قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية ابن رستم للكاتبة ياسمين عادل الفصل الثالث عشر

رواية ابن رستم للكاتبة ياسمين عادل الفصل الثالث عشر

رواية ابن رستم للكاتبة ياسمين عادل الفصل الثالث عشر

انتهت تمارا من ارتداء ملابسها بينما كانت فدوى تتطلع للأجواء خارج الغرفة كل دقيقتين تقريبًا، حتى انتهت.
سحبت تمارا حقيبة الظهر الصغيرة وارتدتها، ثم خطت بهدوء وهي تقول: - يلا يافدوى، خلينا منتأخرش عشان نلحق نسهر برا.

وفتحت الباب، ف إذ بها تتفاجئ بوجوده أمامه مباشرة، شهقت بفزع وتراجعت للخلف، ثم صفعت الباب في وجهه فجأة وهي تتنفس بصعوبة أثر المفاجأة، ذمّت فدوى على شفتيها وهي تهمس: - ده بقى زي عفريت العلبة!
تحفزت تمارا للهجوم الصوتي عليه، ف فتحت الباب وصاحت: - انت هتفضل واقف هنا طول الليل ولا إيه؟
ف أجاب ببراءة لا تناسب نظراته الماكرة: - في عندك مشكلة ياتيمو؟

ثم نظر لهيئتها وتابع بفضول انتابه: - قوليلي رايحة على فين بالشياكة دي!
نفخت بتذمر وقد ضاق صدرها من تطويقه لتحركاتها: - أروح مكان ما اروح! انت شاغل بالك بيا ليه؟
فأجاب بفتور: - عشان انتي أمانة عندي ياتيمو
وضغط بكلا أصبعيه السبابة والوسطى على أنفها ب انفعال و: - لو عايزة تروحي حته عرفيني وانا هوديكي، إحنا في رحلة
- مش عايزه.

قالتها وهي تدفع يده عنها، ودخلت صافعة الباب من جديد، ولكن لحظات من التفكير قررت أن تذهب أينما تشاء، حتى وإن كان متواجدًا ف هذا لن يمنع رغبتها في الإستمتاع برحلتها، فتحت الباب من جديد لتجده مازال واقفًا و: - أنا موافقة، عايزة أروح ديسكو
ف أبدى تحضّرًا لم تكن تتوقعه: - موافق
وأفسح لها الطريق: - أتفضلي.

لم تصدقه في بداية الأمر، وأحست بشئ ما يجول في عقله، أو ربما يُعدّ لها فخًا يردعها عن تصرفاتها التي تزعجه، شعر هو ب ترددها، ف أكد على حُسن نواياه تجاهها: - يلا ياتمارا! متقلقيش، لو عايزة تروحي الفضاء هوديكي
ف أشارت لصديقتها: - يلا يافدوى
وخرجنّ سويًا، سار في أعقابهم وهو يفكر في أي ملهى سيذهب بهن، عليه الذهاب لمكان يعرفه جيدًا تحسبًا لأي ظرف أو موقف قد يحيط بهم فجأة.

كان ينظر عبر شرفة غرفة والده عندما كان رستم يتصفح تلك الصور المنتشرة على مواقع الفيسبوك والتويتر، ومواقع الأنستجرام أيضًا، أصبحت قصة ظافر و أثير الوهمية حديث العاصمة داخلها وخارجها، كمّ شخص تمنّى أن يعيش مثل تلك القصة الأفلاطونية بدون أن يعلم ما وراء الكواليس!

بينما الحقيقة أسوأ بكثير من قدرة الجميع على التخيل، دعس ظافر سيجارته الثالثة بالمنفضة والتفت لوالده وعلى وجهه امتعاضًا جليّا وهو يردف بنبرة حانقة: - أعمل إيه؟ أشوف حبايبي في مباحث الأنترنت واخلص!
ف نهض والده عن مكانه بعد أن ترك الهاتف على المنضدة: - مينفعش، الموضوع مبقاش يخصك لوحدك، في بنت معاك ممكن سمعتها تتأذي.

ف ابتسم بسخرية من زاوية شفتيه و: - على أساس إنها كده متأذتش! خليها تتبسط بالحدوتة اللي ابتدتها
ف ذكّره والده ب أثمهِ الأكبر: - بالنسبة للي عملته انت كان إيه؟ أنت جيت أكدت الأشاعة وكل الصور دي أنت السبب فيها.

نفخ ظافر ب انزعاج و: - مش وقته تلومني!
- مفيش غير حل واحد لازم تعمله ياظافر
- اللي هو...؟
ف استغل رستم الفرصة وعرض عليه الأمر بشكل غير مباشر: - أحنا عندنا بنات ومنرضاش يحصل كدا مع تمارا أختك
تنغض جبينه وهو يتسائل: - يعني؟
- يعني لازم تصلح وضع البنت دي وتخطبها رسمي.

لحظات صمت، تكاد تستمع لصوت عقارب الساعة من شدة الهدوء الذي كسىَ المكان كله، بقيت فقط نظرات ظافر التي لا تستطيع تمييزها ما بين التعجب أو الإندهاش أو التفكير، وأخيرًا أطبق جفونه هنيهه، وانتقل بعدها يسحب هاتفه عن المنضدة وهمّ للخروج حينما استوقفه رستم: - مردتش عليا ياظافر!
ف قال بجدية لم يسبق له التحدث بها مع والده تحديدًا: - أنا اعتبرت إني مسمعتش حاجه، تصبح على خير.

كان رد فعل مبدئي متوقع منه، بل إنه أقل مما توقع، لن يكون الأمر سهلًا، ولكنه يفكر في اتخاذ كافة الإحتياطات التي ستضمن تحقيق رغبته.
فقد قرر رستم أن هذا الأمر سيتم، فقط.

منذ أن حضرن إلى هنا وهنّ يقمنّ بدور المتفرج فقط، حينها أدركت تمارا لماذا وافق على اصطحابهن، فقد جلسن بمكان شبه منعزل عن المحيط وقد قام مروان بحجز الطاولتين المجاورتين كي لا يكون بجوارهما من يزعجهم.
تأففت تمارا وهي تنظر حولها بضيق شديد، ف لن تستطيع المرح أو الرقص أو أي شئ، كل شئ ممنوع.

حتى المشروب الذي تشربه الآن هو الذي اختاره بنفسه، تركت تمارا كأس العصير ورمقته بنظرات مشتعلة، ثم أردفت بصوت مرتفع كي يستمع إليها بين هذا الصخب: - جايبني عشان أتفرج يعني!
ف استنكر سؤالها قائلًا: - أمال هتقومي تهزي جسمك مع ال ××××× دول مثلًا!
كانت تهز قدميها بتوتر وهي تتحدث إليه وبعصبية مفرطة: - طب عايزين نرقص، نعمل أي حاجه.

- معنديش مشكلة، قوموا أوصلكم الفندق وارقصي في أوضتك للصبح، إنما هنا كل حاجه على مزاجي أنا، مفيش حركة من هنا.

ف صاحب فجأة: - يوه
ضغط مروان على ركبتها فجأة ونظراته المحذرة قد طافت على سطح بؤبؤيه: - كفاية ياتمارا، أنا مش صبور زي أخوكي! يعني ب اختصار مش عايز أقلب عليكي
ف استهانت به وهي تصيح متعمدة أثارة غيظه: - يعني إيه يعني؟ هتعمل إيه!
ف صاح وقد بدأ بالفعل يغضب: - هكسر رجلك عشان تقضي باقي الأجازة في مستشفى الغردقة العام، قومي
ونهض فجأة وهو يشير إليها: - مفيش قاعدة أكتر من كده، شطبنا خلاص.

أدركت فدوى أن تمارا قد تدللت للحد الزائد الذي أخرج شخصية أخرى تجلّت على وجه مروان، ف اقتربت منها لتهمس: - خلينا نمشي عشان لو قولتي كلمة كمان احتمال مروان يكسر رقبتي أنا كمان، نلمها أحسن هه.

وقفت تمارا وقد خشيت تطور الأمر حقًا، وسارت أمامه بخطى شبه متعثرة حتى وصلن لسيارته، ظهر انفعاله في قيادته التي كانت سريعة للغاية، حتى إنها كانت تنظر للطريق بتخوف ثم تنظر لوجهه العابس، حقًا استطاعت إخراجه عن طوره وبشكل لم تكن تتمناه، توقف فجأة أمام مدخل الفندق، ثم قال ب اقتضاب: - أنزلوا.

عضت تمارا على شفتيها وهي تترجل عن السيارة ولم تنتظر لحظة واحدة، أسرعت للداخل ومن خلفها صديقتها، بينما ظل هو بعض الوقت جالسًا هكذا بمحله يحاول السيطرة على أعصابه التي انفرطت منه، لا يرغب في التخلي عما تبقى من ثباته، فما زال هذا هو اليوم الثاني وهناك الكثير الذي عليه أن يبتلعه كي تمضي الرحلة.

وأخيرًا وصلت سيارة الشركة التي ستقل أثير من مقر سكنها كي تسافر إلى الغردقة لأتمام المهام التي كُلفت بها، تعجلت أثير في إرتداء حذائها حينما كانت جارتهم الشابة نورهان تودعها و: - ترجعي بألف سلامة ياحببتي، هو زميلك اللي جه هنا قبل كدا مسافر معاكي؟
قطبت سمية جبينها بتعجب وهي تتسائل متعجبة: - زميل مين ده وجه أمتى؟

انتصبت أثير في وقفتها وقد انتابها التوتر على الفور، بينما قالت نورهان بصفة نية: - الأستاذ اللي جه هنا لما كنتي تعبانة ياأبلة سمية!
ف صوبت سمية نظراتها إلى ابنتها وتسائلت بجدية: - مين ده ياأثير؟
فتدخلت تيّا وهي تقول ببراءة طفولية: - اسمه ظافر ياماما، ده حلو أوي انا بحبه
تنحنحت أثير وهي تنظر في ساعة هاتفها، ثم خطت بتعجل: - أنا اتأخرت أوي، سلام ياماما، هكلمك لما أوصل.

كادت سمية تستوقفها ل تستجوبها جيدًا، ولكنها تراجعت عن ذلك في وجود نورهان، ولكنها قررت ألا تترك الأمر يمر مرور الكرام، ف ابنتها ليست من تلك النوعية التي تخالط الجميع وتُشكل علاقات واسعة مع العامة، إذًا من ذلك الذي يتوجه الحديث عنه؟!

منذ الصباح وهي متأهبة لهذا اللقاء الذي ستتحدد عليه حياتها القادمة، تركت چيهان ولدها الأكبر عمر لدى جدته زينب وأصطحبت الصغير يَزِن الذي لا يتخلى عنها، حيث ارتدت ثيابًا جديدة، واهتمت بأن يكون الصغير أنيقًا أيضًا، وقررت الذهاب لكشف زوجها وإحباط محاولاتهُ، ل تذكره ب إنه زوج وأب، لتضع يدها على جريمته النكراء التي لن يكون لها مبرر يقنعها.

طوال طريقها ونبضات قلبها تتسارع گالتي تُقبل على امتحان صعب تعلم إنها س ترسب به، وكلما أحست بضيق أنفاسها تنظر لصغيرها الرضيع وتُقبله، تستنشق رائحته ليتعبأ داخلها بشعور الأمومة ف تهون آلامها گأنثى تُخان..

وقفت سيارة الأجرة أمام المطعم الراقي، ف ترجلت عنها وهي تحمل الصغير، ثم وضعته في عربته بمساعدة السائق وتوجهت نحو الداخل، بحثت بعيناها عنه، ترغب وبشدة بأن لا تجده، أن تكذب حواسها وتفيق من هذا الكابوس اللعين، ولكنها تراهات رغبت بها.

إنه هناك، أقصى اليسار تحديدًا، يجلس بصحبة حسناء رفيعة القوام جميلة المظهر أنيقة الثياب، أنثى رائعة المنظر، ليس ذلك فحسب، على ما يبدو إنه يغازلها أو يلقي على مسامعها طيب الكلام، فكانت تحني رقبتها بخجل وتجفل بصرها عنه ف يبتسم ابتسامة جميلة، اضطربت چيهان وكابدت العناء لتخفي ما تشعر به من وجع شديد القوة، وخطت نحوهم بثقة وهي ترسم تلك البسمة الكاذبة على ثغرها، جلست على طاولتهم بالضبط وتركت عربة الصغير جوارها وهي تترك زفيرًا من صدرها قائلة: - الجو برا حر جدًا.

وسحبت كأس المياه من أمامها، تجرعته كله ثم تركته فارغًا و: - الحمد لله
ف صاحت فيها قائلة: - انتي مين حضرتك؟
كان على گالذي رأى صاعقة أمامه، حملقت عيناه وتجمدت أطرافه، أصبح لون وجهه شاحبًا وهو يراها هكذا أمامه، بينما كانت چيهان تتبادل أطراف الحديث مع تلك الحسناء بكل فتور: - أنا مراته، هو مش قايلك إنه متجوز!؟
سرعان ما انتقلت نظرات تلك الفتاة إليه وتسائلت بذهول: - انت متجوز؟

ف ضحكت چيهان بصوت خافت و: - آه متجوز، وعنده ولدين كمان
كان الصغير يَزِن قد بدأ يصدر أصواتًا متشنجة، ف أسرعت چيهان بحمله عن العربة وداعبت وجهه وهي تقول: - بابي وحشك ياحبيبي؟
ثم انحنت به لتضعه بين يدي علي وهي تتابع: - يَزِن متعلق ب علي أوي، هو وعمر
ثم عادت تجلس وأشارت للنادل كي يقترب: - عايزة واحد مانجه ساقعة، وياريت أزازة ميه من فضلك
- تحت أمرك.

وأنصرف، بينما نظرت لها چيهان ب ابتسامة وتسائلت: - وانتي اسمك إيه بقى؟
كانت الفتاة قد سحبت حقيبتها بسرعة ونهضت عن مجلسها على الفور، خرجت بعجالة والحرج يعتريها، حينما عادت چيهان تنظر لزوجها لتسأله: - تشرب إيه ياأبو عيالي!؟

عندما لم تجده تمارا في غرفته بهذا الصباح الباكر ظنت الظنون، حتى إنها اعتقدت إنه غادر مدينة الغردقة، ولكن ما هي إلا ساعات الظهيرة حتى وجدته يظهر ثانية بعد أن عاد من صالة الألعاب الرياضية الملحقة بالفندق، ظلت حبيسة غرفتها أغلب الوقت، ف أين ستذهب وماذا ستفعل وقد أصبح ظلها الذي لا يفارقها، وكأنها سلط أحدهم ليبلغه بخطواتها.

سارت تبحث عنه لتبلغه بضرورة اللحاق بالفوج كي تقوم ب رحلة صيد عبر اليخت، حتى وجدته ب بهو الإستقبال، اختلست النظر إليه من مسافة بعيدة وهي تهمس ب: - طب لو قالي هاجي معاكي؟ أقول إيه لمشرف الرحلة! أخليه يطرده!
- لو طرده ياغبية انتي كمان مش هتروحي
نفخت بضيق وهي تقول: - أنا كرهت نفسي في يومين، ياريتني كنت قعدت في بيتي أرحم.

ثم دققت بصرها لتكتشف إنه يتحدث مع أحدهم، ف تحركت قليلًا لترى من برفقته، ف إذا بها ترى شقيقها الحبيب، انفرجت شفتيها بسعادة وهي تركض نحوهم و: - ظاظا!
ذهبت فدوى من خلفها، وعندما اقتربت كان ظافر قد رآها، ف نهض مستعدًا لاستقبالها و: - توته
ارتمت في أحضانه و: - وصلت أمتى؟
ف أشاح مروان برأسه قليلًا وهو يهمس: - حظها حلو بنت رستم!
أجلسها بجواره و: - عامله إيه؟

ف انتقلت نظراتها العدوانية نحو مروان وهي تجيب: - زي الزفت
في هذه اللحظة تمامًا، كانت أثير قد دخلت من بوابة الفندق الذي تم حجز غرفة لها به بأسم الشركة، تركت الحقيبة جانبًا وهي تعطي معلوماتها لموظف الإستقبال: - في حجز بأسم رستم حربي
نظر الموظف للحاسوب و: - أيوة يافندم، حضرتك أستاذة أثير؟
- أيوة
- تمام حضرتك سيبي البطاقة وانتظري في الإستقبال لحد ما اتمم إجراءات الدخول.

تركت هويتها الشخصية له ثم انتقلت نحو البهو، بينما قام الموظف ب إجراء مكالمة عاجلة و: - أيوة يارستم باشا، أيوة لسه واصلة، أستاذ ظافر واصل من نص ساعة، تحت أمر حضرتك
أغلق الهاتف وعاد يهتم بأعماله..

كانت أثير تنظر حولها ب استكشاف، هذه المرة الأولى التي تأتي بها إلى مدينة ساحرة گالغردقة، سحبت شهيقًا عميقًا لصدرها وزفرته ب ارتياح، وما لبثت أن تركت أنفاسها تخرج عن صدرها حتى رأته، انقبض قلبها فجأة وأحست كأن عرق جسدها قد تضاعف، شحبت وسرعان ما التفتت ليكون ظهرها له، وركضت نحو المدخل كي تفرّ من هنا قبل أن تواجهه و...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة