قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية ابن رستم للكاتبة ياسمين عادل الفصل الثالث والعشرون

رواية ابن رستم للكاتبة ياسمين عادل الفصل الثالث والعشرون

رواية ابن رستم للكاتبة ياسمين عادل الفصل الثالث والعشرون

كان جليًا على تعابيرها الإعجاب الشديد بالمركز وتصاميمه الجذابة، راقبت الجميع بنظرات متفحصة وهي تدخل بمكان گهذا لأول مرة، ثم قالت بخفوت: - متأكدة لون الشعر اللي انا عايزاه هيليق عليا ياتمارا؟
- أكيد، انتي بشرتك بيضا واللون ده هيبقى wow عليكي
ثم أشارت تمارا لهذا الشاب الرفيع الذي يقف بعيد و: - چيمي أحسن واحد هنا يعمل صبغة للشعر، هتحسي إن شعرك لونه Natural أوي طبيعي.

وإذ ب هايدي تدخل ب طلتها الأنيقة گالعادة ونظارة الشمس الوردية تغطي عيناها، نزعت النظارة بعد أن رأتهم ثم رمقتهم ب احتقار و مرت من أمامهم وهي تردف: - ريما، دخليني أوضة لوحدي عشان مش طايقة أشوف الأشكال دي، السنتر عندكم لمّ كل الوبش!

كادت تمارا تتحرك بهجوم لولا تدخل أثير و: - متعبريهاش دي قاصدة تستفزنا
صحبتها الفتاه للداخل بينما ابتسمت تمارا وهي تتذكر كيف أتتها الفكرة لاصطحاب أثير إلى هنا وخاصة إنهم في نهاية الأسبوع، أي الموعد الذي دائمًا ما تذهب فيه هايدي لمركز التجميل.
اقتربت منهم الموظفة و: - نورتي المكان ياتمارا، اتفضلوا ارتاحوا
جلسن على الأرائك المريحة حيث أن المكان مزدحم، بينما بادرت تمارا: - دي أثير خطيبة أخويا.

ارتفع حاجبيها مذهولة و: - هو كابتن ظافر خطب بعد آ...
حدقت فيها تمارا لتقطع صوتها، بينما كانت أثير تشعر بسخونة جسدها وتوهج بشرتها من فرط الحرج الذي اعتراها، ومن ثم حاولت الأخرى أن تغطي على موقفها و: - نورتي المكان ياحببتي، قولولي عايزين تعملوا إيه بالظبط؟
- أثير هتغير اللوك بتاع شعرها وعايزين چيمي هو اللي يعمله ليها بنفسه.

ذمت شفتيها متصنعة الضيق و: - چيمي دلوقتي معاه زبونة ولسه بدري عقبال ما يخلص معاها، ممكن أشوفلها أي حد تاني.

ف اعترضت تمارا وقد بدت لهجتها حادة وهي تقول: - لأ مش عايزة حد تاني، دي مش أول مرة نتعامل مع بعض ياريما ياريت مضايقنيش، چيمي كان فاضي وواقف هنا من شوية.

وأشارت أقصى اليسار، ف أومأت برأسها متفهمة و: - ماشي، هنحل الموضوع متقلقيش
استمعت تمارا لصوت رنين هاتفها، ف نهضت عن جلستها و: - هرد وارجعلك ياأثير
- ماشي
ابتعدت تمارا قليلًا ووقفت في مقدمة الدرج حيث يمكنك رؤية من يدلف للداخل، وقبل أن تجيب على هاتفها كانت قد رأت ظافر وهو يصعد الدرج متعجلًا، شهقت بفزع وتراجعت للخلف وهي تردد: - يانهار ملون.

اختفت وراء العمود وهي تتنفس بتسارع و: - بيراقبنا! ده لو شافني هنا هينفخني عشان كذبت عليه!
مرّ أمامها ودخل، ف سحبت نفسها نحو الدرج وهبطت متعجلة و: - سامحيني ياأثير ياحببتي، مش هلحق انقذك، ده انا يدوب أخلع من هنا
وأسرعت بالخروج من هنا قبل أن يراها ظافر ف ينقلب عليها من جديد..

في اللحظة التي كانت فيها أثير تتطلع بتحمس للألوان المغرية للشعر في هذا المجلد الضخم كي تنتقي درجة اللون التي تريدها، شعرت ب ظل ما أمامها، ف رفعت بصرها على حين غرة لتنصدم به يرمقها بنظرات تكاد تلتهمها، على الفور تركت المجلد ونظرت حولها بتوجس خشية أن يقوم بفعله مهينة لها گعادته وكأنها تبحث عن تمارا إينذاك، وقفت عن جلستها بتردد و: - ظافر!
فسأل بهدوء مريب: - زعيمة العصابة اللي كانت معاكي فين؟

نظرت حولها بحثًا عنها و: - آ، راحت ترد على التليفون
وهنا أستمع لصوتها المميز وهي تصيح: - يعني إيه چيمي مش فاضي ياريما! أنا ميهمنيش أي حد تاني طالما أنا جيت يبقى خلصت.

لم يلتفت ظافر ليراها حتى، وإنما سأل: - انتي جاية تعملي حاجه في شعرك؟
- آه
أومأ بتفهم والتفت وهو يردف: - يلا عشان خارجين من هنا
- بس آ...
- قولت يلا هنمشي، وتمارا هانم تبقى تحصلنا
انصاعت لرغبته وسارت في المقدمة، ولكن استوقفتها ريما و: - أنسه أثير رايحة فين؟ أنا كنت جاية اتكلم معاكي
تفهمت أثير على الفور و: - مفيش داعي تقدري تنفذي اللي هي عايزاه، أنا ماشية.

نظرت ريما نحو ظافر الذي كان خلفها تمامًا، ف قال هو: - بعدين ياريما، هتجيلك بعدين، الدنيا زحمة أوي النهاردة
ثم أشار لها لتسبقه، من حسن الحظ إنه لم يحدث بينهم أي احتكاك، فقد أتى ظافر في الوقت المناسب تمامًا، حتى لم يوليها الفرصة لتراه.
خرج مصطحبًا إياها وهو في قمة غضبه، يدفنه داخله گالعادة ولكنه سيطفو في أي حال.

خرج الطبيب من غرفة الكشف وجلس على مكتبه وهو يردف: - مدام چيهان هتحتاج تتابع مع طبيب نفسي، الإغماءة اللي حصلت لها نتيجة ضغوط متراكمة مفيش أي شكوى عضوية، لكن نفسيًا أنا شايفها مدمرة ولازم حد متخصص يتابعها.

كانت عينا زينب مدمعة وهي ترى مصاب ابنتها الكبرى، حيث سقطت مغشيًا عليها عاجزة عن تحمل المزيد من الصدمات، وأمام ابنها الصغير الذي انفطر قلبه من البكاء لحال والدته المتدهور، بينما كان رستم يُظهر بئسًا مزيفًا رغم أن داخله نيران مُسعّرة، أطرق رأسه بحزن و: - يعني هتحتاج تكون في مستشفى ولا ينفع جلسات متتالية في البيت؟

- الموضوع مش كبير أوي لدرجة إنها تتحجز في مستشفى، لكن برضو لازم تغير جو، في مصحة بتاعت دكتور ممتاز أوي أنا هقولك مكانها، تقدر تروح وتدخل وتخرج براحتها، تعتبر مكان يُلجأ إليه لتغيير الحالة النفسية يعني مش مصحة بالمعنى الحرفي، كأنه فندق وهتقعد فيه يوم ولا يومين
- أعمل اللازم يادكتور وانا معاك.

بدأ الطبيب يكتب على ورقة بيضاء: - هكتبلك العنوان ورقم تليفون دكتور ضياء بنفسه عشان تتواصل معاه، وإن شاء الله خير.

كانت نوافذ السيارة مغلقة حيث كان مُكيف الهواء يعمل، بينما انخرط ظافر في التدخين كي يودّع هذا الكمّ الهائل من الغضب بداخله، لم تتحدث أثير بكلمة واحدة وهي ترى تعابير وجهه المخيفة تلك، ولكنها بدأت تشعر بالإختناق وضاق صدرها عليها، حاولت فتح النافذة ولكنه أردف ب حزم: - التكييف شغال
تراجعت عن ذلك وتسائلت بفضول: - انت مضايق مني ليه؟ أنا معملتش حاجه!

ف نظر نحوها و: - 100 مرة أقولك أبعدي عن تمارا، مصممة تعاندي فيا وخلاص
- أنا مش بعاندك، بس دلوقتي الوضع اختلف وتمارا بقت صحبتي
- أنا مش عايز الصحوبية دي، أصلًا كل واحد هيروح لحاله قريب ومش مستاهله تكونوا علاقات!

اقشعر بدنها وكأن هواء المكيف قد أثر عليها بشكل ملحوظ بجانب حالة تنفسها التي تسوء، وبتخوف من أجابته سألت: - تقصد إيه؟
ف تهرب منها گالعادة: - مقصدش، قفلي على الموضوع.

وعاد يُشعل سيجارة أخرى وقد تضايق أكثر، نظرت أثير نحو النافذة ومنعت نفسها من البكاء بقوة ضعيفة، حاولت أن تسيطر على حالة الإختناق التي تمكنت منها كي لا تثير شفقته، ولكن سعالها بدأ يظهر فجأة ولم تستطع إيقافه، سعلت بقوة وبدون توقف وقد اغرورقت عيناها بالدموع، انحشرت أنفاسها وكادت تتلفظ ب آخرها، أوقف ظافر سيارته بذعر وهو ينظر إليها وإلى حالتها تلك وقد تلون وجهها بالحُمرة القاتمة: - أثير، انتي كويسة؟

كانت تصارع لتلتقط أنفاسها بين دخان النيكوتين المحترق الذي عبأ السيارة، وأشارت للنافذة وهي عاجزة للغاية، ف أسرع يفتحه لها و: - آ، أعمل إيه! أ، في علاج بتاخديه معاكي!
ساءت حالتها وقد بدأت غيمة تغطي عيناها، وكأنها ستموت حتمًا، فرّت الدماء من عروقه وهو يهزها ويصيح: - طب قولي أعمل إيه! أثير، كلميني طيب!؟

كان أحد الماريّن بالجوار رجلًا تجاوز الأربعين من عمره، توقف لدى صوته ونظر إليهم وهو يردف: - في حاجه يابني؟
ف أوفض قائلًا: - مش عارف! فجأة كانت بتكح جامد ومش عارفه تتنفس آ، أعمل إيه؟
- في مستشفى آخر الشارع يمين وديها بسرعة.

لم ينتظر ظافر ثانية واحدة، حيث قاد السيارة بسرعة وهو يمسك برسغها يستشعر نبضاتها الضعيفة التي كانت تضعف وتضعف، وقد بدأ يتصبب عرقًا غزيرًا وهو ينظر لها تارة وللطريق تارة: - يارب، يارب استرها أنا مش قد الذنب ده!

يكره الإنتظار، إنه ممل كثيرًا وأحيانًا مؤلم أيضًا.
وضعت لها الممرضة جهاز التنفس الصناعي وحقنتها كما أمر الطبيب، وطالبوه أثناء ذلك بأن يكون في الخارج قليلًا.
نظر في ساعة يده للمرة السابعة على التوالي، ثم نفخ بانزعاج و: - محدش خرج يقول أي حاجه حتى؟!
خرج المسؤول عن قسم الطوارئ باحثًا عنه حتى وجده، ف تقدم منه و: - حضرتك اللي مع الأنسه اللي جوه؟
- آه، هي مالها؟

- الآنسه عندها حساسية على الصدر ومن الدرجة الحساسة جدًا، ممنوع الدخان ممنوع المواد العطرية اللي نسبة الكحول فيها عالية ممنوع تشم عوادم ممنوع تتواجد في بيئة صناعية، كل ده ممنوع عنها، حضرتك بتدخن؟

وهنا أدرك ظافر إنه كاد يتسبب في كارثة بدون شعور منه، لقد كان السبب في الحالة التي وصلت إليها ولم يترك لها حتى بصيص من الهواء عندما أرادت فتح النافذة، أحس بالندم الشديد يتآكله وامتعض وجهه وهو يردف: - أيوة
- ممنوع حتى تدخن جنبها
أومأ برأسه متفهمًا و: - طب ممكن أدخل اشوفها
- ممكن، هي ارتاحت شوية وياريت لو ترتاح في البيت كمان
- مفهوم.

انصرف، ف دخل على الفور، وجدها بالفعل استعدت للمغادرة، نظر إليها بضيق و: - أنا آسف مكنتش أعرف آ...
فصاحت به فجأة وكأنها تنفث عن هذا الغضب الذي اعتراها: - انت على طول متعرفش وعلى طول متقصدش، انت الملاك دايمًا
ومرت من جواره، ف لحق بها و: - أستني رايحة فين، أنا هوصلك
فقالت ب حزم تملك من نبرتها ونظراتها: - لأ، مش محتاجة شفقتك عليا، أنا طلبت عربية وواقفة مستنياني برا.

وهمّت بالخروج، ف تعقب أثرها، استقلت سيارة أوبر ف استقل هو سيارته ليتبعها بدون أن يفرض تواجده عليها، وعندما رأى علبة سجائره اللعينة تلك، أطبق عليها بأصابعه حتى أفسدها وقذف بها من النافذة وهو يطلق سبّة، ثم قاد سيارته من خلفها.

كانت هذه هي المرة الأولى التي يتطلع فيها بتمعن لمنطقتها السكنية البسيطة، لاحظ تواجد عدد من الورش الصناعية ما بين الحدادة والنجارة وأيضًا دكاكين رشّ الأثاث، وهذا ما نوه الطبيب لخطورته.
نظر إليها وهي تترجل من السيارة ثم نظرت خلفها لتجده بداخل سيارته، كانت ملامحها مشتطة للغاية، ولكنها تجاهلته وصعدت لبيتها وهي تغمغم بكلمات مبهمة، فتحت الصغيرة تيّا الباب و: - جيتي بدري ليه ياأثير؟

لم تجيبها ودلفت لغرفتها، نزعت عنها ثيابها العلوية وهي تنفخ ب انزعاج، هل يُكفر عن ذنبه حيالها والذي كاد يودي بحياتها؟ أم ماذا؟
طرق ظافر الباب لتفتح تيّا من جديد، ابتسمت بتحمس في وجهه و: - بتاع الصورة!؟
ف سخر ظافر قائلًا: - هي الصورة دي اللي ودتني في داهية!، فين أثير؟
- جوه، أناديها؟
ف أنحنى يداعب أنفها و: - ياريت.

ركضت الصغيرة للداخل بينما كان ظافر يخرج هاتفه الذي يهتز بجيبه ليرى أسم والده على الشاشة، أجاب على الإتصال و: - أيوة يابابا
تشنجت أثير بعدما علمت إنه صعد إليها أيضًا، وشعرت بوجوب وضع حدّ لهذه المهزلة التي تحدث، فلم تتردد في القول: - أنا هخلصه من كل الهم ده، مش هكون طوق على رقبته بعد النهاردة.

نزعت خاتم الخِطبة الذي لم تهنأ به بعد وراحت تخرج من غرفتها وهي تعلم إلى أين وجهتها وماذا ستفعل بعد ذلك ل استرداد كرامتها على الأقل...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة