قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية إلا أنت (نساء متمردات ج3) للكاتبة منى لطفي الفصل السادس والأربعون

رواية إلا أنت (نساء متمردات ج3) للكاتبة منى لطفي الفصل السادس والأربعون

رواية إلا أنت (نساء متمردات ج3) للكاتبة منى لطفي الفصل السادس والأربعون

ارتمت بين أحضان والدتها الدافئة والتي ضمّتها اليها تستنشق رائحتها، لتهمس بعدها بصوت أجهده البكاء:
- كدا بردو يا ريما؟ بقه كل دا يحصل وانا معرفش؟

اقترب نزار يحيط كلتيهما بذراعيه وهو يقول بابتسامة طفيفة: - استهدي بالله يا راندا، ما هي قودامك زي الفل أهي، احنا كنا قلقانين عليك، وانت عارفة الدكتور محذر من الانفعال الزيادة، لو كنا قلنالك قبل كدا كان القلق هيجننك عليها زيّنا تمام، لكن دلوقتي وهي في حضنك – أبعدتها أمها قليلا لتتلمس وجهها بأناملها المرتعشة بينما تابع نزار – وقودام عينيكي، هتبقي مطمنة.

راندا بلهفة وعينان تغشاهما بقايا من دموع: - ومش هتسيب حضني تاني ابدا، ولا هتبعد عن عيني لحظة واحدة.
دنا مهدي منها وهو يقول بمزاح خفيف يريد تغيير الجو المشحون بالتوتر والانفعالات: - ازاي بس يا رنّوش، وجوزها دا. إيه هندِّيه (نعطيه) استمارة 6؟!

ابتسم عصام بينما ضحك الجميع واللذين اجتمعوا في غرفة الجلوس بقصر أدهم، وكانت ريما قد ذهبت الى منزل شقيقتها للاغتسال واستبدال ثيابها الممزقة والتي تشي بالفترة الماضية الصعبة التي مرّت بها. وذلك قبل التوجه الى منزل خالها حيث قام بجمع أفراد عائلته كلهم.

قال ادهم بابتسامة: - تعالي بقه يا راندا اقعدي، هي مش هتروح في مكان، ما تخافيش.
راندا وهي تتجه للجلوس متمسكة بمرفق ابنتها، يرافقهما نزار: - انا مش هسيبها تبعد عني، والليلة مش هتنام غير في حضني!
اسلام بمرح ساخر مدعيا الشفقة على حال توأمه: - يا عيني عليك يا عصّوم، حماتك ابتدت بدري بدري!

لتوكزه شمس بمرفقها قائلة بتأنيب مصطنع: - طيب اتلم بقه عشان حماته صاحبة حماتك الروح بالروح، فبلاش تخلّيها تقف في صف حماتك وتعملهم معاك انت كمان!

اسلام بزهو: - على فكرة بقه، لو كانت حماتي صاحبة حماة اخويا، فلعلمك هي الانتيم بتاع أمي أنا، فمش هترضى اكيد تزعل صاحبة عمرها!

لتنطلق الضحكات بينما قالت ريتاج بتهديد زائف: - الاتنين اخواتي واصحابي، فمش هتقدر تهدّي النفوس بيننا يا جوز بنتي، ريّح نفسك!
ضحك أدهم وقال: - قصف جبهة يا ابن اخويا!
تصنّع اسلام الامتعاض وقال: - حتى أنت يا عمي!
علّق مهدي ساخرا: - خلي بالك ماما تكسب يا كابتن...
اسلام مقلّدا نبرة مهدي الساخرة: - وليه ان شاء الله يا ابو الكباتن؟

مهدي بزهو وهو يرنو بطرف عينه لنقطة معينة: - عشان أخوها يبقى البوس يا أذكى أخواتك. أدهم باشا، – ليوجه كللمه لريتاج قائلا – مش كدا يا مرات خالي؟

ضحكت ريتاج برقة وقالت وهي تميل على ادهم تتأبط ذراعه وهي تجلس بجواره: - بصراحة. آه!
لتنظر الى مها متابعة وهي ترفع يدها باعتذار: - سوري يا موهة!
يضحك محمود معلّقا: - شوفتي صاحبة العمر؟ في ثانية باعتك عشان اخويا!
مها بابتسامة واثقة: - عمرها ما تقدر تبيعني، لكن أنا فهماها، أساسا اي مقارنة او اختيار ادهم هيكون طرف فيه الناحية التانية هتسقط وبالثلث!

وهكذا انقضت تلك الليلة التي عادت فيها ريما بين أحضان عائلتها الدافئة وسط ضحكاتهم وحواراتهم المرحة، والتي لم يكن القصد منها سوى التسرية عنها وابعاد شبح الحزن الذي خيّم على تلك العائلة وعليها هي وعصام بالأخص!

معلهش يا تاج، أنا عارفة اني بشغلك معايا، لكن انا عارفة انها مش بتسمع لحد غيرك.

نهرتها ريتاج قائلة: - كلام ايه دا يا راندا؟ ريما دي تبقى بنتي. هي في اوضتها؟

أومأت راندا بالايجاب تصاحبها تنهيدة تعب قائلة: - ايوة، حابسة نفسها في الاوضة، من تاني يوم ما رجعت، مش بتقعد معنا ولا بتاكل معنا، حتى عصام اتحايل عليها يروحوا بيتهم لكنها رفضت، وهو ما رضيش يجبرها، حاولت معه يقعد معنا هنا لكنه رفض، بس بييجي كل يوم، يدخل يقعد معها، ما بتتكلمش غير على أد السؤال، لغاية ما صمم انه يجيب دكتور يطمنا، ونزار وافق، الولد هيتجنن! بيقول لي ايه اللي حصلها فجأة، كانت نوع ما طبيعة، يبقى ايه سبب اللي هي فيه دا؟!

ريتاج باهتمام وتقطيبة عميقة تعتلي جبينها: - اممم، والدكتور قال ايه؟
راندا بحزن على حال صغيرتها: - صدمة متأخرة! بيقول انه الفترة اللي فاتت كان عقلها كله مركز على اللي هيحصلها هي وعصام، موضوع الجريمة والنيابة وكدا، لكن لما الحال استقر نوعا ما، ورجعت تاني لبيتها وحياتها، ابتدت تفكّر في اللي حصل، وانها قتلت بني آدم، ودا عملها صدمة متأخرة!

سحبت ريتاج نفسا عميقا قالت بعده: - فهمت.
لتغشى عينيها نظرة شاردة، قبل أن تقول لراندا: - انا طالعة لها، واطمني يا راندا ان شاء الله مش هخرج من عندها الا وهي معايا.

دلفت ريتاج الى غرفة ريما بعد ان طرقتها بخفة، لتراها وهي تجلس أمام النافذة ساهمة في الفراغ الخارجي، تذكرت ريتاج ذاك اليوم الذي قدمت فيه الى هنا عندما هاتفتها راندا ترجوها الحضور فصغيرتها ومنذ وفاة الجدة سعاد تغلق على نفسها رافضة التعامل مع أي فرد منهم! لتعلو محياها ابتسامة أسف صغيرة، فهي كعادتها دائما، تلوذ بغرفتها مبتعدة عن الجميع، عندما تتعرض الى أمرٍ يصعب عليها مجابهته!

تقدمت ريتاج ناحيتها لتسحب المقعد المجاور لها وتقول وهي تجلس: - ايه يا ريما يا حبيبتي، انت مش عارفة انه القلق والانفعال خطر على صحة ماما؟
نجحت ريتاج في الحصول على ردة فعل منها، إذ نظرت اليها تعقد جبينها وتقول بخفوت يغلّفه قلق واضح:
- هي ماما تعبانة؟
تنهدت ريتاج قائلة: - كلنا تعبانين يا ريما، مش ماما بس!

استكانت ريما ثانية وعادت تنظر الى اللامكان أمامها، لتردف ريتاج بجدية: - عاجبك حالتك دي؟ أو حالة بابا وماما؟ ولّا عصام جوزك؟ مش المفروض الوقت دا تكونوا قريبين من بعض فيه أكتر من اي وقت تاني، انتو الاتنين مريّتوا بنفس المحنة، تخيلي حالته هو كان شكلها ايه وهو بيشوف مراته بتتخطف قودام عينيه من واحد مجنون، ممكن يعمل اي حاجة، حتى لو كان اغتصاب!

طالعتها ريما بذهول فيما تابعت ريتاج بجدية شديدة: - وبدل ما اللي حصل يقربكم أكتر، اللي انا شايفاه وكلنا شايفينه انه عصام هو اللي بيحاول يقف جنبك، ويساعدك انكم تجتازوا الوقت الصعب دا، لكن حتى دي. انت مش سامحة له بيها!

ريما بتعب: - مش قادرة يا طنط، غصب عني، الاول كل اللي كان شاغلني اللي حصل، والبوليس والنيابة والتحقيقات، واكتر حاجة كانت قلقاني بشكل فظيع، عصام واصراره انه هو اللي قتله، لغاية ما ظهر تقرير المعمل الجنائي وأثبت انه البصمات ليا انا، وبعد ما خرجت بكفالة ولاقيتني رجعت لحياتي من تاني، ابتديت بس ساعتها أنتبه اني قتلت بني آدم!

رفعت يديها أمام وجهها مردفة بذهول وحزن: - بإيدي دي أنهيت حياة بني آدم، حتى لو كان يستاهل!
أمسكت ريتاج بيديها وأخفضتهما لتسلط عينيها عليها قائلة بحزم: - انتي ندمانة على اللي عملتيه؟
تنهدت ريما قائلة: - يمكن دي كمان من الحاجات اللي صدماني، اني مش حاسة بندم لموته! صدمتي اني أنا السبب! لكن هو يستحق انه يموت بدل المرة 100 مرة!

سحبت ريتاج نفسا عميقا قبل ان تقول بهدوء وصلابة: - شوفي يا ريما، انا هحكي لك حاجة حصلت من يمكن من تلاتين سنة، اللي هقولهولك دا محدش يعرف عنه حاجة من ولادي، اتفقت مع خالك انى مش هحكيه لأي حد، لكن لما الاقيكي بتمرّي باللي انا مرّيت بيه تقريبا.

طالعتها ريمابذهول وصدمة هاتفة بعينين واسعتين: - ايه؟! حضرتك...
وسكتت لتهز ريتاج برأسها الى الاسفل قائلة بابتسامة صغيرة: - أيوة يا ريما، أنا كمان كنت مسجونة فترة بتهمة الشروع في قتل!
شهقت ريما بصدمة فيما تابعت ريتاج ورياح الذاكرة تعصف بعقلها ليشتد فمها في خط حازم وهي تقول بصلابة شديدة وجمود:.

- وهو كمان كان يستحق الموت، لكن الفرق بيني وبينك انه ما متش! عشان كدا طلعت براءة وهو اتحاكم بتهمة خطف والشروع في اغتصاب انثى!

تجمدت ريما في مكانها، بينما بدأت ريتاج تقص عليها روايتها، وما حدث لها منذ سنوات بعيدة، وعن ندمها لأنها لم تستطع قتله فوغد مثل سامح شكري يستحق القتل ألف مرة على ما تسبب لها به، والتشهير الذي أصابها على صفحات الجرائد، وكيف وقف أدهم في وجه كل من سوّلت له نفسه الخوض في الحديث عنها بالباطل، مخرسا ألسنتهم جميعا، ومع هذا كان قاب قوسين أو أدنى من خسارته لها، فهي لم تسامحه بسهولة!

انتهت ريتاج من حكايتها، لتطالعها ريما بدهشة فائقة مما سمعته قبل ان تقول: - يااااه يا طنط، كل دا حضرتك مريتي بيه؟ حضرتك قوية أوي انك تقدري تجتازي كله اللي حصل!

ريتاج وهو تقبض على يديها بين راحتيها وبقوة تحاول دعمها بها: - وانتي زيي يا ريما بالظبط! ممدوح وسامح دول كانوا هيقتلونا بأبشع طريقة، الموت أرحم منها، سامح فلت من الموت لكن ما فلتش من العقاب في الدنيا، غير الاخرة لاني مش مسامحاه، وطول ما انا مش مسامحاه مش هيفلت من عقاب ربنا، وممدوح كان انسان مريض، الهوس عمره ما كان حب، دا مرض مستعصي، وكان حياته مقابل حياة عصام، هو اللي أجبرك على كدا، لو ما كانش حاول يقتل جوزك ماكنتيش هتقتليه، لكن هو إلى بدأ، خطفك وفي نيته أبشع طريقة يموّتك بيها، واللي حاولها قبل كدا وربنا أنقذك منه، وكان عاوز يقتل عصام، يعني قتل اتنين مع سبق الاصرار والترصد، مافيش أي حاجة تبرر دا، حتى جنونه مش مبرر!

سكت ريما تفكر في حديث زوجة خالها التي تابعت بحزم: - ريما. انتي ما قتلتيش ممدوح. لأ!
قطبت ريما تطالعها باستفهام في حين أردفت ريتاج يثقة وقوة: - انتي أنقذتي حياة عصام وحياتك! وأعتقد فرق كبير بين الدفاع عن النفس اللي انت عملتيه، وبين العمد وسبق الاصرار اللي كان هو هيعمله!

لتصمت ريما مكتفية بالنظر الى ريتاج وكأنها تستمد منها القوة المنبعثة من زيتونيتيها!

دلف يناديها عاليا، لتقبل بوجهها الذي يخلو من الابتسام، وملامحها الباردة، فتصنّع هو الابتسام قائلا:
- هتفضلي مكشّرة كدا كتير؟
تكتفت هنَا وقالت وهي تشيح بوجهها بعيدا: - سوري معلهش، أصلها حاجة بسيطة جدا...
لتسلط عليه بندقيتيها وهي تردف بقوة: - اخويا يتجوز بنت عمتي وأنا محضرش فرحهم، وليه عشان سي السيّد أمر بكدا! لازم يكون موجود وإلا مينفعش أمشي من غيره!

زفر طارق بأسى قبل أن يقول بابتسامة شاحبة وهو يطالعها بدخانيتيه: - بيتهيألي يا هنا أنا قلت أسبابي، وأعتقد أنه حقي أني أحمي حياتي وحياة عيلتي.
هنا بذهول هاتفة بحدة: - وهو سفري عشان أحضر فرح أخويا هيضرّك أو هيضرّ عيلتك أو حياتك في ايه؟

طارق بهدوء: - مقدرتش أجازف يا هنا! مش هكرر نفس الغلطة تاني، المرة اللي فاتت اتعلمت الدرس، انتي ناسية انك بعد ما سافرتي رفضتي ترجعي وطلبتي الطلاق؟ وأنا مش ممكن أكرر نفس الغلط!

تقدمت منه هنا حتى وقفت أمامه تماما ورفعت رأسها تواجهه بنظرات ثاقبة قبل أن تجيبه بكل ثقة شامخة برأسها الى الاعلى:
- الغلط إلى المفروض متكرروش هو السبب اللي عشانه أنا عملت كدا! مش أني أسافر من غيرك!

زفر طارق بتعب ومرر أنامله بين خصلاته الابنوسية قبل أن يقول وهو يطالعها بيأس: - لغاية امتى يا هنا؟ لحد امتى هتعاقبيني على غلطة واحدة بس، القصد من وراها ما كانش أبدا الخيانة، أنا كنت يائس! كنت شايف حبنا وهو بيتحول لحاجة مالهاش لا طعم ولا لون، اللي حصل كان عبارة عن حجر بحرّك بيه مياه حياتنا الراكدة زي ما بيقولوا!

قالت بأسف: - لكن للأسف الحجر دا ما عملش غير انه زعزع أسس حياتنا الصلبة!
قال بيأس: - وبعدين؟ هتفضلي تعاقبي فيا كدا كتير؟
ليمتد ذراعه يحيط بخصرها بينما تحيط يده الاخرى بذقنها ترفع وجها اليه وهو يردف بهمس خشن:.

- أنا هتجنن ياهنا! شوقي ليكي دابحني، من يوم ما رجعنا وانا مش بحاول أضغط عليكي بحاجة، بقول مع الوقت هتنسي وهنرجع زي الاول، لكن الايام بتمر لا انتى نسيتي ولا رجعنا زي الاول، اللي جدّ بس انه حب ليكي زاد أضعاف ما كان، مش قادر استحمل بعادك عني. أرجوك يا هنا انهي حالة اللا سلم واللا حرب دي إلى عايشين فيها، اديني فرصة أخيرة، حبنا له حق علينا اننا نحاول عشانه مرة واتنين وعشرة، مش هقولك عشان شهد بنتنا لا. عشاني وعشانك انتي! حرام الحب دا كله يروح في لحظة عناد منك وتصرف غبي مني!

هنا وهي تحاول دفعه بعيدا وبارتباك ملحوظ: - وانا قلت لك قبل كدا انه مش بإيدي، وسيب الوقت هو اللي ينسِّينا، اللي عملته يا طارق ما كانش بسيط، وحبنا اللي بتقول عليه بإيدك وصّلته الانعاش وعايش على اجهزة التنفس الصناعي، طريقتك معايا وتصرفاتك هي إلى هتنقذه من الموت او هتنهيه خالص. وسبق وقلت لك ما تستعجلنيش، أنا مش بزراير يا طارق!

طارق بحرقة بالغة: - ولا أنا! أقسم بالله أني بتعذّب في اليوم ألف مرة وأنا شايفك بتعامليني بابتسامة هادية زي ما اكون ضيف عندك مش جوزك!

هزها قليلا مردفا بحرارة: - أنا عاوزك يا هنا، عارفة يعني ايه عاوزك؟
احمرت وجنتيها خجلا بينما أردف بشوق صرخت به عيناه وعضلاته التي تقلصت أسفل راحتيها:
- عاوز مراتي وحبيبتي، عاوز لما أتعب أحط راسي على صدرك وبايدك تمسحي همومي، عاوز أحس بلهفتك عليا، عاوزك تتخانقي معايا كل يوم الصبح وانتي شايفاني برمي هدومي في كل مكان وانت بتلمّيهم ورايا، زي ما أكون طفلك الشقي. عاوز كل دا يا هنا، وحشتيني أوي اوي!

تعالت خفقات قلبها، الذي كاد يصرخ يسترحمها أن تعفو عنه هو الآخر، فهو يكاد يموت شوقا كي يقبع في أحضان حبيبه، ورأى طارق الصراع الدائر بداخلها مسطورا على تقاسيمها، ليميل بوجهه على وجهها، يلثم صدغها بقبلات في رقة الفراشة وهو يتساءل بصوت خافت أجش:
- وأنا ما وحشتكيش يا هنا؟
هنا وهي تحاول المقاومة ودفعه بعيدا: - طارق احنا ما اتفقناش على كدا.

طارق محاولا تقبيل شفتيها اللتان يتحرق شوقا لينهل من شهد رحيقهما: - اومال اتفاقنا على ايه؟ انك تعذبيني طول الوقت؟ تبقي مراتي وقودامي طول الوقت ومقدرش أقرّب منك وأطفي شوقي لكي اللي أنا متأكد أنه لا يمكن هيهدى؟

هنا وهي تشيح برأسه يمينا ويسارا بعيدا عن فمه المتطلب: - طا. طارق لا. طار...
لينجح اخيرا في اقتناص ثغرها المكتنز في قبلة حارة، قبل أن يعتصرها بين ذراعيه بقوة داحضا كل مقاومتها، ليهمس بلهفة شديدة من بين قبلاته الملتهبة:
- بحبك يا هنايا، بحبك ومقدرش أعيش من غيرك. بحب...

ليكمل باقي اعترافه فعلا وليس قولا، وهو يعود لالتهام شفتيها ثانية، قبل ان يرفعها بين ذراعيه متجها بها الى غرفتهما المجاورة لغرفة شهد التي تنعم بنوم القيلولة الان، وما أن هبط بها الى الفراش، حتى همس أمام وجهها:
- أقسم بالله بحبك، ولا عمري حبيت أحبك ولا هحب بعدك، لو ليلى ليها قيس المجنون فأنتي عدك الأجن منه، – ناظرته بتساؤل فأردف بابتسامة غامزا – مجنون هنا، طارق!

لم يتثنى لها التعقيب على كلماته، حيث سارع باسكاتها بأرق طريقة ممكنة بين الحبيبين، وحملها معه في رحلة مكوكية طويلة أثبت لها فيها مرة بعد مرة أنه لم ولن يعشق غيرها، فهي عشقه الأبدي!

كانا ينعمان بنوم هادئ بين ذراعي بعضهما البعض ولأول مرة منذ فترة طويلة، حينما اخترق أحلامه صوت هاتفه ليرفعه مجيبا دون أن يرى اسم المتصل، دقائق وكان ينسحب من جانبها بخفة، حتى لا يوقظها، متحدثا بهمس خافت بعيدا عنها، قبل أن ينهي الاتصال الهاتفي مؤكدا على الطرف الآخر أنهما سيعودان الى القاهرة في أقرب وقت!

نظر اليها وهي تنام بوداعة تماما كالطفل البريء، وهو يفكّر كيف ستتقبل ما حدث لشقيقها وعروسه؟ ليقرر أنه لن يخبرها الا بعد أن يصلا أرض الوطن، مصوّرا لها ان عودتهما ما هي الا مفاجأة لها، وهي بالفعل ستكون مفاجأة، بل أقوى المفاجئات!

نظرت اليه منال وهو يتناول طعام الافطار على عجلة والذي لم يكن سوى قدحا من القهوة السوداء، قالت انعام باستنكار:
- جرى ايه يا هشام يا بني؟ ما تفطر يا حبيبي، قهوة على معدة فاضية تكوي لك معدتك!

ثم نظرت الى منال مردفة: - ما تقولي حاجة يا منال!
خطفت منال نظرة اليه لتفاجأ بنظراته مثبتتة عليها، لتهرب بعينيها فورا منه، وهي تقول متشاغلة باطعام فريد الصغير:
- اكيد مش جعان يا ماما.
لترفع عينيها اليه متابعة في هدوء: - هشام مش عاوز عزومة!

طالعها هشام بنظرات متفكّهة تخبرها انه يعلم جيدا بمحاولاتها الحثيثة لاعادة بناء الحواجز بينهما، ولكنها كلها تبوء بالفشل فهو بارع في تحطيم أعتى الحواجز! في حين امتعضت انعام من جواب كنّتها لتقول بعتاب خفي:
- جرى ايه يا منال؟ دا بدل ما تقولي له صحتك؟ مهما كان دا جوزك بردو يعني!

غصّت منال بلقمتها، لتدخل في نوبة سعال شديد، فامتدت يد هشام بكوب الماء اليها لتتناولها منه ترشف منها عدة رشفات كبيرة قبل ان يهدأ سعالها، لتقول انعام بتنهيدة عميقة:
- معلهش يا بنتي، بس انتى عارفة انا ماحيلتيش غيره دلوقتي، مش هستحمل يجرى له حاجة بعد الشر!

أجابت منال بصدق وهي تربت على يد أنعام: - ليه بس يا ماما بتقولي كدا؟ ما هو قودامك زي الفل أهو!
لتنظر الى هشام فتطالعها عيناه وهما تنظران اليها بلهفة جمّة، سمعت حماتها وهي تقول بقلق يبطن نبرات صوتها:
- معرفش يا بنتي، بس قايمة قلبي مقبوض كدا. ربنا يستر!

رفع هشام يد والدته الموضوعة امامه على المائدة مقبلا ظاهرها وهو يقول بابتسامة: - يا ام هشام عمر الشقي بقي، وبعدين محدش بيشوف غير نصيبه، قل لن يصيبنا الا ما كتب الله لنا.

انعام بهزة خفيفة من رأسها: - ونعم بالله.
منال رغبة منها في تبديد جو التوتر السائد: - انت السبب، تشرب قهوة على الريق ليه، كنت فطرت من أولها وخلاص!
هشام يسايرها ليبعد شبح القلق عن والدته: - كل دا عشان شربت القهوة وقلت مش عاوز أفطر؟ ولا يهمك يا ست الكل.
ليسحب أمامه أطباق الطعام المتراصة مردفا بمزاح: - همسح لك الاطباق كلها، راضية كدا؟

انعام بعينين دامعتين وابتسامة تشق وجهها الحزين: - قلبي وربي راضيين عنك يا ابن بطني.
ليشرع هشام في تناول الطعام وسط نظرات امه المبتسمة وان لم يفارقها القلق ونظرات منال المتوجسة والحائرة، لتنجلي تلك الحيرة بعد وقت قصير، جدا، إذ تلقى هشام اتصال هاتفي قفز على إثره واقفا وهو يصرخ في المتصل انه سيوافيهم حالا، وخرج تحت أنظار أمه ومنال المتسائلة دون ان يجيب تساؤلات امه القلقة!

لم تستطع الذهاب اليوم الى الدار، مع أن موعد الافتتاح قد اقترب، ولكنها لم تستطع ترك حماتها والقلق ينهشها، ولا تنكر انها هي الاخرى تشعر بقلق غريب وريبة من انصراف هشام بهذا الشكل، وعدم اجابته على هاتفه المحمول، فهو مغلق منذ خروجه تقريبا!

كانت تجلس أمام شاشة التلفاز بجوار حماتها حينما قطع البرنامج الدائر ظهور المذيع وهو يعلن قائلا في نبأ عاجل.

تعرّض كمين للشرطة لهجوم مسلّح أسفر عن مصرع ظابطين واصابة خمسة آخرين من أفراد الأمن ثلاث منهم في حالة خطرة!

تجمدت ملامح منال فيما جلست انعام تراقب كالمذهولة شرح تفاصيل الخبر.

قام مجهولون اليوم باقتحام كمين في طريق (، ) أسفر عن مصرع كافة أفراد الكمين، وكثفت المباحث العامة بالتعاون مع مباحث الامن الوطني مجهوداتها للوصول الى مرتكبي الحادث خاصة ان منظمة (، ) الارهابية قد أعلنت مسؤوليتها عن الحادث، وقد تواردت أنباء عن مكان تواجدهم، حيث انطلقت قوة من الشرطة للقبض عليهم، وأسفر تبادل النيران على اصابة احد افراد العصابة والقبض على الثلاثة الباقيين، بينما أصيب خمسة من افراد الامن، ثلاثة منهم في حالة حرجة، فيما استشهد كلا من العقيد فؤاد السيوفي من المباحث العامة، والعقيد هشام ال...

لم تفقه منال لتتمة الخبر، إذ وجمت ملامحها وهي تشعر وكأنها في كابوس مخيف وستصحو منه على صوته الضاحك ومشاغباته لها والتي تشعرها أنها عدت مراهقة من جديد، لتنطلق صرخة عالية من فم انعام وهي ترفع ذراعيها الى الاعلى وتخبط صدرها براحتيها وهي تصيح بصراخ يقطع نياط القلب:
- هشاااااااام، ابني!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة