رواية إيفدوكيا للكاتبة إيمان عادل الفصل الخامس والعشرون
هلا توقفتي عن إصدار الأوامر لمرة واحدة قال هاري بنبرة خشنة و كان الشجار ليشتعل أكثر لولا أن قاطعهم ذلك الصوت الأنثوي القادم من نحو الباب.
هل اتيت في وقت غير مناسب؟ بنبرة لعوب تقول كلماتها بينما تقف مستقيمة يشع منها الثقة بفستانها الأحمر الزاهي.
انتِ مجدداً؟ ما الذي جاء بكِ إلى هنا؟ قالت آن بإستنكار بينما تحاول السيطرة على أعصابها.
ما هذا الإستقبال السئ سيدة آن ألم تشتاقي لي؟ بنبرة استفزازية تصدر كلماتها.
متي عودتي؟ قال هاري بلهفه لتنظر نحوه آن بغضب.
هاري توقف عن التحدث مع. تلك الحثالة قالت آن و هي تنظر نحوها من الأعلى إلى الأسفل بإحتقار.
بل توقفي انتِ أمي التقليل من شأن كل ما تقع عيناي عليه.
انتَ لا تقع عيناكَ سوى على الأشياء دعني أقول هذا ب لطف، الأشياء التي ليست ثمينة
و أنا لستُ برخيصة الثمن سيدة آن اردفت بثقة بينما نظرت إلى هاري بإبتسامة جانبية قبل ان تُردف.
لن ابقى هنا كثيراً، سأضع لكَ عنوان الفندق الذي سأبقى فيه قبل أن ارحل قالت و هي تغمز.
ابعثِ لي برسالة قال هاري لترد هي بينما تُمسك بالباب كي ترحل.
لستُ واثقة من انكَ ستُجيب لكن لا بأس تلفظت و هي تُغلق باب المنزل خلفها.
لما عادت تلك؟ سألت جيما بضيق فهي كانت تتمنى ان ينتهي ذلك الشجار السخيف بين والدتها و هاري و لكن منذ عودة تلك الفتاة سيعاود الأمر الإشتعال مجدداً.
أنا سأصعد إلى الأعلى اشعر بالنعاس الشديد اردف هاري و هو يتوجه إلى الأعلى متجاهلاً ما تقوله آن فهو لا يقدر على تحمل المزيد من الشجار، صعد إلى غرفته ليتمدد على سريره الكبير ذو الأخشاب السوداء و الطراز الفخم و بالرغم من كون هاري ذكر إلا انه كان مهوساً بالنظافة و الترتيب و كان دائم المحافظة على غرفتة في صورة جيدة، عادت إلى ذهنه صورة ايفدوكيا لقد طال شجاره مع والدته حتى كاد ينسى سبب الشجار في الأساس. لم يظن ان الأمر سيكون معقد بتلك الطريقة فهو كان يمنع مشاعره من التطور لكونها امرأة تخص رجلاً آخر و هي كانت تمنع نفسها كذلك لكن الآن و بعد أن اصبحت حرة. لما الهرب؟ ظل هذا السؤال يتردد في ذهنه محاولاً التوصل إلى إجابة لكنه لسوء الحظ لم يصل إلى اي شيء لكونه قد غفى بالفعل.
في وقت متأخر من الليل و ما يقرب من الثالثة فجراً فتح هاري عيناه ببطء بعد ان اخترق أذنه صوت رنين الهاتف، ظل يبحث عنه بيده حتى استطاع ان يجده اعلى الكومود بجانب سريره نظر نحو الهاتف ليجد انه قد استغرق في النوم كثيراً! نظر مجدداً نحو الهاتف ليجد اسمها على الشاشة لكن الإتصال كان قد انتهي بالفعل لذلك عاود هو الإتصال.
مرحباً قال بصوته الناعس.
هل ايقظتكَ؟ سألت بنبرة هادئة.
نوعاً ما لكن لا بأس.
هل طال الشجار بينكَ و بين آن؟
السيدة آن و ليس آن بنبرة مُحذرة يملاؤها التوبيخ صحح لها.
اسفة، اعني السيدة آن.
و لا لقد انتهي الشجار سريعاً.
إذاً ألن تأتي؟
لا اعلم قال هاري بتردد قبل ان يُنهي المكالمة دون أن يُخبرها، لم يشعر انه حقير او شيء من هذا القبيل فعودتها بعد كل ما حدث ليس بالأمر السهل.
في الصباح الباكر يستيقظ هاري بتعب شديد يكاد الصداع يفتك برأسه لقد نام لمدة طويلة.
صباح الخير قال هاري و هو يتوجه نحو الطاولة ليتناول الفطور برفقه جيما و والدته، لقد بدا الجو مشوب بالتوتر لكن كان هاري على عكس ذلك تماماً فبينما كان كلتاهما ينتظران حدوث مشاجرة او تجاهل هاري لهما فعل هو العكس تماماً، حياهم بإبتسامة ثم جلس يتناول إفطاره بكل هدوء.
سأذهب إلى العمل، اتمنى لكم يوماً سعيد قال هاري قبل أن يأخذ معطفه و يتوجه نحو الخارج وسط نظرات مندهشه من جيما و آن.
مرحباً ماديسون قال هاري فور إجابة الفتاة من الجهه الآخرى.
ما هذه الوقاحة هاري! تُغلق الخط دون ان تُخبرني أمس و اليوم تتصل بي؟ بنبرة أنثوية تبصق كلماتها.
هل انتِ متفرغة اليوم؟ سأل هاري ببرود غير مبالي بما تقوله هي من ثرثرة النساء.
أجل.
حسناً سأمر عليكِ فور انتهائي من العمل قال هاري قبل ان يُغلق الخط مجدداً، هو عادة من الشخصيات متقلبة المزاج لكنه لا يدري ما باله يفعل ذلك بشكل مكثف.
ربما يعود ذلك للسبب الذي يحاول تجاهله رحيلها! حتى انه عاد ليتحدث مع فتاة قد توقف عن التحدث معها منذ مدة طويلة علها تشغل باله قليلاً حتى يستطيع وجود ايفدوكيا.
تحيطه المشاكل من كل الجهات فالعمل لم يسير بشكل جيد مؤخراً رحيل ليو الغبي قد تسبب في حدوث إرتباك داخل قسم الحسابات حيث انهم اضطروا لتغير طريقة عملهم بعد رحيله، لم يكن المدير لكنه كان ماهر في عمله و كان يتقن مهماته لكن لم يهتم هاري لكل هذا فهو كان متميز لكن حقير لا يوجد داخله ذرة إنسانية!
لقد وصلت قال هاري في رسالة صوتيه على الهاتف بينما توجه إلى المطعم الخاص بالفندق ليجلس في المكان المعتاد.
جلس هاري يتأمل المكان من حوله لقد اعتاد ان يقضي الكثير من الوقت داخل هذا المكان.
كيف تفعلين شيء كهذا دون ان تُخبريني؟ بنبرة غاضبه اردف هاري و هو يضرب الطاولة بقبضته.
توقف عن الصراخ! ألا يكفيكَ الفضيحة التي تسببت بها؟ بنبرة عصبية تقول كلماتها غير مبالية بغضبه.
الفضيحة؟ هذا كل ما يهمكِ في الأمر؟ لا يوجد ذرة اهتمام بما يُغضبني او يحزنني؟ تلفظ هاري غيرر مصدقاً لحديثها.
هاري لا قد اخبرتكَ من قبل لا تخلط العمل بالمشاعر.
نعم العمل، اصبح هذا كل ما يهمكِ الشهرة و الأموال أليس كذلك؟ اردف هاري بنبرة مستنكرة.
أنا سأذهب إلى الحفل افعل ما تريده هاري تلفظت و هي تأخذ حقيبتها الصغيرة ذات الطراز الذي يُشبه فستانها الفخم، توجهت نحو الخارج تاركه إياه يغرق في بحر من الغضب و الغيظ.
انتظري لا ترحلي و انا اتحدث إليكِ تفوه هاري بكلماته بينما يجذبها من معصمها قبل ان تدفعه بعيداً.
و اللعنة ابتعد كانت هذه جملتها الأخيرة قبل ان تغادر المكان.
اخرجه من شرودة حركة الكرسي بجانبه لقد جاءت.
ارى انكَ كنت مستغرقاً في التفكير، ترى فيما تفكر؟
امرأة حقيرة لا عليكِ قال هاري بنبرة ساخرة و هو ينظر نحوها بينما يحك ذقنه بيده، تشعر بغصة في حلقها بينما تلون وجهها باللون الأحمر.
لقد ظننت انكَ لن تأتي خاصة بعد ان اغلقت الهاتف بينما نتحدث أمس.
و ها قد اتيت تلفظ بنبرة باردة.
ارى ذلك لكن لما اتيت ان كنت لا ترغب في رؤيتي او التحدث معي بشكل لائق على الاقل؟ سألت بعصبيه و هي تضع احدى ساقيها اعلى الآخرى.
انا افعل ما اريده ماديسون قال بضيق و هو يُخرج علبه سوداء فخمه تحوي لفافات تبغ.
اعتقد ان لفافات التبغ ليست بالشيء الجيد من اجلك نظر نحوها هاري ثم ادار وجهه إلى الجهه الآخرى غير مبالي بما تقوله.
لقد كنا ندخن التبغ سوياً سابقاً سخر منها لتنظر نحوه بصمت قبل ان تُضيف.
اخبرني هاري ألم تشتاق إلى كما فعلت؟
ربما لكن كان هذا في الماضي ليس بعد الآن.
بالمناسبة كيف هي احوال الشركة؟ اكملت حديثها غير مباليه بإسلوب هاري الحاد معها.
ليست في أفضل حال. هناك مشكلة في احد الفروع.
المقر الرئيسي؟
لا اعني هناك مشكلة في المقر الرئيسي لكن ليست بكبيرة، لكن المشكلة التي اقصدها في فرع آخر سأضطر للسفر كي اتمكن من حل تلك المسألة بنفسي.
إلى خارج البلاد؟
لا داخلها لن يستغرق السفر الكثير من الوقت.
هذا جيد إذاً. هل إذا قمت بطلب شيء ما. هل.
سأوافق مادام الامر لا يزعجني قال هاري و هو يقهقه على طريقتها المتوترة.
جيد، هل تسمح لي بمرافقتك؟ فأنا اود التجول في انحاء فرنسا.
لا مشكلة قال هاري بإبتسامة.
اتعلم مازلت متقلب المزاج كما كنت سابقاً.
ليس من السهل التغير ماديسون.
لكن جميعنا تتغير عندما نقابل الشخص المناسب.
و انا لم اقابلها بعد او. كان على وشك ان يُكمل جملته لكنه شعر انه لا داعي ليفعل لذا اكتفى بالصمت.
او ماذا؟ سألت بفضول و بعض الحماس فكانت تظن ان هاري سيقول نعم مشيراً إليها.
لا شيء انسي الأمر. تلفظ هاري و هو ينظر إلى الجهه الآخرى قبل ان يضيف:
سنذهب في الغد صباحاً.
حسناً هل ستمر على لتأخذني؟
نعم لا مشكلة فقط كوني مستعدة في التاسعة صباحاً.
حسناً قالت بحماس.
انتِ حتى لم تسأليني إلى اين سنذهب؟
لا يهم طالما انني برفقتك.
اوه حسناً لا ينكر ان ادهشه قليلاً حديثها لكنه يذكر جيداً انها طالما كانت ذات حديث حلو تستطيع اخذ الناس في صفها بكلامها المعسول.
لنأخذ قدح من القهوة اولاً، ثم سأرحل قال هاري و هو يشير للنادل، يتناول قهوته سريعا ثم يتركها و يرحل متوجهاً إلى بيته، متجاهلاً جيما و آن يصعد إلى غرفتة وسط نظرات اندهاش من كلتاهما فهو كان يعاملهما بلطف في الصباح.
في السابعة صباحاً يستيقظ هو بإرهاق، يسعل قليلاً لكنه يتجاهل هذا و يتوجه نحو دورة المياه حتى يستحم و يبدل ثيابه حتى يرحل.
مرحباً يقول هاري عبر الهاتف داخل سيارته و هو ينتظر قدومها.
هل وصلت؟
أجل، اسرعي.
امنحني دقيقة واحدة قالت و هي تُغلق باب حجرتها الفندقية و تتوجه مسرعة نحو الأسفل، ينظر من نافذته نحو المكان الذي ستخرج منه و بالفعل لم تتأخر، كعادتها تسير واثقة ترتدي سترة بيضاء فضفاضه و بنطال باللون الأسود و قبعه كبيرة سوداء اللون انسدل من اسفلها خصلاتها الذهبية.
اسفة على التأخير قالت بنبرة لطيفة و هي تفتح باب السيارة لتجلس في الداخل.
لا مشكلة، تبدين متألقة.
اشكرك، اتمنى الا تكون هذه مجاملة فأنت دوماً تجامل الفتيات.
ليست مجامله بل غزل، لستُ منحرفاً انا فقط ارى ان كل الفتيات جميلات و لكل واحدة جمال خاص اردف هاري بإبتسامة لطيفة.
حقاً هاري! اتتمتع بإغاظتي؟
لا و لما سأفعل على اي حال؟ سخر هاري فهو يعلم انها تقصد غيرة بدلاً من إغاظة لكنها لا تقوى على قولها.
مهلاً لما ستقود بنفسك؟ اعني لما لم تُحضر السائق؟
اود القيادة بنفسي.
بعد ثلاث ساعات من القيادة و سماع الاغاني و الثرثرة حول السفر، وصل هاري اخيراً إلى وجهته.
لقد وصلنا قال هاري بنبرة صوت غير مرتفعة لكنها كانت كافية لإيقاظ ماديسون التي غفت قبل قليل، فركت عيناها ثم نظرت حولها لم تكن تظن ان هذه وجهتهم. لم تأتي إلى هنا منذ مدة.
هل سنتوجه إلى الشركة مباشرة؟
لا ادري هل تريدين التجول أولاً؟ سأل هاري و هو ينظر نحو تعابير وجهها التي بدت متحمسة قليلاً.
نعم. اتعلم سأصف لكَ مكان ما اود زيارته بشدة.
حسناً لا بأس، هل يمكنكِ ان تصفِ لي الطريق ام يجب ان اتبع الخريطة؟
يمكنني الوصف لا تقلق.
انعطف يساراً و هنا تماماً اردفت ليتوقف هاري على احدى الجوانب.
هيا بنا قالت و هي تُغلق الشرفة بجانبها ثم تفتح باب السيارة لتغادرها و يلحق هاري بها.
اما عن ايفدوكيا فقدت يومها بين أحضان والدتها و حديث والدها الحلو، لو يتزقف الترحاب منذ ان جاءت فكلاهما لا يصدقان عودة ابنتهما بعد تلك المدة.
امي اود ان اخبركِ بشيء قالت ايفدوكيا بقليل من الخجل بينما تنظر حولها لتتأكد ان والدها ليس بالجوار.
ماذا هناك اخبريني يا حلوتي اردفت والدتها و هي تضحك على اسلوبها الطفولي.
انظري امي. هناك الكثير من التفاصيل. لكن لقد تعرفت على شاب انه فقط صديق، انظري لقد تقابلنا عن طريق الصدفة اكثر من مرة و كأن الكون قد ضاق حتى اصبحت كل الاماكن تجمعنا. انا لا ادري هل هذا خطأ ام صواب بجمل غير مفهومة و كلمات مبعثرة تحدثت ايفدوكيا لم تستطع والدتها استيعاب الأمر فهي لم تتفوه بأي جملة مفيدة سوى انها قابلت شاب بالصدفة ربما؟
لما التوتر؟ تحدثي بهدوء و قومي بتنظيم افكاركِ قبل التحدث اردفت والدتها ولوهله شعرت ايفدوكيا بأنها عادت لكونها طفلة مجدداً!
أمي لقد تعرفت على شاب. لقد كاد ان يصدمني بسيارته. اردفت ايفدوكيا بنبرة أكثر هدوءاً.
هل فقدتِ عقلكِ؟ تتعرفين على شاب كاد ان يدهسكِ بسيارته؟ سألت والدتها بنبرة مزيج من القلق و السخرية معاً.
لا. انتظري هناك المزيد من الحديث كادت ان تُكمل ايفدوكيا حديثها لولا ان قاطعها صوت الجرس الخاص بالمنزل.
هل تنتظرين احد؟ سألت ايفدوكيا لتستقيم والدتها و تتوجه نحو الباب.
لا، ربما يكون احدى الجيران يود ان يطلب شيء ما اردفت والدتها بلطف و هي تتقدم لتفتح الباب لكن اوقفتها ايفدوكيا.
اجلسي انتِ أمي سأقوم أنا بفتح الباب قالت ايفدوكيا لتستقيم و تتوجه نحو الباب تضع يدها على المقبض لتفتحه.
ايفدوكيا! كان هذا صوت شقيقتها و إذا بموجة من المشاعر الفياضة تجتاح قلب ايفدوكيا تضم شقيقتها في شوق تُغلف عيناها طبقة شفافة من الدموع، دموع الفرح لقد بدت شقيقتها جميلة كما كانت في السابق او ربما ازدادت جمالاً لقد شعرت بسعادة لم تشعر بها منذ وقت طويل و ماذا عساها تريد اكثر من هذا كل احبتها من حولها.
هيا إلى داخل تلفظت ايفدوكيا بفرح و هي تجذب يد شقيقتها لكن اوقفها صوت شقيقتها.
ايفدوكيا اود ان اعرفكِ على احد، هذا حبيبي هاري. هاري ستايلز.