياته التي سيُسجل فيها مخالفة مرورية عليه، نظر أمامه في الفراغ غير مصدقًا ما يعيشه، ثم استدار برأسه ليجدها گالنعامة التي تحاول دفن رأسها بالرمال لحماية نفسها من صائدها، أخفت وجهها عنه تخشى رد الفعل الذي ستواجهه منه، فقد أقحمته في أمر سئ گالعادة.

كانت چيهان تُجرب ثيابها الجديدة أمام المرآه وهي تراقب لون شعرها الجديد، لقد تغير شكلها للأفضل عقب أن قصقصته وغيرت من لونه، كما اهتمت بعمل جلسة بروتين لزيادة نعومته، خللت أصابها بين خصلاته لتنسال بسهولة، ابتسمت متفائلة وهي تنظر للحقائب التي تعج بالأشياء الكثيرة، تحسست ثوبها الناعم الذي ترتديه، وقررت أن تخرج لتسأل والدتها عن رأيها أيضًا، بحثت في المطبخ ولكنها لم تكن موجودة، ف نادت عليها: - ماما! انتي فين؟

ولكن زينب لم تستمع لها، ولكنها استمعت لصوت جرس الباب، ف همّت تفتحه، وكأن ما تراه لم تظن يومًا إنها ستعيشه، لم تدرك حتى كيف وقفت هكذا جامدة لا حراك فيها مصدومة من رؤيته هنا، أمام باب منزلها، بدون أن يخشى حتى ما قد يلقاه من رد فعل أهلها.
وقف علي ينظر إليها مرتكزًا بحواسه كلها على كل شئ بها، ثم قال وأخيرًا: - مساء الخير ياچيهان.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة