قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية إلى تلك الرائعة أحبك للكاتبة رضوى جاويش الفصل الثالث

رواية إلى تلك الرائعة أحبك للكاتبة رضوى جاويش الفصل الثالث

رواية إلى تلك الرائعة أحبك للكاتبة رضوى جاويش الفصل الثالث

هتفت هناء بغفران فى لهفة و هى تندفع لداخل المطبخ حيث تعد غفران حساءها الذى اصبح مطلبا أساسياً لمعظم ذبائن المقهى: - غفران، احذرى من بالخارج!؟.
هتفت غفران بلامبالاة مازحة: - من يا ترى!؟، احد المطربين ذائعى الصيت
ام..
لم تمهلها هناء إكمال تهكمها وهتفت: - انه ذاك الضخم الذى انقذك منذ ايّام من محاولة ذاك النصاب الاعتداء عليكِ، اتذكرين!؟

اومأت غفران برأسها: - بالطبع اذكر و هل مثل ذاك الضخم يمكن نسيانه، عندما رأيته للوهلة الاولى اعتقدت مذعورة انه استنشق أكسجين المقهى بكامله..
قهقهت هناء هاتفة: - عندك حق، رجل بهذا الحجم و الطول ليس من السهل تجاهله، فحضوره يفرض نفسه بالتأكيد..

قالت هناء كلماتها الاخيرة بنبرة ذات مغزى و هى تنظر الى غفران فى تخابث مما استرعى انتباه غفران لتنظر اليها بتعجب هاتفة: - انت تمزحون!، اعجب برجل لم أره الا مرة واحدة لانه كان شهم بما فيه الكفاية ليدافع عنى ضد رجل نصاب!؟، ان هذا لسخف و لا يحدث الا فى الروايات العاطفية و التى ادركت مدى تفاهتها و معارضتها للواقع منذ زمن..

و تذكرت خيبة املها فى خطيبها الذى رحلت هاربة منه قبل زفافهما بساعات، واستطردت فى حسرة: - ان ذاك المدعو الحب و تلك المشاعر السخيفة كلها ترهات و اكاذيب..
صمتت للحظات و هتفت تغير ذاك الموضوع الذى ينكأ جرحا لم يندمل بعد: - هل اخذتى طلبه ام اننا نتسامر هنا و هو ينتظر من يخدمه!؟.
ابتسمت هناء مؤكدة انها فعلت هاتفة: - لابد وانه وقع فى غرام حساءك المميز، فلقد طلبه مجددا، سأذهب لأعد له طبقا و..

دخل منير فى تلك اللحظة من الباب الخلفى للمقهى و المطل على ذقاق ضيق يفتح على المطبخ مباشرة..
هتفت هناء تجذبه للخارج: - تعال يا منير، ها هو ذاك الضخم الذى انقذ غفران و الذى أخبرتك عنه..
أنهت غفران إعداد طبق الحساء و هتفت لهما: - الحساء جاهز فليأخذه أحدكما اليه..
ليس من اللائق تركه ينتظر..
هتف منير لغفران: - اذهبى و قدميه انتِ و انا سأكون معكِ لأشكره..

اندفعت غفران خارج المطبخ بصينية التقديم تحمل طبق الحساء و خلفها منير و ما ان اقتربت من طاولة ذاك الضخم حتى اعتدل من استرخائه المعتاد و انتظر ان يُوضع الطبق امامه و ما ان وضعته غفران فى تأدب و هم بتناول اول ملعقة حتى ظهر منير هاتفا فى ترحاب: - مرحبا سيدى لن اعطلك عن تناول حساءك ساخنا و لكنى وددت ان اشكرك لما قمت به لإنقاذ غفران من ذاك الاحمق..

هتف الضخم فى هدوء و بصوت أجش و نبرة قوية: - لا عليك و لا داعٍ للشكر، فعلت الواجب لحظتها..
واشار حيث كانت تقف غفران صامتة و هتف: - و الانسة غفران كانت محقة فى موقفها تجاهه، انه نصاب وجبان و لقد لاحظته منذ الدقائق الاولى لدخولى..
هتف منيرممتنا: - على ايه حال كل الشكر لك و تناول حساءك و اعتبره هدية من المقهى..

بدأ الضخم فى تناول حساءه باستمتاع و نظراته تسقط على غفران فى ذهابها و ايابها و ابتسم شاردا عند ملاحظته طول قامتها الذى لا يتجاوز المتر و نصف المتر تقريبا و لكن رغم ذلك كانت تقف امام ذاك النصاب بعزم رجل لا يهاب شيئا..
هم بالرحيل و قد وضع ثمن الحساء على الطاولة و ما ان هم بالخروج حتى هتفت خلفه غفران: - سيدى، الحساء هدية من المقهى، ألم يخبرك السيد منير بذلك!؟.

استدار فى هدوء يتطلع الى الأسفل حيث كانت تخاطبه فقد كان فارق الطول و البنية بينهما شاسع و هتف: - انا لا أتقاضى اجرا على المعروف انستى حتى و لو كان مغلفا على هيئة هدية..
همت بالتحدث موضحة وجهة النظر التى تبناها منير الا ان منير نفسه ظهر من الداخل هاتفا وقد ادرك سبب الحوار الدائر بينهما: - و ما رأيك بتقاضى اجرا من اجل العمل!؟.
هتف الضخم متعجبا: - عمل!؟، اى عمل!؟.

هتف منير و هو يتنحى بالرجل جانبا: - ان كنت بحاجة لعمل، فلدى فرصة عمل لك هنا بالمقهى..
بهت الرجل للحظة و تحشرج صوته: - عمل بالمقهى!، اى عمل قد يناسبنى هنا!؟.
هتف منير رابتا على كتف الرجل الذى كان كتفه يتجاوز هامة منير طولا بعدة سنتيمترات: - حارس..
هتف الرجل بدهشة: - حارس لمن!؟.

هتف منير مبتسما: - حارسا للمقهى من المتطفلين و النصابين أمثال ذاك الاحمق الذى تعاملت معه منذ ايّام، انا بحاجة لرجل مثلك اعتمد عليه فى أوقات عدم تواجدى بالمقهى لقضاء بعض الاعمال بالخارج وساعتها اضطر لترك النساء بمفردهن، بالمناسبة، ما اسمك!؟.
مد منير يده محييا ليمدها الرجل بدوره مبتسما: - اسمى يوسف، لكن يمكنك مناداتى بچو، كالجميع..

ابتسم منير و هو يهز كف الرجل فى ترحاب: - تشرفت بمعرفتك يا چو، ماذا عن عرض العمل!؟، هل وافقت..!؟.
ابتسم يوسف مؤكدا: - لما لا!؟، انا كنت بالفعل فى سبيلى للبحث عن عمل و مكان للمبيت، ها قد توفر العمل و ينقصنى مكان لأبيت فيه، ألا تعرف اين يمكن..

اتسعت ابتسامة منير مقاطعا اياه و هو ينظر الى غفران فقد جاءت لشراء المقهى و البحث عن مكان للإقامة لتخرج منه شريكة و مؤجرة لأحدى الغرف بالطابق العلوى و يبدو ان هذا اليوسف سيكون له نفس المصير: - لدينا غرفة شاغرة بالأعلى يمكن تأجيرها لك اذا كان لك رغبة فى ذلك، فالمنزل بالأعلى واسع و نحن نؤجر الغرف لمن يطلب..
هتف يوسف فى حماسة: - رائع اذن، سأذهب لإحضار اغراضى و اعود سريعا..

اندفعت غفران خلف منير الذى دلف للمطبخ حيث تقف هناء هاتفة فى غضب مكبوت: - كيف تعين ذاك الرجل يا منير!؟، نحن لا نعلم عنه شيئا، هل انت موافقة على قرار كهذا يا هناء!؟
هتفت هناء فى دلال: - و كيف يمكن ان ارفض قراراً اتخذه منير!.

كانت غفران تدرك ان منير لا يمكنه اتخاذ قرار ما دون استشارة هناء و الرجوع اليها و العكس كذلك صحيح فهذا ما أدركته من معاشرتها لهما خلال الأسابيع الماضية كان كلاهما فريق رائع يعمل بانسجام تام و يدرك تماما معنى الشراكة الحقيقة لذا نظرت الى هناء نظرة من يدرك بواطن الامور مما جعل هناء تنفجر ضاحكة و قد ادركت ان غفران اكتشفت انها تعلم رغبة منير فى توظيف الرجل..

لذا هتفت غفران بضيق: - و ماذا عنى!؟، لما لم يأخذ أحدكما رأيي فى توظيف ذاك العملاق، ألم تر مظهره منير، و انتِ يا هناء!؟، انه اشبه بالهيبز، عقدة شعر تشبه ذنب حصان و لحية، بجانب ضخامته التى تثير الذعر، نعم لقد انقذنى من سخافات ذاك النصاب، لكن اهذا كافً ليكون بيننا!؟، كيف وافقتما على تعيين ذاك الضخم بالله عليكما!؟.

هم منير بأن يذكرها ببنود العقد بينهما و التى تخول له تعيين من يراه مناسبا لأى وظيفة بالقهى لانه مدير المقهى و المشرف على شؤونه دون الرجوع الى باقى الشركاء الا ان يوسف ظهر فجأة على اعتاب المطبخ مشيرا الى حقيبة صغيرة كان يحملها فى سلاسة تامة أحضرها حيث كان يضعها خلف دراجته البخارية هاتفا: - لقد احضرت اغراضى و عدت..

ونظر الى غفران هاتفا فى لهجة تأكيدية و قد كان من الواضح انه سمع اعتراضها الاخير على تعيينه: - بالمناسبة أسمى ليس الضخم بل چو..
هتفت فى ثبات رغم ارتجاج حواسها و هى تواجهه: - كنت اعتقد انه يوسف..!.
شعر بارتجافة عجيبة فى مكان ما داخله و هى تنطق اسمه بهذا الشكل الساخر و البعيد تماما عن اى دلال قد يثير مثل تلك الارتجافة التى اثارت حيرته..
هتف متحشرج الصوت: - انا لا احب ذاك الأسم، افضل چو..

هتفت غفران و هى ترفع رأسها فى اعتداد و قد قررت اغاظته: - مرحبا بك بيننا اذن يا سيد، يوسف..

و مرت بجواره راحلة خارج المطبخ و قد اثارت حنقه و جعلته يجز على اسنانه غيظا مما استرعى انتباه كل من هناء و منير اللذان كانا يكتمان ضحكاتهما على شجار النقيضين الدائر امامهما، و ليهدئ منير الموقف هتف مخرجا يوسف من شروده فى تلك القصيرة التى اثارت ثائرته و رحلت: - تعال لتشاهد غرفتك بالأعلى، و ربما تنال قسطا من الراحة قبل الانضمام الى العمل فى نوبة المساء التى تبدأ من السادسة..

هز يوسف رأسه موافقا و تبع منير للأعلى فهو بالفعل فى حاجة للراحة بعد ايّام قضاها رحالا على دراجته البخارية..
و لم ينس ان يلق بنظراته على تلك القصيرة التى كانت تتحرك بنشاط و همة بين الطاولات كنحلة دؤوب تجمع رحيق الأزهار وهمس داخله فى عزم: - سنرى من سيكون له حلاوة العسل فى النهاية، و من سينل القرصات فقط، يا نحلتى..

مر اليوم بسلام و خاصة ان غفران اختفت معظم الوقت فى المطبخ و لم تظهر فى قلب المقهى لتقديم الطلبات، اما عن يوسف فقد استلم عمله فى النوبة المسائية ليقف بهلته الضخمة التى تثير الحفيظة و تجعل كل من يدخل الى المقهى يلقى عليه نظرة متفحصة ثم يذهب يجلس على طاولة اختارها دون ان يحاول اختلاق المشاكل اى كان نوعها فقد كان حضوره كافيا ليرهب المشاكل نفسها و ليس صانعيها فقط..

انتهى اليوم بسلام و اغلقت ابواب المقهى و بدأ الكل فى الانسحاب الى غرفته فى إرهاق ظاهر..
لم يرها يوسف الا و هى تمر امامه بقامتها العجيبة تلك متجاهلة اياه و ما ان وصلت غرفتها التى كانت بجوار حجرته مباشرة لا يفصلهما الا جدار حتى دخلت و اغلقت بابها خلفها فى هدوء..

تمدد هو على فراشه و اخذ يفكر فى ما فعل طوال نهاره و تعجب من نفسه كيف له قبول وظيفة ليس اهلًا لها و ليس بحاجة اليها من الاساس!؟، و لما قبل بها و هو الذى كان يفضّل حياة الترحال و التنقل و قد اقسم ان لا يمكث فى مكان واحد اكثر من ثلاثة ايّام!؟.

تنهد و قرر ان يلقِ بتساؤلاته جانبا و يخلد لنوم هادئ يتمنى لو يزوره اليوم على خلاف كل ليلة، ما ان هم بغلق عينيه محاولا استجلاب النعاس الى جفونه حتى تنهد فى ضيق و هو يستمع الى تلك التمتمة التى تأتيه من الجدار الفاصل بينه و بين جارته القصيرة تلك و التى تشبه الدمى طولا و هيئة، كان فراشه موضوعا جوار الحائط الذى يقوم بين غرفتهما لذا استرق السمع ليدرك اخيرا ان تلك الهمهمات ما هى الا آيات من القران الكريم تخرج من قلب مذياع تفتحه هى..

تنهد فى ضيق و حاول النوم لكنه تعلل ان صوت تلك الهمهمات المقدسة هى التى تثنى النوم عن زيارة جفونه..
انتفض فى غضب و طرق عدة طرقات على الحائط لعلها تدرك انها ليست وحدها هنا وانه يجب عليها مراعاة جيرانها..
انتبهت هى لتلك الطرقات فانتفضت موضعها تتطلع حولها فى ذعر واخيرا ادركت مصدرها و نفخت فى غيظ و هتفت فى غضب: - ماذا هناك!؟.

هتف بدوره من خلف الجدار بصوته الاجش الذى يثير شئ ما كامن بداخلها أسمته هى الذعر: - اغلقى ذاك الشئ الذى يهمهم لديك ِ، انه يصل الىّ و لا أستطيع النوم..
هتفت فى اصرار: - لا، انا لا أستطيع النوم الا و القران الكريم يُقرأ جوارى..
هتف بدوره: - نحن لسنا بالمقابر، اغلقى ذاك الشئ اريد ان اناااام..
هتفت بغيظ: - لا، لن اغلقه و افعل ما يحلو لك، انا داخل غرفتى و افعل ما يروق لى فقط..

زفر فى ضيق و فكر فى نقل الفراش فى اتجاه اخر بالحجرة حتى يستطيع ان يغفو لكنه تذكر ان ذلك يمكن ان يحدث جلبة فى مثل تلك الساعة على الرغم من ان غرفة منير و هناء على الجانب الاخر من الرواق الا انه اثر الا يحدث ضجة تثير حفيظتهما.

زفر من جديد و اقسم ان يلقن تلك القصيرة درسا على وقاحتها و امسك احدى الوسائد و وضعها فوق رأسه حتى يستطيع النوم فى هدوء بعيد عن همهمات مذياع تلك العنيدة على الجانب الاخر من الحائط القائم بينهما و الذى يود لو اخترقه اللحظة حتى يعلمها ان تطيع اوامره، و يجعلها تدرك ان ذاك الضخم كما كانت تدعوه قادر تماما على السيطرة على ناريتها التى تشتعل لتحرقه هو فقط دون الجميع، و تذكر كيف كانت معترضة على تعيينه لمظهره المتحرر بهيئة شعره الذى يربطه خلف رقبته و شاربه و لحيته الغير حليقة و ملابسه الحديثة الطراز، انها متزمتة، بحجابها الذى يغطى رأسها طول الوقت و ملابسها الفضفاضة و الان نومها على صوت القران، انها ذات رأس متحجر و عقل متصلب جامد، لكنه قادر تماما على تليين الصخر، و سيفعل..

.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة