رواية إيفدوكيا للكاتبة إيمان عادل الفصل الرابع والعشرون
غادر سيارته و توجه نحو باب المنزل خاصتها ليطرقه بخفه ثم ابتعد مسافة كافية، انتظر بضع ثوانٍ قبل ان يعاود الطرق مجدداً لكن وقوع عيناه على تلك اللافته جعلته يقف في صدمة للإيجار وقف هاري يحدق في تلك اللافتة بأعين متسعة لا يدري ماذا يفعل يغضب ام يندهش ام ماذا؟
بماذا و اللعنة كنتِ تُفكرين! صرخ هاري و هو يضرب الباب بيده بقوة محاولاً التخلص من كل الغضب داخله، نظر إليه بعض الماره بتعجب لكنه لم يكن ل يهتم لنظرات اي شخص في الوقت الحالي. هو فقط يشعر بالإستياء يُريد ان يعرف إلى أين ذهبت و لماذا لم تخبره؟ هل هي بخير ان لا؟
كل تلك التساؤلات تجعل عقله يكاد ينفجر.
اخرج هاتفه الخلوي من احدى جيوبه ليبحث عن اسم ايفدوكيا و يتصل بها على الفور و لكن كما توقع لقد كان الهاتف مغلق، كرر المحاولة ثلاث مرات و الإجابة ذاتها كاد ان يرمي بالهاتف ارضاً لكنه عن طريق الصدفة حدق بالافتة قليلاً ليلاحظ وجود رقم هاتف، دون الرقم سريعاً و اتصل على الفور مرحباً ايفدوكيا.
عفواً سيدي من تريد؟ جاءه صوت شاب من الجهه الآخرى.
أليس هذا الرقم موضوع على لافتة منزل للإيجار في شارع.
أجل سيدي هذا هو كيف يمكنني مساعدتك؟
أريد ان اعرف لمن يعود هذا المنزل قال هاري بنفاذ صبر.
إنه يعود لسيدة تدعي ايفدوكيا و قد وكلت المكتب خاصتنا بالبحث عن مستأجر، هل تود تأجير المنزل؟
نعم لكن اولاً اريد التواصل مع السيدة ايفدوكيا.
لقد تركت كل التفاصيل بحوزتي يمكننا. لم يدعه هاري يُكمل حديثه ليصرخ قائلاً: لقد قلت أريد التواصل معها ألا تفهم؟
حسناً سيدي فقط أمهلني بعض الوقت و سأحضر كافة البيانات خاصتها.
أمامك ساعة واحدة اردف بغضب بينما الشرار يكاد يتطاير من عينيه.
يعود مجدداً إلى سيارته ليقوم ب رمي الورود بإهمال و يسير بسيارته و هو لا يعلم إلى أين ستكون وجهته.
يشعر بعدم الرغبة للذهاب إلى أي مكان سوى مكان واحد. الحانة، و اي مجنون سيذهب إلى الحانة في الصباح الباكر؟ ذهب إلى الحانة التي عادة ما يقضي أوقاته برفقة أصدقائه داخلها، تعجب كل العاملين هناك فهم يعرفون السيد ستايلز جيداً فهو يأتي إلى هنا كثيراً لكن لم يسبق له القدوم في مثل هذا الموعد كما انهم لم يروه بحالة الغضب المشوبه باليأس تلك منذ فترة طويلة.
جلس في مكانه المعتاد ليأتي النادل فوراً بطلبه دون حاجة للسؤال.
احتسى هاري شرابه دفعة واحدة بأعين نصف مغلقة من شدة مرارة ذلك الشراب الذي هو أقرب في مرارته من السم و ليس المشروبات العادية.
اما عنها هي. فقد كانت تسير ببطء شديد جاذبة تلك الحقيبة الكبيرة بصعوبةبينما تحمل الآخرى على احدى كتفيها و هي تتوجه نحو محطة القطار و بالرغم من انها قد تركت أغلب الأغراض في المنزل إلا أنها تواجه صعوبة في حمل الحقيبتان و كأنهما مُعبئتان بالصخور.
وضعت الحقائب ارضاً فور جلوسها على احدى المقاعد صوت أنفاسها عالٍ كأنها تلهث بتعب بينما تُحدق في الفراغ منتظرة قدوم القطار و هي تحاول جاهدة ان تمحي كل ما حدث مؤخراً من ذاكرتها هاري. فقدانها للجنين. إهانة السيدة آن. و اخيراً ليو.
لا تدري هل في وجهتها تلك هل ستجد حياة جديدة ام انها تنبش في قبور حياتها القديمة ألا يكفيها الجراح التي عانتها حتى تعود لذلك المكان مجدداً؟ حيث بدأ الأمر كله.
لم تنتظر سوى بضع دقائق و كان القطار قد حضر بالفعل و توقف في موقعه لتستقيم هي و تتحرك نحو القطار واضعه الآثقال التي تحملها ارضاً بينما تبحث عن مقعدها.
تنظر إلى التذكره لتجد مقعدها و الذي كان بجانب الشرفة لحسن الحظ.
جلست تحدق في الشرفة بجانبها بشرود لكنها جفلت فور تحرك القطار من شدة الهواء، تخلل آذنها صوت احدى الأغاني التي كان هاري يستمع إليها في مقابلتهم الأخيرة تلفتت حولها بلهفه باحثه عنه لكن ما سرعان ما ادركت ان ذلك الصوت صادر من الكرسي المقابل لها و كان صوت هاتف عائد لتلك الفتاة الشقراء التي تجلس امامها.
ابتسمت الفتاة لإيفدوكيا لتبتسم لها ايفدوكيا إبتسامة مشوبه بالخيبة، إنها تهرب من هاري و تعلم جيداً انه لا يعلم أين و من المستحيل أن يصل إليها لكنها كانت تآمل أن يلحق بها. و كيف له ان يعرف اين هي؟ إنها ببساطة مشاعر أنثوية غير مفهومة.
هل تحبين تلك الأغنية؟ ارى انها لفتت انتباهك؟ سألت الفتاة مع ابتسامة صغيرة لتنظر نحوها ايفدوكيا.
لقد استمعت لها مرة واحدة فقط لكنها تذكرني بشخص عزيز. قالت ايفدوكيا و هي لا تعرف حقاً لما تحدثت مع تلك الفتاة كان يكفيها ان تقول نعم دون الخوض ف التفاصيل.
ارى انه ليس معكِ الآن ربما انتِ ذاهبه لمقابلته؟ بذات النبرة اللطيفة و الإبتسامة سألت الفتاة.
لا للأسف أنا هاربة منه. قالت بينما ظهر شبح إبتسامة جانبيه على وجهها.
واثقة انه سيلحق بكِ.
لا أظن ذلك هو لا يعرف انني قد نويت السفر.
العاشق يلحق بمعشوقة أينما كان، سيبحث عنكِ أنا واثقة قالت الفتاة لتبتسم لها ايفدوكيا و هي تدعو بداخلها أن يصدق حديث تلك الفتاة.
نحن لسنا عاشقين قالت ايفدوكيا لتظر نحوها الفتاة بنظرة غير مصدقة.
بالمناسبة أدعي كلوي ماذا عنكِ؟
ايفدوكيا اردفت ايفدوكيا بإبتسامة صغيرة.
اسم مميز لم اسمع بهذا الإسم من قبل.
اشكركِ هذا لطفاً منكِ.
بالمناسبة هل تنوين السفر كإقامة او زيارة؟ سألت كلوي بفضول.
إقامة. من المفترض ان تكون إقامة. توقف كلاهما عن التحدث جلست ايفدوكيا براحة اكثر على الكرسي خاصتها في محاولة للإسترخاء علها تغفو قليلاً، و هذا ما حدث بالفعل حتى استيقظت على هزات بسيطة من كلوي.
ايفدوكيا، يا فتاة لقد توقف القطار قالت كلوي بنبرة هادئة نوعاً ما لتفتح ايفدوكيا عيناها و ترمش مرتين و هي تحاول ان تستوعب اين هي و ماذا تفعل.
إلهي هل استغرقت كثيراً ف النوم؟
ما يقرب من الثلاث ساعات قالت كلوي و هي تقهقه بينما تحمل حقائبها لتستقيم ايفدوكيا و تفعل المثل.
اشكركِ على حديثكِ اللطيف معي اردفت ايفدوكيا و هي تحكل حقائبها بثقل شديد و تسير في محطة القطار.
لا داعي للشكر، انا حب تكوين صداقات و التعرف على الجميع قالت بلطف و هي تبتسم لتبادلها ايفدوكيا الإبتسام قبل ان تضيف كلوي:
بالمناسبة هذا الكارت يحمل رقم هاتفي يمكنكِ الإتصال بي في أي وقت تلفظت كلوي و هي تمنح ايفدوكيا كرت يحمل اسمها و مهنتها و رقم هاتفها.
انتِ مصورة؟ قالت ايفدوكيا بإندهاش.
نعم انا كذلك و اتشوق لإلتقاط بعض الصور لكِ و له حينما يأتي اردفت كلوي و هي تغمز بعيناها لتقهقه ايفدوكيا و تودعها بينما تقف ايفدوكيا منتظرة قدوم سيارة أجرى كي تأخذها إلى وجهتها.
لم تأخذ وقتاً طويلاً حتى تصل إلى وجهتها تنظر نحو المكان بشوق شديد لقد مر أكثر من عامان على قدومها إلى هنا رائحة المكان تداعب أنفها و رائحة الخبز الطازج من ذلك المخبز المجاور للمنزل و صوت الأطفال الذين يعبثون أمام منازلهم.
ايفدوكيا تخلل صوت حنون إلى مسامعها صوت يقول اسمها بإشتياق و بنبرة غير مصدقة، تركض نحو صاحبة الصوت لتضمها في عناق طويل بينما تذرف الدموع دون شعور منها أمي قالت ايفدوكيا و هي تغرق داخل أحضان والدتها تُقبل رأسها بحنان شديد.
هل انتِ هنا حقاً؟ تلفظت والدتها بعدم تصديق.
أنا اسفة أمي انا اعتذر لقد كنت حمقاء حينما عصيت أمركِ أنتِ و أبي قالت ايفدوكيا بآلم و هي تبكي بحرقة لتضع والدتها يدها على فمها حتى تصمت.
لا داعي لهذا الحديث صغيرتي لا داعي هيا بنا إلى منزلنا. قالت و الدتها و هي تضع يدها على كتفها بحنان و تقودها نحو المنزل.
مازال المنزل كما هو لم يتغير مطلقاً لكن مهلاً أمي هل قمتِ بشراء أريكة جديدة؟ و إلهى ما هذه الصورة اللطيفة تلفظت ايفدوكيا بحماس و ازداد حماسها الضعف حين رأت تلك الصورة داخل الإطار و هي صورة تجمعها مع عائلتها حينما كانت طفلة.
تمتازين بقوة الملاحظة منذ إن كنتِ صغيرة قالت والدتها و هي تقهقه.
لا أمي اتضح أنني لستُ كذلك. لقد كنت عمياء.
اجلسي هنا و اخبريني ماذا حدث؟ ما كل هذا الحزن في عيناكِ؟ مهلاً ايفدوكيا أين خاتم زواجكِ؟
لا داعي لإرتدائه أمي لقد انتهي كل شيء قالت ايفدوكيا بابتسامة جانبية بينما شقت دموعها طريقها إلى وجنتيها لتقوم والدتها بمسح تلك الدموع عن وجهها.
لا تحزني صغيرتي انتِ الفائزة لقد فعلتي الصواب رغم ان ذلك القرار قد تأخر قليلاً لكن لا مشكلة.
ليتني استمعت لحديثكِ انتِ و أبي سابقاً.
ايفا سنتحدث بهذا لاحقاً ما رأيكِ ان تصعدي الآن إلى غرفتكِ القديمة لتأخذي قسطاً من الراحة حتى يعود والدكِ من العمل؟
حسناً سأفعل قالت و هي تُقبل جبين والدتها ثم تحمل الحقائب و تصعد إلى الاعلى، لقد كانت غرفتها على الوضع ذاته من المرة الأخيرة سرير صغير الحجم لكنه مزين ببعض الورود البلاستيكية و مرآة صغيرة ايضاً، لقد كان كل شيء في الغرفة غاية في البساطة لكنه مريح كذلك، بحثت في دولابها القديم عن أي ثياب حتى وجدت ثياب منزليه قديمة قامت بإرتدائها لتلاحظ صورة مخبأة بين تلك الثياب.
ايفدوكيا ما رأيك ان نلتقط صورة سوياً؟
اتقصد بالهاتف؟
لا بل أريد صورة بواسطة كاميرا فوتوغرافية حتى تستطيعين تخبأتها اردف ليو بلطف لتنظر نحوه ايفدوكيا نحوه بإبتسامة.
أمي لقد عدت.
أين كنتِ ايفدوكيا؟
لقد كنت برفقة أصدقائي امي بنبرة متوترة صدر حديث ايفدوكيا.
انا لم اعتاد منكِ على الكذب ايفدوكيا! لقد كنتِ مع ذلك الشاب صحيح اردفت والدتها بنبرة صارمة.
لا أمي لقد اخبرتكِ انني كنت مع صديقتي.
توقفي عن الكذب سأضطر إذاً لإخبار والدكِ.
لا أمي من فضلك لا تفعلي.
تنهمر دموع ايفدوكيا و هي تنظر نحو تلك الصورة التي اعادت لها احداث قد حدثت منذ سنوات. تعترف انها كانت شابة ساذجة اوقعها ليو في شباكه بكلامه المعسول و معاملته اللطيفة و بالطبع وسامته و بحماقتها لم تستمع هي لتحذير والديها المستمر.
ليتكِ فعلتي أمي ليتكِ أخبرتيه تحدثت إلى نفسها بندم شديد.
اما عن هاري ف لقد احتسى من الكحول حتى الثمالة.
مرحباً. نايل هل يمكنك القدوم لا استطيع القيادة.
ماذا حدث هل انتَ بخير؟ سأل نايل من الجانب الآخر.
لا شيء فقط احتسيت الكثير من الشراب.
حسناً أنا قادم الآن، وداعاً.
لم يمر سوى القليل من الوقت و قد كان نايل يقف إلى جانب هاري يساعده على النهوض.
إلى أين تريد الذهاب؟
منزلي.
حسناً، هل لي في سؤال؟
لقد رحلت قال هاري بنبرة يأسه.
لم يكن ذلك الأمر صائب على اي حال قال نايل لينظر نحوه هاري بحده ليصمت نايل على الفور ف لقد ادرك انه لا فائدة من هذا الحديث الآن.
لقد وصلنا.
اشكرك يا فتى انتَ دائماً تقوم بإنقاذي قال هاري بتلعثم و هو يقهقه.
هل ستقابل والدتكَ و انت تترنح هكذا؟
نعم اردف هاري بلا مبالة.
وداعاً قال هاري و هو يودع نايل بينما يتوجه نحو المنزل يسير ببطئ حتى لا يسقط، وضع يده على الجرس بقوة جاعلاً منه يصدر صوتاً متتالي مزعج.
فقط امنحني ثانية قالت جيما بصوت عالي من الداخل.
هاري أين كنت منذ الصباح الباكر؟ و ما هذه الحالة التي انتَ عليها؟ قالت جيما بأعين متسعه.
فقط ابتعدي اردف هاري و هو يبعدها عن طريقة بخفه.
هاري هل انتَ ثمل مجدداً؟ صدر صوت آن بنبرة موبخة.
نعم أمي اتدرين لما؟
أخبرني انتَ بالرغم من أني لا ارى اي سبب قد يجعلك تثمل بهذا الشكل!
لقد رحلت أمي!
من؟ سألت جيما بفضول.
ايفدوكيا، لقد رحلت ايفدوكيا بسبب كم الإهانة الذي تعرضت له منكِ أمي! قال هاري بهدوء قبل ان يرفع نبرتة في الجملة الآخيرة بغضب شديد.
لا ترفع صوتك عندما تتحدث إلى!
أنا افعل ما اشاء آن!
تأدب هاري قالت آن بنبرة تحذيرية.
فقط اخبريني لما تقومين بإفساد حياتي دائماً امي؟ قال هاري بنبرة مكسورة بينما غلفت طبقة شفافة من الدموع عيناه.
أنا لا افعل انت و شقيقتك أغلى ما املك، انت فقط تنظر إلى الأمور بسطحية شديدة أما انا ف لا قالت آن بنبرة تجمع بين الحنان و الحزم.
اغلى ما تملكين؟ لا أمي انتِ لا يمكنكِ ان تملكِ اولادكِ! نحن لسنا إرث او شيئاً من أغراضكِ غالية الثمن قال هاري بصوت عالي.
ما الذي فعلته كي استحق كل هذا الصراخ؟ سألت آن بنبرة غاضبة و بصوت مرتفع متخلية تماماً عن هدوءها المعتاد.
هاري انتَ لم تحبها و هي لم تفعل لذا عليكَ ان تتقبل هذا الأمر شئت ام أبيت قالت آن بنبرة صارمة لينظر نحوها بغضب.
و ما ادراكِ أمي! من أين لكِ أن تعرفي؟
لقد انتهت تلك القصة و لا أريد أن اسمع اي حرف بشأن تلك القصة.
هلا توقفتي عن إصدار الأوامر لمرة واحدة قال هاري بنبرة خشنة و كان الشجار ليشتعل أكثر لولا أن قاطعهم ذلك الصوت الأنثوي القادم من نحو الباب.
هل اتيت في وقت غير مناسب؟