قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية ابن رستم للكاتبة ياسمين عادل الفصل التاسع والعشرون

رواية ابن رستم للكاتبة ياسمين عادل الفصل التاسع والعشرون

رواية ابن رستم للكاتبة ياسمين عادل الفصل التاسع والعشرون

كاد مروان يتشاجر مع ذاك الأحمق الذي يقود سيارته ببطء مميت أمامه وظل يدعس على الأبواق كي تنفتح له الطرق وهو يصيح: - يا ××××× انت غبي يلا!
وما أن وجد طريقًا للعبور مضى بسرعة، صوت صرخاتها وبكاءها يعذبه مع شعور العجز الذي انتابه، ولم يجد سوى مواساتها: - معلش استحملي شوية، هانت قربنا نوصل.

ضغطت على معدتها بقوة وهي تبكي بتألم: - مش قادرة استحمل الوجع، سكاكين في بطني مش بتقف!
ف صاح فيها وقد جن جنونه: - آدي أخرة الطفاسة، يارب تكوني مرتاحة
ف صرخت فيه: - بس بقى، بس، أنا عايزة ظافر، أتصل ب ظافر دلوقتي، آآآه
ف حاول أن يلبي طلبها ويتصل به وهو في هذه الجلبة التي في عقله.

تفقد رستم الخزنة الفارغة وخزانة الملابس التي اكتشفت چيهان فيما بعد ضياع أشياء قيّمة منها، ثم حلل بعقليته الحربية الماهرة: - حاول يفتحها بالسكينة الأول، لما فشل ضرب عليها بحاجة ناشفة، شاكوش مثلًا!
كانت تبكي بحرقة شديدة وهي تتخيل ما تعيشه من نوائب متتالية، هل حقًا أصبح بذلك السوء وهي لا تعلم، أم إنها طوال تلك السنوات لم ترى حقيقتة حتى لمرة واحدة!

فركت وجهها الأحمر وهي تردد بصوت مختنق: - معقولة! بيسرقني! طب ازاي؟!
تنهد رستم وقد أحس بإنه انخدع فيه بحق: - أنا كمان مكنتش اتوقع حركة زي دي منه! بس طلع واطي و ×××××
ثم نظر حوله و: - شفتي العفش والأجهزة كلها ولا في حاجه ناقصة؟
- مفيش حاجه ناقصة يابابا
قالتها بخيبة أمل، وجلست على الفراش وهي ترثي حالها: - أنا مش محتاجة فلوس ولا بلبس الدهب! بس ليه، ليه طلعت هينة أوي كده!

حاول رستم أن يشد على عضدها وهو يقويها بقوله: - أنا هخليه يتمنى تسامحيه بس، لو مخلتهوش سوابق مبقاش انا رستم حربي
ف ذعرت وهي تفكر في مستقبل صغارها و: - لأ يابابا، أوعى، ولادي مينفعش يكون أبوهم سوابق، مستقبلهم ممكن يدمر، عمر بيحلم يكون ظابط زي جده وخاله، هيدخل شرطة إزاي وأبوه سوابق؟!

فكر رستم بعقلانية، فوجد أن هذه الطريقة بالفعل ستؤذي الأطفال أولًا، ف انصرف عنها فورًا وبدأ يفكر في البديل على الفور.

وقف بالخارج والخوف عليها يتملك منه بعدما علم إنهم سيقومون بغسيل معدة لها على الفور، الدقائق لا تمر والوقت يمضي بصعوبة بالغة، حتى ظافر علق في الحركة المرورية المزدحمة ولم يصل حتى الآن.
مرت من أمامه الممرضة وكادت تدخل، ولكنه استوقفها و: - لو سمحتي، هي خلصت ولا لسه
- دقايق والدكتور هيخرج ويبلغك بالوضع
ودخلت..

لحظات معدودة وخرج الطبيب، كان وجهه حازمًا بعض الشئ وهي يفسر ما حدث: - حالة تسمم زي الحالات الكتير اللي بشوفها في الفترة الأخيرة، الآنسة كلت حاجه فاسدة والعصارة الهضمية مقدرتش تتعامل مع الميكروب القوي اللي صابها، بالتالي كان لازم يحصل تسمم.

ذمّ مروان على شفتيه بحنق وهو يبرر: - هي فعلًا أغلب أكلها من الشارع
- وده أكبر غلط، حتى لو مش بيظهر في وقتها بيكون تراكمي وخطورته بتبان بعد كده، الأكلات السريعة واللحوم اللي مصدرها مش موثوق والقائمين عن عمل الاكل ده نفسهم مش مؤهلين صحيًا وأغلبهم مش بيتبع النظافة المطلوبة، عشان كده بحذركم من الأكل بتاع برا، هي هتقعد معانا تحت الملاحظة لحد بكرة وان شاء الله تقدر تمشي بالليل لو الموضوع مر بسلام.

أومأ مروان برأسه متفهمًا، ليأتي ظافر من خلفه بثيابه الرسمية وهو يسأل بقلق وتوتر: - في إيه يامروان!؟ توته جرالها إيه!
بدا عليه الإمتعاض وهو يجيب: - تسمم من أكل الجامعة
خرجت الممرضة وسألت: - مين فيكم ظافر؟
- أنا أهو
ف زفرت الممرضة بحنق و: - المريضة عماله تعيط جوا وبتسأل عنك، مش عارفين ننقلها لغرفة عادية بسبب انهيارها.

ف أوفض ظافر للداخل بينما كان مروان بمحله، أحس بطاقة غضب غير طبيعية ويريد التنفيث عنها بأي شكل، أخرج هاتفه وحاول الإتصال بأحدهم و: - ألو، أزيك يامحمد باشا، عندي حاجه كده وعايزك تخلصهالي، بلاغ في مطاعم جامعة ××××، آه، بيستخدموا لحوم فاسدة، شوفلي الموضوع ده الله يخليك، تسلم ياحبيبي، تسلم.

وأغلق الهاتف، نظر نحو الغرفة وتمتم ب عصبية: - أنا هخربها على دماغكم.

جمعت أثير حقيبتها واستعدت لمغادرة الفندق عقب أن علمت بما أصاب تمارا وإنها ترغب في في رؤيتها، وقبل أن تبرح الفندق استوقفتها شروق وتفحصتها وهي تردد: - رايحة فين ياأثير؟ الساعة لسه 5
- أخدت أذن عشان عندي مشوار مهم، عن أذنك.

عقدت شروق ساعديها سويًا وهي تراها تخرج، وتمتمت ب حقد بيّن: - الأجازات اتفتحت على البحري وكل يوم أذن شكل!، طبعًا، . مش بقيتي خطيبة إبن رستم؟، وأنا بغبائي اللي سهلت لك الموضوع كله.

وسارت تعود لمكانها، ولكن قبل هذا ذهبت ل رؤية ياسر، ذاك الذي هدمه الحُب وأصبح إنسان كئيب أغلب الوقت، هكذا يفعل بك الحُب من طرف واحد.
يجعلك دائم النقمة والإعتراض، كون الطرف الآخر أمامك وانت عاجز حتى عن التقرب والتودد إليه، شعور يميتك ببطء ويفقدك لذة كل شئ حتى النعم، وقد لا ترى النور في أحدهم طالما إنك سجين هذا الظلام وحدك، منتظرًا تحقيق أمنية غالبًا لن تتحقق.

كان حاله أسوأ من ذلك أيضًا، دلفت عليه لتجده ينهك نفسه في العمل لكي لا يترك الفرصة لقلبه كي يتذكرها، وكأنه نساها.!، جلست قبالته و: - ليه مخرجتش في استراحة الغدا ياياسر؟
فأجاب بدون أن ينظر إليها: - مش عايز
ف تعمدت ذكرها أمامه بكلام فارغ: - أثير برضو مبقتش تهتم بيها، بقت كل مواعيدها عشوائية و...

فقاطعها بحزم وهو ينظر إليها بنظرات غير راضية: - مش عايز اتكلم عن حد ياشروق، وياريت كفاية شغل النمّ نميمة ده، خلاص الفندق كله عرف قد إيه بتكرهيها وتحقدي عليها، كفاية.

تفاجئت من صياحه المفاجئ فيها وحدقت به وهي تقول: - ياسر انت اتعصبت فجأة ليه؟ أنا قصدي آ...
- ولا قصدك ولا مش قصدك، اتفضلي شوفي شغلك وسيبيني في حالي
حاولت أن تطيل الأمر غير مدركة إنه بالفعل قد اختنق من ثرثرتها وأحاديثها: - أنا كنت ب...
ف نهض عن جلسته مستوفضًا وهمّ ليخرج و: - أنا هسيبلك المكتب تشبعي بيه ولما تزهقي وتخرجي أنا هبقى أدخل.

وخرج، تنفس بصعوبة وقد جثم الألم على صدره من جديد، وسلك الرواق الطويل المؤدي لدورة المياه عسى أن تُبرد نيرانه التي طفت على بشرته الملتهبة تلك.

كانت تمارا متشبثة به گطفلة صغيرة محاولة تجاوز شعور الألم الذي بدأ يهدأ في جوف معدتها، مغمضة عيناها مستسلمة لبعض السكون بعد أن أصيبت رأسها ب صداع حاد من فرط البكاء والصراخ..
رفعت رأسها نحو شقيقها الراقد بجوارها وسألته بصوت ضعيف: - هي أثير لسه مجتش؟
ف تنفس ظافر وهو يجيب متعجبًا: - مش عارف انتي أتعلقتي بيها كده أمتى؟، عمومًا هي في الطريق.

لم يستطع رستم منع نفسه من توبيخها بعدما رآها في هذه الحالة المزرية و: - 100 مرة حذرتك من الأكل الغريب اللي بتاكليه والحاجات الجديدة اللي بتحبي تجربيها! آدي أخرتها.

كان مروان يتابع وجهها الشاحب ويراقبها وهي منهكة هكذا، متضايقًا من تدهور حالتها لهذا الحد، نهض عن جلسته وهمّ ليخرج، ف صمت رستم حتى خرج ثم رمقها ب حدة و: - بهدلتي خطيبك معاكي كمان!
ف تدخلت زينب كي يكفّ عن تعنيفها وهي مازالت مريضة بهذا الشكل: - خلاص يارستم عدت على خير والحمد لله، المهم إنها مش هتاكل من برا تاني
ف أفصح ظافر عن الإتفاق الذي عقده معها و: - خلاص هي اتفقت معايا مش هتعملها تاني.

دفنت تمارا وجهها في صدره وهي تهمس: - ظاظا انا مش متحملة بقى
ف غمز ظافر ل أبيه كي يكفّ عنها قليلًا، نهض رستم عن جلسته واستعد ليخرج هو الآخر متمتمًا: - هو دلعك فيها ده اللي بهدلها وبهدلنا معاها!
خرج رستم فوجد مروان يجلس بالخارج وكأنه مهمومًا، ف جاوره وهو ضرب على فخذه بخفة: - خلاص عدت على خير يابني، مالك كده شايل الدنيا على ضهرك ليه؟

نظر إليه مروان بنظرات مغزية، ثم أشاح بصره و: - تمارا عندها حق ياعمي، هي مش محتاجة واحد طبعه ناشف زي أبوها، النهاردة بس شوفت بعيني هي متعلقة ب ظافر قد إيه، علاقتهم مع بعض هي الفرامل بتاعت تمارا، لو تمارا مش بتعمل الغلط ف هي بتعمله عشان متزعلش أخوها، مش خوف من أبوها.

تنهد وتابع: - متزعلش مني، بس ظافر كان عنده حق، مش دايمًا العنف بينفع مع البنات، عشان كده انا مقرر من أول لحظة إني أكون مختلف عن نفسي عشانها، بس مش عارف هنجح ولا لأ.

تفهم رستم حديثه التلقائي وتقبّله، بل وأيّده أيضًا: - لو ظافر مش الغصن الطري اللي بتتمايل عليه بنتي مكنتش هبقى بالشكل ده معاها، أنا عارف إني جلد معاها دونًا عن أخواتها التانين، بس ده عشان أنا عارف برضو إن أخوها هيعوض حدتي ب حنيته، فاهمني؟

فأومأ بصمت، وظل جالسًا بهدوء يفكر مليّا بها فقط، تلك المشاغبة التي استحوذت على عقله وقلبه كاملين.

كان نزار يستعد كي يصحبها إلى المشفى كي ترى شقيقتها، بينما كانت تتجهز هي على المرآه، لمحت هاتفه المحمول والذي تركه على المنضدة، ف سرعان ما أمسكت به وحاولت فتحه، ولكنها لم تستطع، حتى إنها كانت تستخدم بصمتها لفتح هاتف زوجها ولكن الآن فشلت، يبدو إنه قام بتغيير الإعدادات أو ماشابه.
امتعضت وهي تتفقد الأشعارات من الخارج، فلم تجد شيئًا ملفتًا أو يصير الشكوك حوله، ولكنها لم ترتاح كونه قد مسح بصمتها.

تركته قبل أن يخرج هو من دورة المياه وعقلها عالقًا هناك حيث بقى، شكوكها المستمرة حوله والتي زادت حدتها بعد ما حدث لشقيقتها چيهان جعلها تشعر بتعاسة دائمًا، لم تستمتع حتى بكونها عروس جديدة وتهتم بزواجها، نفخت بضيق شديد وهي تفكر كيف ستحل الأمر وكيف ستتمكن من كشف أمرهِ إن كان حقًا يخونها؟!

ملأت أثير ملعقة الطعام بشوربة الخضار ثم وضعتها أمام فمها و: - يلا ياتوته كفاية دلع
نظرت تمارا للطعام وهي تكاد تتقيأ، فهي لا تحب الطعام المسلوق نهائيًا، وتأففت بضيق وهي تردف: - كفاية بقى مش بحبها، أنا جعانة وعايزة حاجه تانية
حاول مروان أن يحافظ على هذا الهدوء المتصنع وهو يردد: - لما تطلعي من هنا هنعملك اللي انتي عايزاه، لكن اليومين دول مينفعش، تعالي على نفسك ياتيمو.

كان ظافر مراقبًا بصمت بدون أن يتدخل فيهم، حتى انصاعت تمارا في الأخير وتناولت وهي تكتم أنفاسها وابتلعت على عجل، ثم غمغمت: - يع، طعمه وحش أوي
ولجت الممرضة وهي تحمل المصل الذي سيتجدد لها، وقالت بجدية: - معاد الزيارة خلص ياجماعة، ياريت تسيبوها ترتاح عشان هحطلها المحلول وتنام
ف نظرت تمارا نحو شقيقها و: - لأ متمشيش ياظافر، أنا هخاف أنام هنا لوحدي
ف غمز لها ظافر و: - معلش ياتوته هجيلك الصبح.

وضعت الممرضة المصل وتم توصيله بوريدها و: - أتفضلوا
ف خرج ظافر أولًا ومن خلفه مروان، بينما ودعتها أثير و: - الصبح هكون عندك
فنظرت تمارا للخارج بعيون زائغة و: - ماشي
خرج ظافر برفقتها من المدخل الذي يطل على الحديقة، ثم نظر لساعته و: - يدوب أنا ألحق أروحك عشان أرجع هنا تاني
تردد في إخبارها بالبداية، ولكنه وجد نفسه يعترف على الفور: - كتب الكتاب بعد شهر من دلوقتي، يناسبك؟

ارتجف قلبها وكأنه تحرك من مكانه، لم تستطع النظر لعيناه وهي تفكر في أمر گهذا، فكان أبسط جواب منها: - اللي تشوفه
- تمام، من بكرة هتلاقي ماما بتكلمك عشان تنزلوا تختاروا الفرش، وأول ما أفضى هوديكي الشقة تشوفيها وتبقي تفرشيها براحتك.

أومأت رأسها بالإيجاب والسعادة قد تجلّت في عيناها، أجبر هو نفسه على الإبتسام لها گنوع من اللطافة التي تعوض ما فعله من تصرفات هوجاء معها و: - على خير ان شاء الله
- إن شاء الله
قالتها وهي تلقي برأسها على كتفه، ثم شبكت أصابعها ب أصابعه وصمتت، ف ضمّ أصابعه على أصابعها وهو ينظر للفراغ، تحركت عيناه تلقائيًا لينظر إلى رأسها الموضوعة على كتفه، ثم: - يلا بينا.

رفعت رأسها عن كتفه بينما يدها ما زالت متشبثة بأصابعه، ف سار معها بدون أن يتركها حتى أجلسها في المقعد الأمامي، ثم التفت حولها وهو يفكر، تُرى ما نهاية هذا الطريق الذي سلكه؟!

لم تتحمل تمارا المكوث هنا بين رائحة الأدوية والمعقمات ورائحة المشفى عمومًا، نهضت عن نومتها وسحبت المحلول الموصل بوريدها، وأردفت بخفوت مختنق: - مش هقعد هنا، مش قادرة استحمل!
ارتدت الحذاء وبدأت ترتدي ثيابها كي تغادر المشفى التي تبقى فيها قِصرًا بدون التفكير في توابع الأمر و...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة