قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية إلا أنت (نساء متمردات ج3) للكاتبة منى لطفي الفصل التاسع عشر

رواية إلا أنت (نساء متمردات ج3) للكاتبة منى لطفي الفصل التاسع عشر

رواية إلا أنت (نساء متمردات ج3) للكاتبة منى لطفي الفصل التاسع عشر

أهلا بآخر العنقود سكر معقود! .
تقدمت ريما من خالها الذي مال عليها مقبّلا وجنتيها بعد هتافه الترحيبي بها، لتلتفت الى ريتاج التي دنت منها تستقبلها بابتسامتها المتألقة دوما، جلس الجميع بعدها بينما نظرت ريما الى أدهم تقول بعتاب رقيق:
- بقه كدا يا خالو؟ تتفق مع عصام ضدي!

قطبت ريتاج بحيرة لتنظر الى أدهم بتساؤل قابله بابتسامته الواثقة قبل ان يجيبها: - هي مش حرب يا حبيبتي عشان أكون ف صفه ضدك! بالعكس. أنا في صفكم انتم الاتنين ومعكم انتم الاتنين.

ريتاج مقاطعة باستفهام وعقدة جبينها تتعمق: - سوري يا أدهم للمقاطعة، بس. ايه اللي حصل عشان ريما تقول كدا؟
وأقرنت سؤالها بنظرة حائرة نقلتها بين زوجها وابنة شقيقته، فزفرت ريما بعمق قبل ان تجيب:
- أنا معرفش ايه اللي حصل بالظبط، لكن كل اللي أعرفه أني جيت هنا وسايبة ماما بتحضر قائمة بالحاجات اللازمة عشان فرحي انا وعصام!

ارتفع حاجبي ريتاج بشكل متنافر وهتفت في ذهول مرددة:
- فرح!
ريما بقنوط: - أيوة ياطنط، الكلام ابتدى بكتب كتاب معرفش ازاي وافقت عليه وخلص بتحديد معاد الفرح!

صدحت ضحكة ادهم الرجولية عاليا وهو يقول باعجاب: - والله وبرافو عليك يا عصام، أنا كنت شاكك انه يقدر يعملها!
زمّت تاج شفتيها عاقدة جبينها الابيض قبل ان تقول بحزم: - ادهم. ممكن تبطّل كلام بالالغاز وتفهمنا فيه ايه؟ لأنه واضح كدا انه حكاية همس ومراد بتكرر لتاني مرة مع اختلاف الابطال. المرة دي عصام وريما والمحرّض والمخطط في الاتنين، حضرتك!

أدهم برفعة حاجب وابتسامة غرور لا تليق الا به: - تنكري انه خططي اللي مش عجباكي دي نجحت وبجدارة؟! ومش مراد وهمس وبس. لأ! ارجعي بس لتلاتين سنة تقريبا لورا وانت هتعرفي انها اكتسحت مش نجحت بس. يكفي انها اللي خليتني افوز بحب عمري. ومن غيرها كان زمانك منشّفة ريقنا لحد انهرده. يا متمردتي العنيدة!

تاج باستنكار: - هنشّف ريقنا تلاتين سنة يا أدهم؟
أدهم ببساطة شديدة: - وأكتر من كدا ياحبيبي. دا انت كنت استاذة في العناد.
ليغمزها وقد تناسى وجود ريما التي جلست تراقبهما بأعين مذهولة وأردف: - بس على راي نزار قباني. وأحلى الشفاه التي. تعصى!
شهقت تاج بدهشة وخجل هاتفة بعتاب وهي ترنو بنظرها الى ريما التي هربت بعينيها الى البعيد حياءا من غزل خالها الواضح بزوجته:
- أدهم!

ليسعل أدهم بخفة وهو يرسل اليها بنظراته وعدا قاطعا أنه سيتابع تلو قصيدة نزار على أسماعها لاحقا وخاصة ذلك البيْت الشعري فسيعمل على تطبيقه عمليا واشباع نفسه من. حلاوتهم!

قال ادهم مديرا دفة الحديث ليصطبغ صوته بجدية وحنان وهو ينظر الى صغيرة عائلته: - نتكلم جد شوية. – نظر الى ريما مشفقا عليها وفي ذات الوقت يتمنى لو نحى عقله جانبا ليلقن ذلك الارعن درس عمره ولكن لا حيلة له فهو. مريض – ريما. قبل اي حاجة عاوزك تكوني واثقة انه عصام فعلا عاوز يرتبط بيكي. بصرف النظر عن اي حاجة تانية، عصام صار حني بكل حاجة. واللي عاوز أأكده ليكي أنه فعلا بيحبك. وأنه ندمان انه ضيّعك منه زمان وتأكدي انه اتعلم الدرس كويس جدا وحفظه كمان. ومش ناوي يكرره تاني ابدا مهما كان!

ريتاج بتوجس: - ليه المقدمة دي يا ادهم؟ ايه الحكاية بالظبط؟
سحب ادهم نفسا عميقا قبل ان يسلط عيناه على ابنة اخته ويقول بتؤدة: - ممدوح. خطيبك السابق!
ذهلت ريما وتساءلت بحيرة: - ماله ممدوح؟
ريتاج بحيرة: - وايه اللي دخّل ممدوح في جواز عصام وريما؟
أدهم بهدوء: - ممدوح هيخرج قريب اوي. واحتمال سجنه ضعيف جدا. أكتر حكم ممكن ياخده هيكون مع ايقاف التنفيذ لانه وقتها كان مريض. مش بحالته العقلية السليمة!

شهقت ريما بذهول فيما تساءلت ريتاج: - ممكن تفهمنا واحدة واحدة يا ادهم؟
أدهم بهزة راس صغيرة: - فواز صاحبه، جاني من يومين المكتب!
قاطعته ريما بذهول حائر: - فواز! جِه لحضرتك؟ طيب ليه؟ وبعدين لو فيه حاجة فواز ليه ما قاليش عليها؟

أدهم بابتسامة صغيرة: - راندا يا صغيرة. واحدة واحدة وهتعرفي كل حاجة!
في اشارة منه الى فضول راندا شقيقته المعروف عنها بين الجميع! أجاب ادهم بجدية:
- من غير الدخول في تفاصيل كتيرة. ممدوح تقريبا في آخر مراحل الشفا وفواز هو اللي بيأجل خروجه من المصحة عشان خايف عليكي!

ريما بعدم فهم: - خايف عليا أنا؟ ليه؟ طالما ممدوح خفّ يبقى خلاص. تهديده ليا انتهى!
ادهم وهو ينظر اليها بتركيز: - للاسف يا ريما، ممدوح خف من كل حاجة ومن وسواسه القهري. الا حاجة واحدة بس اللي مش عارفين يعالجوه منها مع انهم قدروا يخرجوها من مرحلة الهوس. لكن مقدروش يخلوه يبعد عنها!

لم تكن في حاجة للسؤال الذي صدر عن ريتاج على هيئة اجابة متسائلة: - حبّه لريما. صح؟!
أومأ أدهم بالايجاب وهو يزفر بتعب قائلا: - للاسف. صح! فواز صارحني أنه الدكتور بلغه فعلا أنه ممدوح ممكن يخرج بعد فترة قصيرة، وهو اللي طلب من الدكتور أنه يأخّر خروجه على قد (قدر) ما يقدر!

ريتاج بتساؤل: - ليه؟
أدهم بهدوء وهو يطالع تلك الواجمة أمامهما بحنان أبويّ: - عشان عاوز يتأكد أنه فعلا مافيش منه اي قلق على ريما، خصوصا بعد ما سأل الدكتور بصيغة مباشرة أن كان هوسه بيها ممكن يرجع له ولا لأ!

ريما بجمود: - والدكتور قال ايه؟
أدهم بغموض: - قاله انه دا مش هيقدر يحدده الا بالتجربة فعلا، ولمّا فواز سأله بصراحة لو كانت حبيبته لسّه ما ارتبطتش، قاله أنه يبقى اكيد ممدوح هيحاول بكل طريقة ممكنة انه يوصلها خصوصا لو كان أذاها قبل كدا حتى لو كان مش في وعيه، الحل الوحيد انه يحس انه مافيش فايدة انها تكون بعيد عنه، يا اما سافرت أو...

سكت متنقلا بنظراته بين وجهي ريتاج وريما قبل ان يكمل حديثه الصادم: - تكون اتجوزت وشافت حياتها، ساعتها صدمته انها اصبحت غير متاحة له ممكن فعلا تكون آخر خطوة في شفائه.

ريما بنظرة خاوية: - وممكن. لأ!
زفر أدهم بقوة مجيبا قبل ان يقول مقرًّا بصحة ظنّها: - وممكن لأ! لكن يفضل اننا لازم نحاول حمايتك بأي طريقة ممكنة.
نهضت ريما وهي تهتف بدهشة: - وجوازى من عصام هو دا الحماية في نظركم؟ يعني بدل ما يكون جوزي هيبقى البودي جارد بتاعي؟!

نهض أدهم وهو يقول مهدئا: - يا ريما يا حبيبتي ما تتحسبش كدا.
قاطعته بذهول: - اومال تتحسب ازاي؟ قد كدا انا بئيت رخيص.
ليهدر أدهم غاضبا وهو يرفع يده في وجهها آمرا بصرامة: - بس! ولا كلمة زيادة بعد كدا!
نهضت ريتاج وتقدمت من ريما تحيط بكتفيها وهي تقول بحنان: - اخص عليكي يا ريما، وقدرتي تقوليها؟

قالت ريما بصدمة بينما دموعها تترقرق في عينيها بقوة: - أومال عاوزاني اقول ايه يا طنط وانا شايفاكم بتدبسوا عصام فيا، نصيبه بقه انه العازب اللي في العيلة فهو اللي يشيل الشيلة!

أدهم بحزم ونظرة قوية: - عصام اتقدم لك امتى يا ريما بالظبط؟ فواز كان عندي من يومين كان ابن خالك اتقدم لك فعلا وفاتحتكم اتقرت كمان!
ريما بابتسامة تحمل مرارة وأسى: - وانا اعرف منين انه الموضوع دا ما ابتداش من قبل كدا؟
أدهم بذهول غاضب: - يعني انا بكدب يا ريما!

شهقت ريما ملتاعه وسارعت نافية بقوة: - لا والله ما أقصد يا خالو، بس ارجوك فكّر معايا. يعنيى مرة واحدة كدا عصام عاوز يتجوزني وبيحاول يتقرب مني وبعدها اعرف بالحكاية دي، يبقى طبيعي اني اربط الامور ببعضها خصوصا انه عصام.

وسكتت ليتابع هو بنظرة فاحصة: - وانه عصام سبق ورفض قبل ما يسافر صح؟
شهقة عميقة صدرت عنها قبل ان يردف بأدهم بزفرة عميقة في حين تبادلت هي مع ريتاج نظرات التوجس والحيرة وريتاج تؤكد لها بعينيها أنها لم تخبر خالها أي شيء:
- عصام اللي حكى لي بنفسه كل حاجة، ومش دلوقتي، لا. من ايام ما كنت في السجن!
ريما بصدمة: - معقول!

أومأ أدهم مؤكدا وهو يدنو من صغيرته يمسك بكتفيها لتفسح له ريتاج المجال بالابتعاد الى الخلف قليلا:
- ايوة يا حبيبتي، عصام حكى لي كل حاجة، قالي هو أد ايه ندمان على الوقت اللي ضيّعه منكم، وانه كان حاسبها غط، وف اليوم اللي قرر فيه يرجع عرف بخطوبتك الشيء اللي خلّاه زي المخبوط على دماغه وحصل اللي حصل، هو اكيد حكى لك.

اكتفت بالايماء بنعم ليردف بأبوة: - اللي عاوزك تتأكدي منه انه سواء ممدوح دا كان خطر عليكي أو لأ، موجود أو لأ. عصام عاوز يتجوزك انهرده قبل بكرة، وبصراحة موضوع كتب الكتاب أنا اللي اقترحته عليه عشان أمنع تهوره بعد ما حكيت له اللي عرفته من فواز!

كان دور ريتاج لتتساءل بذهول وريبة: - وهو عصام كان ناوي يتهور ازاي بالظبط؟
ادهم وهو يركز نظراته على وجه ريما المتسائل أمامه: - قالها لي باللفظ. قالي انه مراته وابنه ضاعوا في غفلة منه، وهو مش مستعد انه ريما تتعرض لاي خطر حتى لو، قتل في سبيل كدا!

شهقت ريما بالتياع في حين هتفت ريتاج بصدمة: - ايه؟!
زفر ادهم بضيق وقال: - عصام لغاية دلوقتي مخرجش من محنة خسارته لمراته وابنه، مش لمشاعر معينة ربطته بيها بس دي كانت في وقت من الاوقات مسئولة منه وهو للاسف مقدرش يحميها، وكان السبب انها تدفع حياتها هي وابنه تمن لعجزه دا حتى لو كان الجاني شيطان من غير قلب ولا ضمير، ودلوقتي حياة ريما. الانسانه الوحيدة اللي حبّها.

تلونت وجنتي ريما باللون الاحمر وطالعت ادهم بغير تصديق ليؤكد بابتسامة حانية: - ايوة يا ريما، عصام اعترف لي بحبه ليكي، وانك الوحيدة اللي اتمناها بجد زوجة له، واحساسه انه يمكن يخسرك ممكن يخليه يتهور ويعمل اي حاجة في سبيل انه يحميكي ويحافظ عليكي.

ريتاج باستفهام: - ورندا عرفت كدا؟
أدهم بهزة نفي بسيطة من رأسه: - لا. نزار اللي عرف، قلنا له على كل حاجة، رندا متعرفش غير انه عصام مستعجل على كتب الكتاب، واكيد محمود يعرف وهو اللي قال لمها انها تفاتح رندا في كتب الكتاب، لكن حكاية الفرح.

وصمت للحظات تابع بعدها بشبح ابتسامة ساخرة: - واضح كدا انه الكابتن عصام قرر انه يستغل الموضوع لصالحه. وانا متأكد انه كسب نزار في صفه والا ما كانش اتكلم في موضوع الفرح.

ريما بوجوم: - فعلا. انا استغربت لما عصام قال لماما اني موافقة على كتب الكتاب ولسّه هتكلم لاقيته سابقني وقال انه كلم بابا في الفرح! ولما سألت بابا قالي انه موافق ومرحّب بالفكرة، لاني مش لسه هعرف عصام!

أدهم وهو يطالعها بحنان أبوي: - صدقيني يا ريما، لو نزار كان عنده نسبة شك ولو صغيرة في مشاعر عصام ناحيتك كان هو اول واحد هيرفض، لانه لو الموضوع حماية لبنته فالأب عمره ما يكلّ بمسئولياته، ونزار أب روحه في ولاده. وخصوصا انت يا آخر العنقود!

ارتسم شبح ابتسامة شاحبة على شفتي ريما قبل ان تسمع خالها يتابع بهدوء: - من الاخر يا ريما. جوازك انت وعصام حماية ليكي من مجنون مش هيبطل يطاردك، وانقاذ ليه من اشباح هتفضل تطارده!

ريما بأسى: - بس انا.
أدهم مقاطعا بجدية: - انت بتحبيه ولا لأ؟
سكتت تطالعه بصدمة قبل ان يردف: - عاوزاه ولا لأ؟ لانه لو لأ تأكدي انى زي ما وقفت معه عشان أجمعكم سوا أنا بردو اللي هقف معاكي وأبعده عنك خالص، وعيلتك كفيلة بحمايتك مش محتاجين نتدارى في جوازة وعريس انت رافضاه!

تقدمت ريتاج منها وسحبتها برفق من قبضة خالها الذي تركها لتنظر اليها قائلة بحنان أمومي:.

- ريما حبيبتي. الحب الحقيقي مش بييجي في عمرنا الا مرة واحدة بس، وصدقيني محظوظين اللي فعلا بيلاقوا نصّهم التاني الحقيقي. واكبر غلط اننا نضيّعه عشان مكابرة فارغة. عصام غلط؟ انا معاكي. لكن ما يكونش المقابل انك تحرمي نفسك من السعادة عشان يعرف غلطه. بالعكس بقه. لما تكوني مراته وقتها دا هيبقى اقوى سلاح في ايدك انه يعرف ويتعلم ويحرّم يكرر غلطه تاني!

هتف ادهم بتمثيل زائف: - اوبااااا. روحت بلاش يا ابن محمود، تاج بنفسها حاطيتك في دماغها!
نظرت اليه ريتاج بطرف عينها بغرور وقالت: - ولسّه. ريما دي خليفتي. ولازم آخد لها بحقها منه تالت ومتلت!
لم تستطع ريما منع ابتسامتها لتحتويها ريتاج بين احضانها هامسة بصوت مسموع لها فقط:
- وافقي يا ريما. وصدقيني عقابه وتأديبه وانتي في بيته وبين ايديه وهو مش قادر يطولك أقوى وأقسى عقاب ممكن يلقاه!

وغمزت بطرف عينها في غفلة عن ادهم، الذي قال بدعابة: - ها. هتطمني قلب الغلبان دا وتوافقي؟
ريما وهي تشيح بوجهها في خجل وابتسامة حياء خضبت وجنتيها: - عن نفسي مش مطمنة حد، لما يسال هو بابا وقتها يبقى هو يطمنه!
نظر ادهم بدهشة اليها قبل ان يومأ برأسه تجاه ريتاج قائلا: - بشايرك ابتدت تهلّ أهو، ولسّه. دا انت يدوب بتسخنوا!

قاطعه رنين هاتفه الشخصي ليجده مراد فتلقى المكالمة وما هي الا لحظات حتى قطب قبل ان يقول لريتاج بابتسامة صغيرة:
- معلهش يا حبيبي. هكمل المكالمة في المكتب. شغل!
ودلف خارجا تاركا ريتاج وريما وهما ترسمان الخطط لتأديب وتربية عصام!

قال ادهم لمراد: - ايوة يا مراد، يعني انت اخدت الورقة من المحضر فعلا؟ طيب تمام كلم المحامي خليه يحصلني بكرة على القسم. ما انا معرفش، بكرة ان شاء الله كل شيء هيبان.

وأنهى الاتصال قاطبا بحيرة. ترى. ما الامر الذي تم استدعائه بشأنه في قسم الشرطة؟!

هتف هشام بنزق: - أنا مش قادر أفهم ليه لغاية دلوقتي تقرير الطبيب الشرعي ما طلعش؟ ايه سبب التأخير؟

زفر مصطفى وقال لهشام الجالس أمامه بوجه محتقن غضبا وحنقا: - والله يا هشام باشا أنا استعجلت التقرير بدل المرة اتنين، عموما انهرده بإذن الله نتيجة التقرير جاية.

قاطعه طرقات تعالت على الباب ليأذن بالدخول فدخل الشرطي ليقوم بتأدية التحية العسكرية قبل ان يمد يده بظرف ابيض كبير مختوم، فتناوله منه ليصرفه بعدها، ثم قام بفض المظروف وما ان جرت عيناه على الاسطر المدونة بها حتى ذهل مما قرأه، ليرفع عيناه الى هشام المقطب في ريبة وقال:
- غريبة!
أشار بالورقة التي اخرجها من المظروف باتجاه هشام مردفا: - دا تقرير الطبيب الشرعي. ز
هشام بلهفة: - طيب كويس. بيقول ايه؟

مصطفى بتقطيبة عميقة: - بيقول انه المجني عليها ماتت نتيجة جرعة زايدة من دواء القلب بتاعها!
هشام بذهول غاضب: - نعم؟! يعني ايه الكلام دا؟
مصطفى بدون تعبير: - ومن التحريات بتاعتنا ثبت لنا انه مدام منال هي اللي كانت مسئولة عن دوا المريضة لانه آخر جرعة كانت المجني عليها بتاخدها بتكون قبل انصراف مدام منال من الدار، واول جرعة بتكون هي موجودة، معنى كدا.

نهض هشام وهو يقول بذهول: - معنى كدا انه الاتهام لسه ساري؟!
زفر مصطفى قائلا: - للاسف يا هشام باشا. تقرير الطبيب الشرعي مش في مصلحة. المتهمة اطلاقا!
هشام عاقدا جبينه: - مش ممكن. فيه حاجة غلط، اكيد فيه حاجة غلط!

قاطعه دقات بسيطة دلف بعدها الشرطي ما ان سمع اذن رئيسه بالدخول ليؤدي التحية العسكرية المعتادة قبل ان يقوم بوضع بطاقة تعريف على المكتب وما ان قراها مصطفى حتى أمر بادخال صاحب البطاقة، والذي ما ان دلف حتى نظر اليه هشام بدهشة ليبادله هو النظرات بأخرى هادئة وان كانت لا تخلو من شكّ وحيرة، قاطعها صوت مصطفى وهو يدعوه للجلوس قائلا:
- أستاذ أدهم شمس الدين؟

أومأ أدهم بالايجاب ليشير اليه مصطفى بالجلوس قبل ان يستدعي كاتب التحقيقات ليقوم بسؤاله اولا عن اسمه كاملا وسنه وعنوانه قبل ان يوجه اليه السؤال بخصوص موظفة الدار لديه. المتهمة بتقل نزيلة من نزلائه!

اجاب ادهم باستغراب: - انا ماليش علاقة أوي بالدار، آه انا صاحبها والمسئول ماديا عنها لكن مدام حنان هي المديرة والمسئولة عن الموظفين ونزلاء الدار.

مصطفى باهتمام: - بس للاسف مدام حنان في اجازة من اسبوعين والمتهمة هي اللي بتقوم بوظيفة مديرة الدار بالانابة. حضرتك عندك فكرة عن كدا؟

ادهم بهدوء: - فعلا دا صحيح، مدام حنان لما رشحت مدام منال كانت متحمسة لها جدا دا غير انى فعلا ف الاوقات اللي بزور فيها الدار لمست فعلا مدى قربها منهم، والكل هناك بصراحه بيمدح فيها وفي اخلاقها واحترامها لهم.

جلس هشام على الايكة يتابع التحقيق بصمت مطبق زاويا بين عينيه في تفكير عميق، حتى اذا ما انتهى المحقق من اسئلته وأذن لأدهم بالانصراف سارع هشام باللحاق به وسط دهشة مصطفى، لينادي على ادهم الذي التفت اليه بابتسامة هادئة فتقدم منه هشام يقول بجدية:
- ممكن نتكلم شوية؟
صمت أدهم لثوان وكأنه يفكر في الاجابة قبل ان ينظر لمحاميه يشكره ويطلب منه الانصراف ثم يتجه بصحبة هشام الى الخارج.

جلس أدهم أمام هشام في ذلك المقهى القريب من قسم الشرطة، قال ادهم بتساؤل: - يعني انت شاكك انه اللي اسمه رياض دا ورا اللي بيحصل لمدام منال؟
هشام زافرا بضيق: - أنا متأكد مش شاكك وبس، شوف. انا عارف أنه المباحث هتعمل اللي عليها وزيادة شوية، بس في الاول والاخر احنا رجال قانون يعني لينا الادلة الملموسة. وواضح جدا انه البني آدم دا ايده طايلة بدليل تأخير تقرير الطب الشرعي واللي جه ضد منال.

أدهم بهدوء: - يبقى مينفعش نمشي معه ميري. لانه لو كدا يبقى اكيد هو مش لوحده وفيه حد بيساعده واللي بيساعده دا مش سهل.

هشام بتأكيد: - بالظبط كدا. وعشان كدا أنا محتاج مساعدتك اننا نثبت براءة منال.
أدهم باهتمام ملحوظ: - وأنا تحت أمرك، أنا مش هنسى وقفتك معايا في قضيتي وازاي انت كنت انسان محايد همّك الوحيد انه الحقيقة تبان بصرف النظر اني اطلع بريء ولا لأ، مش زي زميلك التاني!

هشام بشبح ابتسامة: - آه قصد حضرتك صقر! لا خلاص صقر اخد جزاته على التجاوزات اللي عملها، اتنقل المرور! ودا بالنسبة له اكبر عقاب ممكن ياخده.

أدهم بتأكيد: - أهم حاجة انه يبعد بأذاه عن الناس. المهم نرجع لموضوعنا.
نظر اليه هشام بتركيز ليتابع ادهم: - زي ما انت عارف انى صاحب اكبر مجموعه اقتصادية في البلد، ورياض دا اكيد له تعامل معانا سواء بصورة مباشرة او غير مباشرة. عموما انا هعرف اوصله ازاي. وهبلغك الاخبار أول بأول.

هشام بابتسامة صغيرة: - كنت متأكد انك هتساعدني. عموما انا كمان من ناحيتي مش هسكت، أنا أعرف أجيبه قراره، اللي زي دا بيكون عنده بلاوي مداريها ويدفع نص عمره عشان ما تبانش.

وانصرف ادهم وهشام على وعد باتصال من الاخير يعرفه بها آخر المستجدات، وبينما هشام يقود سيارته في طريقه الى المنزل آتاه اتصال من والدته ليتلقاه وما ان سمعت صوته حتى هتفت بصرامة عقد لها جبينه:
- منال فين يا هشام؟
هشام بحيرة: - ما انا قلت لك يا امي، منال اضطرت تقعد ف الدار الفترة دي عشان المديرة مش موجودة، وعشان كدا طلبت انه فريد يقعد معنا.

أنعام بجدية بالغة: - بصرف النظر انها ما كلمتنيش انا وكلمتك انت، وانها من وقتها ما رفعتش سماعه التليفون تطمن عليا او على ابنها وانت اللي بتقول لي انك بتكلمها تطمنها عننا لانه موبايلها اتسرق وعليه كل الارقام، من الاخر كلام فريد الصغير ما يصدقوش لكن انا عملت نفسي مصدقة لغاية ما اعرف الحقيقىة بالظبط، وللأسف. عرفتها!

هشام بذهول حائر: - حقيقة ايه يا أمي؟
أنعام بلهجة باترة: - ايه اللي بينك وبين منال يا هشام؟ ومين الست اللي متهمينها في قتلها دي؟
ليضغط هشام على مكابح سيارته فجأة فأصدرت صريرا عال حمد الله بعدها أن الطريق كان خال وإلا كان حادثا هو مصيره لا حالة! هشام هادرا بغضب:
- انت بتقولي ايه يا امي؟

انعام بصوت مهزوز فعلم انها تجاهد دموعها: - بقول اللي الناس كلها بتقوله، سايب شغلك يا سيادة العقيد وبتلف وراها في الاقسام، بقه دي آخرتها يا هشام؟ تطلع على مرات اخوك سمعة وحشة!

صاح هشام بصدمة بالغة: - آخرة ايه وأول ايه بس؟ انت جبتي الكلام دا منين؟
أنعام بتعب: - واحدة زميلتها من الدار اتصلت تطمن عليها وهي اللي قالت لي!
ضيّق هشام عينيه بشك وقال: - زميلتها! مين دي؟
أنعام بزفرة حانقة: - اسمها مديحة ودا مش موضوعنا.
قاطعها هشام بجدية: - لا يا امي دا موضوعنا. انا مش مصدق انك تصدقي في منال وفيا انا ابنك كدا!

أنعام بحدة: - ومين اللي قال انى صدقت؟ أنا سبب زعلي اني عرفت من بره، لو كان عندي خبر باللي حصل كنت أقدر ارد على اللي عامله نفسها صاحبة وحبيبة وهي قصدها تنهش في عرض بنتي! منال دي بنتي مش مرات ابني، وغضبي منك لانك السبب في الكلام اللي طلع عليها وهي في الاول والاخر ست وارملة يعني العيون اللي مترصدة لها كتير!

هدر هشام بعنف: - طيب خلي اي كلب يجيب سيرتها بحرف واحد بس وانا أقطع خبره! ولعلمك يا أمي انا ما سيبتش شغلي ولا حاجة لكن طبيعي لما ارملة أخويا الله يرحمه تبقى في ضيقة بالشكل دا انى أقف جنبها وأساعدها، أما بقه اللي طلع الاشاعات والكلام الحقير دا فحسابه معايا انا. أهم حاجة دلوقتي خلي بالك من فريد يا امي، وكويس أنه مش بيروح الحضانة اليومين دول.

وأنهى المكالمة مع والدته ليقبض بشدة على هاتفه المحمول قبل ان ىيرفعه ضاغطا بعض الارقام ليستمع الى محدثه قليلا ثم يقول آمرا:
- هات لي كل المعلومات عن واحدة بتشتغل في دار المسنين. اسمها مديحة، قودامك انهرده بالكتير والصبح عاوز على مكتبي كل حاجة تخصها من يوم ما نزلت من بطن امها لغاية يومنا دا!

لينهي الاتصال وعيناه تبرقان بوعيد شديد قبل ان يقول بقسم: - اقسم بالله ما هرحمك يا رياض الكلب، وحسابك معايا تقل اوي!
شرد بعدها لثوان قبل ان يشتد فكّه بقوة فقد اتخذ قراره وقضي الامر! ليقفل عائدا حيث أتى، فما فكّر فيه أصبح أمرا. واجب النفاذ!

افضلي يا بنتي، أهلا وسهلا نورتينا.
دلفت ريما وهي ترد تحية تلك الجدة المسنة، لتبتسم محركة رأسها بالتحية للجالسين حولها، حيث ازدحمت تلك الشقة الصغيرة بالأهل والجيران الذين قدموا للتهنئة بعقد قرآن فواز وتسنيم!

اقترب فواز من ريما وهو يقول بابتسامة راحة كمن تنفس الصعداء ما أن رآها: - الحمد لله انك جيتي. كنت متأكد انك مش هترفضي!
نظرت اليه ريما بعتاب وقالت: - حسابنا على مرواحك لخالي واللي عملته من ورايا بعدين مش دلوقتي، ولو ما كانش عشان خاطر تسنيم ما كنتش جيت على فكرة!

فواز بأبتسامة أسف صغيرة: - ريما انت عارفة انك أكتر من أختي، ما كنتش أقدر أقف أتفرج وانا متكتف كفاية من ساعة ما اخدتك ليه في المصحة وتأنيب الضمير مش بيسيبني، خصوصا وانك وقتها كنت تقريبا مخطوبة لابن خالك وانا معرفش!

قطبت ريما قائلة: - ايه؟ وانت عرفت منين اني كنت مخطوبة لعصام؟ ثم وقتها فعلا انا ما كنتش لسه اتخطبت دا كان مجرد كلام و.

قطبت لتردف باستفهام وريبة: - فواز، مين اللي قالك الكلام دا؟
فواز وهو يمسد ألم وهمي في فكّه تذكره ما ان نطقت بسؤالها: - ابن خالك هو اللي عرفني بنفسه. خدني على خوانة من الآخر!
حدقت فيه ريما واسعا وهي غير مصدقة لصحة ما فهمته، ليردف فواز بابتسامة: - بصراحة انا مقدرتش ازعل منه رغم انه ايده سابقاه وما استناش يفهم مني الاول، لكن انا عذرته، لو كنت مكانه وتسنيم عملت كدا كنت قتلتني انا وممدوح كمان!

ضحكت ريما وهي تحرك راسها بيأس يسارا ويمينا قبل ان تقول: - اممم تسنيم! عموما انا مش هتكلم في اي حاجة تخصني انا دلوقتي، انهرده يومك انت وتسنيم. وبصراحة انا اشتقت اشوف اللي قدرت تخليك تتخلى عن عزوبيتك الغالية اوي عندك!

ضحك فواز وقال: - محساني انى داخل السجن برجلي!
ريما بجدية زائفة: - اكتر يا بابا. السجن ليه مدة محددة بيطلعوا قبلها حسن سير وسلوك لكن دا ابدي حضرتك!
فواز بفكاهة: - ويا ترى خطيبك عارف كدا؟
ريما بتواطؤ: - لا. بس انا عاملها له مفاجأة. هو اللي جابه لنفسه!

لتتعالى ضحكات فواز، وعلم في قرارة نفسه انه قد اصاب بطلبه لريما كي تأتي، فصغيرته ومنذ اقتراب موعد عقد قرآنهما وهي تنأى بنفسها عنه، ولمّا كان يعلم أنها لا صديقات مقربات لها فقد جاءته فكرة الاتصال بريما فشخصيتها مرحة ودودة على يقين هو من ان عروسه ستنسجم معها!

قالت ريما بابتسامة: - هدخل انا للعروسة. عن اذنك يا عريس.
وفي قرارة نفسها هي سعيدة للغاية من أجله، فلأول مرة منذ زمن طويل ترى السعادة جليّة على ملامحه حتى لو انكرها هو معللا زواجه بأنه واجب تجاه تلك اليتيمة. ولكنها تكاد تجزم أن تلك الصغيرة استطاعت التأثير في ذلك القلب الذي نساه صاحبه منذ خيانة من كانت تسمى يوما. حبيبة!

فواز قالي انك حلوة. بس ما قاليش انك حلوة اوي كدا! .
كانت تلك عبارة ريما التي ألقتها على تسنيم ما ان رأتها، وعندما شاهدت انفراج أساريرها علمت انها قد أصابت في كلماتها فمن الواضح ان العروس تعيش حالة من الحيرة المختلطة بالتيْه. بينما عيناها فهما تشيان بفرحة مستترة تنمّ عن قلب عاشق لآخر. مغيّب!

ابتسمت تسنيم وقد شعرت بالراحة لتلك الشابة الفائقة الجمال والنعومة، اقتربت منها ريما تهنئها وهي تقول:
- أنا ريما. تقدري تعتبريني اخت لفواز ومن اللحظة دي أخت ليكي طبعا لو حبيتي!
تسنيم بلهفة وحماس: - انتى ريما؟ فواز كان بيحكي عنك دايما انت وصاحبه ممدوح، انامبسوطة جدا اني شوفتك انهرده.

ريما وقد رفضت جعل ذكر هذا ال ممدوح ينغص عليها يومها: - ايوة يا ستي انا ريما. وانا كمان سعيدة جدا اني شوفتك وان شاء الله هنكون اكتر من الاخوات كمان.

تسنيم بحماس: - اكيد ان شاء الله.
قاطع حديثهما دخول الجدة وهي تزغرد بصوت مبحوح وتقول وهي تمسك بكتفي تسنيم: - يا ما انت كريم يارب، الحمد لله انى عشت لغاية ما شوفتك عروسة يا تسنيم.
تسنيم وهي تقبل يدها الموضوعه فوق كتفها: - ربنا يخليكي ليا يا جدتي، أنا ماليش بركة غيرك.

الجدة بابتسامة وغمزة عين: - لا ليكي يا حبيبتي. – نظرت تسنيم بغير فهم فاردفت الجدة – جوزك يا حبيبتي! ربنا يخليكم لبعض ويعمّر ما بينكم وما ي دخلش بينكم شيطان ابدا.

تعالت الزغاريد لتدلف احدى النسوة هاتفة بأن المأذون قد حضر وان تستعد العروس للخروج لعريسها!

هل يهبط القمر فوق الارض؟ او هل هناك حوريات فعلا من حوريات الاساطير تعيش بيننا؟ ...

جالت هذه الاسئلة في ذهن فواز وهو يرى عروسه وهي تتقدم منه ترفل في ثوب من قماش الدانتيلا الفزدقي اللون، يتداخل فيه من الاسفل قماش الساتان اللامع، والذي ينسدل على اتساع الى الارض بينما نصفه العلوي فمحكم على جذعها بياقة مستديرة تظهر عظمتي الترقوة، ويصل أكمامه الى المرفقين، فيما أسدلت خصلاتها السوداء ورفعت جانبي شعرها بمشبكين صغيرين من الالماس، وتزينت بالكحل العربي الذي اكسب عينيها وسعا وجمالا، وبعضا من أحمر الخدود وأخيرا حمرة شفاه باللون الأحمر الداكن اسرت عيناه طويلا، لم يفق الا على صوت نحنحة المأذون ليجلس ويحتل امام مسجد شارعهم المقعد امامه حيث وكلته تسنيم، وشرع المأذون في اجراءات عقد القرآن بينما جلست تسنيم في مقعد مواجه لها، حيث هربت بعينيها الى الاسفل ولم تعي الا على دفتر المأذون وهو يُمد اليها والاخير يطلب منها التوقيع باسمها في خانة الزوجة!

ما ان انتهى المأذون من عقد القرآن حتى انطلقت الزغاريد، لينهض فواز من مكانه ويتجه الى تسنيم التي وقفت ووقف بجاورها ريما ومن الناحية الاخرى الجدة، فأمسك فواز برفق بكتفيها ومال على جبينها يقبله بعمق، لتتخلل رائحتها المسكرة خياشيمه، فمال على أذنها هامسا:
- البرفان دا ما يتحطش تاني!

ليمتقع وجهها خجلا فأردف هامسا بشقاوة: - لانه ريحته بصراحة عامل زي البونبوني. بتخليني عاوز آكلك! أنا بقول كدا لمصلحتك وانت حرة!

ورفع راسه غامزا لها في غفلة عن الاعين، وما لبث ان احتوى يدها الصغيرة داخل كفه الكبير وجلس بجوارها يتلقى التهاني من المدعوين.

تلقت ريما اتصالا من والدتها اعتذرت على اثره من فواز قبل ان تنصرف بينما تتلقى تقريع والدتها لذهابها الى مشوارها دون اخبار زوجها، عصام!
أغلقت ريما الهاتف وهي تكاد تجن. فهو لم يعقد أصلا قرآنه بعد عليها وأمها تدعوه بزوجها! ليتردد سؤال في ذهنها. هي أم مين فينا بالظبط؟ .

ياللا يا شمس هنتأخر كدا.
هرولت شمس تلحق باسلام وهي تقول: - خلاص خلصت اهو. مش على ما اطمنت على نادرين ونزلتها عند ماما مها.
اسلام بغير رضا: - انا مش عارف ماما هتخلي بالها من مين بالظبط؟ شهد بنت هنا اللي من ساعة ما سافرت مع جوزها قالت عدّوا لي ولا من بنتك؟

شمس باستنكار: - وهي كانت بنتي لوحدي؟ وبعدين هي وشهد بيسلوا بعض، ثم عاوزني أقعد من شغلي عشان المدير بتاعي ما يصدق ويجيب سكرتيرة بدالي؟ لا يا بابا كان غيرك اشطر!
اسلام رافعا يديه باستسلام: - لا سكرتيرة مين؟ هو يقدر يستغنى عنك انت يا قمر!
لتحرك شمس كتفها بغرور وتسبقه فيهز راسه بقلة حيلة لاحقا بها.

كانت تجلس الى مكتبها بعد ان أدخلت اليه بريد الصباح، وهي تبتسم فقد نجحت في اقناعه بجعلها مديرة مكتبه الشخصية، بعد الحاحها في ان تعمل، ليوافق على مضض بأن تعمل لديه رافضا عملها بأي مكان آخر.

أفاقت من شرودها على صوت ناعم فرفعت عينيها ليصطدما بصورة مفصلة لسيدة الاعمال، بدءا من بذلتها الحريرية الانيقة مرورا بالشنيون المعقود فوق رأسها، وخصلاتها الذهبية التي تحيط بوجهها، ثم عينيها الفيروزيتين، ونحافة خصرها الواضح، واخيرا رائحة عطرها الفواح، لتتسمر امامها بفم مفتوح، فكررت الزائرة الغير متوقعة ندائها بصوتها الناعم:
- لو سمحت. اسلام بيه موجود؟

مهلا. أهو اسم اسلام ذلك الذي نطقت به؟ اسلام زوجي! زوجي انا! .
وكادت تخبط براحتها على صدرها مولولة. ز يالهوي! ، كأي زوجة أصيلة تشم رائحة الخطر على بعد 5 كيلومتر!

قالت شمس التي نهضت من مكانها بصوت متحشرج: - ايوة حضرتك. نقوله مين؟
ابتسمت الاخرى قائلة: - نانسي العلمي.
فابتىسمت شمس ابتسامة صفراء قبل ان تتجه الى الغافل القابع خلف جدران مكتبه لا يعلم عن امر اعاصفة التي بدأت بالتكوّن وسرعان ما ستهب لتقضي على الاخضر واليابس!

فتحت الباب ودلفت لتتجه اليه وما ان رآها حتى قطب قائلا: - ايه يا شمس؟ فيه حاجة؟
شمس بابتسامة مزيفة تخفي غيظا شديدا: - فيه واحدة بره عاوزاك.
اسلام بلا مبالاة: - مواعيدي معاكي انت، فييه حد واخد معاد دلوقتي؟
شمس بذات الابتسامة التي جعلته يطالعها بريبة: - لا. الاسم غريب ما سمعتوش قبل كدا.
اسلام بعدم فهم: - اسمها ايه طيب؟
شمس من بين اسنانها: - نانسي العلمي.
اسلام بعقدة جبين: - لا مش فاكرة بصراحة.

قاطعه دخول نانسي وهي تقول بابتسامة واسعة: - انا نانسي العلمي مندوب الشركة العالمية يا مستر اسلام.
نهض اسلام ما ان أبصر تلك الكتلة الانثوية المتحركة وهو يقول بابتسامة جعلت شمس تكاد تطحن ضروسها قهرا:
- آه اهلا وسهلا. فعلا فيه معاد معكم دلوقتي.
نانسي وهي تقترب منه تمد يدها لمصافحته وسط نظرات الذهول من شمس: - ولو اني زعلانه منك يا اسلام. معقول تنسى. نونا؟!

قطب اسلام لثوان هتف بعدها وقد انفكت عقدة جبينه: - معقول! نونا! مش ممكن!
نانسي او نونا بابتسامة غرور: - لا ممكن! ازيك يا أُس. و حشني بجد!
وبينما كان اسلام يتبادل الكلمات المازحة مع ضيفته كان عقل شمس يعمل كالمكوك في ايجاد الطريقة الامثل للقضاء على نونا دون ترك أي دليل خلفها!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة