قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية إلا أنت (نساء متمردات ج3) للكاتبة منى لطفي الفصل الخامس والعشرون

رواية إلا أنت (نساء متمردات ج3) للكاتبة منى لطفي الفصل الخامس والعشرون

رواية إلا أنت (نساء متمردات ج3) للكاتبة منى لطفي الفصل الخامس والعشرون

شعر بظل يخيم فوقهم فرفع عيناه ليفاجأ بشرارات نارية تنطلق من عيني معذبته، قال بتقطيبة:
- نجوان؟!
نجوان بابتسامة ساخرة وهي تضع يديها في منتصف خاصرتها: - لا. خيالها!..
ازدادت تقطيبته عمقا وقبل أن يستفسر منها عن سبب قدومها قاطعه صوت تأوه ناعم لينظر الى تلك الراقدة أمامه تتأوه من قدمها وتحدث بالانجليزية التي يجيدها وكيف لا وهو يقوم بتدريسها للمرحلة الاعدادية:.

- don t worry، u ll be ok. (لا داعي للقلق ستكونين بخير)
الفتاة بنعومة شديدة بينما نجوان تقف تكاد تفصل رأس تلك اللزجة عن كتفيها وهي تراها تتمايل في كلامها:
- thank u، u are really so sweet! (شكرا لك، أنت بالفعل حلو جدا، وهنا بمعنى شهم للغاية! ).

لم يتثنى لحمزة الرد إذ سارعت نجوان التي جحظت عيناها وهي تسمع كلمات التملق الصادرة من تلك المتمايعة الحمقاء بالهتاف في ذهول وصدمة:
- سو سويت! صوّتوا عليكي ساعة وسكتوا يا بعيدة!
ليحين دور حمزة في الذهول من سلوم ابنة عمه، منذ متى ونجوان تخاطب أيًّ كان بتلك الطريقة أو بتلك اللهجة وكأنها قادمة من وسط شعبي صميم!

نظرت الفتاة بتساؤل وحيرة الى صديقتها بغير فهم، لتهز كتفيها وتقول بابتسامة ودّت نجوان أن تحشرها في حلقها:
- sorry، I can t understand your words! (آسفة لا أستطيع فهم كلماتك! ).
نجوان والتي فهمت معنى عبارتها وبغلظة شديدة بينما لم تتنازل عن التحدث بلهجتهما الانجليزية:
- وأنتي من امتى بتفهمي! يا رب دايما أبو جهل كدا على طول!

وهنا كان حمزة قد ضاق ذرعا من جنونها الغريب عليه فهتف بها بحزم: - نجوان! انت ايه اللي جرى لك؟ داخله علينا زي القطر كدا وعمالة ترمي تلقيح كلام، حاسيستيني أني قودام ستّي أطاطا (جدة عوكل في الفيلم المصري الشهير عوكل)!

هتفت نجوان في صدمة وقد توسعت حدقتيها بشدة بينما جلست الفتاتان تنقلان نظراتهما بينهما في حيرة وعدم فهم:
- أطاطا! أنا أطاطا يا حمزة؟، لسّه في شهر العسل وبتقولي أطاطا أومال شهرين تلاتة قودام هتقولي إيه؟..

حمزة بدون تعبير: - أبلة فاهيتا!

لتضرب نجوان الارض بقدمها في غلّ كالأطفال بينما جلس هو يداري ابتسامته بصعوبة، فلأول مرة يراها وقد عادت الى صغيرته نجوان، من كانت تستشيط غيظا وقهرا أن رأته يولي أي أحد غيرها اهتمامه، لتنفعل عليه وقتها تماما كما تفعل الآن، وأن كانت قديما يصل الامر بها الى الصراخ في وجهه بأنه صديقها هي فقط وغير مسموح له الحديث مع أخرى في وجودها حتى وأن كانت شقيقته. فدوى! لينتهي الأمر باحتضانه لها بحنان وهو يخبرها أنه لا يوجد من هي في مكانتها عنده فهي ذات مكانة مميزة للغاية، ، لتخبره ببراءتها الطفولية. احفظ مكاني بقه عندك وما تخليش حد يِّركن فيه غيري! ثم تسارع بوضع قبلة ذات صوت عال على وجنته الخشنة قبل أن تتركه وتركض لتواصل اللعب وهي ابنة السبع سنوات بينما يقف هو يطالعها بعيني مراهق في السابعة عشر وقلب عاشق قد تخطى هذا العمر بأعوام كثيرة!

لاحظت نجوان ابتسامة حمزة الشاردة ليزداد حنقها ثم انتبهت أنه لا يزال قابعا بجوار تلك الدمية يمسك بقارورة الماء لتسارع بانتشالها من يده فأيقظته من شروده ليهتف بحيرة:
- فيه ايه؟
نجوان مقلّدة صوته: - فيه ايه انت! هتفضل قاعد عندك كدا كتير؟
ثم أشارت الى القارورة التي في يدها مواصلة: - ودي ايه ان شاء الله؟

نهض حمزة وتقدم منها وهو يشير اليها بيدها حتى تناوله زجاجة المياه قائلا بصبر كمن يهادن طفلة صغيرة:
- هاتي الازازة يا نجوان ربنا يهديكي، الكاحل بتاعها وارم وأنا بحطها عليه عشان الورم يخف!

نجوان بابتسامة شريرة: - اممم. يعني انت عاوز الورم يخف؟
حمزة بترقب وريبة: - أيوة!
نجوان ببساطة: - أوكي.
ولم تزد حرفا ووسط أنظاره المتسائلة اقتربت من الفتاة المتألمة حيث سارعت بنزع غطاء الزجاجة وفجأة.

- ouch! What the hell r u doing! (آوتش! ماذا تصنعين بحق الجحيم؟ )
نجوان ببساطة وبانجليزية سليمة: - just fixing ur ankle! (أعالج كاحلك! ).
فقد سكبت نجوان المياه المثلجة فوق ساقها وبالطبع لم ينجو باقي جسمها من ذلك المطر الغزير المفاجئ!

قطع حمزة الخطوات الفاصلة وبين زوجته التي تلبسها فجأة شيطان الجنون حيث قبض على مرفقها بقوة قبل أن يعتذر للفتاتين ببعض كلمات مختصرة وهو يدفع نجوان أمامه والتي حاولت سحب ذراعها من يده ولكنه همس بشراسة مخيفة وهو يدفعها أمامه بكل غلظة:
- ولا نفس أحسن لك، وإلا أقسم بالله يا نجوان هتشوفي وشّ (وجه) تاني خالص!

لتسكت على مضض وان كانت لم تكف عن الدمدمة الساخطة حتى وصلا الى جناحهما حيث فتح الباب ودفعها بقوة الى الداخل قبل ان يصفق الباب وراؤه بكل قوته!

تراجعت نجوان الى الخلف وهي تمد يدها أمامها بتحذير بينما كان يدنو هو منها بنظرات مظلمة:
- ايه؟ هتعمل ايه؟ مش كفاية عملتك السودة وانا ساكتة!
وقف حمزة على بعد أنملات منها وهدر بذهول غاضب: - ايه؟ عملتي أنا السودة؟ وعملت حضرتك ايه؟ بمبة! مين اللي غرق الست تحت بالماية زي ما تكون نزلت تحت الدش. مش انتي؟!

نجوان وقد استقامت في وقفتها بينما تذكرت نظرات الذهول وتعبير الصدمة الذي اعتلى وجه تلك اللزجة ليرتسم على وجهها هي تعبير الفخر والعزة بالنفس وهي تقول بتباهي:
- تستاهل أكتر من كدا!
لتغيب ابتسامتها وتنسى خوفها من غضبه وتقترب سريعا منه وهي تشهر سبابتها في وجهه وهي تهتف بحنق واضح:
- وبعدين تعالى هنا. انت نسيت مين اللي كان قاعد جنبها وماسك رجلها وهات يا تفعيص فيها؟ مش كفاية نظراتك ليها؟

حمزة بنفي ساخط: - رجلها ايه وتفعيص ايه، يا ست انتي افهمي. رجلها اتلوت وكنت بدلكه، اتكعبلت في رجلي وهي ماشية من جنبي، فوقعت في حضني. اضطريت طبعا اني أقعدها جنبي وأعملها مساج. لما طبيتي علينا زي اللي جاي يظبط جريمة!

ضيقت نجوان عينيها وطالعته بنظرة اجرامية وهي تكرر بتؤدة: - وقعت في حضنك؟! يا راجل! آه وانت قلت بقه رزق وجاي لك ترفضه؟ – انقلب وجهها الى تعبير ساخر حانق وهي تردف بتهكم – دا حتى اللي يرفس النعمة تزول من وشّه (وجهه)!

رفع حمزة ذراعيه الى الاعلى يكاد يجن منها قبل أن يهدر بغضب: - نجوان. أنا لغاية دلوقتي محاسبتكيش على اللي عملتيه تحت، ولا على التلميح اللي في كلامك دا واللي انا اكيد برفضه. ثم. نظرات ايه دي ان شاء الله اللي شوفتيها؟ ست زي اي ست. فيها ايه جديد؟!
هتفت نجوان بغضب وهي تشرئب على أصابع قدميها حتى تنظر الى عينيه ليتلامس أنفهما بينما شعرت سبابته أمام وجهه حتى كاد يفقع عينه وهي تهتف بغضب:.

- تنكر انك كنت بتاكلها بعينيك؟ عينيك دول اللي عاوزين يتعملوا بخت عشان تحرّم تبصبص بيهم على اي حد، حتى لو معزة معديّة!

سارع حمزة بالقبض على سبابتها لتشهق وهي تحاول سحبه منه ولكن دون جدوى بينما قال حمزة بنظرات غامضة بينما احساس بالشك في أن ثورتها تلك لا بد وأن لها معنى آخر وليس لمجرد أنها رأته يجلس مع تلكما الفتاتين، لا يريد أن يأمل كثيرا ولكن. أن لم تكن الغيرة من تحركها إذن فهي تهتم، ومعنى أنها تهتم أي أنها لا تراه بعين الأخوة والصداقة، أي أنه على الطريق الصحيح للوصول الى قلبها الغبي هذا! قال حمزة ببطء مسلطا نظراته على عسليتيها:.

- صوتك ما يعلاش! وصباعك مايترفعش (لا يرفع) في وشِّي (وجهي)، أما من ناحية أني كنت بآكلها بعينيّا. دي. ولو أنه تعبير مبالغ فيه، لكن غصب عني. أصل الحاجات اللي شوفتها – وأضاف سريعا – من غير قصد ما شوفتهاش عند حد قبل كدا، أول مرة أشوفها بصراحة!..

بُهتت في حين أردف بابتسامة صغيرة: - لكن ما تقلقيش. أنا غضيت بصري بسرعة، عشان عارف أنه النظرة الاولى ليك والتانية عليك!

نجوان مرددة ببلاهة: - ما شوفتهاش قبل كدا؟
حمزة ببساطة بينما أصبعها لا يزال قابعا بين أنامله السمراء القوية: - آه. هشوفها فين يعني؟ – ثم أردف ببراءة زائفة – عندك منها الحاجات دي يا نوجة!

لتشهق بدهشة وهي في حيرة من تفسير معنى كلماته: - حمزة!
أجابها حمزة بهدوء: - ايه؟ بسأل! ما أسألش؟! مش انتي عاوزة الصراحة؟ أنا صريح معاكي أهو، عموما ما تخافيش مش أنا اللي أغضب ربي عشان أي حاجة.

وترك اصبعها مبتعدا عنها، وتركها تحلل معنى كلماته، فما فهمته وما عناه لا يحمل سوى معنى واحد فقط لا غير. زوجها يعاني كبتا مزمنا وهي تزيدها عليه. مما يزيد من كبته الذي يهدد بالانفجار في أية لحظة! ولكنها سريعا نفضت أفكارها هذه وأقسمت أنها ستذيقه الكبت بحق!

جلس يقلب في القنوات بسأم، بينما يختلس النظر بين كل فينة وأخرى الى الباب المغلق حيث تختفي زوجته منذ ما يقارب الساعة، وتحديدا منذ أن انتهى جدالهما العقيم، ابتسم ساخرا من نفسه ومن اعتقاده أن غضبها لما حدث مع السائحتين كان دليلا على غيرتها، يا له من ساذج! نجوان لا تحمل له أي شعور سوى أنه ابن عمها ومعلمها فقط لا غير، حتى أنه بدأ يكره هذه الصفة الملتصقة به. ابن عمها الكبير. فهو يتمنى أن يكون أكثر عبثا لعله ساعتها ينجح في ضعضعة توازنها، ولكن لا بأس. هناك بصيص أمل ان يكون انفجارها ذاك دليل اهتمام كما سبق وخمّن. نعم، هو ذلك، لأنه لو لم يصدق حدسه هذه المرة أيضا سيصاب بالجنون لا محالة!

بعد عشر دقائق كان حمزة قد أصيب بالجنون فعلا وهو يقف أمام تلك الفاتنة والتي من الواضح أنها أخذت على عاتقها ألا تمر الليلة إلا وقد أصبح نزيل مستشفى الأمراض العقلية! حيث سارت تتهادى في مشيتها ناحيته، بينما عيناه تكاد تخرجان من محجريهما، وهو يراها بمثل هذه الفتنة والجمال االذي يغوي القديس ذاته!

لم تكن ثيابها غير محتشمة بل العكس. كانت في غاية الاحتشام ولكن. المغوي! كانت عبارة عن منامة من الساتان باللون المشمشي، يصل سروالها الى تحت الركبة، فيما نصفها العلوي فذو حمالات رفيعة للغاية وقبة واسعة للغاية، فعليا فما ترتدينه النساء على شاطئ البحر يعد أكثر اغراءا بمراحل، ولكنه يقسم أن منامتها هذه ما هي الا السهل الممتنع! فقماشها الناعم يلتصق بجسمها ليبرز منحنياتها الانثوية وبسخاء منقطع النظير، وهو يشعر بضغط دمه وقد ارتفع وأيضا الى علوٍّ منقطع النظير!

تقدمت منه بينما يراقب هو تحركاتها متسمّرا في مكانه ولم يكد يصدق عينيه وهو يراها تدنو منه حتى وقفت أمامه مباشرة ثم مالت عليه، فأقرب. ثم أقرب. حتى جحظت عيناه وهو يرى مفاتنها الظاهرة من خلال بلوزة منامتها تلك، لتهمس بعدها برقة:
- ممكن؟!
أجابها حمزة بانشداه تام: - امممم!
ضحكة ناعمة كادت تسلبه البقية الباقية من عقله تبعها صوتها الرقيق وهو يقول: - عن اذنك.

لتعتدل بعدها وهي تمسك بيدها جهاز التحكم الخاص بالتلفاز قبل ان تقول: - عاوزة الريموت.

وبخفة العصفور كانت قد سارت لتجلس على الأريكة الصغيرة أمامه مباشرة، مستمرة في تعذيبه بل وعاقدة العز على اصابته بنوبة قلبية وهو يرى مفاتنها بشكل واضح لا شك فيه، بينما تظاهرت هي في الانشغال بالتقليب في القنوات بينما قلبها فيدق بسرعة عالية، بينما تكاد تقفز لدى أدنى حركة منه، لاعنة عنادها وعقلها الغبي الذي صوّر لها انها تستطيع معاقبة حمزة لتطاوله على النظر الى أنثى غيرها، ولم تتوقف كثيرا لتفكّر هل سبب غضبها غيرة على كرامتها كما تبرر دائما أم، غيرة عليه هو، غيرة امرأة على رجلها هي؟!

انتبهت من أفكارها على صوت حمزة وهو يقول ببساطة: - أيوة. خلي الفيلم دا، رؤؤؤعه.
قطبت نجوانت وهي تراه وقد نهض من مكانه ليدنو منها ثم أزاحها جانبا وهو يقول بينما عيناه معلقتان بالشاشة المسطحة:
- خديني جنبك بقه عشان أعرف أتابع الفيلم من أوله، صغيرة على الحب مينفعش الواحد يفوّت منه مشهد واحد!

وجلس ليحشرها بينه وبين ذراع الأريكة التي تتسع لاثنين بصعوبة، وما أن همّت بالقيام حتى سارع بالقبض على معصمها لينظر اليها قائلا بابتسامة بينما ازدادت دقات خافقها وشحب وجهها وهي تسمع كلماته:
- رايحة فين يا نوجة، السهرة لسّه في أولها!
ولا تدري لما اشتمت رائحة وعيد في كلماته تلك!

لم تستطع نجوان الا الاندماج في الفيلم لينخرط الاثنان في نوبة من الضحك حينا بينما تحمر وجنتيها أثناء المشاهد العاطفية، ليضبطها حمزة في مرة وهي تتنهد عميقا بينما ظهر الشرود على محياها فقال بابتسامة:
- مالك يا نوجة، سرحانة اوي ليه؟ مستغربة حبهم ولا عشان جازفت بكل حاجة في سبيل حلمها؟

نجوان بهيام تام وعينيها معلقتان بالفيلم: - لا طبعا، بس بفكّر لو كان فيه واحد زي رشدي أباظة كدا دلوقتي، أكيد هتكون محظوظة اللي تكون من نصيبه!

وأرفقت عبارتها بتنهيدة عميقة، ليقول هو ببساطة أول الامر: - آه فعل، – ولكنه بتر عبارته بعدها وقد استوعب معنى عبارتها ليصرخ عاليا وهو يطالعها ورغبة في القتل واضحة في عينيه – نعم!

ولكن نجوان تأففت قائلة: - تؤ تؤ تؤ، ايه يا حمزة، وطّي صوتك، هتخرجني من الموُود اللاه!
ليطالعها حمزة ببلاهة للحظات قبل أن يكشّر بقوة ثم يسارع بالضغط على جهاز التحكم الخاص بالتلفاز ليغلقه وهو يهتف بتحد:
- طب أهو التلفزيون. مافيش فيلم، ايه رأيك بقه؟!
نظرت اليه نجوان بغيظ وهي تهتف بحنق: - طب ليه رخامتك (سماجة) دي؟ هات الفيلم يا حمزة عاوزة أتفرج على رشدي!

هدر حمزة في ذهول وغضب: - رشدك! لا يا حبيبي ارجعي انتي لرشدك أحسن يمين بالله ما يحصل لك طيب!

لتقفز عيناه الى الامام وهو يراها تنهض بصعوبة من جانبه وهي تقول ببرود بينما تمسك بيدها جهاز حاسوبها المسطّح قائلة:
- خليهولك اشبع بيه، هدخل أكمله جوّة ع التاب بتاعي!
في أقل من طرفة عين كانت يده تقبض على معصمها ليشدها بقوة فسقطت من بين أحضانه وما أن انتبهت من ذهولها حتى كان يحاصرها بذراعيه، بينما تحاول هي الفكاك منه قائلة بحدة من بين أسنانها المطبقة:
- ابعد يا حمزة!

حمزة بكلمة نفي واحدة، باترة: - أبدا!

ويزيد من تهوّره فيمد يده ينزع مشبك شعرها حيث كانت قد جمعته الى الاعلى بشكل عشوائي فتراقصت خصلاته على وجهها بطريقة أسرته ما ان وقعت عيناه عليه، ولكن الان انساب متهدلا ليغطي ذراعه فيشعر بنعومته وهي تدغدغ أطرافه، وفي حين شعرت نجوان بالخطر من نظراته التي ازدادت قتامة لتحاول التماسك وهي تأمره بتركها كان هو يبدو كالمغيّب، اذ ارتفعت يده دون ارادة منه، حيث غرز أنامله بين طيات شعرها النحاسي، يتلمس نعومته، ثم رفعه أمام أنفه ليستنشق رائحته المنعشة وهو يغمض عينيه، لتهمس نجوان بصوت مختنق:.

- حمزة. أرجوك!
ليفتح عينيه يطالعها بنظرات تلتهم كل أنش فيها قبل أن يهمس بصوت متحشرج وهو يعتصرها بين ذراعيه بينما وضعت يديها على صدره تحاول دفعه بعيدا عنها دون طائل:
- أرجوكِ أنتي!

وكأن عيناه قد سمرتاها في مكانها، إذ سكنت تطالعه بخوف وترقب، بينما مال هو عليها ببطء، حتى لمس شفتيها، برقة. بعذوبة. بحنان، حتى كادت تبكي لفرط حنانه، فرفعت ذراعيها بتردد لتحيط عنقه بهما، في حين ضمّها هو بقوة اليه، ليتحول عناقه من حنون رقيق، إلى آخر. عاصف متطلب، ولم تعي بعد ذلك ما الذي حدث تماما. فكأنها قد خطت بقدمها داخل دوامة عنيفة، جرفتها إلى أخرى عميقة. حيث غرقت هناك في طوفان عشق مجنون لم يسبق لها وأن سمعت عنه في أيّ من حكايات الغرام قديما أو حديثا!

زفر بتعب وهو يحل أزرار قميصه ليخلعه عن كتفيه ويلقي به بعيدا قبل أن يغرز أصابعه في فروة رأسه يدلّكه والصداع يكاد يفتك به، قبل أن يتناول منشفة عريضة ثم يفتح باب غرفته ليتجه الى الحمام المجاور له حينما كاد يصطدم، بها!

شهقة خافتة صدرت عنها بينما تتراجع الى الوراء بعد أن همّت بطرق الباب، فقطب وقال بتساؤل لم يخلو من دهشة:
- منال؟!
سارعت منال الى خفض عينيها وهي تقول بتأتأة بينما تستدير للانصراف: - آ. آسفة، كنت عاوزة أتكلم معاك. لكن.
ليقاطعها وقد قبض على معصمها الرقيق الذي ضاع في ضخامة راحته القوية وقد هتف قائلا:
- لا استني!

نظرت الى يده المحيطة برسغها فتتبع مسار عينيها ليفلت معصمها ببطء وللغرابة فقد شعر بالأسف لفقدان نعومة يدها الشبيهة بيد الاطفال! رفعت نظراتها اليه ليقول:
- اكيد الحاجة اللي عاوزة تتكلمي فيها مهمة أوي، بدليل أنك سهرانة لغاية دلوقتي، والسهر دا مش عوايدك. كبيرك 11 بتكوني نايمة!
قطبت منال وقالت بحيرة: - غريبة!، عرفت منين أني بنام بدري؟!

نظر اليها بنصف ابتسامة بينما يتساءل في داخله ترى ماذا سيكون رد فعلها أن عرفت مدى ما يعلمه عنها؟ هو لا يعلم فقط موعد نومها المعتاد ولكن أيضا. طريقة نومها. حيث تحتضن الوسادة كالطفل الذي ينام في حضن أمه! ى يعلم كيف يشكر فريد الصغير فهو الذي تبرّع في مرة من المرات وكان ينام بجواره حينها في أن يخبره عاداته هو ووالدته في النوم!

نفض هشام عنه أفكاره ونظر اليها قائلا: - عادي يا منال، احنا بئالنا فترة مع بعض دلوقتي، وأنا برجع من شغلي متأخر ودايما كله نايم، فطبيعي أعرف أنك من اللي بيناموا بدري.

منال ولم يعجبها التحدث في موعد نومها، فقالت وهي تخفض عينيها: - كنت عاوزة أعرف ايه اللي حصل في القضية.
تنهد هشام بعمق ثم قال مشيرا اليها الى الخارج: - طيب استنيني ثوانى هغيّر هدومي وآجي نتكلم.
منال وقد شعرت بالحرج: - لا خلاص، شكللك تعبان.
ولكنه قطع عليها السبيل في الفرار منه إذ سارع قائلا: - بصراحة أنا جعان!

ابتسامة صغيرة ظللت وجهها وهي تصر على عدم رفع عينيها اليه، لتقول وقد شعرت وكأنه فريد صغيرها عندما يجوع فيخبرها بنظرات تدعو الى الشفقة عن رغبته في الطعام:
- خلاص. على ما تخلّص حمامك هكون حضرت لك حاجة خفيفة عشان تتعشى.

وسارعت بالاختفاء من أمامه بينما وقف هو يتابعها حتى اختفت تماما من أمام ناظريه قبل أن يستأنف طريقه الى الحمام للاغتسال وازاحة تعب اليوم عن كاهله فيما بداخله يشعر بحماسة غريبة ولأول مرة يستشعر هذا الاحساس الذي غاب عنه منذ زمن. أن يعود الى منزله ليجد هناك من ينتظره، حتى ف زيجته الاولى كانت ليلى تنام ملئ جفنيها لا تحمل همّا إذا ما عاد متأخرا أو حتى اضطر للمبيت خارجا. وكأن عمله ليس مع أشد أنواع المجرمين خطورة. بل كأنه ذاهب للتريض مع أصدقائه أو في نزهة ما!

انتهت منال من تجهيز بعض الشطائر الخفيفة من اللحم المدخن والجبن مع أوراق الخس والطماطم، ووضعت كوبا كبيرا من عصير البرتقال الطازج، مع قطعة من كعكة الشيكولاتة التي صنعتها خصيصا تلبية لرغبة فريد ابنها حيث يعشق ما يسمى بالشوكولاتة، ثم رفعتها وتوجهت بها الى غرفة الجلوس، فوضعتها على الطاول الزجاجية ليأتيها صوت هشام وهو يقول:
- تعبتك يا منال.

رفعت منال رأسها فرأته وقد اغتسل حيث قطرات المياه تلمع فوق خصلاته القصيرة السوداء، بينما ارتدى بنطال قطنيا وبلوزة بيتية محكمة على جذعه العلوي، قالت منال بابتسامة صغيرة:
- لا تعب ولا حاجة. انت أكيد بتهلك في شغلك، ما حبتش أعملك عشا تقيل عشان مش كويس تاكل وتنام على طول. تتعب بعدين!

كان هشام قد جلس وقد تناول شطيرة يلتهمها بجوع واضح عندما توقف عن المضغ رافعا عينيه اليها يطالعها بغرابة، لا يدري ما الذي حلّ به الليلة، فكلماتها تلك قد تبدو عادية في نظر اي شخص، ولكن بالنسبة له شعر أن هناك من يهتم لصحّته ويخشى عليه بخلاف والدته، لينظر اليها متفحصا لأول مرة هذه الليلة، فيرى وجهها وهو محاط بوشاح اسدالها الزهري اللون، فيبرز بياضها بشكل واضح، وتحت الاضاءة الخفيفة للغرفة كان هناك ظلال لرموشها الطويلة فوق وجنتيها الورديتين، ليهاله مسار أفكاره، فسارع بقضم قطعة كبيرة من الشطيرة وهو يشعر بالغيظ من نفسه، ما باله اليوم يبدو كمحدثين النعمة وهو من كان زوجا لخمس سنوات تقريبا؟!

تنحنحت منال وقد لاحظت شروده ولكن لا بد لها من الحديث معه فهي لن تصحو بانتظاره ثانية، يكفيها حرج هذه الليلة! قالت منال:
- ما قولتليش القضية أخبارها ايه؟ عرفوا مين اللي قتل فضل الرازي؟
هشام وقد فارقه مزاجه المعتدل، حيث مال واضعا ما تبقى من شطيرته في الصحن أمامه قبل أن يقول بهدوء:
- للأسف يا منال، اتقيدت ضد مجهول!
منال بذهول: - ايه؟ يعني ايه اتقيدت ضد مجهول دي؟

هشام زافرا بتعب: - خناقة بين المساجين في السجن، الكل قال ماشوفناش حاجة، الخناقة انفضت هنا واكتشفوا جثته مرمية ع الارض من هنا، مين اللي عملها الكل بيقول ميعرفش!

ولم يخبرها أن عسكري حراسة السجن المسكين قد تم مجازاته بعقوبة الاهمال أما هو فقد اكتفى قائده بلفت نظره ولولا علاقته الطيبة معه واشادة رؤسائه به لكان لهم معه شأن آخر كما أخبره القائد!

منال بتقطيبة: - اكيد خايفين، معقول واحد يتقتل بينهم ومافيش حد خالص شاف اللي عملها؟
هشام بايماءة موافقة: - الكل خايف يتكلم، فضل الرازي جات الاوامر بتصفيته لانه وراه ناس تقيلة، من مصلحتها انه يموت ويموت سرّهم معه!

زفرت منال بضيق وقالت: - طيب ورياض ذهني؟
لتعتلي الشراسة وجه هشام وهو يقول بوعيد: - أهو دا اللي مش هيقدر يفلت من ايدي، لأنه بالنسبة لهم كلب من كلابهم ميعرفش حاجة خالص عنهم، فضل كان هو همزة الوصل الوحيدة وبموته اندفن كل شيء معاه. لكن وديني وما أعبد ما هرحمه، أنا وراه لغاية ما ياخد اعدام.

منال بتعب: - ان شاء الله، هو رهن الاعتقال صح؟
هشام موافقا: - هو وأخوه اللي جِه يتهجم عليا في مكتبي عامل لي فيها السبع رجالة في بعض. يبقى يوريني شطارته بقه وهيقدر يعمل ايه، أنا مش رتاح غير لما أخلّيهم عبرة لغيرهم. هما ميعرفوش وقعوا مع مين!

منال بصدق: - خلي بالك منهم يا هشام، دول معندهومش رحمة ولا يعرفوا قانون، مكن يعملوا اي حاجة عشان ينتقموا منك.

هشام بشبح ابتسامة: - ما تقلقيش يا منال، في شغلي دا يا ما شوفت مجرمين وارهابيين، أنا مش طالع رحلة ولا أتفسح.

أسرعت منال نافية: - لا طبعا أنا عارةف طبيعة شغلك وخطورته كمان، عشان كدا بقولك خد بالك من نفسك، للأسف الناس اللي بتسعى في الأذية كتير أوي يا هشام.

لا يعلم هشام لما طاوع هاجسه الماكر ليقول: - وانتي بقه يهمك اني آخد بالي من نفسي؟
تلعثمت منال وقالت وهي تهرب بعينيها منه: - أ. أكيد يا هشام، ماما أنعام ممكن يجرى لها حاجة بعد الشر لو حصلك حاجة، وفريد كمان متعلّق بيك أوي.

عاجلها قائلا قبل أن يمنع نفسه: - وأم فريد. مش هتزعل لو جرى لي حاجة؟!
تدرج وجهها بين الشحوب أول الأمر ثم الامتقاع خجلا قبل أن تقول بتردد بينما تنهض واقفة:
- أ. أكيد يا هشام، أنا عمري ما بتمنى لأي حد حاجة وحشة، مهما كان!
وأسرعت بالاختفاء من أمامه مردفة على عجل: - تصبح على خير.
وتركته وهو يطالع طيفها الهارب في قنوط سببه عبارتها الأخيرة، ولا يدري لما شعوره بالضيق المفاجئ لكلماتها تلك؟!

جلست بجابنه في السيارة في صمت تام، تعقد ذراعيها أمامها وتنظر الى نافذتها، وهي تزم شفتيها كالأطفال تماما، بينما جلس هو يختلس النظر اليها بين كل آن وآخر، وهو يخفي ابتسامته من حبيبته التي لن تكبر أبدا!

كان هو أول من خرق الصمت الذي ساد الجو المحيط بهما منذ انطلاقهما في رحلتهما تلك:
- هتفضلي مبوّزة ومدياني (تعطيني) الوش (الوجه) الخشب دا كتير؟!
ريما ببرود دون أن تلتفت اليه: - وانت يهمك ايه اذا كان وش خشب ولا بلاستيك؟ أنت مش نفّذت اللي في دماغك وخدتني بالعافية زي ما تكون بتشحن شوال بطاطس وانت بتحطني قودام الأمر الواقع قودام بابا!

عصام بصبر: - يا ريما يا حبيبتي، أنا مش امبارح واحنا راجعين من فرح نجوان قلت لك اننا هنقضي انهارده كله سوا؟

ريما وعيناها لا تزالان مثبتتان أمامها: - وأظن أني قلت لك لا! عندي شغل ومينفعش، لكن ازاي عصام بيه يقول حاجة ومش تتنفذ؟ انت تؤمر والكل عليه السمع والطاعة!

عضّ عصام على نواجذه بغيظ شديد وتمالك نفسه بصعوبة فهو لا يريد افساد النهار من أوله، ليقول وهو يضغط على أعصابه بقوة:.

- ريما أنا ما كنتش بأمر ولا بتحكّم، انهرده أول يوم لينا بعد كتب كتابنا، حبيت نقضيه مع بعض في المكان اللي هيجمعنا قريب سوا ان شاء الله، أظن مش غلط ولا استبداد بالرأي ولا حاجة، بالعكس، أنتي المفروض تفرحي أني مش عاوز دقيقة تفوت من غير ما نكون فيها مع بعض، كفاية اللي ضاع مننا لغاية كدا!

اشعرها بدناءتها وخطئها في حقه. نعم! وبقوة! لينحسر غضبها ويحل معه شعورا بالخجل من سوء ظنها به، فسعلت لتجلي حنجرتها لتقول بغلظة فهي ستكون ملعونة ان اعتذرت او سلمت بصحة كلامه فهي أدرى الناس به سرعان ما سينتهزها فرصة ويتمادى في تحكماته والمبرر. أنه عريس!

قالت ريما: - خلاص حصل خير، عموما الغلط مش غلطي، أنت اللي مفهمتنيش كدا، أنت كنت بتتكلم زي اللي بيدّي (يعطي) أوامر ومش عاوز مناقشة!

ضحك عصام بدهشة وقال: - يعني متكبّرة بردو تعتذري! عموما يا ستي خليها عليا المرة دي، عشان بس تعرفي أد ايه انا زوج ديمقراطي وبفوّت لك من أولها أهو!

توسعت حدقتيها في ذهول لتلتفت اليه تطالعه فاغرة فمها في بلاهة ليغمز بعينه اليمنى لها في عبث، فامتقع وجهها خجلا فيما تعالت ضحكاته لينطلق الى وجهتهما وقد سرى في جسده احساسا حماسيا وحدها تلك الصغيرة العنيدة من تستطيع بثّه فيه!

وصلا الى منطقة مترامية الاطراف، لتنظر حولها فتجد الرمال تحيطها من كل اتجاه، ترجل عصام من السيارة، قبل أن يتجه ناحيتها ويفتح بابها يدعوها للهبوط، فترجلت بدورها ووقفت تتلفت حولها، بينما أوصد عصام باب السيارة وأمسك بمرفقها ليقودها عندما وقفت تطالعه بتساؤل وهي تقول:
- احنا فين هنا؟
عصام بابتسامة: - اصبري وانتي هتعرفي. مش عاوزة تشوفي منزل الزوجية؟!

ريما بذهول وهي شتير بيدها الى الصحراء المترامية الاطراف من حولها: - منزل الزوجية في الصحرا؟ طب قول خيمة الزوجية تبقى أوقع!
ضحك عصام ودفعها برفق لتسير وهو يقول: - ما تستعجليش. كم خطوة وهتشوفي بنفسك.
ريما بتمتمة محدثة نفسها بصوت مسموع: - هشوف ايه؟، هو فيه حاجة تتشاف هنا غير الرمل!

ولكن. بعد دقائق بالفعل ظهرت أمامها بقعة خضراء فاقتربا منها، لتلاحظ ريما قبة منزل يبدو كالكوخ الكبير، محاطا بشجيرات خضراء، لتنظر الى عصام في تساؤل ولكن الاخير دفعها برفق لتتابع سيرها، حتى وقفا أمام الباب، فقام باخراج سلسلة مفاتيحه ليفتح الباب، ثم يدفعه الى الخلف ويقف مشيرا اليها بالدخول وهو يقول:
- مملكتك يا أميرتي.

نظرت اليه في حيرة وريبة أول الأمر قبل أن يدفعها فضولها للدخول فتبعها عصام، وقفت بالداخل وهي تتطلع حولها بانبهار تام وهي تتمتم في ذهول:
- مش ممكن! دا...
لتقاطعها همسته الرجولية الحانية وهو يهمس بها في أذنها: - منزل الاحلام. كوخ صغير، وسط الشجر، والهوا بيصفّر حوالينا، والرملة بحر مالهاش آخر قودامنا!

التفتت اليه تطالعه بدهشة فائقة وهي تتساءل بحيرة: - عرفت ازاي؟

مال عليها عصام يحيط وجهها براحتيه زارعا عينيه وسط زمردتيها وهو يقول بدفء حانٍ: - فاكرة اللوحة اللي رسمتيها وانت عندك 18 سنة؟ يومها أنا سألتك وقلت لك دا ايه قلتي لي بيتي اللي عاوزة أعيش فيه، وقتها رسمتيه ليا بكلماتك ووصفك ليه، شوقتيني أني أشوفك من لوحتك ومن كلامك عنه، واخدت عهد على نفسي أني هحقق لك حلمك دا، وهكون شريكك فيه، ونعيش سوا في البيت الصغير الدافي وسط الطبيعة البِكر اللي لسّه ما وصلهاش ايد انسان!

دمعت عينا رينا وهمست بصوت متحشرج: - أنا مش عارفة أقولك ايه يا عصام، معقولة؟ لسه فاكر حاجة من اربع سنين وأكتر؟

عصام بحب يلمع بين مقلتيه: - عمري ما نسيت حلمك يا حبيبتي. ما تتصوريش حالتي كان شكلها ايه لما عرفت ب. – وسكت لم يستطع أن يكمل فلا تزال ذكرى ارتباطها بآخر تؤلمه حتى لو أصبحت في طي النسيان – كنت هموت، فيه حد تاني غيري هيشاركك حلمك! وحمدت ربنا ألف مرة لما الموضوع ما كملش، حاسيت انها اشارة من القدر انه لسّه لي فرصة، وصممت أمسك فيها بايديا واسناني. وأواجه أي حد يقف قودام تحقيق حلمي بيكي، حتى لو كان ال حد دا انتي يا ريما!

ابتسامة صغيرة شقت ثغرها الصغير بينما رفعت يدها تمسك بيده المحيطة بوجنتها: - بس الناس هتقول علينا مجانين! حد يعيش في الصحرا؟

عصام بعشق سرمدي بينما صوته يتغلغل بدفئه داخل خلاياها فيدغدغ أوصالها: - وأنا مش عاوز من كل الناس غيرك انتي! نفسي اعيش أنا وأنت بعيد عن الكل. عارف طبعا انه دا صعب لكن هيبقى لنا أوقاتنا الخاصة اللي هنهرب فيها من الكل ونيجي هنا. في كوخنا الدافي دا، محدش يعرف عننا حاجة، لا نشوف حد ولا نكلم حد غيرنا وبس. هيبقى ملكية حصري ليا انا وانتي مش مسموح لحد يدخله ولا حتى ولادنا!

ضحكة صافية كمياه جدول رقراقة صدرت عنها لتقول بعدها وهي تخفض عينيها في خجل: - طيب ممكن أشوف ملكيتنا الحصري؟
ابتسم عصا ثم مال عليها مقبلا جبينها قبل ان يقول متسائلا وان كان قد علم الجواب مسبقا من سعادتها المتقافزة في عينيها:
- يعني سامحتيني عشان صممت نخرج انهرده؟
ريما بحنان: - بعد المفاجأة دي أنا مستعدة أسامحك على أي حاجة.
عصام بابتسامة ماكرة: - أممم أي حاجة؟ طيب افتكري وعدك دا بعدين!

وسار بها يتجول معها وسط غرف الكوخ الخشبي الدافيء وقد تحمست هي وهي تشرح له نوعية الاثاث الذي تريده وأين ستضعه، ليصلا الى المطبخ الصغير المفتوح على الردهة، فوجدت موقد صغير وآخر كهربائي للشاي والقهوة، وبراد صغير آخر، قال عصام شارحا:
- أول حاجتين دخلوا هنا، عشان لما نفرش الكوخ نقدرة نستخدمه.
ريما باستفهام: - بس غريبة فيه كهرباء هنا؟

عصام بابتسامة: - دا موتور كهرباء، الكهرباء لسه هتدخل، المنطقة زي ما أنت شايفة جديدة، أقرب مدينة لينا على بعد 30 كيلو تقريبا.

ثم سكت يطالعها بابتسامة قبل ان يغمز بعينه في عبث مردفا: - يعني من الآخر أنا هستفرد بيكي هنا!
تسارعت دقات قلبها لتقول وهي تتراجع الى الخلف: - طيب. مش نمشي بقه؟ الدنيا هتليّل علينا واحنا مشوارنا طويل. عشان بابا ما يقلقش.

عصام وهو يدنو منها فيما تتراجع هي الى الخلف: - لا ما تقلقيش، طول ما انتي معايا عمي نزار مش هيقلق من حاجة، وبعدين بصراحة لسّه فيه سبب اننا جينا انهرده غير انك تشوفي المكان!
استطاع الاستحواذ على انتباهها لتقف مكانها تطالعه مقطبة جبينها: - سبب! سبب ايه؟
عصام ببساطة وقد وصل اليها ليحتجزها بينه وبين الحائط خلفها: - فرحنا!
ريما بحيرة: - ماله فرحنا؟!
عصام بحماس: - ايه رأيك بعد شهر من دلوقتي؟

ريما وقد توسعت حدقتيها ذهولا: - مين دا اللي بعد شهر من دلوقتي؟
عصام بصبر: - فرحنا!
قطبت ريما مرددة: - فرحنا!
زفر عصام بضيق: - جرى ايه يا ريما؟ صعبة؟ فرحنا أنا وانتي بعد شهر!
ريما بعدم فهم: - دا اللي هو ازاي يعني؟
عصام بزفرة طويلة: - اللي هو طبل ورق وزغاريد والعروسة للعريس والجري للمتاعيس و، اللي بعد كدا مش لازم أقولهولك دلوقتي خليه عملي أحسن!

لتنقض عليه ريما بضربة من قبضتها الصغيرة الى صدره ليفاجأ بها بينما هتفت في حنق واضح:
- عملك كحلي مخطط برمادي يا ابن خالي! هو سلق بيض؟ أراهنك انك اشتريت البيت دا في وقت أطول من اللي ناوي تتجوز فيه.

قاطعها قائلا بابتسامة مشيرا باصبعيه السبابة والوسطى: - ناها مش نيها يا حبيبتي!
قطبت ريما متسائلة: - هو ايه دا؟
عصام شارحا: - انتي بتقولي تتجوز. الصح. نتجوز أنا مش هتجوز لوحدي يا ريمتي!
ريما بنفاذ صبر: - عصام بقولك ايه. خلينا نروح أحسن، وانسى خالص كلام في معاد الفرح دلوقتي، هو احنا لسّه شوفنا البيت اللي هنعيش فيه؟ انت قايل دلوقتي أنه دا هيبقى في اجازتنا، لكن هنعيش فين؟

عصام ببساطة: - الفيلا اتشطبت فعلا وناقص ننزل نشتري العفش واحنا بنشتري للكوخ هنا!
توسعت حدقتي ريما والتي طالعته بغير استيعاب وكأنه يتكلم بلغة لا تفقهها، قبل أن تقول:
- فيلا مين؟
عصام بضحكة صغيرة: - جرى ايه يا ريما، هو اللي طالع عليكي عفريت فيلا مين، فرح مين، هو فيه حد غيرنا هيتجوز في العيلة؟!

ريما وهي تحاول تمالك أعصابها: - شوف يا عصام عشان متعصبش، هو أنا آه قلت لك اني مسامحاك على أي حاجة لكن ما توصلش أنه كله يحصل وانا آخر من يعلم! الفرح حضرتك عاوزه بعد شهر وأراهنك انك محدده مع بابا – نظرت اليه لتعلم من تعبيرات وجهه أنها على حق قبل ان تكمل تعداد على أصابعها – حتى المكان اللي هعيش فيه بعد الجواز حضرتك اللي اخترته وأنا ايه ان شاء الله؟ مش المفروض يكون لي رأي في البيت اللي هعيش فيه؟!

أمسك عصام كتفيها برفق ومال عليها قائلا بابتسامة: - حبيبتي صدقيني. زي ما أنا اخترت المكان دا وطرتي بيه من الفرحة، أنا متأكدة أنه بيتنا بردو هيعجبك، أنا عارفك كويس أوي يا ريما، وعارف بتفكري ازاي وايه هو المكان اللي نفسك تعيشي فيه، ممكن بقه تسيبي لي نفسك خالص؟

ريما بتردد بسيط وهي لا تزال متشبثة برأيها: - طيب بس الفرح مش بعد شهر...
اقترب منها عصام حتى التصق بها ليهمس أمام وجهها فتضرب أنفاسه الساخنة بشرة وجهها القشدية:
- أومال عاوزاه امتى؟
أزاحت بوجهها بعيدا وهي تقول بينما الاضطراب قد شاع في أطرافها: - مش قبل ست شهور!
ليميل عليها مقبّلا صدغها بقبلات رقيقة وهو يهمس بدفء: - مقدرش. كتير يا ريما، حرام عليكي!

ريما وهي تغمض عينيها محاولة عدم التأثر بقبلاته الدافئة: - طب. تلاتة!
ليلثم جانب وجهها الآخر مرورا بوجنتها حتى أذنها وهو يقول بهمس خشن: - طب وعشان خاطري؟
ريما وقد بدأت تشعر بالذوبان من فرط رقة لثماته الصغيرة: - شه، شهري.
ليقاطعها عصام مكملا بصوت متهدج: - شهر واحد بس يا ريما. وربنا يصبرني عليه!
ولم يمهلها الرد إذ سارع هاتفا بلهفة: - انتي قلتي مسامحاني على أي حاجة صح؟

قطبت وما أن همّت بالسؤال حتى وقفت كلماتها في حلقها فقد أسكتها عصام بقبلة دافئة، عميقة، ليحتويها في عناق مسيطر، حيث تشرّب فيه أنفاسها، ولم تكد تبتعد لتستنشق الهواء حتى يسارع هو الى ابتلاع زفيرها في جوفه مرة بعد مرة وكأنه لا يحيا إلا عبر أنفاسها هي، حبيبته العنيدة!

كان لا يزال بعمله عندما أتاه اتصالا هاتفيا، فرفع هاتفه الشخصي ليطالعه رقما سريّا، ليقطب ثم يتلقى المكالمة، وما هي إلا لحظات حتى كان يقفز من مكانه صارخا بقوة:
- انت بتقول ايه؟
الصوت الغريب: - بقول قودامك 24 ساعة ورياض ذهني يطلع منها، ماذا وإلا روح المدام وابنها هي اللي هتطلع!

وقبل أن يستوضح أكثر كان صوتا يعرفه حق المعرفة يهتف برعب شديد: - عمو هشام، الحقنا يا عمو!
ليحدق أمامه في عينين واسعتين بذهول ورعب بينما وصله صوتا أنثويا آخر يقول بصوت متعب:
- هش هشام. انا مش عارفة احنا فين.
ليأتيه الصوت الغريب ثانية وهو يقول باستهزاء واضح: - المهم اننا عارفين انت فين، وهتبقي فين انتى والمحروس ابنك لو هشام باشا ما نفذش طلبنا، مفهوم يا. هشام باشا؟

وأنهى المكالمة ليفيق هشام من ذهوله وهو يصرخ عاليا، قبل أن تسقط يده القابضة على الهاتف، وما هي الا لحظات حتى صرخ عاليا يأمر الشرطي باحضار رياض ذهني من محبسه!

دلف الشرطي، بينما جلس هشام على الكرسي المقابل لمكتبه، حيث أشار للعسكري بالانصراف، فيما وقف رياض يرمقه باستهتار واضح، فقد علم أن الشيخ عواد هو من يستيطع انقاذه مما هو فيه، فهو وأن كان قد فقد أهميته لدى من كان يقف وراء فضل الرازي، ولكنه يعلم تماما أن حياته غالية عند الشيخ عواد أكبر تاجر سلاح في سيناء، من قام معه بصفقات كثيرة، جعلته لا يرفض له طلبا أبدا بل ويعمل على الحفاظ على حياته فهو كمغارة علي بابا بالنسبة له! وفي آخر زيارة لأحد رجاله أخبره أني ذهب الى عواد وأنه سيتكفل باخراجه من ها السجن اللعين، وأتته الاشارة أن عواد قد تحرّك بالفعل وأنه سيخرج قريبا جدا!

وقف رياض متململا قبل أن يقول بسخرية: - ما اعتقدش أنك جايبني عشان تقعد تبص لي؟
نهض هشام ببطء، ليقف مراقبا له في صمت لمدة ثوان، جعلت رياض يقطب توجسا، قبل أن يبدأ هشام بخلع ساعته اليدوية في هدوء تام، ثم يرفع أكمامه الى الأعلى، ليتقدم بعدها من رياض الواقف يراقبه بريبة، وعلى حين غرّة كانت قبضته القوية ترتطم بفكّ الآخر ليرتمي الى الخلف حيث سقط فوق الطاولة الصغيرة منقلبا الى الجهة الأخرى منها!

لم يكد رياض يعتدل حتى فوجئ بهشام وهو ينقض عليه يرفعه من مقدمة ثايبه وينهال عليه بالصفعات واللكمات، حتى سال الدم من أنفه وفمه، ليهتف بصوت متقطع:
- ه. هودّيك. هودّيك في داهية.
هشام بسخرية قاسية: - الداهية دي هتشوفها بعينيك الاتنين وحالا. مرعي!

وصرخ مناديا بصوت عالي ليندفع رجلا ضخم الجثة في زي الشرطي الى الداخل هاتفا بنعم في تحية عسكرية، فقال هشام والذي لهث هو الآخر من فرط انفعاله اثناء ضربه المبرح لذلك الجرذ العفن:
- خُد الباشا وهات لي التاني. وما تنساش تعمل معه الواجب وزيادة شوية!

فاقتاد رياض أمامه قابضا على ياقته، وما هي إلا دقائق حتى كان قد عاد بصحبة الآخر. سمير. أخو رياض، والذي ما أن أبصر حالة رياض المزرية والكدمات التي تملأ وجهه والدماء المتجمدة عليه حتى كاد يغشى عليه من الصدمة ولم يمهله مرعي حيث اقتاده الى هشام، ليقف سمير أمام هشام يقول بينما رعبه واضحا من نظراته الزائغة:
- أنت هتعمل ايه؟ أنا بحذّرك...

قاطعه هشام باستهزاء واضح: - انت لسّه عامل فيها سبع الرجالة، طيب وريني بقه هتقدر تعمل ايه؟
وعلى حين غرّة كان هشام ينهال عليه ركلا وصفعا ولكما، حتى شوّه معالم وجهه كلية، قبل أن يقبض على مقدمة ثيابه يهتف فيه بوحشية:
- هما فين؟
سمير بصوت واهن: - هما. هما مين؟
لكمة قوية تبعها صراخ هشام الهائج: - انت هتستعبط بروح أمك؟ وديتوا مراتي وابنها فين؟

سمير وهو يتذكر وجه رياض صباحا وهو يخبره بنجاح عواد في اختطاف تلك المرأة وابنها، وتذكر مخاوفه والتي استهان بها رياض وأن هشام لن يستطيع فعل شيء، فزوجته وابنها سيكونان في قبضته هو!

همس سمير في محاولة منه للتنصل من الجواب: - مع معرفش!
صفعة قوية، رفع بعدها هشام ركبته ليضرب بها بقوة بين ساقي سمير والذي صرخ عاليا كالحيوان الجريح بينما لم يسمح له هشام بالسقوط بل قبض بقوة أكثر على مقدمة ثيابه حتى كاد يختنق بينا هدر بشرّ:
- أقسم بالله أقطع من لحمك الحيّ لو ما جاوبت وقلت لي وديتوهم (أين ذهبتم بهم) فين؟..

صمت تبع تحذيره، ليرميه جانبا فسقط كالكتلة الهلامية فوق الكرسي بينما خلع هشام حزام بنطاله ليضرب به الهواء وهو يصيح بشراسة:
- انت اللي اخترت؟

ومع أولى ضربات الحزام الجلدي القاسية تماما كالسياط اللاذعة، كان سمير يصرخ معترفا بكل ما لديه من معلومات، ليهتف هشام مناديا مرعي كي يقتاد سمير الى الحبس الانفرادي تماما كما فعل برياض، بينما وقف هشام وهو يتنفس بقوة فيما برقت عيناه بعزم لا يلين، ليُقسم على معاقبة من تجرأ وفعل فعلته الدنيئة تلك، ليس مُنطَلَقا من واجبه كرجل أمن، ولكن. لرغبة عارمة في الانتقام ممن استباح عرضه وشرفه، زوجته هو وصغيرها، ولن يزحزحه مخلوق عن ذلك، فالكل سيدفع الثمن غاليا. وبلا استثناء!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة