قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية إلا أنت (نساء متمردات ج3) للكاتبة منى لطفي الفصل السادس عشر

رواية إلا أنت (نساء متمردات ج3) للكاتبة منى لطفي الفصل السادس عشر

رواية إلا أنت (نساء متمردات ج3) للكاتبة منى لطفي الفصل السادس عشر

طرقتين على الباب فعلى صوتها يسمح للطارق بالدخول لتدلف خادمتها تخبرها بوجود والدها بالاسفل في غرفة الصالون يريدها، فأمرتها بصنع قدحين من القهوة التركية وموافاتهما بها، ودلفت خارجا وهي تتساءل عن سبب قدوم والدها المفاجئ وبدون اي اتصال مسبق منه كما اعتاد دوما.

دلفت الى غرفة استقبال الضيوف مرحبة بوالدها والذي بادلها اياها ببرود، قال بعدها رافضا عرضها بالجلوس:
- في كلمة ونص. خلي الخدامة تلم حاجتك عشان تيجي معايا.
شهرت بتقطيبة متسائلة: - آجي معاك فين يا بابا؟
فضل الرازي بثقة: - القصر عندي. انتي خلاص جوازك انتهى بابن المسيري، واللي عمله في حقك انا هعرف اخليه يدفع تمنه ازاي.

شهرت بهدوء: - طيب ممكن حضرتك تقعد الاول عشان نعرف نتفاهم؟
فضل بغلظة: - نتفاهم في ايه؟ انا اساسا لو كنت موجود وقت اللي حصل ما كنتش سيبتك هنا دقيقة واحدة، لكن حظه حلو اني كنت مسافر ولسه واصل انهرده واول مشوار عملته اني جيت لك، والمفروض حضرتك اللي كنت اخدت الاكشن دا من ساعتها...

شهرت ببرود: - اكشن ايه دا؟ اني اسيب جوزي؟ مش دا شريف المسيري اللي عشانه سيبت انجلترا وجيت عشان اتمم دوري من الصفقة اللي كانت بينك وبين عمي الله يرحمه بجوازي منه؟!

فضل بحنق: - شهرت، انتي اتجننتي؟ ايه الطريقة إلى بتكلميني بيها دي؟ لكن واضح فعلا انك مش طبيعية من اول ما والدتك قالت لي انك رافضة انك تروحي القصر وانا شكيت انه فيكي حاجة. لكن ما كنتش اتخيل ابدا انه الجنان هو السبب.

شهرت بسخرية باردة: - جنان!، عموما انا مش هناقش حضرتك كتير في الموضوع دا، المسألة سهلة وبسيطة. انا هنا ف بيتي ومش ناوية اخرج منه اروح ف اي مكان...

فضل باستهجان: - ودا مش اختياري يا شهرت. دا اجباري.
ثم تابع باستنكار وسخط: - انت ازاي كرامتك تسمح انك تفضلي مع واحد اتجوز عليكي بالطريقة المنحطة دي ومين. أحط أنواع البشر؟! خلاص. أصبحت شخصية نكرة اوي كدا؟

سكتت شهرت لثوان حاولت ابتلاع غصة المرارة التي خلفتها كلمات والدها المُرّة قبل ان تجيب ببرود اجبرت نفسها عليه بينما داخله فيبكي ألماً:
- شريف استخدم حقه. وكون انه اتجوز عرفي ف دا عشان خايف على مشاعري وبيصون كرامتي. كفاية اني السبب في جوازه بالشكل دا!

والدها بذهول غاضب: - ايه؟، يعني ايه انت السبب؟ انطقي يا بنت.
شهرت وقد بدأت قشرة برودها بالتصدع: - ايوة انا السبب. انا اللي فشلت اني اكون له الزوجة اللي عاوزها.
هدر فضل غاضبا: - انت اتجننتي؟ انت فاكرة نفسك قليلة؟ انت شهرت فضل الرازي. بنتي. بنت فضل الرازي أكبر سياسي ف البلد. انت مش عارفة انتي مين ولا بنت مين؟ تيجي وتقوليلي انك السب! انك السبب ازاي مش فاهم أنا؟

شهرت بصراخ وقد انهار قناع برودها الزائف: - لأني. عاقر يا بابا، – صدمة ارتسمت على وجه والدها بينما تابعت بانهيار حاد – سمعتني يافضل بيه؟ انا عاقر. مش بخلف. طول الوقت دا وانتو فاهمين انه ما فيش سبب معين لكن شريف ما رضيش انه يقول لاي حدد السبب الحقيقي. قالي محدش له دعوة بينا دي حياتنا احنا، يمكن وقتها أشفق عليا. ويمكن قالها عشان هو طول عمره مش بيسمح لاي حدد انه يتدخل في حياته، لكن كفاية انه حاول يراعي شعوري ولو من غير قصد منه...

سكتت تسحب انفاسها المتقطعة لثوان اردفت بعدها ودموعها تغرق وجهها المرمري بينما انهالت الشلالات من فيروزيتيها:
- عرفت بقه انا السبب ف ايه؟ وكون انه حظه يطلع ف واحدة مش كويسة دا مالوش يد فيه، كفاية انه اول ما عرف بالي عملته طلقها وهو اللي بلغ عنها.

قد تكون أخفت الحقيقة عن والدها، قد تكون كذبت ولم تخبره ان زوجها هو من سعى لوضع ادهم خلف القضبان وان كان بتخطيط من تلك الشيطانة، ولكن. هو ديْنُ له عندها، وعليها الايفاء به. فهو قد تكتم على أمر عقمها وكان يستطيع بكل يسر وسهولة افشائه فيكون سببا قويا له للزواج بغيرها دون ان يلومه أحد وأولهم والدها. ولكنه لسبب او لآخر لم يفعل، وكذا هي. لم تكن لتصرّح لأيٍّ كانى بأن سبب سعي زوجها في الزج بذلك الرجل في السجن انما يكمن في رغبته في عودة طليقته له. تلك المرأة التي لم يستطع نسيانها على مر السنين. ل كم تحسدها على مقدرتها في الاحتفاظ باهتمامه حتى ولو لم ترغب!

زفر فضل بعمق واقترب منها وهو يقول بهدوء: - عموما الكلام دا مافيش منه فايدة، لو جوزك كان راجل بجد ما كانش اتجوز في السر طالما انك بتقولي انه عدم الانجاب منك، كان جاني وصارحني. لكن باللي عمله دا خلّا اسمك على كل لسان. والكل بيتكلم في سيرتنا. ومش فضل الرازي اللي يسمح لمخلوق انه يجيب سيرة اي حد من عيلته ولو بالتلميح، ودلوقتي ياللا اتفضلي، اعملي زي ما قلت لك، مش هستنى كتير هنا...

شهرت وهي تسحب نفسا عميقا: - وانا آسفة يا بابا. مش هقدر آجي مع حضرتك.
فضل بريبة: - يعني ايه؟
شهرت وهي تنظر اليه: - يعني انا مش هسيب بيتي ولا هسيب جوزي!
هتف فضل بصياح غاضب: - انت اتجننت!، تقفي في وشيِّ وتقوليلي. لأ! يبقى اتهبلتي اكيد ولازم تفوقي!

ورفع يده عاليا يهمّ بصفعها عندما أعاقته قبضة قوية من يد رجولية حازمة احاطت برسغه لتشهق شهرت بدهشة في حين طالع فضل صاحب تلك اليد بغضب قوي فيما تكلم أخيرا ذلك الأخير بصوت كالفحيح يقول فيما تطلق عيناه شرارات نارية:
- لو كنت مكانك كنت فكرت ألف مرة قبل ما تفكر مجرد تفكير انك ترفع ايدك عليها!
سحب فضل يده بقوة من قبضة شريف وهدر بعنف: - انت اتجننت. انت نسيت أنا مين؟ دي بنتي أنا. انا فضل الرازي!

شريف بغضب بارد: - من لحظة ما أصبحت مراتي وشايلة اسمي ما عادش ليك اي حق عليها.
ثم رفع سبابته في وجه فضل مردفا بصرامة وعيناه تلمعان كقطعتين من الالماس الاسود قائلا بهمس شرس مخيف:
- اوعى تفكر مجرد تفكير انك تأذيها. شهرت مراتي انا. كرامتها من كرامتي. وصدقني اللي يغلط فيها بيخسر كتير. كتير اوي. يا. فضل بيه!

فضل بحقد: - انت قد كلامك دا يا شريف؟
شريف بابتسامة شريرة: - اكيد طبعا. اي كلمة تخرج مني أنا مسئول عنها...
فضل بتهديد: - تمام يا شريف، بس خلي بالك انا كمان فضل الرازي. واللي يغلط فيه او في حد من عيلته بيدفع التمن غالي، غالي اوي!

ليرمي شهرت المتجمدة في مكانها بنظرة استحقار قبل ان يتأهب للانصراف ليلحقه صوت شريف هاتفا ببرود:
- شهرت زوجة لشريف المسيري. ولو كنت انت مش بتسمح بالغلط. ف أنا مش بسمح بمجرد التفكير فيه!..

ليقفا امام بعضهما البعض يتبادلان نظرات التحد والبغض، كان شريف هو أول من خرق الصمت الملئ بشرارات الغضب البارد بينهما إذ توجه الى شهرت يدفعها بخفة في ظهرها أمامه وهو يقول لفضل المراقب لهما بغيظ شديد:
- بعد إذنك. أصلي جاي من سفر، بئالي أسبوع بعيد عن بيتي و. مراتي – وشدد على كلمة مراتي – فعاوز أرتاح، البيت بيتك يا، حمايا العزيز!

ونطق بآخر عبارته باستفزاز وابتسامة تهكّم تحتل وجهه الوسيم!

دلفت شهرت الى جناحهما وحال توجهها الى غرفتها فوجئت بمن يدفع بها الى الداخل ويلحق بها، لتستدير تطالعه باستغراب وهو يوصد الباب خلفهما.

نزع شريف سترته وألقاها جانبا تبعتها ربطة عنقه ليشمر عن ساعديه بعدها ويقف في منتصف الغرفة يضع يديه في منتصف خاصرته ينظر اليها بغموض قبل ان يتحدث بهدوء قائلا:
- ليه مش مشيتي من ساعه مامتك ما طلبت منك؟
شهرت بتقطيبة: - انت.

شريف بايماءة خفيفة بشبح ابتسامة ساخرة: - ايوة يا شهرت. انا سمعت كل الكلام اللي دار بينك وبين فضل بيه. حمايا العزيز. واستغربت انك رفضت طلبى مامتك وفضلتي هنا على الرغم انى سافرت وعلى ما عرفت انه دولت هانم كمان سافرت عند فريدة هانم قريبتها. يعني انتي فضلتي لوحدك هنا، يبقى ليه انتى كمان مش مشيتي؟

شهرت ببرود زائف: - واسيب بيتي؟ ما فيش اي سبب يخليني أمشي، انت احتجت تبعد بعد مواجهتك لدولت هانم وهي كمان احتاجت تقعد مع نفسها شوية، لكن انا لو بعدت يبقى بثبت كل كلمة طلعت انه بيتنا بينهار. وان حياتنا على المحك، وانا لا يمكن أسمح انه حياتي تبقى مادة للكلام في الصالونات والنوادي...

شريف وهو يقترب منها وبعقدة جبين ولهجة مرتابة: - ويا ترى ليه؟ عشان ما حدش يقول انه شهرت الرازي فشلت في جوازها ولّا. عشان تقفي جنب جوزك وتصدي اي كلمة تتقال عليه او على حياتكم سوا؟

همّت شهرت بالحديث عندما قاطعها مردفا بتهكم: - لا طبعا. انا متأكد انها الاجابة الاولى. عشان شكل شهرت الرازي قودام الناس.

شهرت وهي تنظر اليه ببرود وبثقة تامة: - للأسف. هضطر أخالف توقعاتك وأقولك انك، غلط! الاجابة التانية هي الصح، عشان. – وضغطت على كلماتها التالية – أقف جنب جوزي وأحمي بيتنا وحياتنا من أي متطفلين ومن أي كلام يسيء لنا من قريب أو بعيد...

تجلّت علامات الذهول على وجه شريف في حين قطعت شهرت الخطوات الفاصلة بينهما ووقفت أمامه ترفع رأسها وتهمس بهدوء وان شابه نظراتها بعض، الرجاء:.

- وعشان تكون عارف أنا عارفة انه سماح دي مش هي اول زوجة بورقة عرفي. ليك، ولو عاوزني أعدهم لك وأقولك أساميهم وبالتاريخ أنا مستعدة. لكن انا دايما كنت عارفة انهم كلهم نزوة. او خلينا نقول. صرخة، صرخة منك في وشّ قانون المسيري، وضد القيود اللي اتفرضت عليك منهم. وأولهم والدك. وأول القيود دي كان جوازنا، بس وانت بتعمل كدا ما خطرش ف بالك ولو للحظة اني زي ما كنت قيدك أنت كمان. كنت القيد ليا. بس الفرق بيننا انك صرخت وحاولت تكسر القيود دي حتى لو الطريقة غلط. لكن كان كفاية انك قودام نفسك قدرت تعمل حاجة ضد ارادتهم، أنا بقه حتى حق الصراخ اتمنعت منه!، يبقى مين فينا هو الضحية فعلا لبيروقراطية لعينة. عفا عنها الزمان وشرب زي مابيقولوا!؟

شريف مبهوتا: - انتي ازاي كدا؟ ازاي قدرتي توصلي للي كان جوايا وتعرفيه واحنا علاقتنا عمرها ماكانت بالعمق دا؟

شهرت بابتسامة بؤس صغيرة فيما قطب شريف فقد هيأ اليه أنه لمح لمعة تغطي عينيها وكأنها، غلالة دموع:
- لأني مهما كان، انسانة لحم ودم، مش مانيكان زي ما أنت والكل فاكرني!..
وأولته ظهرها متجهة الى الخارج لتغلق الباب خلفها بينما وقف شريف يتابع أثرها الغارب وجملة تردد في ذهنه. أنه بعد ما يقرب من الثمان سنوات زواج. اكتشف أنه لم يعلم بعد. من تكون زوجته؟!

ألقت ريما بتحية الصباح على حارس الامن الواقف أمام المبنى حيث شركة والدها، وكانت قد تمسكت برغبتها في ترك العمل لدى مجموعة شمس الدين والالتحاق بشركة والدها، فرضخ خالها أدهم لرغبتها بينما عصام لم يعلم أنها قد نفذت النقل فعلا. فمنذ قراءة الفاتحة منذ ثلاثة أيام وهي ممتنعة عن التواصل معه بأي شكل كان، لا تجيب اتصالاته حتى عند زيارته لهم فانها تدعي النوم أو تتعمد عدم التواجد وقتها، ولا تنكر أنها تشعر بالحماس لمعرفة رد فعله على تركها العمل لديهم دون أن تكلف نفسها عناء اخباره!..

دخلت ريما الى الغرفة التي تتقاسمها مع اثنان آخران. وهما. آلاء. و حامد. لتلقي اليهما بتحية الصباح، قبل ان تجلس الى مكتبها وتضع حقيبتها اليدوية في جارور المكتب السفلي، نهضت آلاء من مكانها وقالت بابتسامة:
- ما تتصوريش فرحتي انك معايا في المكتب هنا ازاي. على الاقل هنبقى اتنين ضد واحد.

ريما بابتسامة: - ميرسي يا آلاء، بس الباش مهندس حامد سمعت انه طيب.
ليباغتهما صوت رجولي يقول بمرح: - الله يكرم أصلك يا طيبة...
ليدلف صاحب الصوت وهو شاب يناهز أواخر العشرينات من عمره ذو سمرة محببة ووجه رجولي ليس بالوسيم ولكنه يلفت الانظار اليه بل وقد تتعلق عيناك به. لما فيه من قبول وطيبة تنبع من ملامحه...

حامد بمرح لا يفارقه أبدا: - قولي لها يا ريما. على فكرة بقه. ما فيش ألقاب. مش عشان انت بنت صاحب الشركة يبقى تهندسينا ويا باش مهندس وكدا. لا، انتي ريما وانا حامد. ودي، – مشيرا لآلاء وباستفزاز تابع – لُوءة!

آلاء مقلدة بحنق: - لوءة! يا بني قلت لك مش بطيق الاسم دا. بطل سماجة بقه!
حامد وهو يضع يده على قلبه وبتثميل واضح ناظرا الى ريما: - شوفتي يا ريما القسوة اللي بتعاملني بيها؟ انا سمج أنا؟!
آلاء بقهر: - سمج ورخم ودمك تقيل كمان!
حامد بصوت متباكي: - طب ايه رايك بقه انك كدابة والكداب بيروح النار؟
شهقت آلاء هاتفة بعينين واسعتين: - بتدعي عليا يا حامد؟ هتدخلني النار وانا واقفة!

حامد ساخرا: - لا ما يرضنيش. ايه رايك وانتى قاعده؟ يعني ارحمك شوية!
زمجرت آلاء بغضب فقطبت ريما وتبادلت نظرات الريبة مع حامد قائلة: - ايه؟ هي مالها بتزوم كدا ليه؟
فقال حامد وهو ينظر لآلاء بتوجس: - خلي بالك تقريبا دقيقتين وهنلاقيها بترفُس!
ريما بابتسامة مهادنة: - آلاء حبيبتي. اقعدي ربنا يهديكي. يعني اول يوم ليا معكم تخضوني كدا؟
حامد بتهكم: - تلاقيها بتدبح لك القطة بس من أولها...

قاطعته آلاء وهي تهمس بش ر: - لا وانت الصادق فيه واحد هيدبح له القطة والكلب كمان، تصدق. حلال اللي ماما بتعمله فيك!

هتف حامد بذعر: - لالالا كله الا حماتي. دي عليها بصّة (نظرة) ولا ماري منيب في حماتي قنبلة ذرية!

ريما بدهشة: - ايه دا؟ هو انتو...
ليكمل حامد بأسى وهو يهز رأسه بأسف واضح: - أيوة. مع الألم مع الأسف، احنا مخبوطين لبعض!
آلاء بسخط وهي تتخصر: - مخبوطين!، اسمها مخطوبين يا كابتن. تصدق أني خسارة فيك. أنا هروح أقول لماما اني اقتنعت بكلامها وانه كريم ابن خالتي أولى بيا!
حامد وقد فارقه مزاجه المرح وبحنق حقيقي: - ياسلام، ليه هو انتي كنبة ولا تلاجة عشان سي بتاع دا يبقى اولى بيها؟ وبعدين دا اسم دا؟

آلاء بتطقيبة: - ليه ماله اسم كريم؟
حامد بتكشيرة: - تحسي انه واحد بيشحت، كريم يارب!
لتنطلق ضحكة ريما الصافية وتقول مقاطعة جدالهما الساخر: - لالالا بصراحة يا ألاء مالكيش حق. دا حتى اساميكم لايقة على بعض. آلاء. وحامد. يعني بيحمد ربنا على آلاؤه ونعمه عليه!

ثم ابتعدت عن مكتبها وتوجهت الى الاء لتقف بينهما واردفت وهي تشير الى وجه حامد المتباكي:
- وبعدين كفاية وشّه. شوفتي بيبي فيس ازاي؟
لتأتيها الاجابة من صوت يحمل غضبا مكتوما مغلف بسخرية واضحة: - امممم، بيبي فيس!، انا شكلي فاتني كتير أوي!
التفتت ريما لمصدر الصوت لتفاجأ بعينين تطالعانها بغضب أسود فيما ارتسمت ابتسامة شريرة على ملامحه لتهمس بدهشة:
- عصام!

دلف عصام الذي كان يقف متكأ بكتفه على عارضة الباب المفتوح ليقول بابتسامة وحدها تعلم زيفها فنظراته تكاد تحرقها حية وهو يرفع يده لتظهر حقيبة بلاستيكية مكتوب عليها اسم احد المقاهي المشهورة:
- مفاجأة مش كدا؟ أصلي قلت أعمالها لك مفاجأة وأفطر مع خطيبتي في أول يوم ليها في الشغل...

وكأنه أراد أن يعلن خبر ارتباطهما حتى لا يكون هناك مجال لأي شخص أن ينظر اليها مرتين! كانت آلاء أول من تحدث اذ هتفت بسعادة حقيقية:
- بجد؟ الف الف مبروك يا مستر عصام...
ثم التفتت الى ريما متابعة: - مبروك يا ريما. ربنا يتمم بخير.
ليحذو حامد حذوها ويهنئ عصام الذي بادله التهنئة بابتسامة صفراء ليوجه بعدها كلامه لريما قائلا ببشاشة:
- مبروك يا ريما...

ضغط عصام على أسنانه بقوة حتى كاد يطحنهما ما ان سمع اسمها يخرج من بين شفتي حامد، وصارع رغبة عنيفة احتدمت بداخله تأمره بلكم ذلك الابله على فمه كي لا ينطق باسمها ثانية بتلك الاريحية، فوحده هو من يملك الحق في مناداتها باسمها المطلق. وكأن اسمها ملكية خاصة به وحده، ربّاه. إلى أين تذهب به هذه الصغيرة. فما يخامره من شعور ناحيتها لم يسبق له وان اختبره قبلا. فهي مشاعر حصرية لها هي فقط، ريمه!

انتبهت آلاء الى وقفة عصام المتململة لتتحرك سريعا حيث يقف حامد وتقول بابتسامة صغيرة وهي تشير اليه بمرافقتها:
- طيب احنا هنروح نجيب قهوة من البوفيه يا ريما. نجيب لكم حاجة معنا؟
اجاب عصام قاطعا السبيل امام ريما التي كانت تهم بالرد عليها: - لا شكرا يا آلاء.

ما ان اختفيا خلف الباب حتى سارع عصام بالقبض على رسغها وسحبها معه ليدلفا الى غرفة أخرى عبر باب داخلي، وما ان اصبحا داخلها حتى اوصد الباب لتحاول ريما الافلات من قبضته هاتفة بحنق:
- ايه يا عصام فيه ايه؟ سيب ايدي.
عصام وهو يميل عليها هامسا بغضب مكتوم: - اقدر اعرف معناه ايه المشهد البايخ اللي شوفته من شوية دا؟
ريما مقطبة: - مشهد ايه؟

ليضغط عصام على معصمها قائلا بحدة: - ما تستعبطيش، الكلام اللي حضرتك قلتيه لحامد. انتي شوية شوية كنتي هتعاكسيه عيني عينك!

لا تنكر ريما شعورها الخبيث بالسعادة لدى سماعها عبارته الساخطة والتي اشتمت منها رائحة الغيرة ولكن الامر لا يخلو من استيائها لتلميحاته الغير مقبولة من انها تتباسط بالكلام مع زميل لها، لتكف عن محاولة الافلات منه وتقف امامه تجابهه بقوة قائلة وهي ترفع راسها عاليا بشموخ جعل لمحة اعجاب تمرق عبر مقلتيه:
- أنا برفض اني أسمع لتلميحاتك السخيفة دي. ومش من حقك أساسا أنك تكلمني بالطريقة دي!

مال عليها عصام لتضرب أنفاسه الساخنة صفحة وجهها الحليبية وهو يقول ضاغطا على كلماته:
- انتي كلك على بعضك. حقي يابنت عمتي، انا الوحيد اللي من حقي كل حاجة فيكي، سواء كلام. – وسكت لتستقر نظراته على شفتيها قبل ان يتابع بصوت أجش – أو. فعل!

حمرة قانية لونت وجنتيها لتصمت لثوان قليلة وقد باغتتها عبارته لتهتف فيه بعدها بغيظ شديد وهي تحاول التملص من قبضته:
- انت وقح!
فما كان منه الا ان تركها ليطلق ضحكة رجولية عالية دغدغت أوصالها، وسرقت أنفاسها فيما تسلطت عيناها على وجهه وكأنها مأسورة به، وبعد أن هدأت ضحكاته نظر اليها بحنان غريب عليه وقال بخفوت وابتسامة تزين وجهه الوسيم:.

- طيب بعيدا عن اني وقح، وانك قريب اوي هتعرفي يعني ايه وقاحة بجد. ممكن ناخد فاصل ساعة واحدة بس؟ نفطر الاول وبعدين نواصل الخناق زي ما انتي عاوزة...

ريما بترفع أعجبه وكأنها تمنّ عليه: - اممممم، ممكن...
ليسحبها حتى الجلسة الجانبية حيث جلس على الاريكة وأجلسها بجواره ثم شرع في اخراج الفطائر الساخنة المحشوة بالجبن وأخرى بالكريمة والعسل وقدحي من القهوة الايطالية. الكابوتشينو، وهو يقول:
- أنا عارف انك بتحبي الكورواسان. وكابوتشينو كمان، عشان بس تعرفي اني احسن منك.

ريما برفعة حاجب: - يا سلام. احسن مني في ايه ان شاء الله؟
عصام وهو يناولها قطعة من الكرواسان ومنديل ورقي وهو يطالعها بابتسامة واثقة: - ما قلتيش انك انهرده اول يوم شغل ليكي هنا عند عمي نزار. عموما انا عندي عصافير في كل مكان. والعصفورة اللي قالت لي انك هتبدئي من انهرده.

ريما بغيظ: - امممم. بس اعتقد انه مش عصفورة لا. دا غراب واول حرف من اسمه مهدي. مش كدا؟

صدحت ضحكة عصام قائلا: - انا مش عارف انت زعلانه منه ليه؟ دا لولا هو كان زماني مش فوّتها بسهولة عملتك دي، بس قلت مش مشكلة لسه هتتعودي عليا وعلى طباعي وأولها.

كان قد تناولت منه الكرواسان لتقضم منها قضمة سريعة بغيظ من كلماته المستفزة حينما مال عليها مردفا بهمس خشن:
- ان أي حاجة تتعلق بيكي او تفكري تعمليها لازم يكون عندي خبر بيها. انتي ما بئيتيش ملك نفسك وبس، لا...

رفع ابهامه يمسح قطعة من الجبن المذاب التي علقت بطرف شفتها مردفا بصوت أجش: - ملكي. أنا كمان!
وأمام نظراتها المذهولة رفع ابهامه الى فمه ليلعق فتات الجبن لتطالعه بفاه مفتوح جعله يقول بصوت خافت وكأنه يخشى قطع دائرة السحر التي غلفتهما:
- ريما. اقفلي بؤك لاني مش هكون مسئول عن اي حاجة بعد كدا.

لتنتبه من شرودها فتغلق فاها فورا وقد انتبهت الى معنى كلماته المبطن لترميه قبلا بنظرات ساخطة، وبرد فعل عفوي لعقت بطرف لسانها الوردي زاوية شفتها حيث علق الجبن ليزمجر عصام بخفوت ويهمس بنظرات غامضة أسرت زمردتيها:
- شكلك كدا مش ناوية تجيبيها لبر.
ريما ببراءة أسرت لبّه: - وانا عملت ايه؟ ما انا قفلت بؤي اهو، بس حاسيت انه فيه حاجة عليه فبشيلها!

عصام وقد قرر أنه استكفى من ذلك الجدال النظري العقيم لينتقل الى المرحلة العملية من فوره:
- لو عاوزة تشيليها يبقى أنا اللي أتولى المهمة دي.

وقبل أن يتثنى لها التساؤل كان قد مال على وجهها يقطف شهد ثغرها في قبلة رقيقة. وكأن فمه يهمس لشفتيها بمكنونات صدره، بينما هي كانت وكأنها قد شلّت من هول المفاجأة ولم تكد تتنبه من جمودها حتى رفعت يديها بغرض ابعاده عندما اعتقلت يداه في لمح البصر يديها ليضعهما على صدره ورفع وجهه عنها وهمس بابتسامة شقية:
- تصدقي أول مرة أدوق جبنة أحلى من العسل!

لتنهره بزمجرة منخفضة قبل ان تفاجئه بدفع قطعة الكرواسان المتبقية في وجهه ليصدر لعنة خافتة بينما نجحت في النهوض من مكانها بجواره منتهزة فرصة انشغاله بتنظيف وجهه وما ان خطت بضعة خطوات حتى هتف وهو ينهض خلفها وهي في طريقها للخروج:
- ريما، على فكرة. هنروّح سوا انهرده.
حدجته بنظرة ساخطة وهي تقف أمام الباب لينظر اليها رافعا سبابته وهو يقول بتحذير: - ولو لاقيتك مشيتي. صدقيني هزعل، وجامد أوي يا.

وغمزها وهو يردف بعبث: - يا مراتي يا حبيبتي.
ثم وضع بعض الفتات في فمه وهو يردف بابتسامة ماكرة: - مش قلت لك. أحلى من العسل يا حرمنا المصون!
لتضرب ريما الارض بقدمها كالاطفال وتهتف بحنق كبير: - مراتك! في أحلامك يا. ابن خالي!

وخرجت صافقة الباب خلفها بقوة لينظر عصام حيث اختفت وهو يهمس بوعد: - هنشوف يا بنت عمتي، هثبت لك انه الاحلام بتتحقق، وحلمي بيكي مش هتنازل عن انه يتحقق. وهتكوني. مراتي أنا، – ولمعت عيناه لحظة نطقه بكلمة مراتي وكأن نسبها اليه قد أثار دمائه الساخنة وأردف بخشونة – وهتشوفي أني هحققه ازاي. وقريب اوي!

دفع الباب لتففز خائفة وكانت تقف تقضم اظافرها حنقا وغيظا، لتفاجأ به وهو يقتحم غرفتها بقوة صافقا الباب خلفه بعنف فازدرت ريقها بصعوبة وقالت بصوت لم تنجح في اخفاء ذعرها كاملا منه:
- ايه عاوز ايه؟ يا ترى فيه كلام تاني جارح عاوز تقوله؟
دنا منها فواز بنظرات نارية ترمي بحممها في مواجهتها وهو يقول بهمس شرير: - عارفة مين اللي كان موجود من شوية؟
قطبت قائلة: - مين؟
فواز بتهكم: - الاستاذ. الفارس المغوار.

. تسنيم وقد ارتفع حجبيها ذهولا: - الاستاذ طاهر؟
فواز بحنق: - الاستاذ زفت! عارفة كان جاي ليه؟
تسنيم بصدق: - لا. بس لازم اطلع اسلم عليه...
فواز وهو يقطع عليها الطريق مقتربا منها حتى اصطدمت بالحائط خلفها وهي تتراجع الى الخلف:
- لا ما خلاص. مشي، بعد ما رفضت العرض بتاعه.
تسنيم باستفهام: - عرض؟ عرض ايه؟

فواز بابتسامة شريرة: - البيه كانت جاي طالب القرب. وبما اني في حكم الوصي عليكي فأنا رفضت. ومن هنا ورايح لو رجلك عتبت الحضانة دي هيكون لي تصرف تاني خالص يا تسنيم!

واستدار مغادرا عندما صدح صوتها هاتفا: - بس انا لسه ما قولتش رأيي!
ليقف لثوان استدار بعدها يطالعها مقطبا قبل ان يقول بتساؤل: - ايه؟ رأيك في ايه؟
تسنيم وهي تلعن شيطانها الذي طاوعته لتستفز فواز ولكنها أبت أن يظهر عليها خوفها منه:
- رأيي في العريس، مش انا بردو العروسة ولا ايه؟

فواز وهو يدنو منها حتى وقف امامها تماما وبلهجة خطيرة: - اممم. عروسة! وانتي يا عروسة عاوزة وقت تفكري في ايه بالظبط؟ في الاستاذ اللي جالك؟

تسنيم بثقة لا تشعر بادني قدر منها: - ايوة. اظن حقي!
هدر فواز بعنف: - يا اخي كسر حُقّك! انتي بتستعبطي؟! تسنيم هي كلمة واحدة ولمصلحتك. انسي خالص موضوع الراجل دا، ومش هتركزي غير في مذاكرتك وبس!

تسنيم برفض وعناد كالثور: - بس انا من حقي اني أوافق أو ارفض. انا العروسة مش انت!
ليبتسم فواز بتهكم قائلا: - اممم. تمام يا تسنيم، لو نفسك اوي تبقي عروسة انا موافق بس على شرط. الكائن اللي جه دا مش هو العريس!

قطبت تسنيم بريبة وقالت: - اومال مين؟
فواز وهو يقترب منها حتى يكاد يلتصق بها زارعا عينيه في بندقتي عينيها: - أنا، تسنيمي!..
لتشهق بقوة فيما التمعت عيناه ببريق أشاع الفوضى في سائر حواسها واحتلت ابتسامة متوعدة وجهه الاسمر الوسيم...

التفتت اليه حيث كان يقود مركزا بصره على الطريق أمامه وقالت: - مش المفروض كنا سيبناهم يحتفلوا براحتهم يا حمزة؟ يعني انا حاسة اننا هنبقى عزول معهم!

حانت منه التفاتة لها قبل ان يردد ضاحكا: - عزول! عزول ايه بس يا بنتي. دا اخويا وأختك، وبعدين عمرو صمم انه يحتفل هو وسلمى معنا انهم خلاص ورقهم خلص وحجزوا فعلا التذاكر. يعني هو اللي عاوز كدا.

حركت نجوان كتفيها قائلة بعدم اقتناع: - امممم. مش عارفة. عموما احنا مش هنطوّل معهم. شوية ونستأذن تمام؟
حمزة بابتسامة: - تمام يا نوجة!
ولكن قرار ذهب أدراج الرياح حينما علمت بعد ذلك ولدى وصولهما أن الحفل عبارة عن نزهة الى مدينة الملاهي، وهي من عشاقها، لتتجلى ابتسامة واسعة على ثغرها المكتنز وتلمع عيناها ببريق السعادة أسر نظرات حمزة ولوهلة طويلة.

انخرطوا أربعتهم في اللعب بمعظم الالعاب حتى وصلوا الى القطار السريع أو قطار الموت، ورفضت نجوان رفضا باتا الاشتراك فيه، ليبتعد بها حمزة جانبا ويقف أمامها قائلا بابتسامة حانية:
- كدا يا نوجة. معقولة تخافي وانا معاكي؟
نجوان بهزة نفي بسيطة من رأسها: - لا مش قصدي يا حمزة بس...
حمزة وهو يمسك براحتها في يده العريضة ويشدها عائدا ناحية اللعبة: - ما فيش بس، ياللا عشان نركبها وما تخافيش.

توقف ناظرا اليها من فوق كتفه وهو يقول: - أنا أفديكي بعمري كله يا بنت عمي!
وانطلق تتبعه وقد نست خوفها وانشغل عقلها بتحليل كلماته الغامضة بالنسبة لها!
لن تنسى نجوان ما حيت ذلك اليوم وتحديدا تلك اللعبة التي زاد كرهها لها وأقسمت أنها لن تقربها ثانية فيما زادت سعدة حمزة بها، فما حدث خلالها أمرا لم يكن في أعتى أحلامه جموحا!

كانت نجوان في البداية تجلس بصمت تام متشبثة بالحاجز المعدني أمامها وعينيها مسلطة على نقطة وهمية، حتى اذا ما بدأت اللعبة زاد تشبثها ولكنها كانت بطيئة الحركة بالبداية لتتنفس الصعداء وقد ظنت أن مخاوفها لا صحة لها عندما زادت السرعة باطراد حتى أصبح القطار وكأنه يطير فوق قضبانه الملتوية كالافعى لتتعالى الصرخات وبدون شعور منها شاركت نجوان في تلك المعزوفة من صياح الركاب وما أن وضع حمزة يده على يديها حتى فاجئتها بأن دفنت رأسها في حضنه تاركة الحاجز المعدني، ليزداد بكائها من جهة، وتتشبث أصابعها بثيابه بقوة، فاحتواها بين ذراعيه، وهو يهدهدها بكلمات الاطمئنان، مناديا لها أن ترفع رأسها كي تطالعه ولكنها أبت مفارقته، ومع شعور حمزة بالذنب لأنه أجبرها على ركوب تلك اللعبة نما شعور آخر خائن بالسعادة لتشبثها به بتلك الطريقة. وكأنها وجدت فيه حبل انقاذها وتركت ذلك الحاجز اللعين الذي كان يحسده لتشبث أصابعها البيضاء به بدلا عنه، وكأنه أراد مكافئتها إذ مال عليها يدفن وجهه بين خصلاتها النحاسية مستنشقا عبيره الفواح ليطبع قبلة صغيرة على رأسها مانعا نفسه بصعوبة من اعتصارها بين ذراعيه كما يريد والارتشاف من خمر شفتيها حتى الثمالة!

فيما كانت مخاوفها كعازل لها فلم تشعر بأيّ مما قام به حمزة!
تباطئت حركة القطار حتى توقف تماما، ليهمس حمزة: - نجوان، نوجة، خلاص حبيبتي القطر وقف!
رفعت نجوان رأسها ليهاله منظر وجهها وقد اغتسل بدموعها ليهتف وهو يمسح ماساتها بابهاميه بصوت مغلف بالصدق:
- أنا آسف يانوجة. أنا اللي صممت انك تركبيها...
نجوان وهي تتنشق عاليا وبصوت يشي ببكائها: - عشان تبقى تصدقني بعد كدا.

ابتسم حمزة لينهض ويعاونها على الخروج من عربة القطار ويقول مبتسما: - لكن أنا كمان ما سيبتكيش ثانية. تنكري انه القميص كان هيطلع ف ايدك؟
لترفع نجوان وجهها اليه تنظر اليه بسخط فابتسم فهو قد تعمد اغاظتها كي يرى نظراتها الثائرة هذه، فهو الآن فقط شعر بالامان وبأنها قد رجعت نجوان التي يعهدها دائما...

دعاهم حمزة لتناول الغذاء في محل للوجبات السريعة بداخل مدينة الالعاب الترفيهية. وبعد انتهائهما أخبرهما عمرو بأنه وسلمى يريدان شراء ثوب الزفاف وبدلة الفرح خاصته. ليبدئوا جولة شرائية شعرت معها نجوان أنها تكاد تبكي من فرط تعبها.

كانت سلمى تقوم بقياس ثوبها بينما وقفت نجوان خارج غرفة القياس حينما ناداها حمزة فاتجهت اليه لتراه يشير الى ثوبا للزفاف أبهرها منظره، قالت نجوان بحالمية وبدون وعي منها:
- الله يا زومة، تحفة الفستان دا، بس اكيد غالي!
لم تنل أي جواب منه لتلتفت اليه واضطرت الى مناداته بصوت عال كي ينتبه اليها. ليجيبها بتمتمة:
- ها...

نجوان باستغراب: - هو ايه اللي ها؟ بقولك الفستان جميل. هروح أقول للبنت تجيبه عشان سلمى تجربه أنا متأكدة انه هيعجبها.

ولكن حمزة سارع بالامساك بذراعها وقال مجيبا نظراتها المتفاجئة المستفهمة: - لا، دا مش هيليق (يوافق) على سلمى. دا عاوز واحدة تانية خالص!

قطبت نجوان وهمت بالحديث عندما أشارت لها فتاة المحل كي توافي أختها بغرفة القياس بينما أشار حمزة لعاملة أخرى بالمحل فحضرت من فورها ليأمرها بلفِّ فستان الزفاف بعد أن أعطاها المقياس المطلوب، وأن ترفق معه سائر مستلزماته، بينما شرد بعين خياله يرى تلك العروس التي تصورت له في ذلك الفستان ما ان وقعت عيناه عليه، فيما حالته الذهنية فمشتتة منذ سمع لقب التحبب الذي كانت تطلقه عليه نجوان في صغرها. زومة. وقد توقفت منذ زمن طويل عن قوله!

كان أربعتهم يدلفون خارج ذلك المول الضخم بعد ان ابتاع عمرو وسلمى لوازمهما، حيث كانا في المقدمة يليهما حمزة ونجوان، عندما ضرب كتف حمزة دون قصد منه بآخر لتصدر شهقة ناعمة فالتفت حمزة كي يعتذر لتموت كلمات الاعتذار على شفتيه حالما وقعت عيناه على الشخص الذي اصطدم به فجأة. ليهتف بصوت مذهول وقد اعتلت الصدمة ملامحه:
- مش معقول...

قطبت نجوان وقد انتبهت لتوقف حمزة وعيناه المسلطتان على نقطة أمامه لتنظر في نفس الاتجاه وما أصاب حمزة من ذهول كانت كالصاعقة المدوية بالنسبة لها وهي تطالع نفس الشخص الذي تسمرت عينا حمزة عليه، لتهمس هي بغير تصديق:
- مايا!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة