رواية إيفدوكيا للكاتبة إيمان عادل الفصل الحادي والأربعون
وعتمة الليل وهدوء ذلك المكان ورؤيتها المشوشة جميع تلك العواملة جعلتها لا تنتبه لصوت بوق السيارة المُسرعة القادمة تجاهها.
لم تُبدي ردة فعل سريعة بل وقفت بصدمة أمام السيارة عقلها غير قادر على استيعاب ما يحدث، كانت سيارة على بعض خطوتين منها لكن صدح صوت المكبح في المكان مسبباً صوت مزعج لتُغلق عيناها وتخور قواها وتكاد تسقط ارضاً من الصدمة. حاولت أن تلتقط أنفاسها لعلها تهدأ كي تستطيع توبيخ أي من كان يقود بهذا الشكل!
أنا اعتذر بشدة سيدتي، اوه مرحباً بكِ.
أنتَ مجدداً؟ سألت باستنكار بينما وضعت يدها أعلى قفصها الصدري وهي تلتقط أنفاسها.
أجل. أنا مجدداً.
أمغفلاً أنتَ؟ هل يقود أحد بتلك الطريقة الخرقاء؟
وهل يسير أحدهم دون النظر إلى اتجاه السيارات؟
كدت أن تدهسني أسفل عجلات سيارتك الفارهه هذه حتى أصبح جزء من الأسفلت والآن تتبجح في حديثك معي؟ كانت جملته قد اثارت غيظها كفاية لتجعلها تبصق جملتها تلك في وجهه بإستنكار وبنبرة صوت مُرتفعة نسبياً.
أعتذر، أراضية الآن؟
توقف عن التحدث معي بتلك النبرة، ثم أنكَ مُخطئ على أي حال فهذه منطقة سكنية لا ينبغي عليكَ القيادة بسرعة جنونية هنا وبخته وهي تنظر نحوه بغضباً شديد لكن حاولت الحفاظ على صوتها منخفضاً هذه المرة كي لا تُزعج السكان.
اتفق معكِ في هذه النقطة لكي أكون صريح.
ربما، والآن هل تسمحين لي بأن أعرض عليكِ توصيله إلى المنزل؟
كي ندهس كل من في طريقنا أليس كذلك؟ سألت بنبرة ساخرة ليبتسم ابتسامة جانبية.
أنا أعرف كيف أقود بطريقة جيدة لا تقلقِ لن ندهس أحد
بالطبع بالطبع لقد رأيت ذلك بعيني قبل قليل.
توقفِ عم السخرية مني قال وهو يبتسم كاشفاً عن أسنانه.
إلهي لما لم تُحضر السائق ليتولى القيادة هذه المرة؟ سألت بنبرة ساخرة وهي تصفع جبينها.
توجهت إلى داخل السيارة الكبيرة خاصته والتي ليست ذاتها التي كان بداخلها يوم زفاف والدة هاري.
فور ركوبها قامت بفتح النافذة سامحه لنسمات الهواء بأن تتسسلل وتداعب خصلات شعرها البندقي، العديد من التساؤلات تخللت إلى عقلها ولكن أهمهم هو أن هناك سبباً منطقي ليقوم هاري بتتبعها ومطاردتها لكن ماذا عنه هذا؟
بالتأكيد هي ليست فائقة الجمال وتسحر كل من يراها هناك حلقة مفقودة فيما يحدث! هي لا تدري ما الغرض من ظهور.
صدح صوت هاتفها في المكان لقد كانت بيرت المتصلة لكن ايفدوكيا تجاهلت الإتصال ولم ترد بينما نظر هو سريعاً بجانب عيناه ليرى من المتصل ليرى إن كان هاري أم شخصاً آخر.
أتريد أن تُجيب أنت؟ سألت بسخرية.
ماذا؟
ارى أنكَ مهتم للغاية برؤية من المتصل.
اعتذر لكني شخص فضولي بعض الشيء.
حسناً حاول كبح فضولك حينما يتعلق الأمر بي أجابت بنبرة سخيفة بعض الشيء.
اشكرك على التوصيلة وعلى محاولة قتلي سخرت منه وهي تودعه فور توقفه أمام منزلها، ابتسم ابتسامة جانبية قبل أن يتحرك بالسيارة ليغادر المكان بسرعة شديدة مُسبباً تيار هواء لتتطاير خصلات شعرها، تنظر حولها باحثة عن سيارة هاري بين السيارات المتوقفة فهي تتوقع قدومه إلى هنا لكن على عكس المتوقع لم تجده لذا توجهت نحو الداخل.
تنظر في هاتفها لتجد عشرة مكالمات فائته من بيرت وثلاث من رقم مجهول وكذلك العديد من الرسائل من بيرت.
قررت تجاهل كل ذلك والتوجه للنوم حتى تستطيع الذهاب إلى العمل في اليوم التالي بذهن صافي قدر الإمكان.
مر ثلاثة أيام منذ رؤيتها لبيرت وهاري وذلك الموعد الكارثي والحادث الغريب الذي أشوك على الوقوع، مازالت تتجاهل رسائل بيرت واتصالاتها وكذلك ذلك الرقم المجهول. أما عن هاري فلم يظهر على الإطلاق منذ ذلك اليوم.
صباح الخير ريان.
ياله من يوم سعدي السيدة ايفدوكيا تُحييني اردف بنبرة مرحة وهي يسخر.
مضحك للغاية يا هذا.
تبدين في مزاج سيء.
هذا صحيح، لذا عليكَ تجنبي قدر الإمكان اليوم لكي لا تُصبح اضحوكة الشركة اليوم. اردف بنبرة جدية وهي تبحث عن بعض الأقلام الوردية.
كنت سأضحك لكن نبرتكِ لا تدل على المزاح قط.
هذا صحيح اردفت وهي مازالت تعبث في الأغراض الموضوعة أمامها.
بعد دقيقة دق هاتفها مجدداً لكن هذه المرة كانت والدتها، ابتسامة شقت طريقها إلى وجه ايف بينما تركت الأغراض وتوجهت نحو النافذة كي تستطيع التحدث براحة ولحسن الحظ كانت وحدها فريان كان خارج المكتب والفتاة الآخرى لا تدري أين هي.
صباح الخير أمي.
صباح الخير ايف، لقد اشتقتُ لكِ كثيراً. كيف حالك؟
أنا بخير، أنا ايضا اشتقت إليكِ. أعلم انكِ تتصلين لتُعجلِ من حضوري لا تقلقِ سوف آتي قريباً.
في الواقع هذا صحيح لكن هذا ليس السبب الوحيد لإتصالي.
لعله خير إذاً اردفت ايف بنبرة بدت قلقة بعض الشيء فصوت والدتها بدا غريباً وكأنها تتحدث بغير راحة.
أمي هل حدث شيء سيء؟
لا لم يحدث، فقط هاتفتني ماديسون أمس ليلاً. بدا من صوتها أنها ثملة، شعرت بالغضب واردت توبيخها ولكن.
ولكن ماذا أمي؟ بذات النبرة المتوترة والقلقة سألت والدتها.
لقد كانت تبكي بحرقة و.
هل تسبب في أذيتها أحدهم؟ هل هي مريضة؟ هل سُرقت أو. أو شيء من هذا القبيل؟ سألت ايف اسئلة متتالية بتلعثم غير تاركة المجال لوالدتها لتتحدث، فبالرغم من الخلافات فهي مازالت شقيقتها الوحيدة وبكاءها يعصف بقلبها.
أمهليني دقيقة لكي أجيب!
أسفة أمي لكني. قلقة.
إنها حزينة لما حدث بينكما بل منهارة بمعنى أدق وليست حزينة فقط. تعلمين ايف لطالما لعبت ماديسون دور الفتاة الباردة الغير مبالية بالكون وما يحدث فيه لكنها. لكنها بدت متأثرة للغاية هذه المرة تحدثت والدتها بحزن شديدها فهي ترى ابنتيها يتشاجران وعلى خلاف لسبب هي لا تعلمه، لقد اعتادت على شجارهم منذ طفولتهما لكن هذه المرة الأمر مختلف فلوح شيكولاتة أو لعبة جديدة لن تحل الأمر كما كان يحدث في صغرهما.
أعلم أمي. أنا ايضاً أعاني وأشعر بالحزن الشديد لما حدث لكن صدقيني التحدث معها لن يجلب أي شيء سوى المزيد من الشجار. لذا دعيها تبكي كما تشاء.
منذ متى وأنتِ قاسية بهذا الشكل ايفدوكيا؟ سألت والدتها بإستنكار لتشعر ايف بغصة في حلقها فور سماع تلك الجملة من والدتها.
حتى أنتِ أمي؟ حسناً أمي أنا قاسية وإن سألتني عن السبب فالإجابة هي أن الطيبة لم تُجدي أي نفع في السنوات المادية بل استنذفت روحي وحياتي وسعادتي.
وهل تظنين أن القسوة ستجلب لكِ السعادة؟
أجل أمي.
على العكس ابنتي. ستفقدين كل المشاعر في المقابل حتى السعادة والراحة التي تبحثين عنها لن تستطيعِ أن تتذوقيها قط، سأغلق الخط. هاتفيني عندما تعودي إلى رشدك. اردفت والدتها لتُغلق الخط سريعاً غير سامحة لإيفدوكيا بالرد على ما قالته. صدرت شهقه بإنكسار منها وامتلأت عيناها بالدموع لا تُصدق ما وصلت إليه الأمور. هل انقلب العالم بأكمله ضدها فجاءة أم. أم هي من تسببت في انقلابه دون قصد.
هل أنتِ بخير؟ صدر السؤال من صوت فتاة بعد أن قامت بفتح البار الخاص بالمكتب.
اضطررت ايفدوكيا إلى مسح دموعها سريعاً وحاولت أن تبدو بخير ولكن وجهها الذي كسته الحُمرة وعيناها الذابلة قاموا بفضح أمرها.
نعم أنا بخير اشكركِ.
لا تبدين كذلك.
فقط. لم انم جيداً ليلة أمس، اشكركِ على اهتمامك قالت الحجة ذاتها للمرة الثانية أو الثالثة هذا الأسبوع.
على الرحب.
توجهت نحو دورة المياة لتقوم بصفع وجهها بالمياة الباردة علها تفيق، تتمنى من داخلها لو أن كل ذلك كان كابوس بشع. تتسأل بداخلها كيف كانت لتسير حياتها إن لم تسقط ذلك اليوم وتؤذي أذنها؟ ربما كانت طفولتها هي وماديسون ستكون أكثر استقراراً بعيداً عن الغيرة وتلك المشاكل.
وماذا كان سيحدث إن كان ليو شخصاً جيد ومخلص؟ لربما كانت في منزلها الدافئ الآن تحتضن طفل أو اثنين. أو ربما لم تكن لتتزوج وتنهي حياتها الجامعية بشكل جيد وتعمل جاهدة لتصل إلى منصب مُرتفع. او ربما كانت ستقابل هاري في مكاناً آخر وظروف أفضل وكانت ستكون سعيدة الآن وتجلس إلى جواره في منزلهما.
لكن ما لا تُدركه هي بشكل كامل أن اختياراتها هي ما قادتها إلى هذا الطريق، فأصبحت هي شريكة في تلك المهزله التي تُسمى حياتها وأن الذنب ليس ذنب من حولها بل ذنبها في ايضاً.
وفي الوقت ذاته ربما وإن كانت الظروف جيدة فكانت ستختار نفس الإختيارات السيئة وستحدث النتيجة ذاتها لأنها وببساطة ذات الشخص.
عادت إلى العالم الواقعي، أغلقت الصنبور وجففت وجهها ثم توجهت إلى المكتب خاصتها بعد أن حاولت طرد تلك الأفكار السلبية من رأسها وحاولت تجاهل الآلم الذي قد اتخذ مقراً في قلبها،.
الكوب الثالث من القهوة لليوم قد وُضع أمامها. ارتشفت البعض منه ووضعته أعلى المكتب خاصتها وهي تعمل على إنهاء أحدى التصاميم الجديدة،
اضاءت شاشة هاتفها برسالة آخرى من بيرت لذا قررت أن تقرأ بعض من رسائلها للأيام الماضية.
ايف اعتذر. اعدكِ أن ذلك الأمر لن يتكرر مجدداً.
ايف من فضلك اجيبي.
يكفي هذا القدر من التجاهل.
انتِ حقاً تحرقين قلبي.
لقد اشتقت إليكِ.
ايفدوكيا أشعر بالذنب لما حدث. فقط دعيني أحاول ان اصلح الأمر فيما بيننا.
ايفدوكيا اجيبي من فضلك. ايف.
لقد أخبرتكِ من قبل أنني طالما شعرت بالوحدة وانكِ الوحيدة التي جعلتني قادرة على التغلب على هذه المشاعر السلبية والآن قد رحلتِ وسلبتِ مني تلك الراحة التي اخذتُ ابحث عنها سنين. الآن أصبحت وحيدة مجدداً بدونكِ. شعرت ايفدوكيا بغصه في حلقها وآلم اجتاح صدرها عند قراءتها للرسائل أما عن الرسالة الأخيرة فكانت قاتلة تماماً بالنسبة لإيفدوكيا. لم تكن تُدرك أنها بهذا القدر من الأنانية. لقد تخلت عن صديقتها وتجاهلتها بسبب خلاف بالرغم من انها تعلم ان لا ملجأ لبيرت سوى هي، امتلأت عيناها بالدموع دون حتى أن تُدرك ذلك. اردت ان تصفع نفسها لما فعلته. لم تكن تدري انها بهذا السوء لكن حقيقتها قد صفعتها في الآونه الأخيرة وقد افصح الناس عن كل الجوانب السلبية لها. لكن ما كان يؤلمها أكثر هو سماع كل ذلك النقد في فترة قصيرة وبشكل متتالي...
قررت انها فور الإنتهاء من دوامها أن تذهب إلى بيرت لتعتذر لها وتُقبل رأسها وتحاول حل المشكلة بطريقة أكثر هدوءاً بعيداً عن الانفعالات التي لن تؤدي إلى شيء سوى خسارة صديقتها المُقربة.
ايفدوكيا، هناك اجتماع في نهاية الإسبوع مع مدير الشركة وقد كلف شخصاً من كل قسم ليُخبر الجميع اردف ريان من اللامكان لتشهق هي واضعه يدها أعلى قفصها الصدري.
إلهي! لقد أرعبتني.
اعتذر بشدة قال وهو يقهقه.
لا بأس وشكراً لكَ.
في مكان آخر وتحديداً مقر شركة ستايلز.
جلس هاري بغضب على المكتب خاصته بعصبيه وهو يحملق بالأوراق الموضوعة أمامه، لا يدري كيف حدث هذا لكن هناك تلاعب في الأسواق، وربما قد تنخفض نسبة أرباح الشركة خاصته وهو أمر لم يحدث منذ مدة ليست بقصيرة.
أعاد خصلات شعره إلى الخلف بينما هاتف مدير المكتب خاصته يطلب منها إحضار المحاسبين ومدير التسويق ليُناقش ذلك الأمر معهم.
مرحباً سيد ستايلز.
مرحباً بكم، تفضلوا بالجلوس هنا اردف وهو يشير إلى الآرائك الموضوعة في منتصف الغرفة.
بالطبع أنتم تعلمون ما يحدث في السوق وترون ان هناك بعض التذبذ في المبيعات وماله من أثر مادي.
أجل سيدي أجابوا جميعهم، يُعيد هاري خصلات شعره إلى الخلف بضيق ثم يُكمل:
حسناً أريد تقرير مُفصل عن كل ما يحدث في الأسواق وأريد تقرير مُفصل عن كل يورو يتم دفعه أو كسبه من خلال الشركة والمصنع وكل ما وُضِع عليه اسم ستايلز قال هاري بنبرة أمره محاولاً إخفاء الضيق الذي كان واضحاً تماماً على وجهه. كل شيء يتذبذ من حوله ولا شيء ثابت.
سوف يكون التقرير على مكتبك غداً سيد ستايلز.
لا أريد التقارير وحدها بل أريد أن يطلع جميعكم عليها قبل إرسالها والبحث عن حلول لتلك المشكلات، وقريباً سأحدد موعد إجتماع لنناقش المشكلات والحلول، مفهوم؟
أمرك سيد ستايلز.
مفهوم سيدي.
أنهي هاري حديثه معهم وتوجه للجلوس على مكتبه مجدداً ليفهم جميعهم أنه قد انهى حديثه وأنه ينتظر منهم المغادرة، يجلس لعشرة دقائق قبل أن يأخذ هاتفه وأغراضه وينتقل بسيارته...
بعد انتهاء أوقات العمل الرسمية.
تأخذ حقيبتها بينما تُمسك بهاتفها في يدها، تبحث عن رقم بيرت وتستعد للإتصال بها. فهي تُريد مقابلتها أو الحصول على الأقل على عنوان منزلها كي تذهب إليها وتُنهي تلك المشكلة كما كانت تنوي طوال اليوم.
مرحباً.
مرحباً بيرت.
إيفدوكيا! تحدثت بيرت بنبرة هادئة ثم تحولت إلى حماس عندما أدركت انها ايفدوكيا.
أجل هذا أنا.
إلهي هل قررتِ التحدث إلى اخيراً؟ تفوهت بيرت بلهفه ونبرة طفولية.
نعم. انظري هناك الكثير من الحديث لنقوله لذا أخبريني أين موقعكِ الآن بالتحديد؟
لقد انتهيت من العمل وفي طريقي إلى المنزل أجابت بيرت بصوت مشوش نظراً لإختراق صوت السيارات والمارة من خلفها المكالمة.
جيد، ارسلي العنوان إلى في رسالة نصية لا يمكنني سماعكِ جيداً، بالمناسبة سأحضر شيئاً لنأكله ثم سوف آتي لا داعي لشراء أي شيء اثناء عودتكِ إلى المنزل.
حسناً هذا رائع. وداعاً ايف ودعتها بيرت لتبتسم ايفدوكيا على لطفها، وتستعد لما تُريد القيام به وبينما تسير تسلل إلى أذنها صوت رجولي:
لقد اشتقتُ إليكِ إيفا اردف المتحدث خلفها ويُمكنها تصور إبتسامته اثناء قوله لتلك الجملة.