قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية إلى تلك الرائعة أحبك للكاتبة رضوى جاويش الفصل الثاني

رواية إلى تلك الرائعة أحبك للكاتبة رضوى جاويش الفصل الثاني

رواية إلى تلك الرائعة أحبك للكاتبة رضوى جاويش الفصل الثاني

وقفت تتطلع حولها تتأكد انها وصلت للعنوان الصحيح المدرج فى تلك القصاصة التى تحملها و تسمرت امام زجاج الواجهة تعدل من هندامها بعد ان اشترت ثوب جديد فى عجالة من متجر قريب من بيت نوال كى تصبح اكثر رسمية بدلا من ثيابها التى كانت قد اتسخت بالفعل من جراء هروبها و التى لم تكن تصلح من الاساس لما انتوت عليه، أصلحت من وضع حجابها الذى انحرف قليلا للخلف بسبب الزحام و الحر الشديد فى مثل ذلك الوقت من العام..

سمت الله و دفعت الباب الزجاجى الذى اصدر صوتا منغما لينبه من بالداخل ان احدهم دخل بالفعل، ظهر رجلا
من خلف ستار ما فى الجهة الخلفية تبعته امرأة يبدو انها اصغر منه سنا، استنتجت انهما زوجان..
اضطربت قليلا من نظراتهما المتفحصة و اخيرا استجمعت شجاعتها و اندفعت ترسم على شفتيها ابتسامة خجلى هاتفة: - السلام عليكم..

رد كلاهما السلام فى مودة طمأنتها لتستطرد وهى تمد كفها بقصاصه الإعلان التى كانت لاتزل بكفها هاتفة: - انا هنا من اجل ذاك الإعلان الذى فى الجريدة، أليس ذلك هو العنوان الصحيح!؟.
تناول الرجل القصاصة متطلعا اليها و هتف وهو يهز رأسه مؤكدا و هو يناول زوجه القصاصة لتتطلع اليها بدورها: - انه هو بالفعل، لكن للاسف ذاك الإعلان كان منذ ما يزيد عن شهر و لقد غيرنا رغبتنا فى البيع..

اكدت السيدة فى ابتسامة تؤكد قول زوجها: - نعم، الحمد لله لقد عدلنا عن البيع، كان قرارا متهورا استطعنا التراجع عنه لحسن الظن..
تنهدت غفران فى حزن هامسة: - حسنا، آسفة لأزعاجكما، وداعا..

واستدارت راحلة تجر ازيال الخيبة تشعر برغبة فى البكاء فقد انهار حلمها الذى بنت عليه كل قادم فى حياتها منذ اللحظة التى قررت فيها الهرب من مزرعة ابيها و الابتعاد عن كل ما يذكرها بحياتها السابقة و عمها القاسى و نادر ذاك الذى سلمته قلبها البكر لتستشعر معه مشاعر لم تخبرها يوما..
توقفت فجأة عندما نادتها السيدة تستوقفها هاتفة: - نحن بحاجة لمن يقوم بالخدمة فى المقهى لمساعدتنا، هل تقبلين!؟.

تطلع اليها زوجها هاتفا: - لكن يا هناء الحال ليست على ما يرام تلك الأيام حتى نستطيع دفع رواتب إضافية..
ساد الصمت و كلاهما يتطلع الى غفران التى هتفت فى سرعة: - لكنى جئت للشراء لا العمل، هذا ما جئت من اجله، انا على استعداد للشراء اذا كانت النية لاتزل متوفرة..
هتف منير مؤكدا: - لكننا تراجعنا كما أخبرتك و..

جذبته هناء جانبا و بدأت تهمس: - نحن لانزل بحاجة للمال حتى و لو غيرنا رغبتنا فى بيع المقهى، ما رأيك لو عرضنا عليها الشراكة!؟، يبدو انها فتاة طيبة و نحن بحاجة لمال و لشريك فى العمل كذلك..
همس منير: - هل تعتقدين انه قرار صائب!؟، اخاف ان..
أكدت هناء متحمسة: - لا تكن دوما قلقا هكذا، كن مقداما حبيبى، و الفتاة تبدو بالفعل من اصل طيب و..

هتف منير مقاطعا: - حسنا هناء فأنا اعلم انى لن أستطيع مجاراة قدرتك على الإقناع، فلنعرض عليها امر الشراكة فربما يكون المانع منها و ترفض..
هزت هناء رأسها موافقة و اتجهت الى حيث تقف غفران تتطلع اليهما فى حيرة و اضطراب فى انتظار انتهاء مباحثاتهما..
هتفت هناء متطلعة الى غفران فى مودة: - لا نية لنا فى بيع المقهى لكن ما رأيك فى الشراكة!؟.

هتفت غفران فى حماسة: - رائع بالتأكيد و هو اكثر مما كنت اطمح اليه، فى الحقيقة انا لم ادر مقهى من قبل و ينقصنى الخبرة التى تملكاها و احتاجكما معى..
هتفت هناء بدورها: - حسنا، ذاك رائع، فليكن اذن، سنحضر الاوراق القانونية اللازمة و مبارك علينا الشراكة يا..
هتفت غفران: - غفران، أسمى غفران..
هتفت هناء بود: - اسم جميل لفتاة جميلة حقا، سعيدة بشراكتك غفران..

مدت غفران كفها تلتقط كف هناء التى قدمتها فى سعادة مرحبة بها مستطردة: - سنكون بانتظارك غدا فى نفس الموعد لتوقيع أوراق الشراكة فى وجود محام ليحفظ لكلانا حقوقه، أليس كذلك!؟.
هزت غفران رأسها فى تأكيد هاتفة: - صدقتى، الى الغد اذن..

واستدارت راحلة و هى تكاد تطير فرحا فقد تيسر الامر من حيث لا تدرى و لا تحتسب، و ما ان همت بالخروج حتى تذكرت ان عليها عدم العودة لبيت نوال فهى على يقين ان عمها لن يترك مكانا يمكن ان يتوقع وجودها به و لا يبحث فيه لذا استدارت تتساءل فى تردد و بنبرة محرجة متنحنحة: - معذرة، هل يمكن ان تدلانى على فندق قريب وأمن يمكن ان ابيت فيه لعدة ليال!؟.

نظر كل من منير و هناء لبعضهما ليهتف منير متسائلا: - يبدو انك غريبة!؟.
اكدت غفران: - انا كذلك، انا من خارج البلدة، و لا اقرباء او معارف يمكن ان ألجأ اليهم..
هزت هناء رأسها تفهما مؤكدة بنبرة ام حانية رغم انها تكبر غفران بعدة سنوات فقط: - و الفندق ليس امن لفتاة وحيدة، لكن هنا الامر مختلف، و نظرت لزوجها مستطردة بنظرة واثقة: - أليس كذلك منير!؟.

تطلع منير اليها غير مدرك لما ترم اليه زوجته لتستدرك هناء مؤكدة و هى تربت على كتف غفران: - صدقا لقد شعرت براحة عجيبة منذ اللحظة التى وقع فيها ناظرى عليكِ، و لولا ذلك ما عرضت عليك الشراكة و لا ما سأعرضه عليك الان..

تطلع اليها كل من منير و غفران على حد سواء لتستدرك هناء متطلعة لمنير: - منذ فترة لتحسين اوضاعنا المادية قبل التفكير فى بيع المقهى عزمنا انا و زوجى على تأجير بعض غرف منزلنا الذى يعلو المقهى و يشغل مساحته تقريبا و هى مساحة شاسعة بالنسبة لزوجين وحيدين لم يرزقهما الله بالأطفال بعد و يبدو انه لن يحدث فى القريب العاجل..

همست هناء بكلماتها الاخيرة فى غصة حاولت ان تداريها والتى ابتلعتها فى صعوبة رافقتها دمعات أبت الهطول مستكملة حديثها: - و الان ليس استثناءً غفران، يمكنك ان تنالى احدى تلك الغرف و استئجارها، ما رأيك!؟.

تطلعت غفران مشدوهة لهناء غير قادرة على النطق بحرف واحد لفرط سعادتها فها قد حُلت كل مشاكلها دفعة واحدة و شعرت ان دعاء طاهر من قلب اطهر يتعقب خطواتها لتنل ذاك التوفيق المبهر الذى ما كانت تتوقعه فى اروع تخيلاتها..
تنبهت غفران انها لم ترد بعد على تساؤل هناء لذا هتفت مؤكدة: - هل تساءلين!؟، بالطبع اقبل عرضك الكريم و لا اعلم كيف ارد لك ذاك الجميل!؟.

هتفت هناء فى حنو: - عن اى جميل تتحدثين!؟، ستستأجرين الغرفة و نكون شركاء فى المنزل و المقهى، لا شئ بلا مقابل صغيرتى، و لا شبهة لجميل فى الامر، لكن اين متعلقاتك!؟.
ترددت غفران متلجلجة: - لا املك اى متعلقات فى الوقت الحاضر، لكن سأبحث عن بعض المحال القريبة ابتاع منها بعض الأغراض الضرورية..

هتفت هناء متحمسة: - هيا اذن، فمنذ فترة طويلة لم اذهب فى جولة للتسوق، سأرشدك لبعض المحال التى ستحبينها بالتأكيد..
هتفت غفران فى سعادة: - لا اعلم ما اقول، انا ممتنة لك بحق..
خلعت هناء مريول المطبخ الذى كانت ترتديه و جذبت غفران من كفها لتلحق بها مندفعة من باب المقهى هاتفة: - دعِ الامتنان لاحقا حتى نحضر ما انتِ بحاجة اليه، هيا الى التسوق..

اتسعت ابتسامة غفران و هى تتبع هناء التى كانت تسير فى حماسة منقطعة النظير
و كأنها طفلة تكاد تقفز فى انبهار ما ان أخبروها انها فى طريقها للملاهى..

مرت الأسابيع على ما يرام أظهرت فيها غفران موهبتها فى تحضير قوالب الحلوى التى اصبح لها زبائنها الذين يأتون خصيصا من اجل تناولها مع بعض انواع الحساء التى كانت قد تعلمت أعدادها من امها رحمها الله و التى لاقت استحسانا بدورها..

و اليوم ليس استثناء فقد جاء بعض رواد المقهى المعتادين فى مثل ذلك الوقت من النهار و بدأت فى تحضير طلباتهم التى بدأت تحفظها بالفعل، الا ذاك الوارد الجديد الذى جلس يتناول حساءه برتابة عجيبة اقلقتها..
اشارت غفران لذاك الجالس فى الركن البعيد يتأفف و قد شعرت بالقلق بشكل مبهم لمظهره الذى كان يوحى بنزقه..

همست هناء فى قلق مماثل: - لديك حق فى قلقك، مظهره غير مطمئن بالمرة و ما يقلقنى اكثر ان المقهى خال تقريبا فى تلك الساعة من النهار كما ان منير ليس هنا..
همست غفران: - ستمر على خير باذن الله، ربما ان الحساء لم ينل استحسانه!؟.
همست هناء: - اتعشم ان يكون الامر كذلك..
ما ان أنهت جملتها حتى اصدر باب المقهى صوته المنغم معلنا عن قدوم احدهم..

كانت غفران فى طريقها لتحمل بعض الاطباق الفارغة من على احدى الموائد التى غادر زبائنها منذ فترة قصيرة و ما ان همت بالعودة للداخل حتى وقع عليها ظل ضخم أشعرها ان نهارها الساطع قد تحول لليل حالك السواد فجأة..

رفعت رأسها لا أراديا و كادت ان تفلت منها شهقة دون وعى و هى ترى ذاك القادم الذى تجاهلها تماما و اتجه لطاولة نائية و جلس فى اعتداد اثار حفيظتها فأتجهت فى ذعر للداخل هاتفة لهناء حتى تعيرها انتباهها: - انظرى الان، هذا ما كان ينقصنا مع وجود ذاك الاحمق الاخر..
هتفت هناء فى توتر و هى تلقى بنظراتها لصالة المقهى من خلف استار المدخل المفضى للمطبخ: - ماذا هناك!؟، و كادت تصرخ مستطردة: - من هذا!؟، هوجان..

كادت غفران تنفجر ضاحكة لولا نبرة الذعر البادية فى صوت هناء التى هتفت فى غضب: - اين أنت يا منير!؟، أخبرتك الا تذهب، فإحضار الخامات كان يمكن تأجيله قليلا..
همست غفران فى اضطراب: - من سيذهب ليأخذ طلبه!؟، فلا اعتقد اننا قادرتان على صد نوبة ذاك العملاق..
تحججت هناء هاتفة: - انه دورك للذهاب كما أن كفىّ مغروستان فى العجين كما ترين..

تنهدت غفران و هى تنظر لهناء فى غيظ فانفجرت الاخيرة ضاحكة و هى تراها تتعوذ و تندفع للخارج تقدم قدم و تأخر اخرى و هى تتجه لطاولة ذاك الضخم و ما ان وصلت اليها حتى همست بصوت متحشرج: - تحت امرك، ماذا تطلب!؟.
لم يرفع نظراته اليها بل ظلت معلقة بقائمة الطعام التى كان يقلب فيها منذ جلس، تذكر تلك الرائحة الشهية التى وصلت اليه من داخل ذاك المقهى و قرر التوقف بدراجته البخارية خارجه حتى يتناول القليل منه..

همس فى نزق و هو يسترخى على كرسيه و يرفع ناظريه اليها للمرة الاولى: - بعض من حساءكم المميز..
و اشار الى صنف فى القائمة، هزت رأسها و هى تكتب طلبه و رقم طاولته هامسة فى تأدب: - لك ما طلبت سيدى..
و اندفعت لتجلب له الحساء و تمنت من اعماق قلبها ان يعجبه فيكفيها متأفف واحد لازال يجلس بركنه دون ان يبرحه و يغادر فتسريح و تهدأ أعصابها المشدودة كمطاط..

عادت بطبق الحساء و وضعته امامه فى مهارة وأحنت رأسها مع ابتسامة مجاملة و هى تراه يعتدل فى بطء قط برى و يمسك بالملعقة ليبدأ فى تناول حساءه..
عادت القهقهرى مبتعدة عنه و ما ان همت بالاستدارة عائدة للمطبخ حتى انتفض ذاك الزبون الممتعض هاتفا فى ثورة: - ما هذا القرف!؟، ذاك الحساء حثالة لا تستحق ان يٌدفع مقابل تناوله النقود..

استجمعت غفران شجاعتها و هتفت محاولة اخراج نبرات صوتها ثابتة و حازمة: - لم يجبرك احدنا على تناوله، انت من طلبته وتناولته بكامله تقريبا بالمناسبة، اذن عليك دفع ثمنه، و الا أبلغت الشرطة..

ثار الرجل و دفع بالطبق من فوق الطاولة بعنف مما دفع بغفران للتراجع عن مسار الطبق الطائر و جاءت هناء من الداخل على اثر ذاك الضجيج لتقف مبهوتة بالقرب من غفران و قامت بالتدخل هاتفة: - لا عليك، يمكنك الرحيل و اعتبر هذا الحساء هدية من المقهى..
هتفت غفران فى غضب: - بل سيدفع ثمن الحساء و لن يرحل قبل ذلك، انه نصاب، يحاول ارهابنا بعلو صوته..

اندفع الرجل فى غيظ باتجاه غفران صارخا: - حسنا، على ان اجرب طرقا اخرى لإرهابك اذن طالما ان صوتى لم يقم بما يلزم..
ما ان هم الرجل بالانقضاض على غفران فى وحشية حتى نهض ذاك الضخم هناك و الذى كان يتجاهل ما يحدث فى لامبالاة عجيبة و فى ثوان كان يقف فاصلا بين غفران و الرجل الثائر دافعا اياه بعيدا عنها هاتفا بصوت جهورى ارعب الجميع: - هل ستتطاول على النساء يا عديم النخوة!؟.

هتفت هناء فى اضطراب و رجاء: - سيدى، لا نريد شجارا داخل المقهى ارجوك، و نحن نسامحه فى ثمن الحساء..
جذب الضخم ذاك الرجل من سترته هاتفا من بين اسنانه: - بل سيدفع، و اشار لغفران هاتفا: - الانسة على حق، لقد نال خدمة و عليه دفع ثمنها كاملا سواء أعجبته ام لا، و سنكون شاكرين ان لم يرنا وجهه هنا مجددا..
وهز الرجل فى ثورة مهددا اياه: - أليس كذلك!؟.
هز الرجل رأسه فى استسلام هاتفا فى عجالة: - بلا، بلا..

واخرج من جيبه بعض النقود تناول منها ذاك الضخم ما اعتقد انه كاف كثمنا للحساء و ناوله لهناء التى أخذتها بكف مرتجف و تطلعت كلتاهما له و هو يجذب ذاك الرجل الذى شعرت هناء بالشفقة عليه رغم ما فعل و هو يساق بتلك الطريقة بين كفى ذاك العملاق ليلق به خارج ابواب المقهى و يعود من جديد فى هدوء تام ليجلس على طاولته يتناول حساءه فى استمتاع كأن ما حدث منذ لحظات ما عكر صفوه و لو للحظة، و ما اثر على شهيته مطلقا..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة