قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية إلا أنت (نساء متمردات ج3) للكاتبة منى لطفي الفصل الثامن

رواية إلا أنت (نساء متمردات ج3) للكاتبة منى لطفي الفصل الثامن

رواية إلا أنت (نساء متمردات ج3) للكاتبة منى لطفي الفصل الثامن

همهمت بخفوت قبل أن تفتح عينيها ببطء وهي تشعر بتربيته يد قوية على وجنتها وصوت رجولي يهمس بقلق ورجاء:
- ريما. ريما حبيبتي فوقي، ريما...

لتفترش وجهه ابتسامة راحة وهو يرى أهدابها ترتفع ببطء لتفرج عن زمردتيها اللتين سلبتاه طعم النوم والراحة منذ متى لا يعلم، ولكنه يعلم تماما أنه لن يستطيع العيش بسلام أن لم تكن أمامه في كل وقت، فالدقائق التي مرت منذ أن سقطت أمامه فاقدة وعيها إلى أن استيقظت الآن شعر فيها بأن قلبه على وشك التوقف عن العمل عدة مرات، ناهيك عن ذاك المجنون الذي صعق برؤيته وهو ينفرد بها، و لثانية واحدة تخيّل حياة تخلو منها، من دفئها وخفة ظلها وجمالها، حتى هدوئها الغريب عليها ذو طابع خاص مميز لها هي فقط، ليتأكد ما أن سمع همستها الخافتة الضعيفة باسمه الآن والتي تمتمتها بوهن وهي تفيق أن لا حياة له بدونها، فريما ستكون مسئوليته من الآن فصاعدا، فهو لن يطمئن عليها إلا إذا كانت في رعايته هو. ولأنه يعلم جيدا أيّ عنيدة هي، وأنها لن ترضى بسهولة بل ستقيم الدنيا ولن تقعدها إذن فهو سوف يتأكد أنها لن تستطيع الرفض مطلقا، وما أن تنتهي أزمة عمّه أدهم حتى سيبدأ بتنفيذ قراره النهائي، ولكن قبلا. لا بد له من مقابلة هامة، بل أنه لن يبالغ إذا أعدّه لقاء مصيري. تتوقف حياته كلها على نتيجته النهائية!

شهقتها التي لازمت انتفاضتها وهي تحاول النهوض من رقدتها أخرجته من أفكاره العميقة لينتبه إليها فيمد يده يمسك بيدها يسندها بينما تهتف هي بقلق عظيم وعينيها تجوبان ملامحه بلهفة لم تعيها:
- عصام. أنت كويس؟ فيك حاجة؟..
عصم بابتسامة بسيطة: - كويس يا ريما اطمني.
ريما بتساؤل حائر: - أومال إيه صوت ضرب النار دا؟

وسكتت لتردف وكأنها تذكرت: - وبعدين إيه اللي حصل لما رمى المطواة عليك؟ عصام صارحني متخبيش عليا. حد جراله حاجة؟

زفر عصام بعمق قبل أن يركز نظراته عليها قائلا بجدية: - الأمن شافوا اللي حصل في كاميرات المراقبة، وحارس الأمن هو اللي ضرب النار، أما بقه بخصوص المطواة فما قدرش يصيبني، لأني اتفاديتها على آخر لحظة، لكن للأسف أصابت حارس الأمن، ولولا أنك أغمى عليكي كان زماني جريت وراه وعرفت أجيبه، لكن للأسف اتلبخنا فيكي وفي الحارس، والندل – تلفظ بها وهو يشدد بغلّ على أسنانه – قدر يهرب، لكن هيروح مني فين؟ قسما بالله ما هرحمه!

ريما وهي تتنفس بعمق وكأن أنفاسها كانت هاربة منها واضعة يدها الصغيرة على صدرها مغمضة عينيها براحة:
- الحمد لله.
ثم فتحت عينيها وتابعت وهي تنظر اليه باهتمام تترقب اجابته: - والسكيروتي عامل إيه؟
عصام بهزة رأس طفيفة: - جات سليمة الحمد لله، أول ما وقعتي طلعتي بيكي جري على مكتبي هنا وطلبت ييجبوا لي دكتور عشان أطمن عليكي، وشافه كمان وطمني أنه جرحه مش خطير خد ست غرز.

ريما وشفتها السفلى بدأت بالارتعاش فقضمت عليها بأسنانها اللؤلؤية الصغيرة كي توقف ارتجافتها وهي تقول واحساسها بالذنب يتضاعف:
- أنا السبب، أنا لازم أشوف حل، انهرده ربنا نجاك ونجد الحارس المسكين دا، مين عارف بكرة هيحصل إيه؟

عصام بلهجة مؤكدة وهو يشد على يدها التي على ما يبدو قد نست أنها ترقد داخل راحته:
- ما تخافيش يا ريما، أنا عامل حسابي كويس جدا، والحقير دا مش هيقدر يقرب منك خطوة واحدة بعد كدا!

قطبت ريما لتنظر الى الاسفل حيث ترقد يدها كعصفور صغير باستكانة ووداعة داخل قبضته القوية الدافئة، وقبل أن تجيبه حاولت سحب يدها ليمانع في أول الأمر دون وعي منه ولكن نظرة اعتراض بسيطة مخلوطة بتساؤل وحيرة جعلته يفك أسر يدها فلا المكان ولا الزمان يسمحان بمفاتحتها بشأن القرار الذي اتخذه والذي لن يثنيه عن تنفيذه شيئا أو، أحداً!..

أجابت ريما وهي تهرب بعينيها بعيدا وقد احتلتها نظرات زائغة وقالت: - أر. أرجوك يا عصام، ابعد عن الموضوع دا، مش هستحمل حد يجرى له حاجة بسببي!
شهقت بألم شديد حينما اتقضت يده بقبضة قوية على أعلى ذراعها وهو يديرها تجاهه هاتفا باستنكار ممتزج بعدم تصديق:
- حد! أنا، حد يا ريما؟!
كانت تحاول الافلات من قبضته المؤلمة حينما غاظها بسؤاله المستنكر لتكف عن محاولاتها وتطالعه بقوة هاتفة بتحد:.

- أومال حدّاية؟! مش كفاية اللي حصل للحارس؟ أرجوك سيبني أنا أقدر أحمي نفسي كويس أوي، وعموما ممدوح أنا أقدر أقف قودامه و...

هدر فيها بعنف ضاغطا بقوة جعلتها تتيقن من أن ذراعها سيحمل ألوان الطيف غدا صباحا ولا ريب:
- ما تنطقيش اسمه! أنتي بتتكلمي عنه وكأنه صاحب أو قريب! دا بني آدم مجرم، ومش طبيعي، يعني متعرفيش بيفكر إزاي أو خطوته الجاية إيه؟!
ريما بتصلّب: - واضح كدا أنك عرفت كل حاجة عنه؟!
عصام وهو يركز نظراته على بركتي الزمرد خاصتها وبحزم خالص: - أيوة يا ريما. عرفت كل حاجة!

ريما بتقطيبة ريبة: - كل حاجة؟! وإيه هو اللي عرفته أن شاء الله؟
عصام وهو يراقب اختلاجاتها بدقة والتي تكشفها نظراتها: - أنه لو فيه حد له يد في اللي حصل دا كله وفي دخوله حياتك. يبقى أنا!..
شهقت ريما باعتراض ولكنه تجاهلها متابعا وشعور قاسي بتأنيب الضمير ينهشه بلا رحمة:.

- أنا السبب في كل اللي حصل لك! – ابتسم بسخرية من نفسه متابعا – كنت فاكر نفسي بحمي بنت عمتي الصغيرة، مش عاوزها تنساق ورا افتتان مراهقة بابن خالها، لأني كنت متأكد أنها مشاعر وقتية وهتفوقي منها، ولو فيه حد لازم يحط حد للمشاعر دي عشان مش تجرفك أكتر. يبقى أنا!

سكت لثوان في حين شحبت هي، فمنذ عودته لم يأت على ذكر الماضي أبدا، حتى أنها خيّل إليها أنه لم يحدث أن أخبرته بكل حماقة بحبها الأخرق له، واعتباره فارس أحلامها المنتظر، مما سهّل عليها التعامل معه، ولكن الآن وهو يأت على ذكر ما حدث تتمنى أن تنشق الأرض وتبتلعها فهي لا تزال تشعر بالخجل مما صدر منها، كيف بالله عليها استطاعت الجهر بحبها الغبي له، ليقابلها هو ببرود متناهي موضحا أن مشاعرها تلك ما هي إلا افتتان مراهقة سرعان ما سيزول ما أن يغيب عنها!

أعاد صوته انتباهها وهو يردف بنظرات ذات معنى خاص رفضت تصديقه: - كنت لازم أوقف مشاعرك وأفرملها، بصرف النظر عن. طبيعة مشاعري أنا!

ورفع عينيه يجابه عينيها بقوة أسرت نظراتها فلم تستطع الاشاحة بعيدا، رافضة تصديق التلميح الذي دفعه وسط كلماته! أتراه يقصد المعنى الذي وصلها؟ أيعني أنه كان ينظر لها بعين أخرى غير أنها ابنة عمته المراهقة؟!، ولكن مهلا. لما الآن؟ لماذا يحاول التلميح لها الآن بما كان يكنّه لها ذاك الوقت؟ أتراه يشفق عليها بعد أن علم بحكايتها مع ممدوح؟ وبالطبع زاد شعوره بالذنب بعد حادثة موقف السيارات منذ قليل!

ولكن، كلا، فهي لن ترضى بأي مظهر من مظاهر الشفقة والعطف، فليوفر ابن خالها المبجل مشاعره العظيمة تلك، فهي في غنى عنها، ألم يخبرها سابقا أن تنساه؟ بل كان شبه آمرا لها؟، إذن ما الجديد الذي طرأ عليهما؟ فلا يزال فارق الست سنوات كما هو لم ينقص، ولا تزال هي ابنة عمته الصغرى والذي دأب على مناكفتها بلقبها المشهور عنها آخر العنقود، فهي ليست رهن إشارته، يبعدها عنه متى ما رغب ويجذبها ناحيته متى ما أراد!، وستثبت له أنها بالفعل قد نضجت، وأن كلماته لم تثر فيها شعرة واحدة، مخرسة وبقوة الصوت الذي كان يتعالى بداخلها يخبرها بأن قلبها قد أسرعت خفقاته وهو يلمس صدق خوفه عليها، ويسمع توعّده لذلك اللعين إن عاد واقترب منها مجددا!

شحذت أنفاسها ونظرت اليه بكل ما تملك من اعتداد بالنفس أثار اعجابه الذي لم يحاول مداراته، وتحدثت وهي تسحب ذراعها من قبضته التي خفّت قائلة ببرود تام:
- اطمن. ارتباطي بممدوح مالوش أي علاقة بيك، فما فيش داعي لاحساسك بالذنب، وشيل الموضوع من دماغك، أنا هعرف أتصرّف إزاي!

عصام مكررا بتقطيبة مريبة: - هتعرفي تتصرفي! وأشيل الموضوع من دماغي!، فكرك هو دا الحل؟!
نهضت ريما ومالت تطالعه بنظرات ثابتة استفزته: - حل إيه؟ أنت اللي عاملها حكاية ومحسس نفسك بالذنب من غير داعي.
نهض عصام بدوره ووقف أمامها يسألها بتعبير غامض: - أنتي شايفة كدا؟ في رأيك أني ماليش دخل في اللي حصل؟
ريما بتأكيد: - طبعا، اللي حصل بعيد عنك تماما.
عصام بتساؤل غامض: - ولو أنا شايف غير كدا؟

ريما بهزة كتف لا مبالية: - تبقى مشكلتك مش مشكلتي!..
كتم عصام غيظه من برودها بصعوبة قبل أن يجيب ببرود: - على فكرة لو خطر على بالك أنه كلامي دا راجع لشفقة مثلا أو تعاطف مني عشان اللي حصل لك تبقي غلطانة! بصرف النظر عن أنه الشفقة والعطف و و و كلام أفلام أبيض وأسود، فموقفي دا مش سببه أبدا، لأنه عمره الشفقة ما تكون أساس متين لحياة بين اتنين!

استطاع اجتذاب انتباهها لتطالعه بتقطيبة عميقة وهي تتساءل بغير فهم: - حياة بين اتنين!، قصدك إيه؟..
عصام بغموض وابتسامة صغيرة تترقص على فمه المظلل بشارب وذقن غير حليقين: - مش وقته دلوقتي يا ريما، الأول عمي أدهم يطلع بالسلامة، وبعد كدا. صدقيني هتعرفي قصدي كويّس أوي...

طالعته بريبة محاولة سبر أغواره بينما اكتفى بنظرة غريبة أرسلت اهتزازة لسائر بدنها، فقط. من شرارة غريبة اندلعت من بين فحم عيناه المشتعل!..

لم يكد عسكري الحراسة القابع أمام غرفة أدهم يفتح لها الباب حتى أسرعت بالدخول لتقف للحظة طالعت فيها ذلك الجسد الراقد أمامها فوق فراش المرض، لتحرك رأسها يسارا ويمينا وتهتف باسمه في لوعة:
- أدهم!

وفي اللحظة التي التفت برأسه الى مصدر الصوت كانت هي تهرع ناحيته يتطاير خلفها شعرها الذي انفك من عقدته لينهمر كالشلال يغطي ظهرها ويتعدى مؤخرتها، وتلقي بنفسها عليه غير منتبهة لجرحه، تطوق رقبته بذراعيها بقوة تخالف رقتهما، بينما شهقاتها الناعمة تنسكب في آذانه، ليحتويها بين ذراعيه بكل قوته التي سمح له بها ضعفه! رفعت نفسها تقبل كل إنش يقع تحت شفتيها وكأنها تبثه حبها مع كل قبلة من ثغرها الدافئ، لتعود فتحتضنه ثانية فيهمس في أذنها مغالبا آلامه بشبح ابتسامة وهو يربت على خصلاتها المتطايرة:.

- أنا مش قلت شعرك محدش يشوفه غيري؟!
أبعدت وجهها المغضن بالدموع عن صدره وأجابته وسط شهقات بكائها الحار: - سلامتك يا أدهم، سلامتك يا حبيبي...
فيما كنت يداها تتلمسانه بلهفة حتى وصلت جانبه الأيسر ليكتم شهقة ألم خفيفة قبل أن يمسك بيدها يبعدها عنه فرفعت عينيها متسائلة:
- هنا مش كدا؟..
في إشارة منها الى طعنة السكين الغادرة فأومأ بالموافقة لتردف بتساؤل: - بس اللي حصل دا حصل إزاي وليه؟

أدهم بزفرة عميقة: - واحد من المساجين اتهجم عليا فجأة، خدني على خوانة زي ما بيقولوا، ولولا ستر ربنا كان زماني مت.

شهقت ريتاج وضاعة يدها على فمه قائلة بلوعة: - بعد الشر عليك، اوعى تقول كدا، ربنا يخليك ليا يارب.
قبّل باطن راحتها بشوق يتشمم رائحتها التي اشتاق لها قبل أن يزيح يدها لتستقر على صدره وتحديدا فوق خافقه الذي لم ينفك يطرق بقوة وكأنه يقدم تحية ولاء وفرح لصاحبته ومليكته الوحيدة. تاجه!..

ابتسم أدهم بتعب قبل أن يتابع قائلا: - الضربة جات في جنبي الشمال.
ريتاج محاولة التحكم في دموعها المنسكبة: - الدكتور بيقول أنها جات في الطحال، وانهم اضطروا يستأصلوه؟!
أومأ أدهم بالموافقة ليقول بابتسامة خفيفة: - أنا الحمد لله بئيت كويس، أهم حاجة أنك تطمني، أنا كنت هتجنن ورضا المحامي بيقول لي أنك تعبت بعد ما سمعت الخبر.

ريتاج وهي تميل عليه تحتضن رأسه برفق بين ذارعيها لتستند بصدغها إلى رأسه المكلل بخصلات بيضاء زادته وسامة:
- أنا فداك يا حبيبي، أول ما سمعت الخبر حاسيت أن روحي بتتسحب مني، فاكر لما اتعرضت تقريبا لنفس الموقف بتاعك دا من أكتر من 25 سنة، بس وقتها كنا في الغردقة. قلت لي إيه أول ما فوقت بعدها؟

نظر اليه بابتسامة بينما تابعت وهي تحتوي وجهه بين راحتيها الناعمتين: - قولت لي أنك حاسس أنك بتحلم أني قودامك وبكلمك، ودا نفس احساسي دلوقتي، حاسة أني بحلم اني قاعده معاك وبكلمك، واني ماسكاك بين ايديا.

أدهم بغمزة صغيرة: - طيب أنا مستعد أثبت لك أنه مش حلم، لا. علم، وعلم أوي كمان!
علم أن هذه هي الطريقة الوحيدة التي ستجعل حبيبته تخرج من مزاجها الحزين ولو لدقائق، وثبت صدق حدسه حين قطبت ريتاج بغير فهم للحظات ليشرق عقلها بالفهم بعدها فضحكت بغير تصديق وهي تقول:.

- سيبك أنك جد، ومش هفكرك بأدهم اللي مغلبني طول الوقت عاوز يشوفك وبالعافية أقنعناه أنك اضطريت تسافر في شغل، ومستني منك هدية كبيرة لما ترجع له بالسلامة ان شاء الله، أنما هو سؤال. انت فيك نفس؟!

قطب بغير رضا هاتفا بانزعاج واضح: - فيا نفس!، ليه شايفاهم بيلموني من على الأرض؟!
ريتاج وهي تكتم ضحكة وقد انقلب حالها 180 درجة بفضل عبث حبيبها الذكي: - بعد الشر عليك يا حبيبي، أنا قصدي أنه حالتك الصحية.
قاطعهما بتحد: - مالها؟ زي البومب! تحبي أثبت لك؟!

ريتاج باعتراض: - ت. إيه؟ لا يا حبيبي، لا تثبت لي ولا أثبت لك، أنت ناسي أنك في مستشفى وفيه عسكري واقف على الباب بره؟ دا غير أنه رضا وشمس ومراد بره عاوزين يدخلوا يشوفوك، أنا اللي صممت أني أدخل الأول...

أدهم بسخرية طفيفة: - ماشي اهربي، مسيري هطلع من هنا ووقتها مش هتقدري تهربي مني...
ريتاج وهي تحتضنه بقوة حانية محاولة الابتعاد عن الجرح: - ان شاء الله هتطلع قريب أوي...
أدهم بنظرات غامضة: - محمود جه زارني هو ونزار وعصا امبارح.
أبتعدت ريتاج وقالت: - عارفة، أنا مقدرتش، ابنك رفض اني أتحرك إلا لما الضغط يتظبط.
أدهم وهو يحتوي وجنتها بكفّه: - خلي بالك من نفسك يا تاجي، وما تقلقيش، أنا هطلع وقريب أوي.

ريتاج باهتمام: - عصم قال أنه تقريبا مسك طرف الخيط وانه قدر يوصل للطرف التالت اللي بيكلمه سعيد الكيلاني، ومش بس كدا دا نقل كل المكالمات والرسايل اللي بينهم على فلاشة.

أدهم بهزة رأس موافقة: - قالي عصام...
تاج بتساؤل: - قال لك عليها؟
نظر اليها أدهم وهو يقول بغضب شرس مكتوم: - سماح، سماح صفوان.
ريتاج بوعيد: - ما بقاش ريتاج مراد إما خليتها تندم أنها فكرت في يوم انها تقرب منك أو من حد مننا...

أدهم بهدوء لا يخلو من أمر وهو يطالعها بنظرات جدية: - تاج. أنا مش عاوزك تقربي منها خالص، ابعدي عنها، دية حية وأنا عارف هقطع راسها إزاي.

هتفت تاج باعتراض وغير رضا على كلامه: - يعني إيه يا أدهم؟ أنت فاكر أني هخاف منها؟ دي حشرة أفعصها تحت جزمتي من غير ما تهز منِّي شعرة واحدة!

أدهم وهو يحيط وجنتها براحته القوية: - عارف يا تاجي، بس أنا بعيد مش قريب منك، ومش عاوز أقلق عليكي، عارف أنك تقدري تاخدي بالك من نفسك كويس وأنهم كلهم حواليكي، لكن أنا مش معاكي يا تاجي، والاحساس أنه ممكن حاجة تحصل لك وأنا بعيد بيقتلني، ما تتصوريش أنا حاسيت بإيه امبارح ومحمود بيقول لي انك تعبت شوية عشان كدا مقدرتيش تيجي معهم، لولا أني أصريت عليه أنه يعرفني إيه اللي جرالك بالظبط ما كانش هيقول، وقتها كرهت السجن والقضبان اللي بتفصل بيننا، كان عليّا أكسّرها بأي وسيلة وأجري أخدك في حضني، عشان كدا بقولك ابعدي عنها خالص يا تاج، أرجوكي حبيبتي. ممكن؟

تاج بتذمر: - دا مش عدل على فكرة! أنت بتطلب مني وأنت عارف أنك في حالة مش تسمح لي أني أعارضك.

أدهم وهو يدفعها بين أحضانه بابتسامة خطفت أنفاسها: - اللي مش عدل فعلا أنك تكوني قودامي وبين ايديا وأنا مش قادر أطفي شوقي ليكي.
تاج بشوق مماثل: - وأنت كمان وحشتني أووي أووي يا حبيبي، عموما هانت، الحاجات اللي اكتشفها عصام هيخلي خروجك من هنا مسألة وقت مش أكتر...

همس أدهم وهو يلمس بفمه صدغها فتخدش لحيته النامية بشرتها الناعمة والتي مهما مرت عليها السنون فأنها تزداد حلاوة وطراوة: ط- عارفة. أنا المفروض أني أشكر اللي ضربني بالسكينة. لأنه عمل فيا معروف كبير أوي!
رفعت تاج عينيها اليه هامسة بتساؤل: - معروف! معروف إيه دا؟
أدهم وهو يهبط بوجهه عليها قبل أن يقتنص شفتيها في قبلة تاقت لها جوارحه كلها: - أني خرجت من السجن، ومش ناوي أرجع له تاني...

فتحت فمها لتتابع تساؤلاتها حينما ابتلع كلماتها بقبلة ضارية تحمل من الشوق الكثير ومن العشق الأكثر، ليتوه كلا منهما في حلاوة اللقاء بعد فراق أضنى روحيهما وكاد يصيبهما بالهلاك شوقا ولهفة!..

أبعدها مستندا بجبينه إلى جبهتها ليقول بعد ثوان بعد أن انتظمت أنفاسه الثائرة: - بحبك يا تاجي.
تاج بابتسامة خلبت لبّه: - بموت فيك يا أدهمي. يا أسدي الجسور...

صوت طرقات تعالت لتبتعد ريتاج من فورها عن أحضان حبيبها وتسوي ثيابها قبل أن يدلف العسكري يخبرها برغبة الآخرين بالدخول للزيارة، لتنهض بعد أن شدد أدهم على يدها مقبلا راحتها، وخرجت لتقابل ابنيها أمامها واللذان اندفعا للقاء والدهما للاطمئنان عليه، حيث ارتمت شمس على صدره منخرطة في بكاء حار، ليقول أدهم برفق:
- ليه بس يا حبيبة بابا؟ أنا كويس أهو الحمد لله.

شمس من بين شهقات بكائها المتقطع: - ألف بعد الشر عليك يا بابا. كنت هموت من قلقي عليك.
أدهم بمشاكسة مرحة وقد بدأ التعب يغزوه: - لو اسلام بيه سمعك مش بعيد يتضايق ويقول أنها راحت عليه خلاص.
شمس باعتراض وهي تبتعد عن والدها: - لا طبعا، إسلام حاجة وحضرتك حاجة تانية خالص...
مراد متدخلا في الحديث بتساؤل مرح: - طيب وأنا يا شموس؟
شمس ببساطة وهي تنظر اليه: - حاجة تالتة!

لتنطلق ضحكة متقطعة من أدهم فقد بدأ يشعر بجسده وهو يرتخي فقال مراد بقلق: - بابا أنادي الدكتور.
أدهم رافضا: - لا يا مراد، معاد الدوا قرّب وشوية هتلاقيهم جايين عشان أخده، ما تقلقش أنا كويس، المهم خلي رضا يدخل لي دلوقتي، عاوزه ضروري، وقول لعصام محتاج أشوف في أسرع وقت.

أومأ مراد بالايجاب قائلا وهو يشير لشمس بالتحرك: - تحت أمرك يا بوب، يا للا احنا يا شمس.

وخرجا ليدلف بعدها رضا، والذي جلس منصتا لما يقوله أدهم باهتمام كامل، لترتسم بعدها ابتسامة فوز صغيرة على وجهه الخمسيني وهو يفكر بداخله أن هذا الرجل الراقد أمامه يستحق أن يرفع له القبعة بالفعل، فقد أشعره أنه هو من لُقِّب ب. ثعلب المحاماة أنه أمام ذكاء لا مثيل له، بل أن دهائه يكاد ينافسه ويتفوق عليه أيضا. فهو وبخطة اعتمد فيها البساطة المطلقة سيقدر على لخروج من سجنه والزج بالمجرمين الحقيقيين وبمنتهى السهولة خلف القضبان الحديدية والى الأبد!

- اتفضلي يا ماما.
مالت يارا لتضع صينية الشاي والتي تحمل صحون الكعك المنزلي الذي قامت بصنعه فوق طاولة رخامية أمام حماتها، التي أشارت على المكان الخالي بجوارها قائلة:
- تعالي يا بنتي اقعدي بقه، هو أنا غريبة؟

جلست يارا وهي تبتسم فيما بداخلها فهي تترقب الحديث في الموضوع المعتاد وهو. الانجاب. وتدعو الله أن يلهمها الصبر، فهي تحب حماتها وتحترمها، وتتفهم وجهة نظره في رغبتها برؤية حفيد لها من ابنها الوحيد، ولكنه ليس بيدها، فهي قد تعبت من كثرة الحديث في هذا الأمر، مما جعلها تشعر باحساسين متناقضين، أحدهما الرغبة في عدم رؤية حماتها والتملص من زيارتها والتي تسفر عن توتر في علاقتها بأسامة رغما عنها، والآخر تأنيب ضميرها فحماتها مهما كان أم ترغب في رؤية أحفادها قبل انتهاء الأجل، ولكن. مهما حاولت اقناع نفسها بذلك فهي بدأ يضيق بها الخناق، وتخاف من اليوم الذي تنفجر فيه من شدة الضغط الذي تمارسه عليها بدعوى رغبتها في أن يستقر به الحال مع زوجها! ربّاه. أبعد خمس سنوات من الزواج والسعادة التي يلمسها الغريب قبل القريب لم تستقر في حياتها الزوجية مع زوجها بعد؟ ومنذ متى كانت الأطفال هي الضمان لاستمرار الحياة الزوجية؟ بل العكس. فقد يدفع الأطفال ثمن اختيار شريك حياة خاطئ أو فشل حياة زوجية، ليتحملوا هم تبعات هذا الانفصال نفسيا ومعنويا وماديا!

مالت عليها حماتها قائلة بحماس: - ها. استحميتي بالخرز زي ما قلت لك؟
قطبت يارا متسائلة: - خرز؟ أي خرز؟
هتفت حماتها بدهشة: - أي خرز؟، ايه دا يا يارا. ودي حاجة تتنسي يا بنتي؟ الخرز اللي جابته جارتي ان شاالله يخليها من الشيخه سمرة، وقلت لك تستحمي بيه بعد ما يحصل، انتي فاهماني طبعا، تقومي تقوليلي خرز إيه؟

يارا محاولة امتصاص غضب حماتها: - يا ماما دي كلها خزعبلات، خرز إيه اللي أول ما هستحمى بيه هحمل؟ الشفا بإيد ربنا سبحانه وتعالى، ثم أن الدكتور اللي ماشيين معه بيقول أنه القلق والتوتر بيقلل فرص الحمل وبنسبة كبيرة كمان...

أشاحت حماتها بيدها في وجهها بغير رضا عن كلامها قائلة بسخط: - يا ختي، بئالكم خمس سنين متجوزين، لو الدكتور بتاعك دا كان شاطر كان زمانك عندك عيلين وتلاتة بيجروا بين رجليكي.

يارا وهي تحاول الضغط على نفسها بصعوبة كي لا تفقد تماسكها: - كله بإيد ربنا يا ماما.
حماتها بصلابة: - ونعم بالله، بس ربنا قال اسعى يا عبد.
يارا بدهشة: - واحنا مش بنسعى يا ماما؟ على يدك بدل الدكتور روحنا لتلاتة وكلهم نفس الكلام، العلاج يمكن يطوّل بس ان شاء الله ممكن جدا يحصل حمل في الآخر.

حماتها بسخرية: - وأهو محصلش!
أشاحت يارا برأسها بعيدا فقالت حماتها وقد قررت تغيير طريقتها في الضغط عليها لتربت على كتفها بحنان:.

- يارا يا حبيبتي، انتى عارفة أنك دخلتي قلبي من أول يوم شوفتك فيه، وأنا اللي وقفت لابني يوم ما زعّلك، لكن كمان أنا زي أي أم نفسها تفرح بولاد ابنها قبل ما أقابل وجه كريم، دا غير أني خايفة عليكي، أمك الله يرحمها لو كانت عايشة كانت هتقول لك اللي بقولهولك دا، أسامة ابني جدع وبيحبك ما قولتش حاجة، لكن هييجي في وقت هيبص حواليه ويسأل نفسه سؤال. أنا بعمل كل دا وهسيب كل دا لمين؟ وخلي بالك لراجل ممكن يخلّف في أي سن لكن الست لا يا ضنايا، بعد سن معين مش بينفع، وأنا خايفة على حياتك مع ابني.

وكأن حماتها قد ألقت بمخاوفها وهواجسها الدائمة أمامها بصوت عال، لتنظر اليها بقلة حيلة وتقول:
- طيب عاوزاني أعمل إيه يا ماما؟
حماتها وقد وصلت لما تريده فهتفت بحماس: - تعملي اللي هقولك عليه.
يارا بتوجس: - اللي هو؟..
حماتها: - اللي فيك يدا ممكن يكون خضة! اتكبستي يوم دخلتك. مش هيفكها إلا حاجة واحدة بس!

يارا بتساؤل: - وإيه هي دي؟
حماتها بثقة: - خضة!
ارتفع حاجبي يارا بذهول وهتفت مرددة: - خضة! ودي إزاي دي؟
حماتها بفرحة فهي تقترب من وصولها لهدفها: - سهلة، هتيجي معايا مشوار للمدافن!
هتفت يارا بصدمة: - لمين؟!
زفرت حماتها بقلة صبر: - المدافن يا يارا. المدافن!..
يارا بخوف فالاسم وحده كفيل باحساسها بقشعريرة شديدة: - ودي نعمل فيها إيه؟ هتدفنيني فيها عشان أتخض؟!

دفعته حماتها وهي تضحك: - يووه عليكي يا يارا، وقت تريقة دلوقتي. لا يا ستي، هنخلِّي التربي (حارس المدافن). يفتح لنا قبر واحد لسّه ميّت، وتلفي حواليه سبع لفات، بعدها بقه.

قاطعتها يارا بلا تعبير: - هتدفن جنبه في لحظتها أكيد، ما أنا مش بس هتخض. لالا. أنا قلبي هيقف من الخضة كمان!

وكزتها حماتها في ركبتها وقالت مؤنبة: - وانتي هتكوني لوحدك؟ أنا مش هسيبك لحظة!
يارا بجمود: - إيه هتلفي أنتي كمان؟ بس أنتي مش حمل وولادة دلوقتي!
لتفتح حماتها عينيها واسعا وتهتف بغضب: - بقه كدا؟! دي آخرتها تتريقي عليا يا مرات ابني؟..
ونهضت وهي تصيح وتلوّح بيدها في وجه يارا ليحضر أسامة ووالده سريعا على صوتهما حيث كان يجلسان في الشرفة، قال أسامة وهو يحاول تهدئة أمه:
- خير يا ماما فيه إيه؟

أمه وهي تشير الى يارا الصامتة أمامها: - إسأل مراتك، آخرتها بتتريق عليّا!
نظر أسامة الى يارا في تساؤل قبل أن يقول محاولا مراضاة أمه: - مش معقولة يا ست الكل، أكيد يارا متقصدش، أنتي عارفة هي بتحبك زي مامتها إزاي.

لتقاطعه يارا خارجة عن صمتها وهي تقول بجمود ودمعة محتبسة بين ملقتيها: - ماما ماتت الله يرحمها، ومهما كان. – سكتت تطالع حماتها قبل أن تدير بصرها لأسامة المقطب بغرابة مكملة – حماتي بردو في مقامها!

لأول مرة منذ أن تزوجا تلقب يارا أمه بحماتها، فهي لا تناديها سوى بأمي، لتهتف أمه بحدة:
- أهي قالتها. حماتها، ماشي يا يارا. أنا فعلا حماتك، ودا ابني، وحقي أفرح بعوضه!

لتصمت فجأة، بينما توسعت عينا أسامة ذهولا وغضبا، فقد انزلق لسانها بما منعها عنه أسامة مرارا، ألا وهو التدخل في شئونه الخاصة، وقبل أن يتفوّه أسامة بحرف واحد كان أبوه من سبقه إذ قال بصرامة:
- ياللا يا أم أسامة...
قبل أن يلتفت ليارا ويتوجه ناحيتها مقبلا جبينها بحنان أبوي قائلا: - معلهش يا بنتي، تعبناكي معنا انهرده...
ومال على أذنها هامسا: - ما تزعليش من حماتك، امسحيها فيا أنا.

يارا بهزة رأس بسيطة: - أبدا يا عمو، ما فيش حاجة...
همّت حماتها بالتدخل عندما أوقفتها نظرة زاجرة من زوجها، وما هي إلا دقائق حتى كانا ينصرفان، بعد أن تلقت حماتها قبلة باردة منها، فقد ضغطت يارا على نفسها إكراما لحماها لتوديع زوجته، ولكن الأخيرة أشاحت بوجهها بعيدا، وكأنها تعاقبها على رفضها. الدفن حيًّا!..

ما أن اغلق الباب خلف والدي زوجها حتى أسرعت الى غرفتها، لتنخرط في بكاء حار وقد ارتمت فوق وسائد فراشهما الناعمة، وما هي إلا ثوان حتى شعرت بيدين قوتين ترفعانها وصدر عريض صلب يحتضنها وصاحبه يهتف بقلق:
- ليه الدموع دي كلها؟ إيه اللي حصل يا حبيبتي؟..

لم تكن يارا في حالتها النفسية السليمة، فقد شعرت للحظة أن زواجها بأسامة سينتهي باصابتها بانهيار عصبي أو فقدان لعقلها ان استمرت حماتها بالضغط عليها كما تفعل، لتندفع تبعده عنها بقوة أذهلته ونظرت اليه وهي تصيح بغضب امتزج ببكاء حاد:
- ارحمني يا أسامة، أنا خلاص مش فيا حيل أستحمل كل دا. ريحني وريّح مامتك!
نظر اليها بريبة متسائلا: - قصدك إيه يا يارا؟

نظرت اليه في صمت للحظات استجمعت فيهم كل قواها قبل أن تنطق بما يجعل أنفاسها تختنق داخل صدرها:
- اتجوز يا أسامة!
هدر فيها بغضب وهو يقبض على كتفيها بقوة: - أنت أكيد اتجننتي! تاني يا يارا! يعني أعمل إيه عشان تصدقي أني عمري ما هفرّط فيكي...

حاولت التخلص من قبضته وهي تهتف بصياح حاد: - ارحمني بقه. كل مرة أشوف فيها مامتك تسمعني كلام زي السم وهي بيتهيأ لها أنها بتنصحني، أنا تعبت خلاص، تعبت. ارحمني واعملها اللي هي عاوزاه!
هدر أسامة بغضب: - وأنتي؟! عاوزة أتجوز عليكي؟ واحدة تانية تشاركني فيكي؟ هتقدري تستحملي؟!

كانت قبضته قد خفت فاستطاعت التملص منها لتنهض وتقف توليها ظهرها وهي تقول ببرود محاولة التماسك:
- ما أنا مش هكون موجودة عشان أشوفها وهي معاك!
نهض أسامة بالحركة البطيئة وهو يردد بذهول: - مش هتكوني موجودة!
يارا بايماءة موافقة وتنهيدة حارة: - مش هينفع يا أسامة، صدقني مش هينفع، مش هقدر أشوفك مع واحدة تانية غيري، هموت في اليوم 100 مرة.

اقترب أسامة منها حتى وقف خلفها تماما وتسائل بجمود: - ويا ترى فكرتي هتعملي إيه بعد كدا؟
هزت يارا كتفيها وأجابت بزفرة متعبة: - هفتح بيت بابا وأعيش فيه...
أسامة بسخرية: - لوحدك! عشان تكوني صيدة سهلة ومطمع لأي واحد معندوش نخوة، واحدة صغيرة وجميلة دا غير انها عايشة لوحدها وسبق لها الجواز، يعني الطمع فيكي هيكون كبير، ولا...

وسكت لحظات ليميل عليها فتلفح أنفاسه الساخنة مؤخرة عنقها وهو يردف: - تكوني ناوية تتجوزي تاني؟!
شعرت بالاختناق من الحديث في هذا الأمر فقالت بغرض انهائه: - الله أعلم يمكن، ما أنا لسه صغيرة على كلامك وحلوة، آآآآآآه!

شهقة ألم ندت عنها وهي تشعر بقبضته تعصر ذراعها وهو يقبض عليه بقوة يديرها ناحيته، ليواجهها بوجه لأول مرة ترى غضبه وهو يندلع كالحمم البركانية من بين مقلتيه اللتين غدتا في لون الجمر الملتهب، بينما تكلم من بين أسنانه المطبقة بغضب هادر:.

- وفكرك أني هسيبك لغيري بسهولة كدا؟!، حالة واحدة بس ممكن فيها أسمح لك بالجنون دا، أني أكون مُت! وقتها مش هقدر أمنعك، لكن طول ما ليا عمر وفي نفس في صدري عمرك ما هتكوني لغيري أبدا، فاهمه يا يارا؟!

سكتت تطالعه باندهاش ليكرر تساؤله وهو يهدر بعنف: - فاهمه؟!
فحكرت رأسها الى الاعلى والاسفل عدة مرات وهي فاقدة النطق، فهي لم يسبق لها وأن رأته بمثل هذا الغضب الوحشي، ليفاجئها باعتصارها بين ذراعيه بقوة كادت تكسر أضلعها فيما همس بغضب ناري ويديه تحفران جسدها بقوة:
- أنتي مراتي أنا، ملكي أنا، ومهما حصل عمرك ما هتقدري تبعدي عني...

يارا بصوت مغلف بنبرة بكاء حارة: - وأنا تعبت، هقولك لغاية أمتى أنتي تعبت؟
أحاط وجهها بيديه وهتف بقوة: - أنتي اللي ضعيفة! زي ما أنا متمسك بيكي وبحارب عشاننا لازم أنتي كمان تحسيسيني أنك قوية وبتحاربي أي حد عاوز يفرق بيننا. مهما كان!
يارا بلوعة: - حتى لو أمك!

أسامة بصراخ غاضب: - حتى لو أمي!، تقدري تقوليلي أنا ايه اللي يمنعني أني أتجوز دلوقتي؟ كم مرة أنتي بتقوليها لي وأنا اللي برفض؟ لغاية ما ابتديت أشك أنك فعلا مش عاوزاني وواخدة الخلفة سبب عشان تضغطي عليا أني أتجوز عيلكي وواحدة واحدة تطلبي الطلاق مني زي ما أنت لسّه قايله دلوقتي!
هتفت يارا باستنكار ودهشة: - انا يا أسامة!

أسامة بسخط: - أومال أسمه إيه كل شوية ألاقيكي تقوليلي. اتجوز يا أسامة. ونفس الموال مش بيخلص، اللي تقول كدا يا هانم تبقى واحدة بايعة. ومش عاوزة جوزها!

دفعته بأقوى ما عندها ووقفت أمامه تصرخ بغضب ودموعها تغطي وجهها: - لو أنا زي ما بتقول ما كنتش بئيت كدا، عايشة في رعب من اللحظة اللي هتسيبني فيها! كل مرة أشوف فيها مامتك أبقى حاطة إيدي على قلبي وأدعي وأقول يا رب عدي الزيارة دي على خير، سواء كنا عندهم أو هما عندنا، ولو حصل ورديت عليها زي انهرده أطلع قليلة الأدب عشان برد على ست في مقام أمي الله يرحمها، لو أنا فعلا مش بحبك ما كنتش مُت كل ما بشوفك مع أي طفل، وأنا عارفة أنت أد إيه بتعشق الأطفال.

قاطعه هادرا بقوة وهو يسارع باعتصار خصرها بين كفيه الضخمين: - أنا بعشقك أنتِ، ليه مش عاوزة تفهمي؟ لو أنت في كفة وأطفال الدنيا كلها في كفة بردو هختارك أنتِ، لكن يا ترى لو الوضع اتقلب يا يارا. كنت هتختاري مين؟

أجابته بصدمة: - يعني إيه؟ أنت بتشك أني كنت هختارك!
أسامة بقوة: - آه!، لأنه واضح أنه حبك ليا مش بالقوة اللي كنت متصورها!
انهالت بقبضتيها الصغيرتين على صدره تضربه عدة لكمات وهي تصيح بانفعال قوي: - حبي ليك مش موضوع فصال أو محل شك، أنا حبيتك قبل ما أنت تدرى بوجودي بزمان، ولا ناسي! بس يا ترى تمسكك بيا عن حب فعلا. ولا شفقة على واحدة حبيتك أكتر من روحها ولو سبتها هتضيع من غيرك؟!

لمعت عيناه ببريق خطر وقال بهدوء ينذر بشرّ: - واضح أنه الكلام مافيش منه فايدة.
صاحت يارا بغضب: - يعني إيه...

ليسكتها فمه بقبلة ضارية، كانت وكأنه يعاقب هذا الفم على إطلاق هذه الكلمات التي أثارت جنونه وأطلقت وحش غضبه من مربضه، وبينما حاولت هي مرارا الفكاك من عناقه الوحشي لم يسمح هو لها بالابتعاد عنه ولو قدر أنملة، ليرفعها بين ذراعيه ويتجه بها الى فراشهما ويثبت لها بالفعل أنها ملكه. قلبا وقالبااااااا!

بعد أن عادا من رحلة حبهما العاصف، رقد على ظهره محاولا التقاط أنفاسه الثائرة، لتحين منه نظرة أليها، فيرى وجهها الأحمر وعنقها وكتفيها اللتان تحملان آثار اجتياحه. وكأنها دمغة ملكيته لها...

رفع نفسه على مرفقه يطالعها وهو يتساءل بصوت خشن: - لسّه بردو مصرة أني أكون لواحدة تانية غيرك؟
فوجئت من هجومه الغير متوقع، فما كانا فيه من سويعات قليلة لم يكن سوى اعصار حب هادر، اجتاحهما بالكامل، فاكتفت بالتحديق فيه بغير فهم، ليواصل ببرود:
- أنا هنفّذ لك اللي أنتي عاوزاه.
نظرت اليه مضيقة عينيها بريبة ليردف بجمود: - هتجوز!

شهقت بدون صوت بينما نهض هو يرتدي سرواله الملقى جانبا قبل أن يلتفت اليها متابعا بسخرية:
- أوّل ما هلاقي العروسة لازم هاخد رأيك فيها، مهما كان هي هتعيش معنا هنا!
وخرج صافقا الباب خلفه بينما بدت هي كمن انفصل عن واقعه، تراقب بانشداه ابتعاده عنها غير قادرة حتى على الصراخ اعتراضا. وكيف تعترض وهي من دفعته دفعا ليختار أخرى تشاركها فيه!

بينما بالخارج. أسند أسامة رأسه الى حافة الباب المغلق وهمس وهو يغمض عينيه بأسى:
- سامحيني يا حبيبتي. بس لازم تاخدي الدرس لآخره، عشان تعرفي أنه فراقنا مستحيل. لا أنتي قده، ولا أنا أقدر له!

أغلقت والدتها غرفة الصالون خلفها بعد أن أدخلتهما ما أن انتهى طعام العشاء الذي بالكاد مسّته، فمنذ ان انتهى عقد قرآنها وهي تشعر أنها كالتائهة، أو كمن تحلم حلما سرعان ما ستستيقظ منه.

ابتسمت، تلقت التهاني والمباركات، بابتسامة مرسومة، وذهن غائب، وكأنها تقوم بتمثيل دور ليس لها، بينما نظرات حمزة الغاضبة ما أن شاهدها أثناء قدومه هو وعمرو شقيقه لاصطحابها هي وسلمى شقيقتها الى المسجد حيث سيعقد القرآن لا تزال ببالها لم تغب عنها، تحاول جاهدة فهمها، فلأول مرة تشعر بغموضه هو من كان كتابا مفتوحا لها في السابق، ولا تعلم لما هذا الشعور الذي أثارته عيناه فيها، وكأنها. تدغدغها!..

لمسة خفيفة على مرفقها أعادتها من شرودها لتلتفت إليه بابتسامة بسيطة، فهي تقدر له مراعاته لشعورها عندما رفضت عرض عمها في الخروج مع عمرو وسلمى للاحتفال بعقد قرآنهما بعد تناولهم العشاء في منزل أبيها، ليتدارك حمزة الموقف قائلا بابتسامة صغيرة أنه لا يحبذ الخروج، بل يفضل البقاء بالمنزل فهو غير يشعر بالاختناق من القيادة في الزحمة المرورية. فقبل والده عذره على مضض، فيما أرسلت هي إليه نظرة شكر صامتة. كانت أكثر من كافية له ليعلم أنه قد أصاب في اختياره...

قالت نجوان بابتسامة ظللت ثغرها المطلي بلون أحمر قان لم يؤثر فيه تناولها للطعام، والذي لم تذق منه سوى بضعة لقيمات صغيرة:
- شكرا يا حمزة أنك قدرت تقنع عمي أننا ما نخرجش مع عمرو وسلمى، بصراحة كان هيبقى دمي تقيل.

حمزة بابتسامة صغيرة: - انتي دمك عمره ما هيكون تقيل يا نوجة، وبعدين أنا فعلا بتخنق من زحمة القاهرة بالليل، وخصوصا بقه وأنه الكابتن عمرو عاوز يروح النيل، وكوبري 6 أكتوبر الوقت دا مش بتعرفي تحطي رجلك فيه من الزحمة...

نجوان مؤيدة: - فعلا. أنا كمان مش بحب الزحمة أبدا. بتنرفزني أساسا...
حمزة بمشاغبة بسيطة: - عارف، فاكرة لما كنا بنسافر البلد وتصممي تركبي معنا وأكون أنا اللي بسوق تخليني ألف الكرة الارضية عشان نروح، المهم أني أبعد عن الزحمة!
ضحكت نجوان وقالت: - أنت لسه فاكر؟
حمزة وهو يدنو منها حتى وقف على بعد خطوة واحدة وبهمس حان ونظرات بعثرت تماسكها الهش:
- عمري ما نسيت حاجة تتعلق بيكي أبدا يا نوجة...

ليقاطع صمتها المذهول رنين هاتفها المحمول الذي جلبته معها، فرفعته ليطالعها اسم ريما، لتتلقى المكالمة بهتاف حار غاب بعدها ابتسامتها وسمعها وهي تهتف بقلق عن مكانها، وما هي إلا لحظات حتى أنهت المكالمة بأنها. ستراها قريبا! ...

قال حمزة بتقطيبة: - فيه إيه يا نجوان؟
نجوان وقلق جم ينهش أحشائها: - ممدوح خطيب ريم اتهجم عليها وكان هيضرب عصام ابن خالها بالمطواة لكن ربنا ستر.
حمزة بأسف: - يا ساتر يا رب، طيب وإيه اللي حصل؟
نجوان هي ترفع عينيها إليه: - هي أغمى عليها من الخضة بس دلوقتي كويسة، تصدق انه كانت جاية تحضر كتب الكتاب لما حصل اللي حصل؟

حمزة وقد فتنته نظراتها العسلية ليرفع يده يداعب خصلتها التي تراقصت على كتفها بشرود:
- طول عمر علاقتكم وهي قوية جدا، تصدقي أني كنت بتضايق كتير لما ألاقي ريما عرفة عنك حاجات وأنا. لأ!

نجوان بغير تصديق: - معقول! بس أنت عارف أني تقريبا مش ليا أصحاب غيرها؟!
حمزة بدون تعبير: - وأنا؟
نجوان بتطقيبة غير فهم: - أنت إيه؟
حمزة: - مش كنت صاحبك؟
نجوان بابتسامة وقد اعتقدت أنه يرمي إلى التأكد من مكانته عندها: - طبعا يا حمزة. أنت عارف أنك طول عمرك وأنت مش ابن عمي الكبير وبس. لأ. وصاحبي وأخويا و...

ليرفع أصابعه أمام شفتيها هامسا وقد أست نظراتها المتسائلة تماما كالطفلة عيناه: - ما أعتقدش أنه فيه أخوات بيتجوزوا بعض؟

وكأن طرواة شفتيها التي شعر بها أسفل أنامله قد جعلته كالمنوم مغناطيسيا، إذ تسلطت عيناه على ثغرها الممتلئ لثوان، قبل أن ترتفع يداه المرتجفتان تقبضان على خصرها الدقيق، ويميل عليها لضرب وجهها أنفاسه الساخنة، فيما يديه ترتعشان للمسة كانت قبل محرمة لتصبح اليوم حلال صافيا له وما أن لمستا خصرها حتى سكنت رعشتهما بل وتشبثتا بها بقوة، و، لكن. ليست يداه وحدها من كانت ترتعش، فشفتاه كانت ترتجف وما إن حطّا على ميناء شفتيها حتى غرق في حلاوة مائها الصافي، ليكتشف أنه يرحّب بالموت غرقا في بحرها العذب، وأبدا. لا يبغي الخلاص!..

لم تعرف كم مر من الوقت، ولكنها شعرت فجأة به وهو يبتعد ليسمح لها بتنفس الهواء الذي ابتلعه سابقا، وكأنه يريد تشرّب هوائها بل وأنفاسها ذاتها!..

أغمضت عينيها تتنفس بقوة، لترفع أهدابها بعدها تطالعه بنظرات حائرة، متسائلة، بينما شفتيها فهما تحملان علامات اكتساحه لها، كان هو أول من خرق الصمت السائد بأن رفع ابهامه يمرره على شفتيها المنتفختين وهو يقول بشبه ابتسامة:
- الروج ما طلعش ثابت، لونه راح!
نجوان بهمسة بغير فهم: - ها؟!
ضحك حمزة ضحكة خشنة زادت من اضطرابها الداخلي الذي رماها فيه عناقه الكاسح، قبل أن يقول بهمس مرح:.

- اللون اللي على شفايفك راح!
امتقع وجهها خجلا ما أن وعت لمعنى كلماته، لتدفعه بعيدا بحنق وخجل، بينما زاد هو من ارباكها بهمسه المتملك لها:
- اللون دا ما تحطهوش بره تاني، مش عاوز حد يشوفه عليكي!
رفعت عينان تطالعانه بنظرة تائهة وكأنها تسأله عمّا حدث، ليتنفس بعمق مجيبا وهو يغوص عميقا في عينيها:
- لو مستنية أني أعتذر عن إلى حصل، فآسف. مش هعتذر! ولو عاوزة تعرفي. ليه؟ فمقدرش أقولك غير. من غير ليه؟

نجوان ولا تعلم لما أصابتها كلماته بالخيبة: - عاوز تقول أنك انجرفت مع كتب الكتاب والهيصة وكدا، فبالتالي حاسيت أنك عريس فعلا واتصرفت زي أي عريس مع عروسته؟

سكت يطالعها بغموض لثوان أجاب بعدها بهدوء: - يمكن...
وابتعد عنها قبل أن يتجه الى الباب حيث فتحه ووقف أمامه قائلا: - اعملي حسابك هفوت عليكي بكرة الصبح ان شاء الله نروح نزور ريما صاحبتك. تصبحي على خير.

وانصرف وقد تركها وهي تحاول معرفة أين الخطأ؟ ولماذا انقلب فجأة من النقيض الى النقيض؟ من عريس محب مراعي ملهوف لعروسه التي باغتها بعناق سلب أنفاسها لآخر بارد وكأن عناقهما لم يحرك فيه شعرة واحدة؟!

لتكتم شهقتها وقد توسعت عينيها بذهول. تراه كان يفكر بمايا وهي بين ذراعيه؟ أكان يعانق مايا فيها هي؟ ...

لتهتف بجذع بداخلها. أي جحيم ألقيت فيه بنفسك يا ابنة فردوس؟ ...

وقف يطالعه بغضب واضعا يديه حول وسطه بينما لأخرى وقفت تطالعه بدورها ببرود مغيظ، قالت أمه محاولة استرضائه:
- يا هشام يا بني منال مش قصدها حاجة!
هشام بحدة وهو يشير الى منال الواقفة تراقبه بهدوء استفزه بقوة: - يعني أنتي يرضيكي كلامها يا أمي؟ تعيش لوحدها إزاي مش فاهم أنا؟
حاولت أمه الرد عندما قاطعتها منال ببرود صقيعي قائلة: - معلهش اسمحي لي يا ماما.

وجهت بعدها كلماتها إليه وهي تقول بثقة تامة: - أنا مش فاهمه إيه اللي مضايقك؟ أنت عاوز تفتح بيت العيلة وتعيش فيه حقك، عاوز ماما أنعام تروح تعيش معاك كمان حقك، لكن اللي مش من حقك أنك تدخل في حياتي أنا وابني بالاسلوب دا، فريد مش هيسيب بيت أبوه، هيتربى ويكبر بين حيطان البيت دا، وأنا مش قاصر ولا صغيرة وأقدر أخلي بالي من ابني كويس أوي، وزي ما احترمت رغبتك أنك عاوز ماما أنعام معاك بصرف النظر أنه هناك هتكون معظم الوقت لوحدها لكن في الاول والاخر حقك أنها تعيش معك، أعتقد لازم تحترم رغبتي خصوصا وأني وضحت لك أسبابي، وأني مش برفض لمجرد الرفض وخلاص.

هشام بهجوم: - وأنا مش مقتنع! أزاي تعيشي لوحدك ومعك عيل صغير مش فاهم أنا!
تدخلت أنعام رغبة منها في انهاء النقاش: - خلاص يا هشام يا بني. هفضل عايشة معها هنا زي ما أنا.

رفض هشام رفضا تاما قائلا: - إزاي بس يا أمي؟ عاوزاني أسيبكم اتنين ستات عايشين لوحدكم؟ طب الاول عشان ظروف شغلي كانت في اسيوط، لكن دلوقتي أنا معكم، دا غير أنه مينفعش أني أعيش هنا، أنتى عارفة كلام الناس كتير، أنما بيت بابا في جاردن سيتي، عبارة عن فيلا صغيرة، هفتحه ونعيش فيه كلنا، وهعمل ليا شقة منفصلة عشان تكون براحتها خالص، كل دا ومش موافقة؟!

مشيرا اليها لتقف منال أمامه رافعة رأسها قائلة بكل قوة وشموخ: - وأنا ما طلبتش أي حاجة غير حقي أني أربي ابني في المكان اللي باباه اختاره، فريد هيتربى هنا، ومش هسيب هنا، ودا آخر كلام عندي، اقتنعت كان بها، ما اقتنعتش يبقى مش مشكلتي، عن إذنكم.

وتركته وانصرفت الى الداخل وهي تحمد الله لغياب فريد الذي ذهب لابن جيرانهم للعب معه، في حين راقب هشان انصرافها من أمامه في ذهول تام، فهي قد ألقت كلمتها الأخيرة وانصرفت في هدوء، لتقترب منه أمه وتقف بجواره تربت بحنو على كتفه:
- معلهش يا هشام يا بني، طاوعها. منال طيبة وجدعة، وحقها بصراحة هي ما قالتش حاجة غلط.

التفت الى أمه يكرر باستهجان وقد أنتبه من شروده: - حقها؟! أنتي بتتكلمي إزاي يا أمي؟ إزاي أسيبها تعيش لوحدها مع طفل صغير؟ وما تقوليش أنك هتعيشي معها – أسرع باضافة عبارته الاخيرة وهو يرى أمه تهم بمقاطعته مردفا – لأنه مرفوض أنك تعيشي بعيد عني.

تنهدت أنعام وقالت: - يا ابني أنت كد بتحط العقدة في المنشار.
زفر هشام بقوة وقال: - شوفي يا أمي، أحنا هننقل في خلال أسبوع أن شاء الله، تكون الفيلا جهزت، أنا مش باخد رأيها، أنا بدِّيها خبر، ومش هسمح بأي نقاش في الموضوع دا. عن إذنك.

وانصرف سريعا من أمامها لتهم هي للحاق به وهي تناديه عاليا ولكن، لا حياة لمن تنادي، لتقف وقد شعرت بالعجز وأحساسها يخبرها أن الأيام القادمة لن تكون سهلة، فيكفي أن هناك صراع شديد على وشك الاحتدام. بين ابنها بعصبيته المفرطة وعناده الشديد، وبين كنّتها ببرودها المعهود وعنادها، الأشد!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة