قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية إلا أنت (نساء متمردات ج3) للكاتبة منى لطفي الفصل السابع عشر

رواية إلا أنت (نساء متمردات ج3) للكاتبة منى لطفي الفصل السابع عشر

رواية إلا أنت (نساء متمردات ج3) للكاتبة منى لطفي الفصل السابع عشر

زفرت بضيق وهي تسير ذهابا وايابا بينما جلست صديقتها تطالعها، لتقول في الاخير: - يا بنت الحلال هدِّي. اريولك (قدماك) ما تِعْبِتِك من الروحة والرادّة؟
نفخت مشاعل بقهر وهتفت وهي تقف تنظر الى صديقتها: - آخ. بموووت قهر يا مريم، من يوم ما ييت (أتيت) مَصِر وهو مهملني. لا يتكلّم ولا يستجبل اتصالاتي. واللي كايدني انه ترك الاوتيل وما رضي يعرفني وين راح؟

نهضت مريم واتجهت اليها لتحيط كتفيها بذراعها وتقودها الى اريكة لتجلسان بجانب بعضهما وهي تقول بهدوء لامتصاص غضب صديقتها:
- يا معوّدة هدِّي. ما يصير اللي اتسوينه ابنفسك. فرضا هو راح خلاص. خير يا طير؟ أحسن. ها الشيّ بمصلحتك انت صدجيني.

مشاعل بعينين تطلقان شرر من نار: - انت شو جاعدة تجولي؟ طارق يتركني؟ لا وها الشيّ ابمصلحتي بعد؟ ينِّيتي (جننتِ) انتِ!

مريم بصبر: - حبيبتي أنا ما اجصد أزعلتش (أزعلك). لكن فكِّري زين. الحين علاقتكم هذي. ايش آخرتها؟

همت مشاعل بالرد باندفاع لتوقفها مريم رافعة يدها مردفة بجدية: - قبل ما تجاوبي فكّري عَدِلْ، تعتقدي أنه عمي حمد بيوافق على ارتباطك بريّال مِتْجَوِز وعنده بنِتْ. وفوق كل هاذا مو من بلدنا. لا وغير كدا ابيخسر خوه وابنه. اللي المفروظ (المفروض) انه زواجكم بالصيف لما نِرِدْ لكويت. بعد كل هاذا. تعتقدي أوبوكي بيوافق؟

مشاعل بيأس: - لكن أنا ما أبغى فيصلوه، أنا حبيت طارق، بعدين شنو يعني متجوز؟ عادي عندنا كتير رياييل متجوزين بدل الواحدة اتنين وتلاتة، بعدين هو ملحق في السفارة يعني وظيفة مرموقة.

مريم بطول بال: - تمام حبيبتي. هو بيشتغل بمكان محترم، حتى لو اتغاظينا عن هاي المسألة. يظل انك بنت عيلة حمد الغانم. أكبر عوايل لكويت. اللي من سابع المستحيلات انه يوافق انه بنته تتجوز على ظُرّة (ضرّة). حتى لو فيه كتير رياييل متجوزين على جُولتك بدل الحرمة اتنين وتلاتة. بنت حمد الغانم يستحيل تكون واحدة منهم.

مشاعل بنظرة قوية: - ومين جال لك اني بكون منهم؟ هاذاكي جولتيها. – وشدت نفسها رافعة رأسها متابعة بشموخ وثقة - أنا مشاعل بنت حمد الغانم. واللي يتجوزني بيكون لي بروحي ( بمفردي). أنا متل ما يجول المثل. متل الفريك ما يحب شريك!

مريم بتقطيبة وتوجس: - ما فهمت مشاعل. شنو جصدك؟
مشاعل بابتسامة غرور: - جصدي يا طويلة العمر أنه طارق بيكون لي انا وبس. وزوجته هاذي بتكون فعل ماظي (ماضي). وبتشوفي!

مريم بنفي قاطع لما تفكر فيه صديقتها: - لا يا مشاعل، حرام عليك تهدمين بيت وأسرة. وكل هذا ليش؟ لأنه رفظك (رفضك) بالوّل (الاول)؟ بتصيري هدامة بيوت وكل هذا عشان ما رضيتي تقبلي انه ريال بيحب ماراته وله حياته الخاصة فيه؟

مشاعل وهي تقفز واقفة تهتف بذهول وغضب: - مريموووه. حاسبي على كلامك زين. انتي ينيتي؟ شنو ه الخرابيط اللي جاعده تخربطينها؟ اصحي لحالك وتمنِّي (راعي) كلامك عَدِل. مو مشاعل اللي يتجالها ه الحكي...

نهضت مريم ووقفت أمامها وقالت ببرود: - أنا بنصحك لانك صديجتي جبل اي قرابة بيننا. لكن واضح انه صداقتنا كانت من طرف واحد. طرفي انا. عموما. انا بريحِك من وجودي. الحين بطلب الاستجبال يدوروا لي حجز وبسافر. لأني صراحة ما أقدر أشترك بالجريمة اللي راح اتسوينها في المسكينة هاذي وتخربي بيتها. ونصيحة أخيرة مني. حتى لو كان رايلها ظعيف وهو اللي سمح لك من البذاية انك تدخلي حياتهم. لكنه الحين بيحاول يصلّح اللي انكسر معها. فاصحي لنفسك يا بنت الحلال قبل ما يسبق السيف العذل. هاذاني قلت لك. وانت حرة في اللي تساوينه بعد كدا. عن اذنك.

وانصرفت مريم تاركة مشاعل وهي ترغ وتزبد وتقسم بأغلظ الايمان أنها لن تد طارق يفلت من بين يديها. فهي وحدها من تَرفض لا، تُرفض! بينما في الغرفة الأخرى وقفت صديقتها وهي تمسك هاتفها الخلوي تهمس بعزم وهي تضغط على بعض الأزرار في هاتفها:
- سامحيني مشاعل. لكن أنا ما راح أخليكي تهدمي بيت وتهدي حياتك بيدك عشان غرور وعنجهية كذابة.

وضعت الهاتف فوق أذنها وما هي الا لحظات وانساب الصوت الذكوري الخشن في أذنها لتقول بكلمات باترة وعينين تلمعان بعزم قوي:
- فيصل. انت لااااازم تيي (تأتي) مصر. وبأقرب وقت. لو اليوم مُو باكر يكون أفظل (أفضل)!

نجوان. انت يا بنتي، آلووووو، نجوااااااان! .
انتبهت نجوان على هتاف أختها العالي لتنظر ناحيتها عاقدة جبينها وهي تقول بنزق: - ايه يا سلمى فيه ايه؟ حد ينادي على حد كدا؟
سلمى بدهشة: - ايه أنا بردو؟ ايه انتي يا هانم؟ انة انت سرحت فين؟، عمّالة انادي عليكي من اكتر من 10 دقايق وانت ولا هنا حد، – لتغمزها مردفة بمكر – اللي واخد عقلك يا، نوجة!

نفخت نجوان وأجابت وهي تستند بظهرها الى السرير في غرفتهما في شقة ذويهما بعد عودتهما من رحلة التبضع والشراء مع خطيبيهما:
- والله انت فايقة ورايقة.
سلمى وهي تجلس مكتفة ساقيها فوق فراشها تضع وسادة في حضنها وتميل ناحية أختها مجيبة بابتسامة:
- ومش عاوزاني أفوق وأروق ليه؟ عروسة ولسه راجعه من بره واشتريت فستان الفرح. دا غير الفسحة اللي حبيبي عزمنا عليها، كل دا وما أروقش؟ دا أنا حتى أبقى ما عنديش دم!

سكتت نجوان ولم تعقّب لترتسم علامات التفكير العميق على وجهها، فما كان من سلمى إلا أن نقلت جلستها الى جوارها وقالت بقلق:
- مالك يا نجوان بجد؟ انت من ساعة ما رجعنا وانت مش طبيعية، حمزة زعلك في حاجة؟

تنهدت نجوان بعمق، فهي لا تدري بما تجيبها، أتخبرها أن حبيبة خطيبها قد عادت ثانية وأنها لا تعلم لما هذه الانقباضة التي أمسكت بتلابيب صدرها ما أن رأتها؟ هل هو وقع المفاجأة أم الصدمة أم القلق مما هو آت؟!

زفرت بعمق ونفضت عنها أوهامها وهي تعتدل في جلستها وقد قررت ألا تفسد فرحة هذا اليوم على أختها، فلا أحد يعلم بقصة حمزة ومايا غيرها كما كان قد أخبرها سابقا. فهي وحدها من كانت على علم بحكايتهما سوية. لذا فقد تعمدت رسم ابتسامة صغيرة وقالت:.

- لا يا حبيتي حمزة مزعلنيش ولا حاجة. كل الحكاية اني تعبانة شوية من كتر اللف، وبعدين بصراحة ريما وحشتني أوي، حاسيت اني مفتقداها بجد انهرده، كانت هتفرح اوي لو كانت جات معنا.

ولم تكن تكذب فهي شعرت أنها تحتاج صديقتها الروحية الآن وبشدة، لتردف وهي ترفع هاتفها:
- عموما أنا هكلمها أطمن عليها وأقولها آخر الاخبار.
ما أن أنهت المكالمة حتى نهضت من فورها وكانت سلمى قد تركتها لتتابع محادثتها بعد ان هنأتها ريما هاتفيا، لتشرع في اعداد نفسها وكانت قد انتهت عندما دلفت سلمى تناديها لتفاجئ بها وقد ارتدت ثياب الخروج فقطبت متسائلة:
- انت خارجة يا نجوان ولا إيه؟

نجوان وهي تمشط خصلاتها النحاسية بضربتين من الفرشاة: - أيوة حبيبتي. هقابل ريما. اتفقنا نتقابل في الكافيه بتاعنا.
سلمى بحيرة: - بس الوقت اتأخرت يا نجوان، الساعة داخله على 8 بالليل؟
نجوان وهي تعلق حزام حقيبتها بطريقة عكسية وبابتسامة: - ما تقلقيش حبيبتي. الكافيه مش بعيد وريما هتروحني معها، عموما أنا مش هتأخر.

لتلوّح لها مودعة وهي تدلف خارجا...

وصلت الى المقهى حيث اتفقت مع ريما، وكانت قد استأذنت من والدها الذي شدد عليها بعدم التأخير وهو يقول لها بجدية مفتعلة أنها لو لم تكن ريما لكان رفض خروجها في مثل هذا الوقت، وبينما كادت تختفي خلف الباب ناداها يسألها ان كانت قد أستأذنت حمزة قبلا، ولكنها كانت قد توارت عن الانظار فلم تسمع سؤاله، لتخرج دون اذن زوجها!

وافتها ريما بعد دقائق وبعد السلام واملاء النادل بطلباتهما، قالت ريما وهي ترى كلاما كثيرا على وجه صديقتها:
- ها يا ستي. ايه اللي حصل بقه وخلّاكي جبتيني على ملا وشّي (ملا وشي كناية عن السرعة)؟

تهربت نجوان قائلة: - يا سلام، مش انت اللي صممت اننا نتقابل؟
ريما وهي تسلط زمردتيها عليها: - أيوة بس دا بعد ما صوتك قلقني، انت يا بنتي لو كنت ضغطت عليكي شوية وصممت أعرف مالك كنت هتنفجري في العياط!

نجوان بنفي قاطع: - لا طبعا.
قاطعتها ريما بقوة: - آه طبعا، ها ياللا بقه. اتكلمي وانت عارفة مش هسيبك غير لما تقولي كل اللي عندك.

تنهدت نجوان بعمق قبل ان تنظر الى ريما قائلة بحيرة تجلّت في عسليتيها: - مش عارفة يا ريما!
قطبت ريما بحيرة: - مش عارفة! مش عارفة ايه؟..
نفخت نجوان بتعب: - مش عارفة بجد مالي، زعلانه ولا مصدومة ولا متفاجئة ولا. فرحانة؟!
وخبا صوتها وهي تنطق آخر كلمة بينما شردت عينيها للحظة، قبل ان تنتبه قائلة: - بجد مش عارفة.
ريما بهدوء: - حمزة؟!

نجوان وهي تومأ بالايجاب شابكة أصابعها أمامها تتلهى بالنظر اليها: - اممم، انهرده شوفنا، مايا بالصدفة.
قطبت ريما متسائلة بشكّ: - مايا! مش دي البنت اللي.
أكلمت نجوان وهي ترفع نظراتها اليها قائلة: - آه. زميلته اللي كانت معاه في الجامعه، قصة الحب اللي عيشتها معاه ساعة بساعة ولحظة بلحظة!

ريما بترقب: - بس مش انت قلتيلي انه حكى لك انه قصتهم انتهت من زمان؟
نجوان بحزن لا تعلم مصدره: - أيوة. هو قالي كدا، بس انهرده لو تشوفي فرحته أول ما شافها، لو تشوفي نادت اسمه ازاي وصوتها كله شوق، عينيها كانت بتلمع من الفرح. وهو.

ريما وهي تقاطعها رافعة يدها لتصمت: - ايه ايه. حيلك حيلك، هو ايه اللي صوتها وعينيها وودانها وعينيه، لحقتي تشوفي كل دا امتى؟

نجوان بابتسامة حملت بعضا من الأسى: - اللحظة اللي اتقابلت عينيهم فيها جوارحهم كلها اتكلمت! مش محتاجة وقت ولا شرح عشان احس بيهم وأعرف اللي عيونهم قالته من غير كلام!

ريما بهزة رأس: - لااا انت حالتك صعب. بقه بعد اللي انت فيه دا ومصرة انك وحمزة اخوات بس، وخطوبتكم عشان باباكي وعمك واختك واخوه والحوارات دي؟

زفرت نجوان بيأس وقالت: - انت ليه مش فاهماني يا ريما؟ حمزة دا كان لوقت قريب أقرب واحد ليا، ما كناش بنتفارق الا وقت النوم، كل اللي بيجرى في يومي بحكيهوله وهو كمان، لما شوفت مايا انهرده أول حاجة فكرت فيها هو حمزة...

ريما بتساؤل: - ازاي يعني؟

نجوان بزفرة عميقة: - ريما. مايا دي تبقى حبيبة حمزة، اللي لسبب مش عاوز يقوله بعدوا عن بعض، بس اللي يشوف فرحتها بيه انهرده مش ممكن ييجي في دماغه انها سابته (تركته) بقصد، وهو كمان كان فرحان جدا لما شافها، هو فعلا مقابلتهم ما كملتش دقايق لما لاحظت اننا معاه وهي كمان كان معها ناس، لكنه كان بيرحب بيها زي ما يكون حد غالي عندي، لو هي اللي بعدت عنه يبقى اكيد هيكون مجروح منها، يعني مش هيقابلها بالترحاب دا كله.

ريما بهدوء: - وما تقوليش ليه انه نسيها؟
نجوان بتقطيبة: - نسيها؟ ينساها ازاي وهو كان بيحبها؟
هزت ريما كتفيها مجيبة ببساطة: - يبقى ما كانش حب حقيقي، واكيد لما بعدوا عن بعض هو عرف كدا.
نجوان بشك: - بس دي اتجرح منها. مش ممكن ينسى جرحها ليه. اللي انا حاسيته انه ممكن يكون حاجة حصلت أجبرتها انها تبعد عنه.

ريما بشبح ابتسامة هزيلة: - صدقيني يا نجوان، مهما حصل مش ممكن تبعد عنه غير بارادتها هي، لو اتمسكت بيه مهما كان الضغوط عليهم كانوا مش ممكن يفرقوا بينهم، الفراق بيحصل لما طرف من الاتنين بيستسلم، آه أنا معاكي أنه أحيانا الأهل بيمارسوا ضغط كبير جدا، لكن بردو ولو، مهما ضغطوا وقاسوا عليها مش ممكن كانت هتسيبه إلا على الاقل لما تشرح له موقفها وأسبابها، ومن الواضح أنه ميعرفش والا كان قالك، لأنك لما سألتيه عن سبب فراقهم ما جاوبش. لأنه ببساطة معندوش اجابة.

نجوان بشكّ: - وجرحه منها ينساه بسهولة كدا؟
ريما بهدوء: - عشان كدا بقولك اللي بينهم ما كانش حب. .

لتغيم عينيها وهي تواصل بشرود وقد غلف صوتها نبرة شجن واضحة: - اللي بيحب يا نجوان أوي بيتوجع أوي وعمره ما ينسى وجع حبيبه، بيفضل معلّم فيه زي الكيّ، الوحيد اللي يقدر يطببه هو الحبيب نفسه، هو اللي يقدر يشيل أي أثر للجرح دا زي السحر تمام، بحبه واحتوائه وندمه. هتلاقي نفسك نسيتي كل اللي كان منه، ورجعتي بقلب صافي، رجعتي وكلك لهفة انكم تبتدوا صفحة جديدة مع بعض.

نظرت الى نجوان التي جلست تطالعها بتساؤل صامت وتابعت بابتسامة: - بس طبعا ما يمنعش انك تعاقبيه وتخليه يكفر عن غلطته في حقك ويحرّم يكررها تاني!

نجوان بابتسامة خفيفة: - امممم. قلتيلي، ويا ترى احنا لسه بنتكلم عن حمزة بردو ولا، عصام؟!
شهقت ريما بدهشة وقالت: - مين؟ عصام! وايه اللي جاب عصام هنا؟
نجوان بغمزة ماكرة: - قولي لنفسك! أنا فجأة حاسيت انك بتتكلمي عن نفسك وعن عصام. صح ولا أنا غلطانة؟

ريما وهي تتهرب من النظر اليها وبحنق: - تصدقي انا اللي غلطانة اني طلبت أشوفك من الاساس. المهم دلوقتي ناويتي على ايه؟

تنهدت نجوان عميقا وقالت: - مش عارفة، بس الاول لازم أتأكد أذا كانت مشاعره بالنسبة لها لسه موجودة ولا لأ!

ريما بريبة: - فرضنا أنه فيه، هتصرفي ازاي؟
نجوان بحزم: - يبقى ارتباطي بحمزة لازم ينتهي، أنا مش هقبل أني أفرق بين قلبين بيحبوا بعض، مهما كانت الظروف أو الاسباب اللي فرقت بينهم قبل كدا فأنا مش هرضى أكون سبب جديد للفراق بينهم!
ريما باعتراض: - ايه يا بنتي جو الافلام الابيض والاسود اللي انت عايشة فيه دا؟ هو ايه فراقهم وأفرقهم، هتسيبه بسهولة كدا يا نجوان؟

نجوا بعناد: - ريما انت الوحيدة اللي عارفة سبب ارتباطي بحمزة، احنا مش اتنين بيحبوا بعض وفجأة ظهرت له واحدة من ماضيه فالمفروض أحارب عشانه. لا! احنا ارتباطنا كان لاسباب تانية خالص، وعشان أنا عارفة حمزة كويس والوحيدة اللي حكى لي حكايته يبقى لازم انا اللي أقف جنبه وأساعده أنه يتجمع مع اللي اختارها قلبه. المهم أني أتاكد أنهم فعلا لسه بيحبوا بعض، لأني اللي هعمله هيقلب العيلة كلها وأول واحد هيزعل مني هو بابا. فلازم قبل ما أعمل أي خطوة أتأكد منه الاول.

زفرت ريما بعمق وقالت: - مش عارفة أقولك ايه بالظبط و...
لقاطعها رنين هاتف نجوان الشخصي فسكتت في حين همست نجوان وهي ترى اسم المتصل قبل تلقي الاتصال:
- دا حمزة.
وفي نفس اللحظة تعالى رنين هاتف ريما لترفعه وما ان طالعت اسم المتصل حتى قطبت قائلة وهي تتلقى المكالمة:
- غريبة. عصام!
بضعة دقائق وكانت كل واحدة منهما تجيب بحنق على الطرف الاخر من هاتفها: - حاضر. مسافة السكة.

لتنهي كل منهما مكالمتها وتنظران لبعضهما البعض حيث قالت نجوان: - معلهش يا ريما.
ريما باعتذار: - معلهش يانجوان.
الاثنان في صوت واحد: - حمزة/ عصام عاوزني ضروري. أصلي جيت من غير ما أقوله!

لتكتشفا أن أيّ منهما لم تخبر خطيبها بأمر خروجها في هذا الوقت! فما كان منهما الا ان نظرا الى بعضهما البعض في دهشة صامتة أول الأمر لتنفجرا بعدها ضاحكتين قبل ان تنهضا لتنصرفا حيث ينتظر كل منهما نصفها الآخر كي تُلاقي كل واحدة منهما. وعدها!..

فتح الباب ليهتف بدهشة قائلا: - جدتي!
دلفت الجدة تتأرجح في مشيتها وهي تقول: - وسّع يا بني كدا خليني أدخل، السلّم قطع نفسي.
جلست على المقعد الصوفي ليتبعها فواز وهو يقول بترقب وحيرة: - ايه اللي طلعك يا جدتي؟ كنت بعتيلي وأنا آجي لك على طول.
نظرت اليه بغموض قبل ان تقول: - مينفعش يا فواز، كنت لازم أتكلم معاك بعيد عن البنية الغلبانة اللي تحت دي!

زفر فواز بضيق قبل ان يرمي بنفسه فوق المقعد المقابل للجدة، فمنذ أن ألقى بقنبلته في وجه تلك الصغيرة العنيدة من أنه سيكتفل بتلبية رغبتها بالزواج، والذي سيكون منه هو، وهو لم يذق طعم النوم والراحة! فكلما أغمض عينيه تتراءى له صورتها وهي تقف مفتوحة العينين فاغرة الفم في آخر مرة شاهدها. كمن يرى عجيبة من عجائب الدنيا السبع أمامه. لترسم أمام عينيه لوحة هي عبارة عن مزيجا فريدا من البراءة والجمال. صورة لا تغيب عن ذهنه مطلقا. ليلعن شيطانه الذي دفعه للادلاء بما قال، ولكن لم يعد في مقدروه سحب كلماته تلك. فبعيدا عن أنه ليس بالرجل الذي يتراجع عن كلمته هو أيضا، لا يريد التراجع!..

قال فواز وهو ينظر الى جدته: - خير يا حاجة...

الجدة بنظرة متفرسة: - قولي الصراحة يا بني. انت عاوز تتجوز تسنيم ليه؟ أنا سألتكك قبل كدا يا وقولت لي انك خايف عليها، بس يا بني دا جواز، يعني احساسك دا لوحده مش كفاية، لأنك ممكن جدا تكون معها وفي ضهرها وتطمن عليها من غير جواز. انت راجل يا فواز وقد كلمتك، ولما قلت لي من يوم ما جا تعيش معايا انك اللي هتتولى مسئوليتها وأنت ما فرطتش في المسئولية دي، لكن مسئوليتك ناحيتها كأمانة حاجة وناحيتها كزوجة حاجة تانية خالص!

فواز بجمود: - وأنا سبق لك وقلت لك اني مش انا اللي أتخلى عن مسئولياتي، وأني مش هقبل أنه اللي حصل لغيرها يحصل لها هي!

الجدة بقوة: - وافرض اتجوزتوا، هتعيش معها كأخ ولا كزوج؟
قفز فواز هاتفا بحنق: - جدتي!
نهضت الجدة بدورها وهي تتابع بحزم: - جاوبني يا فواز. كلامك فيه تلميح أنك هتتجوزها شفقة وعطف عشان ما تبقاش صيدة سهلة قودام الناس اللي ما بتخافش ربها. يعني مش هتتجوزها عشان تعمل معها عيلة وبيت.

قاطعها فواز وهو يستدير ليوليها ظهره: - بيت ايه وعيلة ايه يا جدتي، ما انا قايلك السبب!
التفتت لتواجهه وهي تقول بحزم: - يبقى دا مش جواز يا فواز!
نظرت اليه بتعمن أضافت بعده بصبر: - مش جواز يا بني، وهييجي الوقت اللي هتطلب فيه منك حريتها عشان تشوف نفسها!
قطب فواز وازدرد ريقه بقوة قبل ان يردد بريبة: - تشوف نفسها ازاي مش فاهم؟

زفرت الجدة بتعب واستدارت تعود لمقعدها فقد أنهكها الوقوف: - تحب وتتحب وتتجوز يا بني وتعمل لها بيت وعيلة اللي أنت رافضهم!
ردد فواز بذهول غاضب: - تحب وتتحب! وأنا هبقى ايه ان شاء الله ساعتها؟ سوسن!
الجدة وهي تخفي ابتسامة مكر كادت تفضح خطتها في معرفة مكنونات قلب حفيدها الحقيقية حتى ولو لم يعترف صراحة بها:
- يوووه بقه يا فواز يا بني، ما وقتها هتكون اتطلقت منك!

جحظت عيني فواز بينما تابعت الجدة صب الزيت الساخن فوق النار بقولها: - وأكيد بعد ما تطلقها هتلاقي اللي يحبها...
فواز بذهول: - يحبها!
الجدة بابتسامة: - طبعا! تسنيم حلوة وصغيرة وست بيت ما فيش بعد كدا رغم سنها الصغير دا، وشاطرة وذكية، دا غير قلبها الطيب، اللي مخليها زي الملاك، يعني من الآخر ألف مين يتمناها!

فواز وقد ارتفع حاجبيه الى الاعلى مكررا بغباء: - ألف!
الجدة امعانا في خطتها وهي ترى أنها تسير على الطريق الصحيح: - أومال! طب تصدق بالله.
فواز بذهول: - لا الاه الا الله.
الجدة بفخر: - أنا كل شوية واحدة تكلمني عليها.
قطب فواز متسائلا بعدم فهم: - تكلمك عليها ازاي يعني؟
الجدة بتعجب: - يعني ايه تكلمني عليها ازاي؟ زي الناس! اللي عاوزاها لابنها، واللي لأخوها، واللي لابن صاحبتها واللي ل...

كانت عيني فواز تتسعان تدريجيا مع تعداد الجدة لعرسان تسنيم على أصابعها ليهتف بحدة في الاخير:
- بس خلاص! ايه هما العرايس اتمنعوا من البلد مش فيه غيرها!
الجدة بسخرية: - لا وانت الصادق هما اللي عندهم نظر، بنت خام وحلوة وصغيرة يعني تبقى أمه داعية له اللي تكون من نصيبه!

فواز بغلّ وهو يتراءى له صورتها وهي تضحك وتميل برأسها كعادتها لتتطاير خصلاتها الناعمة حولها:
- وانت الصادقة دا تبقى داعية عليه أكيد، لأنه وقتها مش هيلحق يفرح ثانية واحدة حتى!

لينهي عبارته وقد ارتسم تعبير اجرامي على وجهه جعل جدته تقطب في توجس وقلق، لتقول بعدها:
- قُصر الكلام، لو يا بني عاوز تتجوز تسنيم وتبقى جوازة العمر، تبقى مراتك وأم ولادك وتضلل عليها بجناحاتك، يبقى يوم المنى بالنسبة لي، لكن لو عشان الكلام اللي لا يودي ولا يجيب اللي انت بتقوله له وتحميها ومعرفش ايه يبقى سامحني معلهش!
قطب فواز مستفهما: - يعني ايه يا جدتي؟

الجدة بحسم: - يعني وقتها أنا اللي هرفض حتى لو وافقت هي!
فواز بدهشة: - ايه؟
الجدة بهدوء: - ما تآخذنيش يا فواز يا بني دي أمانة عندي وربنا هيسألني عليها. وهي صغيرة ومتعرفش مصلحتها فين، لكن أنا بقه اللي أعرف ايه اللي ينفعها حتى لو هي شافت غير كدا!

فواز بحيرة: - جدتي أنا مش فاهم حاجة. انت عاوزة تقولي ايه بالظبط؟
زفرت الجدة بنافذ صبر وهتفت: - تسنيم وافقت يا فواز!
لتتسع حدقتيه مرددا بغير تصديق: - تسنيم وافقت!
الجدة باستسلام: - أيوة وافقت، وعشان كدا قلت لازم أتكلمى بيني وبينك، عشان نحط النقط ع الحروف، عاوزها مراتك فعلا ولّا.

هتف فواز يقاطعها سريعا: - ما فيش ولّا يا جدتي، تسنيم خلاص وافقت انها تبقى مراتي، وصدقيني مافيش حاجة أبدا هتخليني أتنازل عن الموافقة دي حتى لو غيرت هي رأيها!

الجدة بقلق: - يا بني تسنيم.
قاطعها بابتسامة مطمئنة: - ما تقلقيش يا جدتي. تسنيم هتكون في عينيا!
نهضت الجدة لتقف أمامه قائلة وهي تنظر الى عينيه جيدا مشيرة الى صدره بسبابتها: - بس أنا عاوزاها تكون في قلبك كمان. مش في عينيك بس!
وتركته وانصرفت لينظر في عقبها وهو لا يدري أيفرح لموافقة تلك الصغيرة العنيدة أم يقلق لما ستحمله له الايام؟ فهو أكيد أن الآتي سيكون امتحان لمدى تحكمه في ذاته، وبمعنى الكلمة!

فتحت شقيقتها الباب وكانت تهم بوضع مفتاحها الخاص بالقفل، فنظرت اليها وهي تدلف قائلة وعقدة خفيفة تعتلي جبينها الابيض:
- ايه يا بنتي واقفة كدا ليه؟ خضتيني!
همست سلمى وهي توصد الباب خلفها مشيرة للداخل: - اتفضلي ادخلي بسرعة، حمزة جوّة من ساعة، وشكله على آخره. استاقي وعدك بقه، عشان تبقي تخرجي تاني من غير ما تقولي له!

نجوان بترقب: - هو اللي قالك انه ميعرفش؟
سلمى بهزة نفي من رأسها: - لا وانت الصادقة، أنا اللي فاجئتها المفاجأة دي لما جِه يسأل عنك، واحمدي ربنا انه انا اللي فتحت له مش الحاج، ما كنتيش هتخلصي منه لو عرف انك خرجتي من غير ما تقولي له!

اتجهت نجوان الى غرفة الجلوس بعد ان أعطت حقيبتها لسلمى وهي تسألها: - هو هنا من زمان؟
سلمى قبل أن تنصرف بابتسامة واسعة: - بعد ما حضرتك نزلت على طول!
دلفت نجوان لتكون عيناه أول ما وقعت عليه نظراتها وكأنه كان يتحين لحظة دخولها، نهض والدها وهو يقول بابتسامة:
- اعمل حسابك انك هتتعشى معنا انهارده...

ثم وجه حديثه الى نجوان بحنان أبوي: - تعالي يا بنتي. جوزك قاعد من زمان، قلت له هو اللي طاوعك تنزلي في وقت زي دا، عموما انا هسيبكم عشان تتفاهموا سوا. واللي تتفقوا عليه أنا معنديش مانع!

نهض حمزة واقفا احتراما لعمه والذي ما ان غاب عن ناظريه حتى وقف يطالع نجوان في صمت حتى بادرت هي قائلة بابتسامة صغيرة:
- اتفضل اقعد يا حمزة انت واقف ليه؟
أجابها من فوره: - ما قولتليش ليه انك خارجة؟
قطبت نجوان قليلا قبل ان تهز كتفيها وتجيبه: - مش عشان حاجة، لكن ما جاش في بالي مش أكتر.

حمزة بجمود: - اممم. دي مش أول مرة يا نجوان، يا ترى أدخلها في دماغك ازاي أنك دلوقتي أصبحت مسئولة مني؟ وأبسط حاجة أني أعرف مراتي بتروح فين وتيجي منين!

وجدت أنه قد أفسح لها الطريق كي تفاتحه بما يؤرقها فقالت وهي تشيح بعينيها بعيدا: - كويس أنك فتحت الموضوع دا. لأننا لازم نحط له حد!
قطب متسائلا: - موضوع ايه وحد لإيه بالظبط؟
سحبت نفسا عميقا قبل ان ترفع عينيها تركز نظراتها عليه وهي تجيب بما استطاعته من هدوء:
- ارتباطنا!
حمزة ببرود: - اسمه جوازنا مش ارتباطنا!
بدأت بفقد هدوئها الذي حاولت التمسك به وقالت: - وهو كذلك، جوازنا.

لتسلط عينيها عليها مردفة بتركيز: - أو اللي كان هيبقى. جوازنا!
حمزة بعدم فهم: - ايه؟ أنا مش فاهم انت بتقولي ايه؟
ليردف بغضب مكتوم وحيرة: - ما تتكلمي يا نجوان بدل الالغاز دي!
هتفت نجوان وقد ضاقت ذرعا بهذا الأمر برمّته: - حاضر يا حمزة هتكلم...
كتفت ساعديها وتابعت ببرود زائف: - احنا لازم نسيب بعض!

سكون تام أعقب عبارتها، لتقطب وهي تطالعه لتفاجأ بجمود قد اكتسى تعبيرات وجهه قبل ان يتجه نحوها ليقف في مواجهتها تماما ويتساءل بهدوء يشبه السكون الذي يسبق العاصفة:
- ايه؟ قلتي ايه؟
نجوان بتردد بسيط وقد بدأت تفقد هدوئها الظاهري: - قلت اننا لازم نتط...

لتنطلق يده بسرعة صاروخية مكممة فمها تمنعها عن تكلمة عبارتها الخرقاء لأذنه فيما أمسك بذراعها بيده الحرة ومال عليها يغوص بنظراته السوداء بين حجري الكهرمان داخل عينيها ويهمس بهدوء ينذر بالشرّ:
- اوعي أسمعك تقولي الكلمة دي تاني يا نجوان. مفهوم؟! ما تختبريش صبري عليكي أكتر من كدا، أنا زعلي وِحش (سيء) ووِحش أوي كمان. فبلاش تجربيه!

طالعته بنظرات تائه مليئة بالحيرة، لتتغير وتيرة أنفاسه فتصبح أسرع بينما تشتد قبضته وتلمع عيناه كحجر ماسي أسود مشع وهو يستشعر طراوة شفتيها فوق باطن كفّه الخشنة. ليبعدها ببطء قبل أن يمسك بمرفقها الآخر، فتتيه هي في نظراته محاولة تفسير معانيها، تشعر بأنها تبثّها الكثير والكثير من الكلمات المحملة بمعاني جعلتها وللغرابة تخشى. فهمها!

همس بصوت خشن وأنفاسه الحارة تخرج محملة بالسخونة التي تجيش بصدره: - أنا هعتبر نفسيى ما سمعتش حاجة.
نجوان بهمس رقيق كالعصافير لتخرج كلماتها محملة بعبق أنفاسها العطرة فيغمض عينيه بينما هي غير واعية للنار التي تتأجج رويدا رويدا بداخله:
- حمزة. أرجوك تفهمني. المفروض بعد اللي حصل انهرده انك انت اللي تطلب مني الطلب دا. أرجو.

قاطعها بصوت منخفض محتد وعيناه تبرقان كشرر من نار: - أرجوك أنت، نجوان أنا...

ليكمل عبارته لها ولكن. بطريقة عملية بحتة، إذ ترك فمه يهمس بالتتممة لثغرها الطري، لتصعقها المفاجأة فتسمرت بين ذراعيه، ليقربها إليه، يحتضنها بقوة، يلصقها به، يكاد يتشرب أنفاسها، يرفع يده اليسرى لتحيط برأسها تغوص بين شلالات شعرها النحاسية، فيما اليمنى فتضغط خصرها الدقيق تعتصره، تضمه بقوة. حانية. وما أن ذهب تأثير المفاجأة عليها حتى بدأت تعي خطأ ما يحدث بينهما، فرفعت يديها تضعما فوق صدره تحاول ازاحته بعيدا عنها، ولكنها أخطأت التقدير. فما أن لمست راحتيها عضلات صدره القوية حتى زادت نبضات خافقه، لتهدر بقوة كشلال جارف، لتسير ذبذبات كهربائية في سائر جسده، فيفتح فمه لينهل خمر شفتيها بجوع سافر، معتصرا فمها الكرزي. وكأنه طوق الانقاذ الذي يتشبث به، كالغريق الذي يتعلق بقشّة. ولكنه ليس لأنه يريد النجاة من لجة تلك العواطف التي تهاجمه كالمحيط العاصف، بل لأنه يريد الغرق أكثر فأكثر و، اغراقها معه!

سحب نفسه بعيدا عنه بمشقة بالغة ولكنه تشعر برغبتها القوية للهواء، لتشهق بعمق تماما كمن دفع برأسه فوق سطح الماء ليتنفس بقوة بعد أن انحبست أنفاسه وقد كاد يغرق داخل أمواجه الكاسحة.

لم تدر كم مرّ عليها بعدها وهي واقفة بين ذراعيه تنظر اليه بحيرة وتيْه كاد يفقده عقله فيكمل ما يتحرق شوقا اليه، ولكنه تمالك نفسه بصعوبة جمة ليبعدها عنه وان كانت يديه لم تتركا ذراعيها، ويقول بصوت خشن تكاد تقسم أن خشونته تماثل خشونة لحيته النامية التي خدشت حرير شفتيها:
- جوازنا مع عمرو وسلمى. هو دا الموضوع اللي عمي قال اتفقوا فيه!

لتفقدها المفاجأة القدرة على النطق لثوان وما الى ان استعادت قدرتها على الحديث وفتحت فمها للسؤال حتى باغتها بعبارته التالية:
- أنا كنت كلمته فعلا أننا نأجل الفرح، وعمرو وسلمى في معادهم، لكن بعد اللي حصل دلوقتي. من مصلحتك اننا نتجوز معهم، لأنه واضح جدا أنك بتبرعي في استفزازي. وانت الوحيدة اللي هتتحملي النتيجة في الآخر. ماذا وإلا.

وسكت لتقطب وتسعل لتجلي حنجرتها هامسة بصوت خرج مرتعشا رغما عنها: - وإلا إيه؟
مال عليها يهمس أمام وجهها: - وإلا هنتجوز قبلهم. وانت حرة!
شهقة صغيرة خرجت منها ليمتقع وجهها خجلا وتحاول دفعه بقبضتيها الصغيرتين وهي تنهره بخفوت:
- انت مجنون رسمي!
حمزة بضحكة جعلت دقات قلبها تتقافز بطريقة بهلوانية أثارت دهشتها: - عشان كدا لازم تسمعي كلامي. لأنه ليس على المجنون حرج، ولا ايه؟

همّت بالاعتراض ليباغتها بقبلة عميقة اكتسحت شفتيها قبل ان يتركها ويبتعد ليقف أمام باب الغرفة الذي حمد الله انه كان مغلقا ويقول:
- نامي كويس يا عروسة. و آه. فيه مفاجأة ليكي هتلاقي جوة عندك. أنا متأكد انها هتعجبك.

ثم أتبع كلماته بغمزة عابثة وهو يقول: - وابقي احلمي بيا لأني أنا متأكد أنى هحلم بيكي. وهستنى اليوم اللي هقدر أنفذ فيه الحلم دا بفرووغ صبر!

لم يكد يختفي حتى كانت الوسادة تطير لتضرب بالباب الذي سارع لاغلاقه خلفه وقد لمحها بطرف عينه وهي ترفعها من فوق الاريكة...

بينما وقفت هي تطالع الباب حيث اختفى منذ قليل وسؤال يكاد ينخر عقلها. من أين له شيطان العبث هذا الذي تلبسه؟ وما الذي يعنيه من وراء كلماته التي تحمل معاني لو سمحت لنفسها بالتفكير فيها لغرقت في ذلك البحر الذي يتغنى به الشعراء والكُتّاب. لتؤثر السلامة مقررة أن حمام بارد ونوم عميق كفيل باجلاء ذهنها لتستطيع التفكير بعقل صاف بالصباح في ذلك المتحرّش الذي يدعى. زوجها!

دلفت الى غرفتها وكان حمزة قد اعتذر عن طعام العشاء، لتشاهد علبة كبيرة موضوعة فوق فراشها، فقطبت واتجهت اليها حيث تناولتها وفتحتها ليطالعها ما جعلها تشهق بنعومة، لترفع القماش الابيض والذي لم يكن سوى ثوب الزفاف الذي رآه حمزة حيث سألها رأيها فنال اعجابها ما ان رأته. وبينما كانت تظن أنه لشقيقتها. كان يقوم بالاختيار لها هي. زوجته!

وقفت أمامه تعقد ساعديها وتضرب بقدمها في الارض، لينتصب أمامها واضعا يديه في جيبي بنطاله الجينز الاسود وهو يطالعها بنظرات سوداء تشبه الى حد كبير ملابسه السوداء والتي أسبغت عليه جاذبية شيطانية مهلكة.

قالت ريما وقد قررت أن أفضل وسيلة للدفاع هي الهجوم: - أظن أني حرة أخرج وقت ما أنا عاوزة وأرجع وقت ما أحب، طالما بابا عارف يبقى خلاص، اللي بيننا ما يسمحلكش باللي انت عملته ولا الكلام اللي قلتهولي في الموبايل.

عصام ببرود ونظرات غامضة: - قلت لك ايه؟ ممكن تفكريني؟ لأني على حسب ذاكرتي فأنا صوتي ما ارتفعش عليكي. بالعكس انت دلوقتي اللي بتزعقي ومعليّة صوتك!

هتفت ريما بذهول ساخطة: - يا سلام! وتسميه أيه – وغلّظت صوتها تقلّده – هقفل التليفون مسافة السكة ألاقيكي قودامي وإلا مش هيحصل لك كويس!

كادت تفلت ضحكته التي كتمها بصعوبة ليقول: - أنا بتكلم كدا؟ دا على كدا بقه يبقى مافيش مني!
ريما وهي تكشر وجهها: - غيّر الكلام بقه واقلبها تهريج!
تنف عصام عميقا وأخرج يديه من جبيبه وقال وهو يدنو منها بينما راقبته هي بحذر: - لا مش هقلبها تهريج. وطالما عاوزة الجد.

وقف أمامها يطالعها بقوة قبل ان يشهر سبابته في وجهها مردفا بجدية بالغة: - فأنا من لحظة ما قرينا الفاتحة وأنا ليا الحق أني أعرف عنك كل حاجة، ومش بس كدا. لا. أي خطوة تخطيها أكون على علم بيها.

همت بمقاطعته ليردف بحزم: - وانت نفس الشيء!
نظرت اليه بتقطيبة تساؤل وريبة ليكمل: - أيوة يا ريما، احنا الاتنين مابقناش (لم نعد) ملك نفسنا وبس. لأ. احنا بئينا (اصبحنا) ملك بعض! يعني اللي يِّسرِي عليكي يِّسرِي كمان عليا!

سكتت للحظات لم تعلم كيف تجيبه، بينما هو كان يتلذذ بحيرتها الواضحة وتشككها الظاهر، ليقسم بداخله أنه لن يكل أو يمل حتى يثبت لها حبّه، وأنه قد ندم على تفريطه في قلبها الذي سبق وأن قدمته اليه على طبق من ذهب ليرفضه هو بكل غباء. ولكنه لن يهدأ له بال بحتى يعود ذلك القلب للنبض بحبه. فيوسمه حينها باسمه فلا يعد لها سبيلا للفكاك من قيد عشقه!

قالت ريما بعناد: - شوف بعيدا عن كلام الروايات والافلام دا، أحب أقولك انه قراية الفاتحة دي كانت أمر واقع أنا اتحطيت فيه، وأنا مش بحب سياسة لوي الدراع والامر الواقع دي...

عصام مقطبا: - يعني.
ريما وهي تحرك كتفيها بلا مبالاة قائلة ببساطة استفزته: - يعني احنا لسّه على البر زي ما بيقولوا. لا دا مش بس البر. دا بر البر كمان. يعني ممكن جدا في لحظة أقول لبابا اني غيرت رأيي. مش مقتنعة ومش عاوزة أكمل!

مال عصام ناحيتها ليقول بهدوء: - امممم. البر!
شهقت دهشة حيث فاجئها بقبضه على كتفيها يزرع فحم عينيه المشتعل بين خضار عينيها مردفا بجدية:
- احنا سيبنا (تركنا) البر من زمان يا ريما. وبئينا (أصبحنا) في قلب البحر، ومالناش (ليس لنا) طوق نجاة الا. بعض!

هتفت بحدة وهي تحاول الفكاك من قبضته: - في أحلامك يا عصام بيه، انت فاكر نفسك مين؟ شهريار زمانك وأنا خدامتك مرجانة اللي تترمي تحت رجليك وقت ما تشاور لها! لا اسمح لي. وقعت منك المرة دي...

رفعت سبابتها البيضاء تدفع بها صدره وهي تواصل بغضب قوي جعلها أشبه بالنمرة الشرسة:
- أنت مش هتفرض نفسك عليا. أنا بس اللي أقدر أحدد إذا كنت هكمل في ارتباطنا ولا لأ.

سكت ولم يعلّق لتردف بقوة: - قلبي دا ملكي أنا وبس. وأنا...
ليقاطعها وهو يهز برأسه مصدرا صوت فرقعة بلسانه تنمّ عن رفضه لما سمعه أتبعها بعدها بقوله وهو يرفع يده ليقبض على اصبعها الصغير:
- تؤ تؤ تؤ. قلبك دا. ملكي أنا وبس. ومستعد أثبت لك وحالا!

توسعت عينيها بينما معاني عبارته الوقحة يترجمها عقلها لتهتف فيه بحنق: - انت مش بتسمع غير لنفسك وبس؟ لا وايه ماما أول ما جيت تقولي ادخلي اتكلمي معه بالراحة. دا عصام طيب! طيب! طيّب أنت بقه أما ورّيتك و...

شهية هي. مغرية هي. لذيذة هي. تماما كقطعة الحلوى الغارقة بالكريمة البيضاء وصوص الكراميل. حلواه المفضلة! ألا تعلم تلك العنيدة المشاكسة حجم القوة التي يحجم بها نفسه عن التهامها كحلواه المفضلة خاصة وقد جعلها الغضب تبدو أشهى وألذ في عينيه!

كانت تصيح به وتهتف وهو غارق في تأملها لتقطب وهي تشعر بوجود شيء خاطئ. فحاولت الابتعاد عنه وهي تنفخ بضيق قائلة:
- اوووووف. ابعد يا عصا...
أخطأت في ال أووووف التي أطلقتها في وجهه، فقد خرجت معها أنفاسها العبقة بعبيرها الخاص. ليستسلم لتلك الرغبة التي تكاد تقتله لالتهامها. و، التهمها!

لا يصدق تلك الاحاسيس التي يمر بها! من يصدّق أن تلك الصغيرة التي لا يكاد يصل طولها كتفيه تفعل قبلتها فيه الأفاعيل بهذا الشكل؟! فما أن تقابلت شفاههما حتى شعر بتيار كهربائي يسري في جسده وفجأة وكأنه كان غارق في قبو مظلم ليشع النور فيه بقوة. ما ان تلامس فمه القاسي بثغرها الناعم. وكلما تعمق في قبلته كلما زاد النور من حوله. حتى ظنّ أنه قد رحل الى السماء المليئة بأنوار النجوم. تلك التي تنير ظلمتها. فتطمس سواد ليلها. تماما كما طمس حبّ تلك الحورية ظلام لياليه وأيامه الماضية!

كان لا يزال غارقا في نور قبلتها الوهّاج حينما أفاق على وجع شديد، وألم ينبض في شفتيه! ليرتفع رأسه ويطالعها بذهول فبادلته نظراته بأخرى منتصرة. متشفية. متحدية. بينما وقف لا يكاد يصدق أن تلك المشاغبة قد، قضمت شفته لتوّها!

عصام بذهول وهو يمسح نقاط الدماء فوق شفته: - انت اتجننتي؟ ايه اللي انت عملتيه دا؟
ريما وهي تدفعه بقوة وقد انتهزت تهاون قبضته: - لا أنت ما شوفتش الجنان اللي على أصله لسّه يا ابن خالي!
نظر اليها عصام بصمت قبل أن يحرك رأسه يسارا ويمينا في يأس ثم نظر اليها قائلا: - هقول ايه. مجنونة. عاقلة راضي بيكي في جميع حالاتك. عموما.

واقترب منها لتتراجع هي الى الخلف وهي تنظر اليه محذرة ليردف: - تعضي. تاكلي. تفرمي. أنا سبق وقلت لك أني كلي ملكك. – غمزها بعبث متابعا – تمام زي ما كل حاجة فيكي ملكي أنا!

فغرت فاها في دهشة وما أن همّت بالرد عليه حتى قاطعها دخول أمها وهي تقول ببشاشة: - ها يا عصام طمني. اتفقتوا ولا لأ؟
عصان وهو ينظر الى ريما بابتسامة واسعة أظهرت غمازتيه: - اتفقنا طبعا يا عمتي. مش كدا ولّا ايه يا بنت عمتي؟
هاه! ...
أجابت ريما بذهول، ليشير اليها عصام قائلا بضحك: - أهو يا عمتي. عشان تصدقيني.

راندا بسعادة صافية: - أكيد مصدقاك يا روح عمتك، أما أروح أبشّر نزار وأفرّح أدهم. هو قالي أنه متأكد انكم هتتفقوا انهرده بس انا اللي كنت قلقانة!

عصام بابتسامة وهو يتذكر عمه أدهم الذي كان معه عندما علم بخروج ريما دون أن تخبره:
- البوس الكبير. لازم تصدقيه على طول يا عمتو. دا كله بتوجهياته هو!
اتجهت راندا لابنتها الواجمه تحتضنها وتقبلها قبل ان تنصرف وهي تهتف بأنها ستنقل الخبر السعيد لأفراد العائلة جميعا. فصغيرتها. وافقت أخيرا!

تساءلت ريما بذهول وحيرة: - هو فيه ايه؟
عصام وهو ينظر اليها بابتسامة خلّابة: - أبدا يا حبيبتي. مامتك فرحانة بيكي، طبيعي زي أي أم ما بتفرح لجواز بنتها!
نعم! جواز! .
وفي حين وقفت ريما فاغرة فاها محاولة استيعاب الامر كان عصام يطالعها بابتسامة فوز كمن كسب اليانصيب، وهو يدعو في سره لعمه أدهم. فقد أثبت أنه الكبير وعن جدارة!

كان يجلس الى مكتبه يطالع بعض الاوراق عندما تعالى طرق على الباب ليأذن بالدخول ليدلف صديقه وهو يقول:
- هشام باشا. وحشتنا يا راجل.
رفع هشام عينيه الى الوافد لينهض من مكانه ويتوجه ناحيته وهو يصافحه مرحبا: - أهلا بفؤاد باشا جنايات. غريبة. ايه اللي جابك الامن الوطني عندنا هنا؟
فؤاد ببساطة: - أبدا قضية كدا المتهم فيها له سجل عندكم هنا. المهم كويس أني شوفتك.

هشام بابتسامة بينما عقد جبينه في حيرة: - ايش معنى يعني؟ عاوزني أساعدك في حاجة تخص قضيتك؟
فؤاد وقد غاب مرحه ليعلم هشام أن ما سيسمعه لن يعجبه: - فيه حاجة حصلت عرفتها بالصدفة قبل ما آجي، وكنت بدعي أني أشوفك.
هشام بحيرة: - حاجة ايه دي؟
فؤاد بهدوء: - هي مش مرات المرحوم فريد اسمها منال ال، وبتشتغل في دار تاج الرحمة الخيرية؟

قطب هشام وقد ازدادت حيرته وريبته: - أيوة، بس ليه.
قاطعه فؤاد بتنهيدة عميقة وهو يتمنى لو لم يكن من ينقل اليه هذا الخبر: - مدام منال عندنا.
هشام بتوجس: - عندكم ازاي يعني؟
فؤاد وقد قرر القاء ما في جعبته دفعة واحدة: - مدام منال متهمة بقتل احدى المسنات مع سبق الاصرار والترصّد!
ليهتف هشام بذهول تام: - ايه؟، انت بتقول ايه؟!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة