قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية إلا أنت (نساء متمردات ج3) للكاتبة منى لطفي الفصل التاسع والأربعون

رواية إلا أنت (نساء متمردات ج3) للكاتبة منى لطفي الفصل التاسع والأربعون

رواية إلا أنت (نساء متمردات ج3) للكاتبة منى لطفي الفصل التاسع والأربعون

تبتسم بين سعادة ودهشة، لا تكاد تصدق أنها تحضر حفل زفافها للمرة الثانية! المجنون فاجئها وما بدأ كحفل عشاء محدود لعائلتهما فقط انتهى بحفل زفاف اقتصر على العائلة وأقرب المقربين اليهما، لتجد نفسها وفي أقل من أسبوعين عروسا للمرة الثانية على التوالي، وبفستان زفاف كان هدية زوجة خالها لها والتي تبين لها أنها كانت على علم بنوايا مجنونها، بلب وساعدته في جعلها ترتدي فستان زفاف آخر. هامسة في أذنها أنه فستانها هي حينما زفّت للمرة الثانية لخالها أدهم!

لا تنكر أن الفستان قد أسر لبّها ما أن وقع ناظريها عليه، فجماله يكمن في بساطته ورقّته، ما جعل شمس تمازح أمها أنها لم تجعلها هي ابنتها ترتدي ثوب زفافها، فلما التحيّز لريما؟ لتجيبها ريتاج وقتها بابتسامة واسعة أن ريما. خليفة المتمردة.

مال على أذنها يهمس بابتسامة جعلت دقاتها تضرب بين جنباتها كالطبول عاليا: - أنا المرة دي مش هسيب أي حاجة للظروف، أنا ابتديت أحس اننا متراقبين كل ما ننوي تحصل كارثة!

سألته بابتسامة ناعمة جعلته يود أن يلتهمها بشفتيه ولكن صبراً. فلم يبقَ الا القليل وسينال بثأره كاملا. ولن يوقفه أحد:
- وعملت ايه بقه يا شارلوك هولمز؟
همّ بالاجابة حينما قاطعه صوت هتاف ناعم باسمه لتنطلق بعدها صاحبة الصوت الى احضانه وهي تهتف قائلة بابتسامة فيما دموعها تنهمر دون وعي منها:
- عصام حبيبي، انا ما صدقتش وطارق بيقولي، ألف مبروك يا حبيبي والحمد لله اني شوفتك بخير.

صدقتيني يا ستي أهو قودامك صاغ سليم أهو ما نقصش تفتوفة حتى، لا وايه عريس كلاكيت تاني مرة!

هتف عصام بمزاح وهو يقف بينما توجهت هنا للسلام على ريما التي نهضت ما ان رأتها: - أهو نئّك (حسدك) دا اللي جايبني ورا! ما تصبر أنا ما بشوفش حاجة من ليلة الفرح دي غير فستانها وبدلتي والشريط بيسِفْ بعد كدا!

تعالت ضحكات مهدي الذي تقدم يحيط طارق بذراعه: - أهو صدقتيني أنا كمان؟ طول الطريق وأنا جايبهم من المطار وهي نازلة فيا أسئلة، احلف انه عصام كويس، طب وريما، وايه اللي حصل، واللي كان. بصراحة – ووجه حديثه لطارق المبتسم – خير ما عملت انك ما قلتلهاش حاجة لغاية ما وصلتوا بالسلامة، كانت جننتك!

بقه كدا يا مهدي؟..
هتفت هنا في حنق زائف ليجيبها اسلام شقيقها الذي انضم لهم مع زوجته شمس: - وأبو كدا. اختي وعارفك، واذا كانت ريما خليفة ريتاج فأنت خليفة أمينة رزق (يقصد في النكد والبكاء فقد اشتهرت الفنانة القديرة بهذه الادوار)!

همس بابتسامة وقد دنت منهم لتدعو العروسين لافتتاح بوفيه الطعام والذي رتبت مها وتاج أمره بالاتفاق مع مطعم خمس نجوم:
- خلاص يا اسلام بقه، هي دي حمد لله على السلامة اللي بتقولها لأختك؟
ثم وجهت حديثها للعروسين: - ياللا يا عرسان عشان تفتحوا البوفيه وتقطعوا التورتة.

هنا بتهديد مصطنع: - هو حر، شهد ما بئتش (لم تعد) ترضى حد يزعلني، واللي يعملها بتاخد لي بحقي منه، ربنا بيحبه انها نامت، لما تصحى هخليها تخلص منه كل دا...

ليتجه العروسان لافتتاح مائدة الطعام بينما تأخر عنهما مهدي منتظرا لبنى لموافاته والتي ما ان لحقت به حتى أحاط كتفيها بذراعه لتبتسم له بنعومة فهمس لها:
- أطمنتي على نهاوند؟
لبنى بابتسامة رائقة: - أحمد معها، مش سايبها ثانية واحدة، ومش هي وبس وريتال ونادين وشهد حتى أدهم الصغير كمان، مع انه الدادة معهم لكن هو رفض ينزل معايا وقالي انا قاعد مع اخواتي.

مهدي بفخر أبوي: - أحمد راجل من يومه ما شاء الله عليه.
ضحكت لبنى وقالت: - لا ولّا لما تشوف ريتال وهي لازقة فيه ومش عاوزاه اي حد يقرب منه، ماسكة فيه وتقول مادا تاعي أنا. (أحمد بتاعي أنا)!

ضحك مهدي ليسمعا بعدها هنا وقد جاورتهما وهي تقول بابتسامة: - أجمل مفاجأة بجد أني حضرت فرح عصام وريما، مبروك يا مهدي وعقبال أحمد ونهاوند يا مهدي.

تمتم مهدي برد التهنئة فيما تابعت هنا موجهة حديثها للبنى: - ربنا يبارك لك في أولادك يا لبنى، وأحمد بصراحة ولد يشرح القلب، شهرت سعيدة بيه أوي!

ناقوس بدأ يدق في عقلها، بينما تقطيبة خفيفة اعتلت جبين مهدي الذي خفتت ابتسامته وهو يقول بتساؤل:
- شهرت!
هنا ولم تشعر بما أحدثته كلماتها في نفس الواقف أمامها: - اممم، كانت معنا على نفس الطيارة هي وباباه، بصراحة في منتهى الاحترام واللطف، الرحلة اتأخرت شوية في مطار شارل ديجول، وقعدنا جنب بعض بالصدفة، بصراحة هوّنت عليا الوقت خالص.

التزمت لبنى الصمت التام في حين ارتسمت ابتسامة صغيرة على وجه مهدي ليقول محاولا انهاء هذا الحديث الغير مرحب به بتاتا لأن ذكر شهرت لا بد وأن يتبعه ذكر ال آخر! وهو لا يحبّذ وبكل تأكيد أي حديث يشمله! ولكن. لتحقق هنا هاجسه وهي تتابع بابتسامة:
- على فكرة. بيبعتولك السلام انت واحمد ومهدي ونهاوند الصغيرة، السلام أمانة. وأنا وصلتها!

وتركتهما مبتعدة، ليمسك طارق بمرفقها ويميل عليها هامسا: - ايه يا هنا؟ هي مش شهرت دي تبقى مرات شريف أبو أحمد ابن لبنى مرات مهدي ابن عمتك؟..

قطبت هنا ونظرت لطارق وكأنها أمام شخص غير طبيعي يهذي بكلمات هيروغليفية وقالت: - طارق انت تعبان؟ ايه لازمة عريضة صلة القرابة اللي انت قلتها دي؟
طارق بابتسامة غيظ: - لا بس بفكرك، لا تكوني نسيتي، ما شوفتيش مهدي وشّه قلب ازاي؟

هنا باستخفاف: - يتقلب ولا يتعدل! ابن عمتي لازم يتعلم يتحكم في نفسه شوية، وبعدين يتضايق ليه ومن مين؟ انت ما شوفتش شريف عامل ايه مع شهرت؟ عينيه لوحدها بتنطق انه بيحبها وبيموت فيها كمان، ما شوفتش الراجل الفرنساوي اللي افتكرها أجنبية عشان شكلها فاتكلم معها بيسالها عن الرحلة هتطلع امتى وفي ثانية شريف كان جنبها وعينيه كانت هتحرق الراجل دا بالحيا!

طارق بغيظ شديد: - شكلك كنتي مركزة مع عينيه أوي! عينيه بتنطق بحبها، عينيه هتحرق الراجل!
حركت هنا كتفيها بلا مبالاة مقصودة وقالت ببساطة: - فيه أشخاص كدا بيجبروك انك تركز في تعابير وشّهم. وهو واحد منهم!

قصدتها نعم! تعمدت أن تثير غيرته واستفزازه، فلا يزال جرحه لها باقيا، ولن يُمحى بسهولة، حتى لو برأ فسيترك ندبة في نفسها لا محالة، تحاول نسيانها والتعايش معها لانه البديل خروجه من حياتها وهي قد اعترفت لنفسها أخيرا أنها تحبه. ولم يستطع قلبها كراهيته لما فعل، بل أنه كالأحمق قد التمس له العذر وكم أوجعها وهي ترفض محاولاته للصلح، لتنصاع اليه في الاخير، محاولة مساعدته في رأب الصدع في علاقتهما، وقد انتهت لنتيجة هامة. أن الزواج ليس الضمان لاستمرار الحبيبين سويا، بل الحب هو الضمان الوحيد، وكل علاقة محفوفة بالمخاطر وعلى الفرد أن يحتاط لذلك جيدا، وأن حدث ووصلت علاقته بشريكه الى المحك فهناك سؤال وحيد جوابه سيكون الفيصل. هل انتهى هذا الشخص من داخلك؟ . ويجب أن نلتزم بالصراحة المطلقة مع النفس، حتى لا نندم وقت ألَّا ينفع الندم!

أخرجها همس طارق الحانق من أفكارها المزدحمة: - طيب امشي قودامي من سُكات، وقصّري بقه خلي الليلة تعدي على خير، وحسابنا بعدين لما نروّح!

تقدمت نجوان من ريما يجاورها حمزة ومالت عليها تقبلها وهي في جلسة العروسين وتهمس مباركة لها ليصافح حمزة عصام مهنئا له، وانصرفا بعد ان استأذنا بالانصراف، ليميل عصام على عروسه وهمس:
- هما مش أكلوا وقطعنا التورتة وحلّوا كمان؟ قاعدين ليه؟ شوفتي صاحبتك وجوزها، فاهمين ازاي؟

ريما بتساؤل: - فاهمين ايه؟ وبعدين دول أهلنا هنطردهم؟ ثم. احنا مش في بيتنا انت ناسي انه خالو أدهم صمم أنه الحفلة تكون عنده هو في القصر؟ يعني احنا كمان ضيوف عنده!

قطب عصام مفكرا قبل ان يقول: - تصدقي. صح! عموما سهلة!
وقبل ان يتثنى لها الاستفسار عمّا يعنيه كان ينهض من مكانه بجوارها وفي لمح البصر كان يميل عليها يرفعها من مقعدها فوق كتفه فتدلت رأسها على ظهره في حين تأرجحت ساقيها أمامها، ليشهق الجميع بدهشة ثم تعالت الضحكات، لتتقدم راندا قائلة من وسط ضحكاتها بينما كان عصام يبتعد بحمله:
- ايه يا عصام دا. واخد بنتي على فين؟

عصام وهو يسير بخطوات واسعة: - معلهش يا حماتي، أنا واخد مراتي! اللي قبلينا قالوا كُل أكل الجمال وقوم قبل الرجال. والضيف المجنون ياكل ويقوم، وبصراحة أنا مش هستنى لحظة واحدة بعد كدا، كفاية مفاجئات لغاية كدا أنا اتنفخت!

أحاط نزار بكتفي زوجته بينما وقف يراقب عصام وهو يركض بعروسه فيما تتبعه نكات شباب العائلة، فيما وقفت مها بجوار محمود تهمس بعينين دامعتين:
- ربنا يبارك لهم في سعادتهم يارب.
ليؤمن محمود على قولها وهو يميل مقبلا رأسها، أما ريتاج فهمس لها أدهم بابتسامته الرجولية الجذابة:.

- لما شوفت ريما بالفستان انهرده، حاسيت اني رجعت تلاتين سنة تقريبا لورا. وشوفتك وانت واقفة تستنيني في بيت باباكي لما صممتي فرحنا التاني يكون هناك.

تاج بابتسامة حب بينما عينيها تلاحقان طيف العريس الهارب بعروسه كمن يختطف كنز ثمين:
- تصدق انه دا نفس شعوري انهرده، ربنا يخليهم لبعض، والفرحة اللي شوفتها في عينيهم ما تروحش ابدا.

قبض أدهم بسبابته وابهامه على وجهها وأداره ناحيته وهو يهمس بابتسامته: - طول ما الحب بينهم، هيخافوا على بعض ويحموا بعض، الحب هو الضمان الوحيد ليهم، مش أي حاجة تانية، هو اللي هيخليهم يقدروا يعدوا من أزمات كتير هتقابلهم، يمكن أكبر من اللي قابلوها كمان، حبهم هو الحل السحري ليها.

ريتاج بهمس ناعم: - بحبك يا أدهم. كلمة مش هبطل أقولها ولا أحسها لآخر يوم في عمري.
أدهم بهمس أجش: - ربنا يخليكي ليا يا كل عمري.
ليختم كلامه بقبلة طويلة أعلى رأسها، قبل أن يلتفتا الى الآخرين، وقد شعّ وجهيهما بنور العشق الخالد!

منذ صعودهما الى السيارة وعصام يرفض تماما الافصاح عن وجهتهما حتى يئست منه وعقدت ساعديها زامة شفتيها بغضب جعلها أشبه بطفلة حانقة، والتفتت برأسها تتطلع من النافذة المجاورة لها، علامة على غضبها منه ليهمس في نفسه أنه سيعمل على مصالحتها قريبا جدا. وبأجمل الطرق الممكنة! وما هي الا برهة قصيرة حتى سمع صوت انتظام أنفاسها ليبتسم بحنان وهو يرنو بطرف عينه اليها فحبيبته الغاضبة قد استسلمت للنوم تماما كالطفلة!

تململت من رقادها لتفرد ذراعيها واسعا كعادتها، لتفاجأ بنفسها وهي تكاد تقع لتشتد قبضتين قويتين حولها فيما سمعت همس ضاحك يقول في أذنها:
- امسكي نفسك، بدل ما تقعي زرع بصل دلوقتي، مش هيبقى منظر عروسة خالص!

لتفتح عينيها واسعا في ذهول تام، وهي تحاول تذكر أين هي، وماذا يحدث معها، فطالعتها السماء المرصعة بالنجوم فوق رأسها، قبل أن تستدير برأسها لتصطدم زمردتيها بأخرى رمادية تطالعها بعبث وابتسامة ساخرة تفترش وجه صاحبهما، همست بتقطيبة وهي تنظر حولها بينما عصام يسير وهو يحملها بين ذراعيه:
- ايه دا؟ احنا فين هنا؟
عصام وقد وصل الى وجتهما: - حالا هتعرفي!

أنزلها على قدميها، ليخرج علاقة مفاتيحه من جيبه ويقوم بفتح الباب، ثم يفسح لها مشيرا الى الداخل وهو يقول بابتسامة:
- اتفضلي يا عروسة!
قطبت ريما ثم اتجهت بخطوات بطيئة الى الداخل وقبل ان تتخطى عتبة الباب كان عصام يحملها بين ذراعيه ليخطو بها الى الداخل وهو يقول بضحك:
- لا مينفعش تدخلي كدا، انت ناسية انك عروسة؟ وعريسك قدها وقدود!

ليضعها على الارض ولحظات وسطع الضوء الذي أناره عصام من حولها، لتغمض عينيها وتفتحهما ثانية قبل ان تتلفت حولها ليبهرها منظر المكان حولها فقالت متسائلة بانبهار وهي تسير في المكان:
- ايه دا يا عصام؟ ايه المكان دا؟
عصام بابتسامة واسعة وهو يفرد ذراعيه على وسعهما: - حمد لله على السلامة يا عروسة، انتي هنا في، تونس!

قطبت ريما في توجس، لتنفخ بعدها هاتفة بحنق: - أنا عارفة انك مش هتجاوب من اول مرة، عادتك ولا هتشتريها، لازم تدوخني الاول!
عصام بتعجب: - مين اللي مدوّخ مين؟ وبعدين ما انا جاوبت! سألتيني احنا فين قلت لك في تونس، أجاوب أكتر من كدا ايه انا؟

زفرت ريما بضيق وقالت: - بردو! تونس ايه يا بني اللي هنروحها في ساعتين بس بالعربية؟
عصام وهو يحرك كتفيه بلا مبالاة وببساطة استفزتها: - يعني مش ساعتين بالظبط، هما تلات ساعات تقريبا!
تأففت ريما عاليا وهي تخبط الارض بقدمها ليدنو منها عصام وهو يرسم ابتسامة واسعة على وجهه ويحيط كتفيها بذراعه العضلي قائلا:
- والله العظيم ما بضحك عليكِ. احنا في تونس!
رفعت وجهها اليه تهتف في ذهول وحنق: - تاني يا عصام؟

ليسارع بوضع راحته على شفتيها قائلا بلهفة: - والله ما بكدب، المكان اللي احنا فيه اسمه تونس. قرية تابعة لمحافظة الفيوم!

تونس إحدي قري محافظة الفيوم‏ تمثل لوحة طبيعية خلابة في أحضان الريف وعلي ضفاف بحيرة قارون‏ حيث الهواء النقي والطبيعة الساحرة التي لا توجد لها مثيل في كثير من البلدان الأوروبية والتي جعلتها واحدة من أهم المصادر السياحية والبيئية الريفية في العالم والتي تتشابه في روعتها مع الريف السويسري ورغم كل امكانياتها الخلابة سقطت من الخريطة السياحية.

وتقع قرية تونس شرق مدينة الفيوم علي بعد 55 كيلو مترا بمركز يوسف الصديق‏ أعلي ربوة صخرية تأخذ في الانحدار في انسياب حتى تصل إلى شاطئ بحيرة قارون فلا يفصلها عن المياه سوي مساحات من الخضرة والأشجار، ‏ هذا بخلاف عشرات الطيور النادرة التي تعيش علي ضفافها وتزيد من روعة القرية، ‏ بساتين الفاكهة وأشجار الزيتون المتناثرة في كل ناحية‏. ‏.

وتضم القرية ‏250‏ منزلا وفيلا علي نفس النهج المعماري للفنان المعماري العالمي حسن فتحي، ‏ الذي يتميز بناؤه بأنه من الطين والقباب، ‏ مما يسمح له بأن يظل باردا طول الصيف دافئا في الشتاء، ‏ وروعي في تصميمها شكل الطابع الريفي البسيط الذي يجمع روعة التصميم، ‏ والطلاء والنقوش المعبر عن كل العصور التي عرفتها الحضارة المصرية وتكوينه الذي يرتفع عن سطح الأرض إلا بطابق واحد وفناؤه الداخلي الذي يحتضن غرف المنزل في خصوصية تضمن لساكنيه الرحابة والحياة المريحة‏ إلى جانب منازل الفلاحين من أبناء القرية.

بحيرة قارون
آآوتش! .
صاح عصام متألما حينما باغتته ريما وانقضت بأسنانها على راحته المكممة فمها. تعضّها!

أبعد يده سريعا وقال وهو يطالع أثر أسنانها الصغيرة على راحته بذهول: - احنا فينا من عض؟!
ريما بابتسامة تشفّ وهي تضع يديها في منتصف خاصرتها: - وضرب وقرص كمان، طول ما انت هتفضل سايق الهبل كدا!
ابتسم عصام ابتسامة شريرة جعلت ريما تقطب في توجس بينما حلّ ربطة عنقه ليرميها جانبا وأتبعها بسترته، قبل أن يبدأ بفك أزرار القميص وهو يقول بتهديد مبطن:.

- وماله، اللي نفسك فيه كله هنعمله، مش هخلي نفسك في حاجة أبدا! أومال مش أنتي العروسة!

تراجعت الى الخلف وهي تشهر سبابتها محذرة: - بقولك ايه، اليوم انهرده كان طويل جدا، ومش طالبة ألغاز، اتفضل وريني أوضتي فين عشان تعبانه وعاوزة أنام!

عصام وهو يدنو منها بخطوات بطيئة بينما تخطو هي مثلها الى الوراء: - حالا حبيبتي، بس فيه تعقيب صغير.
نجح في تشتيت انتباهها لتتوقف قائلة بعقدة جبين مرتابة: - هو ايه دا؟
ليسارع عصام بحملها ويجيبها وهو يتجه بخطوات واسعة الى الدرج الداخلي المفضي الى غرفة النوم بالطابق الأعلى:
- انها أوضتنا حبيبتي. ناها مش نيها!

وكان قد وصله الى وجهتهما ليسارع بالدخول وصفق الباب خلفهما، قبل ان ينزلها في وسط الغرفة، ويتجه ليحكم غلق الباب بالمفتاح الذي سحبه بعدها، بينما تراجعت هي وهي تهدده قائلة:
- بقولك ايه، اللي في دماغك دا خالص تنساه، أنا مش هفوق لأي حاجة قبل ما أعرف راسي من رجلي!

أشار عصام لرأسها وقدميها وهو يقول ببساطة: - دي راسك، ودي رجليكي! وبعدين هو ايه دا في اللي دماغي؟
ليحرك رأسه يمينا ويسارا في أسف واضح متابعا: - تؤ تؤ تؤ، معقولة يا ريما؟ وأنا اللي فاكرك مؤدِّبة!
لتنفخ بقهر قائلة: - على فكرك بقه انت اللي نيتك مش سليمة، والا ما كنتش قفلت الباب بالمفتاح وشيلته كمان!

عصام بصبر: - دا ندر عليا ولازم أوفيّه!
قطبت ريما وقالت مكررة باستفهام: - ندر؟ يعني ايه؟ مش فاهمه!
عصام وقد نجح في الاستحواذ على انتباهها: - يعني أنا ندرت أنه أول ما يتقفل علينا باب واحد اني هقفله علينا بالمفتاح وأخفيه خالص، ولو طولت أبلعه كمان كنت بلعته!

ريما وقد فتحت عينيها واسعا في نظرة مذهولة فتنته: - وليه دا كله؟!
عصام وهو يدنو منها ببطء تماما كالصياد المتربص بفريسته: - يعني مش عارفة؟
ريما بحيرة: - لا مش عار، آآآآآه!
ليباغتها عصام بالانقضاض عليها ورفعها بين ذراعيه فحاولت التملص منه وهي تحرك ساقيها بقوة هاتفة:
- نزلني يا عصام!
عصام بظفر: - حالا!
وأنزلها ولكن، رميا فوق الفراش، لتصيح بتأوه ساخط، فيما هتف بها وهي يلقي بنفسه عليها:
- على وضعك!

ولكنها فاجئته والتفت على نفسها لتبتعد عن مكان سقوطه، ولم تكد ابتسامة النصر تعتلي شفتيها حتى فوجئت به وهو ينقض عليها مكبلا يديها وهو يقول بابتسامة شريرة:
- هتروحي مني فين؟ عليا الطلبات يا بنت عمتي لا أخلص منك القديم والجديد!
ثم أردف بتهديد زائف: - أكلك منين يا بطة، أكلك منين؟
صاحت ريما مؤنبة بحنق مختلط بخوف العروس الطبيعي: - عصام!
ولكن عصام لم يمهلها فيهتف بانتصار بدوره: - حلال الله أكبر!

وكان على ريما أن تبتلع اعتراضاتها وكان عليه هو أن يمتص مخاوفها ويثبت لها مرة بعد مرة بأن قلبه هو مرفئها الأخير، وأن حبه هو حصن أمانها الدائم!

منذ حفل الزفاف وهو لم يتبادل معها سوى بعض العبارات البسيطة، وهي تعلم تماما السبب، وهل هناك غير. أبو أحمد صغيرها، ذلك الذي تؤرق ذكراه مضجع زوجها ذلك العابس كطفل تم سلبه لعبته المفضلة، ولكنها ليست بلعبة وحتما لا يوجد هناك من يستطيع سلبه إياها مهما كان!

يومان وهو يدعي الانشغال نهارا فلا تكاد تراه، بينما في الليل فينام ملتصقا بها تماما كالرضيع الملتصق بأمه، وهي تتفهمه، وتترك له المساحة اللازمة كي ينفس عن ضيقه، فقد اعترفت أنها تحبه بكل عيوبه، والتي أكبرها هي غيرته المجنونة من طليقها، على الرغم من الشواهد الكثيرة التي تؤكد حب هذا الاخير لزوجته والسعادة التي ينعمان بها، ولكنها تعلم أن الانسان لا يتغير بين يوم وليلة وهي ستصبر. فمهدي يستحق أن تناضل من أجله، بل وتتمسك به بكل قوتها، فيكفيها ما تشعر به وهو أن سبب ابتعاده الغريب ذلك ما هو الا كظم لغيظه بعيدا عنها خوفا من أن ينطلق غضبه من عقاله فيجرحها دون وعي منه!

تنبهت على صوت مديرة منزلها وهي تخبرها بوصول ضيفتها، لتتنفس بعمق، فهذا أمر آخر لم تستطع إخباره به، فقد هاتفتها شهرت بالامس للسلام عليها، مبدية رغبتها بزيارتها فلم تستطع التنصل من الموافقة، وهو الغائب الحاضر، لا يجيب اتصالاتها الا بكلمات مقتضبة تخبرها أنه مشغول، وفي الليل لا يعود الا بعد انتصافه فلا يكون هناك مجال لأي حديث آخر، إذ سرعان ما يجرفها في دوامة عشقه!

ومن الواضح لها ان شهرت تود تعزيز علاقتهما، بدليل طلبها بالاذن لزيارتها لرؤية أحمد فهي لا تكاد تحتمل الصبر حتى تراه وتشبع من رائحته الطفولية، فهو يشبع غريزة الامومة بداخلها، تلك التي شاء الله أن يبتليها فيها. فهي لن تصبح أمًّا لطفل من رحمها. هكذا قال الطب، ولكن. تبقى كلمة الله. فإرادته سبحانه كائنة بين. كُنْ. ف يكون.

دلفت لبنى الى ضيفتها وهي ترسم ابتسامة مرحبة على شفتيها لتنهض شهرت للقائها وبعد السلام دعتها لبنى للجلوس وحذت حذوها، وتبادلتا العبارات المهذبة، قبل أن يدلف أحمد عائدا من مدرسته، وما أن رأى شهرت حتى سارع بإلقاء نفسه بين ذراعيه هاتفا:
- ماما شهرت.
لتحتضنه بقوة تستنشق رائحته الطفولية بجوع شديد، فيما طفرت دمعتان من فيروزيتيها، ثم ابتعد عنها قليلا يقول بفرحة:.

- حمد لله على سلامة حضرتك، أومال بابا فين؟
شهرت بابتسامة وهي تمسك بيده بين يديها: - بابا شوية كدا وهييجي ياخدني، انت وحشتنا اوي.
أحمد بصدق طفل لا يعرف المحاباة: - وانتم كمان وحشتوني جدااا.
قالت شهرت وهي تنظر بطرف عينها الى لبنى في رجاء فضحته عيناها: - ان شاء الله تيجي تقعد معنا يومين، دا بعد إذن ماما طبعا.

لبنى بابتسامة صغيرة وهي تداعب شعر صغيرها: - أكيد يا شهرت، أنتم لكم فيه زيي بالظبط، ما تتصوريش أحمد بيحبك أد ايه، بدليل أول ما جِه وشافك جري عليكي ونساني خالص!

قالتها في عتاب رقيق ضاحك، ليهتف أحمد من فوره: - لا والله يا ماما بس ماما شهرت كانت وحشاني اوي.
ثم انطلق يحتضن والدته مقبلا لها قبل ان يهتف وهو ينصرف للذهاب الى غرفته: - انا هروح أغير هدومي عشان هنزل معاكي يا ماما أشوف بابا.
نظرت شهرت الى لبنى بعد انصراف أحمد وقالت بتردد: - أنا آسفة لو كان أحمد ناداني.

لم تتركها لبنى تكمل حديثها إذ قالت رافعة يدها لتصمت وبابتسامة حنان: - ما تعتذريش يا شهرت، ما تتصوريش فرحتي وأحمد ابني بينادي لك ماما، أنا كنت قلقانه جدا انه يحس بالتشتت بين هنا وبين عندكم، لكن دلوقتي أنا أطمنت أنه أحمد ابني محظوظ فعلا. لأنه بدال الأب عنده اتنين وبدل الأم الواحدة له أمِّين.

ابتسمت شهرت براحة بعد كلمات لبنى، ومضى الوقت في احتساء العصير وتناول الكعك والاحاديث الخفيفة، حتى تصاعد رنين هاتف شهرت ليطالعها اسم المتصل فتقول بابتسامة لم تستطع التحكم فيها بينما تفضحها خلجات وجهها كله التي تشي بعشقها لزوجها:
- دا شريف.
ثم رفعت عينيها للبنى متابعة: - معلهش يا لبنى ممكن.
قاطعها دخول أحمد وهو يهتف بسعادة: - بابا تحت يا ماما، أنا شوفته من البلكونة، ممكن أنزل أسلم عليه؟

لبنى بابتسامة: - ممكن يا سيدي، وممكن كمان تقضي معهم انهرده وبكرة ان شاء الله، ايه رأيك يا استاذ؟

صاح أحمد فرحا ليقول بعدها مقطبا: - بس المدرسة؟
لبنى ببساطة: - بكرة نص يوم، مش مشكلة يعني.
ليتجه أحمد من فوره لوالدته يعانقها، قبل ان يطلب منها مساعدته في تحضير حقيبة صغيرة له فقالت شهرت لهفة:
- مالوش لزوم، أحنا جايبين لك هدوم كتير وحاجات حلوة عندنا حبيبي، عشان لما تيجي لنا تكون حاجتك كلها موجودة.

وانصرفت شهرت مع أحمد وهي تشيع لبنى بنظرات الشكر والعرفان، بعد ان أعطتها حقيبة هدايا لها ولمهدي ولنهاوند الصغيرة.

ما أن شعرت بدخوله الغرفة حتى أضاءت النور، واعتدلت جالسة، قال مهدي وهو يخلع سترته:
- مساء الخير، ايه اللي مصحيكي لدلوقتي؟
لبنى بتنهيدة عميقة: - انت اللي اتأخرت أوي.
مهدي وهو ينزع ربطة عنقه فقميصه: - كان عندي شغل كتير، يعني قلقك عليا اللي مسهّرك ولا فيه حاجة تانية؟
لبنى بتقطيبة وهي تتابعه بينما يتناول منشفة متجها الى الحمام: - حاجة تانية ازاي يعني؟

مهدي وهو يوليها ظهره: - أنه أحمد راح ما باباه انهرده!
فتحت لبنى عينيها واسعا وهي تحدق في طيفه الذي توارى خلف باب الحمام الملحق بغرفتهما.

خرج مهدي بعد قليل وهو يرتدي مئزر الحمام بينما يجفف شعره بالمنشفة، لتنهض لبنى وتقف أمامه وهي تقول:
- انت عرفت منين انه احمد راح معهم؟
أبعد مهدي المنشفة يلف بها عنقه قبل ان يقول بهدوء: - أحمد كلمني يستأذن قبل ما ينزل مع مرات أبوه، الحاجة اللي المفروض حضرتك كنت تعمليها!

عضت باطن شفتها بينما توجه هو ليمشط شعره أمام مرآة الزينة، لتراقبه وهو يخلع مئزر الحمام، ويكتفي بسروال منامته الذي ارتداه أسفله، ثم يتجه للفراش فقطعت طريقه وهي تقف أمامه ترفع عينين ينبئان بشعورها بالذنب قائلة بترجي واضح:
- والله الموضوع ما كان مترتب، أنا بس شهرت صعبت عليا، لو تشوفها أخدت احمد في حضنها ازاي.

مهدي بشبه ابتسامة أسف صغيرة: - وأنا ما كنتش هرفض يا لبنى، بس على الاقل أحس أنه رأيي له قيمة واني أبو أحمد فعلا.

لبنى هاتفة بصدق: - انت أبو أحمد والكل عارف كدا، وأولهم أبوه الحقيقي ومراته، مهدي عشان خاطري ما تزعلش مني، والله ما كان في بالي.

مهدي بزفرة عميقة: - خلاص ما حصلش حاجة...
طوقت لبنى عنقه بذراعيه المكشوفتين واقتربت بجسدها الملتف بغلالة نوم حريرية من جسده العضلي تقول بنعومة أسرته:
- يعني خلاص سماح؟
ابتلع مهدي ريقه بصعوبة وقال: - س سماح.
لتحتضنه لبنى وهي تهتف بقوة: - أنا بحبك اوي يا مهدي اوي.
فلم يستطع الصمود أمام حلاوتها ونعومتها ليعانقها عناقا سلب أنفاسها قبل ان يبتعد عنها ليقول وهو يلهث:.

- ريحة البارفان بتاعك اول مرة أشمها، جديد دا؟
لبنى بابتسامة ناعمة بينما عقلها لا يزال سابحا فوق الغيوم حيث كانت برفقته منذ ثوان:
- دا هدية شهرت!

كاد يعلق عندما غابت ابتسامته قبل ان تلمع عيناه ببريق خطير لم تنتبه له، ليحملها بين ذراعيه، فأغمضت لبنى عينيها، ولدهشتها لم تشعر بالفاش الناعم أسفلها بل بأرض باردة وقفت عليها، وفجأة، إذ برشاش من المياه الباردة تندفع فوقها لتغرق شعرها وملابسها، فهتفت بصوت متقطع:
- مه مهدي.

ولكن مهدي كان مشغولا بسكب بعضا من الشامبو فوقها ليقوم بتحميمها وفرك جسدها بالصابون بعد خلع منامتها، لينهي حمامها في غضون دقائق ثم يسارع بلفها في منشفة عريضة ويحملها خارجا حيث وضعها في الفراش، وجلس بجانبها يقوم بتجفيفها، وما أن أبعد المنشفة عن وجهها حتى سألته بدهشة طفولية ببشرة موردة من كثرة فركه لها بينما التصقت خصلاتها المبللة بوجهها:
- ليه؟ تحميني الساعة 2 الصبح؟!

مهدي وهو يميل عليها ناظرا في عينيها: - ريحة الشامبو بتاعك تحفة!
طالعته في بلاهة بينما تتساءل بداخلها. أي شامبو هذا الذي يعجبه رائحته ليجعله يقوم بتحميمي كالطفل الصغير وفي الثانية صباحا؟ .

لتعبر عن تساؤلاتها بصوت متحير مذهول: - ريحة الشامبو؟..
ولكن مهدي لم يقدم لها جوابا لسؤالها، بل مد يده لينتزع عنها المنشفة قبل ان يطفئ المصباح الجانبي لتغرق الغرفة في ظلام اخترقه لهيب عاشق جامح غيور ليبدده تماما!

لاحقا وبينما غفت على صدره العار همس لها بصوت منخفض لم تسمعه فقد غرقت في سبات عميق:.

- أنا بحاول أتأقلم معاه، وأبلعه بأي طريقة، لكن ما فاضلش غير انك تحطيلي برفان حتى لو من مراته، ما هو اللي دافعى تمنه، ودي الحاجة اللي لا يمكن أقبلها أبدا. انتي عندي خط أحمر يا لبنى، وعشانك انت بس بحاول أضغط على أعصابين وعشانك انت بعدت اليومين اللي فاتوا عشان انا عارف نفسي غيرتي عميا وخفت أجرحك بكلمة أو تصرف، وعشان عيونك أعمل أي حاجة، إلا أنه يكون له أي ذكرى بيننا حتى لو كانت. ازازة برفان هدية!

قالت الجدة وهي تراه يرغي ويزبد أمامها: - يا بني مش كدا، أعصابك.
فواز هاتفا بحنق: - انا قلت لها قبل كدا ترجع انتساب تاني لكنها رفضت، اشترطت عليها تديني جدول المحاضرات بتاعها وانا أوديها وأجيبها، ومالهاش دعوة بحد، يقوم الهانم أروح انهرده عشان أجيبها ما ألاقيهاش؟

الجدة بصبر: - يا بني انت مش سألت عنها زمايلها قالوا لك الدكتور طالب منهم بحث وهي مع المجموعة بتاعتها في المكتبة اللي جنب الجامعة عشان ييجيبوا كتب؟

فواز بغضب مشتعل: - ما هو المجموعة دي اللي انا منبه عليها مالهاش دعوة بيهم، وكفاية اللي انا شوفته انهرده؟

شوفت ايه يا فواز؟ .
التفت لتلك الواقفة أمام الباب ليقطع المسافىة الفاصلة بينهما فيسحبها للداخل صافقا الباب خلفها يقول بشر من بين اسنانه المطبقة بينما قبضته تشتد على ساعدها بقوة:
- يعني متعرفيش يا مدام؟ بقه هي دي المكتبة ودا البحث؟ أتفاجأ بيكي في كافيتريا وضحك ومرقعه مع شوية ولاد ضايعين؟

تسنيم وقد ضاقت ذرعا بشكوكه وأوهامه محاولة الافلات من يده: - أولا دول مش ضايعين، تاني حاجة الكافيه دا تحت المكتبة، بعد ما خلصنا ونزلنا الكل اتفق انهم ييجيبوا ساندوتشات يتغدوا، بس انا رفضت، واضطريت أفضل معهم عشان الورق اللي معهم كان لسه محتاج يتصور عشان اشتغل عليه، أنا قلت لهم مش بتغدى غير مع جوزي.

فواز وهو يقبض بقوة كبيرة على مرفقها حتى كادت تصيح ألما: - آه. والاستاذ أشرف اللي شوفتك معه لوحدكم، كنتو بتتمشوا عشان يهضم اللقمة؟!
تسنيم بحدة: - لاااا انت التفاهم معك صعب، بس عموما أنا هريحك. أشرف كان جاي معايا عشان أصور الورق وياخده ويرجع لهم تاني، عشان قلت لهم اني اتاخرت ولازم امشي. يعني الاوهام اللي في دماغك دي مالهاش اي اساس.

قاطعها وهو يقبض على مرفقها الاخر بينما نهضت الجدة تحاول افلاتها من بين يديه: - مالهاش اساس ولا انت اللي حياة الجامعة زهزهت عينيكي؟ هي كلمة. مافيش جامعة، يا انتساب يا تقعدي في البيت، انتي مش محتاجة الشغل!

الجدة بتعب: - يا بني مش كدا، التفاهم بالراحة.
تسنيم بغضب: - سيبيه يا ستي، هو كدا ميعرفش حاجة اسمها تفاهم، فاكر نفسه في عصر سي السيد!
فواز وقد توسعت حدقتاه غضبا: - ماشي يا تسنيم أنا كدة بقه ولو كان عجبك!
تسنيم بتحد صارخ: - لا مش عجبني يا فواز، واوعى تفتكر عشان بحبك أبقى ضعيفة. لا. الحب بيقوي مش بيضعف يا فواز بيه!
فواز بلهجة شريرة وقد زم عينيه: - تقصدي ايه؟

تسنيم وقد أعماها غضبها عن رؤية التحول في قسماته مما ينبأ بكارثة على وشك الحدوث:
- اللي تفهمه بقه، أنا زهقت!
فواز بغموض: - زهقتي؟
تسنيم تصب الزيت على النار: - ايوة زهقت، شك وغيرة، وكأني متهمة على طول قودامك، ابعد عني يافواز بقه وسيبني!

وهي تحاول انتزاع ذراعيها من قبضته ليقول بصلابة: - انا قدرك وعمري ما هبعد عنك، حطي دا في بالك كويس اوي.
تسنيم بحدة: - وانا مش جارية تمشيها وراك، واللي شايفاه صح هعمله!
فواز بتحذير: - طيب يكون أشوفك مع اللي اسمه أشرف دا تاني، أنا بحذرك يا تسنيم، ما توصلنيش لآخري!

تسنيم وقد نفذ صبرها: - تهديد. تهديد! أشرف زميلي وانا مش ناوية أعاديه عشان خاطر أوهام في دماغك.
صرخ فواز عاليا: - مش أوهام يا. سماح!
لتسقط الكلمة فوقهم وكأن على رؤوسهم الطير، وكانت تسنيم أول من أفاق من صدمته لتقول بصوت بارد خاو:
- أنا تسنيم. مش سماح يا فواز!
وفي أقل من لمح البصر كانت تهرع خارجة من الشقة لتهتف الجدة بفواز الذي استحال صنما:
- الحقها يا فواز يا بني. الحق مراتك.

وكأنه قد أفاق من سباته، ليهرع في أثر تسنيم بينما هتفت الجدة بلوعة: - استر يارب، ليه كدا يا فواز يا بني بس؟ ليه؟!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة