قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية إلا أنت (نساء متمردات ج3) للكاتبة منى لطفي الفصل الثامن عشر

رواية إلا أنت (نساء متمردات ج3) للكاتبة منى لطفي الفصل الثامن عشر

رواية إلا أنت (نساء متمردات ج3) للكاتبة منى لطفي الفصل الثامن عشر

نام يا أسامة؟ .
ألقى أسامة بنفسه الى الفراش بجوارها وهو يقول متنهدا بعمق: - الحمد لله، أخيرا.
يارا بابتسامة عذبة: - انا عارفة انه فريد بيحبك، بس ما كنتش متخيلة انه متعلق بيك اوي كدا.
أسامة بابتسامة وهو يريح ظهره الى مسند الفراش خلفه: - فريد طفل ذكي ونبيه ودمه خفيف ويتحب بجد. ربنا يخليه لمامته ويرجعها له بسرعة.

يارا مؤمنة على حديثه: - يارب يا أسامة، لما كلمتني بتستأذني إذا كان ممكن أروح آخد فريد من الحضانة عشان فيه عندها مشكلة في الشغل ما كنتش أتوقع أنها مش مشكلة لا. دي كارثة! واحد قريبته في الدار اتهمها انها السبب في موتها وقدم فيها بلاغ بكدا! أنا متأكدة أنه فيه حلقة مفقودة مش منال اللي كانت بتنزل في وقت متأخر عشان نزيلة في الدار تعبت وعاوزاها اللي تعمل كدا! ربنا هيظهر الحق ان شاء الله.

أسامة بابتسامة: - ان شاء الله حبيبتي.
ثم استدرك قائلا وهو يفتح ذراعه يدعوها للجوء الى احضانه فلبّت من فورها لتكوّر نفسها بجانب صدره أسفل ساعده: - ما قولتليش. ماما كانت عاوزة منك ايه؟ كلمتي وقالت لي عاوزة يارا ولما سألتها في ايه ما قالتش!

يارا وهي تحتمي به فهو ملاذها الآمن من كل ما حولها: - ما تشغلش بالك يا حبيبي. أنا مهما عملت أيقنت انها مهما كان أم، حلمها تشوف ابنها مبسوط وسعيد ومافيش حاجة ناقصاه.
قطب أسامة فحديث يارا قد أثار ريبته، ليعتدل ناظرا لها وهو يتساءل بتوجس: - قصدك ايه يا يارا؟ هي ماما رجعت فتحت معاكي موضوع الخِلفة تاني؟

يارا وهي ترفع رأسها تنظر الى حبيبها بابتسامة ناعمة سرقت أنفاسه لتتسلط عيناه على كرز شفتيها: - حبيب قلبي ما تقلقش مامتك.
قاطعها بحسم وهو يحيط وجهها براحتيه الكبيرتين: - يارا. من غير كلام كتير وتبريرات. ماما فاتحت في موضوع الحمل؟

أسدلت يارا جفنيها الى الاسفل بالموافقة ولكن ما أثار ريبته ابتسامتها التي لم تختف كعادتها كلما جيء على ذكر هذا الأمر، وقالت بعدها ما جعل شكّه ينجلي: - حبيبي مامتك عندها حق انها تحلم باليوم اللي تشوف فيه ولادك، وكل اللي قالته انها شافت برنامج على التليفزيون مستضيف دكتور نساء شاطر وعالج حالات كتير، فقالت لي ليه منجربش، وادتني (اعطتني) اسمه. بس – حركت كتفيها لاعلى واسفل مردفة ببساطة – دا كل الموضوع!

مال أسامة عليها لاثما جبهتها قبل ان يقول بحب فاضت به مقلتيه: - وانا أهم حاجة عندي انت، مش شاغل بالي أي حاجة تانية، الاولاد دول رزق من عند ربنا، عطيّته سبحانه وتعالى، لو لينا نصيب فيهم هيهديهم لنا، انا مؤمن انه كل حاجة في الدنيا دي رزق، وانت أجمل رزق ربنا رزقني بيه.

طالعته يارا بعينين تدمعان عشقا قبل ان تهمس بصوت رقيق يحمل عاطفة فياضة تجاه هذا الرجل الذي دق له معلنا عشقا أبديا منذ اللحظة الاولى التي رأته فيها: - ه حبّك أكتر من كدا ايه تقدر تقولي؟ ربنا ما يحرمنيش منك ابدا يا أحلى حاجة حصلت لي في دنيتي.

لتمسك بيده المحيطة بوجهها تقبل راحتها بإجلال وهي مغمضة عينيها لتأسر ماستيه السوداء اللتان تطالعانها بشغف، وما لبث أن مال على أذنيها هامسا فيما مالت هي بدورها على الوسائد خلفها: - بس مافيش مانع اننا نحاول بردو. ولا ايه؟
نظرت اليه عاقدة جبينها بعدم فهم لثوان لتشهق بنعومة وهو يغمزها بشقاوة لتهمس بحنق زائف: - مش هتبطل. يمكن عشان كدا لسه مافيش أطفال. لما تعقل الاول وتكبر كدا!

أسامة وهو يعبث برباط قميصها الامامي هامسا بصوت خشن فيما عيناه تلمعان برغبة واضحة: - أعقل! مش عجبك جناني؟ هو فيه أحلى من الجنان دا؟ تنكري أنك بتموتي فيه؟
ولاعب حاجبيه هبوطا ونزولا وابتسامة عابثة زينت فمه المظلل بلحية خفيفة فكشّرت وجهها وهمّت بتأنيبه عندما ماتت الكلمات على شفتيها وهو يسكتها بأجمل طريقة ممكنة بين العاشقين، لم تستطع معها سوى أن تستسلم و. تُسلِّم!

نهض يصافحه وهو يقول: - هشام باشا. أشرقت الانوار. ايه المفاجأة دي؟
وأشار بيده يدعو هشام للجلوس على المقعد المقابل لمكتبه، فلبّى هشام الدعوة في حين تابع رجل المباحث قائلا بابتسامة: - أيّ ريح طيبة جابتك عندنا يا سيادة العقيد؟ يا ترى قضية مشتركة بين الامن الوطني والمباحث الجنائية؟

نفى هشام بهزة من رأسه وقال بجدية جعلت الجالس أمامه يعتدل منصتا باهتمام: - أبدا يا مصطفى بيه، بس فيه بلاغ تقريبا متقدم ضد واحدة في جريمة قتل في دار مسنين.
قطب مصطفى وقال: - اممم. قصدك النزيلة اللي قريبها اتّهم موظفة الدار بأنها اللي قتلتها؟
هشام بزفرة ضيق: - أيوة هي.
مصطفى بعدم فهم: - والنزيلة دي تهمك او تعرفها؟

هشام بجدية: - لا. النزيلة انا معرفهاش، لكن اعرف المتهمة. منال تبقى مرات اخويا فريد الله يرحمه، ويهمني أوي أفهم الحكاية من الاول.
مصطفى وهو يحرك رأسه بفهم ضاغطا على جرس صغير أسفل مكتبه: - اممممم. لا كدا بقه يبقى نشرب فنجانين قهوة وأقولك الحكاية من أولها.

مال هشام يضع قدح قهوته على الطاولة الصغيرة أمامه قبل أن يعتدل قائلا: - يعني انت قصدك أنه قريب الست بتاعت الدار اتهم منال بقتلها؟
وافق مصطفى بهزة من رأسه ليردف هشام بغير فهم: - طيب ايه اللي خلّاه يعمل كدا؟ ومنال ليه خبّت عنه هي اتدفنت فين؟

مصطفى بهدوء: - مدام منال لما واجهناها باتهام ابن أخ المرحومة قالت أنها ما قتلتهاش، هي كانت مريضة قلب وكبيرة في السن، ولما سألناها ليه مش راضية تقوله على مكان دفنها ولا بلغت أهلها بموتها كان ردّها أنها والمرحومة في أيامها الأخيرة حصل انها كلمته هو مخصوص لأنه كان سايب (تارك) بياناته عندهم وقالت له أنه حالتها متأخره جدا وطالبه تشوف أهلها، بس للأسف هو رفض واعتذر بأشغاله وقالها أنه لو فيه مصاريف زيادة ممكن تبعت له الفواتير وهو هيسددهم!

زفر هشام بضيق واضح هاتفا بحدة غير مقصودة: - هي اتجننت؟! أنا مش فاهم! طبيعي واحد راح يسأل على عمته في الدار عرف من النزلا انها ماتت ومحدش بلّغه. أنه يشك في موتتها، واللي زوّد الشك دا انها رفضت تقوله على مكان دفنها. فطبيعي أنه يشك انها ماتت مش قضاء وقدر.
مصطفى بجدية: - بيني وبينك يا هشام بيه أنا من كلامي مع مدام منال ومعه حاسيت انه عامل كدا عندا فيها، زي ما يكون متغاظ منها وعاوز يأذيها بأي طريقة!

نفخ هشام بقوة ثم قال وهو ينظر الى مصطفى: - معلهش يا مصطفى باشا. عاوز أشوف منال. لو ممكن.
مصطفى بابتسامة هادئة وهو يميل ضاغطا على جرس استدعاء الشرطي الواقف أمام مكتبه: - انت تؤمر يا هشام باشا. حد يقدر يرفض حاجة للأمن الوطني.
ابتسم هشام نصف ابتسامة وجلس ينظر الى الباب متحينا لحظة دخول تلك العنيدة المستبدة.

دلف العسكري وهو يقبض على ذراع منال الى مكتب قائده حيث ضرب بقدمه الارض رافعا يده الى جبهته مؤديا التحية العسكرية وهو يقول بمهنية اعتادها: - المتهمة يا باشا.
وتركها منصرفا، لينهض مصطفى ويقول لهشام: - اقعد براحتك يا هشام باشا. عن اذنكم.
وانصرف بدوره لينهض هشام يطالع تلك الواقفة أمامه بثبات أثار اعجابه، وكأنها ليست متهمة في قضية خطيرة كالقتل!

المتهمة. ربّاه كم هي مؤلمة تلك الكلمة! كانت كنصل يطعن أعماقها. ولأول مرة تشعر بمعنى مقولة ياما في الحبس مظاليم. بالفعل. فأقسى شيء هو الظلم. لذا فالأمر الوحيد الذي حرّمه المولى جل جلاله على نفسه وجعله بين خلقه محرما هو. الظلم، والمظلوم هو من قال فيه جلّ في علاه ما معناه. وعزتي وجلالي لأنصرنّك ولو بعد حين. فدعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب، تصعد اليه سبحانه لتصل اليه من فوق سبع سماوات. فالظلم قاس ومرارته أقسى. وها هي تذوق تلك المرارة. بالرغم من أنها تعلم يقينا أنه ما أن يتم تشريح الجثة كما أمر رجل المباحث ستنتفي عنها التهمة فالفقيدة قد توفاها الله وهي نائمة في فراشها. الامر الذي يجعل محنتها الآن وقتية سرعان ما ستزول، ولكنها لن تنسى أبدا ما مرّت به في تجربة الألم والظلم تلك. لتقسم بينها وبين نفسها أنها ستتوخى الحرص دائما. ولن تظلم مخلوقا بأية طريقة ومهما كانت الاسباب. فالظلم ظلمات يوم القيامة.

قطع هشام تأملاتها بقوله وهو يتنهد بعمق: - عاملة ايه يا منال؟
هزّت منال راسها بحركة طفيفة الى الاسفل قائلة بهدوء تُحسد عليه: - الحمد لله.
سار هشام ناحيتها ليشير الى جلسة جانبية موضوعة بالزاوية وهو يقول: - طيب ممكن نقعد عشان نعرف نتكلم.
بعد ان استقر كلاهما في جلسته قال هشام بهدوء: - قبل ما أسألك وأعرف منك عاوز أطمن على فريد.

قاطعته منال قائلة بهدوء وعيناها مسلطتان على نقطة في البعيد: - اطمن فريد مع يارا جارتي. أنا بعد ما حصل اللي حصل كلمتها تروح تاخده من الحضانة وتخلّيه عندها لغاية ما أشوف ايه اللي هيحصل، هو متعود عليهم وبيحب الاستاذ أسامة جدا.
كظم غيظه بصعوبة ليجيبها بحنق مكبوت: - وما كلمتنيش أنا ليه ساعتها يا منال؟ أعتقد أن عمه وجدته أقرب له من أي ناس مهما كان بيرتاح معم أو بيحبهم، حتى كنت جيت معاكي من الاول؟!

نظرت اليه منال وردّت ببرود أثار استفزازه الى حد كبير: - السبب بسيط جدا هو اني مش معايا رقم موبايلك! – تفاجأ هشام لتستأنف هي قائلة بذات البرود المغيظ – ورقم البيت كمان معرفوش وما رضيتش أكما أنعام على موبايلها عشان ما تقلقش. لأني متأكدة انه مافيش قضية ولا يحزنون والموضوع هيتحل أول ما تقرير الطب الشرعي ييجي.

هشام وهو ينأى برغبته في الصراخ بوجهها لتهميشه بهذا الشكل حتى رقم هاتفه لم يخطر لها أن تحتفظ به! ليفاجأ أنه هو الآخر لا يعلم رقم هاتفها الشخصي!
تنحنح ليجلي حنجرته فليس هذا بالوقت الملائم للومها، فقال بجدية: - ممكن أعرف منك اللي حصل بالظبط؟

منال زافرة بتعب: - ما انت اكيد عرفت من الظابط صحبك دا أما كنتش قريت المحضر كمان، وعموما هقولك تاني. الحاجة رجاء نزيلة عندنا من زمان، أنا جيت الدار أساسا وهي كانت هناك، بقى لها تقريبا اكتر من خمس سنين، الست دي اللي عرفته ومنها هي شخصيا انها اتجوزت مرتين وللأسف في المرتين طلعوا طامعنين فيها لأنها من عيلة غنية. جدها كان باشا من بتوع زمان، اخواتها كانوا حواليها، ولأنها كانت حبيبة جدها كان ليها نصيب أكبر من أخواتها، وهب لها جزء من ثروته قبل ما يموت، وأبوها كمان نفس الحكاية بس لأنه صعبت عليه عشان جوازتها الاتنين، وكان عاوز يأمن لها مستقبلها، المهم الست دي اخواتها كل واحد شق طريقه، وولادهم كبروا، وأصبحت مش بتشوفهم الا في المناسبات القليلة جدا، حتى تليفون مش بيسألوا، لغاية ما زهقت وقررت تيجي تعيش في دار المسنين، أهو تكون وسط ناس وفي نفس الوقت حد يراعيها بعد ما جات لها الازمة وهي لوحدها لولا الشغالة كانت راحت فيها لأنها مريضة قلب.

هشام بهدوء: - لحد هنا كويس.

منال بزفرة أسى: - افتكرت لما تبعد عنهم هيلوموا نفسهم وييجوا لها، لكن هي حكيت لي انه محدش كان بيسأل فيها الا ابن اخوها الكبير. رياض. كان بيزورها دايما، وهو اللي كان ماسك شغل الشركة وطبعا هي ليها نسبة كبيرة من الاسهم، كان على طول بيودّها ويزورها لغاية ما عملت له توكيل عام رسمي بعد ما أقنعها أنه دا في مصلحة الشغل، ولأنها بتحبه لأنه هو اللي بيعطف عليها من ولاد أخواتها كلهم حتى أخواتها مش بتشوفهم وافقت وعملت التوكيل.

قاطعها هشام بسخرية خفيفة: - وطبعا بعد ما أخد التوكيل ما بقاش بييجي ولا بيوريها وشّه حتى!
أومأت منال بالايجاب قائلة: - للأسف صح! في ليلة تعبت جدا وكلموني من الدار عشان أروح لها.
قاطعها هشام مقطبا: - قصدك اليوم اللي رجعتي فيه متأخرة؟

منال موافقة: - آه. يومها كلمته وقلت له انها تعبانة جدا وطالبة تشوفه كل اللي قاله وبمنتهى البرود أنه بيدفع لنا عشان ناخد بالنا منها، والمفروض انه فيه دكتور بيتابع حالتها ولو احتاجت مستشفى او اي حاجة الدكتور يحدد وهو هيتكفل بالمصاريف، مع انه مش بيدفع من جيبه دي فلوسها هي، لكن تقول ايه بقه في البجاحة؟ وراح قايلي بتسلط كدا أنا مش دكتور يا مدام، وقفل السكة في وشي!

هشام وقد حازت الحكاية على انتباهه بالكامل: - وبعدين؟
حركت منال كتفيها بلا مبالاة واجابت: - ولا قبلين! تعبت تاني من أسبوعين تقريبا والدكتور قال أنه حالتها متأخرة أوي، ولازم نكلم قرايبها، ولانه مافيش اي نمرة لحد فيهم غير اللي اسمه رياض دا، عصرت على نفسي شوال لمون وقلت أكلمه، وزي ما توقعت ما اهتمش وقالي لما يفضى هيفوت. وما فاتش. وهي ماتت!

هشام بأسف: - لا حول ولا قوة الا بالله. طب ايه اللي خلّاه يعمل بلاغ ضدك بتهمة شنيعة زي دي؟

منال بقوة: - لأنه الباشا جِه يزورها في الدار، أكيد عشان مصلحة له مش لله في لله. عرف من النزلاء انها اتوفت الله يرحمها، مدام حنان المديرة ما كانتش موجودة ولحظه أنا اللي كنت موجودة، وطبعا اتهمنا بالتقصير وازاي ما نبلغش أهلها، قلت له أنا فعلا بلغتكم وانت بالذات ويومها قلت لي هشوف وقتي. ونسيت حاجة مهمة اوي أنه الأجل مش بيستنى! سألني ماتت امتى واندفنت فين.
هشام بهدوء: - وطبعا قولتي له؟!

منال ببساطة وهي تحرك كتفيها بلا مبالاة واضحة: - لا طبعا!
ردد هشام بدهشة: - لا طبعا! ليه طبعا؟! (سألها بسخرية)
منال بتوضيح: - عشان مش من حقه! سابوها وهي عايشة محتاجة كلمة حنان وايد تطبطب عليها، جايين يفتكروها عشان الورث!
هشام بتساؤل: - بس اكيد اللي اسمه رياض دا نقل كل حاجة باسمه بالتوكيل اللي معاه.
منال موافقة: - تمام، بس لسه فيه حاجة مقدرش يحط ايده عليها.

نظر هشام بتساؤل فأوضحت منال: - القصر بتاع جدها. القصر دا كان الهبة اللي هو وهبه لها قبل ما يموت، وقودامه وهب لعياله نصيب اكتر في الارض بتاعته وشركاته، عشان ما يكونش ظلم حد، القصر دا له مكانة كبيرة اوي ومليان حاجات لما ورتني صورها حاسيت اني دخلت قصر عابدين كدا. وانا متأكدة انه القصر دا سبب ظهوره تاني!

هشام بغير موافقة: - ايوة يامنال بس انت غطت لما خبيتي عليهم انها ماتت، ولما رفضت تقولي هي اندفنت فين.

منال بعناد: - لا ما غلطتش، هما اللي الطمع ملا عينيهم، بدليل اني قودامك هنا. حب ينتقم منِّي لأني رفضت أقوله هي ماتت امتى ومين آخر واحد زارها، زي ما عرف بطريقته من الدار، انه فيه واحد زارها قبل ما تموت بأسبوع، ولأني أقرب واحدة ليها وكل أسرارها معايا حاول يعرف مني ما قلتش. فقال يقرص ودني عشان أرضى أتعامل معه بعد كدا. ميعرفش أنى مش بتهز ولا بخاف غير من اللي خلقني!

فرسة جامحة هي، نمرة شرسة. لا تخاف في الحق لومة لائم، لتستطيع منال بكلماتها القليلة تلك أن تحوز على اعجابه بسهولة شديدة، حيث تجلى ذلك الاعجاب بين ماستيْه في حين غفلت هي عنه.
قال هشام محاولا تصفية ذهنه: - عموما زي ما انت قلتي تقرير الطبيب الشرعي هيوضح انه مافيش قضية وانت ممكن ترفعي عليه قضية رد شرف عشان اتهامه الظالم ليكي.

منال بهدوء: - أنا مش عاوزة حاجة. اللي زي الراجل دا أشمئز أنه يكون بيني وبينه أي صلة حتى لو كانت قضية في محكمة!
هشام بايماءة رأس: - عموما تطلعي بالسلامة وهنشوف.
نهض واقفا فحذت حذوه ليردف بعدها وهو يطالعها بنظرة خاصة: - انا هروح أجيب فريد من عند جيرانك، مكانه الطبيعي معايا ومع جدته.

لم تجد منال لديها رغبة في الجدال فاكتفت بهز رأسها بالايجاب ليندهش هشام أول الامر ثم ما لبث وأن علم أنها من المؤكد أن التعب قد أخذ منها كل مأخذ لذلك لم تعانده كعادتها...
فتح مصطفى الباب بعدها ليدلف وهو يقول بابتسامة: - ها يا هشام باشا. ايه الاخبار؟
هشام بهدوء: - شكرا يا مصطفى بيه، انا قعدت مع منال وعرفت كل حاجة. وأتمنى انه تقرير الطب الشرعي ما يتأخرش.

مصطفى بجدية: - أنا بعت أستعجله فعلا. عموما ما تقلقش بالكتير بكرة هيكون التقرير جِه.
أومأ هشام برأسه قبل أن يتجه الى منال ويقف أمامها وهو لا يدري لما شعوره بالضيق الذي اعتراه ما ان تذكر أنه سيغادر بينما ستظل هي هنا. بين الجدران الباردة لزنزانة حديدية برفقة أخريات منهن المتهمات في قضية قتل أو سرقة أو، قضايا مخلة بالآداب!

همس هشام بصوت حازم: - أنا مش عاوزك تقلقي خالص، واللي عمل فيكي كدا. تأكدي أني هاخد لك حقك منه. وتالت ومتلت!
ابتسامة بطيئة شقت طريقها الى ثغرها الذي نسي طعم الابتسامة منذ مرورها بهذه المحنة. فقد لمست عن قرب معنى. ضهر تستند عليه. فقد شعرت أنها ليست بمفردها وأن هناك من يحرص عليها، وتستطيع الركون اليه وهي أكيدة أنه لن يخذلها!

ونادى مصطفى العسكري ليعيدها الى زنزانتها، وقبيل ذهابها أوقفها هشام متسائلا: - ما قولتليش صحيح. ايه اللي حصل مع الراجل اللي زار المرحومة؟ ومين دا؟
منال بهدوء: - دا المحامي بتاعها، كتبت وصيتها وفيها انها وهبت القصر دا للجمعية الخيرية. ووصّت بشخص معين هو اللي يتولى تنفيذ المهمة دي ومش بس كدا ويمسك الدار دي كمان.
قطب هشام متسائلا: - ويا ترى مين دا؟
منال ببساطة: - أنا!

نظر اليها هشام بذهول لتردف بشبح ابتسامة هزيلة: - أكيد دي هتبقى قنبلة بالنسبة لرياض بيه. واضح كدا اني هشوفه كتير أوي عكس ما بتمنى.
هشام بعنف مكبوت وهو يكوّر قبضته بجانبه: - خليه يفكر يقرب منك بس. وقتها يبقى يقول على نفسه يا رحمن يا رحيم.

ليحدث ما جعله فاغرا فاه يراقب انصرافها بعدم تصديق جمّ. فأرملة أخيه. تلك التي لم تتوانى عن الوقوف أمامه منذ قدومه الى القاهرة. ومعاندته في كل شيء. قد وجهت اليه لتوّها. ابتسامة شكر عميقة جعلت عينيها تبرقان بقوة فيما ظهرت غمزة وجنتها اليمنى بوضوح. حتى أنه في لحظة حمقاء تمنى أن. يشبعها قُبلًا!

ها. ايه رايك بقه يا بطل في أوضتك؟
نظر أحمد حوله في غرفته التي أخبره والده أنه قد أمر بتجهيزها خصيصا له لدى زياراته الاسبوعية والتي تم الاتفاق عليها بينه وبين ذلك المغرور الذي يظن نفسه والدا حقيقيا لأحمد. مهدي!
أحمد بلا مبالاة: - اممم. كويسة.
شعث شريف رأس صغيره وهو يقول مبتسما محاولا التغاضي عن برود الاخير: - كويسة وبس؟! عموما يا سيدي. ياللا معايا عشان أوريك قاعة الجيم اللي تحت.

وانصرفا وشريف يطوّق ولده بذراعه وهو يشعر بفرحة جمة لوجوده معه، حتى وان أظهر ابنه برودا ولا مبالاة من ناحيته فهو كفيل بتغيير كل هذا فهو ابنه هو. من صلبه، ولن يتنازل عن حق أبوته له حتى وان كان لآخر. على يقين هو من أنه الآن يتحرق غيظا و، قهرا!

ينهض ويعود للجلوس ثانية، يغرز أنامله في خصلاته يشعثها، يزفر وينفخ، يطفأ التلفاز ثم يعيد تشغيله ثانية...
التلفزيون هيتحرق. وأعصابك هتتحرق. اهدى على نفسك شوية!
هتفت علية مديرة منزله بتلك العبارة، ليرمقها بنظرات حارقة، وكانت لبنى قد قدمت من غرفة ابنتها تحملها لتشعر بالشرارات المنبعثة منه، وقد سمعت عبارة علية الحانقة، فقالت بابتسامة محاولة تلطيف الجو: - ايه يا مهدي. مش عاوز حاجة أعمله.

قاطعها مشيحا بيده عاليا: - مش عاوز ززفت!
علية ببرود وهي تتجه الى لبنى لحمل نهاوند منها: - حد قالك تاخد، ززفت! ربنا يكملك بعقلك!
هتف مهدي بنزق وهو ينظر الى ظهر علية فيما يقابله وجه لبنى: - انت بتبرطمي تقولي ايه عاوز أفهم أنا؟
همست لبنى لعلية وهي تناولها نهاوند: - علية ما ترديش. وهو في حالته دي البعد عنه غنيمة. انفدي بجلدك!
لبنى! ...

هدر باسمها لتهمس علية قبيل انصرافها بابنتها: - أنا رأيي أنك تنفدي انت كمان، العمر مش بعزقة!
انتظرت لبنى الى ان اختفت علية لتلتفت الى مهدي تطالعه بعتاب قائلة بلوم رقيق: - أعرف ايه اللي منرفزك كدا ومخليك تخانق دبّان وشّك؟
مهدي بسخط: - طبعا ولا على بالك! انا عاوز أفهم. أنت ايه البرود اللي فيكي دا؟ أزاي انت هادية كدا وابنك بعيد عنك؟

لبنى ببرود فقد آن الاوان ليعي مهدي أن وجود شريف في حياتهم أمرا واقعا فأحمد أولا وأخيرا ابن الآخر: - وهو ابني راح فين يعني. عند باباه!
تقدم مهدي منها ليقف أمامها مكررا بحنق غاضب: - يا سلام! دلوقتي بقه باباه! مش هو دا...
نفخت لبنى بضيق وقالت وهي تخطو بجانبه مبتعدة عنه: - ييييييه يا مهدي، انت ما بتزهقش! ما قلنا كان ميعرفش وجِه لغاية عندك بنفسه بدل المرة اتنين وتلاتة عشان يقنع أحمد انه يزوره.

مهدي وهو يقبض على مرفقها بقوة ويميل زارعا عسليتيه بين زمردتيها: - آه، وانت اللي اقنعتي ابنك. مش كدا؟
لبنى بقوة: - لأنه دا الصح يا مهدي، لأنه سواء رضينا أو لأ أحمد يبقى ابنه، وفرض عليه أنه يبرّه، الأبناء مش المفروض انهم يحاسبوا آبائهم، وأنا لازم أربي ابني صح، مش هرضى انه يكون مجال لتصفية حسابات قديمة...

مهدي بعينين متسعتين دهشة وقبضته تشتد على ساعدها دون وعي منه: - قصدك ايه يا هانم؟ أنا اللي هبوّظ تربيتك العظيمة ليه؟ خلاص ما بئيتش أنفع أكون أب ليه بعد ما أبوه الحقيقي أخيرا ظهر وتعطف وقرر انه عاوز يلعب دور في حياة ابنه؟!
حدقت فيه بدهشة لوهلة وما لبثت أن ظهرت ابتسامة بطيئة تزين كرز ثغرها، فطفلها الكبير. زوجها. يغار على ابنها من أبيه!..

زمجر مهدي الذي لمح ابتسامتها وقال بغضب وحنق كالأطفال: - أقدر أعرف ليه الابتسامة دي دلوقتي؟ بتضحكي عليا؟

انتهزت لبنى وهن قبضته لتسحب ذراعها من يده وترفع يديها تحيط وجهه براحتيها الناعمتين وترفع وجهها اليه قائلة بنعومة تذيب الحجر: - حبيب قلبي اوعى تفتكر أنه دورك انتهى في حياة احمد بعد ظهور باباه. أبدا! أحمد ابننا يا مهدي. أحمد متعلق بيك جدا. لدرجة انه ما كانش راضي يروح انهرده قبل ما انت ترجع من الشغل بس باباه كان مستنيه تحت ما رضيتش يعطّله جنبه!

قطب مهدي قائلا بغلظة وتكشيرة خطفت قلبها جعلت عينيها تنضحان بحنان فياض وهي ترى فيه طفلا مشاغبا: - بجد؟!
أومأت لبنى بابتسامة وهي تتحسس وجنتيه بابهاميها وابتسامتها تتسع لتملأ وجهها: - وأكبر جد كمان! اوعى تفتكر للحظة واحدة انه أحمد ممكن يفضّل حد عليك أو يقارن بينك وبين أي حد حتى لو كان أبوه الحقيقي. حبيب قلبي أنت أي حد قصادك بيخسر. وبجدارة!

لتزحف ذراعيه تطوقان خصرها ويميل عليها لتلفحها أنفاسه الساخنة فيما همس بخشونة محببة: - عاوزة تثبتيني انت بكلمتين مش كدا؟
لبنى بجرأة سرقت دقة من دقات قله: - تؤ تؤ. وبالفعل كمان!

فتح فمه ليستفسر عن معنى عبارتها حينما باغتته بأن شبّت على أصابع قدميها لتكتم ثغره بشفتيها النديتين في قبلة رقيقة في ملمسها ولكنها مزلزلة في أثرها. فقد زلزلت سائر بدنه ما ان تلامست شفاهما وكأنه قد أمسك بسلك عار ليسري في جسده قشعريرة قوية، كتلك التي تصيب من تصعقه الكهرباء. وهذا هو حاله كلّما اقترب من جميلته هذه، وكأنها أول مرة يذوق فيها رحيقها. ليتأكد له أنه مهما نالها فهو أبدا لن يشبع منها أو من شهد شفتيها المُسكِر!

ابتعد عنها بعناء بعد أن أبعدت وجهها بصعوبة عنه وهي تهمس باعتراض: - مهدي احنا مش في اوضتنا. علية ممكن تيجي في لحظة!
فما كان منه الا ان رفعها بين ذراعيه واتجه بها الى غرفتهما في خطوات واسعة سريعة وما ان اغلق الباب خلفهما بقدمه حتى سألته في دهشة: - انت بتعمل ايه؟
ليلقي بها بين أغطية الفراش الحريرية ويشرف عليها قائلا ببساطة: - عشان تعرفي تثتيني براحتك!

وأتبع عبارته بغمزة عين عابثة لتكتم لبنى ضحكة عالية كادت تنطلق منها ليردف مهدي بابتسامة رجولية سحرتها: - أموت أنا في التثبيت دا!
و، ثبتته أو. ثبّتها، ليس المهم من قام بالتثبيت أولا فالنتيجة واحدة. أن التثبيت قد فاااااااق الحد!

كان شريف في مكتبه حيث تلقى اتصالا هاما يتعلق بالعمل، حينما شاهدت شهرت أحمد وهو يجلس على الاريكة أمام التلفاز يطالع ما يعرضه بسأم واضح، لتدنو منه وتقول وهي تمسك بجهاز التحكم عن بعد الخاص بشاشة العرض المسطحة الثلاثية الابعاد المعلق على الحائط وهي تجلس الى جواره: - مافيش حاجة تشد في التليفزيون صح؟

اكتفى احمد بالنظر اليها لتسكت للحظات قفزت بعدها وقد طرأت في بالها فكرة: - ايه رأيك. تلعب جيمز games؟
لتنال انتباهه لأول مرة فأشرق وجهها بابتسامة واسعة وتهتف بحماس وهي تقبض يديها رافعة ذراعيها الى الاعلى وتخفضهما بفرحة: - يييس. ها، برشلونة ولا ريال مدريد؟

لتعلم أنها قد أصابت في اختيارها، حيث اعتدل أحمد امامها وقد أولاها كامل اهتمامه متحدثا ولأول مرة معها منذ قدومه وهو يقول بينما يمنحها ابتسامة صغيرة كانت بمثابة شهادة نجاح بالنسبة لها فقد نجحت في الوصول الى صغير. حبيبها: - ريال مدريد!

وقد كان، انخرطا في اللعب وتعالت صيحاتهما، ليحضر شريف مسرعا - والذي استغرق اتصاله فوق الساعة – سريعا على أصواتهما، فوقف أمام الباب يطالعهما بابتسامة حانية وهو يرى ابنه وقد اندمج مع شهرت والتي بدت كطفلة صغيرة تضحك وتعترض بل وتزمّ شفتيها غضبا كالاطفال وهي تتهمه بأنه. يغش باللعب!

صوت تصفيقا عاليا جعلهما يتوقفان عن المجادلة لتشهق شهرت بنعومة بينما تخضبت وجنتيها خجلا وهي تفكّر ماذا سيقول عنها الآن فمن المؤكد أنه قد سمع صوت صياحهما. هل سيظن أنه قد جنّت؟ ولكن ما بيدها حيلة فهي ولأول مرة تشعر بسعادة حقيقية، ترى لو علم شريف بك المسيري أن زوجته شهرت هانم الرازي قد حرمت من طفولة طبيعية كباقي الاطفال بل انها تغبط صغيره عليها. ماذا سيكون رد فعله حينها؟!

اقترب شريف منهما وعيناه مسلطتان على وجه شهر الممتقع خجلا والذي شعر أنه لم يرها أجمل قبل هذه اللحظة، في حين قفز أحمد واقفا وهو يهتف بحماس: - فزت يا بابا فزت.
لتظهر ابتسامة واسعة على وجه شريف شاركته فيها شهرت ليأتي فعل أحمد التالي يجعله يكاد يبكي، إذ اندفع يصعد الى الاريكة حتى يتثنى له تطويق عنق والده بذراعيه الصغيرتين في حضن قوي. وهو يهلل بسعاة فرحا بفوزه!

احتضن شريف ابنه بقوة حانية وأغمض عينيه مبتسما بشرود في حين دمعت عينا شهرت فرحة للتقارب الذي تراه بين زوجها وصغيره، ليفتح شريف عينيه بغتة فيقبض عليها وهي تنظر اليه بابتسامة حالمة وحنان واضح، ليذهلها بهمس غير مسموع حرّك به شفتيه دون صوت قائلا: - شكرا!
فأفلتت منها دمعة هاربة سارعت لمسحها قبل ان تنهض قائلة رغبة منها في اضفاء المرح: - أنا هروح أعمل فشار.

سارع أحمد للتملص من قضة والده الذي أفلته بينما هتف الصغير بحماس ولهفة: - أنا هروح أعمل معاكي، انا على طول بعمل مع ماما الفشار وبيعجبهم أوي هي وبابا مهدي!
شعرت شهرت بانطفاء لمعة السعادة من عيني زوجها لتسارع بالقول وهي تمد يدها لأحمد: - تمام يا أحمد، هنعمل الفشار سوا أنا وأنت و...
سكتت ناظرة لشريف مردفة بابتسامة ناعمة: - بابا شريف!

توسعت عيني شريف وهو يسمعها في حين وافق أحمد ببساطة قائلا وهو يقبض بكفه الصغير على يدها: - أوكي. يا للا يا.
وسكت يطالعها بتقطيبة خفيفة قائلا: - أقولك ايه؟
مالت عليه هامسة بابتسامتها التي أسرت عيني شريف منذ أن رآها: - اسمي شهرت. يعني ممكن تقولي.
هتف أحمد بلهفة: - شوشو! هقولك شوشو.
لينظر الى شريف الذي وقف يطالعهما مبهوتا وهو مندهش من الالفة التي نمت سريعا بينهما: - ياللا يا بابا نعمل الفشار.

ليردد شريف بهمس: بابا...
فما كان من شهرت الا أن مدت يدها الأخرى تقبض على يد زوجها مرددة برقة: - ياللا يا. بابا!
وانصرف ثلاثتهم الى المطبخ لصنع الفشار في سابقة هي الاولى من نوعها في هذا القصر والذي لأول مرة منذ سنوات طويلة تصدح فيه الضحكات الصافية مختلطة بأخرى تعود لطفل صغير كان هو الضوء الذي ينير جنبات حياة ساكني ذلك القصر والتي غرقت في الظلام لفترة طويييييلة، ويبدو أنه آن الأوان لجلائه!

لاحقا بعد أن أعاد شريف صغيره الى منزل والدته على وعد منه أنه سيخبر والدته برغبته في قضاء عطلة نهاية الاسبوع أي اليومين كاملين لدى والده و، شوشو وليس يوما واحدا!
كانت شهرت قد أنهت حمامها مرتدية احدى مناماتها الحريرية، تجلس الى مقعد الزينة تقوم بدهن ساعديها بالمرطب، عندما فوجئت بطرقات خفيفة لم يلبث بعدها الطارق أن دلف لتقطب في دهشة ووجه شريف يطالعها في المرآة خلفها!

نهضت سريعا من مكانها تتجه اليه وهي تتساءل في دهشة وقلق ناسية أنها تقف أمامه بغلالة زرقاء شفافة تعكس لون عينيها بينما خصلاتها الشقراء فهي تنساب حولها حيث تقطر المياه من أطرافه، مبرزا بياض بشرتها بقوة، هتفت شهرت بدهشة: - ايه يا شريف فيه حاجة؟ أحمد كويس؟ وصلته لمامته؟

ضحك شريف قائلا: - ايه دا كله حيلك حيلك. ايه الاسئلة دي كلها؟ عموما يا ستي اطمني أحمد كويس ووصل لمامته وبيسلم عليكي وهو نازل وبيقول لك استعدي لماتش الاسبوع اللي جاي عشان تاخدي بتارك منه ولو انه متأكد انه هيغلبك!
ابتسمت شهرت بنعومة بينما دكنت زرقة عينيها وهي تهمس برقة: - وأنا من دلوقتي مستنية الويك اند اللي جاي بلهفة فعلا.
شريف وهو يرفع يديه يتلمس خصلاتها الحريرية: - حبيتيه يا شهرت؟

لتنسى دهشتها من لمسه لشعيراتها التي دائما ما وصفها أنها شبيهة لشعر الدمية وهتفت بحماس: - ومين يقدر مش يحبه يا شريف؟ بصراحة ما شاء الله عليه. دمه خفيف وذكي ودخل قلبي على طول.
شريف ويداه تتسللان حول خصرها لتحدق فيه بعينين واسعتين ذهولا بينما مال عليها لتهب على وجهها أنفاسه الساخنة فيما استنشق رائحة الفراولة المنبعثة من الشامبو الخاص بها ليهمس بصوت أجش: - وأبوه. يا ترى هيدخل قلبك ولا مالوش فرصة؟!

ها؟! .

كان الجواب الذي ردّت بها شهرت على سؤال شريف والذي فقد كل قدرته على الصبر ليهبط برأسه عليها يقتنص فمها بقبلة عميقة، جعلتها تقف متجمدة أول الأمر، وما لبثت أن حاولت دفعه بمقاومة ضعيفة سرعان ما أخمدها وهو يطوق خصرها بذراع بينما الآخر ارتفع ليدفن أنامله القوية وسط طيات سنابلها القمحية، متعمقا في قبلته، لترفع راية استسلامها رافعة معها ذراعيها تحيط بهما عنقها، تتعلق به وكأنها كالتائهة الذي وجد ضالّته أخيرا، بين ذراعي حبيبها شريف، ولأول مرة لم يتركها شريف بعد أنتهائه من اشباع رغبته، إذ نام محتضنا إياه بين ذراعيه بعد أن قبّل جبهتها هامسا بصدق: - يا ريت تدّيني (تعطيني) فرصة أني أدخل قلبك. لأنك بعد اللي حصل انهرده تأكدي أنك قدرت تدخلي قلبي وتقعدي وبقوة كمان!

لترتسم ابتسامة واسعة على وجه شهرت لم يرها شريف اذ توسدت صدره العار برأسها وقد تطايرت خصلاتها عليهما، وهمست بعدها بكبرياء مصطنع: - اممممم. أفكّر!
فباغتها شريف بأن مال بوجهه عليها قائلا بصرامة زائفة: - نعم! تفكري! تفكري ايه دا ان شاء الله؟ اسمها حاضر. بنات العائلات المحترمة لما جوزها يقولها حاجة تقول حاضر. تقول ايه؟

لتبتسم قائلة بشقاوة لم يعهدها فيها ولم يحدث أن اعتادتها هي في نفسها: - حاضر. – ابتسم بغرور وسرعان ما زالت ابتسامته عندما سمع تكملة عبارتها التي نطقتها بغمزة ماكرة – هفكّر!
ليزمّ عينيه يطالعها بتحفّز قبل أن يقول ببساطة أثارت ريبتها: - طيب عشان تفكري كويس بقه.
ليهجم عليها وسط صرخاتها المرحة وضحكاتها التي ابتلعها في جوفه ليسود السكون المكان من حولهما لا يقطعه سوى، دقات الساعة!

ياللا يا مدام هنا عشان هنطلع ع الهوا...
بعد أن أنهت هنا تسجيل برنامجها الاسبوعي هو وهي. دعاها زياد لتناول قدحي من القهوة في مقهى الاستوديو فوافقت مسرورة، فزياد طوال فترة عملهما معا كان مثال للصديق بحق، فلم يحدث أن تعدى حدود الزمالة أو الصداقة بينهما.
تعرف يا زياد أني لغاية دلوقتي معرفش عنك غير انه عندك ابن اسمه رامي وبس؟ مش بتجيب سيرة مراتك خالص..

أدلت هنا بسؤالها وهما يحتسيان العصير ويتناولان شطائر خفيفة بجانبه، عندما ترك زياد طعامه ونظر اليها مجيبا بجمود: - لأنها ما تستحقش أني أجيب سيرتها!
هنا بتقطيبة: - للدرجة دي؟
زياد ببرود: - وأكتر!
هنا بأسف حقيقي: - أنا آسفة، أنا كنت فاكرة انك من النوع اللي مش بتحب تتكلم عن مراتك، لكن واضح كدا انه فيه مشاكل بينكم.
قاطعها زياد بزفرة عميقة: - أنا ونهى متطلقين من سنة يا هنا!

هنا بأسى: - إيه؟ متطلقين؟ وليه بس؟
زياد بجمود: - فيه حاجات بيستحيل معها العشرة بين الزوجين. الطلاق بيكون هو الحل الوحيد ساعتها.
هنا بهدوء: - أي خلاف ممكن يتحل بالراحة يا زياد، لو انتم بجد عاوزين بعض.
زياد بذات جموده: - بس دا ما كانش خلاف عادي يا هنا. – طالعته باستفسار حائر ليردف بنظرة كره عميقة – دي خيانة يا هنا. خيااااااانة!
هنا! .

لم تكد تنتبه من ذهولها لاعتراف زياد حتى داهمتها دهشة عميقة وهي تسمع صوت طارق يناديها بقوة، وما أن التفتت اليه حتى طالعتها عيناه وهما ينظران اليها بغضب ناري، لتهمس باستئذان لزياد: - سوري يا زياد معلهش. مضطرة أمشي، هشوفك بكرة أن شاء الله.
وانصرفت تجاه طارق الذي قبض على مرفقها بقوة بينما جلس زياد يراقبهما وقد لمعت عيناه بغيرة واضحة!

هتف طارق وهو يقف أمام هنا مصرا على أن ترافقه في سيارته: - بقولك اركبي يا هنا، مش معقول وقفتنا في الشارع والكل بيتفرج علينا.
هنا بعناد شديد: - مش راكبة يا طارق، هاخد عربيتي.
طارق بغضب مكتوم: - عاوز أتكلم معاكي ومش معقول هتكلم أنا ومراتي في الشارع؟

هنا ببرود استفزه بقوة: - بس ما تقولش مراتي لأنه الموضوع مسألة وقت قبل ما نخلص من حكاية مراتك دي. ثم ما فيش بيننا اي حاجة نتكلم فيها، أنا قلت كل اللي عاوزة أقوله قبل كدا ومعنديش استعداد أعيده تاني!
طارق بغموض: - يعني دا آخر كلام عندك؟
هنا عاقدة ساعديها أمامها وبتحد: - أيوة...
حرك طارق كتفيه قائلا: - براحتك.

ليميل ويرتفع في لحظات وهو يحملها بين ذراعيه لتشهق هنا بقوة وهي تحرك ساقيها بقوة تصيح آمرة له بانزالها، ولكنه كان قد اتجه سريعا الى سيارته التي لا تبعد سوى خطوات عن مكانهما، ليسارع بدفعها الى المقعد المجاور للسائق دون أن يتكلف عناء الرد عليها، مسارعا بغلق الباب، وفي لمح البصر كان قد احتل مقعد السائق ليعيقها عن النزول محبطا محاولاتها وقد أغلق الابواب اوتوماتيكيا!

انهالت عيه هنا باللوم والتقريع ليصيح عاليا: - هنا! كفاية!
سكتت وهي تلهث بقوة تطالعه بغضب يطلق شراراته من بين بندقتيها، ليردف طارق بحزم: - أحسن لك توفري مجهودك. أنت مش هتروحي في حتة قبل ما تسمعيني كويس. أظن واضح؟!
لتلتزم هنا بالصمت ليس عن اقتناع ولكنها قررت فعلا توفير مجهودها فهي لن تضيع وقتها في الحديث معه!

أوقف السيارة أسفل بناية كبيرة، لتطالعها هنا من النافذة المجاورة لها بينما ترجّل طارق واتجه اليها يفتح الباب المجاور لها، لتنظر اليه بشك، قبل ان تهبط من السيارة، وتسأل بريبة: - احنا فين؟

ولكنه اكتفى بالقبض على مرفقها، لتسير بجواره، حيث دلفا داخل البناية ليقوم بتحية حارسي الأمن بهزة خفيفة من رأسه، ولم تنكر هنا اعجابها بفخامة المكان، حاولت تكرار سؤالها عن المكان ولكنه لاذ بالصمت، ليدلفا بعدها الى مصعد وصل بهما الى الطابق الذي أملاه طارق لعامل المصعد الصغير، وبعد ثوان كان قد وصلا، ولحظات أخرى ليدلفا الى شقة كبيرة لم تكلف هنا نفسها عناء النظر اليها لتقف في مواجهة طارق لتفرك ذراعيها بعد ان تركها وتهتف بغضب قوي: - أفهم بقه احنا فين هنا وجايين ليه؟

طارق ببرود وابتسامة ترتسم على وجهه: - اممم خليني أجاوب السؤال التاني الاول، جايين ليه؟ عشان نتكلم ونتفاهم، أما بقه احنا فين؟
سكت قليلا ليتجه نحوها يميل عليها هامسا في أذنها بهدوء تام: - احنا في بيتنا. ومش هنمشي من هنا إلا واحنا حالّين كل المشاكل اللي بيننا!

وابتعد برأسه عنها لتطالعه فاغرة فاها بدهشة تحاول استيعاب كلماته، وما لبثت بعدها أن صاحت بحدة: - يعني ايه مش هنمشي من هنا؟ أنا عاوزة أروّح. أنا مافيش بيني وبينك كلام!
همّت بالابتعاد عندما انطلقت يده كالقذيفة تقبض على ذراعها ليقول بابتسامة غامضة: - لا لا لا. من غير نرفزة. كلام ولازم نتكلم.
هنا وهي تحاول الافلات من يده وبسخرية مريرة: - هنتكلم في ايه ان شاء الله؟ مشاعل هانم؟!

سكت طارق يراقبها للحظات قبل ان يقول بتهكّم واضح: - وليه ما يكونش زياد بيه؟
نظرت اليه هنا بذهول وصدمة قبل ان تهتف بعدم تصديق: - زياد! انت بتقول ايه؟ انت اتجننت؟
طارق بهدوء ينذر بالشّر وعينان تلمعان ببريق أثار ريبتها: - ممكن أتجنن فعلا. خصوصا لو كان فيه حد بيحوم حوالين مراتي!
هنا صائحة: - انت.
قاطعا طارق بصرامة ويده تشتد قبضتها على ساعدها الرقيق: - يبقى مين زياد دا بالظبط؟
هنا بحدة قوية: - دا زميلي.

قاطعها طارق بعنف اكبر: - وزميلك مين اللي ادّاه الحق انه يتدخل في حياتنا؟
هنا بتقطيبة وبحيرة غاضبة: - حياة مين؟ انت بتخرّف بتقول ايه؟
طارق بابتسامة شريرة وهو يجذبها ناحيته ليميل ناظرا الى عسل عينيها: - أكيد لازم أتجنن لما واحد يكلمني أني لازم أسيب مراتي. لأني ما استهلهاش!
هنا بذهول وصدمة: - ايه؟!

طارق مستأنفا بذات الابتسامة: - وعشان كدا أنا وأنت مش هنخرج من هنا قبل ما نحل كل اللي بيننا، والحل الوحيد اللي هقبل بيه اننا نرجع لبعض، غير كدا مرفوض!

نظر اليها بينما شحب وجهها وهي تحاول فهم كلماته تابع بعدها ببساطة: - بمعنى تاني أنا وانت هنفضل هنا لغاية ما تشيلي فكرة الطلاق نهائيا من دماغك، ولو على شهد ما تقلقيش. أنا قلت لمامتك انه عندي مأمورية تبع شغلي ولازم تكون مراتي معايا فهي رحبت انها تاخد بالها من شهد طول فترة غيابنا. بمعنى تاني تقدري تعتبري نفسك يا زوجتي العزيزة. مخطوفة لغاية ما عقلك يرجع لك، وانت اللي هتحددي بنفسك مدة خطفك!

لتهمس هنا بدهشة تامة: - ايه؟ مخ مخطووووفة!
وسرعان ما هوت لتتلقفها يداه قبل ان يلامس جسدها الأرض!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة