قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية ابن رستم للكاتبة ياسمين عادل الفصل الثامن

رواية ابن رستم للكاتبة ياسمين عادل الفصل الثامن

رواية ابن رستم للكاتبة ياسمين عادل الفصل الثامن

كانت تأكل بنهم كأنها تُنفث عن غيظها في الطعام، ثم شربت المياه الغازية وهي تنظر أمامها گالتي لا ترى أحدًا، زفرت تمارا ب انزعاج وأردفت: - بس برضو انا معملتش حاجه غلط
لم تهتم فدوى لحديثها وتابعت تناول الطعام وقد سئمت حديثها الموحد عن نفس الموضوع بدون أن تغيره، بينما استكملت تمارا: - أكيد لما ارجع هيديني كلمتين، وظافر لما بيدي كلام بيديه بضمير.

لاحظت عدم اهتمام فدوى بحديثها، ف حدجتها ب نظرات محتقنة وصاحت فيها: - أنا بكلمك ياغبية!
- أكلمي براحتك انا عارفه إنك مش هتسكتي النهاردة
حضر النادل السوري الجنسية، ووضع زجاجة المياه المعدنية على الطاولة وهو يردف بصوت عذب: - بدك شي تاني؟
ف رفعت تمارا بصرها نحوه وابتسمت وهي تجيب: - تسلم ياچو.

ثم تابعت تناول آخر ما تبقى من طعامها، واستعدت للمغادرة بعد أن تركت النقود على الطاولة، سحبت زجاجة المياه وهي تبتعد، ف استوقفتها فدوى وهي تشير نحو المخرج: - رايحة فين الباب من هنا!
- هسلم على چو وآجي
فجذبتها فدوى عنوة لتخرج بها وهي تقول: - أمشي بقى
- هسمع منه واحدة تؤبريني بس!
ولم تتركها فدوى سوى بعد الخروج من المكان تمامًا كي لا تفقد السيطرة على نفسها.

أحيانًا تكون الحقيقة أثقل ما يكون على قلبك، تختلق كذبة وتصدقها أهون من أن تصدق حقيقة لا ترغب في وجودها.
هكذا كان حالها، لم تطيق هايدي حديث والدتها الذي كان يذكرها بما حدث بكل صراحة، وكأنها رافضة تمامًا تصديق أن هذه هي الحقيقة.
صرخت هايدي بصوت قوي للغاية: - بس ياماما، بس.

ف صرخت فيها جميلة أيضًا: - مش هي دي الحقيقة! مش انتي اللي ضيعتيه بسبب دلعك!، فاكرة إنه هيفضل يحبك طول عمره ويصبر عليكي لحد أمتى؟، دي الحقيقة ولازم تصدقيها، خلاص ظافر مبقاش جوزك، وده كان قرارك قبل ما يكون قراره.

تعالت شهقاتها وهي ترتمي على الأريكة رافضة أيّ من هذا الحديث و: - يعني إيه! خلاص مش هيكلمني؟ مش هيحاول يشوفني ويطلب مني نرجع؟
جلست جميلة قبالتها و: - لو ناسية ف هو حاول عشان ترجعوا وانتي رفضتي، ولا انتي كنتي عايزاه يجري وراكي!
- انتي معايا ولا معاه!

قالتها بصياح وهي غير قادرة على كبح سيل الدموع المنهمر على وجنتيها الحمراوتين، بينما أجابت جميلة: - انتي بنتي الوحيدة ياهايدي، عشان كده مش عايزاكي تتعلقي بأمل مش موجود ياحببتي، أنسي ظافر خالص، لأنه طالما قرر يعيش حياته وينساكي، يبقى هينسى ياحببتي.

مجرد فكرة نسيانه كانت ثقيلة عليها گالحد الذي لم تتحمله، ثقيلة گحجر صلد وضع على قلبها وتكاد تنفجر منه، ولكنها رافضة تمامًا تصديق إنه سيكون لغيرها، رافضة إنه سيتعايش من جديد بدونها، وهي التي آمنت إنه سيأتي يومًا مُلحًا راجيًا العودة.

دخلت تمارا لغرفتها وهي منهكة للغاية، قذفت بالحقيبة على الفراش ونزعت ثيابها لتلقيها جانِبًا، ثم سحبت المنشفة وخرجت كي تدلف لدورة المياه، لم يستغرق الأمر منها الكثير من الوقت، فقد خرجت سريعًا ووقفت أمام المرآه تنفض شعرها المبتل، ثم تركته خلف ظهرها مموجًا منتشرًا بشكل جميل، سحبت زجاجة بها محلول زيت لتقوية الشعر ثم بدأت ب نثر قطرات على رأسها، ومن ثم تركته وكادت تنصرف، ولكنها توقفت مع رؤية هذه العلبة الغريبة التي سرقت انتباهها.

التقطتها وفتحتها بفضول لتصاب بالذهول، جحظت عيناها بشدوه وهي تسحب هذا الشئ الذي لم تتوقع رؤيته، كان شارب ولحية ذات لون بني قاتم، رمشت بعيناها وهي تضعه على وجهها، أحست للحظة بإنها رجل بالفعل، وإذ بها تنزعهم فجأة وقد شعرت بالإشمئزاز وهي تردد: - عااا!، دقن وشنب؟
ثم التقطت الملاحظة التي تُركت لها بداخل العلبة لتجد عبارة: نفسي أشوف شكلهم عليكي.

وتوقيع بأسمه بجانب ملصق مضحك جعل شعلة الغضب تتأجج بداخلها، وألقتهم على المنضدة وهي تقول ب امتعاض: - يعني إيه! شايفني راجل قدامه عشان يهزر الهزار البايخ ده؟
وسرعان ما حاولت الإتصال به كي تنفخ ب غضبها في وجهه، وما أن أجاب ف قالت: - إيه اللي هببته ده!
ف ضحك بصوت جلجل المكان الذي هو به و: - طالما متعصبة كده يبقى عجبتك الهدية صح؟

هذا البرود هو ما جعلها تغتاظ أكثر وأكثر وهي تتسائل: - انت شايفني إيه؟ شايفني راجل!؟
فتابع بنفس النبرة الهادئة المثيرة للإستفزاز: - تؤ متقوليش كده، المصيبة إني مش شايفك راجل
- مش فاهمة!
- يعني عايزك تبقي راجل ياتيمو
تنغض جبينها وقد وصلت لذروة الإمتعاض منه و: - ده بعينك
ثم أغلقت الهاتف في وجهه و: - والله ل اوريك يامروان، مش عامل فيها شجاع أوي ودخلت أوضتي!، استحمل اللي هيحصل بقى!

بينما كان هو غير قادر على كبح ضحكاته العالية كلما تخيلها وهي في ذروة عصبيتها هكذا، والمثير للضحك أكثر هو تخيل ماذا كان شكلها عندما ترتدي الشارب واللحية.
فكر مليًا، تُرى ماذا ستفعل كي ترد له الصاع صاعين؟، فهي حتى الآن لم تترك له فعلًا إلا وكان يحصل على الرد فوريًا، و گالعادة تكون مجنونة مثلها، ف ماذا ستفعل هذه المرة؟!

كان هذا المقهى هو المكان الأقرب إلى قلبه، حيث يطل على ضفاف النيل وتشعر فيه بروح مِصر حقًا، الأجواء البسيطة الغير متكلفة، والهدوء المثير للراحة وإن كنت تحمل على ظهرك عتاقه (جبل عتاقه).
ترك ظافر كوب الشاي المُخمر بينما كان مروان يعبث في هاتفه، فسأله: - كنت بتكلم مين يامروان؟
- متشغلش بالك، هتعمل إيه مع أثير!
قطب جبينه بعدم تركيز وهو يتسائل: - مين أثير؟!

- البت بتاعت الصورة، ركز ياعم ظافر الله يرضى عليك!
تأفف ظافر وهو يجيبه بعدم اكتراث: - لأ سيبك من الحكاية التافهه دي، يوم ولا اتنين وكل الناس هتنسى، أنا نفسي نسيت
نظر مروان ب اتجاه النيل وهو ينفي تأييده له: - مش حاسس إنها بالبساطة دي!

أصدر هاتفه رنين هادئ جعله يخرجه من جيب سترته، نظر للشاشة وإذ به يرى رقم هاتفها الذي يحفظه عن ظهر قلب ينبثق منها، حدق فيه بذهول غير مصدقًا إنها تتصل به الآن، لقد مرت شهور عديدة لم تحاول الوصول إليه حتى بعد أن قام بتغيير رقمه، إذًا ماذا حدث لتفعل ذلك!

ظل واجمًا ينظر للشاشة وكأنه لا يدري ماذا سيفعل!، ولكنه في كل الأحوال لا يريد سماع صوتها الحاني الذي كان يعشقه فيما مضى، وكأنه أصبح صوت مزعج گغراب أسود يحلق فوق رأسه.

قام بتفعيل وضعية الطيران وأعاده في جيب سترته، حينما كان مروان مراقبًا لكل ما يحدث بأعين دقيقة متفهمة ما يمر به في هذه اللحظة، لم يستطع الصمت أكثر من ذلك، فأردف: - ماانت عارف إن ده كان هيحصل بعد اللي عملته تمارا، زمان الفضول هيموتها
نهض ظافر عن جلسته و: - أنا ماشي
ف هبّ مروان واقفًا وبسرعة البرق كان يترك النقود على الطاولة و: - استنى طيب.

ولكنه لم ينتظر، استقر في سيارته وأدار السيارة، وما أن وجد مروان يجلس بجواره حتى انصرف مسرعًا وكأن حبه لهذا المكان قد انجلى عنه.

كان ظافر أول من وصله بعض من صور حفل زفاف شقيقته الذي تمّ منذ يومان في ظهيرة اليوم الثاني، فتح ظافر الصور وشاهدها بعدم تركيز وهو يرتشف قهوته الصباحية، وعندما رأي صور مشاغبته الصغيرة وهي ترقص ابتسم، ثم قرر إرسال الصورة إليها وكتب: - مين دي؟

خلال بضع ثواني، كانت تمارا تقف على رأسه وقد حضرت سريعًا له وهي تمسك ب كوب الشاي بالحليب خاصتها، تركته جانِبًا وراحت تجلس على مسند مقعده و: - ظاظا! انت شوفت كل الصور!؟
كان ما زال يشاهدها وهو يجيبها: - لسه بتفرج، بس نرمين كانت زي القمر
ف داعبت وجنته التي تتزين ب شعيرات ذقنه الخفيفة و: - والنبي انت اللي قمر ياببلاوي
ثم أشارت ل بيجامته و: - ده فسكوز ده!

ضحك وقد تفهم وجود حديث ما على لسانها، فسألها وهو يترك هاتفه: - عايزه تقولي إيه ياتميو؟
فقالت دفعة واحدة بدون أن تفكر حتى: - عايزه أقول إن في صور تاني لو شوفتها هطربق الدنيا، بس بصراحة مش عارفه أوريك ولا لأ.

ف تحولت ملامحه سريعًا مع تلك المقدمة الخطيرة و: - صور إيه!، في إيه ياتمارا؟
فتحت هاتفها عبر بصمة الأصبع وتركته يشاهد تلك الصورة الحميمية التي تُظهر عكس الحقيقة، صورة وهو يعانقها عناقًا ليس طبيعيًا بالمرة، ف حملق مذهولًا وهو يرى الآن صورة من صنيعه هو، وهو المسؤول عنها.
جنّ جنونه وكاد يطيح بالهاتف لولا إنه خاصة شقيقته و: - يعني عملتها تاني! كانت مسلطة الفوتوجرافر اللي الحفلة دي كمان!

وهبّ واقفًا من مكانه وهو يتابع: - ده انا هبقى عملها الأسود، لو مقطعتش عيشها من عندنا مبقاش أنا ظافر
وسار نحو خزانته وسحب ملابسه وهو يتابع: - هي افتكرت عشان عديتها خلاص بقى عادي، بس انا هوريها يعني إيه تلعب معايا
وخرج من غرفته وهو يتمتم بكلمات مبهمة لم تستمع لشئ منها، بينما فكرت هي بصوت مرتفع: - المفروض كنت أقول لبابا الأول!، ده لو عرف إني فتنت لظافر هيعمل مني شاورما.

وفركت فروة رأسها وهي تفكر: - بس انا ممكن استغل الموقف في حاجه تانية
وفتحت هاتفها وهي تقول بسعادة: - حبيبتي ياهايدي، لازم طبعًا تعرف اللي حصل
فتحت تمارا تطبيق (فيسبوك) خاصتها وراقبت إن كانت نشطة فعليًا الآن أم لا، وعندما وجدتها نشطة ابتسمت بحبور خبيث وتمتمت: - فاتحة! يبقى ألحق انشر الصورة وكأني فرحانة ب اخويا وكدا، ولما تشوفها امسحها، ياه ياتوته، ده انتي مشكلة.

وضحكت ملئ فمها وهي تنفذ مخططها الذي ستثير به غيرة هايدي من جديد، متعمدة بذلك غيظها.

منذ أن انتشرت الصور الخاصة ب ظافر و أثير بين عاملي الفندق جميعًا، والكل في حالة همز ولمز بين بعضهم البعض، حتى هي كانت في حالة لا يرثى لها، لقد اعتقدت أن الأمر انتهى وسيكون ذكرى لدى الجميع، ولكنه استيقظ صباح اليوم بشكل أعتى بعدما قام مصور الحفل بنشر الصور على حسابه الشخصي للترويج وقد أصبح الأمر مُشاع.

حاولت أثير تجاهل كل تلك النظرات التي كانت تشعر وكأنها تأكل من لحمها، ولكن الأمر بات مؤلمًا، هي ليست فتاة سيئة، ولم تكن طباعها وأخلاقها هكذا يومًا، ولكنها الآن أصبحت محط أنظارهم وحديث ألسنتهم.
برحت مكانها وقد تمكن الإختناق من صدرها، والألم في رأسها گالذي يضرب بعصا من حديد على جمجمتها، واتجهت نحو غرفة رُستم مباشرة.

فتحت الباب فجأة وكانت تعابير وجهها تتحدث نيابة عنها، ثم صاحت والدموع تترقرق في عينيها تكاد تسيل گمجرى النهر: - حضرتك متفقتش معايا على كده! أنا بالشكل ده سمعتي بقت على كل لسان!
وقف رستم عن جلسته و: - أهدى ياأثير وأدخلي ياأثير
ف صاحت وقد انفلت زمام هدوئها: - مش عايزة أهدى، أنا خلاص مش متحملة نظراتهم وكلامهم، دي مش أنا، حتى لو ب، أحبه، مش دي الضريبة اللي المفروض أدفعها عشان أفوز بيه!

في نفس التوقيت الذي كانت فيه أثير تصارع في غرفة رُستم، كان ظافر يشق الردهه الطويلة المفترشة بالبساط الأحمر الغليظ كي يدلف لغرفة والده بعدما وجد مكان أثير فارغًا و...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة