قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية إلا أنت (نساء متمردات ج3) للكاتبة منى لطفي الفصل السابع

رواية إلا أنت (نساء متمردات ج3) للكاتبة منى لطفي الفصل السابع

رواية إلا أنت (نساء متمردات ج3) للكاتبة منى لطفي الفصل السابع

حبست أنفاسها في انتظار لحظة انفجاره الوشيك والتي لم تتأخر، إذ سرعان ما هبّ إعصار غضبه يكاد يفتك بمن يقف في طريقه وهي. أولهم!

تحدث مهدي بصوت خفيض يخفي وراؤه غضبا ارتعدت له فرائصها فيما عيناه تبرقان بشرّ: - كلّمك؟!
سكتت لم تعلم كيف تجيب دون أن تزيد من نيران غضبه المشتعل، ليقبض على مرفقيها بقوة كادت تطحن مفاصلها وهو يكرر سؤاله بصوت أعلى وغضبا يهدد بحرق من يقف أمامه:
- كلّمك تاني مش كدا؟ وأنتي رديتي عليه!، سبق وحذرتك أنك تردي عليه أو يكون بينك وبينه أي كلام من أي نوع، حصل ولا لأ؟!

اكتفت بهز رأسها في حركة مترددة الى الأعلى والأسفل ليضغط بقوة أكثر هادرا بصوت مخيف:
- انطقي يا لبنى، حصل ولا محصلش؟
كان توتر الأحداث السابقة قد أخذ منها كل مأخذ فصاحت بصوت باك: - حصل. حصل...
مهدي بصرامة: - وإيه اللي خلّاكي تردي عليه؟ إزاي تسمحي لنفسك أساسا أنك تتكلمي معه ولو لأي سبب؟ أنا مش منبّه عليكِ؟، انطقي يا لبنى ما تجننينيش!

لبنى بصياح وقد شارفت أعصابها على الانهيار: - عشان عارفة انه السبب في اللي حصل لخالو أدهم، عشان عارفة أنه وجودي في حياتكم كان لعنة عليكم كلكم، عشان كدا...

مهدي بقهر وعيناه تجلدانها بسياط غضبه الناري: - عشان كدا كلمتيه صح؟ عشان كدا سمعتي كلامه وطلبتي. طلبتي. – لم يستطع نطقها، شعر أن روحه تنسحب من بين ثنايا صدره وهو يهمّ بلفظها ليردف بخيبة أمل امتزجت بغضبه الساخر القوي – مش كدا؟ هو اللي طلب منك دا؟ ويا ترى البيه ميعرفش أنه نفس المشكلة هتتكرر بيننا؟..

لبنى بوجهه باك وبغير فهم: - أنا مش فاهمه تقصد إيه؟
مهدي بابتسامة شريرة: - إيه؟ نسيتي نهاوند بنتنا؟! ما هو زي ما يقدر يحرمك من أحمد، أنا كمان ممكن جدا أخد بنتنا وأبعدها عنك. مفكرتيش في كدا؟..

لبنى بابتسامة حزينة وعينان دامعتان: - بس أنت متعملهاش يا مهدي!..
مال عليها يهتف بذهول غاضب وعينان متسعتان بصدمة: - أنتِ بتقولي إيه؟..
لعقت شفتيها الجافتين ترطبهما وأجابت بخواء وهي لا تكاد تشعر بساقيها وحمدت ربها أنه لا يزال يمسك بها:.

- اللي أنت سمعته، هو يقدر يحرمني من بنتي، أنما أنت يا مهدي – ورفعت عينان تلمعان بحب قوي مردفة – أنت مش هو! عمرك ما هتقدر تحرمني من بنتي ولا تحرمها مني!

ليقطب مهدي مستهجنا ويهدر باستنكار حانق: - يعني إيه؟ شكلك مفكّرة وواخدك قرارك فعلا!
لبنى بابتسامة مرارة وحزن: - قراري؟! من امتى المحكوم عليه بيكون له حق القرار؟!

مهدي وهو يهزها بقوة بينما خرج صوته خشنا شروخا ينضح بأسف مختلط بغضب قوي: - ومين اللي حكم عليكِ. هو.! لو واثقة فيّه كنت لا يمكن تفكري في الجنان دا، كنت عرفتي أن جوزك راجل كفاية أنه يقدر يحمي بيته ومراته وولاده، لكن للأسف واضح جدا أنه مافيش عندك أدنى ثقة فيا...

قاطعته صارخة: - الحاجة الوحيدة اللي أنا واثقة ومتأكدة منها أني لا يمكن أستحمل أنه أي شيء يصيبك، المرة دي كان خالي أدهم، المرة الجاية هتبقى أنت، ووقتها أنا. هموت! عارف يعني إيه هموت يا مهدي؟!

صمتت تطالعه بعينين تستجديان تفهمه ورفعت يديها بعد أن خفت قبضته تتلمس بهما ملامح وجهه الغاضب، لتخطو بأناملها على صفحة وجهه، وكأنها تحاول حفظ ملامحه في ذاكرتها، وأردفت بصوت كبّله الحزن والأسى:.

- أنا آسفة. لو أعرف أنه كل دا هيحصل لكم من ورايا كنت بعدت من زمان، أنا عمري ما حاسيت بحضن العيلة والأمان إلا معاك ووسط عيلتك، لكن لو المقابل أنه حد فيكم يتأذي يبقى لازم أبعد، حتى لو كان البعد دا كأني بدفن نفسي بالحيا مش مهم، المهم أنه محدش فيكم يتأذي، وأنت بالذات. أنت بالذات أنا أفديك بروحي، ولا أنه حد يمس شعرة واحدة منك!..

قبض على رسغيها يسدل يديها إلى الأسفل وتحدث بصوت مرير مختلط بخيبة أمل واضحة: - وأنا مطلبتش منك التضحية دي، كل اللي طلبته منك الثقة اللي واضح جدا أني فشلت أني أزرعها فيكي من ناحيتي.

صاحت لبنى بتعب: - ارحمني يا مهدي، أنت عارف كويس لو طلبت مني أرمي نفسي في النار هرميها وأنا متأكدة أنك هتنقذني قبل ما تطولني، لكن أنا مقدرش أجازف بيك أنت، عارف يعني أيه يجرالك حاجة وأكون أنا السبب؟ إذا كنت دلوقتي مش قادرة أبص في وشّ حد من عليتك عشان الكل عرف مين السبب، وليه، هقدر إزاي أعيش ولو يوم واحد لو حاجة حصلت لك من تحت راسي؟ ارحمني أنا مش قادرة، يا ريتني أموت وأرتاح، أنا تعبت خلاص ومش قادرة بجد، حرام اللي بيحصل لي دا والله حرام...

حاول مهدي الامساك بكتفيها لتدفعه بعيدا وهي تواصل انفجارها المقترن بدموع غسلت وجهها:.

- تقدر تقول لي إيه اللي عملوا خالك عشان يعمل فيه كدا؟ لأنه وقف قصاده وهو بيهدد أنه ياخد ابني؟ وأنت، أنت جوزي. يعني الخطوة التانية أنت اللي هتتأذي فيها وبردو عشان واقف قصاده عشان أحمد ابني، وسمعتكم اللي بئيت على كل لسان، صحافة وتلفزيون وكل مكان مافيش سيرة غير رجل الاعمال اللي طلع بيمول الجماعات الارهابية، دا غير أنه لكم ناس بتكرهكم كتير ما هيصدقوا ويحطوا فوق الكلام ويزودوا النار أكتر، وكل دا من تحت راسي أنا! يبقى أنا لعنة ولّا لأ؟ يبقى لما أقولك طلقني أنا مغلطتش!، لأني المفروض أخرج من حياتكم، طالما وجودي فيها ماجابش لكم غير الخراب والدمار يبقى خروجي منها اجباري مش اختياري يا مهدي، عرفت أنا عاوزة أتطلق ليه؟

وانهارت في بكاء حار، تخفي وجهها بين راحتيها، وبعد فترة لا تعلم طالت أم قصرت، شعرت بيد قوية ولكن في حنان، تمسك براحتيها تبعدهما عن وجهها، ليحيط وجهها بين راحتيه الخشنتين رافع وجهها إليه، فأسبلت عينيها إلى الأسفل، ليتحدث مهدي بصوت خشن قائلا:
- بصِّي لي(انظري اليّ)!..
تلقائيا ارتفعت أهدابها المبللة الى الاعلى لتطالعه بزمردتيها فاقترب بوجهه منها زارعا ليل عينيه البهيم فيهما وهو يهمس بخشونة:.

- وأنا. مفكرتيش فيّا؟ لو وجودك في حياتي هيسبب لي أي خطر حتى لو كان الموت نفسه، فأنا موافق! لأنه حياتي من غيرك مش هتفرق عن الموت حاجة! حياة أنتي مش فيها، كأني ميّت بالحياة بالظبط! وأنا عاوز أعيش ولو ساعة واحدة مش مهم، المهم أنها تكون معاكي أنتِ، صورتك تبقى آخر صورة أقفل عليها عينيا، وصوتك آخر حاجة تسمعها وداني، وحضنك يبقى آخر دفا أحس بيه، غير كدا ميلزمنيش يا لبنى!..

لابد وأن يكون قلبها قُدّ من صخر إذا لم تؤثر فيها كلماته النابعة من أعماق قلبه ونظراته التي تشع صدقا وحرارة! ولأنها لا تملك قلبا حجريّا بل ما بين حنايا ضلوعها يئن شوقا لمن ملك عليها أنفاسها، فما إن انتهى من كلماته حتى كانت تلقي بنفسها بين ذراعيه منخرطة في بكاء حار وذراعيها تحوطانه بقوة بينما يضمها هو بقوة أشد غارزا أنامله بين طيات خصلاتها الثائرة دافنا وجهها في كتفه وهو يهمس بصدق:.

- طول ما فيّا نفس عمري ما هسمح لأي حاجة أو أي حد أنه ينزّل دمعة من عينيكِ، دموعك دي غالية أوي عندي، ووعد منِّي أحمد ونهاوند وأخواتهم كمان. هيتربوا بيننا، أحمد ابني، ومش أنا الأب اللي يفرّط في ضافر ابنه مهما حصل...

أبعد رأسها محيطا وجهها بيديه القويتين متابعا بينما عيناها تنظران إليه بلهفة وأمل:
- ولادنا هيكبروا وهنفرح بينهم، ونشوف ولادهم وولاد ولادهم أن شاء الله، بس عاوزك تثقي فيّا، واوعي تخافي، عاوزك قوية دايما، قوّتك دي هي أول حاجة شدتني ليكي، مش عاوزها تضعف أبدا. اوعديني يا لبنى.

رفعت وجهها إليه تجيبه بصدق مسّ شغاف قلبه: - أوعدك يا حبيبي. قوّتي دي أنا ب أستمدها منك أنت، من حبك ليا ووجودك في حياتي، بس اوعدني أنت كمان أنك تخلِّي بالك من نفسك، أنا مقدرش أعيش لحظة واحدة من غيرك يا مهدي، من غير ما أحس بأنفاسك حواليا، اوعدني.

طوّقها بذراعيه يضمها قريبا من قلبه وهو يقول دافنا أنفه بين طيات شعرها يستنشق عبيرها الأخّاذ:
- اوعدك حبيبتي. اوعدك...
بينما لمعت عيناه ببريق مخيف، فقد آن الأوان ليعلم ابن المسيري أن عائلته وخصوصا لبنى زوجته خطًّا أحمر ممنوع المساس بهما ولو من بعيد، وأن تجاوزه لهذا الخط سيكلّفه غاليا، بل أنه قد يدفع حياته ذاتها ثمنا لتطاوله على ملكيّته هو الخاصة!

مالت على حماتها الجالسة بجوارها تهمس لها: - أنا خايفة يا ماما نكون اتسرعنا لما جينا، أنت عارفة هشام رفض إزاي لما قلتي قودامه اننا عاوزين نزور ليلى؟

أنعام بهمس مماثل وتصميم على ما انتوته: - يرفض زي ما هو عاوز، لو نسي أني أمه أنا ما نسيتش أنه أبني وحقي أعرف أيه اللي يخليه يسيب مراته بعد خمس سنين جواز وقبلهم سنة خطوبة! فكرك أنا صدقت كلامه الخايب أنه ما فيش نصيب؟، الكلمتين دول يضحك بيهم على عقل واحدة مش عارفة لكن أنا أكتر واحدة أعرفه كويس وأعرف أد إيه هو كان ملهوف على ليلى من يوم ما شافها في فرح صاحبه وإزاي فضل وراه لغاية ما عرف هي مين وراح خطبها واستناها لم خلصت كليّتها زي أبوها ما اشترط عشان كانت آخر سنة في الجامعة، وهو اللي عمر ما حد مشّى عليه كلمة، ويوم الفرح وسعادته زي ما يكون طاير من الفرح، إيه اللي حصل وصّل الموضوع بينهم للطلاق؟

هزت منال كتفيها بجهل حينما قاطعهما صوت والدة ليلى وهي تقول بهدوء: - قلت لها يا ست أم هشام وجاية حالا.
أنعام بابتسامة عتاب: - أنا كنت مستنية منها تكلمني تطمن عليّا، لكن لما ما سألتش قلت أسأل أنا مهما كان ليلى غلاوتها من غلاوة هشام ابني تمام، وربنا العالم...

أم ليلى بلوم: - ما تأخذنيش يا أم هشام، لكن بعد اللي حصل كانت هتكلمك إزاي؟ مش كفاية أنها صابرة وساكتة و...

ماما! ، صيحة استنكار أسكتت والدتها لتقطب أنعام وهي تطالع منال بنظرات تساؤل وحيرة، قبل أن تنتبه لتلك الشابة السمراء التي دلفت ترحّب بها وبمنال، وما أن جلست حتى قالت والدتها بعدم رضا وهي تنهض:
- أهي عندك أهي يا أم هشام، اعرفي منها اللي أنتي عاوزاه، عن إذنكم أنا هقوم أعمل الشاي.

وانصرفت أم ليلى، بينما التفتت أنعام لكنّتها قائلة بعتاب حان: - بقه كدا يا ليلى؟ دا أنا بقول ربنا عوّضني عن البنات بيكي أنتي ومنال تقومي تسيبني كدا وما تسأليش عليا كمان؟

ليلى بأسف: - معلهش يا طنط، لكن بعد اللي حصل بيني أنا وهشام مينفعش أني أكلم حضرتك، هيفتكر أني بجرّ ناعم عشان عاوزة أرجع له تاني!

قطبت أنعام وقالت بتفكّه: - طب وماله، ما أنا عاوزاكي ترجعي له تاني.
ليلى نافية بقوة: - لا طبعا!

لتزداد عقدة جبين أنعام عمقا وتقول بحيرة: - ولا ليه يا بنتي؟ دا المصارين (الامعاء) في البطن بتتخانق، دي تلاقيها أكيد ساعة شيطان وراحت لحالها وأنا متأكدة أنه هشام وقتها ما كانش واعي للي بيقوله أنتي عارفاها في غضبه بيكون عامل إزاي، ويا ما قلت لك الست الشاطرة تبعد عن جوزها وقت ما يغضب خصوصا لو كان زي ابني غضبه بيبقى نار على زيت حار!

نظرت اليها ليلى وقالت ببرود: - بس يا طنط هشام ما طلقنيش في ساعة غضب. لأ! أنا اللي طلبت الطلاق منه وصممت عليه كمان!

شهقت أنعام بصدمة بينما اكتفت منال برفع حاجبيها تعجبا لتلتفت بعدها الى حماتها التي هتفت باستفهام حائر معاتب:
- إيه؟! ليه كدا يا بنتي؟ دا كله إلا خراب البيوت؟!
ليلى بحدة طفيفة: - خراب البيوت مش أنا السبب فيه يا طنط، وبعدين مش لما يبقى فيه بيت الاول يبقى يتخرب!

أنعام بلوم: - هييه! اخص عليكي يا ليلى يا بنتي، هو بيتك مع ابني دا مش بيت! دا هشام زينة الرجالة كلهم، هو فيه زيّه؟!

ليلى بحنق: - الراجل مش بالكلام يا طنط، لازم يكون مراعي بيته ومراته اللي لهم الحق عليه قبل أي حد!
أنعام مقطبة بغير رضا: - وهو ابني كان داس لك على طرف في إيه ولا منع حقك في إيه؟
هتفت ليلى بنفاذ صبر واضح: - كفاية أنه منع عني حقي أني أكون أم!
شحب وجه أنعام بينما قالت منال والتي تدخلت لأول مرة في الحديث فلم تشأ التدخل في الكلام فالأمر مهما كان محصور بين حماتها وسلفتها:.

- ليه يا ليلى تقولي كدا؟، الخِلفة دي رزق بتاع ربنا!
ليلى بيأس: - وأنا ما قولتش حاجة، لكن لما العيشة نفسها كمان تكون صعبة واللي معاك مش بيبلّ ريقك بكلمة يبقى أستحمل ليه؟ مش كفاية أني صابرة أني أتحرم من أحلى حاجة هو أني أكون أم؟ لا. عاوز كمان يتحكم فيّا وفي حياتي، زي ما يكون اشتراني!

أنعام بصوت بارد: - وأنتي ماسكاها عليه زلّة قلة الخِلفة؟ عاوزة تكسري عينه بيها؟!
حاولت منال تهدئة حماتها قائلة: - يا ماما ليلى ما تقصدش...
أنعام بصوت حاد باتر: - لا تقصد يا منال!، مش شايفة طريقتها؟!
قاطعتها أم ليلى وهي تدلف تحمل صينية الشاي التي وضعتها فوق الطاولة الصغيرة قبل أن تجلس بجوار ابنتها وتقول:.

- بنتي ما غلطتش يا أم هشام، ولو أنتي حقّانية هتقولي لابنك أنه هو اللي غلطان! فيها إيه لما تصمم أنها تشتغل؟ هو طول الوقت في شغله وهي يا حبّة عيني بين أربع حيطان لوحدها، وما فيش حتة عيّل يملا عليها حياتها، وبنتي طلعت أصيلة وما رضيتش تسيب جوزها زي ما كتير بيعملوا عشان تبقى أم، يبقى لما تفكر تشتغل المفروض.

قاطعتها أنعام بجدية صارمة وهي تطالعها بنظرات قوية: - المفروض إيه يا أم ليلى؟ المفروض أنه يطاطي راسه ويحمد ربنا أنه بنت الأصول صابرة عليه ويوافق على اللي هي عاوزاه زي ما تكون كاسرة عينه بحاجة مالوش يد فيها؟

زفرت أم ليلى بغير رضا وقالت باستياء وهي تشيح بوجهها: - أنا ما قولتش كدا يا أم هشام، لكن ما تزعليش مني، ابنك يا ختي فاكر بنتي عسكري من اللي بيشتغلوا تحت إيده، عاوز يؤمر وهي تنفذ! بنتي ما غلطتش لما فكرت في نفسها وفي حياتها، وبعدين هي كانت عملت إيه يعني؟ اتشغلت بشهادتها اللي من ساعة ما أخدتها وهي مركونة في الدولاب، مدرّسة رياضة أد الدنيا وفي مدرسة قريبة من بيتها، وكل دا عشان ما يحسش أنها قصّرت في حقه وحق بيته، يبقى جزاتها البهدلة اللي بهدلها لها دي؟

أنعام بتوجس وريبة: - هو أنت اشتغلتي من غير ما تشوريه يا ليلى؟

ليلى بغضب: - لا استأذنته، بس ابنك مش بيسمع غير لنفسه وبس، رفض من غير تفاهم، وكل مبرراته أنه مش بيحب مراته تشتغل، عاوزها تتصان في بيته، ولما حاولت أتناقش معه قفل أي باب للكلام بيننا، وأدّاني أوامره زي ما أكون بشتغل عنده في المباحث، بس أنا يا طنط انسانة وليا كياني، هو رفض في حاجة تخصني أنا بالدرجة الأولى، وزي ما أنا أثبت أني شارياه هو واستغنيت أني أكون أم هو كمان كان لازم يثبت لي أنه شاريني، لكن هو حط لي العقدة في المنشار، أختار بينه وبين شغلي.

أنعام بجمود: - وطبعا اخترتي شغلك؟
ليلى بقوة: - أكيد! أختار واحد مش مقدر تضحيتي ليه؟ كفاية أنه حياتي معه كلها أوامر، زي ما أكون دخلت الجيش مش اتجوزت!..

زفرت بيأس وتابعت: - يا طنط اللي يخلي الواحدة تتنازل عن أمومتها أنه الراجل اللي معها يعوضها بحبه وحنانه عن أي حاجة تانية، واسمحي لي، مش هنكر أنه هشام طيب وحنيّن، بس طباعه صعبة أوي يا طنط، أنا بحس أنه مش عاوز يقول لي كلمة حب لايكون دا ضعف منه، حياة ناشفة وصارمة، ولما حاولت أني ألاقي حاجة تعينني عليها استخسرها فيّا!

أنعام ببرود تام: - لا يا ليلى يا بنتي، أنا أكتر واحدة عارفة هشام ابني كويس أوي، جايز زي ما قلتي أنه مش بيعبّر ولا بيتكلم لكن مش معنى كدا أنه مش بيحس!، لا يا بنتي، بس الرّك على الست، الست الشاطرة هي اللي تعرف إزاي وامتى تخلّي جوزها ينطق ويقول، وانتي معلهش يعني. افتكرتي أنك مسكتي على هشام زلّة إكمن التأخير في الخِلفة بسببه هو، وغلطك الكبير أنك خليتيه يحس بكدا، وكأنك بتقولي له حاجة قصاد حاجة، أنا سكت على قلة الولاد وأنت تسكت على موضوع شغلي، ويا ريتك حاولتي تتفاهمي معه بالراحة لأ، دا انتي حطيتيه قودام الأمر الواقع، بس مش هشام ابني اللي تنفع معه الطريقة دي، هشام كرامته قبل أي حاجة، الكرامة اللي معرفتيش أنتي يا مراته تصونيها!

وقعت كلمات أنعام على ليلى كالماء البارد لتتابع أنعام بقوة وهي تهمّ بالوقوف: - للأسف يا ليلى، أنتي ضيعتي راجل بجد من بين ايديكي، ومش بقول كدا عشان ابني. لأ! بس انتي هتعرفي قيمته بس للأسف هيبقى الوقت فات، لأني عارفة ومتأكدة أنه هشام ولو روحه فيكي عمره ما هينسى ولا يسامح أبدا أنك عايرتيه بحاجة مالوش يد فيها.

نهضت أنعام بمعاونة منال التي أمسكت بيدها فقامت أم ليلى بدورها في حين أردفت أنعام بأسف:
- يا ريتني سمعت كلامه وما جيتش، أنما هقول إيه. لله الأمر من قبل ومن بعد، لله الأمر من قبل ومن بعد. ياللا يا منال يا بنتي.

أم ليلى ببرود: - ما شربتوش الشاي يا أم هشام.
أنعام بجمود: - كفاية اللي شربناه يا أم ليلى...

وخرجت مع منال وساقيها لا تكاد تحملانها، وطوال الطريق ومنال تحاول تبادل الحديث معها ولكن أنعام لم تستجب لأيٍّ من محاولات منال والتي كفّت عن ذلك في الأخير، حتى وصلت بهما سيارة الأجرة الى المنزل، فنفحته منال نقوده، وساعدت حماتها على الترجل، ليدلفا الى البناية، وما أن وصلا الى طابقهما وقبل أن تفتح منال باب المنزل أمسكت أنعام بيدها ومالت عليها قائلة بحزم:.

- هشام ميعرفش أحنا روحنا فين انهرده، ماشي يا منال؟
أومأت منال موافقة وهي تقول: - حاضر يا ماما.
فتحت باب المنزل وأشارت لحماتها بالدخول وهي تقول: - اتفضلي أنت يا ماما على ما أروح أجيب فريد من عند يارا.
دلفت أنعام الى المنزل بعينين قد تحجرت فيهما الدموع ليلفت انتباهها صوت ابنها قائلا:
- كنتي فين يا ماما؟ جيت من برّه إتفاجئت أنه محدش موجود، لا انت ولا منال ولا حتى فريد!

التفتت أنعام الى ابنها، وتقدمت منه حتى وقفت أمامه ورفعت يدا قد تغضن ظاهرها وقالت بابتسامة فيما هي تحارب دموعها من الانهمار:
- معلهش يا حبيبي، واحدة جارتنا بعافية شوية خدت منال وروحنا زورناها، وما كانش ينفع ناخد معنا فريد أنت عارف طفل هيعمل صوت والست تعبانة، فراح عند جيراننا، أكلت حبيبي ولا أحضر لك لقمة سريعة كدا؟

ابتسم هشام وقال بهدوء: - لا يا أمي، أكلت حاجة بسيطة كدا وأنا في الوزراة.
أزاحت أنعام يدها وقالت باهتمام: - الوزارة! أنت جاي شغل ولا أجازة؟
هشام بنصف ابتسامة: - ابنك اترقى يا أم هشام، بئيت العقيد هشام، وهستلم شغلي من بكرة ان شاء الله.
أنعام بفرحة: - اترئيت؟ مش تقولي وتفرحني يا بني؟!

هشام بهدوء: - دا سبب نقلي من أسيوط، نقل وترقية عشان نجاحي في القبض على خلية ارهابية كبيرة هناك، دعواتك بقه يا أم هشام...

أنعام وهي تفرد يديها ناظرة الى الأعلى: - ربنا ينجّح لك المقاصد يا بني دايما يا رب، ويوقف لك ولاد الحلال ويكفيك شر ولاد الحرام...

صوت أنثوي هتف: - اللاه. اللاه. وأنا ماليش من الحب جانب يا ست الكل؟
التفتت أنعام لمنال التي دلفت تحمل ابنها النائم على كتفها وقالت بحنان أمومي طاغي لهذ الابنة التي لم تنجبها:
- أنتي؟! دا أنتي ليكي الحب كله، ربنا يبارك لك في ابنك ويفرحك بيه يارب.
تقدمت منال حتى وقفت بجوار حماتها وقالت بصدق: - يا رب يا ماما يا رب...
هشام بهدوء وهو يمد يده لتناول فريد: - عنّك...

ليحمل فريد دون أن ينتظر سماع كلمة منها، وما أن همّ بالتوجه به الى غرفته حتى وقف متسائلا بتقطيبة خفيفة:
- بس مش عاوزين فريد يضايق الجيران يا منال.
أنعام ببساطة: - مين يارا وأسامة؟ دا روحه في حاجة أسمها أسامة، وهما روحهم فيه!
هشام باستفهام: - عيالهم قدّه كدا؟
منال بهزة نفي بسيطة: - لسّه ربنا ما رزقهمش!

أغلقت تعابير وجه هشام وقال ببرود وهو يستأنف سيره الى الداخل: - يبقى من الأفضل أنك تخلي بالك من ابنك، البني آدم مهما كان تقيل!
وغاب عن ناظريها فيما طالعته هي بذهول وهي لا تدري أتشفق عليه بعدما سمعته من ليلى أم تصرخ فيه أن يحتفظ برأيه لنفسه؟ وفي الأخير لم تقم بهذا أو ذاك، بل انصرفت لتحضير الطعام وهي تخبط كفا بكف!

دلف بخطوات قوية الى مكتب السكرتارية وكان الأمن بالأسفل قد سأله عن وجهته ولمظهره القوي الذي يجبر الآخرين على الرضوخ له أفسحوا له الطريق بعدما علموا أنه قد أتى لمقابلة صاحب المجموعة التجارية خصيصا.

نهضت السكرتيرة الخاصة برئيس هذا الصرح التجاري وقالت بعد أن شاهدته وهو يتجه ناحية غرفة المكتب الخاصة برئيسها:
- حضرتك رايح فين؟
لتبتعد عن مكتبها وتركض لاحقة به وهي تهتف: - يا فندم مينفعش كدا، طيب فيه معاد سابق؟ حضرتك.

ولكنه كان قد فتح الباب بقوة ارتجت لها الجدران، ليتوجه من فوره إلى ذاك القابع خلف مكتبه الضخم يطالع لما بين يديه من أوراق، ليباغته برفعه من مقدمة ثيابه فيما السكرتيرة فقد هرعت الى مكتبها تطلب الحرس للصعود حالا الى مكتب. شريف بيه...

هدر مهدي بشراسة بينما يقبض بتلابيب ثياب شريف بقوة كادت تزهق أنفاسه: - لو قرّبت من مراتي تاني، أو حاولت توصلها بأي طريقة، تبقى حفرت قبرك بإيدك...

ليتركه دفعة واحدة فترنح شريف وما أن تمالك نفسه حتى عاجله مهدي بلكمة قوية كادت تطيح بأسنانه بينما نزف أنفه والذي أصابته قبضة مهدي الحديدية والذي هتف محذرا شاهرا سبابته بتهديد:
- دا مجرد تحذير، المرة الجاية صدقني. مش هخلّي فيك حتة سليمة، هيبقوا محتارين يلموُّك إزاي؟!

دلفت الحرس الأمني خلف السكرتيرة ليندفعوا للامساك بمهدي والذي نهرهم بعنف صائحا: - ابعدوا من وشّي...
فتبعه صوت شريف المكتوم: - سيبوه (اتركوه)!
رمقه مهدي بنظرة كره وازدراء أخيرة قبل أن ينصرف بقوة وشموخ، بينما ارتمى شريف فوق المقعد وهو يسعل مراقبا لاختفاء مهدي ليهمس بشرّ بعدها:
- مش هسيبها لك يا ابن العايدي، يا أنا، يا أنت!

كان يقف أمام مرآة الزينة في غرفتهما يعقد ربطة عنقه عندما دلفت هنا وهي تمسك بهاتفها المحمول في يدها تطالعه بشرود، جعل طارق الذي وقف يراقب صورتها المنعكسة أمامه يتساءل:
- مالك يا هَنا؟، فيه حاجة؟
رفعت هَنا عينينها العسليتين وقالت بشرود: - مش عارفة يا طارق، بس حاسّة أنه فيه حاجة حصلت في مصر وماما مش عاوزة تقولي!..

أبتعد طارق عن المرآة وارتدى سترته قبل أن يقترب منها ويقول محيطا ذراعه بكتفيها: - هيكون فيه إيه بس؟!
نظرت اليه هنا مقطبة وهي تقول: - مش عارفة! أنما ليه عندي إحساس أنك أنت كمان عارف حاجة ومخبيها عليّا؟
أزاح طارق ذراعه وهرب بعينيه بعيدا عنها وهو يقول بابتسامة مضطربة: - أنا! هيكون فيه إيه يعني؟
هنا وهي تطالعه بقوة: - معرفش، أنت اللي هتقولي! إيه اللي حصل في مصر يا طارق أنا معرفوش!

همس طارق بتعب: - أنا قلت أنها مش هتسكت إلا لما تعرف!
قطبت هنا قائلة: - أنت بتقول إيه؟
طارق بزفرة طويلة: - هقولك يا هنا!
شهقت هنا بغير تصديق وهتفت وهي تقفز واقفة: - أنت بتقول إيه يا طارق؟ أونكل أدهم!
وقف طارق بدوره وقال مواسيا: - عشان كدا مامتك وصيتني أنك متعرفيش، عشان عارفة أنتي أد ايه هتزعلي وتقلقي من اللي حصل!

التفتت اليه هنا وهتفت بعتاب: - ودي حاجة مش تضايق في رأيك؟ إزاي معرفش من وقتها؟
طارق بصبر: - يعني يا حبيبتي كان في إيدك أيه تعمليه؟
هنا بقوة: - أكون جنبهم!
كرر طارق بدهشة: - تكوني معهم!
نظرت اليه هنا وقالت بهدوء: - آه، دي أقل حاجة، عموما احنا لسه فيها، ي ريت تحجز لي على أول طيارة نازلة مصر أنا وشهد طبعا.

طارق بغير رضا: - ولازمته إيه السفر؟..
كانت هنا تتجه الى غرفة الثياب الملحقة بغرفتهما لاحضار حقيبة السفر عندما طرق سؤاله سمعها فوقفت لتستدير اليه نصف استدارة وتنظر له من فوق كتفها قئلة بشبح ابتسامة ساخرة تحمل بين طياتها مرارة وأسى:
- غريبة. مع أنه كان بيتهيألي أنك هتنبسط أني أخيرا هسافر، عشان تكون على راحتك على الأقل!

قطب طارق وازدرد ريقه بتوتر ملحوظ فضحته حركة تفاحة آدم المهزوزة قبل أن يقول بتساؤل ساخر:
- راحتي؟!، وإيه هي راحتي لما تسيبوني وتسافروا؟
هنا بجمود قبل أن تختفي داخل الغرفة: - معرفش، اسأل نفسك!
همّ طارق باللحاق بها عندما أوقفه رنين هاتفه الشخصي فرفعه ليطالعه اسما جعله ينفخ بتوتر وضيق قبل أن يستقبل المكالمة وهو يتجه ناحية الباب:
- آلو...
ليجيبه الطرف الآخر بصوت كله دلال ونعومة: - أهلين حياتي.

طارق بابتسامة خفيفة وهو يفتح الباب ليخرج: - أزيك...
أجابه الصوت الأنثوي برقة ونعومة: - كانّك بعدك بالبيت ما روحت الشُّغُلْ؟
طارق باقتضاب وهو يدلف خارجا: - لا. نازل دلوقتي...
ضحك الصوت قائلا: - طيب كويس أني لحجتك، ترى يا طويل العمر أنا عازمتك اليوم على الغدا، ايش رايك؟..

حاول طارق الرفض قائلا: - معلهش يا مشاعل اعذريني أنا...
قاطعته مشاعل بحزن: - كدا يا طاروجتي؟ ايهون عليك مشاعل ترفُظ (ترفض) لها طلب؟ أنا أبي أشوفك، أتغذى معكْ، أسولف (أتكلم) ويّاك، صار لنا زمان ما جلسنا وَيّا (مع) بعضنا...

زفر طارق بتعب وقال: - عارف يا مشاعل، بس أنتي كمان عارفة ظروفي وأنه أنا.
هتفت تقاطعه بحرارة: - يا عمري أنت عارفة كل اللي بتجوله (تقوله). بس أنا مش طالبة كثير، بس نتغدى سوا ولو ساعة واحدة حبيبي، ممكن؟

تنهد طارق عميقا قبل أن يقول باستسلام: - تمام مشاعل، في نفس المكان. سلام!
وأنهى المكالمة ليقف مترددا للحظات هل يعود ليفهم معنى كلمات هنا التي يخشى منها أم ينصرف وكأنه لم يحدث شيء؟ ليختار الحل الثاني ويغادر تاركا قلبا يبكي ألما من خيانة حبيب يظن أنها غافلة عنه بينما هي تعلم عن خيانته لها مع تلك العربية المغتربة ومنذ زمن طويل!

على الناحية الأخرى من الهاتف وبعد أن أنهت مشاعل مكالمتها الهاتفية مع طارق التفتت لها مريم صديقتها وقالت بلوم:
- أنا اللي أبغى أفهمه. ايش عاجبك فيه؟ ريّال متزوج وعنده ولد وحرمته ماشاء الله ايش زينها، ليش مصرّة تخرّبي حياتهم ليش؟

انتفضت مشاعل صارخة: - مريمووه أووش! أنت ايش دخّلك بحياتي؟ أنا حرة. ما تنسي أني مشاعل بنت حمد ال، أكبر عوايل الكويت، وألف من يتمنوني.

مريم باصرار: - أنتي جولتيها بلسانك، ألف من يتمنوّكِ، ليه إصرارك على طارج بالذات؟
مشاعل وهي تهز كتفيها بغرور وترمي بخصلات شعرها الاسود الناعم الطويل التي افترشت كتفها الى الوراء:
- هاذاكي جولتيها ألف من يتمناني، لكن. هو. لأ!
قطبت مريم وتساءلت بريبة: - ما أني فاهمه!

مشاعل بعينين تبرقان كحجر الالماس الاسود: - فاكرة أول مرة شوفنا بعض فيها؟ كانت في حفلة للجاليات العربية، وقتها لفت نظري بشياكته ووسامته، بس هو ما اطّلع عليّ ولو بطرف عين، كانت زوجته معاه، عينيه ما كانت شايفة غيرها، ودا الشيْ اللي خلّاني أصر عليه، إيش فيها زيادة عنّي؟ بالعكس أنا أصغر منها، غير أنه جمالي عربي أصيل مو زيّها لا منها مصري ولا منها أجنبي!

زفرت مريم بيأس وقالت: - يا بنت الحلال والله ما يصير! أنا بالاول فكّرت عشان من وقت ما جينا ندرس بالسوربون وأحنا مالنا علاقات قوية مع حد، مع أنى كنت بتعجب منك لما بيحاول أي طالب من المغتربين متلنا أنه يتعرف عليك وانت تصديه بمنتهى الغرور، فكّرت يمكن عشان فيصل ابن عمك اللي منتظر أنك تنهي دراستك وترجعي عشان يتمم جوازكم.

قاطعتها مشاعل برفض قوي: - يّخسى!، ما بجى إلا فيصلوه هو الثاني. شوفي يستحيل أني أتجوزه ولو انطبجت السما على الارض، ولو على طارج فمالي شغل. زوجته هي اللي مهمّلته، ولا لو انها مراعيته ومهتمة فيه ما كان التفت لغيرها مهما كان الاغراء قوي، لكنها تاركاته (تركته). كل مرة كنت بحاول أقرب منه فيها كنت بحس فيه بعطش ريّال لاهتمام حرمة فيه، وما أنكر أنه لفت نظري باسلوبه ووسامته، شخصية قوية متل طارج لازم له شخصية تضاهيه قوة متلي، مو واحدة ظعيفة منين بيحطها بتنحط!

مريم بتساؤل حانق: - وانت ايش درّاك أنها ظعيفة ولا خانعة؟! مشاعل ما تنكري أنك انتي اللي ركظت وراه لين ما كلمّك، معناتها أنه خايف على زعل زوجته وبيحبها، تعتقدي الآن لو عرفت شنو (إيه) بيكون ردة فعلها؟

ضحكت مشاعل بخبث: - مو يمكن اتكون عرفت فعلا؟
قطبت مريم وقالت بريبة: - يعني.
مشاعل وهي تنهض واقفة: - مريم أنا يدوب أجهز نفسي عشان ما أتأخر على طارج، عارفته زين أكره ما عليه التأخير بالمواعيد.

لحقت بها مريم وهي تقول: - صِبري مشاعل، انتي ناسية فيصل اللي اتصل أمس وجال أنه جاي هو وأبوكي برحلة اليوم المسا؟

مشاعل وهي تضع ثياب الخروج فوق الفراش: - ما يهم، أنا ما راح أتأخر، بالكثير على المغرب هكون موجودة ان شاء الله، مع أني مش رايدة أشوف فيصلوه ولا أطالع بويهه (وجهه). لكن شو أسوي. عشان أبوي بَنطم وبسكُت!

نفخت مريم بضيق وهمست بتعب وهي تشاهد مشاعل وقد بدأت بتحضير نفسها للخروج: - الله يستر بس. جلبي ناقزني. عندي احساس أنه جيّتهُم المرة هادي وراها إنّ. ويا خوفي من إنّ هاذي(هذه). ومن جنونك يا بنت عمي!

هبّت واقفة وهي تصرخ بهلع في الهاتف وقلبها تكاد تتوقف دقاته: - انت بتقول إيه يا متر؟..
لحظات ونظرت الى الوجوه المحدقة بها حولها ليسألها محمود بقلق وريبة: - إيه اللي حصل يا تاج؟
ريتاج بشفتين ترتجفان ووجه في بياض الأموات وهي تشعر بأنها ستلفظ أنفاسها بين دقيقة وأخرى:
- أدهم. أدهم واحد من المساجين اتهجم عليه، واتنقل لمستشفى السجن في حالة خطر!

وارتفعت صيحات الرعب والاستنكار بينما خوف قبض بتلابيب قلبها بأن أدهمها يقبع الآن بين يديّ. القدر!..

كان أول من تحرك هو مراد والذي لاحظ شحوب والدته الشديد ليتلقفها بين ذراعيه قبل أن تتهاوى ساقطة، فيما هرع نزار لمهاتفة الطبيب كي يحضر حالا، بينما حملها مراد الى الطابق الأعلى، وما هي الا دقائق حتى حضر الطبيب وكانت مها ورندا وهمس ولبنى وريما وشمس برفقة ريتاج في الغرفة، وبعد أن طلب منهم الطبيب مغادرة الغرفة ولم يبق معها الا رندا ومها وما أن انتهى من فحصه حتى قال بمهنية:.

- ما تقلقوش، ان شاء الله خير، كل الحكاية ارتفاع مفاجئ في ضغط الدم، هو اللي عمل فيها كدا، يا ريت حد يجيب لي الأدوية دي عشان أقدر أديها الحقنة اللي هتنزل الضغط.

وفي غضون دقائق كان عصام قد انصرف سريعا بوصفة الطبيب ليعود حاملا الدواء حيث رفض الاتصال بالصيدلية لارسال الدواء مفضلا أن يذهب بنفسه توفيرا في الوقت.

حقن الطبيب الدواء لريتاج، وأخبرهم أنه ما أن يبدأ مفعول الدواء حتى تتحسن حالتها، ونصحهم بوجوب ابتعادها عن أي انفعال سواء سار أوضار.

لزمت مها ورندا جانب ريتاج بينما تجمع الباقون بالاسفل، وقف مراد يهتف بحنق: - يعني وبعدين، اللي بيحصل دا كتير أوي، إزاي حد من المساجين يتهجم على بابا؟ احنا في فيلم عربي ولا إيه؟

نزار محاولا تهدئته: - اهدى يا مراد يا بني، لازم تهدى عشان نعرف نفكر، واضح أنه فيه حد عاوز يأذي أدهم بأي شكل...

إسلام بغيظ: - فيه غيره شريف الزفت!
هتفت شمس بحرقة: - أنا مش قادرة أفهم إيه اللي بينه وبين بابا بالظبط؟ ليه بيعمل فيه كل دا؟ مش كفاية الصحافة الاعلام كمان عاوز يقتله؟!

محمود بقوة: - أنا طلبت وقف نشر في القضية بس للأسف قالوا لي أنها قضية رأي عام وميقدروش يمنعوا النشر، أنما أنا مش هسكت، أنا متأكد من براءة أخويا، وأي واحد قال في حقه كلمة وحشة هيدفع التمن عشر أضعاف...

همس بجدية: - أنا اتفقت مع يارا وأسامة وكم واحد من زمايلي أننا نعمل حملة اعلامية كبيرة، نرد بيها على الحملات التانية اللي واضح جدا أنه الغرض منها تشويه سمعة خالو أكتر، وتقليب الرأي العام ضده...

هتف نزار بفخر: - هايل يا همس...
نظر اليها مراد وقال بلا تعبير: - أنا بقه أعتقد أننا المفروض نركز أننا نثبت أنه شريف الكلب دا هو اللي ورا كل اللي بيجرى لنا.

تدخل عصام قائلا بحزم: - المعلومات اللي جات لنا من عند سعيد الكيلاني بتقول أنه فيه طرف تالت هو همرة الوصل بينه وبين الكلب شريف، كلامه في التليفون يوم ما كنا عنده بعد ما مشينا معناه أنه خاف، وطالما خاف يبقى هيغلط. ووقتها هتبقى فرصتنا...

إسلام بتفكير: - طيب مش ممكن نسرّع أحنا بالغلطة دي؟
عصام بنصف ابتسامة ساخرة: - الغلطة حصلت فعلا يا توأمي العزيز!
استرعت كلماته انتابه من حوله وفي حين هتف محمود متسائلا عن معنى كلماته هتف نزار يستحثه على الكلام ليقول:.

- سعيد باشا لما اتكلم كان من موبايل تاني. غير الموبايل بتاعه، والشخص اللي احنا زرعناه جوة بمساعدة رضا المحامي قالنا بالحرف أنه الموبايل اللي اتكلم فيه سعيد لفت نظره لونه الأسود، لأنه الموبايل العادي بتاعه لونه فضي في حين دا أسود وموديله غريب...

قطبت ريما تتساءل: - طيب ودا يفيدنا في إيه؟
عصام بجدية: - لا ممكن يفيدنا جدا، خصوصا لو كانت كل المكالمات المشبوهة بتم من عليه، فاضل بس نتأكد.

قطب مراد متسائلا: - إزاي؟
عصام ببساطة: - سهلة، من الموبايل نفسه!
نزار بعدم فهم: - أيوة يا بني، بس هتاخده إزاي خصوصا لو كان كلامك صح وأنه الموبايل دا فيه بلاويه كلها؟

عصام بغموض: - أنا مش محتاج غير ساعة واحدة بس، وبعد كدا الموبايل يرجع له ولا من شاف ولا من دري!

ريما باستخفاف: - يا سلام! دا على أساس أنه مش عامل له باس وورد!
عصام وهو يطالعها بسخرية: - فيه حاجة اسمها هكر يا بنت عمتي، وزي ما خالك الايميل بتاعه وحسابه في البنك اتهكروا. باس وورد موبايل سهل جدا أنه يتهكر!

مال محمود على أذن ابنه حتى لا يسمعه الآخرون وقال بتهكّم: - وأكيد مش هنلاقي هاكر أحسن منك، واضح أنه شغلك مع المافيا له فوايد بردو مهما كان!

لترتسم علامات الصدمة على وجه عصام ويهمس بذهول قائلا لوالده: - ما. مافيا!
زفر محمود بتعب قبل أن يقول بأمر لا يقبل النقاش: - مش وقته دلوقتي، هنقعد ونتكلم كتير بعدين بس بعد ما نخلص من المحنة اللي احنا فيها!

وابتعد عنه وتركه حائرا بينما تعصف به تساؤلات كثيرة أهمها. ترى. ما مدى علم والده بعلاقته بالمافيا؟ ومن أين له هذه المعلومات؟ ...

يسير بخطى قوية يرفع يده بالتحية لمن يقابله حتى وصل الى مكتبه فأسرع العسكري الواقف أمامه بفتح الباب له ليدلف آمرا بصنع فنجان من القهوة التركي السادة.

رفع هشام سماعة الهاتف الداخلي ليدلي ببعض كلمات أنهى على إثرها المكالمة، فجلس في مقعده الجلدي الدوّار، ما هي إلا ثوان حتى تعالى طرق على الباب فسمح للطارق بالدخول، والذي لم يكن سوى العسكري يمسك بمرفق سجين، فأمره بصرامة بأن يتركه ويرحل.

نهض من خلف مكتبه وسار حتى وقف أمام السجين والذي احتلت وجهه علامات الاجرام، من أثر لسكين غائر في وجنته، وأخرى أصغر أسفل عينه، ناهيك عن هيئته المرعبة بضخامة جسده ووجه الذي يحتل شاربه نصفه، تحدث هشام بصوت هادئ وهو يرتكز بظهره الى حافة مكتبه:
- اممم. اتهجمت عليه ليه؟
السجين ببرود: - كيفي كدا!

هشام ببرود شديد: - هسألك تاني والمرة دي عاوز إجابة واضحة، مين اللي وزّك تضربه بالسكينة اللي سرقتها من المطبخ؟!

السجين بتهكّم: - أنا مش فاهم إيه الهليلة المعمولة ليه دي؟ مش بتقولوا ارهابي؟ أهو غار في داهية، هيكون أحسن من اللي اتسبب في موتهم يعني؟!

هشام ساخرا: - وانت بقه بتحقق العدالة؟
السجين بلا مبالاة: - لا. بس بعرّفه اننا كلنا هنا زي بعض، عشان ما يبقاش يتكلم معنا من طرف مناخيره تاني!

هشام ببرود: - اسمع يا مطاوع، أنا ممكن جدا أخليك تتكلم لكن أنا مش عاوز أستعمل القوة معاك، فمن غير رغي كتير انطق وقول مين اللي خلاك تحاول تقتله وليه؟

مطاوع وهو يشيح بوجهه: - معنديش غير اللي قلته!
صرخ هشام بقوة أفزعت مطازع الذي سرعان ما تمالك نفسه: - أنت هتستعبط يا روح أمك! انت قلت حاجة؟..
ليقبض على مقدمة ثيابه وهو يردف بشراسة: - لو ما نطقتش بالزوء أنا هعرف أخليك تنطق ازاي!
ولكن مطاوع لم ينبس ببنت شفة ليهدر هشام عاليا: - مصمم يعني! طيب أنا بقه هخليك تنسى الكلام بجد، وهعرفك مين هو هشام الاسيوطي...

دفعه بقوة قبل أن يضغط على زر صغير فوق المكتب وما هي إلا لحظات حتى كان العسكري يدلف الى الداخل وبعد إدلائه بالتحية العسكرية قال هشام آمرا وهو يشعل سيجارة وضعها في فمه:
- انفخوه!، ما تسيبهوش إلا لما ينطق!
فسحب العسكري مطاوع الذي عمد الى الصراخ عاليا وأن ما يحدث له ظلم فهو لم يفعل سوى أن وضع ذلك ال أدهم في مكانه الصحيح وأثبت له أنه. بُؤ على الفاضي!..

دقائق وتعالت الطرقات على الباب ليقول آمرا: - ادخل...
دلف العسكري حاملا قهوته السوداء، ووضعها على المكتب قبل أن يعتدل رافعا يده بالتحية العسكرية ويدلف خارجا ليفتح الباب ثانية ويدلف منه. صقر، الذي ما أن رآه هشام حتى ارتفع طرف فمه في شبه ابتسامة ساخرة قال بعدها:
- أهلا صقر. عاش مين شافك.
دلف صقر مغلقا الباب خلفه وتقدم خطوات الى هشام يصافحه بقوة قبل أن يقول محاولا الهدوء:.

- حمد لله على السلامة يا هشام، سمعت انك اتنقلت جديد هنا!
هز هشام رأسه بالموافقة وقال ببساطة: - امممم. واضح انه الارهاب ورايا ورايا. تصدق سيادة اللواء فريد أمرني أني أمسك قضية أدهم شمس الدين؟!..

طالعه صقر بامتعاض ولا تزال كلمات اللواء ترن في أذنيه والتي أنّبه فيها على طريقته الفاشلة في معالجة تلك القضية الغاية في الاهمية، ليخبره ببضع كلمات آمرة أنه تم سحب القضية منه واعطائها لآخر أكفأ منه!..

أجاب صقر ببرود: - متفتكرش أنها قضية سهلة، أدهم شمس الدين دا راجل حويط، ومش بسهولة هتخليه يعترف!

هشام ببساطة: - أنا مش عاوزه يعترف!
صقر بريبة: - يعني إيه؟
هشام وهو يطالعه بجدية تامة: - أنا عاوز أوصل للحقيقة، وهوصلها!..
لتعتلي ملامح الريبة والشك وجه صقر قابلتها علامات الثقة والتحد على وجه هشام!

دلفت الى سيارتها سريعا القابعة في موقف السيارات أسفل مبنى العمل، فقد استأذنت والدها في الذهاب الى نجوان، لم تستطع تركها في هذا اليوم بمفردها، لتخبر أمها أنها سترافقها في المسجد حيث عقد القرآن وستعود بعد انتهائه سريعا، خاصة وأن نجوان قد رفضت أن تتم زواجها إلا بعد انتهاء محنتهم، فوافقت أمها فهي تعلم من هي نجوان بالنسبة لابنتها بل أنها هي تعتبرها شقيقة ثالثة لهمس وريما...

أدارت المحرك وهمّت بالانطلاق عندما فوجئت بمن يظهر من دواسة المقعد الخلفي يقول بهمس ساخر:
- اتأخرتي عليا أوي يا ريمي!
شهقت بذهول واستدارت تطالعه وهي تهتف محاولة بث الثقة في نفسها: - أنت. أنت بتعمل إيه هنا؟!
ممدوح بسخرية: - تؤ تؤ تؤ. مافيش وحشتني؟!
ريما بغلّ وعيناها تلسعانه بسياط كره قوي: - لو فاكر أني بخاف منك يبقى بيتهيألك، ولآخر مرة بحذّرك ابعد عن طريقي يا ممدوح، ماذا وإلا ما تلومش إلا نفسك!

أغمض عينيه متلذذا وهو يقول بنشوة: - اممممم، من زمان ما سمعتش اسمي من بين شفايفك الناعمين دول!
لحظة كانت كل ما تحتاجه لتستغلها، وجاءتها عندما أغمض عينيه لتفتح بابها بسرعة وتنسل مبتعدة وهي تنوي الركض لمناداة الأمن فهنا المكان مغلق وبعيد عن الأسماع، كانت تحمل حقيبتها وما هي إلا خطوتين حتى أطبقت ذراع حديدية حول وسطها وكممت يده الحرة فمها فيما صوت هامس كالفحيح قال لها:.

- شوفتي إزاي مش ممكن هتهربي مني؟ وراكي منين ما تروحي!..
ما أن أنهى عبارته حتى كانت تنشب أسنانها بقوة في راحته ليصرخ عاليا وهو يزيح يده بعيدا عن فمها مطلقا سيلا من اللعنات، لتنتهز هي الفرصة وتهم بالركض ليلحق بها حتى حاصرها بينه وبين الحائط الخرساني خلفها، ودنا منها وهو يقول بابتسامة شيطانية:
- مهما تحاولي، مش ممكن هسيبك...

ريما وهي تلهث: - ابعد عني أحسن لك، أوعى تفتكر أني خايفة منك أبدا! أنت اللي المفروض تخاف، واللي حصل زمان مش ممكن هيتكرر تاني!

ممدوح وهو يناورها كمن يناور دجاجة محبوسة في قفصها: - مظبوط، اللي حصل زمان مش هيتكرر عارفة ليه؟..
طالعته بتساؤل مرتاب فيما أكمل بثقة وابتسامة تفترش وجهه الوسيم: - لأنك المرة دي هتكوني مراتي، بالزوق، بالعافية، هتبقي مراتي. يعني مراتي!
تعالى صوت صارم يقول: - مش لو كنت راجل الأول!
التفت ممدوح بزمجرة غاضبة لتنظر ريما بدوردها الى صاحب الصوت الذي خمّنت صوته ليصدق حدسها وهي تهمس بغير تصديق:
- عصام!

بينما اقترب عصام من ممدوح الذي كشّر عن أنيابه وقد استدار بكليّته إليه وهو يهتف بغضب:
- أنا أرجل منك يا ابن الذوات!
عصام بتحد وهو ينظر الى ريما بطرف عينه: - الرجولة مش كلام يا ننوس!
نصلا لامعا جذب أنظار عصام وريما التي شهقت برعب بينما أجاب ممدوح الذي استلّ مدية من بين طيات ثيابه:
- صح، الرجولة مش بالكلام، بالفعل!

ليقفز على عصام شاهرا نصل مديته ولكن ريما كانت الأسرع لتضربه بحقيبتها اليدوية في بطنه بقوة، جعلته يميل الى الأمام، فانتهز عصام الفرصة ليهرع إلى ريما يمسك بها وهو يهتف بلهفة:
- اجري أنتي يا ريما نادي حد من السكيوريتي، بسرعة!
لم تكن ريما ابتعدت خطوتين لتفاجئ بممدوح وهو يقف يرفع مديته عاليا في وضع الرمي هاتفا بتشفّ وغلّ:
- ما تنسيش معها الاسعاف لابن الذوات!

وقذف بالمدية بسرعة فعبرت أمامها كالسهم المارق، ليرتفع لحظتها صوت طلق ناري مدوٍّ، فصرخت ريما عاليا قبل أن تهوى الى الاسفل لتسقط في بئر سحيق من الظلام!..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة