قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية إلا أنت (نساء متمردات ج3) للكاتبة منى لطفي الفصل السابع والأربعون

رواية إلا أنت (نساء متمردات ج3) للكاتبة منى لطفي الفصل السابع والأربعون

رواية إلا أنت (نساء متمردات ج3) للكاتبة منى لطفي الفصل السابع والأربعون

دلفت تنادي عاليا ليقبل من الداخل وهو يرتدي مئزر المطبخ القصير ذو اللون الوردي بكشكشات تحيط به كإطار، يربطه حول خصره، بينما يمسك بيده بملعقة خشبية كبيرة وهو يجيبها بتساؤل:
- ايه يا نجوان، انا هنا، صوتك واصل الجيران!
مسحته عينا نجوان من أسفله حيث بنطاله الجينز وفوقه مئزر المطبخ الخاص بها، حتى الاعلى حيث البلوزة القطنية البيتية ذات الحمالات العريضة ما أبرز عضلات ساعديه بكل وضوح، قالت بعدها بدهشة:.

- حمزة! انت بتعمل إيه؟
زفر حمزة بضيق وقال: - يعني هكون بعمل ايه؟ نايم؟ ما انا قودامك أهو. بجهز الاكل!
تقدمت منه نجوان وعيناها مثبتتان على مئزر المطبخ الوردي اللون: - بتجهز الاكل؟
ثم رفعت عينيها اليه وقالت وهي تضع حقيبتها اليدوية جانبا الى جوارها مفتاح المنزل:
- أكل ايه يا حمزة؟ من امتى انت بتقف في المطبخ وتحضر الاكل؟ انت لما بتقف بيكون عشان تاكل الاكل حضرتك، مش تحضره!

التفت حمزة عائدا الى المطبخ بينما تبعته هي فيما قال ببساطة: - عادي يا نوجة، مش عارف عاملاها أزمة ليه؟ انت المفروض تشكريني!
اقتربت منه نجوان وقالت وهي تحاول سحب الملعقة الخشبية من يده: - حمزة حبيبي، ليه تتعب نفسك بس؟ شوف اطلع انت اتفرج على التليفزيون وانا هخلص الاكل وانادي لك!

أبعد الملعقة عن يدها وهو يقول مستنكرا: - يا سلام، بقه انا أقف وأطبخ وانت تقلبي وتطفي عليه؟ لا يا مدام انا اللي هعمله كله من الالف للياء!

كادت نجوان تبكي وهي تحاول اثنائه قائلة: - يا زومة يا حبيبي أنت ناسي انه مافيش بينك وبين المطبخ عمار؟ دا انت يا مؤمن دخلت تعمل كوباية شاي خرجت وانت كاسر دستة كوبايات وحارق البراد دا غير برطمان الشاي والسّكر اللي راحوا في الوبا! عشان خاطري انا اخرج بس انت وسيبني انا اتعامل معاه!

حمزة رافضا وبعناد تام: - قلت لأ! وبعدين عادي يعني، أي حد ممكن تقع منه كوباية تتكسر او يدلق الشاي والسكر، بتحصل في أحسن العائلات!

نجوان مؤمنة على كلامه وبقوة: - أكيد طبعا، أحسن العائلات بتكسر كوباية انما 12 كوباية! وممكن بردو نفس احسن العائلات دي توقع شوية شاي وسكر، مش تكسر برطمان الشاي والسكر ولما تيجي تحط بداله علبة الشاي كلها و2 كيلو سكر يا مفتري يروحوا في الوبا؟ عاملتها ازاي دي؟ ودلوقتي عاوز تطبخ؟

حمزة بثقة: - طبعا أطبخ، مطبخي ولا مش مطبخي؟ أنا اللي مكلّف ولا لأ؟ يعني أنا راس المال. محدش يقدر يعترض.

نجوان بسخرية: - طيب سا سيادة الراس حضرتك على كدا طابخ لنا ايه؟ لأني على غير العادة مش شامّة ريحة حاجة بتتطبخ، ولا حتى بتتحرق! ايه طابخ بالحبر السري!

حمزة وهو يلتفت لتقليب اناء الطعام فوق موقد الغاز: - مالكيش فيه، دلوقتي تعرفي، وبطّلي رغي كتير وروحي حضّري الترابيزة.
زفرت نجوان بعمق واتجهت لتحضير الطاولة الخشبية بالمطبخ والتي تسع ثلاثة أفراد ويتناولان عليها جميع وجباتهما الا في مناسبات نادرة تستخدم فيها نجوان مائدة الطعام الرئيسية تلك المناسبات تكون خاصة جدااااا.

دقائق واشتمت رائحة غريبة في الجو لتنادي حمزة وهي تتجه ناحية المطبخ وما ان اقتربت حتى هالها ما رأته من الدخان الاسود المتصاعد في الجو، لتهرع اليه وهي تهتف بجزع:
- حمزة! ايه إلى حصل؟
ليلتفت حمزة اليها وهو يسعل بشدة بينما يقبض على بيده على اناء الطهي رافعا غطائه يهتف بظفر:
- فاهيتااااااا لحم!

نجوان وهي تنظر الى الشيء الأسود الجاف الجالس في قعر الاناء وبصوت مذهول مصدوم: - لا وانت الصادق. دي فاهيتا طاسة!
رفعت عينيها البندقتين اليه تردف بأسى وصوت يحمل رنة البكاء: - حرقت الطاسة التيفال اللي ب 400 جنيه يا حمزة؟ وتقولي فاهيتا؟! منه له. منه له!

حمزة باستياء واضح وهو يسعل بشدة: - دا جزاتي؟ كح كح كح. كنت عاوز أعملك مفاجأة!
نجوان وهي تشيح بيدها لتزيح سحب الدخان الاسود من أمامها وهي تسعل بدورها: - لا اطمن. من ناحية اتفاجئت فأنا اتفاجئت وأبصم لك بالعشرة!
ثم أشارت لحمزة قائلة: - اتفضل انت اخرج بقه، وسيبني أنا أحاول اصلاح ما أفسده الدهر!

خلع حمزة مئزر المطبخ وألقى به فوق الحاجز الرخامي وهو يزفر بحنق قائلا: - ماشي حاضر، دا اللي أخدته منك في الآخر. تريقة وخلاص!

بعد ما يقرب من الساعة كانا يجلسان في غرفة المعيشة يتناولان طعام الغداء الذي قامت بتحضيره نجوان سريعا والمكون من شرائح صدور الدجاج المقلي مع معكرونة بالصلصة البيضاء والفِطر، وسلاطة خضراء والتحلية سلطة فواكه بالكريمة المخفوقة.

قال حمزة وكان يجلسان فوق وسائد عريضة على الارض بينهما طاولة دائرية ذات أرجل قصيرة، وقد وُضع عليها الطعام:
- غريبة. سبحان الله ساعة واحدة كنتي منضفة المطبخ ومجهزة الاكل! ايه، سوبر ماما؟!

نجوان بابتسامة زهو: - لا وانت الصادق. سوبر نجوان!
ثم أردفت بصبر: - حبيبي أي حاجة عاوز تاكلها قولي عليهاش وأنا أعملها لك، لازم تقتنع أنه مافيش بينك وبين المطبخ عمار، ودا حماية للأرواح والممتلكات!

وضع حمزة شوكته جانبا ونظر اليها بنصف عين مرددا: - حماية للارواح والممتلكات؟! بتتريقي صح؟
نجوان بهزة موافقة من رأسها وبتأكيد تام: - أكبر صح!
مسح حمزة فمه بفوطة المائدة قبل ان يلتفت اليها ليقول ببساطة: - يعني هي دي شكرا بتاعتك عشان حبيت اساعدك؟ عموما الشكر لله، لكن تريقتك (سخريتك) دي هعرف آخد حقي منك تالت ومتلت!

قطبت بريبة وقبل ان يتثنى له الكلام كانت ذراعه تمتد تحيط بخصرها ليلقي به الى الوسائد من خلفها، بينما تحاول هي الافلات منه هاتفة:
- انت هتعمل ايه؟
مال عليها حمزة ويداه تتسللان أسفل بلوزتها البيتية عارية الاكتاف، والتي استبدلت بها ثيابها، وأسفله شورتا قطنيا قصيرا يصل أعلى الفخذين، همس لها بخشونة وعيناه تغازلانها بلا هوادة:
- بعمل اللي نفسي أعمله من ساعة ما شوفت الهدوم اللي مش لابساها دي!

ضحكة أفلتت من فمها النديّ لتقول بعدها وهي تحاول التحكم في ضحكاتها كي تظهر بمظهر جديّ:
- حمزة انا مش بضحك! اتفضل قوم من عليا عاوز أكمل غدايا!
حمزة ويداه ترتفعان الى الاعلى تلمسان منحنياتها الانثوية بينما فمه يمر فوق صدغها ينفث هواءا ساخنا:
- ومين قال اني بضحك؟، وبعدين غدا ايه، أنا عاوز أحلِّي دلوقتي!
نجوان برفض متداعي: - لا. انت بتتريق عليا وعلى هدومي. ابعد بقه!

حمزة ببساطة: - الهدوم دي كانت في جهازك ولا اشتريتيها بعد ما اتجوزنا؟
نجوان مقطبة: - ودي تفرق في ايه؟
حمزة شارحا بصبر: - لانها لو كانت في جهازك يبقى انت جايباهم عشان تلبسيهم لجوزك اللي هو انا، ولو كنت اشتريتيهم بعد ما اتجوزنا يعني شارياهم ليا انا وبفلوسي، يعني صارف ومكلّف، وفي الاخر متمتعش بيهم!

هتفت نجوان بذهول من تحليله اللامعقول لسؤاله: - ايه؟ انت بتقول ايه؟
زمجر حمزة قائلا وهو ينحني عليها: - بقول انك بترغي كتير اوي، ودا وقت تصفية الحساب، انتي اتريقتي عليا نمرة 1، نمرة 2 معجبكيش اني كنت بحاول اساعدك، نمرة 3 مافيش كلمة شكر واحدة على شرف المحاولة!

نجوان مرددة بحيرة وتساؤل: - شرف مين؟ حمزة انت شارب حاجة؟ بيتهألي انه الدخان بتاع الفاهيتا دا عملك دماغ عالية اوي!

حمزة وقد بلغ شوقه مداه وأنفاسه الاخنة تلفح حرير بشرتها القشدية: - لا وانت الصادقة، شوقي ليكي اللي متوهني أوي أوي.
همّت بالاعتراض عندما أسكتها فمه عن الكلام المباح، ولفترة طويييييييلة، لم يشعر أيٍّ منهما بطولها، فقد كانا غارقان بين أمواج بحر عشقهما العاصف!

تأهبت ريما للانصراف لتسألها راندا: - متأكدة يا ريما من اللي عاوزة تعمليه؟
ريما بثقة تامة طمأنت والدتها: - ما كنتش متأكدة في حياتي من حاجة زي ما أنا متأكدة من اللي هعمله.
راندا وهي تحتضن كتفي ابنتها: - ربنا ييسر لك امورك يا حبيبتي، انما قوليلي نجوان مشيت على طول ليه، مش كانت استنت تتغدوا سوا؟

ريما بابتسامة هادئة: - انتى عارفة انها متقدرش تاكل من غير حمزة، وبعدين دي معايا من الصبح، من ساعة ما راح مدرسته، والوقت سرقنا لغاية ما لاقتها بتبص في الساعة وتصرخ انه حمزة زمانه رجع وما عملتش أكل!

ضحكت راندا وقالت: - بصراحة بنت حلال نجوان، فعلا ربّ أخ لك لم تلده أمك، الأيام اللي فاتت دي ما سابتكيش ثانية، يا تيجي يا تتصل كل شوية تطمن عليكي، وجوزها كمان ابن حلال اوي، وبيحبها، اول يوم بعد اللي حصل جِه (حضر) معها وعرض مساعدته بكل صدق، بصراحة كِبر في نظري جدا.

ريما موافقة بهزة من رأسها: - نجوان طيبة اوي وتستاهل كل خير.
راندا بابتسامة حنون: - وانتى كمان حبيبتي تستحقي كل الحب، كفاياكي هموم بقه يا حبيبتي، صدقيني الايام دي أحلى أيام، مهما مرّ عليك فيها من أزمات ومحن، لكن بُصي (انظري) للجزء الحلو من الموضوع. اللي حصل دا قرّبكم من بعض، وشال حواجز كتير اوي انت كنتي رافعها بينكم بنفسك.

ريما بتنهيدة عميقة: - صح يا ماما، عشان كدا أنا قررت الخطوة اللي هعملها، بس انتي ادعيلي.
راندا وهي تضمها اليها: - بدعي لك دايما يا حبيبتي، ربنا يهدي لك الحال وينور لك بصيرتك.
لتلثم ريما أمها بقبلة ناعمة قبل ان تنطلق لوجهتها، وهي تكاد تطير شوقا. اليه!

تعالت طرقات على باب غرفته صاحبها صوت اسلام يهتف عاليا: - يا أهل الغرفة، أدخل؟
زفر عصام بضيق وقال بينما كان يرقد فوق فراشه يرتدي سروالا رياضيا بيتي، وبلوزة قطنية محكمة على جذعه العلوي:
- لا ما تدخلش، اخرج!
فتح اسلام الغرفة وتقدم الى الداخل وهو يقول بابتسامة عريضة: - شكرا يا عصُّوم، انا كنت عارف انك عمرك ما تقفل بابك في وشِّي!

اكتفى عصام بحدجه بنظرة باردة وهو يضع ذراعيه خلف رأسه قائلا بسخرية باردة: - اللي يسمعك يقول بتشحت!
اسلام مدعيا الدهشة: - بشحت؟ بقه توأمك حبيبك يبقى شحات على آخر الزمن؟! دا جزائي؟!
عصام ببرود دون أن يكلف نفسه عناء النظر اليه: - ليه ان شاء الله؟ هو انت عملت ايه غير خفة دمك اللي تلطش!
زفر اسلام بيأس وقال وهو يهز برأسه الى الاسفل بأسف: - ماشي يا توأمي العزيز...
ثم رفع رأسه مردفا: - شوفتي جوزك وقلة أصله!

حدق فيه عصام بتقطيبة مرتابة ما لبثت ان انفكت وارتفع حاجبيه الى الاعلى وهو يرى ريما وهي تدلف اليه ليقفز معتدلا في فراشه وهو يهتف بذهول:
- ريما؟!
اسلام بأسى وحزن زائف: - أيوة يا سيدي، الجزاء اللي استخسرته فيا! عجبك كدا يا مرات اخويا؟
قفز عصام واقفا واتجه اليها في خطوتين ليمسك بذراعيها وهو يقول بدهشة وقلق: - فه حاجة يا ريما؟ انتي كويسة؟ عمتي وعمي نزار كويسين؟ انتي.

قاطعه اسلام بتعجب كبير: - جرى ايه يا بني؟ ما تطردها أحسن! حد بالذمة يقول لعروسته، ها. عروسته – وشدد على كلمته الاخيرة مرفقا بنظرة خاصة الى أخيه – إلى جاية تزوره الكلام دا؟ دا بدل ما تفرش لها الارض ورد؟

ترك عصام ذراعي ريما وهو يقول: - اتفضلي يا ريما، ثواني بس.
ليتجه الى اسلام الواقف يطالعه بتفاخر، لحظات وكان يقبض على ساعده قائلا ببرود: - كلمة زيادة وهفرش لها الارض بدمّك ياخفيف! اتفضل بقه، ربنا يكون في عون مراتك!

وسحبه بقوة تجاه الباب بينما اسلام يهتف عاليا محاكيا أحد الممثلين المعروفين في أحد الاعمال التليفزيونية الشهيرة:
- شاهدة يا ريما؟ عبّاس الضوّ بيقول لأ. 28 سنة اخوات بتقول لا!

لينجح عصام في دفعه خارجا وسط صراخه الهزلي، بينما لم تستطع ريما التماسك لتنطلق ضحكاتها عاليا، حتى دمعت عيناها، فيما استند عصام بظهره الى الباب وهو يزفر بتعب، لينتبه الى صوت ضحكها الذي طال اشتياقه له، فاعتدل واقفا ليتجه ناحيتها حيث وقف أمامها، وانتظر حتى هدأت ضحكاتها تماما، ليقول بابتسامة خفيفة ظهرت على وجهه الرجولي المكسو بلحيته الغير حليقة بينما انشغلت هي بمسح دموع الضحك عن وجنتيها، همس عصام بابتسامة:.

- ضحكتك دلوقتي شفعت له عندي سماجته وتُقل دمه!
ريما باعتراض وتلقائية: - لا حرام عليك يا عصام، اسلام اخوك دمه سكر، بصراحة أنا بحسد شمس عليه، اكيد 24عايشة ساعه ضحك ومقالب كوميدي!

مال عصام عليها يقول بسخرية باردة: - لا يا شيخة؟! بتحسديها على ايه؟
ريما ببساطة: - ما قلت لك. خفة دمه وما شاء الله عليه ذهنه حاضر دايما!
عصام بايماءة رأس خفيفة: - طيب خليكي تمدحي فيه كدا لغاية ما أخليه من غير ذهن ولا دم خالص!
ريما وقد توسعت حدقتيها: - عصام. انت اتضايقت؟
عصام بلا مبالاة زائفة: - لا أبدا، هتضايق من ايه؟ يعني بدل ما تقوليلي سبب الزيارة السعيدة دي حضرتك نازلة اعجاب في اخويا!

طالعته ريما بحيرة أول الأمر لم تلبث أن تنجلي لترى شرارات الغيرة وهي تنبعث من فحم عينيه المشتعل لتبتسم بنعومة قائلة:
- طيب مش تقولي اتفضلي الاول؟ هنتكلم على الواقف كدا؟ ولّا انت اضايقت اني جيت من غير معاد؟

ضيّق عصام عينيه وقال: - طبيعي انى أتفاجأ لما أشوفك قودامي، أنا لغاية امبارح كنت عندك ويدوب بطلع منك الكلام بالعافية، يبقى لما ألاقيكي هنا مرة واحدة ومش بس كدا لا. عمالة تضحكي وكأنك رجعتي ريما بتاعت زمان، حقي اني أتفاجأ وأسأل ولّا لأ؟!

ريما بتنهيدة بسيطة: - حقك طبعا، بس كان فيه كلام لازم أقولهولك. بصراحة مقدرتش استنى.
عصام بتقطيبة ريبة: - وما كلمتنيش ليه، كنت جيت لك أنا بنفسي؟
ريما بابتسامة ناعمة وهي ترفع عينيها اليه ليرى فيهما نظرة شكّ أنها ستطالعه بها ثانية:.

- تؤ. مينفعش، المرة دي كان لازم أنا اللي آجي لك، انت عملت عشاني كتير اوي يا عصام، وجِه الوقت اللي تحس فيه أني أنا كمان موجودة عشانك، زي ما انت في كل وقت كنت جنبي وعلشاني!

لم يستطع عصام المقاومة أكثر، ليحتويها بين ذراعيه في حضن دافئ وهو يهمس بشجن: - آآه يا ريما، ما تتصوريش كنت محتاج كلامك دا أد ايه؟

ريما وهي تحيط عنقه بذراعيها: - عارفة يا حبيبي، سامحني أرجوك، أنا ضيعت ايام كتير أوي حلوة كنا ممكن نعيشها سوا، لكن أنا كنت محتاجة الفترة اللي فاتت دي عشان أعيد حساباتي مع نفسي، عشان لما أرجع. أرجع ريما القوية، اللي تقدر تسندك ويككون كتفها بكتفك، ووعد عليا يا عصام أني من اللحظة دي مش هسيبك ابدا.

ابتعد عصام قليلا ليرفع يدها يشبك أصابعها سوية قبل أن يقول وهو يحدق في زمردتيها:
- عهد عليا يا ريما، ايدي مش هتفارق ايدك لآخر يوم في عمري، يا كل عمري!
لتلقي بنفسها بين ذراعيه، فيتلقفها بينهما بقوة حانية، وما هي الا ثوان حتى سمع صوت دقات على الباب بصوت لحن رتيب وصوت توأمه الضاحك يقول:
- البونية في بيتنا يا عم الحاج، عمتك وجوز عمتك يقولوا ايه؟ غرغر بيها!

لتضع ريما يدها على فمها محاولة كتم ضحكتها بينما نظر اليها عصام قائلا بسخط وهو يشير الى الباب:
- يعني أقتله دا دلوقتي؟ صدقيني هريّح البشرية من سماجته!
فتح اسلام الباب وهو يقول بفخر: - سم كدا، دا كلهم متكلمين عليا؟

ليميل عصام الى الاسفل وفي لحظة كان خفّه البيتي يطير في الهواء ليبتعد اسلام في اللحظة الاخيرة ساحبا الباب ناحيته ليرتطم الخف به ساقطا على الارض، ففتح اسلام الباب يطالع الارض ثم يعيد بصره الى عصام قائلا بذهول:
- انت كنت هتضربني بالشبشب؟
عصام بسخرية وحنق: - دا أقل واجب!
سمعت ريما صوت مها الضاحك وهي تقول بينما تقترب من الغرفة: - مالك بأخوك يا اسلام؟

ثم دلفت الى الداخل وكانت ريما قد ابتعدت مسافة كافية عن عصام، لتردف مها قائلة: - ياللا العشا جاهز، مراتك من ساعة ما جات ما عزمتش عليها بكوباية ماية حتى!
ريما بابتسامة رقيقة: - معلهش يا طنط هتأخر كدا، عموما أنا.
قاطعها عصام الذي اقترب منها رغم نظرات التحذير التي رمقته بها ليقول مقطبا: - اتأخرتي! ليه هو انتي فاكرة نفسك هتتمشي ولا إيه؟
ريما بتقطيبة مشابهة: - ايوة طبعا مش.

عصام بحركة نفي من يده وبصوت حازم: - لا مش ولا جبنة! انت حضرتك مكانك جنب جوزك، مش لسه قايلين كدا؟
ريما بحيرة: - أيوة يا عصام بس.
قاطعها قائلا: - مافيش بس، عموما انا هاخدك ونروح عند عمتي راندا. انتى عندك حق.
لم تكد تتنفس الصعداء حتى سمعته يردف: - احنا لازم نروح بيتنا بقه، قعدتنا طولت اوي عند اهالينا، مش لينا بيت يلمنا ولا ايه؟

ضحكت مها قائلة: - ساعة زمن واحلى عشا على شرف احلى عروسين هيكون جاهز، ألحق أكلم راندا وتاج.
ليهتف اسلام أيضا: - وأنا هكلم مراد ومهدي هنعملكم ليلة محصلتش.
وفي غضون ثوان كانت الغرفة قد خلت الا منهما، ليحيط عصام خصر ريما بذراعيه ويهمس وعيناه مثبتتان على وجهها الذي تعلوه ابتسامة الخجل:
- بحبك.
ريما بصدق شع من زمردتيها: - بحبك.
نظر عصام الى شفتيها وهمس: - ممكن.
ريما بعدم فهم: - ممكن ايه؟

عصام بغمزة عابثا: - اقولك كلمة سر في بؤك!
شهقت ريما عاليا قبل ان تنهال عليها بقبضتيها لتتعالى ضحكاته قائلا: - ماشي يا ريما اعملي ما بدالك، ساعات ويتقفل علينا باب واحد ووقتها. ههريكي أسرار!

وصدحت ضحكاته عاليا مختلطة بوصلة سباب من ريما. وقح، سافل، قليل الأدب!

لا تكاد تعرفه، منذ ما حدث منذ ما يقارب الشهر وقد انقلب حاله مائة وثمانين درجة، تعلم أنها مصيبة فادحة، بل وهي أكثر من يقدّر شعور الحزن ومرارة الفقد لخسارته أقرب أصدقائه اليه، قد تكون معرفتها بالشهيد فؤاد تقتصر على تلك الايام العصيبة التي مرت بها في حادث اختطافها وابنها، ولكنها لن تنسى أنه هو من وافق على مرافقة هشام له، بل أنه وقف بجوارها يطمئنها على حال هشام وقت أن أصابه ذلك العيار الناري، وقد لمست حينها مدى قرب العلاقة بينهما، تعرف كل هذا وأكثر وكم تتمنى أن يسمح لها بأن تشاركه آلامه وتعمل على مسح هذا الحزن الذي يظلل وجهه بل ويكسو لياليه وأيامه!

لن تنكر بعد ذلك، شعورها ما ان سمعت بنبأ استشهاده ليس شفقة أو حزنا عابرا لفقد حماتها ابنها الوحيد أو فقدانها لعمّ ابنها الذي كان بمثابة الأب له، بل كأن روحها نزفت وأشرفت على الموت. حبًّا!

نعم، لن تخدع نفسها أكثر من هذا، فهي. تحبه! كيف ومتى ولماذا. لا تستطيع التحديد تماما، قد يكون منذ انقاذه لها من براثن ذاك المجرم الذي اختطفها، أو لوقوفه بجابنها واسكات أي شخص تجرأ وخاض في سيرتها، أو من المحتمل رؤيتها له وهو يلاعب صغيرها، والذي تعلّق به بقوة، وكأنه والده الحقيقي.

كما لا تنكر أن تقربه منها، بل واعترافه لها بأنه يريد المضي في زواجهما قدما، مع مناغشاته العاطفية لها، كل هذا دغدغ أنوثتها التي قمعتها قسرا منذ وفاة والد صغيرها، وجعلها تشعر بأنها أنثى مرغوبة، ذلك الاحساس الذي مات ودُفن منذ سنوات.

كل هذه الامور أجمع جعلته رغما عنها يحتل مساحة كبيرة في تفكيرها، كم شعرت بالزهو وهي ترى غضبه وغيرته يوم حفل الزفاف ذاك الذي حضراه في الساحل، يومها وبالرغم من أن اظهارها لغضبها وحنقها ولكنها بداخلها كان هناك احساس يدغدغ معدتها، بأن هناك من يغار عليها، احساس لم يسبق لها تجربته، حتى مع فريد زوجها السابق!

لا تنكر حب فريد لها، ولكنه كان يتمتع بهدوء أعصاب يصيبها بالغيظ في كثير من الاحيان، علاوة أنه كان دائما حسن الظن لدرجة الغيظ والسخط!

عندما كانت تلاحظ نظرات أحد من معارفهم وهي تفتقد للاحترام، أول الامر كانت تخشى مصارحة فرد فهي لا تريد اغضابه، ولكن مع تكرار الامر اضطرت في مرة من المرات لمصارحته خاصة وانهما كانا مدعوان لدى أحد زملاء فريد وكان هذا الشخص هناك، لن تنسى يومها ما قاله لها، وهو يهز برأسه غير مصدق ليقول أنها ولا بد يهيؤ اليها، وأن ذلك الشخص مشهود له بالسلوك الحسن، وعندما هتفت بذهول قائلة وهل من السلوك الحسن أن يسلط عيناه عليها طوال الوقت؟ . كانت اجابته الصادمة أنه قد يكون تحديقه المستمر فيها لانها تتحدث وهو يريد ان يظهر حسن الانصات اليها! ...

يومها علمت أن فريد لن يتغير، وأن طيبته التي يتندر بها كل من يعرفه قد تصل لدرجة السذاجة الشديدة، لتقرر الاعتماد على نفسها فهي أقدر على حماية نفسها، ولم ينقص هذا من قدره لديها، بل شعرت تجاهه بشعور الام ناحية طفلها البريء، ليلمس فريد قوتها الظاهرة في هدوئها وبرودها الشديد، فيزيد من اعتماده عليها، لتصبح منال هي عماد البيت، وهي المتصرّف في كل شؤونه، وفريد لم يكن يعترض بل كان سعيدا بأن منال قد أعفته من اتخاذ القرارات!

ولم يستمر زواجهما كثيرا، فقد توفى وهي حامل في شهورها الاولى، لا تدري لما لم تُصدم بخبر رحيله؟ صحيح أنها قد حزنت بل كادت تهلك من شدة حزنها لفقده، ولكن بداخلها وكأنها كانت تعلم أن انسان بنقاء فريد وطهارة سريرته لن يعيش في هذه الدنيا الصعبة كثيرا، وكأنه ابن موْت. كما يقولون!

ليأتي هشام، شخصية مغايرة تماما لشقيقه، عصبي، عنيد، غيور، حاد الطباع جدا، في البداية حصل الصراع بينهما فهي كانت قد اعتادت على أن تتخذ القرارات التي تخص حياتها بل وحياة عائلتها بنفسها، ليأتي هشام يجبرها على فعل هذا وذاك، ولأول مرة تعترف بأنها وان كانت عاندته كثيرا، بل وتعمدت عدم الانصياع لأوامره، ولكن بداخلها شعرت ولأول مرة بالراحة أن هناك من يحمل عن كتفيها عبء المسؤولية، شعرت وللمرة الاولى أن هناك من تستطيع الاعتماد عليه عدا نفسها، وكأن فطرتها الانثوية بدأت تستنشق هواء الراحة، فهي أولا وأخيرا أنثى مهما بدت قوية ولكنها تحتاج لمن ترتكز عليه، ويشعرها وجوده بجوارها بالقوة، لا تأبه لما يخفيه الغد فهو معها، يساندها، يفكّر معها، بل ويتخّذ القرار بدلا منها!

زفرت بتعب، تشعر بحيرة شديدة، فهو يغلق على نفسه منذ خروجه من المشفى، يرفض الكلام مع أيّ كان، حتى فريد صغيرها، يخبره بكلمات صغيرة عندما يطلب منه الجلوس معه أن يتركه بمفرده فهو يشعر بأنه ليس على ما يرام، وكأنه يخبرهم بأمر لا تعلمه!

لتقف رافعة رأسها الا الاعلى وهي تتمتم قائلة بثقة: - مش هسيبك يا هشام، احنا الاتنين واحد، مش بمزاجك تطلب مني نكمل سوا، ولما يحصل حاجة زي دي، تمنعني أشاركك حزنك، أنا مراتك. ومش ممكن أسمح لك تبعدني عنك أكتر من كدا، لو مش هكون معاك ايدي في ايدك في الظروف دي، يبقى لازمة اللي بيننا ايه؟

دلفت منال خارج غرفتها متجهة الى غرفة هشام وكلها عزم واصرار وقد عزمت على مجابهته ان صمم على تجاهلها، ولكنها فوجئت به وهو يخرج وما ان رآها حتى تصلبت تعابير وجهه، ليقول ببرود: - كويس اني شوفتك، لو سمحتي يا منال عاوزك في الصالون شوية!

أومأت منال لتتبعه، فأفسح لها لتدلف أمامه، ثم أشار لها بالجلوس، تبعها هو، حيث بادرها قائلا ببرود غريب عليه: - فيه موضوع عاوز أقولك عليه. طبعا ماما كمان هتعرف بيه بس أنا قلت أقولك انتي الاول!
منال بتقطيبة حائرة: - خير يا هشام، قلقتني؟

تنف هشام عميقا ثم قال: - انتي طبعا عارفة أنه ف - وجد صعوبة في نطق اسم صديقه الفقيد ولكنه استمر ضاغطا على نفسه لينطقه – فؤاد عنده ولد وبنت، الولد ثمن سنين والبنت خمس سنين.
منال بشفقة وحزن: - أيوة عارفة، شوفتهم لما روحت أعزي في الشهيد فؤاد أنا وماما أنعام، ربنا يصبرهم، بس مامتهم محتسبة وصابرة ماشاء الله عليها.

هز هشام برأسه والحزن يعلو وجهه وقال بجمود: - فؤاد الله يرحمه فداني بروحه، وهو بيموت. وصاني على ولاده!
منال وقد بدأ قلق غريب يغزوها لتقول بتوجس وحيرة: - طبعا يا هشام مش هنسيبهمن أنا بسأل على مراته على طول و...
قاطعها وهو يقف قائلا بصلابة: - الشهيد فؤاد طلب مني أنا أني أهتم بيهم، دول وصيته ليا أنا مش لأي حد تاني!
رفعت منال رأسها تطالعه وقالت بتساؤل وبداخلها تكذّب حدسها: - يعني ايه يا هشام؟ مش فاهمه!

لتأتي كلماته صادمة. قاتلة، تؤكد هاجسها الغريب: - يعني أنا هستنى العدّة تفوت وهتقدم لأرملته، ولاد فؤاد محدش هيربيهم غيري أنا!
لتنهض منال بالحركة البطيئة وهي تهمس بذهول وصدمة بالغين وعينيها متسعتان بقوة: - إيه؟!..
نهض هشام بدوره وهو يقول ببرود: - اللي سمعتيه!
منال بجمود بينما تشعر بأنفاسها محبوسة وكأنها تختنق: - ودا قرارك النهائي؟

هز هشام رأسه بالموافقة وقال: - أيوة يا منال، فؤاد فداني بروحه، يبقى أقل حاجة أعملها أني أنفّذ وصيته!
منال بمرارة: - ما اعتقدش الشهيد فؤاد كان يقصد انك تتجوز أرملته، أكيد كان قصده انك تنتبه ليهم وتودهم، مش معقول كل حد مراته يموت تجري تتجوزها! دا بقه أسلوب حياة عندك ولا ايه؟!

قطب هشام وتقدم ناحيتها وهو يقول بريبة: - ايه؟ قصدك ايه؟

لتنفجر دفعة واحدة وقد تراكمت عليها ضغوط الايام السابقة، بل منذ زواجهما وهي تشعر بضغط رهيب، ضغط منه كي تستجيب لمحاولاته في جعل زواجهما حقيقة واقعة وليس حبر على ورق، وضغط من نفسها هي على نفسها وهي تحاربها بقوة حتى لا تستجيب له، بينما قلبها كان يريد وبقوة الاستسلام له، فقد شعرت ولأول مرة أنها تريد الشعور بضعفها كأنثى، وحده هشام غذّى هذا الشعور بداخلها، وضغط آخر وكان هذا الأكبر بينهم، سماعها لنبأ استشهاده والذي تبين عدم صحته عندما ركضت هي وحماتها الى المشفى لتفاجئا باصابته اصابة خطيرة فيما استشهد رفيقه، كل تلك الضغوطات تكالبت عليها لتنفجر فجأة كالبركان الثائر فتهدر بغضب بينما أفلتت دموعها تجري على وجهها:.

قصدي انك زي ما اتجوزتني عشان أرملة أخوك، هتتجوز مرات صاحبك عشان أرملته، وهيكون فاضل كمان اتنين، شوف لك حد تاني ولا اولك تالت ورابع كمان، ما انت عاملها جمعة خيرية!

راقب هشام انفعالها بذهول بالغ قل ان يصيح هادرا بغضب: - منال!
ولكن منال كانت قد فقدت مكابحها، فأصبحت كالسيارة التي تسير بلا أدنى كوابح، لتجيبه ساخرة بمرارة وأسى:
- ايه؟ مش دي الحقيقة؟ تنكر انك اتجوزتني في لحظة شهامة منك؟ أنا بقه اللي بقولك دلوقتي الله الغني!

تقدم هشام منها وهو يقول بهدوء ينذر بالشر ولو كانت في حالتها الطبيعية كانت لجمت نفسها، ولكن منال كانت بعيدة كل البعد عن اي حالة طبيعية كانتها في يوم من الايام:
- يعني ايه؟ قصدك ايه بالله الغني؟!

منال هاتفة بتحد وهي ترمي برأسها الى الخلف ليلاحظ ولأول مرة أنها تقف أمامه دون وشاح يغطي خصلاتها البندقية، والتي سقط عليها ضوء المصباح فشعّت ببريق خطف أنظاره، بينما لم تلاحظ هي ما طرأ عليه لتقف أمامه تهتف بتحد بينما دموعها لا تزال تجري على وجهها:.

- بقولك أني خلاص. مش عاوزة حمايتك، وفّرها للي محتاجينها بجد، أنا طول عمري وأنا قادرة أحمي نفسي كويس اوي، حتى بعد ما اتجوزت أخوك، ولما خلفت فريد محدش كان مسؤول عنه غيري أنا، وأنا مش عاوزة زوج بمسمّى بودي جارد. مهمتك انتهت يا كابتن!

لتشمخ عاليا برأسها وتمسح وجهها بقوة، قبل أن تنفض رأسها الى الخلف فتطايرت خصلاتها حول وجهها، لتتقدم بعدها بنية الانصراف، ولكن قطع عليها هشام الطريق، ورفع يده يعيق تقدمها وهو يقول بغموض:
- ثانية معلهش، انتى قصدك. الطلاق؟!
وقفت منال امامه تطالعه بابتسامة استهزاء قبل ان تقول: - برافو عيك، وعرفتها لوحدك!
هشام بترقب: - ولو رفضت؟
حركت منال كتفيها بأسف مصطنع وقالت: - يبقى مافيش قودامي غير اني أخلعك!

هشام بغضب مكتوم: - هي حصلت؟ تخلعيني!
منال بقوة: - طبعا، وأظن حقي، حقي أني أرفض يكون لي ضرة، حقي أني أختار حياتي، حقي أني احس بالامان مع اللي المفروض انه جوزي، لكن بالطريقة دي حتى لو رجعت في كلامك من جوازك من ارملة الشهيد، هفضل قلقانه وخايفة انك تفكر في الموضوع دا تاني، اللي يفكر مرة، يفكر ألف مرة، واما حتى مجرد تفكيرك في واحدة تانية ما اسمحش بيه، ودا. حقي!

نظر هشام الى الاسفل يومأ برأسه موافقا وهو يكرر بصوت متباعد: - اممم. حقك!
ليرفع رأسه دفعة واحدة وهو يهدر بشراسة بينما انطلقت يده تقبض على مرفقها بقوة آلمتها:
- وأنا حقي فين؟ فاكرة حقوقك كويس اوي، لكن حقي أنا. جووووزك. فين؟ اللي بيطالبه بحقوقه يا هانم يدِّي الناس حقوقها الاول، وانا مش اي ناس. أنا جوزك. ها؟!

حاولت منال الافلات منه وهي تصيح بدورها: - كل دا اللي همك؟ عاوز حقوقك وبس؟ كأني بقرة ولا جارية عندك!

ولكنه رفض افلاتها وبدلا من ذلك قبض على ذراعها الاخر وصرخ بقوة: - لو كنت عاوز حقوقي وبس أو كنتي بالنسبة لي جارية كان زماني أخدتها من زمان، وبرغبتك على فكرة، لانك مهما أنكرتي أني مش منيعة قودامي، لكن عشان انا عاوز منال الانسانة، عاوز مراتي اللي من لحظة ما حملت اسمي اقسمت بيني وبين نفسي انه الهوا ما يجرحهاش، واني احميها بروحي، عشان عاوز الانسانة قبل اي حاجة تانية صبرت، كتمت جوايا وبئيت عامل زي اللي ماشي على الحبل، تفتكري انه سهل عليّا؟ انتي كنت مرات أخويا، أخويا دا اللي كان بالنسبة لي زي ابني، كم مرة جيت على نفسي وعلى كرامتي وانا بحاول اتقرب لك، وأعرف حياتكم كانت ازاي، عشان أحاول أبعد عن أي حاجة ممكن تشبه لأي ذكرى جمعتكم سوا!

حاولت الفكاك ولكنه تابع كاعصار قوي لا يبقي ولا يذر: - كل مرة كنت بلمسك فيها وتبعدي عني أصبّر نفسي واقول معلهش لسه متعودتش عليك وانا جوايا خوف رهيب تتخيليني هو، ويمكن دي الحاجة اللي منعتني عنك كمان، حقك! لما تعرفي يعني ايه حق الاول، وتعرفي الحق إلى في رقبتك ساعتها تعالي قوليلي حقك!

طالعته منال بصدمة، لم تكن تتوقع أبدا أن يحمل هشام كل هذا الألم والوجع والحسرة بين جانبيه، ولكن هذا لا يعني أن يفكر في الزواج بغيرها، لقد دبحها بسكين ثلم، لتقول له بأسى وحزن:
- عشان كدا عاوز تتجوز صح؟ زهقت ومليت، وأنا بعفيك من الوجع دا كله، سيبني يا هشام، سيبني أبعد عنك، ريّح ضميرك وبالك وابعد عني، وما تقلقش انت هتفضل عم فريد، وانا عمري ما هقصّر مع ابني.

هشام بسخرية حاقدة: - يا سلام على التفاني، عاوزة تفهميني انك مش هتفكري تتجوزي؟
منال ببساطة حزينة: - الله أعلم، دا شيء في علم الغيب، لو هتسألني دلوقتي هقولك لا، لكن الله اعلم بكرة فيه ايه، مش يمكن أقابل الانسان اللي أحب أني أكمل معاه حياتي؟ بس حتى لو دا حصا تأكد أنه فريد لازم يوافق الاول!

طالعها هشام باستغراب تام قبل ان تنطلق ضحكة ساخرة عالية منه قال بعدها بصوت أجوف وهو يطالعها باستهزاء:
- اممم، يعني عندك أمل انك تقابلي واحد تاني وتكملي معاه؟ بس معلهش. مضطر أخيّب أملك وأقولك أنه أمل ماتت وشبعت موت، طلاق متحلميش بيه، جواز. انت فعلا متجوزة، وأحب أطمنك أنه جوزك مش ممكن يتخلى عنك مهما حصل ومهما عملتي.

تخبطت بشدة تحاول الافلات ليفاجئها بأن طوق خصرها بذراعه يضمه اليه يعتصرها بقوة بينما أمسك بيده الاخرى مؤخرة عنقها يثبت رأسها ناظرا في عينيها بقوة وهو يردف بتأكيد تام:
- أنتي مراتي أنا. وأنا مش ممكن أتنازل عنك أبدا، أو عن حقي فيكي!
منال هاتفة بمرارة: - قصدك حقك في جسمي!

هشام ببرود وهو يضع راحته فوق قلبها الذي يطرق بعنف: - لا يا منال، حقي في قلبك، وهاخده يا منال، قلبك دا هيبقى ملكي، زي ما كلك ملكي، وكل ما استوعبتي دا بسرعة كل ما كان أريّح بالنسبة لك!

طالعته منال بشراسة لتجيبه بتحد: - في احلامك يا حضرة الظابط!
هشام بصلابة: - لا. في الحقيقة يا منال، وأنا أوعدك أنه هيبقى ملكي بأسرع مما تتخيلي!
سكت قليل ليردف بعدها بجدية: - ولو على الجوازة التانية اللي مزعلاكي أوي، أنا ما شوفتش منك أي حاجة تخليني أفتكر انك هترفضي، بالعكس افتكرتك هترحبي، خصوصا وانه في اكتر وقت محتاجك فيه جنبي، لاقيتك مش موجودة!

منال نافية بقوة: - انت اللي كنت منعزل عننا كلنا، تفتكر اني مش حاسة بيك؟ انت اللي ما ادتنيش الفرصة انى اقف جنبك، كنت بعيد عن الكل وانا احترمت حزنك دا، ما رضيتش أفرض نفسي عليك.

هشام وهو يطوّقها بذراعيه يلصقها به: - وأنا كنت محتاجك تفرضي نفسك عليا، تحسسيسيني أنك جنبي، حاسة بيا، تمسكي بإيدي، أعيط حتى في حضنك من غير ما أخجل منك، كنت مستني كتير اوي يا منال، حتى لو رفضت، زعقت، غضبت وصرخت، كنت منتظر منك انك تفهمي وتقدري وتستوعبي، مش ما صدقتي تديني ضهرك وتبعدي!

حزنت لخيبة الامل التي تراها في عينيه، لتهتف بصدق تام: - وأنا والله ما منعيش الا اني خفت، خفت عليك تنفعل وتغضب، كنت براقبك من بعيد لبعيد، مستنية الفرصة اللي اقدر فيه اقرب منك وأحاول اني أخفف عنك!
هشام وهو يميل عليها ليلصق فمه بصدغها: - واحنا فيها يا منال، قربي مني، ما تسيبينيش، خففي عني وجعي يا منال، خليني أنسى الألم اللي جوايا!

منال وهي تحاول مقاومته بينما كانت يداه تغرزان أنامله في جسدها بلهفة محمومة: - هشام. هش
هشام من بين قبلاته المحمومة التي ينثرها على طول وجهها: - أيوة يا منال، عاوز اسمع اسمي دايما من بين شفايفك، ما كنتش أعرف انه اسمي حلو اوي كدا الا لما نطقته شفايفك!

منال باعتراض واهن وقد بدأت مقاومتها تضعف وهو يداعب أنثوتها بلا هوادة: - هش...
ليلقتط باقي أحرف اسمه بين شفتيه، وثوان وكانت محمولة على ذراعيه، متجها بها الى غرفته، صافقا الباب خلفه، ليضعها فوق الفراش بحرص، وينحني عليها وهو يهمس برجاء وشوق:
- محتاجك يا منال. متبعدنيش!

ولم تستطع خذلانه، غلبها حبها الحديث العهد، بل نصره قلبها عليها، قد تشعر غدا بأنها قد تهوّرت، وأنها كان لا بد لها وأن تنتظر حتى يعترف لها صراحة بحبه، ولكن لا يهم، فهو يحتاجها، وغدا. لكل حادث حديث، وما ان انتهت لتلك النتيجة حتى. استسلمت و، سلّمت!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة