قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية إمبراطورية الملائكة للكاتبة ياسمين عادل الفصل الرابع والأربعون

رواية إمبراطورية الملائكة للكاتبة ياسمين عادل الفصل الرابع والأربعون

رواية إمبراطورية الملائكة للكاتبة ياسمين عادل الفصل الرابع والأربعون

وقت فاروق عن جلسته وهو يتكئ على عصاه العتيقة المميزة، ثم سار ببطء نحو الفراش وجلس أعلاه وهو يردد: - أخواتك عاملين إيه؟
ثم تنهد بتألم وهو يخفض رأسه قائلًا: - قصدي اللي اتبقى من اخواتك
جلس عادل على المقعد وهو ينظر لوالده بنظرات حزينة أتبعها بقوله: - إيمان زي ماهي متغيرتش، طارق واقف ورا مراته، وبرديس بتحاول تعدي أزمة فقدانك وفقدان أبوها وأمها، ورائد واقف زي الجبل.

ابتسم عادل بسخرية واستطرد: - عمل زي ماانت توقعت بالظبط، صفى كل حاجه ما عدا الفرع الرئيسي، وفي حاجه كمان
فسأله فاروق: - إيه؟
- نص موظفين الشركة مشيوا، والباقي لسه موجود معانا، رائد قالهم إن مفيش مرتبات هتتصرف شهرين قدام، وإن مجرد ما أزمة الشركة هتعدي هيرفع المرتبات ضعف الأول، وكمان بدأ في خطة التسويق الشبكي، هي كانت فكرة فريق المبيعات بتاعنا، وهو صدق عليها وبدأ العمل بيها فعلًا.

فرك طرف ذقنه الحليقة وتابع: - عارف ياحج، لو الخطة اللي رسمها رائد مشيت صح، خلال 3 شهور بالظبط كل حاجه هترجع زي الأول وأحسن، خصوصًا بعد ما البنك ساب الفرع الرئيسي وأدانا مهلة شهرين زيادة.

أستند فاروق على عصاه وهو ينهض: - كمل
- بس للأسف مش هنقدر نحتفظ بالقصر، لازم يكون في كبش فدا عشان نسكت البنك شوية
- سيب رائد يعمل اللي هو عايزه ياعادل، سيبه، أنا عارف من الأول إن هو اللي هيوقف الشركة تاني على رجليها.

تردد عادل في البداية هل يخبره أم لا، ولكنه وجد أن لا مفر له من المواجهه عاجلًا أو آجلًا: - آ، أنا هرجع شغلي في الجامعة تاني
- براحتك
كان الجواب غير مريح، ولكن تابع فاروق: - أنا مش هتدخل في الموضوع دا تاني، عايزك في موضوع تاني
-إيه؟

عادت الكهرباء مرة أخرى عقب إنقطاع طويل، ف أغلق فاروق عيناه على الفور وقد أزعجته شدة الإضاءة، ثم ردد وهو يضع كفه على وجهه: - أنا عايز اشوف الولاد، خلاص السبب اللي خلاني أعمل كل دا مبقاش موجود
ثم نزع كفه عنه و: - أنا مش عايز أغيب أكتر من كدا، عشان رد الفعل ميكونش أقوى
- عندك حق، بس انت هتقولهم إيه؟
بتحسر شديد، ونظرات ضعف وانكسار أجاب: - الحقيقة، هقولهم الحقيقة.

بنفسه وبدون مساعدة منها، قام طارق بتفريغ حقائب برديس في الخزانات الجديدة عقب انتقالهم لعش الزوجية الجديد..
ليست كأي عروس سعيدة بانتقالها لمنزلها الزوجي، بل أن تلاحق الأحداث وتتابعها جعلها تفتقر طعم الحياه..
كانت جالسة على الأريكة بغرفة المعيشة وعيناها الحزينتين على الفراغ، حينما دخل عليها طارق و: - بيري، أنا حضرتلك طقم تلبسيه وفرشت السرير عشان ترتاحي شوية.

أومأت رأسها بالإيجاب ولم تتحرك، ف ذمّ على شفتيه بضيق لأجل حالتها واقترب منها ليجلس بقربها، حاوطها بذراعه وهو يردد: - الدكتور حذر من الزعل وقال إن دا غلط على صحة الجنين
تنهدت وهي تطبق جفونها و: - هو اللي حصل دا ميستاهلش شوية زعل؟
ثم التفتت برأسها تسأله: - الجيران قالوا إنهم سمعوا صوت مامي وبابي وهما بيتخانقوا قبل ما بابي يمشي ويسيبها، تفتكر يكون زعلها وهي ماتت من الزعل؟!

أطرقت رأسها وهي تخبئ منه عيناها المقهورة و: - أنا قريت كتير إن اللي بينام وهو زعلان ممكن يجيله Stroke (جلطة) ويموت!، خصوصًا إنهم لاقوها ميتة في أوضتها وعلى سريرها يعني كانت نايمة.

فطاوعها قائلًا: - صح، ممكن برضو
تحسس بأنامله بطنها التي لم تظهر بعد، ثم قبّل وجنتها وهو يقول: - لما ولي العهد ييجي هينسيكي كل حاجه، صدقيني
ثم نهض عن مكانه وجذبها برفق: - تعالي ارتاحي شوية
واصطحبها نحو غرفتهم وهي بين أحضانه متشبثة بآخر من بقى لها، فتح لها الباب ودلفت، لتتغير ملامحها وهي تنظر للفراش، ثم نظرت إليه بإستنكار و: - متأكد إنك فرشت السرير كويس؟
- آه والله.

ثم أشار نحو الفراش، بينما رددت هي: - الملاية مفروشة بالمقلوب ياطارق!، وكمان كياس المخدات مش شبه بعض!
ارتفع حاجبيه بذهول و: - بجد! مخدتش بالي خالص..
ثم حدجها باستهجان وقد انعقد حاجبيه: - وبعدين حد قالك عني خدامة، دي أول مرة يعني المفروض تشكريني
دنت برديس من المقعد الطويل (شيزلونج) ومددت فوقه وهي تردد: - أنا هريح هنا لحد ما تعدلها وبعد كدا أطلب لنا أكل عشان لسه مجبناش خدامة
- نعم!

ودنى منها بتحفظ وهو يتسائل: - خدامة؟! ليه!، هو انتي مش ناوية تطبخيلي ياحببتي ولا إيه!؟
حدقت فيه قليلًا غير مستوعبة ما يقول: - أنا! أنا أطبخ؟، ده اللي هو ازاي؟، أنا عمري ما دخلت مطبخ
ابتسم بسخرية وهو يفرك شعره الفوضوي و: - ماانتي هتتعودي ياروحي، أنا بس هسيبك فترة الحمل دي لكن بعد كدا مش هاكل غير من إيدك الحلوة.

مازالت مصدومة مما يقول، بينما غمز هو لها مثيرًا استفزازها وبدأ يعيد ترتيب الفراش من جديد وهو ينظر إليها تارة ويتجاهلها تارة أخرى، متأكد من أن حديثه قد أثار ارتيابها، ويتخيل كمّ الكوارث التي ستفتعلها إن حاولت الدخول للمطبخ، حتى إنه رآها تخرج من هالة دخان أسود كثيف يملأ المطبخ وقد أسود وجهها وامتلأ بالشحم، ف انفجر ضاحكًا عليها، رمقته برديس بنظرات محتقنة وهي تسأله: - بتضحك على إيه ياطارق؟

فقال من بين ضحكاته المستمرة: - شوفتك وانتي خارجه من المطبخ بعد ما ولعتي في الدنيا، منظرك مش قادر أتخيله
ضغطت على فكيها بإنفعال، وقذفته بوسادة صغيرة كانت جوارها ولكنه تفاداها، ثم نهضت ودفعته لخارج الغرفة وهي تردد بإنفعال: - أبقى وريني بقى مين دي اللي هتدخل المطبخ!، Annoying (مزعج).

صباح تعيس آخر على رائد، أنهك نفسه ودمرها خلال الأسبوع الماضي، وقد قرر استعادة كل ما هو له وفقده، سنوات عمره الغابرة والتي قضاها في هذا الصرح لن تضيع هباءًا لمجرد قرار خاطئ للجد ب اقتراض المبالغ الطائلة من البنوك لتوسيع نشاط الشركة في وقت ليس بمناسب.

على قدم وساق عمل كل موظفي الشركة، أولئك الذين ارتضوا العمل بدون مقابل شهرين كاملين مقابل ضعف الأجر بعد استعادة قوة الشركة وكيانها، وبالأخص قسم التسويق والمبيعات، والذي اتخذ شكلًا جديدًا واستراتيچية أخرى من أجل الرجوع للسابق وأفضل..
كان يترأس طاولة الإجتماع عندما حاوطه العديد من الموظفين، ترك القلم على الطاولة وضغط على جبهته وقد بدأ يشعر بالصداع، ثم ردد بصوت مختنق: - وبعدين؟! إيه الخطوة الجاية؟

- الجماعة البولانديين وافقوا على العرض، مقابل نسبة 65 ? بدل 50 ?
ابتسم رائد باستخفاف وهو يعقب على ذلك: - أنا موافق، أخسر 15? أحسن ما اخسر 50?، أشمعنا هما يعني اللي مش هيستغلوا الفرصة!

ثم نظر لمدير تسويق الشركة و: - طبقت الخطة اللي اتفقنا عليها؟
- الفريق كله شغال عليها بقاله أسبوع، والنتايج إن شاء الله هتكون مبهرة في أقصر وقت، بس محتاجين سيولة نتحرك بيها أسرع وعلى مدى أوسع، يعني تقريبًا مش أقل من 2 مليون گحد أدنى.

أخفض بصره قليلًا وهو يفكر في كيفية تدبير المبلغ، هو يمتلك 70? من قيمته فقط حاليًا، تنهد وهو بهذه الحالة ليتذكر هذا المبلغ الذي أقسمت رفيف بعدم استرداده، وإنه سيستخدمه حين الحاجه إليه، يبدو أن له عوز الآن بالفعل..

أصدر هاتفه اهتزازات بينّة، ف التقطه ونهض ليبتعد عن مجلسهم و: - أيوة ياعمي، دلوقتي؟!، طب انا في اجتماع مهم جدًا دلوقتي، خلاص أديني ساعة ونص عشان أقدر آجي، ماشي، سلام.

ثم عاد إليهم وهو يردد: - فين أستاذ طارق ياأميرة؟ المفروض يكون معانا النهاردة!
- مستر طارق راح هو ومستر فواز يقابل الموزع الرئيسي عشان يتفاوض معاه عن التكاليف الجديدة
- تمام
ثم نظر لساعة يده و: - أنا قدامي نص ساعة ولازم امشي، لما تحددي مواعيد مع العملاء الجدد عرفيني عشان اقابلهم.

صمتت قليلًا و: - آ، حضرتك بنفسك؟
- آه هقابلهم بنفسي، مفيش بدايل
ثم عاد يجلس مكانه و: - كنا بنقول إيه؟

توقفت سيارة طارق أمام بناية شاهقة يبدو عليها الرقي، ثم ألتفت بجواره و: - مش عارف إيه اللي ممكن يكون خالي عادل عايزنا فيه وخلاه يجيبنا هنا بالذات!
نظرت إيمان عبر المرآه وهي تردد: - ملقاش غير بيت شهيرة اللي يجيبنا فيه يعني!، إيه حرقة الدم اللي انا فيها دي؟
تأففت برديس وهي تردد: - أنا هنزل ياطارق عشان الدكتور محرج عليا العصبية والزعل.

ثم ترجلت عن السيارة وتبعها الجميع، استمعت لهمهمات عمتها، ولكنها تجاهلتها وتعاملت بفتور شديد حتى صعدا لمحل شُقة شهيرة كما دعاهم عادل، فكانت المفاجأة هي تواجد فريدة و رائد بالأعلى بجانب رفيف..
وكأنها جلسة عائلية مميزة بأسباب غريبة.

جلس جميعهم في انتظار ما سيقال وما سيحدث، والمتعارف أن إيمان لم تكف عن عادتها السيئة بتلثين الكلام وما شابه، حتى إنها لم تترك حادثة علاج فريدة أيضًا، نظرت لساقيها وحذائها الأنيق والمسنود على المقعد، ثم رددت: - والعلاج دا هيقعد كام سنة كدا؟
ف أدار رائد رأسه للجانب بقنوط وهو يتمتم: - وبعدين بقى!
فهمست رفيف وهي تضغط على ساعده: - سيبهم مع بعض، ماما فريدة بتعرف ترد عليها كويس.

رفع رائد أنظاره نحو عادل و: - خير ياعمي، قولت إن الموضوع مهم جدًا وميستناش!
نظر عادل لوالدته التي لم تقل ملامحها الغريبة عنه، ثم قال: - الأحسن لو تشوفوا بعنيكو
اعتدلت برديس في جلستها وهي تقول بصوت مختنق: - عمو بليز لو في حاجه وحشة متقولش قدامي، أنا نفسيًا سيئة جدًا ومش متحملة أي حاجه تاني.

لم يجيب، في حين كان صوت ما في الداخل جعلهم ينتبهون، صوت فتح الباب، ثم خطوات تحتك بالأرضية، عقد رائد ما بين حاجبيه وهو يسأل بفضول: - هو في حد غيرنا جوا!
وتسلطت عيناه على مدخل الردهه، عندما تسلطت عيون إيمان و برديس أيضًا..

لتقع الصاعقة على عيونهم أولًا، وكأن أنفاس رائد توقفت للحظات ما رؤية الميت الحيّ من جديد، شهقت إيمان وهي تقف عن جلستها، وبدأت عيون الجميع تتجه نحو هذا المكان، هبت رفيف من جلستها واختبأت خلف ظهر رائد الذي وقف هو الآخر غير مستوعبًا ما يحدث، وهي تردد بصوت متقطع: - ر، ر، بسم، الله الرحمن الرحيم
وقفت برديس فجأة مما جعلها تصاب بالدوار وتجلس فجأة وهي تهمس ب: - Oh my God!

في حين انتاب إيمان هستيريا من الضحك المصحوب بالدموع وهي ترى والدها أمام عيونها الآن عقب أن تركته ميتًا أسفل التراب..
أطبق رائد جفونه وظل هكذا وهو يتمتم: - أنا مش مجنون صح؟، يعني انا صاحي ولا ميت دلوقتي؟!
كان كفيها يرتجفان وهي تتمسك به من شدة خوفها، نظرت حولها ببلاهه حتى إنها اعتقدت إنها تحلم: - رائد، يلا نمشي، يلا نمشي بسرعة أكيد هنصحى من الحلم لو مشينا.

لم يطيل فاروق صمته، ولم يظل ساكنًا كثير من الوقت، بل اقترب منهم، فكان طارق أقربهم إليه، كان جالسًا متخشبًا لم يقوَ على النهوض، وعندما اقترب منه أجبر نفسه على النهوض والابتعاد عنه: - إحنا هنهزر بقى ولا إيه؟!، إيه فيلم الرعب اللي انا عايش فيه دا؟
فنطق فاروق مؤكدًا هلاوسهم: - أنا حي أُرزق ياولاد، مش ميت ولا حاجه!، اللي حصل كله كان من ترتيبي...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة