قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية إيفدوكيا للكاتبة إيمان عادل الفصل السادس والثلاثون

رواية إيفدوكيا للكاتبة إيمان عادل الفصل السادس والثلاثون

رواية إيفدوكيا للكاتبة إيمان عادل الفصل السادس والثلاثون

تسير مبتعدة لكن ليس في الإتجاه ذاته الذي جاءت منه بل خلف الملهى الليلي كي تبحث عن بوابة أقرب عوضاً عن السير لمسافة أطول وليتها لم تفعل. كانت الإضاءة ضعيفه في تلك البقعة تحديداً لذا اقتربت أكثر وهي تُكذب عيناها مؤكد أنها تتوهم. لكنها تستطيع تميز تلك اللفائف البنية جيداً. وذلك الطول الشاهق. إنه هو هاري!

يقف شبه مستنداً على الحائط الخاص بمنبى الملهى الليلي وتقف أمامه فتاة يتهامسون بينما ارتسمت ابتسامة واسعة على ثغر هاري. لم تكن أي فتاة فايفدوكيا تعلم تلك الخصلات الشقراء جيداً وزوج الأعين التي تلمع في الظلام، وذلك الثوب كذلك فهي رأته باكراً اليوم!

إنها ماديسون في أحضان هاري!
أنا أحبكِ. كانت هذا آخر ما سمعته قبل أن تركض مبتعدة تاركة شهقاتها تتحرر، تشعر بقلبها يحترق ولا تعلم السبب. هاري خائن! لم تفكر في تلك اللحظة بأنه لم يكن هناك شيء رسمي بينهم على أي حال لكنها ظنت لوهله أنه. يحبها هي!

لكن اتضح أن كل ذلك كان كذب وانه لم يكن سوى شاب ثري يعبث بفتاة ذات قلب مكسور تحتاج إلى الإعتناء. هرولت مبتعدة عن المكان كلياً، شعرت بآلم شديد في صدرها بالمعنى الحرفي وليس تعبيراً عن الحزن ولو أن الحزن كان سبباً في ذلك الآلم لكن ركضها لمسافة طويلة مع البكاء هو ما تسبب في ذلك...

لا تدري أتلوم هاري أم تلوم نفسها على حماقتها لكن كل العلمات كانت واضحة. الإهتمام الزائد. الكلمات المعسولة. الهدايا. والحركات الرومانسية المبالغ فيها!

لا يهم ما فعله هاري فالرجال خائنون في أغلب الأوقات وبشكل خاص إذا توافرت له الظروف التي تسمح بذلك، وهاري يتوافر لديه كل شيء. وسيم. ثري. يتحدث بكلام معسول ولديه كاريزما تلفت انتباه كل من حوله لذا ليس من الصعب أن يحظى بأكثر من فتاة ولو إن كان ذلك مقزز بالطبع لكنها تفهم انها طبيعة تسعون بالمائة من الرجال والذي هاري واحداً منهم.

لكن ماذا عن ماديسون؟ لقد ظنت ان كل شيء قد تم اصلاحه في اليومين الماضيين. كيف حدث ذلك. هي لا تفهم.
هي شقيقتها كيف تفعل هذا بها؟ برغم من الخلافات الكثيرة التي حدثت بين ماديسون وايفدوكيا طوال سنوات حياتهم لكن الأمر مختلف هذه المرة! مازال عقلها لا يستوعب وجود ذلك الكم من الشجار بينهم والفضل يعود لشاب!

كانت تود الهرب الإبتعاد بعيداً لكنها تعلم أن والدتها في حاجة إليها هي لا تقدر على تركها الآن!
لعنت تحت انفاسها قبل ان تجلس لبضع دقائق آخرى قبل أن تستقيم لتغادر المكان عائدة نحوها منزلها لعل قلبها يحظى ببعض الدفء ككجسدها.

مرحباً مجدداً تحدثت إلى نفسها وهي تنظر إلى حوائط المنزل الذي اصبح المكان الوحيد الذي يحتوي آلامها.

صعدت إلى غرفتها لتُغلق الباب بواسطة المفتاح، تخلع سماعة الأذن خاصتها وتطلق العنان لدموعها التي تنهمر بغزارة وكأنها تخوض سباق في سرعة الأنهيار. تحاول كتم شهقاتها فهي لا تُريد ان تسمع والدتها فيزيد همها يكفي الآلم الجسدي الذي تعاني منه.

صباح الخير ايف.

صباح. إنه صباح كأي صباح لا يوجد فرق إن كان خيراً أم لا. بكلمات حادة ونبرة باردة بصقت ايفدوكيا كلماتها وهي ترد التحية على شقيقتها، لا تدري كيف استطاعت أن تستيقظ باكراً هكذا فمؤكد انها عادت في وقت متأخر من الليل، كما انها لا تدري أين نامت فايفدوكيا قد اوصدت الباب بالمفتاح ونزعت السماعة خاصتها لذا من المحتمل أن تكون ماديسون قد دقت على الباب ولم تسمعها ايف.

ما هذا الكم من التشاؤوم؟ إلهي لم يبدأ اليوم بعد!

أيوجد شيء يدعو للتفاؤل؟

إلهي لطالما كنتِ كالخنفسة الكئيبة.

وأنتِ الفراشة الملونة أليس كذلك؟ سخرت ايفدوكيا من ماديسون بسؤالها ذلك لكن ماديسون ابتسمت ابتسامة صفراء قبل أن تُردف:
في الواقع أجل.

لا تنسي اذاً أن تلك الفراشة الملونة ما كانت سوا يرقة في بداية الأمر.

هلا توقفتم عن تشبيه بعضكم البعض مُستخدمين الحشرات كأمثلة، نحن نتناول الفطور سوف أُصاب بالغثيان! وبختهم والدتهم لتزفر ايفدوكيا بضيق قبل أن تصمت وهي تحشر بضع رقائق من البطاطا في فمها.

أسفة أمي اعتذرت كلتاهما في الوقت ذاته لتنظر ايفدوكيا نحو ماديسون بحده غير مفهومة بالنسبة لهم لكن ايفدوكيا كانت تقصدها.

انتهت ايفدوكيا من الطعام وحملت صحونها وابتعدت دون أن تتفوه بحرف وإن كان ذلك ليس من شيامها فهي في العادة تثرثر اثناء تناول الطعام.

لما تتصرف شقيقتكِ بغرابة اليوم؟ هل تشاجرتم مجدداً؟

لا لم نفعل.

ماذا إذاً؟ ربما هناك مشكلة في العمل، حاولي التحدث معها.

سأحاول أمي اردفت ماديسون ثم خرجت منها تنهيدة طويلة.

أما عنها هي فقد صعدت مجدداً إلى غرفتها تعبث بهاتفها والتي ودت أن تُحطمه إلى فتاتاً صغيرة كونه هدية منها على الرغم من انها سترد ثمنه.

تحاول الهرب، هذا ما كانت تُجيده في كل مشكلة تواجهها حتى انه كانت تفعل ذلك عند شجارها مع ليو، تهرب إلى الغرفة وتُغلق الباب ثم تنزع السماعة خاصتها وتبكي حتى يغلبها النعاس. في هذه المرة ارادت أن تواجه لكن ماذا عساها أن تقول؟ لا يوجد علاقة بينها وبين هاري في حين أن هاري وماديسون كانوا عاشقين في السابق.

في مكان ليس ببعيد عنهم يستيقظ هو في غرفته وقميصه مفقود لا يدري إلى أين ذهب، يفتح عيناه فيغزو رأسه آلم شديد وكأن ألف شخص يطرق على رأسه بمطرقة من حديد، ينظر حوله لا يذكر كيف أتى إلى هنا أو ماذا حدث؟ مازال تأثير الكحول ظاهراً عليه. ينظر نحو الكومود ليجد هاتفه وأسفله ورقة صغيرة كُتب فيها:.

صباح الخير لم استطع البقاء لليلة، هذا الدواء سيساعدك على التخلص من آلم الرأس وتوابع الثمالة. تناولها فور استيقاظك.

كان يظن أنه سيجد اسماً يرغب في قراءته فلقد اتفق معها على أن تقابله بالأمس لكن عكس ما توقع لم يجد ذلك الأسم بل وجد أسفل الورقة توقيع.

ماديسون.

يشعر بصدمة ورأسه يدور. متى قابل ماديسون وماذا تفعل هذه الورقة التي كُتبت بخط يدها إلى جانب سريره. لا يذكر ما حدث. كان من المفترض أن يُقابل ايفدوكيا ليُخبرها بذلك الخبر الكارثي. أحدهم يقوم بمساعدة ليو وهو على وشك تسديد الغرامة خاصته وعن قريب سيصبح حراً طليقاً يفعل ما يحلو له. لكن هو لا يذكر انه اخبرها بذلك، ربما لم تأتي لكنه يذكر أنه تحدث إليها...

أمسك بهاتفه وحاول الإتصال بها لكن لا إجابة، كرر المحاولة مرة واحدة. اثنين. ثلاثة، عشرة مرات ولم تُجيب لذا قرر أن يبعث لها برسالة، عقله نصف مستيقظ يحاول أن يَكتب بكل سرعته وفي الوقت ذاته دون اخطاء املائية حتى تفهم ما يقصده.

ايفدوكيا لما لا تُجيبين على الهاتف؟ هل انتِ بخير؟
هاري.

اي? لقد مرت نصف ساعة بالفعل وانتِ لم تُجيبِ بعد، اتصلِ بي. هناك أمر غاية في الأهمية
هاري.

تنظر نحو تلك الرسائل والشرار يكاد يتطاير من عيناها الباكية، فهي الآن لا تبكي من الحزن بل تبكي من كثرة الغضب والغيظ!

ايفدوكيا جاءها صوت ماديسون التي تطرق باب الغرفة بخفه للتنهد ايفدوكيا قبل أن تُجيبها:
أجل، ماذا تريدين؟

لا شيء. فقط أود أن اطمئن عليكِ كادت أن تُجيبها ايفدوكيا ب من الأفضل أن تذهبِ للإطمئنان على هاري لكنها لم تُريد احداث المزيد من الدراما فالوضع مشتعل بالفعل.

سأعود بعد دقيقة قالت ماديسون وفي الوقت ذاته سمعت ايفدوكيا صوت رنين هاتفها، مؤكد انها تتحدث إلى هاري. استغلت ايفدوكيا فرصة انشغال ماديسون وبدلت ثيابها سريعاً وذهبت إلى الأسفل.

أمي. سأذهب للخارج وسأعود سريعاً.

إلى أين؟

سأخبركِ حينما أعود، لا تشغلِ بالكِ بذلك الأمر.

اعتني بنفسك أيف.

لا تقلقِ أمي اردفت ايفدوكيا قبل أن تُقبل رأس والدتها وتأخذ حقيبتها وتهرب نحو الخارج.

أريد طباعة تلك طلبت ايفدوكيا بأدب من الفتاة التي تقف أمام مكينة الطباعة في احدى المقاهي التي تُقدم خدمات إلكترونية وتحتوي على عده أجهزة كومبيوتر، كانت تُشير ايفدوكيا على ذلك الملف حيث كتبت كلاماً مختصراً لكنه كان كافياً.

تفضلي اردفت الفتاة بأدب لتأخذ ايفدوكيا الورقة والهاتف وتمنح الفتاة المال ثم تذهب.

صدح صوت هاتفها في المكان لتقلب عيناها وتنظر نحوه لكن لم يكن المتصل هاري هذه المرة بل كانت بيرت.

مرحباً بي.

مرحباً ايف، كيف حالكِ؟ جاءها صوت بيرت المرح من الجانب الآخر بينما أجابت ايفدوكيا بنبرة خالية من الحياة قائلة:
بخير.

صوتكِ لا يدل على أنكِ بخير قط. ماذا حدث؟

يمكنكِ القول انه شجار مع شقيقتي.

اوه لم اكن أعلم أن لديكِ شقيقة أنتِ لم تذكريها قط من قبل، لقد ظننت أن الأمر يتعلق بالسيد هاري.

شعرت ايفدوكيا بغصة في حلقها فماذا عساها أن تقول؟ الوسط مبعثر كلياً.

لا ليس بسبب هاري. أعني سيد هاري.

لا داعي لسيد تلك ايف لقد انكشف الأمر بنبرة مرحة قالت بيرت وهي تقهقه.

بيرت! سيد هاري هو مديري فالعمل ليس إلا.

كانت نبرتها غاضبة لذا ساد الصمت لثوانٍ قبل أن تعتذر ايفدوكيا عن كون أسلوبها حاد قليلاً بالرغم من كون بيرت تمزح كالمعتاد.

أتعلمين لقد اشتقت إليكِ، انتِ صديقتي الوحيدة.

أنا ايضاً اشتقت إليكِ، متى ستأتين؟

لا ادري مازالت أمي في حاجة إلى رعاية. ألا يسعكِ القدوم إلى هنا؟ سألت وهي تعض على شفتها السفلى بقلق لا تود سماع الإجابة خشية أن تكون الإجابة لا.

سأحاول في نهاية الأسبوع فأنتِ تعلمين مدينتكم ليست بقريبة.

إلهي احقاً ستفعلين! كان الحماس ظاهراً في نبرته ايفدوكيا بعد أن كانت منطفئة لكن فكرة قدوم بيرت إلى هنا وقضاء الوقت معها قد حسنت من مزاجها قليلاً.

بالمناسبة يمكنكِ المكوث بمنزلي، هو ليس بكبير لكنه يفي بالغرض.

هذا جيد للغاية، لا بأس فأنا لا أود اهدار كل نقودِ من أجل المكوث في فندق. قالت لتقهقه كلتاهما ثم تُغلق ايفدوكيا الخط وهي تفكر. هل حقاً ستُخبر بيرت ما حدث؟ هي لاتعرفها كفاية لكنها كانت صديقة جيدة منذ أن تقابلا في العمل، وهي دائماً ما تساند ايفدوكيا. أليس هذا يعني أنها صديقة؟

اتصل هاري مجدداً وقد قررت أن تُجيب على اتصاله هذه المرة لكنها لم تتحدث سوى بجملة واحدة:
قابلني عند مطعم الساعة الخامسة.

علي الجانب الآخر ابتسم هو عندما أجابت لكن سرعان ما اختفت تلك الإبتسامة عندما سمع نبرة صوتها وعندما أغلقت الخط، نظر هو إلى هاتفه قبل أن يبعث رسالة لماديسون يُخبرها أنه لا داعي للقلق وأن الأمر مستقر نسبياً حتى الآن لكنه يخشى ردة فعل ايفدوكيا حينما يقابلها. ليته لم يثمل تلك الليلة.
لم تعد إلى المنزل بل بقيت تتجول في الشوارع في انتظار موعد لقاءها هي وهاري، لقاءهما الآخير إن صح القول.

جلست في المطعم قبل الميعاد بنصف ساعة، التوتر ينهشها من الداخل. يدها تعبث بشكل عشوائي في قطعة القماش الموضوعة على الطاولة التي أمامها. لقد عاشت طوال حياتها تتهرب من المواجهة لكن هذه المرة قد عصف بها التيار إلى أرض المعركة فلا خيار لديها سوى أن تواجه أو تعيش مكسورة الجناح طوال حياتها وهي تكره أن تكون كذلك.

مرحباً.

إنك مُتأخر عن الموعد بثلاثة دقائق وخمسة وأربعون دقيقة. قالت بجمود ليبتسم هو ثم يُردف:
إلهي أنتِ دقيقة للغاية. هل قلقتِ من عدم قدومِ؟

في الواقع لا الأمر كله أنني لا أريد تضيع وقتي مع أمثالك. أكانت هذه الجملة غاية في الوقاحة؟ أجل، هل يستحقها؟ أجل.
لقد صُعق لكنه كان متوقعاً أن يتعرض للتوبيخ!

لنتحدث في صلب الموضوع ودعنا لا نطيل الأمر فيصبح سخيفاً. اردفت بثبات ليبتلع بتوتر ويجلس في وضعيه تدل على عدم شعوره بالراحة.

بالطبع، تفضلِ.

لقد رأيتك بالأمس. رأيت كل شيء، حتى أذني الضعيفة تلك استطاعت كلمتك أن تخترقها!

لقد كنت ثمل أقسم!

أنا ايضاً كنت ثملة بمشاعر زائفة! صُعق من جملتها تلك. فهذه هي المرة الأولى التي تُفصح فيها عن أي شيء يخص علاقتهما وها هي الفرصة تضيع من يده بسبب ما ارتكب من حماقات!

ايف من فضلك انا حتى لا اذكر تماماً ما قولت او ما فعلت.

اولاً توقف عن مناداتي ب ايف، ثانياً لا يهمني ما تقوله فقط خذ هذه قوم بتوقيعها. وانتهينا اردفت ليومئ لها بغير استيعاب عن أي ورقة تتحدث لكن فور منحها اياها اتسعت عيناه قبل أن يصفع جبينه بيده حينما وقعت عيناه على الكلمات التي كُتبت.

لماذا؟ لماذا تودين إنهاء الأمر دون أن تفهمي الحقيقة؟

من فضلك لتوقع على تلك الورقة وننهي الأمر صدرت نبرتها حازمة برغم من ارتجاف جوفها.

ايف من فضلك. على الأقل دعيني افسر ما حدث.

خذ، انتَ تعلم عنوان المنزل اجلبها لي عندما توقعها
صدمت الورقة بكتفه وهي ترميها بعنف نحوه قبل أن ترحل. تهرول نحو الباب لتدفعه للأمام فيصفع وجهها الهواء البارد مُحركاً بعض من خصلات شعرها المُنسدل.

تسير بسرعة ودون تركيز يصطدم جسدها بالمره لكنها حتى لا تتآوه من الآلم، تشعر بقلبها يتم اعتصاره من الآلم ماذا إذا عاد هاري إلى ماديسون بصورة رسمية؟ ماذا إذا أصبح زوج شقيقتها؟ كيف ستتقبل الأمر. مازالت تترنح وهي تسير كالسكارى حتى انتهي بها الأمر تتعثر بجسد شخص جالس على أحدى المقاعد، اختل توازنها وكادت أن تسقط على وجهها لولا تلك اليد التي لحقت بها وساعدتها على النهوض.

انتفض جسدها وابتعدت لترى من ذلك الشخص كي تشكره ليفاجئها زوج من الأعين البنية المُشعة يُزينهما رموش كثيفة.

اشكرك سيدي اردفت وهي تحاول أن تستجمع نفسها كي تُكمل طريقها.

مهلاً آنستي لم تتوقف لأنها لم تستوعب أنه يتحدث إليها ليسير هو بخطوات واسعة ويقف أمامها قائلاً:
لقد سقط هاتفكِ من الحقيبة.

اوه. شكراً جزيلاً لم أكن لأنتبه له شكرته وهي تأخذ الهاتف من يدها بينما تضع يدها على رأسها.

هل أنتِ بخير؟ تبدين متوعكة.

أجل. أجل أنا بخير، شكراً مجدداً ابتعدت عنه سريعاً فهي لا تحبذ إطاله الحديث مع الغرباء، عادت إلى المنزل. طرقت الباب بهدوء لتجد ماديسون أمامها فور فتح الباب تدفعها ايف بخفه في كتفها متجاهلة إياها.

هل فعلت شيء أغضبكِ؟ سألت ماديسون وهي تدعي البراءة او هكذا تظن ايفدوكيا.

أنتِ تفعلين شيء يُغضبني؟ بالطبع لا فأنتِ ملاكاً برئ.

توقفِ عن السخرية وفقط اجيب!

ماديسون لم أعهدكِ حمقاء قط لذا توقفِ عن الإدعاء.

وأنتِ توقفِ عن إدعاء المثالية! ايفدوكيا أنتِ بشراً ولستِ ملاك، لذا توقفِ عن السير وتذكير الناس بذلاتهم وقومِ بتوفير طاقتكِ تلك في تحسين نفسكِ وكأن أحدهم قد سكب ماء مثلج على رأس ايفدوكيا لقد ايقظتها من غفلتها، لقد أسرت ايفدوكيا نفسها في دور الضحية وربما كانت هي الجانية طوال هذا الوقت!

أنتِ محقة مادي للمرة الأولى تقريباً.

لطالما كنت مُحقة لكنكِ لم تستمعي قط.

سأطمئن على أمي ثم اخلد إلى النوم اردفت وهي تنزع حقيبتها وترميها بإهمال على الطاولة وتصعد إلى الأعلى.

هاري ماذا حدث؟ كان هذا آخر ما سمعته ايفدوكيا وهي تصعد السُلم.

مرت الأيام متشابهه باهتة كئيبة. يتصل هاري عدة مرات يومياً وهي لازالت عند موقفها تتحاشى ماديسون التي تحاول التلميح للأمر.
بدأ الأمر في التحسن عندما بعثت بيرت برسالة لايفدوكيا تُخبرها بموعد قدومها.

مرحباً لقد أنرتِ المدينة تفوهت ايفدوكيا بلطف فور رؤيتها لبيرت وهي تضع كلتا يديها داخل المعطف الرمادي خاصتها فالطقس كان بارداً أما عن بيرت فقد قفزت بدورها لتعانق ايفدوكيا بقوة وهي تُردف:
لقد أشتقت إليكِ يا حمقاء!

أنا ايضاً يا سليطة السان مازحتها ايفدوكيا لتقلب بيرت عيناهأ وهي تسأل بسخرية:
سليطة اللسان؟ لم يبدأ السب بعد لكنه أنا واثقة أنني سأنهال عليكِ بالشتائم فور إخباري بكل شيء حدث!

ستكونين محقة بشأن ذلك على أي حال.

الآن قصِ على ما حدث.

على رسلكِ يا فتاة ألستِ مرهقة من السفر؟ لنحصل على بعض الراحة والدفء في المنزل اولاً ثم افعلِ ما يحلو لكِ قالت ايفدوكيا وهي تحمل واحدة من حقيبتي بيرت بينما تسير كلتاهما نحو الطريق.

حسناً سأحاول كبح فضولي حتى يحل المساء.

كانت الشوارع هادئة ولا يوجد زحام لذلك لم يستغرق كلتاهما وقتاً طويلاً حتى أوصلتهم سيارة الأجرى أمام منزلها.

إنه ليس كبير لكنه سيعجبكِ تفوهت ايفدوكيا بلطف وهي تقوم بفتح باب المنزل بواسطة المفتاح خاصتها.

من هذه؟

إنها بيرت صديقتي.

صديقتكِ أنتِ؟ لا تبدو كذلك! قالت ماديسون بدهشه وهي تتفحص بيرت، فثيابها بدت أنيقة.

ولما؟ هل ينقص ايفدوكيا شيء؟ كانت تظن ايفدوكيا أن ماديسون تسخر من بيرت لكن بيرت أدركت ما ترمي إليه ماديسون، لقد كانت ايفدوكيا المقصودة بنبرة التهكم تلك!

اتعلمين انسي الأمر، تليقان ببعض كصديقتين نظرت نحوها بيرت بغضب لتقلب ايفدوكيا عيناها ثم توجه حديثها إلى بيرت قائلة:
لنصعد إلى الأعلى لنضع حقائبكِ أولاً في غرفتي ثم أقوم بتقديمك إلى أمي.

مهلاً. لما ستضعين الحقائب بالأعلى؟ لما لا تضعيها هنا لحين ذهابها إلى الفندق؟ سألت ماديسون لتنظر نحوها ايفدوكيا وتقول:
فندق؟ لن تبقى بيرت بفندق.

إذاً أين ستبقى؟

ستبقى هنا وفي غرفتي تحديداً.

ماذا؟ لكن أنا من كان يبقى في الغرفة برفقتكِ.

يمكنكِ النوم في غرفتكِ حيث كنتِ تنامين اليومين الماضيين صُعقت ماديسون من كلمات ايفدوكيا وشعرت بالغيظ الشديد في حين لم تُبالي ايفدوكيا فقد أخذت صديقتها والحقيبتين وتوجهت إلى الأعلى.

نظرت بيرت نحو ايفدوكيا بشيء من الشفقه ربما وقد امتزجت ببعضاً من الدهشه، فليس كل يوماً سترى شقيقتين قد وقعتا في شباك الشاب ذاته.

حسناً لكن هناك جزء لا افهمه. هل كانت علاقتكِ بماديسون جيدة قبل ظهور هاري أم.

لا لم تكن كذلك. إنه أمر يطول شرحه ويعود لسنوات كثيرة مضت لكن آثرها داخلنا لم يتلاشى قط، الأمر وما فيه هو أن ماديسون قد عاودت الظهور في حياتي والأمر الذي من المفترض أن يُسعدني وقد فعل. حتى ظهر هاري في الوسط بيننا فأصبح الأمر معقداً وبشع لدرجة كبيرة!

لكن حتى الآن لا ارى مشكلة. انظري هناك مشكلة بالطبع لكن اقصد في النهاية السيد. أعني هاري يُحبكِ انتِ.

إنه لا يفعل.

بربك ايفدوكيا أنتِ لم تعملي لأكثر من شهرين في الشركة وقد لاحظ الجميع اهتمامه الزائد بكِ ونظرات العاشق الولهان في عيناه.

كل ذلك كان كذب. إنه ممثل بارع!

لم عليه أن يتظاهر بمشاعر كتلك في حين أنكِ لم تُبدِ اهتماماً لها على أي حال؟ كانت بيرت محقة في تلك النقطة فماذا سيجني هو من تأمل ايفدوكيا كلما مرت من أمام عيناه او حين تعمل او حين تتحدث إلى شخص آخر، فهي لم تلاحظ تلك الأشياء لذا هو لا يجني شيء من فعل ذلك إن كان يتظاهر حقاً، كان كلام بيرت يحمل بصيصاً من الأمل لذلك ارتسمت ابتسامة صغيرة على شفتيها لكن سرعان ما اختفت تلك الإبتسامة حينما تذكرت ما رأته عيناها، فهي بالطبع لن تكذب عيناها لمجرد مشاعر سخيفة قد ازهرت في قلبها لبعض الوقت قبل ان تجف وتسقط ذابلةً.

هذا لا يعنينِ في شيء الآن، لقد قدمت استقالتِ وسأبحث عن عمل في مكان آخر.

ماذا؟ هل جننتِ؟

لا لم أجن بعد. أنا فقط. لن اقدر على رؤيته ولا أريد أن أخذ أي أموال هو مصدرها.

عن أي أموال تتحدثِ ايتها البلهاء! انه راتبكِ تعملين فتحصلين عليه.

أجل لكن لا أود رؤيته، لقد أعطيته الإستقالة خاصتي على أي حال ومن المفترض أن يوقع عليها ثم يُحضرها إلى هنا.

كان يجب عليكِ أخذ رأي قبل فعل ذلك، لكن لا يهم أن واثقة أنه لن يوقعها على أي حال، كما أنه تصرف غير سليم أن تتركِ مصدر رزقكِ دون أن يكون هناك بديل لذلك، ايف ايجاد عمل جيد ليس بالأمر السهل ومن الصعب كذلك أن تجدِ المميزات التي كان يمنحها هاري لكِ في مكان آخر.

حديث بيرت جعلها تفكر مرة أخرى ربما كان قرار متسرع لأن الغضب قد عصب عيناها في ذلك الوقت لكن الآن لقد هدأت قليلاً. مازالت لا تريد العمل برفقة هاري لكن بيرت محقة كذلك!

لا ادري بيرت. حتماً يوجد حل.

لنؤجل التفكير قليلاً لأنني أشعر بالنعاس، يمكننا الإستيقاظ غداً لنتسكع في الأرجاء كي أرى مدينتكِ ثم يُمكننا إكمال الثرثرة خاصتنا.

فكرة جيدة. اردفت ايفدوكيا ثم توجهت نحو مكبس الضوء لتقوم بإغلاقه ليكسو الظلام الغرفة ما عدا ضوء بسيط قد تخلل من الشرفة.

صباح الخير أمي قالت ايفدوكيا وهي تُقبل وجنة والدتها بينما تُحييها بيرت ثم يجلس كلاهما بينما لم يوجهها أي تحية لماديسون والتي بدورها جلست تتناول الفطور في هدوء.

أمي حينما ننتهى من الفطور أنا وبيرت سنذهب في نزهه فهي تريد رؤية المدينة هنا.

هه. وماذا سترى؟ إنها ليست سوى مدينة مُملة تفتقر لمظاهر الرُقي.

إنها بالنسبة لي أجمل من الأماكن الراقية التي تتحدثين عنها، فلا يوجد تفاخر او تباهي ولا تظاهر كذلك هنا، أغلب سكان تلك المنطقة هم بسطاء وانتِ منهم بالمناسبة بصقت بيرت حديثها جرعة واحدة حتى بدت ملامح الدهشه على والدة ايفدوكيا، اما عن ايفدوكيا ذاتها فقد وقف الطعام في حلقها لتبصق قليلاً.

لقد كنت منهم أما الآن فأنا عارضة أزياء شهيرة املك أكثر من منزل في أحياء راقية للغاية.

صدقيني لا أحد يهتم اردفت بيرت بنبرة منخفضة نوعاً ما لكنها كانت كافية ليسمع ثلاثتهما ما قالت.

هاي أنتِ! أنتِ هنا في منزلنا لذا لا يمكنكِ أن تُقومي بإهانتي بتلك البساطة!

هذا ليس منزلكِ، ألم تذكري ذلك بنفسكِ قبل قليل؟ قائلة أنك تنتمي إلى حيث بيوتكِ الراقية.

إلهي أنتِ لا تُطاقِ مثلها تماماً، حقاً كما يقولون الطيور على أشكالها تقع! بغيظ شديد قالت ماديسون وهي تغادر مقعدها تاركه الطعام وذاهبه للأعلى.

أتعلمين ايفدوكيا كم أود لكم تلك الشقراء لكن ما يمنعنِ أنها شقيقتكِ! اردفت بيرت بنبرة جدية لكنها كانت كفيلة بجعل ايفدوكيا تقهقه لمدة لا بئس بها.

أنا حقاً أسفة خالتي لا أقصد أن أكون وقحة بهذا الشكل.

لا عليكِ، فماديسون تتشاجر مع الجميع على أي حال.

ابتسمت ايفدوكيا حينما سمعت كلمة خالتي من بيرت، فلقد منحتها شعور جيد. هم أصدقاء إذاً ومقربين على ما يبدو.

انتهى ثلاثتهما من تناول الطعام وقام كلاً من ايف وبيرت بتنظيف الطاولة والأطباق قبل أن تصعد كلتاهما للأعلى كي تبدلا ثيابهما.

لقد انتهيت.

تبدين فاتنة كالعادة بيرت.

وأنتِ ذات جمال هادئ كالعادة ايف، لكن علينا تعديل ذلك الثوب قليلاً كان حديث بيرت يبدأ كمدح قبل أن تبدأ في تعديل مظهر ايف بينما اكتفت ايف بقلب عيناها.

بيرت أليست تلك الألوان زاهيه للغاية؟

إنها كذلك لكنها تبدو رائعة بدلاً من الألوان الباهته التي ترتديها! فقد تجذبين انتباه شاب وسيم.

بربكِ لا! يكفي لا أريد أي شاب وسيم بعد الآن!

امزح اردفت بيرت وهي تقهقه على رد فعل ايفدوكيا.

لنذهب.

لنجلس في مقهى راقي قليلاً على حسابي.

لن ارفض دعوة كتلك اردفت ايفدوكيا بينما سار كلاهما حتى محطة الباص والتي اوصلتهم إلى وجهتهما.

هذا المقهى جيد يمكننا الجلوس فيه.

أجل، يمكنني رؤية أكثر من شاب وسيم من هنا قلبت ايف عيناها بملل ثم ابتسمت على بلاهه بيرت، تلك الحمقاء تظن أن العلاقات العاطفية أمر جيد. يالها من ساذجة.

ايف هناك شاب وسيم للغاية يجلس خلفكِ قالت بيرت بنبرة متحمسه نوعاً ما لتحاول ايفدوكيا الإلتفات لكن تجذبها بيرت من معصمها وهي تقول من بين أسنانها.

لا تلتفتِ فوراً يا حمقاء.

حسناً حسناً اتركيني.

إلهي إنه يبتسم لي. نوعاً ما يُلوح لنا.

لنا؟ علقت ايف على كلماتها الأخيرة قبل أن يهزمها فضولها وتلتفت كلياً لتبحث بعيناها عن ذلك الشاب الوسيم و.

أنتَ؟

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة