قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية إلا أنت (نساء متمردات ج3) للكاتبة منى لطفي الفصل الرابع والعشرون

رواية إلا أنت (نساء متمردات ج3) للكاتبة منى لطفي الفصل الرابع والعشرون

رواية إلا أنت (نساء متمردات ج3) للكاتبة منى لطفي الفصل الرابع والعشرون

عودة الى ما قبل هذه الاحداث وتحديدا. اختطاف طارق لهنَا
جلست تضم ركبتيها الى صدرها تستند بظهرها الى المقعد، بينما ارتسمت على وجهها علامات الغضب والسخط وهي تدمدم بحنق وقهر:
- ماشي يا طارق، بقه أنا تعمل معايا كدا؟ فاكرني جارية من العصر المملوكي! تبقى غلطان لو تخيلت للحظة اني ممكن أبلع خيانتك ليا عشان أطفال، دا لو بيننا دستة. عمري ما أقبل الخيانة أبدا ولا أسامح فيها!

صوت خطواته القادمة باتجاهها حيث تجلس في ردهة ذلك المنزل الذي خطفها اليه، ليخبرها بكل صفاقة أنه لن يدعها حتى يضمن قدوم طفلهما الثاني! وكأنها آلة تفريخ أو جارية تُؤمر فتطاع، ولكنها ستثبت له فشل خطته، فهي أبدا لن تخضع لخائن حتى ولو كانت روحها تهفو اليه، وقلبها يئن شوقا له، خاصة وقد خذلها واستسلم لهمساته العاشقة منذ سويعات، فضعفت مقاومتها والتي استطاع التغلّب عليها بسهولة مكّنه منها استسلام جسدها الخائن للمساته الدافئة، ورغما عن ذلك كله ستقاومه، فهي حرّة أبيّة. ليست جارية أو. سبيّة!

وبينما كانت هي زامة شفتيها تركز بصرها على الفراغ أمامها، كان هو يدنو منها، وقد ارتفع طرف شفته العليا في ابتسامة صغيرة، بينما غشت عينيه لمعة حنان، وهو يراها يكاد المقعد يبتلعها، فهي لا تزال ضئيلة الحجم على الرغم من أنها زوجة وأم لطفلة في الثالثة من عمرها تقريبا، ليقف في مكانه يراقبها دون كلل أو ملل، وهو يفكّر في صمت أنها تكون مجنونة لو ظنّت أنه سيسمح لها بالابتعاد عنه، فالفترة التي تركته فيها ورحلت مصطحبة ابنتهما مرّت عليه وكأنها أشهر طويلة وليست بضع أسابيع فقط! وسيكون ملعونا أن سمح لأيٍّ كان بتفريقهما، خاصة هذا المدعو زياد، فهو لن ينسى نظراته اليه وهو يطلب منها مرافقته، فقد رآها في عينيه، تلك الغبية لا تدري أن هذا الحقير تفضحه نظراته الغبية التي تتسمر عليها ترفض أن تتركها، وكأنه مدلّه في حبها، وسيكون مدعاة لسروره أن يضع نهاية لأفكاره الحمقاء الذي أكيد هو أنها تدور عنها. تلك العنيدة المتمردة!

تقدم منها حتى وقف على بعض خطوات وناداها بهدوء، فأبت أن تنظر اليه، ليرفع صوته مكررا مناداتها، فالتفتت حينها اليه، ورفعت رأسها تطالعه بسخط ظهر واضحا في بندقيتيها بينما كادت ابتسامة حانية تخونه وهو يرى شعرها النديّ ينساب حول وجهها بأطرافه اللولبية، وبشرتها البيضاء الظاهرة أسفل قميصه القطني الواسع والذي ينساب على جسدها حتى أعلى ركبتيها، وكأنه فستان قصير، بينما أكمامه فمتهدلة الى الاسفل، ليتغاضى عن سهام عينيها النارية ويقترب منها ليجثو على ركبتيه أمامها وهي بين ذهول وغضب من رؤيته ينحني أمامها بهذا الشكل، لتنجلي حيرتها وهي تراه يمد يديه يمسك بيدها اليمني فحاولت سحبها ليجذبها بقوة أشد قائلا وهو يطالعها بنظرة صارمة: - شمّري أكمامك، مش شهد بنتي اللي لابسة هدومي!

نظرة غضب واضحة وسخط جعلتها أشبه بابنتها عندما تكون في حالة غضب منه، فشهد نسخة مصغرة عن أمها. زوجته التي تكاد تفقده عقله!
أنهى اليد اليمنى وسحب اليسرى، لتسحبها منه بشدة وتقوم هي بكفكفتها هاتفة بنزق: - عنّك!

ما أن انتهت حتى فوجئت بيديه تمتد الى وجهها تبعد خصلاتها المتطايرة حوله جانبا، فارتدت برأسها الى الخلف تحاول الابتعاد عن يديه، ولكنه أبى. ليقبض على وجهها براحته العريضة هامسا بتحذير واضح: - اثبتي.
هنا بسخط: - جرى ايه يا طارق؟ هو أنا في سجن؟ اقعدي. شمري. اثبتي!، أنا زهقت!
طارق بجواب سريع باتر: - وأنا تعبت!

لتطالعه بذهول تام مرددة كلمته قبل أن تطلق ضحكة غير مصدقة عالية قالت بعدها وهي تحرك رأسها الى الاعلى والاسفل قالبة شفتها: - امممم. تعبت!
نظرت اليه بعدها تسأله ساخرة: - من الخيانة قصدك؟، - لتجيب هي مردفة بأسف مصطنع - ما أظنش!
لتطالعها عيناه بنظرة غضب أسود قبل أن تشتد قبضته حول وجهها وهو يميل بوجهه عليها هامسا بتهديد قوي: - هنا. ما تستفزنيش. أنت اللي هتدفعي تمن استفزازي دا!

هَنا بثقة تامة وقوة ظاهرة وهي تنظر اليه بثبات واضح: - أنا ما يهمنيش أدفع تمن استفزازك. انما يهمني أنك انت تدفع. تمن خيانتك!
صمت لثوان تبع عبارتها المتحدية ليقول بعدها مشددا على كلماته: - طيب مش يهمك تعرفي مين اللي حرضني على. الخيانة (نطقها بنبرة ساخرة)؟
هنا بهزة كتف لا مبالية: - للأسف. ميهمنيش! النتيجة واحدة انك خنت في الآخر. مهما كان صفة اللي دفعك لكدا.
قاطعها برد سريع حازم: - حتى لو كان. أنتي؟!

شهقة مذهولة تبعها صوتها وهي تهتف باستنكار تام بينما تبعد وجهها بالقوة عن قبضته: - انت بتقول ايه؟
ولكنه أبى أن يطلق سراحها ليقبض على وجنتها الأخرى بيده الحرة فيأسره بين يديه ويميل على عينيها قائلا بجدية شديدة: - اللي سمعتيه يا هنا.
هنا بسخرية غاضبة: - طبعا. أنت هتقول ايه غير كدا، أي راجل بيخون مراته لازم يتهمها انها هي السبب. أسهل حاجة أنكم ترموا جريمتكم على شماعتنا احنا.

طارق بقوة: - أنا ماليش دعوة بغيري، في حالتنا انتي فعلا السبب. انتي اللي اخدتيني من المسلمات و.
هَنَا وقد أفقدها غضبها حسن ادراكها وهو يتهمها بأنها من دفعته لأخرى مبررا خيانته تماما كسائر الازواج فهتفت بغضب تريد ايلامه تماما كما آلمها بل ويستمر في ألمه لها دون توقف: - دايما عذركم انه احنا السبب، طب ما احنا كمان ممكن جدا نخون، وبردو هتكونوا انتم السبب.

ضغط على وجهها فلم تأبه وواصلت وهي ترفض أن يرهبها بنظراته الشرسة: - بس الفرق بيننا وبينكم انه مبررنا بيكون أقوى 100 مرة. لانكم بتنسوا اننا كمان محتاجين الحب والحنان واكتر منكم بمراحل، يبقى زي ما بتبرروا لنفسكم تبرووا لنا. دا اذا كانت الخيانة من الاصل ليها مبرر مهما كان!
طارق وقد توحشت عيناه بنظرة مخيفة ومعنى كلماتها يدور في رأسه ليسألها بلهجة خفيضة تنذر بالشر: - أفهم ايه من معنى كلامك دا؟

هنا بتحد: - اللي عاوز تفهمه افهمه. مبقتش فارقة!

ولأول مرة ترى طارقا آخر غير الذي تعرفه، لتشعر بدبيب الخوف يطرق قلبها بنظراته المتوحشة ويديه اللتان تكادا تهمشان عظام وجهها، ليدنو بوجهه منها حتى تلامست أرنبتي أنفهما، وهمس بصوت مخيف يجمد الدم في العروق بينما نظراته مسلطتان فوق شفتيها المرتعشتين رغما عنها: - اوعي. اوعي تلعبي في الحتة دي، وقتها طارق اللي أنتي عارفاه هيختفي تماما، وصدقيني اللي هتشوفيه قودامك مش هتقدري تستحملي غضبه. ومن مصلحتك متكرريش الكلام دا تاني. لأني المرة الجاية مضمنش عقابي هيكون شكله ايه، أنما المرة دي.

وبتر عبارته ليوقف ارتجاف شفتيها بقبلة قوية، كانت كعقاب لها على نطقها بتلك الحماقات، بينما اعتصرها بين ذراعيه يكاد يهشم عظام جسدها الدقيق، ولم يتركها الا بعد أن كادت تختنق طلبا للهواء، ليمسك بوجهها بين يديه يزيح خصلاتها جانبا ويمرر ابهامه على شفتيها فتصدر عنها أنة ألم ما أن لمس طرف شفتها المكدوم، ليهمس بصوت أجش: - دي قرصة ودن يا هنايا. وعاوز لما أرجع ألاقيكي مستنياني زي أي ست ما تستنى جوزها.

حدجته بنظرة غاضبة ليبتسم بسخرية قائلا: - لا مش اللي في بالك، مع انك ما بعدتيش، لاني اكتشفت انك كل يوم بتوحشيني أكتر من اليوم اللي قبله، لكن أحنا بيننا كلام كتير لازم يتقال. عموما أنا مش هتأخر.
ليلثم ثغرها بقبلة سريعة قبل أن يقف على قدميه فطالعته هي بتساؤل وريبة قبل أن يتجه مغادرا لتتحدث بعد فترة صمت طويلة تسأله بتوجس وقلق: - انت رايح فين؟

طارق وهو يقف أمام الباب يمسك بمقبضه: - ما تخافيش يا حبيبتي. تقدري تقولي أني رايح أحط الامور في نصابها الصحيح زي ما بيقولوا!
ليلقي اليها بقبلة في الهواء ويخرج صافقا الباب خلفه لتسمع صوت تكة فأخرى فعلمت أنه قد أغلق عليها الباب بالمفتاح، لتعلم أنه ليس لها فكاكا من سجنه إلا بإذنه هو.

أما خارجا فوقف طارق يهمس بوعيد وعيناه تطلقان شرر ناري كفيل بحرق الاخضر واليابس: - جاي لك يا زياد الكلب، عشان تعرف عقاب اللي يتجرأ على مراتي هيكون ايه، وأوعدك أني بعد ما أنتهي معاك. مش هتفكر حتى أنك تبص لها ولو بعين خيالك!

كان يهم بفتح باب سيارته حينما سمع صوت هادئا يناديه فأجاب وهو يلتفت اليه: - نع...
ولكنه لم يكمل استدارته أو كلمته، إذ فوجأ بقذيفة تنطلق على شكل قبضة قوية ترتطم بأنفه لتنفجر منها نافورة من الدماء، وارتمى رأسه الى الخلف ليرتد ثانية وهو يصرخ بذهول وغضب:
- فيه إيه؟
طارق وهو ينقض عليه يقبض على تلابيبه هادرا بشراسة: - فيه أنك راجل خسيس وواطي بتبص للي مش ليك؟

وسريعا كانت يده قد انطلقت في صفعة قوية على وجنته، ولكن لم يكن زياد بالخصم السهل، ولو كان طارق قد نجح في البداية فهذا كان بسبب عنصر المباغتة في الاساس، ليلتفت اليه مكشرا عن أنيابه ويمد يديه يقبض على مقدمة ثياب طارق بدوره هاتفا بفحيح غضب وكراهية:
- ومين اللي قال أنها. ليك؟

توسعت حدقتي طارق ذهولا من وقاحته لينتهز زياد الفرصة ويرجع برأسه الى الخلف وفي أقل من لمح البصر كان يضرب بها رأس الآخر بقوة شديدة، أصابت طارق بالدوار للمحة خاطفة، فيما شعر بخط من الدماء الدافئة تسيل فوق أنفه، وبدأ الصراع. بين عاشقا حتى النخاع يدافع وبكل ضراوة عن حبيبته وبين آخر يرى أن من أمامه وغدا لا يستحق تلك الجوهرة النادرة والتي كانت كحائطا صلبا أمام محاولاته تقربه منها، لأنها لا تزال زوجة لآخر حتى وأن كان هذا الآخر خائن لعين، بينما زوجته هو قد خانته وهي لا تزال في بيته يضمهما نفس السقف بل والفراش أيضا. ودعواها في هذا وبكل وقاحة أن السبب هو الفراغ وأن الأمر لم يخرج عن أنه. نِت!

ارتمى زياد على الرصيف الحجري، وهو يلهث بينما وقف طارق وقد مزقت ثيابه، يمسح بظهر يده الدماء التي سالت على ذقنه، ولحسن الحظ أو سوئه فالمنطقة كانت خالية في مثل هذا الوقت من المارة، فلم يوجد من يفض تلك الحرب الشعواء، ليقترب طارق من زياد يرفعه ليقف على قدمين تترنحان وهو يقول بصوت منذر بالشرّ بينما يداه تقبضان على مقدمة قميصه بشدة حتى كاد يختنق:.

- لو لمحتك في أي مكان جنبها، أو قربت منها، أو اتكلمت معها هيبقى دا آخر يوم في عمرك، مش مسموح لك حتى أنك تفكّر فيها في خيالك.

ابتسم زياد بصعوبة من وسط آلامه ابتسامة ساخرة وهو يقول بصوت مُتْعَب: - أهي دي الحاجة الوحيدة اللي متقدرش تمنعني عنها...
ووهن صوته وهو يكمل بابتسامة استفزازية: - أني أحلم بيها مش بس. أفكّر فيها!
طارق بغضب ناري وقد توحشّت تعبيرات وجهه وهو يضغط بكل قوته على فقرات عنقه حتى جحظت عيني زياد:
- أنت عاوز تموت؟ عاوزني أقتلك!

وصرخ بكلمته الاخيرة بهياج شديد قبل أن يلكمه بقبضة أودع فيها كل كرهه وحقده، ليرتمي الآخر ساقطا أسفل قدميه، فركله بمقدمة حذائه، قبل أن يخطو فوقه متجها الى سيارته وفي غضون ثوان كان قد انطلق بسرعة صاروخية حتى أن العجلات قد أصدرت صريرا مخيفا وكأنها تعترض على مثل هذه القوة المخيفة التي انطلق بها!

كانت تسير ذهابا وإيابا، لقد مرّ على انصرافه أكثر من ساعتين، ليتناهى الى سمعها صوت المفتاح فوقفت ساكنة تماما، حتى لمحته وهو يدلف الى الداخل ورأسه الى الاسفل قبل أن يغلق الباب خلفه، وما أن رفع رأسه حتى شهقت بقوة في دهشة قوية، وهي ترى وجهه وكأن مقطورة ثقيلة قد دهسته، بينما طالعها بنظرة باردة، لتتقدم ناحيته وهي تقول:
- طا. طارق! ايه اللي عمل فيك كدا؟

ودنت منه حتى وقفت أمامه، لتمتد يدها تتحسس وجهه فأبعده عنها لتردف بذهول وغضب: - ايه اللي حصل؟ طارق. أوعى تكون ضربته؟
طارق بسخرية مُرّة: - لا ما تخافيش، ما ضربتوش. – قطبت هنا في حين واصل هو ببرود – طحنته بس!
شهقت هنا لتهتف لائمة كمن يؤنب طفلا صغيرا: - انت اتجننت؟ ليه يعني؟ انت بلطجي؟ معقول أنت بتشتغل في الخارجية؟ اللي يشوفك يقول فتوة!

طارق وهو يميل بوجهه ناحيتها وبشراسة بفحيح خرج من بين أسنانه المطبقة: - لو معنى أني أحمي بيتي ومراتي. شرفي وعرضي، في نظرك أني بلطجي. فأنا يشرفني أني أكون بلطجي وفتوّة على رأيك!

واستدار متجها الى الداخل بينما لحقت به هنا ليدلف الى غرفتهما وهي خلفه تهتف بحدة:
- أنا مش فاهمه ايه اللي في دماغك بالظبط؟
كان طارق قد جلس الى الفراش يخلع حذائه بصعوبة فعضلاته متيبسة، ليقوم بفك المتبقي من أزرار قميصه والذي كان مصيره سلة المهملات فهو لا يصلح حتى كممسحة للمطبخ، مخرجا ذراعيه بتعب منه، ليتوقف وهو يهم بفك حزام سرواله عند قولها:.

- يكون في علمك بقه. زياد انسان محترم جدا، وعمره ما لمّح بأي حاجة من اللي في دماغك المريضة دي، بالعكس بقه. قمة في الزوق والاخلاق معايا!
ليرفع رأسه ساعتها يسلط عليها نظرات نارية تكاد تحرقها، وقد نسي تعبه وآلام جسده، لينهض من مكانه ويتقدم ناحيتها فتراجعت الى الوراء في خطوات متعثرة ليسارع بالقبض على ذراعيها يقربها منه وهو يقول بهدوء ينذر بالشرّ:
- لو سمعت اسمه على لسانك تاني. هقتله!

شهقت برعب فيما تابع غير آبهة بنظراتها الهلع التي ترمقه بها: - اللي حضرتك بتشعيري لي فيه دا، اعترف لي وبلسانه أنه بيشوفك في أحلامه – حدقت فيه بذهول صاعق بينما أردف وقبضتاه تشتدان على مرفقيها – عارفة يعني إيه لما راجل يقول لي أنه بيحلم بمراتي. أنا!

صرخة صغيرة ندت عنها لتبتلعها وهي تراه يجاهد في سبيل تمالك أعصابه التي تهدد بالافلات منه في أيّ لحظة وهو يتابع بقهر وغضب عنيف:
- اللي بجد مستغرب له، أنا ازاي مَمَوِّتُّوش (لم أقتله) في لحظتها!
سكتت ليكمل وهو يقربها منه حتى كادت تلتصق به وصوته يحمل مرارة طاغية: - هو دا الراجل اللي عاوزة تبدليني بيه يا هنا؟
توسعت عيناه بينما أردف: - هو دا اللي نسيتي عشانه قصة حبنا وجوازنا وبنتنا!

وكأن كلماته كانت كالصفعة التي أيقظتها من ذهولها، لتحاول الفكاك منه وهي تصرخ بغضب جامح:
- مين اللي باع يا طارق؟ مين اللي باع الغالي بالرخيص؟ مين اللي نسي؟ مين اللي ضحى ببيته ومراته وبنته عشان نزوة خايبة وواحدة واطية ما تستاهلشي؟ مش أنت! جاي تتهمني باللي أنت عملته وتقول أني أنا السبب؟!

صرخ بأعلى منها: - أيوة أنت السبب!
قاطعته بصياح عال: - كداااااااااااااب!
طارق هادرا بعنف: - أنت يا هنا السبب!، برودك السبب، تعاملك معايا على أني من المسلمات السبب، ثقتك الفظيعة في نفسك هي أكبر سبب!

لتصيح هنا عاليا وقد شارفت على الانهيار: - ثقتي دي كانت فيك أنت! فيك أنت مش فيّا أنا!
لتنخرط في بكاء عنيف، بينما قال طارق وهو يشدد قبضته على مرفقيها وكأنه يخشى ابتعادها:
- للأسف يا هنا. ما كانتش باينة انها ثقة فيّا، بالعكس. انا كنت بحس أنه مهما حصل قودامك، عمرك ما هيطرف لك جفن، عمري ما حسيت بغيرتك عليا، الغيرة اللي تحسسني أني فعلا مهم أوي عندك، وأنك على استعداد أنك تحاربي أي حد يقرب مني.

هنا بهزة رفض عنيفة من رأسها: - هحارب عشان خاين!
عاجلها طارق بصيحة عالية: - مش خاين، والله ما خاين!
حركت رأسها عدة مرات يمينا ويسارا رافضة سماعه ليردف ما جعلها تسكن تماما وتطالعه في تقطيبة مرتابة عميقة:
- تفتكري لو عاوز أخونك فعلا ما كنتش أقدر أخبي علاقتي بمشاعل؟ أنا. أنا يا هنا اللي كنت بتعمد أنه الشك يدخل قلبك، عاوز أشوفك هتعملي إيه، راهنت عليكي يا هنا وللأسف. خسرت الرهان!

فغرت فاها تطالعه بذهول بينما أسقط يديه مبتعدا خطوات الى الخلف وهو يطالعها بعينين مليئة بخيبة الامل، بينما تقدمت هي منه لتقف على بعد انشات قليلة تهمس بصدمة مشيرة الى نفسها بسبابتها:
- أنت. أنت عاوز تقول أنه كل دا كان. لعبة؟! كنت. كنت بتمتحني؟

زفر طارق بتعب قبل أن يطالعها بنظرات مؤنبة قائلا: - كنت عاوز أشوف هنا حبيبتي. اللي وقفت قودام أهلها وصممت أننا نتجوز ونسافر وتكمل معايا الجامعه، كان نفسي أشوف نفس الغيرة اللي كنت بلمحها لما كنتي تلاقيني واقف مع أي واحدة، التملك اللي كان في صوتك وأنت بتقدميني لأصحابك وقرايبك وتقولي لهم طارق. جوزي. واحنا يدوب مخطوبين، وكأنك بتقولي لهم دا حصري ليا ومحدش يفكر يبص ناحيته، اشتقت أني أحس بحبك يا هنا!

هنا باستغراب: - تحس بحبي؟ ما حستش بحبي كل يوم وأنا بموت من قهري وأنا شايفة واحدة سافلة بتحاول تلعب عليك وأنت ساكت، بالعكس. فرحان أنك جان وفارس أحلام البنات، مشوفتش دموعي على خدِّي كل ليلة وأنا عارفة أنك كنت معها سهران وتكدب عليا وتقول لي شغل؟

قاطعها طارق بجمود: - محصلش!
هنا بحدة: - لا، حصل.

ليبتر طارق حديثها يهتف عاليا: - محصلش أننا سهرنا أبدا، وكل مقابلاتي معها كانت بالنهار، وسط الناس، مافيش أي مقابلات خاصة أبدا، الموضوع كله كان تليفونات تقريبا، حتى لما جات ورايا مصر. أنا اللي قطعت كل علاقة كانت بيننا، ولمّا جِه (جاء) فيصل ابن عمها عشان ياخدها ويسافروا، أنا اللي حجزت له بمعرفتي في وقت ما كانش لاقي فيه أي تذكرة، عشان يرجعوا، ومش بس كدا، فهمته أنه من الافضل لها أنهم ما يسيبوهاش (لا يتركوها) ترجع باريس تاني! يعني من الآخر أنا عمري ما خنتك، أنا كنت بحاول أصحي مشاعر نامت وشبعت نوم عندك من زمان!

هنا بريبة: - تليفونات؟! علاقتكم تليفونات! وانت فاكر انه حتى لو تليفونات يبقى كدا خلاص؟ حط عينك في عيني يا طارق وقولي أنك متأثرتش بكلامها وهي بتتدلع عليك وتحسسك أنك الوحيد اللي لفت نظرها؟ ما فرحتش بنفسك وأنت شايفها بتجري وراك بالرغم من رفض أهلها الاكيد لعلاقة زي دي، تقدر تقولي يا طارق أنها ما فارقتش معاك؟

طارق ببرود: - أنا مش ملاك يا هنا، بس للأسف، مع كل احساس من دول كان بيوصلني كان غيظي منك بيزيد أكتر، لأني كنت عاوزك أنتي اللي توصليلي الاحساس دا! عاوزك انتي اللي تحاربي عشاني مش هي، دي حاربتك أنتي مراتي عشان توصلي، كنت عاوزك تثوري، تنفجري، لكن أنتي عملتي إيه؟ لميتي (جمعتِ) حاجتك وأخدتي بنتك وهربتي!

همّت بالاعتراض ليرفع يده مقاطعا: - لا هربتي يا هنا! فهمتيني أنك نازلة عشان ظروف عمك أدهم وأنتي نازلة هربانة مني وانت مقررة تسيبيني. ولما حصل الانفجار حصل عشان كرامتك، مش عشاني أنا!، يعني في الأول والآخر أنتي بردو مش شايفة قودامك غير هنا! عرفتي بقه أنا ليث بقولك ثقتك في نفسك الزيادة!

هنا بابتسامة تقطر مرارة وسخرية: - لا بجد. تصدق عندك حق! أنا اللي طلعت الشرير وأنت ملاك بجناحين، مش كدا؟

رفعت سبابتها تشير اليه متابعة: - سكوتي عنك مش معناه أبدا أني ما كنتش بغير وبموت من الغيرة كمان في اليوم مليون مرة، لأ. كنت زي الأم اللي بتدّي مساحة لابنها أنه يتنفس بعيد عنها وهي عارفة أنه في الآخر هيرجع لها ويترمي في حضنها، اللي انت بتقول عليه دا ثقة زيادة، كان فيك أنت مش فيا أنا، كنت عاوزة أقولك أنه مهما حصل أنا ثقتي فيك ملهاش حدود، لأني عارفة يعني إيه هنا عند طارق، زي ما طارق بالظبط كل حاجة عند هنا!..

سكتت تبتلع غصة بكاء كبيرة، لتمسح بعدها دموعها بظهر يدها قبل أن تردف بصوت متهدج:
- لكن مقدرتش. لكل واحد طاقة، وأنا طاقتي خلصت، فضلت أننا نسيب بعض ولسّه فيه احترام وذكريات حلوة بيننا، خفت لو فضلنا مع بعض أكتر من كدا الاحترام دا يضيع، والذكرى الحلوة تبقى مرّة، وخيانتك ليا توصل لمرحلة أنا مقدرش أستحملها، وزي ما أنت قلت. في الاول والآخر أنا بشر مش ملاك!

تقدم منها ليمسك ذراعيها بحنان ويقربها منه ينظر الى بندقيتيها وهو يهمس قائلا: - أنا ما خنتش. والله ما خنت!

هنا بنظرات خاوية: - كلامك ليها خيانة، تفكيرك فيها خيانة، المساحة اللي شغلتها من حياتك وكانت حقي أنا وبنتي بردو. خيانة! انت ما استحملتش تشوف زياد وهو بيبص لي، شوف نفسك طحنته ازاي، وعملت فيا إيه، ليه ما حطيتش نفسك مكاني وأنا مش بس شايفة نظراتها ليك لأ. وكلامك معاها، ومقابلاتكم سوا، الخيانة مش شرط بالجسد يا طارق، لو فكرت في غيري تبقى بتخوني.

قاطعا طارق بجمود قائل: - بس أنا ما ضربتش زياد عشان شوفت نظراته ليكي لما جيت لك الشغل.
نظرت اليه بحيرة ليتابع ببرود: - زميلك كلمني قبل ما آجي لك بيوم، وهددني صراحة أني أنفذ لك طلبك وأطلقك، وقالي باللفظ أني ما استاهلش زوجة زيّها، وأنه فيه اللي مستعد يعمل أي شيء في سبيل أنها تكون مراته، لأنه هي دي اللي يفتخر أي راجل أنها تشيل اسمه، وتكون أم أولاده كمان!

شهقت هنا بذهول متمتمة: - مش، مش ممكن!
طارق بهزة كتف بسيطة: - دا اللي حصل، يعني أنتي كمان كان فيه اللي بيبص لك ويفكر فيكي، لكن الفرق أني حاربت عشانك، حاربته هو وحاربتك أنتي كمان، المهم أنك ما تروحيش مني.

قاطعته هنا بجمود: - لا يا طارق وانت الصادق. السبب. أني كنت محترمة كفاية معه لدرجة أنه عمره ما لمّح لي باللي قالهولك دا، في حين أنك جاريت (تماشيت) التانية، وأوهمتها بأنك بتبادلها نفس احساسها، يعني من الآخر النتيجة واحدة!

طارق بتقطيبة ريبة: - قصدك ايه يا هنا؟
هنا ببرود قاتل: - احنا لازم نتطلق!

صعدت الى حافلة الركاب التي ستقلّهم الى الاسكندرية، وبينما كانت تمر بين المقاعد إذا بصوت جهوري يناديها قائلا:
- تسنيم. ازيك يا عروستنا، الاتوبيس نوّر واسكندرية كلها هتنوّر أكيد أن شاء الله!

نظرت تسنيم الى السيد فاروق الذي كان يجلس على مقعد بجانب الممر وقالت وهي تسير باتجاهه بابتسامة خلابة:
- تسلم يا أستاذ فاروق، ربنا يخليك، كلك زوق والله.
لتسمع دمدمة غاضبة من ورائها: - قصّري وامشي من سُكات!

كتمت زفرة خانقة كادت تصدر عنها، لتهز برأسها في ترحيب لفاروق الذي مرّت به، بينما فواز في إثرهايدفعها بغلظة في ظهرها كي تسير أمامه، حتى وصلا الى آخر صف من المقاعد فأشار عليها بالجلوس، وكان الاستاذ فاروق يراقبهما ليناديها وهو يشير الى مقعده قائلا:
- ما تيجي هنا يا ست العرايس، الصف اللي وار (الخلفي) دا وِحش (سيء)، لو السواق أكل مطب هتلاقي نفسك روحتي المراجيح على طول!

ضحكت تسنيم من تشبيهه الفكاهي، بينما نظر اليه فواز بذهول غاضب، وهمس بشرّ: - الراجل دا اتجنن؟ تكونيش ماشية مع سوسن؟
تسنيم من بين أسنانها: - الراجل بيعرض بكل زوق يا فواز بيه، مش قصده حاجة أبدا.
لتتجاهله بعدها وتقول بابتسامة مشرقة لفاروق: - شكرا يا أستاذ فاروق، أحنا هنقعد هنا.

فاروق ببساطة كاد فواز معها أن يتجه اليه ليلكمه في فمه الذي لم يكف عن الابتسام: - لا أنا كنت بقولك أنتي تعالي اقعدي هنا، أنما الاستاذ فواز خلّيه ورا، يستحمل المطبات، أنما اللي زيّك ميستحملوش!

زمجرة خفيضة طرقت سمعها لتسارع بالقبض على معصمه دون وعي منها لتعيقه عن التوجه ناحيته وقد رأتها في عينيه، فنظر اليها بنظرة سوداء، لتنتقل بعدها عيناه الى يدها الصغيرة التي تقبض على معصمه العريض، فانتبهت الى سيْر نظراته، لتسارع لسحبها ولكنه سبقها وقبض عليها في راحته الضخمة، ليدفعها الى المقعد خلفها، فكأنه ألقى بها فعليا فوقه، وتبعها، حيث جلست هي بجوار النافذة بينما جلس هو في المقعد المجاور لها، لتتأفف بحنق، متمتمة بنزق:.

- بيرمي شوال بطاطس أصله! تقولش حُكشة صاحبه قاعد جنبه!
قطب فواز ومال عليها هامسا بريبة وغلظة: - انتي بتبرطمي تقولي ايه؟
رمقته بنظرة قهر قبل ان تشيح بوجهها بعيدا عنه وهي تجيبه بغيظ: - بقول الله يسامحك يا ستّي، ما كانش لها لزوم الفسحة دي، أنا قلتها قبل كدا أنت كبيرك تروح تقرا الفاتحة في المقابر، أو بالكتير أوي جنينة الحيوانات، في الجبلاية هناك. تتفرج على القرود والنسانيس ودمتم!

كرر فواز ببلاهة: - قرود ونسانيس!
تسنيم بتصحيح: - لا نسيت التُرب حضرتك، تقرا الفاتحة هناك!
فما كان منه إلا أن حشرها بين جسمه والزاوية ومال عليها هامسا بتهديد من بين أسنانه المطبقة:
- لو فتحت بؤك بربع كلمة تاني. أنا هوديكي التُرب (المقابر) بنفسي، بس مش عشان تقري الفاتحة. لأ! عشان يقروا عليكي الفاتحة هناك!

لتتوسع عيناها في ذهول، وتلتزم الصمت التام، بينما عقد هو ساعديه ورمى برأسه الى ظهر المقعد وراؤه، وأغمض عينيه وهو يأمرها قائلا:
- ما اسمعش نفس واحد، لمصلحتك، ماذا وإلا.
وترك تهديده معلقا، ليغمض عينيه، فطالعته بسخط، قبل أن تنفخ بضيق واضح وتشيح بوجهها تطالع المناظر التي تمر بها الحافلة، وهي لا تكاد ترى منها شيئا وقد أفسد مزاجها مفسد اللذات، زوجها. فواز أفندي!

وصلت الحافلة الى موقف الحافلات، فترجل الركاب، وتجمعوا سوية، حيث سيتجهون بعد ذلك الى أحد الشواطئ العامة، وفي حين وقفوا جميعا يتحدثون فيما بينهم، قبض فواز على معصم تسنيم، ووقف على مسافة بعيدة نسبيا عنهم، لتنفخ تسنيم بقهر قبل أن تنظر اليه تهمس بابتسامة صفراء:
- فواز هو أنت بتشتكي من حاجة؟
قطب يطالعها وهو يسأل بغلظة: - ايش معنى؟

تسنيم ببساطة: - أصلي شايفاك بتتحاشى الناس كدا زي اللي يكون عيّان (مريض) بمرض معدي! صارحني أنا مهما كان ستر وغطا عليك!

كشّر فواز وطالعها وهو يكاد يفتك بيدها المختفية داخل قبضته: - نعم؟!
تسنيم بتأنيب جاد: - تؤ تؤ تؤ. ايه نعم دي يا فواز؟ فيه راجل محترم زيك كدا ويقف يقول نعم بالطريقة دي؟

فواز بحدة: - ومالها الطريقة دي ان شاء الله؟
تسنيم ببساطة: - بيئة أوي يا فواز! – نظر اليها بذهول وصدمة بينما تابعت هي بكل بساطة – يعني تحس أنك بتردح كدا! ناقص تحط ايدك فوق حواجبك وتترقص بوسطك وتبقى ردح فهمي نظمي رسمي!

لم يعقب على كلماتها فتشجعت وألقت عليه نظرة ليهالها تعبير وجهه الشرير، فرسمت ابتسامة بلهاء على وجهها وقالت كمن يهادن طفلا صغيرا:
- يا راجل أنت صدقت، وبعدين وماله لما تردح، دا انت حتى تبقى مميز. تعالى يا راجل تعالى لما نغطس في المالح، يمكن ما تقبِّش (لا تخرج) ونخلص!

وشدته ناحية الجمع وما أن همّ بعرقلتها حتى تعالى صوت قائد المجموعة يطلب منه سرعة موافاتهم للتوجه الى الشاطئ، بينما طفقت هي تسب وتلعن في نفسها قلبها الذي لم يجد من بين الرجال سوى هذا الفظ الغليظ كي يحبه، من لا يعرف كيفية التودد الى النساء، فهو أقصى شيء ينجح فيه. أن يتودد الى ذبابة سمجة كي تستكين في مكانها حتى يستطيع قتلها بمضرب الذباب!

جلسا أسفل مظلة من مظلات الشاطئ قام باستئجارها، جلست تشاهد من حولها وهم يلهون ويركضون، بينما هو فجالس في صمت تام، لتهتف مقاطعة الصمت القاتل:
- جرى ايه يا فواز، احنا طالعين فسحة، مش عشان نقعد كل واحد فينا باصص في ناحية، يا سيدي لو ما كنتش عاوز تطلع الرحلة دي كنت قلت!

فواز بحدة: - أنا محدش يقدر يغصبني على حاجة، ولو ما كنتش عاوز أطلعها كنت هقولك مش هتكسف منك!

تسنيم بسخرية: - آه. ما هو باين!
فواز بزفرة خانقة: - يعني انتي عاوزة ايه دلوقتي؟
نظرت اليه تسنيم بذهول وقالت: - عاوزة ايه؟ عاوزة ألعب في الرمل! عاوزة أنزل الماية طبعا، هو أنا بآجي (آتي) البحر كل يوم!

فواز بلهجة خفيضة تنذر بالشر: - تنزلي البحر؟ وتنزلي البحر بإيه ان شاء الله؟ هدومك!
تسنيم بغلظة: - لا طبعا!
قطب فأكملت ببساطة: - بالمايوه أكيد!
ليرتفع حاجبيه الىى الاعلى بشكل متنافر ويردد بدهشة: - مايوه!
ليردف بتكشيرة مستنكرا: - شرعك دا!
تسنيم بعدم فهم: - ايه شرعك دي؟ ، وما لبث أن أشرق وجهها بالفهم لتتابع بصبر: - شرعي. مايوه شرعي.

فواز مهددا: - لا شرعي ولا شرعك، اوعي تكوني فاكرة انى هسمح لك تغيري هدومك كدا عيني عينك، حتى لو كان في الحمامات؟!

تسنيم ببساطة: - وأغير هدومي ليه؟ أنا لابساه أساسا تحت الدريل دا.
مشيرة الى فستانها الجينز الذي يغطيها من أعلاها الى أسفلها، بينما ذراعاتها فتكسوها أكمام المايوه الشرعي، حتى ليبدو وكأنه بلوزة تحتية، فقال فواز بعناد:
- ولو!
تسنيم وهي تكاد تبكي: - مش معقولة يا فواز آجي لغاية اسكندرية وما أنزلش البحر، طب حتى أبل (أبلل) رجليّا بالمايّة!

وكأنه يفكّر في كلامها ليجذبها لتقف معه بغتة بعدها وهو يقول بغلظة: - تعالي.
وسرعان ما انجلت حيرتها وهي تراه يتجه بهما ناحية البحر، وفي منطقة يقل فيها الناس، قبض على يدها وقال وهو يسير برفقتها على الرمال حيث تبلل المياه أقدامهما حتى الكاحل فقط:
- ياللا. اتمشي بقه وبلّي رجليكي زي ما انتي عاوزة!

لتطالعه بدهشة وكأنها أمام كائن خرافي قد نبت له رأسين اضافيين وثمانية أيدي وسبعة أرجل وبعين واحدة! قبل أن تقول وهي تكاد تبكي:
- أبل رجليا! حسبي الله.
ثم رفعت عينيها الى السماء مواصلة بحرقة: - منه له. منه له. منه له!

ركضت تسابقه حتى ارتمت على الرمال وهي تلهث من شدة الركض والضحك، ليرتمي بجوارها وهو يقول ضاحكا:
- أنا اللي خليتك تكسبي على فكرة!
أخرجت له تسنيم لسانها وهي تقول باغاظة: - هئ، دي حجّة (عذر) البليد يا أستاذ، اعترف أنك كبرت خلاص وعجزت.
وانبرت متابعة بتحسّر زائف فضحته نظراتها الماكرة وابتسامتها الشقية: - آه يا حظي يا أني، يعني أنا من بختي آخد واحد أد جدي!
فواز بصدمة: - جدّك!

نهضت تسنيم متابعة: - آه جدي يا. جدي!

وركضت لينهض سريعا راكضا خلفها بخطوات واسعة تماما كالفهد لينقض عليها من الخلف فتسقط فوق الرمال ويسقط فوقها، حيث انفجرت في الضحك لتصدح ضحكته بدوره، وما أن بدأت الضحكات تتلاشى حتى تلاقت الأعين، وغاصت النظرات في أحضان بعضها البعض، واختلطت الانفاس، لتشتد يداه الممسكتان بكتفيها، قبل أن تنتقل الى وجهها، تحيط به، ليرسم بابهامه خطوطه الناعمة، قبل أن يسحبه ناحيته لتغمض عينيها فيلثم ثغرها المكتنز بقبلة هادئة، وما أن شعر بطراوة شفتيها أسفل فمه حتى تعمقت قبلته، ليغرز أحدى يديه في خصلاتها المشعثة المختلطة بالرمال، يمسك برأسها من الخلف، يجرفها بعناق لا يشبه في شيء ما تقرأ عنه في القصص والروايات الرومانسية، فهي أكيدة أن ما تختبره الآن بين يديه لم يوصف في قصيدة شعر أو رواية رومانسية، بل هو لا وصف له، فهو شيء فوق الخيال. يكاد يطير بها بين السحاب، لتعانق النجوم بيديها، وكأنها به تستطيع الوصول الى السماء، واختراق المستحيل، وكيف لا وقلبه فوق قلبها تتسابق دقاته مع نبضاتها، فكأنهما يهمسان لبعضهما البعض بأسرار العشاق، وهي عاشقة. وحتى النخاع!

هناك شيء تغير في علاقتهما، تلمسه هي وبوضوح، فمنذ عناقه الكاسح لها، وقد نظر اليها وقتها بنظرات كأنها تهمس سرّا لعينيها، وهو يحاول عدم لمسها، حتى حينما ناولته شطيرة مما أعدته للرحلة، وحدث أن تلامست أصابعهما عرضا، اسرع بسحب يده حتى كاد أن يوقع شطيرته، ولكنه أمسك بها، ليزجرها بصوت خفيض أن تنتبه. فهو لن يكون مسئولا عمّا يحدث بعد ذلك!

من كان يتوقع أن الرحلة التي بدأت بالشجار والجدال، قد تحولت في منتصفها الى أمتع وقت قضته في حياتها، وتحديدا منذ أن ركل ذلك الطفل الكرة ناحيتهما، ليعرض عليهما اللعب معه هو ورفاقه، فيوافق هو تحت ألحاح نظراتها المترجيّة، وبعد وقت بسيط كانت قد سقطت في الماء، وما أن صرخ مسرعا اليها حتى خرجت وهي تفرك وجهها، وما لبثت أن هدأته ولكنه صمم على الكفّ عن اللعب ولكنها أصرّت فتعلل بثيابها المبللة ستعيقها، لتسارع هي بخلع فستانها بكل وقاحة أمام عينيه اللتان حدقتا بها في ذهول، لتفرش الفستان فوق مقعد الشاطئ الطويل وتتجه الى الاولاد تصيح هاتفة به ليلحق بها فأسرع ورائها مهددا متوعدا، ولكن لتقذف الكرة فتلتصق بوجهه، ليمسك بها ناظرا اليها بوعيد بينما انطلقت ضحكاتها الصافية، فأسرع بقذف الكرة في وجهها لتبعده سريعا وتخفيه بين ذراعيه، ولكن لم يطاوعه قلبه، فتراجع عن نيته ليرميها الى أحد الصبية، واندمجوا في اللعب، حتى وصلا الى ما هما عليه الآن من شرارات تحيط بهما تهدد بالانفجار في أية لحظة، تماما كاصبع الديناميت المشتعل!

دلفت تناديه لتجده يجلس يقلب في قنوات التلفاز، فجلست بجواره وقالت بابتسامة: - ما نزلتش ليه يا حمزة، الجو تحت تحفة، أنت مش قلت هتغير هدومك بعد البسين وتحصلني؟

حمزة وهو يركز عينيه على شاشة التلفاز أمامه: - المهم أنك أنتي اتبسطتي!
قطبت نجوان وتساءلت: - فيه حاجة اي حمزة؟
حمزة ببرود: - حاجة زي ايه يعني؟
هزت نجوان كتفيها بجهل وقالت: - معرفش، كأنك زعلان مثلا أو تعبان؟!

كتم حمزة زفرة خانقة، وأحجم نفسه بصعوبة عن الصياح بها كيف تريده أن يكون وعروسه أمامه كل يوم تزداد جمالا وهو محرّم عليه الاقتراب منها، لأنها لا تشعر به إلا كأخ لها فيما شعوره هو بعيدا عن الاخوة تماما! تبّا لك يا حمزة، هل توجب عليك أن تكون مجاملا الى هذا الحد وتخبرها ألّا تخشى شيئا فأنت زومة كما دأبت على مناداتك في السابق، على رأي السيدة أم كلثوم عاوزنا نرجع زي زمان، قول للزمان ارجع يا زمان!

حمزة بصوت مكتوم: - مافيش يا نجوان.
لينهض واقفا فهو لن يستطيع الجلوس وهي بهذا القرب منه، فهتفت تسأله بلهفة جعلته يقبض على يديه بقوة:
- رايح فين يا حمزة؟
حمزة دون أن ينظر اليها: - نازل أتمشى شوية.
لتنهض من فورها هاتفة بحماس: - هآجي معاك.
التفت حمزة اليها سريعا قائلا بصوت مرتفع: - لا!
قطبت تطالعه فأردف وهو يشيح ببصره بعيدا: - خليكي انتي، أنا هتمشى شوية وراجع على طول.

لينصرف من فوره صافقا الباب خلفه، فوقعت جالسة على الاريكة خلفها وهي تطالع الباب حيث اختفى باحباط وقنوط!

أيوة يا ريما، يا بنتي بقولك معرفش، أحيانا بحس أنه فرحان، وأحيانا بحس أنه زعلان، لكن كتييير بحس أنه متغاظ! .

نظرت ريما الى الهاتف حيث حدثتها نجوان تشتكي حال زوجها المذبذب، وقد قطبت جبينها، قبل أن تعيد الهاتف ثانية الى أذنها وهي تقول بريبة:
- نجوان. ممكن بالراحة عشان أفهم منك، الأول. أنت لسه حاسة أنه حمزة بتاع زمان؟ يعني نفس مشاعرك ناحيته ولا حصل تغيير؟

نجوان وهي تفكّر كمن يحدث نفسه: - مش عارفة يا ريما، يعني أحيانا بحس أنه زومة بتاع زمان، اللي كنت بالنسبة له كتاب مفتوح ومش بتكسف منه، لكن أحيانا بردو بحس بخجل غريب، زي ما أكون قودام واحد غريب عني.

ريما بدون تعبير: - احنا مش هنخلص من نشيد أحيانا دا؟ طيب يعني. أي أحيانا الأكتر؟ زومة بتاع زمان، ولا حمزة اللي بتتكسفي منه دلوقتي؟

نجوان بتنهيدة: - لا بصراحة، حمزة دلوقتي هو اللي أحيانه أكتر!
كررت ريما ببلاهة: - أحيانه!
لتزفر بعدها ريما قائلة بصبر: - طيب معلهش سؤال تاني، مش بتحسي ناحيته بأي حاجة معينة؟ يعني بيوحشك مثلا لما بيغيب عنك، نفسك تقعدي معه، تضحكوا سوا، كدا يعني!

نجوان بشرود: - بصراحة. آه!

ابتسمت ريما بظفر حين تابعت نجوان وهي على شرودها: - يعني مثلا لما نزل من شوية وصمم يبقى لوحده، حاسيت بزهق فظيع، وأنه وحشني أوي، عشان كدا كلمتك بدل ما أكلّم في نفسي! ولمّا بيضحك بحب أبص في وشّه أوي، وأسمع صوت ضحكته، بحس كأن قلبي بيضحك، وطول ما بيتكلم وأنا ببقى عاوزة أفضل بصّه (أنظر) له، وبس! الوقت معه بيجري بسرعة أوي، ومن غيره بيكون أبطأ من السحلفاة، بحس معه بالأمان والدفى، وأنى مش بعيدة عن أهلي، بحس فيه بقوة بابا، ودفا سلمى، تصدقي؟ وحنان ماما كمان!

ريما ببساطة: - امممم. انتي ناقص تقولي له. انت بابا وانت ماما وانت كل حاجة في حياتي!
نجوان وقد انتبهت من شرودها فقالت متأففة: - لا بجد يا ريما، تفتكري دا اسمه ايه؟
ريما ببديهية: - لا أبدا، دي شوية حموضة، تلاقيكي بتقِّلي في العشا ولا حاجة، اشربي لبن سائع وهي تروح على طول!

نجوان بذهول: - هي ايه دي؟
ريما بغيظ: - الحموضة ياحمضانة هانم!
نجوان باعتراض: - طيب لازمته ايه الكلام دا طيب؟
ريما بحنق: - لازمته انه حضرتك لازم تفوقي قبل ما حمزة يروح منك، ولازم تعرفي حاجة مهمة اوي يا نجوان. حمزة مش أخوكي، وياريت تحطي تحت الكلمة دي ألف خط بالاحمر، وعشان تطمني هو كان مش ممكن يبص لك انك أخته، نظراته ليكي يوم الفرح كانت بتقول كدا.

نجوان بتساؤل هامس: - بتقول ايه؟
ريما بتنهيدة صبر: - بتقول كتير يا نجوان، بس يا ريت تقريها وتفهميها قبل ما يزهق ويمل هو.
أنهت نجوان اتصالها الهاتفي بريما، لتفكر لثواني قبل أن تنهض من مكانها، وقد عزمت أمرا ظهر جليا في ملامحها!

خرجت من المصعد الكهربائي متجهة بخطوات واثقة حيث أخبرها حمزة بوجوده، وما أن اقتربت حتى قطبت جبينها، وكلما تقدمت ناحيته زادت عمق عقدة جبينها، حتى إذا ما فصل بينها وبينه عدة أمتار، انفكت التقطيبة وارتفع الجبين الى الاعلى، فأمامها يجلس زوجها الهمام وبجانبه من كلتى الناحيتين تجلس فتاتين تبدوان في أوائل العشرينيات من عمرهما، ترتدين مايوه قطعتين، يستر بالكاد مناطقها الانثوية، بينما تنسدل شعورهنّ إحداهن بلون سنابل القمح والاخرى بلون أشعة الشمس الغاربة، بينما تلمع أجسادهن تحت أشعة الشمس، كآلهة الجمال فينوس، ولكن ما أثار غيظها هو أن زوجها الفاضل يمسك بكاحل إحداهن يمسّده، بينما تتأوه هي، فيما الأخرى فتمسك بزجاجة مثلجة ليضعها فوق كاحلها، فشمرت نجوان عن ساعديها واتجهت ناحيتهم وهي تهمس بشرّ وقد تجلّت علامات الاجرام على وجهها:.

- يا عين مامتك، بتتأوهي (تتألمي) عشان رجلك اتلوت (إلتوأت). لما نشوف لما رقبتك تتلوي هتعملي ايه؟!

وسارت اليهم وكلها عزم على أن تجعلها تختبر أيهما أكثر إيلاماً، التواء الكاحل أم، قصف الرقبة؟!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة