قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية إمبراطورية الملائكة للكاتبة ياسمين عادل الفصل الخامس والأربعون

رواية إمبراطورية الملائكة للكاتبة ياسمين عادل الفصل الخامس والأربعون

رواية إمبراطورية الملائكة للكاتبة ياسمين عادل الفصل الخامس والأربعون

شملهم بنظرات متأججة، ثم أشار فاروق بعصاه ل إيمان وردد: - وانتوا السبب، ولادي هما السبب
بدأت رؤية رائد تتشوش بجانب الصداع النصفي الذي صاحبه من الصباح، ف غطى عيناه وردد: - يلا يارفيف انا ماشي، يلا مش قادر أقف على رجلي
ف استوقفه فاروق: - أستنى يارائد، عايزك.

فضحك باستخفاف و: - عايزني!، عايز مني إيه ياجدي! ده انا عمري ما زعلتك ولا نزلت كلمة من كلامك الأرض! تعمل فيا انا كدا! تعيشني كل الألم والوجع دا؟! ليه، أنا عملت إيه أستاهل عليه دا؟

وأشار بكلتا يديه وهو يقول بصوت مقهور وعيون بزغت فيها لمعة حزينة: - ده انا شيلتك بأيدي ونزلتك تحت وقلبي كان بيموت وانا بسيبك لوحدك، ليه ياجدي!

جلس فاروق على المقعد وأسند ظهره للخلف، نظر لحفيده العزيز نظرات غير طبيعية لم يفهم الأخير معناها، ثم عاد ينظر ل إيمان التي بدت وكأنها تجاوزت الصدمة وتقبلت واقعها، ثم ردد: - عشان...
((عودة بالوقت للسابق)).

استيقظ فاروق من نومه المؤرق وقد شعر بجفاف حلقه وگأنه لم يتذوق المياه منذ وقت طويل، أستند على مرفقيه وحاول الإمساك بكأس المياه المسنود على الكومود، ولكنه كان فارغًا، ف أنزل قدميه على الأرضية وسحب عصاه، أتكأ عليها وانتوى الخروج للشرب دون أن يوقظ ميسون، كفاها عناء خدمته طوال اليوم.

وبعد أن روى ظمأه، عاد نحو المصعد، وفي طريقه، استمع لهمهمات آتية من غرفة الجلوس رغم هذه الساعة المتأخرة من الليل، ضاقت عيناه الناعسة وسار ببطء ليتفقد المكان، فإذ به يستمع لحديث أولاده الثلاثة، وكأن الشيطان كان رابعهم في هذه الجلسة..

تأفف عاكف بانزعاج وهو يشيح بوجهه للأتجاه الآخر، ثم عاد ينظر إليها وهو يردد بتذمر: - ما تجيبي من الآخر ياإيمان، مش معقول جيبانا هنا نص الليل عشان الكلمتين الفاضيين دول!
- أنا جيبتكم عشان نحط إيدنا في إيد بعض
همهم عاصم بفتور و: - أممم، وبعدين!

- لازم نتفق كلنا ونسيب القصر دا مع بعض، مش واحد يمشي والتاني يقعد، لو فضلنا قاعدين هنا أبوكوا عمره ما هيدينا حاجه، هو فرحان بلمتنا حواليه آه، لكن القعدة دي متنفعش، لازم كل واحد يرجع يشوف مصالحه.

رفع عاكف ساقًا على أخرى و: - الدكتور قال إن صحته في النازل وكلها أيام والسر الإلهي يطلع، أصبري شوية
تأفف عاصم وهو يهتف بضيق جلي: - الأيام دي مش بتخلص، إيمان عندها حق، من ساعة ما جينا وهو بيتحسن أساسًا ومش باين إنه هيودعنا دلوقتي، أنا رأيي نمشي فعلًا.

مط عاكف شفتيه للأمام و: - مش عارف، هفكر، متنسوش إن رائد متعلق بجده وهيعارضني
فنظرت من طرف عيناها ل عاصم و: - مش لوحده، الدلوعة بتاعت العيلة كمان ممكن تطلع فينا، أبوها بقى يتصرف، ياعالم، يمكن لما نمشي يتقهر علينا وربنا يفتكره.

فأيد عاصم ذلك: - أهي تبقى جت من عند ربنا.

عن كمية الألم التي اجتاحت صدر فاروق في هذه اللحظة، أب لم يفعل في حياة أولاده سوى تدليلهم، تهاون في أخطائهم وتربيتهم لدرجة جعلتهم يقفزون على رأسه ويتمنون له الموت، شعور مميت، وكأنك تطلب الموت حقًا ل تُرحم من هذا الشعور، تراجع فاروق للخلف ودموع القهر والخذلان تنساب على خديهِ، ليته فقيرًا، ليته لا يملك شيئًا ف لا يحبون فيه إلا أبوته، ولولا كونهم أولاده لطاح بهم خارج بيته في هذه الساعة، ولكنه قرر عقابهم عقاب رادع وقاسي..

كانت خطواته بطيئة بقدر ما يشعر من ألم، يتحسس عضلات صدره الذي يكاد ينفجر من شدة الغليان، نزح عبراته الملتهبة عن جلده المجعد الذي مر عليه أدهر، ثم أغلق باب المكتب من خلفه وسار المكتب، رفع سماعة الهاتف وبدأ يتصل بأحدهم في هذه الساعة، كانت دقات قلبه متفاوتة غير منتظمة، وانخفض معدل السكر في الدم حتى بدأ يشعر بدوار خفيف، إلى أن آتاه الرد: - آسف يافواز عشان بكلمك دلوقتي، بس عايزك في موضوع مهم، أنا رصيدي بقى كام بعد ما سددنا دفعة البنك، طيب، أسمعني كويس، فرقهم بمعرفتك، سيب منهم ربع مليون بس، أسمع اللي قولتلك عليه، وبكرة الصبح تبعتلي الدكتور، عايز أصحى ألاقيه عندي، تصبح على خير.

أغلق السماعة، ثم جلس قليلًا ليستعيد بعضًا من اتزانه، ولكنها كانت عملية غاية في الصعوبة.

ناوله الطبيب قرص علاجي مغلف وكأنه مأخوذ من شريط كامل، ثم ردد بصوت خفيض: - القرص دا يتاخد قبلها بنص ساعة، وسيب الباقي عليا، متقلقش أنا ظبطت كل حاجه، مجرد ما الناس تمشي من المقابر هنطلعك، وأنا بنفسي هطلع أذن الدفنة.

كان كُل شئ مُعد من قبل الطبيب الذي شارك في هذا المسلسل القاسي عقب أن أبلغه فاروق صراحةً بأمنية أولاده في التخلص منه بأقرب وقت، قرر تنفيذ مطلبهم وألقاءهم في جحيم أعمالهم، ف قد نزع عن عاتقهم الكثير ومازال، حتى إنه احتفظ بسر إفلاسه لنفسه فقط كي لا يحزنهم، فكان هذا جزاءه بالأخير.

((عودة للوقت الحالي))
- كان لازم اعرفهم الفرق بين إني وسطهم وبين إني ميت، بس ملحقتش، بدل ماانا اللي اموت واسيبهم، ماتوا هما، قبل ما اواجههم واحط عيني في عينهم.

انهمرت دموع القهر من فاروق وهو يتابع حديثه: - قبل ما يدفنوني وييجوا يزروني بجد، أنا اللي بزور قبورهم دلوقتي، يمكن دي لعنة ربنا عليهم بعد اللي شوفته منهم!، مش عارف!، بس انا مسامح، مسامح في حقي وربنا يسامح ولادي.

يدي مدللته كفكفت دموعه وهي تنحني عليه وتجلس أمام أقدامه، كانت تبكي بحق عقب ما سرده عليهم من عذاب شعوره، وعلى كفه استندت وهي تردد: - أنا آسفه ياجدو، آسفه بالنيابة عنهم، أنت مكنتش تستحق كل دا
ربت على رأسها و: - سامحوني، أنا مكنتش عايز أزعلكم باللي عملته، بس مكنش ينفع حد يعرف غير عادل، حتى ميسون معرفش هتعمل إيه لما تشوفني!، اللي فعلًا ظلمتها معايا من كل اللي اتجوزتهم، هي الست دي.

ثم حمحم وهو يقف عن جلسته، نظر نحو ابنته التي أخفضت رأسها بخجل مما ارتكبت في حقه، فقال هو بصوت أقوى من ذي قبل: - انتي ولا بنتي ولا اعرفك، هفضل غضبان عليكي طول ماانا عايش، متجيش عند بابي ولا تعرفيني ولا اعرفك، أعتبري أمنيتك أتحققت، أبوكي مات بجد، أرتاحي بقى.

ومضى في طريقه نحو باب الشُقة، ومن خلفه عادل، كُل ذلك و فريدة صامتة صمت مريب، ألتفت رائد إليها واسألها سؤال واحد: - كنتي تعرفي ياأمي؟
لم تجب، فعاد يسألها بصوت أعنف: - يعني كنتي عارفه وسيباني كدا!
((عودة بالوقت للسابق)).

كانت فريدة تقرأ القرآن بصوت مرتفع ودموعها تنهمر بكثرة، وهو ممدًا على فراش الموتى بالمشفى، فقدت أب غالي لم تكن تتخيل أن تفقده يومًا، أنهت وردًا من المصحف، ثم أغلقته وأمسكت بكف العجوز المدثر بملاءة بيضاء وهي تردد: - ربنا يرحمك ويغفرلك، هتوحشني أوي ياعمي فاروق.

تحرك أصبع السبابة تلقائيًا بحركة مفاجئة جعلتها تنتفض في مكانها، ارتجفت وهي تضم ذراعيها لصدرها، ولكن اجتاحتها قوة كامنة بداخلها، قوة جعلتها تمد يدها مرة أخرى وتتجسس نبضه، كان ضعيفًا للغاية ولكنها استشعرت به عندما ضغطت على أوردة يده، كما كان دافئًا بعكس طبيعة جسم المتوفي الذي يكون باردًا إلى حد ما نتيجة توقف حركة الدم وتدفقه في الأوعية الدموية، ارتعدت وهي تدفع مقعدها، انتوت أن تبلغ إدارة المشفى بإنه قيد الحياة ولا يمكن دفنه، ولكنها واجهت الطبيب الذي فتح الباب فجأة لتنفجر فيه:.

- عمي عايش، نبضه فيه، إزاي تقول ميت؟!
ف جحظت عينا الطبيب وهو يرجوها بأن تخفض صوتها: - أهدي يامدام فريدة أرجوكي، أهدي وانا هفهمك كل حاجه
((عودة للوقت الحالي))
من قسوة الأحداث، أصيب باللامبالاه، والتي جعلته ينهض فجأة وينصرف دون اهتمام لزوجته أو أمه، تركهم وأنصرف، فركضت رفيف خلفه و: - رائد!، استنى!

وبإستخفاف شديد عقب طارق: - لو انا مكنتش موجود وشايف كل دا بعيني، وكنتوا حلفتولي إنه حصل والله ما كنت هصدق، دا فيلم هندي، بس سخيف آخر حاجه.

حمل زوجته عن الأرضية حتى وقفت على ساقيها، ثم جذبها نحو الخروج وهو يردد: - الله يلعن اليوم اللي كنتوا فيه عيلتي، عيلة تعرّ أقسم بالله، أنا هلاقيها منين ولا منين؟

ثم نظر نحو زوجته وردد ساخرًا: - بكرة أبوكي يصحى من الموت ويقولك معلش يابنتي كنت بلعب معاكي الكاميرا الخفية
وقفت شهيرة عن جلستها و: - طيب ياجماعة أنا هرتاح في أوضتي، البيت بيتكم، عن أذنكم
وكأنها تطردهم بلباقة، مما دفع فريدة لقيادة مقعدها نحو باب الشُقة، ثم خرجت منه وقامت بالإتصال على سعد الذي ينتظرها بالأسفل كي يصعد ويعاونها، بقيت إيمان بمفردها كما كانت دائمًا، وحيدة وإن كان الجميع حولها..

نظرت حولها، حتى ابنها لم يهتم بها، ومتى اهتم أحد بشأنها من الأساس، حتى زوجها الذي هجرها منذ سنوات ولا تعلم شيئًا عنه حتى الآن، لم يهتم بها گأي امرأة يومًا..
لم تنال حظًا سعيدًا في دنياها، محتمل إنها بغيضة القلب والنفس والروح، ولكنها بغيضة بقدر ما شعرت بوحدة وجفاف دائمًا، حتى أمها، تركتها للرفيق الأعلى مبكرًا، دار شريط حياتها أمامها گرحلة سارت فيها سنوات، متى فازت بشئ في هذه الحياة!، لم يحدث قط.

فقط إبن وحيد، ولا تملك سواه، وإن كانت تملكه أساسًا، فهو ملك لأسرته الآن.
تآوهت إيمان تأوه صادقة، ثم نهضت وهي تضم قبضتها على قلبها، مضت، طريقها مظلم غير معلوم وجهته، وهي، هي أبئس إنسانة على الأرض الآن.

مرت ساعتين، ساعتين وهو جالسًا على مقعد قديم مغلف بملاءة قديمة مغبرة، ينظر إلى الغافية على الفراش بسكون، وينتظر لحظة المواجهه، ولولا ضوء الليل المظلم، إلا أن هذا الضوء الخافت المتسلل من الأباجورة العتيقة ساعده ليري ما حوله جيدًا..
هنا في منزل ميسون القديم، ينتظر أن تفيق بفارغ الصبر، فقد أصر أن تكون مواجهتهم مختلفة عن البقيّة، هي المخلصة الوفية، ولا قدر لمخلوق گقدرها.

تحركت ميسون لتنام على جانبها، ف واجهت وجهه، فتحت عيناها ببطء شديد لترى ظله، استطاعت أن تكتشف هويته، ابتسمت بسعادة وهي تقول بصوت منخفض: - أنت جيت!، بقالي 3 أيام ب ارجوك تيجي في حلمي يافاروق، أخيرًا
كانت تعتقد إنها تراه في حلمها، ف نهض عن مكانه ليثبت لها أنه واقع تعيشه، جلس بقربها، ثم مسح على رأسها و: - أنا جيت ياميسون
فقالت بهذيان وهو تمسك بكفه: - ومشيت ليه طالما كنت هتيجي تاني
- سامحيني.

تشبثت بيده و: - خليك شوية، أنا مش عايزة انام لوحدي يافاروق، خدني معاك، أنا وحيدة أوي من غيرك.

أعتدل فاروق في جلسته ممدًا حتى أصبح جوارها لا يفرق بينهما سوى سنتيمترات، وبدأت هي تفيق رويدًا رويدًا، ضم أصابعه على أصابعها و: - أصحي ياميسون
- لأ، لو صحيت مش هشوفك تاني
- انتي شيفاني أساسا، أنا حي
ولمس وجهها، حدقت فيه قليلًا، وأطالت النظر لتفاصيل وجهه المحفورة بذهنها، ثم هبت معتدلة في جلستها، فركت عيناها وعادت تنظر إليه بعدم تصديق، تحسسته بكفيها فإذ به حقيقة، ابتلعت ريقها بتخوف و: - حي!
- آه.

صفعت ميسون نفسها صفعة مؤلمة أصابت وجهها بالإحمرار وعادت تنظر نحوه بتحديق، ف انتفض فاروق بفزع وهو يسألها: - بتعملي إيه بامجنونة؟!
- يعني أنا صاحية؟! صاحية وانت قدامي؟
هز رأسه بالإيجاب متخوفًا من رد فعلها القادم، فوجد صرخة مرتفعة دوت بالمكان وأصابت أذنيه بالألم صدرت عنها فجأة: - عاااااااااااااااااااااا.

حتى العمل والكد لم يطفئ نيرانه أو يخمدها، حاول أن يصب تلك الثورة العارمة بداخله عن طريق إلهاء نفسه بالمتكدسات التي تركها خلفه بالمكتب، ولكن مازال مشهد خروج الحي الميت من الردهه يطارده..
تأفف بانزعاج وهو يغلق الحاسوب الشخصي بإنفعال و: - استغفر الله العظيم، أعمل إيه انا دلوقتي؟!

ولجت رفيف عليه، وجلست على مسند الأريكة، حيث مالت بجسدها عليه و: - رائد، أنا حضرتلك عشا خفيف، قوم ياحبيبي ناكل سوا وسيبك من الشغل دلوقتي
وكأنه لم ينصت لكلمة واحدة مما قالت، حيث تحدث مثلما يكون في عالم آخر: - حتى ماما كانت عارفه، كانت شيفاني بتعذب وساكتة رغم إنها عارفه!، انتي مصدقة اللي حصل؟

هزت رأسها بالسلب و: - لأ، لحد دلوقتي حاسه إني بحلم
- محدش فكر فيا!، عشان كدا من هنا ورايح مش هفكر في حد غير نفسي
ثم نهض عن جلسته و: - مش عايز آكل، أنا هنام، لو منمتش هيجرالي حاجه
ومضى نحو غرفته، وبقيت هي في عجزها، لا تعرف ما الذي تستطع تقديمه له في وسط كل هذه الأزمات النفسية العصيبة التي يمر بها، وعندما تفكر من منظوره، فهو محق كُل الحق، ولو كان حجرًا ل انفلق نصفين من شدة ما واجه.

ورغم إنه يوم ملئ بالأحداث العملية داخل الشركة، إلا إنه كان متحمسًا لجميعها، حتى إنه انتهى من مرحلة كان يحمل همّ مسؤليتها مسبقًا.
فُتح باب غرفة المكتب وظهرت منه رفيف، حينما ألتفت رائد ليجدها أمامه، ف انفلتت منه ابتسامة عشوائية وهو يستقبلها: - رفيف!، نورتي المكتب
ثم قبّل وجنتيها و: - أقعدي
- هعطلك عن حاجه؟

عاد بظهره للوراء وهو يتحدث ببعض الإرهاق: - لأ، خلصت اجتماعات ومقابلات النهاردة، قوليلي إيه السبب اللي جابك هنا مخصوص
كشفت عن حقيبة تحمل بها طعامًا منزليًا فاخرًا قامت بصنعه خصيصًا من أجله، رفعت كل ما على سطح الطاولة، ثم وضعت الطعام عليها وهي تردد بحماسة: - أنت خرجت الصبح من غير فطار ولا حتى صحتني، مش معقول هتفضل طول اليوم من غير أكل.

انفتحت شهيته مع تلك الرائحة الطيبة، وهو يتأمل الأصناف المتنوعة، وردد بصوت مبتهج: - أنا جعان أوي فعلًا، بس كنت هستنى ناكل سوا
ناولته شوكة و: - وانا جيتلك بنفسي
غرزت الشوكة في الطعام ثم دستها بفمه وهي تردد: - يلا خد دي
أحتفظ الطعام بسخونته وكأنه مُعد في الحال، تلذذ بمذاقه الشهي بعد ساعات من العمل الطويل، ثم ردد وهو يلوكه بفمه: - أنا بحب الدلع وبتعود عليه على فكرة، خلي بالك.

فابتسمت وهي تدس الأخرى بفمه: - وانا موافقة
ثم تناولت بعض الأشياء لتشاركه رغم عدم رغبتها، وقبل أن تهتم به مرة أخرى، رفعت بصرها نحوه لتجد نظرات عاشق غارقًا فيها، يشكرها ويعترف بعرفانها منذ أن ظهرت في حياته، فدفعها لأن تتلمس وجهه و: - بتبصلي كدا ليه؟
واعترف لها أخيرًا بالرغم من غروره: - انتي كتير عليا يارفيف
تضايقت لسماعها ذلك، وتركت ما بيدها لتقول: - لسه برضو عامل بينا فرق، رائد إحنا واحد.

جذب كفها وطبع قُبلات عديدة في بطنهِ، ثم عاد ينظر إليها ببعض الحرج و: - آ، فلوسك اللي انتي اديتهاني، مضطر آخد منها جز...
- شششش
لثمت فمه بيدها، ثم تابعت: - دي فلوسك يارائد، كفاية تزعل فيا
أطبق جفونه و: - إن شاء الله كل حاجه تتصلح وأرجعلك أضعافهم، أوعدك
كانت طرقات قوية على الباب جعلت الاثنين ينتبهون، حيث دخل طارق ليراهم هكذا، ف حمحم وقد قرر الإنصراف حاليًا: - لما تفضى ابعتلي يارائد.

فبادرت رفيف: - طارق، في حاجه بتاعتك معايا
تنغض جبينه وهو يشملهم، ثم تسائل: - حاجه إيه!
أخرجت رفيف علبة الطعام المغلفة، ثم اقتربت منه و: - رائد قالي إنك بتحب الكُبيبة الشامي، عملتلك معانا
ارتفع حاجبيه وهو يلتقطها منها و: - رائد اللي قالك!؟
نظر بعينان جائعتان و: - بصي لو معجبتنيش هرجعهالك، كله إلا الكُبيبة عندي
ف ابتسمت و: - ماشي
ثم نظر باتجاه رائد وقال على مضض: - شكرًا
فقال رائد بفتور: - بالهنا ياطارق.

وخرج على عجل، بينما راقبها هو أثناء أقترابها و: - أنا قولتلك حاجه! وبعدين عملتي كدا ليه!
- عادي يعني يارائد ماما فريدة اللي قالتلي
تفهم مغزى فعلتها، وأفصح عنه: - أعتبر إنك بتصالحينا مثلًا!
ف غمزت له و: - مثلًا
ثم أزاحت ذراعيه وجلست أعلى ساقيه وبين أحضانه گطفلة هو أبيها، ورددت: - عجبك الأكل؟
ألصق شفتيه بوجنتها وهو يجيب: - أوي
ثم طبع قُبلة، وقُبلة، وأخيرًا قُبلة على شفتيها، وهمس: - ما تيجي نروح دلوقتي.

تحرجت وهي تدفن وجهها في عنقه قائلة بصوت منخفض: - عيب كدا احنا في المكتب
- ماانا بقول نروح عشان المكتب ده مقدس مينفعش يشهد على الحجات دي
ضحكت وأنفاسها الدافئة تداعب عضلات عنقه، فتزيد من شوقه لها أكثر وأكثر، لم يقاوم رغبته فيها أكثر، ف استعد على الفور و: - لأ مش قادر بقى
وجذبها خلفه نحو باب الخروج، فحاولت أن توقفه وهي تضحك لما أصابه فجأة من تأثيرها الذي طغى عليه: - استنى بس هلم العلب والأكل.

فلم يعبأ بشئ واستمر في طريقه: - هكلمهم لما ننزل وهنا يتصرفوا
ولم تكف عن الضحك مما أصابه على حين غرة من شغف بها وطمع لنيل المزيد، فهو لا يكتفي وإن مرت سنوات بينهما، تبقى هي شغفه الوحيد الذي تمناه ويتمناه.

ترك عماد المروحة الكهربية التي يقوم بتصليحها عقب أن استمع لجرس الباب، ثم مسح يده الملوثة بالتراب ومضى ليفتح الباب وهو يردد: - أيوة
فتح الباب، ليكون وقع المفاجأة عليه وقعًا مخيفًا مرعبًا وهو يرى فاروق أمامه الآن، رفع أصبع السبابة وهي يلقي الشهادتين قائلًا: - أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله..
وتراجع للخلف بذعر وهو يتابع: - سلام قولًا من رب رحيم، سلام قولًا من رب رحيم.

خطى فاروق خطوة واحدة وهو يحاول التبرير: - أنا آ...
- أوعى تقرب، بسم الله الرحمن الرحيم!، انت، آ، أنا مُت، مُت وبتحاسب دلوقتي!
- يا عماد أنا...
ونظر حوله جيدًا، ثم نزع نظارة النظر خاصته وهو يصيح بصوت مرتفع مبتعدًا عن باب الشُقة: - آ، لا إله إلا الله، لا إله إلا الله.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة