قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية إلا أنت (نساء متمردات ج3) للكاتبة منى لطفي الفصل الثامن والأربعون

رواية إلا أنت (نساء متمردات ج3) للكاتبة منى لطفي الفصل الثامن والأربعون

رواية إلا أنت (نساء متمردات ج3) للكاتبة منى لطفي الفصل الثامن والأربعون

طالع ساعته اليدوية عدة مرات وفي كل مرة يزفر بحنق شديد، قالت أمه في محاولة منها لطمأنته:
- يا بني ما تقلقش كدا، هي مراتك صغيرة؟ أكيد الطريق زحمة.

رد أسامة بنزق بينما داخله يتآكله القلق على يارا: - زحمة ايه بس يا ماما؟ هي انهرده عندها تصوير خارجي، والمكان مش بعيد عن هنا، عشان كدا اتفقنا اننا هنتقابل عندكم هنا نتغدى معكم وبعيدن نروّح سوا، مش قادر أفهم أنا هي الموبايلات عملوها ليه؟ مش عشان الظروف اللي زي دي؟ قافلاه ليه مش فاهم أنا؟!

أجاب والده بوقاره المعهود: - الغايب حجته معاه، اقعد كدا واهدى وهتلاقيه داخله على طول ان شاء الله.
لم يكد أبوه ينهي جملته حتى صدح رنين جرس الباب في الاجواء، ليهتف أسامة بينما يتجه لفتح الباب قائلا بعجالة:
- خليكي يا ماما أنا هفتح.

لحظات وطالعه وجه يارا المبتسم، بينما نظر هو اليها وهو بين نارين. أيعتصرها بين أحضانه من فرط لهفته وقلقه عليها أم يصفعها على مؤخرتها تماما كما يُعاقب الطفل المشاغب الغير مسؤول؟!

ليختار لا هذا ولا ذاك، بل تعمّد رسم البرودة الشديدة على ملامحه يقابل بها لهفتها الظاهرة في عينيها وهي تهمس باسمه:
- أسامة!
ليقول وهو يلتفت ليعود الى الداخل: - ما بدري!
لم تأبه يارا لاستقباله البارد لها، لتدلف الى الداخل مغلقة الباب خلفها، متجهة ال غرفة المعيشة تتبع خطواته، وما أن رأتها حماتها حتى هتفت وقد تنفست الصعداء:
- أخيرا!

وتقدمت منها تستقبلها في حضنها الدافئ، فمنذ أن وضع أسامة ابنها النقاط فوق الحروف بالنسبة لعلاقته بزوجته، علمت أمه أنها قد تخسر ابنها وهي تظن نفسها تحاول اسعاده، فهو لن يبادل حياته السعيدة المستقرة مع زوجته مهما كان المقابل. ومن يومها عادت علاقتها بكنّتها كما كانت بالبداية، قبل أن تستمع لوساوس نفسها ما أن تأخرت كنّتها في الحمل، وتتدخل هي بدعوى أنها تريد رؤية أحفادها من ابنها الحبيب، لتخسر محبة زوجته والتي كانت تعاملها بمثابة أمها تماما، ولكنهما الآن عادتا كأفضل ما يكون.

أردفت حماتها بحنان: - كنت فين يا بنتي، قلقتينا عليكي؟
ثم رنت بطرف عينها لذلك الضخم الواقف على بعد خطوات منهما عاقدا ساعديه ويعتلي وجهه تعبير منغلق، لا يشجّع أيٍّ كان على التعاطي معه حاليا!

قالت يارا بأسف صادق: - معلهش يا ماما، التصوير اتأخر، عدنا أكتر من مرة، وموبايلي فصل شحن.
ثم أخرجته من جيب سترتها الجينز ورفعته أمامها فرآه أسامة الذي وقف ملتزما الصمت التام دون تعليق بينما تابعت هي:
- والله هلكنا يا ماما، أنا كنت رافضة حكاية التصوير الخارجي دي، حد يصور خارجي مع عمرو وحيد!

ثم انتبهت لوجود حماها فاتجهت اليه تصافحه فربت على يدها قائلا بابتسامة: - ازيك يابنتي، منورانا.
قالت حماتها بتساؤل: - ويطلع مين عمرو وحيد دا يا يارا؟
يارا بابتسامة: - شوفتي عبد الحليم كدا أيامكم يا ماما؟ أهو عمرو وحيد دا شعبيته زيّه بالظبط، لو تشوفي إلى عملوه البنات وكل شوية يقطعوا التصوير عشان يقفوا يمضي لهم على الاوتوجراف او يتصوروا سيلفي معه!

نهض الاب قائلا: - طيب ياللا نتغدى وابقي كملي لنا حكاية سي عمرو دا واحنا على السفرة.
يارا بحماس: - ثواني هغسل ايدي وآجي أحضر السفرة، ارتاحي حضرتك يا طنط، أكيد تعبتي انهرده.
رد الوالد بمشاغبة وقورة لزوجته: - هتتعب في ايه؟ أنا عازمكم انهرده على كباب وكفتة من عند الدهان، الحاجة الوحيدة اللي حماتك عملتها سلطة الطحينة، خليتها تزود فيها حاكم الكباب والكفتة ما يتاكلوش غير بالطحينة.

الام بعتاب: - بقه كدا يا حاج؟ مش انت اللي صممت ما اطبخش وقلت لي له قابض المعاش وهتعزمنا من برّة؟

اقترب منها زوجها يمسك بيدها وهو يقول بابتسامة يناغشها: - أنا أقدر على زعلك بردو يا قلب الحاج؟ وبعدين كفاية الطحينة بتاعتك، أنتى عارفة انى مش بحبها الا من ايدك انتي وبس، ليكي نفس في كل الطبيخ حتى الطحينة ما دوقتوش عند أي حد!

يارا بمرح: - يا سلاااام يا حاج، هو دا الكلام...
لتنظر الى أسامة المتجهم وان كانت عيناه الخائنتين قد رقّتا لرؤية ضحكتها وأشارت اليه قائلة بأمل:
- يا ترى يا حاج أسامة لما نبقى قدكم كدا هيفضل بردو يقول لي كلام حلو؟ أنا خايفة أحسن عوامل الوراثة تكون جات عند الشبه ووقفت!

ليضحك حماها وحماتها التي قالت: - لا يا حبيبتي اطمني، ابن الوز عوام!
فقالت يارا وهي تدلف خارجة: - ماشي أما نشوف ابن الوز هيعمل ايه، ثوان أغسل ايديا وآجي.

كانت تقف أمام المغسلة ترش على وجهها المياه الباردة، قبل أن تغلق الصنبور وتسحب المنشفة لتجفف وجهها، عندما سمعت صوت تكة بسيطة، فأبعدت المنشفة عن وجهها لتفاجأ بأسامة وهو يقف مستندا الى الباب بظهره بعد أن أحكم إغلاقه!

أنزلت يارا المنشفة لتقول بدهشة: - أسامة؟! ايه اللي دخّلك كدا؟
أسامة بسخرية باردة: - إيه المشكلة، مش مراتي؟
لتلقي يارا المنشفة بعيدا وتتقدم منه وهي تهمس بحدة مراعية ألا يعلو صوتها: - مراتك؟! مراتك دا في بيتك، مش هنا في حمام أهلك!
ابتعد أسامة عن الباب وقال وهو يضع عينيه نصب عينيه وبكل عزيمة بينما أخذت هي بالتراجع من أمامه قاطبة في ريبة:
- هنا وفي بيتنا وفي كل مكان. أنتي مراتي!

يارا بتوجس: - جرى ايه يا أسامة؟ مالك فيه ايه؟
اسامة بهدوء ينذر بالشرّ: - ما قلتيليش (لم تقولي) ليه انه التصوير مع عمرو وحيد؟
يارا بغير فهم: - أيه المشكلة يعني؟ من امتى وانت بتتدخّل في شغلي؟

باغتها أسامة بالقبض على مرفقها ليقول من بين أسنانه المحكمة: - بيتهيألي أني قلت لك قبل كدا بدل المرة ألف أنه لما يكون عندك تصوير مع أي حد وخصوصا لو راجل يبقى لازم أعرف، من باب العلم بالشيء على الاقل، مابالك بقه لما يبقى الاستاذ عمرو بجلالة قدره؟ أنت مش شايفه نفسك كنت بتتكلمي عليه ازاي؟

يارا بتألّم: - آه يا أسامة دراعي! أنا مش فاهمه ايه الحكاية معاك بالظبط؟ في الأول قلت غيرة عشان علاقتنا كانت متوترة لكن دلوقتي مافيش اي حاجة بيننا بالعكس، أنا خايفة أحسدنا، يبقى ليه بتعمل كدا؟

قبض أسامة على ذراعها الآخر وسحبها ناحيته وهو يجيبها بتحكّم: - مش عمرو وحيد دا هو نفسه فارس أحلام حضرتك، وتحديدا في الفترة الاخيرة؟ تنكري أنك بتحلمي بيه؟

يارا هاتفة بغير تصديق: - بحلم بيه؟ أنت هتحاسبني على الحلم يا أسامة؟
أسامة بقهر شديد: - لما أسمعك وأنت نايمة بتترجيه ما يسبكيش ويمشي، ومش بس كدا بتتحايلي عليه أنه ياخدك للعالم بتاعه، الرومانسي الرقيق المليان أحاسيس ومشاعر. تفتكري أني بعد كدا أتعامل ببساطة كدا وأنا عارف انك قعدتي معه مش أقل من اربع ساعات فترة تصوير الحلقة؟

هتفت يارا بذهول: - أنا قلت له ياخدني للعالم بتاعه؟ ايه دا؟ استغاثة من العالم الآخر دي ولا إيه؟

هزّها أسامة قائلا: - يارا. مش عاوز استعباط!
يارا بجدية مطلقة: - أعدَم (أخسر خسارة الموت) عمرو ما بستعبط!
لتردف بعدها بصدق واضح: - أنا فعلا مش فاهمة، بس حتى لو دا حصل. أنا بردو ماليش دعوة، دا عقلي الباطل! هتحاسبني على عقلي الباطل كمان؟!

أسامة مكررا باستنكار: - باطل! اسمها عقلي الباطن يا جاهلة! وآه هحاسبك حتى على النفس اللي بتتنفسيه، ايه رايك بقه؟

يارا ببساطة: - لا دا مش جهل، انت اللي دقة قديمة!
توسعت حدقتاه في غضب عنيف لتسارع يارا متابعة: - وبعدين النفس محدش يقدر يحوشه، عملية التنفس عملية لا ارادية، زي عملية نبض القلب بالظبط! .

أسامة بقلة صبر: - يارا!
اقتربت منه يارا حتى لمست جسده وقالت وهي ترفع رأسها الى الأعلى تطالعه بعينين متسائلتين تموجان في إشارات حب واضحة:
- أنت بس لو تقولي مالك؟ من مدة وأنا حاسة أنك متغير، بس بكدّب نفسي، مالك يا حبيبي؟ معقول كل دا عشان حلمت بعمرو؟

ليطلق شتيمة نابية هاتفا: - أبو، عمرو، و، اللي جابوه كمان!
سارعت يارا بكتم فمه براحتيها وهي ترجوه قائلة: - كفاية خلاص، ما تقلقش الاموات في نومتهم!
لتزيح يديها ببطء بعدها مردفة: - شوف احنا نخرج دلوقتي لانه منظرنا أكيد زوبالة دلوقتي قودام أهل، ولينا بيت تقول فيه كل اللي انت عاوزه براحتك!

وقبل ان يجيبها سمعا صوت طرقات هادئة ارتفع بعدها صوت حماتها تقول بتساؤل: - يارا حبيبتي، انت كويسة؟
كتم يارا شهقتها وقالت بلهفة: - آه يا ماما، ثواني وخارجة.
الام: - ماشي يا حبيبتي، انا بس قلقت عليكي عشان اتأخرت، أما أروح أقول للحج يرن على أسامة مش لاقياه في الشقة!

كادت يارا تبكي لتهتف بغلظة وصوت مكتوم ناظروة بحقد لأسامة: - عجبك كدا!
طالعها أسامة بثقة تامة قبل أن يفاجئها وهو يتحدث بوضوح وبمنتهى البساطة: - أنا هنا يا أمي، قلقت على يارا زيك بالظبط وجيت استعجلها!
شحب وجه يارا أولا قبل أن يتلون بدرجات اللون الأحمرى ثم ضربت براحتها على وجهها وهي تهمس بنبرة أقرب الى البكاء:
- ي فضحتك يا يارا يا بنت أم يارا. منه له. منه له!

حماتها بتعجب: - انت عندك جوة؟ غريبة! يارا ما قالتش ليه؟
لتصمت لثانية أردفت بخبث بعدها وهي تكتم ضحكتها: - امممم تلاقيها اتكسفت يا عيني، ولا يهمك يا حبيبتي، المهم تكوني اطمنتي على مستقبلك، أحب أقولك الوراثة إلى بتقولي عليها أبني طلع أجدع منها، غَلَب أبوه يا حبيبتي!

لتطلق ضحكة عالية لم تستطع كتمها قالت بعدها: - يالا بقه الكباب هيبرد، أجلوا عمايلكم دي بعد الغدا، حتى ساعتها هتقدر تطمن عليها بقلب جامد، حاكم كباب الدهان بيرمّ العضم بصحيح!

نظرت يارا لأسامة بفم مفتوح بينما حاول هو رسم تقطيبة على وجهه، لتهمس بعدها معلقة بصدمة:
- أمك بتحسدني على الحمام يا أسامة؟ نفسها تبقى مكاني؟ وفي السن دا؟
سارع أسامة باسكاتها قائلا بأمر وهو يضع سبابته أمام فمه: - هشششش!، هتفضحينا!
يارا ببلاهة: - هفضحنا؟ بعد دا كله وهفضحنا؟

هزت برأسها بعدها وتابعت ببساطة: - لا. اطمن خالص، أمك زمانها أكيد قامت بالواجب وزيادة، ما شوفتش كانت فرحانة بيك ازاي وبعوامل الوراثة!

طوال فترة تناول الطعام ويارا كانت تأكل من غير شهية واضحة، فلا يزال توعّد أسامة لها بأن الحديث بينهما لم ينتهي بعد، يؤرقها، هي لا تريد أن تتوتر العلاقة بينهما، فهي لم تكد تصدق أن يعودا كما كانا في أيام زواجهما الأولى، وقد نست تماما قلقها بشأن موضوع تأخر الانجاب، كما أن حماتها لم تعد تنغّص عليها حياتها بالهمز واللمز كسابقا بعد أن وضع أسامة حدًّا لهذا الأمر!

لا تنكر أنها في غاية الذهول، ولولا أنها تثق جيدا في أسامة لقالت أنه يتأوّل عليها، هي لا تنكر انجذابها الشديد لذلك الفنان المشهور، حتى أنها قد سعت بكل جدية ليكون ضيف حلقتها الاسبوعي، ولكن هذا لا يعني أنها من المتيمات الحمقاوات اللاتي صرخن اليوم بهستيرية وهن يرينه أمامهن، وبعضهن كاد يغشى عليه من فرط السعادة!

صوت أسامة أيقظها من شرودها وهو يميل عليها هامسا بتصلب: - كُولي، ما تسرحيش (لا تشردي)، اركني عمرو باشا على جنب دلوقتي، وقته جاي قريب اوي!

وقفت في غرفته القديمة بمنزل ذويه تهتف بحدة: - أنا عاوزة أروح يا أسامة، قلت لك انهرده كان طويل جدا، عاوزة آخد شاور وأنام!
أسامة ببرود: - ماما طلبت مننا نقضي انهرده معهم، مافيش سبب يخليني أرفض، ولو على الشاور فيه هنا حمام على فكرة وماية وشامبو، مش في الصحرا احنا!

يارا ساخرة: - والهدوم؟
أسامة ببساطة: - جاكيت البيجامة هيبقى عليكي فستان! محلولة مش كدا؟
زفرت يارا بتعب وقالت وهي تشير الى الباب المغلق خلفه: - خلاص يا اسامة خليك انت عشان مامتك ما تزعلش وانا هروّح بيتي.
لم تخطو سوى خطوتين اثنين سارع بالقبض على كتفها بعدها وهي تمر بجانبه يهدر بسخط: - ايه ايه. انت رايحة فين؟ بيتك في المكان اللي فيه جوزك يا مدام!

حاولت الافلات من قبضته وهي تهتف بدورها بنفاذ صبر: - فيه ايه يا اسامة؟ كل دا عشان سمعتني وأنا بحلم بعمرو؟ ما ستات مصر كلها بتحلم بيه جات عليا أنا ووقفت!

ناظرها أسامة بذهول ممزوج بغضب ناري، وهو يشعر أن التي تقف أمامه ليست يارا زوجته التي يعرفها جيدا، ليقول بسخرية غاضبة:
- أنا ماليش دعوة غير بست واحدة بس من ستات مصر دول. هي أنتي، حتى أمي ماليش دعوة بيها، عندها أبويا يتكفّل بيها، أنما أنتي. مسئوليتي أنا يا هانم، فاهمة ولا لأ؟

لتنفك عقدة جبينه العميقة ويرتفع حاجبيه المعقودين بشكل متنافر وهي يرى وجه ثالث وقد يكون رابع أو خامس أو حتى عاشر ليارا هذا المساء، حيث انفجرت فجأة في نوبة، ضحك متواصل!

ضعفت قبضته لكتفها وقال وهو يربت عليها بينما هي تضحك بهستيرية حتى ذرفت عيناها الدموع:
- يارا حبيبتي اهدي، أنت بتضحكي على ايه بس؟ يارا.
ولكنها لم تستطع مقاومة ضحكاتها المتتابعة لتقول بصوت متقطع من بينهم وهي تفرد يديها أمامها علامة الجهل:
- مش، مش عا. عارفة...

واستمرت في الضحك بشكل أخافه وأقلقه عليها، وفجأة، سكتت تماما! ليقطب في توجس وريبة، ورفع يده ببطء يربت عليها، وما أن لمست يده كتفها حتى، افترشت يارا الآرض أسفل قدميه حيث أغشى عليها بغتة!..

دلف الطبيب الذي سارع والده بالاتصال به بعد ان خرج ابنه من غرفته مناديا أمه في ذعر وقلق، وما هي إلا دقائق حتى أمرته والدته بالاتصال بالطبيب، ليشرع هو بالتنفيذ فلأول مرة يرى ابنه بمثل هذه الصورة من التوتر والهلع، وها هو الطبيب يقف أمامهم بعد أن أنهى فحصها بينما يقفوا هم في انتظار ما سوف يقوله، وقبل أن ينطق بحرف كانت زوجته تدلف خارجا ووجهها مهللا ليتحدث الطبيب بمهنية قائلا:.

- مافيش داعي للقلق، هي بس المدام محتاجة راحة تامة ورعاية خصوصا في الفترة دي!
أسامة مقطبا فهو لم يزل لم يفهم ما يريد الطبيب قوله: - معلهش يا دكتور. بس ايش معنى يعني الفترة دي؟
الطبيب ببساطة شديدة: - أول تلات شهور الحمل معروف انها بتكون فترة صعبة على الأم، فعشان كدا لازم لها الهدوء والراحة خصوصا وان هرمونات الحمل بتخلّيهم حساسين وبينفعلوا بسرعة!

أسامة بذهول وعدم تصديق: - ح، حمل!
لتنطلق زغرودة والدته تؤكد له صحة ما سمعه من الطبيب!

وقف أمام الباب ما ان تخطاه الى الداخل، يطالعها بذهول وعلامات الفرحة تتقافز على صفحة وجهه الرجولي الوسيم، لتهمس هي باسمه:
- أسامة.
وكأنها نبهته من ذهوله الواضح، ليسارع اليها يجلس بجوارها على الفراش، يمسك بيديها يقبلهما، ظاهرا وباطنا، وهو يهمس بصوت متحشرج:
- الحمد لله، ألف حمد وشكر ليك يا رب، مبروك يا قلب أسامة، ألف ألف مبروك.

يارا بابتسامة مرتعشة وعينين دامعتين: - الله يبارك فيك يا حبيبي، مبروك لينا احنا الاتنين، هتبقى أب يا أسامة، هبقى أم ولادك ان شاء الله، جوايا – ووضعت يدها على بطنها مسترسلة بحنان فائق – حتة منك بتكبر، بذرة حبنا اللي زرعتها جوايا. هلمسه بإيديا يا حبيبي.

أسامة بهمس خشن وهو يقبل باطن كفها بينما يضع يده الاخرى فوق راحتها التي تمسد بطنها:
- ان شاء الله حبيبتي، ربنا يجيبه بالسلامة ويقومك بالسلامة، هتبقي أحلى أم.
قطبت يارا لتهمس بعدها بدهشة وهي تلمس وجنته الخشنة: - أسامة. أنت بتعيّط!
أشاح أسامة بوجهه وقال نافيا بضحكة خرجت مبتورة: - لا عياط ايه.
بينما كانت يده تمسح تلك الدمعة الخائنة التي نزلت على وجنته في غفلة منه، قالت يارا بهمس ناعم:.

- دموعك غالية اوي، مع أني أول ما الدكتور قالي ضحكت وعيطت سوا، لدرجة انه خاف عليا من الانفعال فقال أنه لسه تحليل الحمل في الدم عشان نتأكد، لكن من كشفه ومن شوية أسئلة سألها لي هو متأكد انه حمل!

ليعلو صوت من أمام الباب هاتفا: - حمل. 100% ان شاء الله حمل!
التفت أسامة الى والدته التي دلفت الى الداخل وقال: - لسه يا ماما التحليل.
قاطعته أمه بصرامة قائلة: - احنا لسه هنستنى التحليل. قومي يا يارا!
أسامة بتساؤل: - تقوم تروح فين؟

أمه وهي تشير ليارا المذهولة بالنهوض بينما تمسك بعلبة صغيرة مستطيلة في يدها: - أنا مش هستنى تحليل المعمل، كلمت الصيدلية اللي تحتنا وبعت لي أختبار حمل، قلت له عاوزة أحسن نوع عندك، وفي ظرف دقايق هنكون مطمنين على ولي العهد!

مرت الدقائق كالساعات على أسامة لتفتح يارا باب الحمام وتدلف خارجا وهي في حالة ذهول وما ان نظرت اليه حتى رفعت شريط اختبار الحمل وهي تقول مشدوهة:
- خ خطين يا أسامة! أخيرا شوفتهم! بعد ما كنت كل شهر مش بشوف الا خط أحمر واحد بس، خطين أحمر يا أسامة. أحمر!

لتلقي بنفسها بين ذراعيه فيما علت الزغاريد من فم والدته وليبارك لهما والده، وبعد أن هدأت وصلة الزغاريد تقدمت أمه من يارا تقول بلهجة حاسمة:
- انتي من هنا ورايح مش هتتحركي من مكانك، التلات شهور اللي جايين أخطر شهور، عشان كدا هتفضلي تحت عيني هنا، دا حمل عزيز يا ضنايا واحنا ما صدقنا!

يارا بشجن وهي تمسّد معدتها: - فعلا. ما صدقنا يا ماما!
أسامة موافقا: - وأنا هقدم لك على أجازة مفتوحة من الشغل، وهحاول أفضي نفسي قد ما أقدر عشان ما أسبكيش الا وقت قليل اوي.

أمه بابتسامة ماكرة: - ايوة يا حبيبي. وخد بال الدكتور مشترط راحة من كله! فاهمني طبعا!
قطب اسامة بغير فهم للحظات قبل ان ينظر اليها بتساؤل فأغمضت عينيها بمعنى الموافقة على تخمينه الظاهر في نظراته، ثم فتحتهما مردفة:
- وخلي بالك أوقات هتلاقيها بتضحك وكتير بتعيط عادي جدا، كله من الوحم، ودي أصعب فترة، وان شاء الله تعدي على خير.

أسامة بتفكير: - تضحك وتعيط!
وتذكر وصلة الضحك التي انخرطت فيها يارا بعد حدتها وعصبيتها الظاهرة، لتقول يارا ما دار بخلده:
- أيو صحيح يا ماما. تصدقي انى كتير ببقة عاوزة أضحك وأعيط في نفس الوقت؟
سارت بها حماتها حتى أجلستها على الفراش ثم ساعدتها على الاستلقاء قبل أن تقول: - عادي يا حبيبتي، ما تخليش نفسك في حاجة، عيطي، اضحكي، زغردي كمان، كل اللي في نفسك اعمليه!

نحنحة خفيفة من امام باب الغرفة نبهتهم ليلتفت أسامة فيرى والده ليسرع قائلا: - اتفضل يا حاج.
دلف الحاج الى غرفة ولده وهو يلقي بمباركته له ولكنّته بالحمل الميمون، ليقول بعدها ليارا مازحا:
- ياللا بقه اتوحمي على حماكي عشان الواد يطلع شبهي، ولا مش عاجبك؟
هتفت الام باعتراض: - ايهيييي! دا انت تعجب الباشا يا حاج!

ضحك أسامة وتقدم ليجلس بجوار يارا وهو يقول بمرح: - معلهش يا حاج، بس زي ما الحاجة اتوحمت عليك في ولادك أنا كمان نفسي مراتي تتوحم عليا، ولا ايه يا يارا؟

يارا بابتسامة خجل صغيرة: - أكيد طبعا، وبعدين ما انت شبه بابا الحاج، يعني بردو هيطلع لكم انتم الاتنين، ولو ان تصدق انا نفسي يطلع شبه مين؟

حماتها باهتمام: - مين يا ضنايا؟
يارا بعينين تلمعان: - عمرو وحيد!
في أقل من الثانية كانت ابتسامة أسامة تختفي وتحل بدلا منها تكشيرة مغتاظة مرددا بقهر:
- عمرو مين؟
هتفت والدته بحبور: - مش دا اللي كنتي بتحكي لي عنه واحنا بنشيل السفرة؟ حتى وريتيني صورته؟
أومأت يارا بنعم لتتابع حماتها: - تصدقي ياريت يطلع شبهه، ما شاء الله عليه قيمة وسيمة ومركز، وسمّيه عمرو كمان!
قفز أسامة هاتفا: - على جثتي!

فالتفت اليه ثلاثة أزواج من الاعين ليردف قائلا وهو يحدجها بتحد: - طب ايه رأيك بقه أنا حاسس أنه اللي هييجي بنت.
يارا ببراءة مستفزة: - وماله يا حبيبي البنات رزقهم واسع، ونسميها بدل عمرو. عَامرَه!
أسامة باستهجان: - عَامره؟ ليه كانت عربية هتصلحيها؟
يارا ببراءة مفتعلة: - انت دايما بتقفش كدا؟ وبعدين دا اسم جديد.
قاطعها قائلا: - والله ما حد عاوز يتعمل له عامره في نافوخه غيرك!

ليردد بعدها هامسا لها بتوعد: - بقه عاوزة تتوحمي على ابن وحيد؟ وبتحلمي لي بيه اكيد عشان كدا، وحم بقه!
ابتسمت يارا وقالت: - شوفت عشان تعرف انك ظلمتني، ابنك هو السبب!
أسامة ببساطة: - ولا يهمك حبيبتي، هربيه بس يطلع لي، عشان يتعلم ميخليش أمه عينها تزوغ على حد تاني!

ضحكت يارا بينما انسحب والداه في غفلة منهما مغلقان الباب خلفهما بخفة، وهمست بحب:
- عيني وقلبي وروحي وحواسي كلها مش شايفة غيرك، ومش بتحب الا انت وبس!
مال عليها هامسا بتهدج أمام وجهها: - هي حماتك قالت راحة تامة يعني تامة صح؟
أومأت يارا بابتسامة ناعمة ليردف وهو يلقي بنفسه الى جوارها: - طيب ريحي نفسك خالص أنت، وسيبي كله عليا!

وامتدت يده لتطفأ الضوء بينما اشتعلت أنوارا أخرى مصدرها شعلة الغرام المتقدة داخلهما والتي لا تنطفأ ولا تخبو أبدا!

تخيل أنا بئالي شهر لغاية دلوقتي بآجي وأقعد أرغي أرغي وآكل.
ورفعت قطعة الكعك التي كانت تلتهمها بشراهة، فهي من محبي الحلويات بجنون، وأردفت وهي تغطي فمها حتى تبلع ما حشرته فيه من طعام:
- هيفوتك نص عمرك لو ما دوقتهاش، دي بالشوكولاته السايحة.

ابتلعت ما في فمها قبل ان تتابع مستفيضة في الكلام: - انا بحب النوتيلا جدا، لكن سعرها ضرب فوق اوي، 75 جنيه! ليه؟ ما أجيب نص كيلو لحمة أكتّر عليه بصل ويبقى كباب حلة مفتخر، جبت نوسة، على قد الايد. 40 جنيه ومش بطالة والله، شغالة يعني. تدوق؟!

ورفعت له يدها بإحدى قطع الكعك المتراصة أمامها فوق الصينية، ولكنه أشاح بوجهه في صمت، لم تغضب منه، فهو بالنسبة اليها قد أحرزت تقدما، حتى وأن كان بسيطا، ففي البداية كان يرفض مجرد النظر اليها، ولكن مع اصرارها على القدوم يوميا والجلوس اليه في مواعيد الزيارة بأمر الطبيب وبمثابرتها أصبح يكتفي أحيانا بالنظر اليها في صمت ثم يعود للاشاحة بوجهه ثانية، وكان هذا أكثر من كاف لها.

شادية حاصلة على ليسانس آداب قسم علم نفس، وتقوم بتحضير رسالة الماجيستير في التحليل النفسي، وحالة معتز ستساعدها في مجال رسالتها، ولهذا فهي طلبت من طبيبه المعالج السماح لها بالجلوس اليه والمحاولة معه، خاصة بعد أن جلست الى والدته وعلمت منها السبب الذي أدى به لمحاولة الانتحار، كما أنها عرفت عنه الكثير من الامور الهامة، الامر الذي سيساعدها كثيرا في حالته.

هزت شادية كتفيها بلا مبالاة وقضمت قطعة كبيرة من الكعك، لتبتلعها ثم قالت بصوت عال تكلم نفسها:
- الواحد عاوز ازازة حاجة سائعه يحبس بيها بعد الكاب كيك دا.
ثم نظرت الى معتز وقطبت متسائلة: - تصدق أنا أول مرة آخد بالي! احنا بنقول نحبس ليه؟ يعني ليه ما نقولش نشرب حاجة سائعه؟ ليه نحبس؟ ايه يعني. هنحبس الأكل خايفين لا يطلع براءة من زورنا؟!

صوت سعال خفيف، او قد تكون حشرجة خفيفة، جعلت عينيها تتسعان، وهي تهتف بغير تصديق بينما عيناها مسلطتان على ذلك القابع فوق فراش المشفى:
- انت ضحكت؟
قطب فواصلت: - كحيت طيب؟
عمّق تقطيبته أكثر فتابعت وهي تشير اليه: - لا ما هو أنا معروف عني أني بنافس الفيل في سمعه، واللي انا سمعته منك دا يا كحّة (سعال) يا ضحكة؟

ولكنه أبى أن يتكلم فقالت بحماس: - مش مهم مش مهم، المهم انك عملت اي صوت، كحّة، عطسة، شتيمة حتى. مش مهم! المهم تسمعنا صوتك الكريم!

مسحت يديها وفمها في منديل ورقي وطالعت ساعة معصمها قبل ان تقول: - فاضل عشر دقايق في الزيارة – وتنهدت بتعب قبل ان تردف – أنا متضايقة اوي يا معتز، خالتي جاية تزورنا انهرده، وعندها حتة بت سمجة. يا باااااااي، بتمسكني تريقة طول القاعدة!

لأول مرة تلاحظ بوادر تساؤل واهتمام في عينيه ولكنها سرعان ما اختفت فأخفت ابتسامة النصر التي كادت تعتلي شفتيها وواصلت وكأنها لم تنتبه الى سؤاله الصامت:.

- يعني أنا أعمل ايه؟ أمي بتحب شادية، أبويا بيحب أمي، راح مسميني على اسم شادية، انما الموضوع كان ممكن يعدي لو ما كانش اسم ابويا محمد منير! خالتي وبنتها بقه بيستلموني تريقة طول القاعده، ويقولوا محمد منير يخلّف شادية ازاي؟ دا جيل والتانية جيل تاني خااالص! أقولهم أمر ربنا بقه اعترضوا! وبعدين هما زعلانين ليه مش فاهمه أنا؟ بنعمل صلح بين الاجيال عادي يعني!

صوت طرقات قاطع استرسالها في الحديث والذي لم ينقطع طيلة الساعتين مدة الزيارة، لتدلف ممرضة تهتف بلهفة:
- شيرويت، الدكتور بكر عاوزك!
أومأت شادية أو شيروت بالايجاب وأخبرتها أنها ستلحق بها، قبل أن تنهض وتبدأ بجمع حاجياتها ثم اقتربت من معتز وقالت بابتسامة:
- أنا ماشية بقة يا كابتن، أشوفك بكرة ان شاء الله.
ليحدث الشيء الذي صعقها، إذ نظر اليها معتز مليّا قبل أن يتكلم ببرود تام وهو يقول بتقطيبة:.

- شيرويت؟! أومال شادية دي تبقى مين؟
وقفت شادية فاغرة فاها في غير تصديق لدقيقتين كاملتين، ثم أخذت تغمض عينيها وتفتحهما تباعا، قبل أن تهتف بغير تصديق:
- انت. انت اتكلمت؟
لتميل عليه تصيح عاليا بفرحة: - احياة حبايبك يا شيخ اتكلمت صح؟
ثم رفعت رأسها عاليا وهي تهتف بفرحة: - يااااااااااااااااه، أخيرا، لقد هرمنا من أجل هذه اللحظة!

ثم نظرت الى معتز ومالت عليه تزرع ليل عينيها في بندقيتيه وهي تقول بابتسامة عريضة تجيب استفساره:
- شادية دي تبقى شادية محمد منير، بنت محمد منير بس مش المغني، أما شيرويت بقه فيبقى. الاسم الحركي.

وغمزته بزاوية عينها اليمنى وهي تردف ضاحكة: - يعني طول ما انا بتحرك وانا شيرويت، أول ما أقعد أقلب شادية في ثانية!

ابتسامة خفيفة شقت طريقها الى فمه لتقول شادية بصدمة: - لا لا لا، كلام وابتسامة في طلعة واحدة، أنا هيغمنّ عليّا كدا!
ثم رفعت يديها الى السماء مردفة بصوت يتصنع البكاء: - أحمدك يااااااارب!

تمطت في الفراش وهي ترفع ذراعيها الى الاعلى، لتضرب يدها في جسد دافئ فتسحبها سريعا وهي تفتح عينيها واسعا، ترفض الالتفات تجاه مصدر الدفء الذي شعرت به، وكأنها بانكارها لوجوده وهروبها منه ستجعله يختفي!

ليبحط آمالها بصوته الهامس الساخر: - صباح الخير يا زوجتي العزيزة.
ولكنه لم ترد ولم تلتفت اليه ليقول بمشاغبة رقيقة: - انت عارفة انك في الآخر بردو هتبصي ناحيتي، ولّا انت فاكرة انك بكدا هتخليني أختفي ولا أنصرف مثلا!

ببطء شديد كانت تستدير برأسها الملقى فوق الوسادة ناحية صوته الرجولي ذو البحة الجذابة، بينما تقبض يديها على الغطاء لتستر عريها، وما أن وقعت عينيها أسيرة لنظراته المدغدغة لأنوثتها حتى تدفقت ذكريات الليلة السابقة على عقلها، ليتخضب وجهها بلون الحياء، وتقضم باطن شفتها بخجل يعصف بجوانحها، تعجبت له، فكأنها عروس للمرة الاولى، وليست أرملة قد سبق لها الزواج بل والانجاب أيضا!

مد هشام يده يحرر شفتها السفلى من قبضة أسنانها اللؤلؤية، ليطالعه لون أحمر قان جراء ضغطة أسنانها القوية على باطن شفتها الطري، فما كان منه إلا أن انحنى برأسه عليها، ليلثم وبرقة شديدة هذا الجزء الملتهب، ثم رفع رأسه ينظر اليها ليراها وهي تطالعه بتعبير مذهول من حركته الحميمية، فابتسم بجاذبية رجولية ساحقة وهمس بخشونة محببة:.

- بالراحة على دول، ما تقسيش عليهم، دول حبايبي، ومن هنا ورايح دول أمانة عندك. فخلي بلك منهم كويس اوي!

منال باستفهام مندهش: - هي ايه الامانة دي؟
هشام بكلمة واحدة جعلت دماء الخجل تضخ بقوة في أوردتها ووجيب قلبها يتصاعد عنان السماء:
- شفايفك!
ثم ورأفة بحالها نهض لتفاجأ به وقد ارتدى سروال منامته، ليمد يده ساحبا بلوزته البيتيه وهو يقول:
- خليكي زي ما انتي، ثواني وراجع لك.

وغمزها بعبث قبل أن ينصرف، بينما قبعت هي في مكانها تراقب انصرافه بتساؤل، فالتعبير المرتسم على وجهه منذ أن استيقظت هو. الراحة العميقة، تماما كمن وصل الى هدفه المنشود بعد طول عناء!

لم تكد تضع ساقها على الارض، حتى فتح الباب، لتسارع برفعها ثانية فوق الفراش، وهي تشعر بالتململ والخجل، فهي تريد الذهاب للحمام والاغتسال، فلا بد وأن ابنها قد استيقظ الآن كما أن حماتها ولا بد قد صحت هي الاخرى، فهي منذ استيقاظها لصلاة الفجر لا تعود للنوم ثانية.

تقدم هشام ناحية الفراش وهو يحمل بين يديه صينية كبيرة وضعها بجانبها ليقول بابتسامة:
- كنت رايحه فين؟ مافيش سمعان كلام كدا؟ أنت اقامتك اتحددت خلاص هنا. وتحديدا في السرير دا، نفسي أقولك لتلاتين يوم بس مش هينفع، عموما انهرده بس على الاقل وبعد كدا ليكي عليا هرتب أموري وهناخد أجازة طويلة نعمل شهر عسل بجد المرة دي.

تنحنحت منال قبل ان تهمس قائلة: - مش. مش هينفع انت عندك شغل وانا لازم أشوف فريد وماما.
قاطعها هشام مبتسما ببساطة: - فريد وماما خرجوا من بدري!
قطبت منال متسائلة: - خرجوا؟ معقولة بدري كدا؟
ثم استدركت مستفهمة: - هي الساعة كم بالظبط؟
هشام ببساطة: - 12 الضهر!
شهقت منال قائلة بدهشة: - أيه دا؟ أنا عمري ما نمت للوقت دا؟

هشام وهو يدنو منها: - قصدك بئالك كتير أوي ما روحتيش في النوم أوي كدا! وأكيد دا شيء يفرحني.
ثم أردف مشيرا الى الطعام: - ياللا بقه عشان نفطر، المرة دي أنا اللي حضرت الفطار، بس بعد كدا عاوز أفطر من ايديكي انت.

تشاغلت منال بالنظر الى محتويات الصينية، فهي لا تستطيع النظر الى عينيه فهي تعلم انها قد كشفت نفسها بوضوح اليه بالامس، وكأن عواطفها صرخت بحبه عاليا، فيكفي أنها لم تصده بل وتجاوبت معه بكل روحها العطشى لحبه، لتتكور بعدها تماما كالجنين وتنام ملتصقة به تنشد الدفء والامان!

قالت منال بهمس رقيق: - تسلم ايدك، بس ما قلتش ماما وفريد راحوا فين؟
هشام وهو يدهن قطعة من خبز التوست بالمربى: - عند جارتنا، بنتها جات تزورها ومعها ولادها وماما قالت فرصة فريد يلعب مع ولاد من سنه.

ثم حاصر عينيها بنظراته اللحوحة قبل ان يردف بهدوء وابتسامة صغيرة: - عموما ان شاء الله نخاوي فريد قريب، أنا متأكد أنه هيبقى حنين على أخواته أوي!

امتقع وجهها خجلا، ليستدرك هشام قائلا وهو يمد يده بقطعة الخبز: - اتفضلي. أنا عارف أنك بتحبي تاكلي المربى الاول قبل أي حاجة تانية!
تناولت شريحة الخبز من يده لترفع عينيها اليه تتساءل بدهشة: - وعرفت منين؟ دا انت حتى حاطط مربى المشمش بالذات!

هشام وهو يغرق في بندقيتيها: - أنا أعرف عنك كل حاجة يا منال، بتحبي ايه وبتكرهي ايه، حتى ذوقك في اللبس كمان، معقولة نكون عايشين مع بعض بئالنا شهور وبناكل على نفس الترابيزة وما أخدش بالي من التفاصيل الصغيرة دي؟

منال بتساؤل: - لأنها تفاصيل صغيرة زي ما أنت قلت!
نفى هشام بهزة من رأسه وقال: - صغيرة عند أي حد إلا عندي أنا! عمر ما حاجة ترتبط بيكي وتكون صغيرة او مش مهمة يا منال!

رآها وهي تنكس رأسها بينما خضبت دماء الحياء وجنتيها فلم يرد الاثقال عليها ليقول بابتسامة:
- ياللا بقه، مش هفطر الا لما تبتدي انتي. أنا جعان جدا!
لترفع أمام عينيه المسلطتين عليها شريحة الخبز وتقضم بأسنانها الصغيرة قطعة منها، فتلوكها ببطء داخل فمها، فمد يده بدوره متناولا لقطعة من الجبن الاصفر بشوكته يضعها فوق قطعة خبز ويتناولها بينما عيناه لم تطرفان بعيدا عنها ولو للحظة واحدة!

مدت يدها تتناول قدح الشاي عندما فاجئها بأن سحبه منها وعندما طالعته بتساؤل فقال بابتسامة:
- شفايف الورد دي ما تستحملش سخونة الشاي. لازم أتاكد انه مش سخن، ولو كدا. فأنا هبرّدهولك الاول!

لينفخ في قدح الشاي قليلا قبل أن يحتسي جرعة صغيرة منه، رفع رأسه بعدها يطالعها قبل أن يقول:
- دوقي كدا.
تناولت منه القدح ليمسك بأناملها فرفعت عينيها اليه ليهالها العواطف العاتية التي تمور بها نظراته، وارتبكت نظراتها في المقابل، فأشفق عليها هشام وترك يدها، لترفع القدح ترتشف منه رشفة كبيرة، فسألها هشام:
- سكره مظبوط؟
منال بدهشة: - مظبوط جدا، حتى الشاي عارف بشربه ازاي؟

هشام بثقة تامة وهو يغمزها بمكر: - لا أنا ما حطتش سكر خالص، بس دا تقريبا مكان ما أنا شربت منه! بصراحة مش عارف أشكرك يا منال على الكلام الجميل دا!

طغى اللون الاحمر على وجهها وأسرعت بإعادة القدح فوق الصينية وهي تهتف بانفعال وتلعثم:
- ك كلام ايه، أنا ما قلتش حاجة؟
ليزيح هشام الصينية جانبا وينحني فوقها وهو يهمس بخشونة: - أنا بقه هقول كل حاجة!
حاولت الاعتراض قائلة: - هش هشام لا، مينفعش، هش.

ولكن كان فم هشام الاسرع في ابتلاع الكلمات مسكتا احتجاجاتها بالكامل، فيما يداه تعزفان أعذب الالحان عليها، فتهفو روحها اليه، وترفع راية الاستسلام سريعا لمشاعرها التي ترجوها ألّا تحرمها من الارتواء من بئر حبه العذب.

همس لها من بين قبلاته الحارة المجنونة: - أنت مش عارفة انتي عملتي فيا ايه يا منال، يا ما حلمت بيكي هنا، معايا، أنفاسك تضرب خدي، وشعرك يدغدغ بنعومته صدري، ودراعي محاوط جسمك، أنا.

منال وقد أشعلت الكلمات النيران في سائر أطرافها: - انت ايه يا هشام؟
هشام بحرقة عالية: - أنا بحبك يا منال. بحبك!
لتبتسم بنعومة شديدة وتهمس بنظرات ناعسة: - وأنت. حبيبي.
ليقطف الياء الاخيرة من فوق شفتيها، حيث أسكتها فمه عن الكلام المباح!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة