قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية إلى تلك الرائعة أحبك للكاتبة رضوى جاويش الفصل الرابع

رواية إلى تلك الرائعة أحبك للكاتبة رضوى جاويش الفصل الرابع

رواية إلى تلك الرائعة أحبك للكاتبة رضوى جاويش الفصل الرابع

كان المقهى مكدسا ذاك اليوم و كانت الطلبات على اشدها و الكل يعمل على قدم وساق لتقديم افضل خدمة ممكنة ترضى اذواق الذبائن الذين بدأوا يعتادون مقهاهم و يرتادوه بشكل منتظم، و ما ان بدأ ضغط العمل يخف قليلا حتى سُمع صوت جلبة خفيفة بالخارج و فجأة شهقت غفران فى صدمة و هى ترى ذاك الرجل ممددا ارضا بجوار اقدامها و يوسف يقف بهيئته المخيفة على اعتاب المطبخ..

هتفت غفران فى ذعر و هى تنظر بشكل مضطرب للرجل الملقى بالقرب منها ينظر اليهما فى فزع واضح وأخذت تقلب نظرها بين يوسف الذى يتطاير الشرر الغاضب من عينيه فأستحال لونها للون زعفرانى عجيب ارهبها و بين الرجل المسكين تحت اقدامها: - ماذا يحدث هنا!؟، من هذا!؟.
هتف يوسف من بين اسنانه: - انه نصاب اخر جاء يتناول الطعام و ما ان فرغ حتى ادعى انه لا يملك مالا ليقدمه نظير خدمات المقهى..

تخصرت فى غضب ناظرة الى يوسف و هتفت فى سخرية: - و ماذا علىّ ان افعل به!؟، اقطعه ليُقدم فى وجبة العشاء!؟.
بُهت لون الرجل الذى لايزل يلقى بنظراته بين معتقليه لما قالته غفران الا ان يوسف اجاب بجدية متجاهلا تهكمها: - دعيه يغسل الصحون ثمنا لوجبته التى تناولها، فليعمل نظير ما قُدم اليه من خدمات و الا سأضطر لإبلاغ الشرطة..

هنا انتقض الرجل فى ذعر هاتفا: - بل سأعمل بالتأكيد، سأقوم بأى عمل تكلفنى به لكن لا إبلاغ للشرطة رجاءً..
هز يوسف رأسه فى رضا و نظر الى غفران هاتفا: - دعيه يقوم بغسل الصحون المكدسة تلك..
لم ينتظر الرجل امر غفران بل اندفع فى اتجاه حوض الجلى و بدأ بالفعل فى غسل الصحون..
تابعته غفران بناظريها فى هدوء و ما ان شعر يوسف باستقرار الوضع حتى عاد لداخل المقهى من جديد تاركا المطبخ..

تنهدت غفران فى ضيق و هتفت للرجل معاتبة: - لما فعلت ذلك!؟.
لم يحر الرجل جوابا فأستطردت هى متسائلة فى إشفاق: - هل كنت جائعا!؟.
هز الرجل رأسه مؤكدا و لم ينبس بكلمة تذكرت غفران استطلاع حظها اليومى الذى تقوم به كل صباح بمصحفها و طالعتها لحظتها الآية الكريمة التى تحض على الإطعام لوجه الله لا طلبا فى الجزاء او الشكر لتهتف غفران فجأة بحزم: - دع عنك ما تفعل..

همس الرجل ناظرا لباب المطبخ المفضى لصالة المقهى فى اضطراب: - لكن السيد بالخارج..
قاطعته غفران فى هدوء: - لا عليك، هيا أرحل من هنا..
هتف الرجل متعجبا: - ارحل!؟، لكنى لم ادفع ثمن الوجبة و لم ان..
قاطعته غفران مبتسمة فى تعاطف: - لا ثمن لوجبة مجانية يا اخى، ارحل واعتبر هذه الوجبة هدية من المقهى..

نظر اليها الرجل فى امتنان و اندفع باتجاه باب المطبخ الخلفى المفضى للذقاق الضيق خلف المقهى و قبل ان يختفى خلفه هتفت به غفران: - و رجاءً لا تكرر ما فعلت و حين يضيق بك الحال تعال الى وستجد وجبتك المجانية فى انتظارك...
هتف الرجل بصوت متحشرج تأثرا: - شكرًا..
واندفع خارجا من الباب الخلفى للمطبخ..

لحظات و هل يوسف بطلته التى تشعرها بضيق المكان مهما كان اتساعه و تطلع حوله فى دهشة وتساءل: - اين ذهب الرجل!؟، الاطباق مازالت مكدسة، و..
هتفت غفران مقاطعة اياه: - لقد رحل، او بالأدق تعبيرا جعلته يرحل..
هتف جازا على اسنانه و هو يقترب فى بطء: - لما!؟، هااا، لما تركته يرحل دون ان يسدد دينه!؟.

هتفت غفران بثقة و ثبات تحاول ادعائهما و هويتجه اليها بهذا البطء المخيف: - لا دين له عندى، سامحته و انتهى الامر..
هتف يوسف صارخا: - ماذا فعلتِ يا امرأة!؟، سامحته..!؟.
هتفت غفران بصدمة: - ماذا قلت لتوك!؟ وجزت على أسنانها بغيظ مستطردة، اياك ثم اياك ان تنادينى بذاك اللقب من جديد..

هتف مؤكدا: - بل سأفعل، لانك تتدخلين فى صميم عملى، تركك لهذا النصاب سيجعلنا محط أنظارأمثاله و سيجتمع علينا حثالة البشر من عينته القذرة، انا ادرى منكِ بأمثال هؤلاء..
هتفت غفران مؤكدة وجهة نظرها: - لم يكن نصابا، كان لا يملك ثمن وجبة، كان جائعا و محتاجا، لما لا نمد له يد العون، الا رحمة لديك!؟.

هتف يوسف فى محاولة لكبت غضبه: - نحن هنا بمقهى لا بدار للعجزة والأيتام، ابحثى عن الرحمة هناك، هنا لا مجال لتلك السخافات..
هتفت صارخة: - سخافات!؟، و ما المتوقع منك فى الاساس!؟، بالتأكيد لم و لن تدرك تلك المعانى المسماة بالرحمة و الشفقة، خلف هذا الجسد الضخم و ذاك المظهر يوجد قلب لا يدرك معنى الانسانية، و ان الله..

هتف يوسف مقاطعا إياها فى سخرية: - الله!؟، هل تؤمنين حقا بوجود آله يسير لنا حياتنا!؟، تؤمنين بتلك الخرافات التى تخيف الاطفال عن وجود ما يسمى بالجنة و النار و الحساب..!؟.
شهقت غفران فى صدمة ووضعت كفيها معا على فمها، بما يهز ذاك الرجل!؟ انه، انه لا يُؤْمِن بوجود اله واحد يحكم هذا الكون و ينظم قوانينه، انه..

هتفت غفران ما ان تمالكت نفسها: - هل ما سمعته منك صحيحا!؟، هل انت واعِ لما قلته!؟، ان هذا شرك بالله، أتعرف ما يعنى ذلك!؟.
لم تستطع نطق الكلمة، مجرد نطقها..
ليهتف هو لامباليا: - لا يهمنى ما هو مسماه، انا لا اؤمن بوجود اله ناديته كثيرا ولم يسمع و دعوته كثيرا و لم يستجب، لذا ايقنت انه ليس هناك ما ندعوه الها من الاساس، و ان ذلك ما هو الا كذبة اختلقناها..

هتفت غفران فى صدمة: - لا حول و لا قوة الا بالله، الهداية من عندك يا رب، هداك الله..
كررت كلمتها الاخيرة و اندفعت خارج المطبخ فى سرعة تاركة اياه يزفر فى ضيق و يحاول ان يتجنب النظر الى منير و هناء اللذان هبطا من الاعلى ليتناوبا الإشراف على تقديم الطعام بعد ان أخبرتهم غفران انها تشعر بوعكة و لا تستطيع الاستمرار بالعمل فى المطبخ و صعدت لغرفتها و اختفت لباقى اليوم...

انتهت النوبة المسائية للمقهى و لم تظهر غفران كما كان متوقع، فقد ظلت حبيسة حجرتها طوال فترة المساء حتى انها رفضت النزول لتناول العشاء..
اُغلقت ابواب المقهى اخيرا و ذهب كل فرد الى حجرته لينل قسطا من الراحة بعد يوم شاق..

قرر يوسف ان يأخذ حماما باردا يهدئ من سخونة رأسه المزدحم بالأفكار و الصراعات، عاد لحجرته بعد حمامه الذى ظن انه سيعفيه من نوبة التقلب اليومية التى لا تتركه الا وهو على اعتاب الانهيار إرهاقا حتى يزور النوم جفونه اخيرا..

تلك النوبات من الأرق التى كانت تهاجمه فيما مضى بعد ما حدث، توجه الى حقيبته يبعثر في محتوياتها فى ضيق حتى وجد علبة الدواء التى كان يبحث عنها و اخرج منها حبة صغيرة تناولها ملقيا إياها فى فمه و ابتلعها دون جرعة ماء، كان قد توقف عن تناول تلك الحبوب و التى تجلب له هدوء الاعصاب و تدفعه للاسترخاء و من ثم النوم، لكن بعد تلك المشادة التى حدثت بينه و بين تلك القصيرة العنيدة و التى نكأت جراحا ثخينة تمزق روحه بلا قصد منها، لا يعتقد انه سيجد للنوم سبيل تلك الليلة الا بمعاونة تلك الحبة..

تمدد على الفراش و تطلع للسقف فى تيه يفكر فى تلك الحمقاء التى تترك نصاب يحتال عليها و يسرق قوتها و تعبها مدعيا الفقر و العوز..
همس فى غضب: - حمقاااء..
و على ذكرها بدأت تلك الهمهمات المقدسة فى الارتفاع من خلف الجدار الفاصل بين حجرتهما..
زفر فى ضيق هامسا: - ليس مجددا..
عاد للدق على الجدار لعلها تفهم، لكنها تجاهلت دقاته المستفزة، و قررت ان ترفع من صوت المذياع و ليفعل ما يحلو له..

دقات متوالية ظهرت من جديد كانت تود لو تجاهلتها كسابقتها لكنها كانت هذه المرة على باب غرفتها..
ارتفعت ضربات قلبها ذعرا و لكن رغم ذلك أجابت من خلف الباب: - من هناك!؟
هتف بغيظ: - انه انا، ذاك الضخم معدوم الرحمة منزوع الشفقة، قليل الصبررر..
وهتف بكلمته الاخيرة فى نفاذ صبر حقيقى جعلها ترتجف و هى تفتح الباب مشرعة اياه هاتفة: - نعم!؟.
هتف بكلمة واحدة: - المذياع..
هتفت تجادله: - ما به!؟.

جز على اسنانه متحدثا من بينها فى سخط: - اغلقيه، و دعينى لا اسمعه مرة اخرى، رجااااءً..
هتفت تغيظه: - كنت اعتقد انك تراجعت عن تلك الترهات التى ألقيت بها عصرا و جئت تطلب ان ارفع صوت المذياع كى تصلك رسائل الله فى أياته التى تريد ان تصم اذانك عن سماعها..
هتف مؤكدا: - انا لا اريد اى رسائل من اى من كان، كل ما أريده اللحظة هو بعض الراحة، القليل منها، هل هذا ممكن!؟.

هتفت فى نبرة لينة: - ألا بذكر الله تطمئن القلوب..
هتف وهو يستدير عائدا لحجرته: - هل نسيتى، انا بلا قلب..
هتفت مؤكدة: - ليس المقصود ان..
هتف بدوره مقاطعا إياها: - اغلقى المذياع او أخفضى صوته على أقصى تقدير حتى لا ارتكب جريمة هاهنا، اريد النوم قليلا..
هتفت بدورها فى عناد: - و انا ايضا اريد النوم و لا أستطيع ذلك الا بسماع أيات القران الكريم تهدهدنى..

و تركته و اغلقت بابها باحكام و تركت المذياع يعمل رغما عن انفه لكن مراعاة لحق الجار أخفضت صوته قليلا حتى يعود لسابق عهده مجرد همهمات تصله من الجانب الاخر ولا حيلة له سوى النوم و الوسادة تغطى رأسه كما حدث البارحة..

جز على اسنانه و ضغط وسادته على رأسه و راح فى نوم عميق ساعدته عليه تلك الحبة التى تناولها و التى قد أتت ثمارها و قامت بمهمتها على اكمل وجه و لم تدعه يغوص فى خواطره و أحزانه الماضية حتى لا يغرق فى بحر من الذكرى والذى كاد ان يبتلعه فيما مضى بلا عودة..

نهض من نومه متأخرا ذلك اليوم و العجيب ان لا احد أيقظه ليلحق بنوبة الحراسة الصباحية التى تبدأ العاشرة و ها هى الساعة تخطت العاشرة و النصف و لا طرق او جلبة بالخارج، نهض فى تيه لا يعلم ما يعتريه اليوم فبعد ذاك الصدام الذى كان بينه و بين غفران البارحة مساءً و هو لا يشعر انه بخير، ما كان عليه قول ما قال حتى و لو كان يُؤْمِن به حقا و خاصة مع شخص بمثل تدين غفران و تمسكها بتلك الطقوس التى لا تسمن و لا تغنى من جوع، لكن ما حدث قد حدث..

نهض ليغتسل وابدل ثيابه و اندفع للأسفل و ما ان طل برأسه هابطا الدرج المفضى للمطبخ حتى وجد ثلاثتهم غفران ومنير وهناء قد تباعدوا و توقف همسهم بعد ان كان الحديث دائرا على اشده...
شعر بالضيق و ألقى تحية الصباح فى نبرة تحمل بعض منه و رغم ذلك رد الجميع تحيته ببشاشة و تساءل فى نفسه هل أخبرتهم بما كان بينهما امس!؟، يبدو انها فعلت، فذاك الاجتماع الثلاثى الطارئ يؤكد ذلك و ذاك الهمس و الغمز يشى بفعلتها..

لم يستطع الصمت اكثر من هذا فهتف غاضبا: - حسنا، لا حاجة لى لأخمن عما تتهامسون!؟، فأنا اعلم ان السيدة غفران لا تطق وجودى بينكم من اللحظة الاولى وترغب فى طردى وقد جاءها المبرر على طبق من فضة ل..
هتفت غفران ساخرة مقاطعة استرساله حتى لا يكمل حديثه: - عن اى طرد يتكلم ذاك الضخم!؟، انه مريض بعقدة الاضطهاد، و نظرت اليه مستطردة فى مزاح: - ابحث عن طبيب يعالجك يا هذا حتى لا يتفاقم الوضع..

هتف منير و هناء بعد ان خفت قهقهاتهما لمزاحها: - كل عام و انت بخير..
اتسعت حدقتا عينيه متطلعا اليهما متسائلا فى تعجب: - ماذا يحدث هنا!؟.
هتفت غفران مازحة: - اهااا، هذا ما كنت اتحدث عنه، الم اقل لكما انه مريض!، سيعتقد اننا نحضر له مقلبا..
قهقه منير هاتفا: - عيد ميلادك اليوم چو، ام انك نسيته!؟، علمته من أوراق تعيينك و قررنا جميعا الاحتفال به مساءً لذا سنغلق الليلة باكرا..

هتفت غفران فى مرح: - وكعكة عيد الميلاد ستكون هديتى، كعكة استثنائية بدأت فى تحضيرها منذ البارحة..
واستطردت ساخرة: - كان من المفترض صنع كعكة زفاف من عشر ادوار حتى تليق بذاك الحجم لكن ما باليد حيلة..

انفجر الجميع ضاحكا و أولهم يوسف الذى نظر اليها فى امتنان فيبدو انها لم تخبر احدا بما كان منه، و لكن لما!؟، ألم يكن الأحرى بها ان تفعل و تشى به حتى يكون لديها العذر الكافى الذى سيجعل منير و هناء على استعداد تام لرفده و التخلص منه فورا!؟، تطلع اليها من جديد و هى تندفع هنا وهناك داخل و خارج المطبخ تعمل على جلب الطلبات و تقديمها فى نشاط و همة عالية، و طافت تلك الأسئلة و جالت برأسه طوال النهار و لم يجد لها اجابة تريح باله..

.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة