رواية إيفدوكيا للكاتبة إيمان عادل الفصل الثامن والثلاثون
تقف أمام المرآة التي تعكس قامتها بشموخ، هل مر أسبوع بهذه السرعة؟
نعم بالفعل لقد مر أسبوع ومازالت تتجاهل شقيقتها بقدر الإمكان. رحلت بيرت من أجل العمل ولحقتها ايفدوكيا ببضعه أيام إلى باريس.
في منزلها البارد والذي كان في يوم من الأيام عش الزوجية الدافئ عندما كانت هي تلك الفتاة البريئة المنكسرة أم الآن فهي امرآة قوية لا تحتاج لمن يُدفئ ذلك المنزل فهي تستطيع تحمل ذلك البرد.
تقف أمام المرآة وهي تُعدل ثوبها لن تنكر أن ذوق هاري رفيع فلقد بدت كالأميرات في ذلك الثوب.
لم ترى نفسها بهذا الجمال من قبل سوى مرة واحدة؛ يوم زفافها لكن لتكن صريحة فهي تبدو أجمل في هذا الثوب، أخرجت مساحيق التجميل خاصتها لتُزين بها وجهها وتُبرز جمال عينيها بإضافة السواد حولها، احمر شفاه أحمر اللون.
لنرى سيد هاري اردفت وهي تنظر إلى نفسها في المرآة بعد أن انتهت من مساحيق التجميل وتسريحة الشعر خاصتها حيث تركت أغلب خصلات شعرها منسدله عدا البعض قد جدلتهم من الأعلى.
ارتدت الحذاء وهي تدعو بداخلها ألا تسقط وهي متوجهه إلى قاعة الزفاف حتى لا تجعل من نفسها أضحوكة بدلاً من أن تكون حديث الحفل لجمالها.
لم يكن ذلك التفكير ينتمي لإيفدوكيا قط فهي لم تحاول من قبل لفت الأنظار أو إبراز جمالها بذلك الشكل ولكن الوضع اضطرها لفعل ذلك، ولن تنكر أن ما تفعله قد منحها بعض الثقة لكن. مازال هناك جزء يُقلقها فهي لا تعلم إن كانت ماديسون ستحضر أم لا؟، وماذا إن قامت والدة هاري بإحراجها او حتى طردها أمام الجميع.
يُخرجها من شرودها صوت وصول رسالة لهاتفها لتُعلمها أن سيارة الأجرى قد وصلت، تنظر إلى نفسها لمرة آخيرة في المرآة قبل أن تذهب وهي تحمل حقيبتها الصغيرة اللامعه والتي بالكاد تتسع لهاتفها وبعض النقود.
بعد مرور ما يقرب من نصف ساعة توقفت السيارة أمام المكان المنشود.
لقد وصلنا لوجهتنا سيدتي قال السائق لتنظر نحوه في المرآة قبل أن تشكره وتمنحه النقود. تأخذ نفس عميق قبل أن تقوم بفتح باب السيارة وتخطو أول خطوة نحو الداخل. تتسارع نبضات قلبها.
صوت حذاءها يصدح في المكان وكأنه يتناغم مع الموسيقى الهادئة في الداخل، ثوبها قد أخفى بضع سنتيمترات من حولها بينما تتحرك خصلات شعرها بحرية مع نسمات الهواء البارد التي أصابتها بالقشعريرة. كان يقف هو بالقرب من المدخل أمامه طاولة صغيرة مكسوه بقماش أبيض زينه بعض الورود الوردية بينما وضع أحدى يديه داخل جيب بنطاله الأسود والذي كان لونه تماماً كلون بذلته الرسمية. كشف القميص عن وشم قد رُسم على صدره لعدم إغلاقه ازارت القميص كاملة، كان يقف مع بعض أصدقائة على ما يبدو وقد انشغل في الحديث معهم وبينما تتجول عيناه في المكان لمح ذلك الملاك الضائع او الذي لا يستطيع تحديد وجهته على ما يبدو لكنه لم يقترب منها بل وقف مُنبهراً مُحدقاً في أجمل ما رأت عيناه. منذ متى وتظهر الملائكة وسط العامة وتسير بهذا الشكل؟
لن يقول أنها تبدو جميلة الآن لأنها دوماً ما كانت جميلة في عيناه.
مرحباً سيدتي هل يمكنني رؤية دعوة الحضور خاصتكِ؟ جاءها صوت شاب ذو بذلة رسمية يقف بالقرب من الباب، شعرت بتوتر بدون سبب حينما تحدث إليها فاجئة، تُفتش في حقيبتها على الدعوة ولوهله تذكرت انها نسيت إحضارها ياللإحراج!
أنا.
توقف، تلك السيدة الجميلة تكون رفيقتي جاء صوت هاري الخشن من اللامكان لترفع عيناها نحوه بلهفه لا تدري من اين جاء فجاءة بهذا الشكل.
اعتذر سيد هاري، تفضلِ سيدتي.
هي جلالتكِ اردف هاري بنبرة لطيفة لتسير ايفدوكيا أمامه وقد بدأت في استعادت ثقتها بنفسها، وبينما تسير لم تنتبه لوجود درجة سلم صغيرة وكادت أن تتعثر بثوبها الطويل ذلك لكن هاري تحرك بسرعة وأمسك بيدها ليعود توازنها مرة آخرى، أحمرت وجنتها خجلاً ظنناً منها أن الجميع قد لاحظ تعثرها لكنه وقف بثقة وشموخ يساعدها على صعود الدرجة ثم توقف أمامها وقام بتعديل بذلته ثم انحنى ليُقبل يدها بلطف ويقول:.
اتسمحين لي بأن أنول شرف مرافقتكِ لليلة؟
لا أظن ذلك هل فعلت ذلك للتو؟ أجل.
لقد تسببت في احراجه لكنه لم يغضب قط بل ابتسم ابتسامة جانبية وقام بتعديل بذلته وعاد يسير في وجهته وهو يُرشدها إلى المكان الذي ستجلس فيه.
هذا المكان ملئ بأبناء الطبقة المخملية بشكل لا يطاق تمتمت بصوت منخفض لكنه استطاع سماعها.
ومن وسط اولئك المخملين بأكملهم وقعت عيني على فتاة واحدة.
مؤكد سيد ستايلز، فالذئب يُحدد فريسته وعادة ما يختار الأضعف من وجهه نظره ظناً منه أنها سنقع في شباكه بسهوله لكن للأسف لقد خاب ظن ذلك الذئب.
وقف يحك اسفل ذقنه بضيق إن كانت لا تريد رؤيته لتلك الدرجة وان كانت تريد فقط دس السم في حلاوة حديثها لما لبت دعوته من البداية. حاول تمالك نفسه فهو لا ينكر ان لها كامل الحق في ان تغضب وبالطبع هو سعيد للغاية لرؤيتها بعد هذه المدة مم الفراق لكنه كان يتمنى لو انها كانت اكثر هدوئاً واقل غضباً حتى يستطيع تفسير ما حدث معه ليزول غضبها.
وقفت تنظر حولها لقد بدا المكان جميلاً للغاية فالورود البيضاء قد زينت معظم المكان، تركها هاري لبضع دقائق بعد أن أخذ الأذن بالرحيل وكما توقعت قد ذهب لإحضار العروس والدته. وبالرغم من ان ايفدوكيا لا تُطيق التواجد معها في نفس المكان إلا ان مظهرها قد راق لها كثيراً.
فستان زفاف أبيض لامع بعض أجزائه من الدانتيل وقد زينت رأسها بحلي اتخذ شكل ورود متشابكة لقد بدت جميلة بحق وقد ارستمت على وجهها ابتسامة واسعة إنها حقاً سعيدة يالا انانية هاري كان يُريد ان يحرم والدته من كل تلك السعادة فقط لأن كبريائه لا يسمح له بتقبل فكرة زواج والدته في هذا العمر.
ألا تريد أن نأخذ صورة سوياً؟ سألت بنبرة خبيثة قليلاً.
ماذا؟ هل أنتِ جادة في حديثك؟
أجل.
أشار هاري لأحد المصورين المحترفين ليأتي على الفور ويأخذ وضعيه مناسبة لإلتقاط الصورة.
وقفت هي بشموخ تبتسم ابتسامة انثوية بينما وقف هاري إلى جانبها بعد أن عدل بذلتها الرسمية ثم ابتسم هو ايضاً في الصورة الأولى أما الثانية فقد أُخذت على غفلة كانت تنظر هي إلى الجانب الآخر وهي تبتسم بينما نظر نحوها هاري بأعين لامعه.
هاري، أود أن التقط صورة برفقة العروس والعريس وشقيقتك ايضاً ابتسم هاري ابتسامة جانبية وهي يهز رأسها. ثم أجاب ب أجل يمكننا هو لا يدري ما الذي تنويه هي، لكنه قرر الإستمتاع بالحظة.
أمي. ايفدوكيا تُريد إلتقاط صورة أسرية برفقتنا تبدلت تعبيرات وجهها سريعاً بعد أن كانت مبتسمة، فقد كست الصدمة ملامحها ولكنها حاولت إخفاء ذلك وأجبرت نفسها على الإبتسام.
صورة ماذا؟ سألت بإستنكار من بين أسنانها ومازالت تلك الإبتسامة المُزيفة تُزين ثغرها.
مبارك لكِ سيدة آن، مبارك لك سيد روبن اردفت بإبتسامة لطيفة وهي تقترب من مقعد العريس والعروس لتصافح كلاهما. صافحها روبن بلطف بينما صافحتها آن بقوة ضاغطة على يدها بشدة بينما كانت تعلو يدها يد ايفدوكيا لكن في غضون ثانية قد بدلت ايفدوكيا الوضع لتعلو يدها يد آن وتربت عليها وقد ارتسمت ابتسامة ثقة على ثغرها وكأنها تُريد إيصال رسالة محددة دون أن تتفوه بحرفاً واحد، لترمقها آن بنظرة شرسه حارقة بينما ابتسم السيد روبن بلطف غير منتبهاً للتصرفات المخفية.
مرحباً جيما، أود أن اراكِ في هذا المقعد قريباً مازحت ايفدوكيا چيما بمزاح لتبتسم چيما بخجل فتستنتج أن قلبها قد نبض لأحدهم.
لمحت بطرف عيناها أحد المدعوين قادم لكن ذلك لم يلفت انتباهها حتى وجدت أن الأنظار جميعها موجهه نحو الباب، شخصاً غير عادي؟ أجل.
التفتت لتنظر في اتجاه مدخل القاعة كسائر المدعوين لتجد. ذلك الشاب مجدداً! ومهلاً. في زفاف والدة هاري!
لا تعلم لماذا لكنها شعرت بالرغبة في النظر إلى وجه هاري والذي لم يبدو عليه السرور كثيراً لرؤية ذلك الشاب والذي اقترب من هاري بإبتسامة كبيرة وهو يُحيه بصوت مرتفع:.
صديق الطفولة، مبارك لوالدتكَ السيدة ستايلز لا. أقصد السيدة تويست أليست كذلك الآن؟ توترت الأجواء سريعاً وامتعض وجه هاري والتصق حاجبيه، انقبض قلب ايفدوكيا فهي لم يسبق لها رؤية هاري غاضب بتلك الطريقة. استشعرت حدوث شجار فور رؤيتها ليد هاري تأخذ شكل قبضة لتُمسك بيده سريعاً فترتخي تعابير وجهه قليلاً لكنه احتفظ بنظرته النارية.
إلهي كم اعشق تلك الموسيقى، سيكون الحظ حاليفِ إن سمحتِ لي بهذه الرقصة اردف وهو يسحب يد ايفدوكيا التي امسكت بيد هاري ويُقبلها بنُبل ثم يسحب ايفدوكيا نحو ساحه الرقص، من المفترض أن تسحب يدها بغضب لكن نظرة الغيرة والصدمة التي رأتها في عين هاري التي تشتعل غضباً جعلتها تبتسم ابتسامة جانبية ثم تُمسك بيد رفيقها لليلة وتراقصه.
كانت نظرة آن منصدمة فهي لم تتوقع وجود ايفدوكيا وأليكس كلاهما في المكان ذاته وفي الوقت ذاته ويرقصان سوياً في زفافها، في الواقع لم تتعمد ايفدوكيا إفساد الأجواء ومن داخلها تعتذر لآن بشدة على نزعها لفرحتها لكن الأمور اخذت ذلك المنعطف.
أنتَ ماذا تفعل هنا؟
ألا ينبغي على أن اسألكِ السؤال ذاته؟
اتعلم لا يهم، فكلانا غير مرحب به وأظن أن علينا الرحيل قالت ايفدوكيا بنبرة منخفضة وهي تحني رأسها وقد بدأت بنسيان غضبها ورغبتها في الإنتقام.
لما تودين الإنسحاب الآن؟ فمنذ أن وطئت قدماي إلى هنا وقبل أن يلاحظني الجميع قد رأيت لذة الإنتصار في عينيكِ همس حتى لا يسمعه أحدهم وقد تسببت كلماته في زيادة اضطراب مشاعرها!
كان هاري يقف وهو يحك ذقنه بإصباعية ويشعر بقلبه يُعتصر من الغيرة. كان يود لو أن تأتي ايفدوكيا وتصؤخ في وجهه وتصفعه بغضب حتى تُفرغ مشاعرها تجاهه بدلاً من أن تعبث بأعصابه وتُهشم قلبه بتلك الطريقة!
بينما انغمست ايفدوكيا في أفكارها فوجئت بيد آن التي تسحبها من وسط ساحة الرقص وأمام الجميع وقد أرتسمت على وجهها ابتسامة مزيفة حتى لا تفسد الأجواء أكثر.
هل أتيتِ لإفساد زفافي وإتعاس صغيري؟
في الواقع لا، وإن كان وجودي يُشعركِ بعدم الراحة فعليكِ لوم ابنكِ الذي قام بدعوتي، وبالمناسبة هو ليس صغير بل رجل بحجم الثور يقف هناك. كطلقات نارية تخرج من بندقية قناص صدرت كلماتها بنبرة غير حادة على الإطلاق متعمدة إثارة غيظها.
احذركِ مجدداً ايفدوكيا وللمرة الأخيرة، ابتعدي عن هاري للأبد.
بالأحرى أخبريه أن يبتعد عني، فلا شيء يجمعني به بعد الآن لكنه يستمر في ملاحقتي امتعض وجه آن بينما ارتسمت ابتسامة ثقة على ثغر ايفدوكيا قبل أن تُردف جملتها الأخيرة.
بالمناسبة هو من قام بشراء هذا الثوب اه. والحذاء ايضاً.
توجهت نحو الخارج، خارج المكان بأكمله وقد تبخرت ابتسامتها ليحل محلها ضيق، مشاعر متضاربة تعتصر قلبها. تشعر بلذه النصر وفي الوقت ذاته تشعر بتآنيب ضمير لما فعلته. اشتاقت لهاري وتتمنى لو تعامله بطريقة أفضل من تلك لكن في الوقت ذاته هو يستحق ما تفعله هي بل وأكثر.
ايفدوكيا انتظري. من فضلك ايف.
ماذا تريد بعد الآن؟
أنا اعتذر وبشدة عن كل ما حدث وسأتوقف عن ملاحقتكِ إن اردتِ. لكن على الأقل استمعي لي قطع حديثه صوت رجولي آخر اختلط بصوت خطوات.
ايفدوكيا هل تسمحين لي بإصالكِ إلى منزلكِ؟ بنبرة نبيلة عرض عليها ذلك.
بالطبع أجابت بينما خلع هو معطفه ووضعه على كتفيها المكشوفتين.
توجهت نحو سيارة فخمه قد فُتح بابها وبالطبع كانت سيارة أليكس بينما وقف هاري بفم فارغ.
كاد هاري أن يفتعل مشكلة مع ذلك الوغد من وجهه نظره والنبيل من وجهه نظر ايفدوكيا لكنه عوضاً عن ذلك وقف يحملق بهم حتى تحركت السيارة وابتعدت عن ناظريه، عاد إلى داخل المكان وقد رسم ابتسامة مزيفة على وجهه بينما كان بداخله بركان على وشك الإنفجار!
فحيح الثعبان صدر في هيئة كلماته والتي بخها كالسم في أذن ايفدوكيا، أحاديث عشوائية كلها تؤول إلى حفل الزفاف وهاري.
والسؤال يكمن هنا لما يحرضها بذلك الشكل نحو هاري؟ مهلاً بل من أين يعرفه من الأساس؟