قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية إلا أنت (نساء متمردات ج3) للكاتبة منى لطفي الفصل الرابع والخمسون

رواية إلا أنت (نساء متمردات ج3) للكاتبة منى لطفي الفصل الرابع والخمسون

رواية إلا أنت (نساء متمردات ج3) للكاتبة منى لطفي الفصل الرابع والخمسون

تنظر الى باب الغرفة منذ ما يقرب من الربع ساعة، يكاد قلقها ينهشها عليه، ثلاثة أيام مرت منذ تلك الفاجعة التي حلت بهم وهو يحبس نفسه في غرفته رافضا الخروج أو رؤية أحد، وتحديدا منذ انتهاء مراسم تشييع الجنازة والعزاء.

لن تنسى تلك النظرة التي اعتلت محياه منذ أفاق من انهياره في المشفى، كانت نظرة خاوية وكأن أمه بوفاتها قد سحبت كل مظاهر الحياة منه، ليتحرك بعدها كالأنسان الآلي، فيبتعد عنها ويتولى وبكل صلابة أمور انهاء ترتيبات الجنازة، وصمم على حمل نعشها فوق كتفه، لوضعه في سيارة الاسعاف، ليصعد معها وكأنه يشاركها لحظاتها الأخيرة في هذا العالم قبل ان تتركه نهائيا الى العالم الآخر. ذلك الذي تقشعر لذكره الابدان على الرغم من أنه النهاية الطبيعية والحقيقية لكل كائن حي...

وصممت هي على مرافقته، لتشاركه تلك اللحظات، وكأنها بهذا تبدأ بتنفيذ وصيّة أمه، عندما نظرت اليها تمسك بيدها لتضعها في راحة ابنها وهي تطلب منها بصوت ضعيف متقطع ألا تتركه. وأن تظل بجواره، فهو بحاجتها، ونظرت لابنها مردفة بابتسامة واهنة أن يتبع قلبه، وألا يفرّط في حبه الحقيقي فالأخير عملة نادرة محظوظ هو من يجد من يبادله ذلك الحب بمثيله.

وطوال رحلة الوصول الى مدافن الاسرة كانت تمسك بيده بين راحتيها، بينما كان يتشبث هو بها، تماما كالطفل الذي يخشى الضياع، ليترجل بعدها سريعا معاودا حمل التابوت حيث ترقد أمه، يتقدم المشيعون، حتى وضعه أرضا أمام المقبرة، ويتولى حارسها أمر إدخال النعش لمثواه الاخير، يساعده، يحملها معه. يدخلها الى تلك الحفرة التي لا تتعدى المتريْن. حيث تتوارى عن الانظار. ثم يهيل التراب عليها ليغلقها، كل هذا وعيناه حمراوين، جاحظتين، بدموع جامدة، دعت الله كثيرا أن يرحه بسقوطها، فهي تخشى عليه كتم حزنه القوي هذا بداخله، حتى إذا ما انتهى الشيخ من الدعاء للميت، وقراءة ما تيسر من القرآن الكريم، وكان قد ما مر ما يقرب من الخمس واربعين دقيقة، بدأ المعزون بالانصراف بعد تقديم تعازيهم له، وكان قد اخبر المحامي الذي سرعان ما وافاه الى المشفى أن يقوم بالترتيبات اللازمة فالعزاء سيقتصر فقط على تشييع الجنازة، تماما كوالده.

وعاد الى منزل أسرته، ليغلق على نفسه داخل. غرفة والديه. أما هي فلا تتركه الا مساءا، لتأتي في الصباح، لا تراه، فلا يزال في محبسه الانفرادي الذي فرضه على نفسه، ولكن يكفيها أن تكون معه في ذات المكان، فهي الى الان لا تستطيع تصديق ما سمعته بآذانها من الفقيدة، فقد كانت تظن أن الخلاف بسبب اخفائها لأمر خطوبتها لوالد ريما بالسابق خاصة وأنها هي من سعى لتعيينه لدى الاخير، ولكن الحقيقة ظهر أنها تفوق بمراحل ما عرفته، لتجد له العذر في غضبه الشديد من امه، ليتداعى الى ذهنها الدقائق الاخيرة في حياة سهام تلك التي قاسمته ذكراهم بطلب من الاخيرة بل وإلحاح أيضا!

كانت تقف بجواره عيناهما متعلقة بباب تلك الغرفة حيث تم ادخالها اليها فور وصولها المشفى، مر ما يقارب النصف ساعة قبل ان يخرج الطبيب اليهما يخبرهما بأن حالتها الصحية في غاية الخطورة، وقد أفاقت المريضة تطلب رؤيتهما بإصرار شديد، ليوافق الطبيب في الاخير مع التشديد عليهما ألا تتعدى الزيارة دقائق خمسة وألا يجهداها في الحديث.

دلف معتز تلحق به شادية، ليقتربا من الفراش حيث ترقد والدته، كادت شادية تشهق مفجوعة ما ان رأتها، تكاد لا تصدق عينيها من أن تلك التي أمامها وقد غارت وجنتيها وشحب وجهها حتى غدا أبيضا كلون الوسادة أسفل رأسها، هي نفسها تلك السيدة التي كانت تجلس منذ سويعات فقط بكامل أناقتها ورونقها!

وقف معتز بجوار الفراش وهبط على ركبتيه يمسك بيد أمه حيث ابرة المحلول موصولة بظاهر يدها، ليرفعها الى وجهه يقبل ظاهرها وباطنها، يغسلها بدموع جافة، صوت ضعيف يناديه جعله يقفز واقفا لينحني على أمه التي رفعت يدها بصعوبة تتحسس وجه وحيدها وهي تقول بانهاك وتعب:.

- دعيت ربنا كتير أنه يمد في عمري لغاية ما تسامحني، قالوا، قالوا لي وأنا في. في العمليات قلبي، قلبي وقف وبعدين رجع يشتغل تاني، أنا دلوقتي بس عرفت ليه ربنا كتب لي النجاة وقتها، لأني دعيته قبل ما أعملها أنه يطّول في عمري لغاية ما أشوفك، وأطلب منك تسامحني.

سكتت تلتقط أنفاسها بصعوبة قبل أن تردف بينما أصابعها ترتعش وهي تتحسس بها تقاسيم وجهه:
- سا. سامحني يا بني. أنا غلطت وضع ضعفت، ضيّعت أحلى سنين عمري في وهم اني اتظلمت مع اني كنت أنا الظالمة. ظلمت أغلى اتنين عندي.

قاطعها معتز ولم يعد بقادر على حبس دموعه أكثر: - ما تكمليش يا ماما، انا اللي آسف، متزعليش مني، ما تشغليش بالك بحاجة دلوقتي، المهم تقومي بالسلامة وأنا أوعدك هعوضك عن كل الزعل اللي سببتهولك.

سهام بتعب: - معتز مافيش وقت للي بتقوله دا، اسمعني كويس. انا مش عاوزة أسمع غير. سا. سامحتك يا ماما.

معتز ولم يعد يستطيع الرؤية من دموعه التي أغشت عينيه: - انتي اللي تسامحيني يا ماما.
قاطعته باعتراض ضعيف وصوت نافذ الصبر
- يا بني ريحني.
معتز وهو يمسح وجهه بيد بينما بالاخرى لا يزال متشبثا بكفها: - سامحتك يا ماما. سامحتك.
ابتسامة راحة ظهرت على وجهها، لتدور بعينيها حولها قبل ان تستقرا على شادية فتنبسط أساريرها وتهمس قائلة:
- تعالي يا شادية. قربي يا بنتي.

فاقتربت منها حتى وقفت بمحاذاتها تماما من الجانب الاخر للسرير، فرفعت سهام يدها تجاهها، تدعوها للامساك بها، فأمسكت شادية بها لترفع سهام يدها الاخرى التي يقبض عليها معتز وتضعها فوق راحة شادية وهي تقول بينما تنقل نظراتها بينهما:.

- خليكي. خليكي جانبه يا شادية. ما. تسيبهوش يا بنتي. معتز. معتز قلبه مفيش أحن منه، أنا غلطت في حقه وحق الانسان الوحيد اللي حبني من غير مقابل. متظلمهوش يا بنتي. اوعديني. اوع اوعديني تفضلي جنبه على طول.

لتنظر الى معتز مردفة بابتسامة واهنة: - وانت يا معتز. حطّها في عينيك يا حبيبي. اللي زيّ شادية صعب تعوّضه، لانها بتخاف عليك من غير غرض، قلبها عليك انت، حتى لو قست في الكلام فعشان مصلحتك انت مش حاجة تانية. انت بتحبها ي معتز صح؟

بابتسامة حزينة وهزة رأس وافقها معتز لتقول سهام بفرحة لم تنتقصها حالتها الصحية الحرجة:
- يبقى اوعى تسيبها، اتجوزوا وعيشوا حياتكم، وربوّا عيالكم على الحب، ما تخلهومش يشوفوا منكم الا الحب وبس.

معتز يطمئنها: - حاضر يا ماما، بس المهم ريحي انت نفسك.
سهام وعيناها شاخصة أمامها وقد بدأ وجهها يكسوه البياض الغريب: - أنا سبني بقه أروح لحبيبي. مستنيني من زمان، وكل يوم أحلم بيه يقول لي تعالي لي يا سهام وحشتيني أوي أقوله لما أطمن على ابننا الاول!

معتز وخوفه يزداد من كلماتها: - لا يا ماما تروحي فين أنا عاوزك.
قاطعته فيما عيناها لا تحيدان عن النظر أمامها: - عاوزني في ايه؟ انت مراتك معاك!

قاطعهم صوت الممرضة وهو يطلب منهم ترك المريضة فحالتها لا تسمح بمزيد من الكلام، فانحني على أمه مقبلا جبهتها وهكذا فعلت شادية، قبل ان ينصرفا فيقف هو في الخارج مواجها الباب مستندا بظهره الى الحائط، بينما وقفت شادية تتطلع الى سهام عبر الزجاج الفاصل بينهما، غافلة عن تلك الراقدة تناجي بابتسامة واهنة طيف حبيبها الراحل تخبره بأنها ستفي بوعدها له وستلحق به عاجلا فهي قد اطمئنت على. صغيرهما!

نفخت بقوة وقد عادت من ذكرياتها المحزنة على صوت الخادمة وهي تسألها ان كانت تريد شيئا، لتشحذ شادية همتها وتخبرها بحزم بأن تقوم بتحضير الطعام ولتأتِ به الى الشرفة الخارجية. فسيدها سيتناول الطعام هناك! لتنفرج اسارير الخادمة سرورا فهم قد حزنوا بشدة لفقد سيدتهم والاكثر لحالة ابنها الأليمة. وهرعت تنفذ أمر شادية من فورها، بينما تقدمت الاخيرة من الباب الموصد امامها لتطرقه فلم تسمع جوابا، ولكنها لم تهتم بل دلفت منذ ثانية انتظار اضافية!

ما ان خطت شادية بقدمها الى الداخل حتى هالها منظر الظلام الحالك المنتشر حولها، والبرودة الهائلة التي اقشعر لها جسدها، لتتجه من فورها الى جهاز تحكم مكيف الهواء فأوقفته، ثم الى الستائر فأزاحتها بعيدا عن النافذة العريضة خلفها والتي فتحتها على مصراعيها لتنفذ أشعة الشمس الى الداخل، لتلتفت الى ذلك الراقد فوق الفراش لا يظهر منه شيئا، سوى تكتّل ضخم اسفل الغطاء دلّ على أن هناك جسما يرقد أسفله، لتتوجه اليه تدفعه بخفة في كتفه وهي تنادي:.

- معتز...
ولكن لا جواب، لتكرر النداء، وعندما لم تبدر عنه أي ردة فعل، قامت بسحب الغطاء بغتة من عليه هي تنادي بقوة وقد خشيت أن يكون قد أصابه مكروه:
- معتز!
ليفاجئها باعتداله دفعة واحدة وهو يصيح بانفعال وسخط: - ايييييييه! فيه ايه؟ ايه الأزعرينة(الصوت العالي للغاية) اللي عاملها دي؟

سكتت شادية تماما وهي تحدق فيه بعنين واسعتين مصدومتين، فأمامها يجلس معتز وقد انحسر الغطاء عنه حتى خصره ليظهر جذعه العلوي وهو عارٍ تماما!..

معتز وهو ينظر اليها وبنفخة طويلة تدل على نفاذ الصبر: - ايه مالك؟ صوتك كان واصل لتاني بلد ودلوقتي ايه؟ متنحة كدا ليه؟
شادية بتلعثم واضح وهي تشير اليه: - انت. هو...
معتز بملل: - انت بتتعلمي الكلام جديد ولا اتعديتي مني؟!
وقبل أن ترد على سؤاله كان يحاول النهوض عندما صرخت وانقضت عليه دون وعي منها لتطرحه على ظهره فوق الفراش وهي تثبت كتفيه بيديها هاتفة بقوة:
- انت هتعمل ايه؟ وربنا ما انت قايم!

زفر معتز بيأس قبل أن قول بملل: - شادية ممكن ترفعي ايديكي وتبعدي عشان عاوز أقوم؟ ايه تثبيت الاكتاف اللي حضرتك عاملاه دا؟

شادية برفض: - لا مش هتقوم الا بعد ما أخرج من هنا، واعمل حسابك ربع ساعة بالظبط تكون واخد دُش وحالق دقنك اللي تخض دي تقولش عامل فيها سمير الاسكندراني، ولابس ومحصلني على الفراندا (الشرفة الخارجية). أظن واضح؟

معتز ببرود: - شادية ابعدي بالزوق احسن لك، وحكاية اني أخرج من هنا انسي. مش هتحرك، مش عاوز أشوف حد ولا حد يشوفني. وأظن اني قلت لك كدا، فمتجبرنيش على حاجة مش عاوزها، انتي إلى فارضة نفسك!

امتقع وجهها للحظات ولكنها سرعان ما اجابته بقوة وتحد: - لو فاكر اني هزعل من الكلمتين الخايبين دول تبقى غلطان، أنا بحكم شغلي قابلت ناس جلنفات (قليلات الذوق) كتير، انت مش أول واحد، ولو حصّلت انى أفضل هنا لغاية ما تعمل اللي قلت لك عليه – حركت كتفيها متابعة باستهانة – فمافيش مشكلة. عادي. انت مش أول حالة تعمل كدا معايا. سبقك كتير وعرفت أتصرّف معهم!

في لحظة كانت هي المشرفة عليه، وما ان أنهت كلامها حتى فوجئت بنفسها وهي تقبع أسفله فوق الفراش بينما يقبض هو بقوة على رسغيها بجانبي رأسها وهو يردد بذهول وغضب:
- اتصرفتي ازاي معهم بقه ان شاء الله؟ ممكن أعرف؟!
حاولت شادية الفكاك منه دون جدوى لتهتف بعناد: - وتعرف بمناسبة ايه ان شاء الله؟ خطيبي لا قدر الله؟ جوزي لا سمح الله؟
معتز بسخرية: - لا طبعا. أعوذ بالله!

زمت شادية عينيها وقالت: - طيب ابعد أحسن لك!
معتز ببرود: - لا، مش قبل ما تعتذري!
هتفت شادية باعتراض ساخط: - نعم! اعتذر على ايه ان شاء الله، وليه؟
معتز ببساطة: - 1 انك دخلتي اوضتي من غير ما تستأذني، 2 على طولة لسانك وحشرك لنفسك في اللي مالكيش فيه، 3 انك وبكل بجاحة عمالة تحكي على اللي بتعمليه في حالاتك التانية. يا أُم حالة!

قطبت شادية وحاولت لنهوض وهي تردد بغيظ وحنق: - أُم حالة؟ أنا أُم حالة ولا انت اللي حالتك حالة؟ ابعد بقه ما تخلينيش اتجنن عليك!

معتز ببرود: - انت لسه هتتجنني؟ ما انتي مجنونة من زمان!
شادية بصدمة وغضب: - معتز. انا لغاية دلوقتي مقدرة ظروفك، لكن ما تسوئش (لا تتمادى) فيها، ما طلّعش زرابيني عليك!

ضغط معتز على يديها لتئن بألم في حين قال بتحذير: - اتلمي بقه وحطي لسانك جوة بؤك، ما تخلينيش أتغابى عليكي.
همّت بالكلام فنهرها قائلا: - هششش!
ثم تابع مهددا: - أنا هقوم دلوقتي ولو سمعت لك نفس واحد ما تلوميش الا نفسك ساعتها!
لينسحب من فوقها بينما عيناه مثبتتان عليها، وما أن اعتدل واقفا حتى استدار متوجها الى الحمام وقبل ان يغيب بداخله وقف قائلا:
- قولي لهم يعملوا لي فنجان قهوة، وما تتحركيش من هنا!

ليختفي خلف الباب فقطبت شادية وهمست بريبة: - ايه جو حديث الصباح والمساء إلى عايش لي فيه دا؟ ودا هيكون عاوزني في ايه؟
لتفكر للحظات شهقت بعدها بقوة وهي تقول بينما عينيها مركزتان على الباب حيث توارى خلفه:
- لا مش ممكن! معقول؟ وهو في ظروفه دي؟ هيكون عاوز. قلة أدب!
لتنتفخ أوداجها غيظا وتهمس متوعدة: - طيب يبقى يفكر مجرد تفكير بس. وهو يبقى لعب في عداد عمره!

لم تنتظره كما طلب منها بل أسرعت بالخروج، ليكتشف ذهابها بعد ذلك، فهز رأسه في يأس منها قبل أن يكمل ارتداء ملابسه ليوافيها بالاسفل!

صادف الخادمة حيث أخبرته بوجود شادية بالشرفة، ليأمرها بصنع قدح كبير من القهوة، دلف بعدها الى الشرفة ليجدها تقف مستندة على العامود الكبير الرخام، تطالع ما حولها، تقدم منها حتى وقف بجوارها وسألها:
- نزلتي ليه؟ مش قلت تستنيني؟
نفخت شادية بضيق قبل ان تلتفت اليه وهي تهتف بغضب: - وانت كنت عاوزني أقعد في الاوضة بأمارة ايه ان شاء الله؟ تصدق اني اتغشيت فيك؟!

معتز بنزق: - يا سلام! وانت لما دخلتي اوضتي ومش بس كدا لا. اتهجمتي عليا وانا في سريري دا كان عادي؟!

شادية بتلعثم وغضب: - أنا قلقت لما ناديتك كتير ما ردتش عليا، أعملك ايه مش انت اللي حابس نفسك رافض تشوف حد ولا تتكلم مع حد!

معتز بتحذير: - شادية. اقفلي على الموضوع دا أحسن لك!
شادية بعناد: - لا مش هقفل! تفتكر إلى انت عامله في نفسك دا هيرضي مامتك الله يرحمها؟
معتز ناهرا: - شادية!
هتفت ترفض ان يرهبها: - شادية شادية، شادية اول مرة تعرف انك ضعيف كدا!
معتز هادرا: - مش ضعف، انت ليه مش عاوزة تفهمي؟ أنا الاحساس بالذنب بيقتلني، مش قادر أنسى اني السبب في موتها ولا قادر أغفر لنفسي دا!

شادية بثبات: - وأنا للمرة الالف بقولك انك مالكش ذنب، دا عمرها وانتهى، بالعكس بقه الدكتور الخاص بتاعها أكّد لنا كلامها انه حالتها كانت خطر وانها شبه ماتت في العملية قبل ما قلبها يستجيب ويرجع يشتغل تاني، يعني كأن ربنا مد في عمرها لغاية ما تتصافوا، عشان ما تموتش وانت زعلان منها، وغاضبها.

معتز بيأس: - وكلامي ليها يومها ما زعلهاش وحسرها كمان؟

زفرت شادية بتعب قبل ان تقول بلين: - معتز. الاعمار بيد الله، المواجهة دي كانت لازم تحصل، وهي قبل ما تموت أكدت لك انها سامحتك، صدقني ربنا عمره ما بيعمل حاجة وحشة، لو كانت الله يرحمها عاشت مين عارف مش يمكن ما كنتش قدرت تسامحها؟ كنت تفضل مقاطعها وتاخد وزر عقوق الأم، خصوصا زي ما عرفت انه الطرف التالت إلى هو والدك متوفي، يعني انك تنسى صعب حتى لو كنت سامحتها، أنا لما طلبت منك انك تسامح كان عشانك انت قبلها، ودلوقتي اللي حصل حصل. لا انهيارك ولا قفلتك على نفسك هترجعها تاني، انت عاوز تبرّها بعد ما ماتت، نفذ وصيتها، خد بالك من نفسك وارجع معتز ابنها و.

قاطعها ساخرا: - وايه؟ اتجوزك؟!
شهقت شادية وقد اتسعت عينيها بغير تصديق: - ايه؟، انت. انت بتقول ايه؟
معتز بتهكم: - ايه. مش دي الوصية بردو اللي عاوزاني أنفذها؟

شحب وجهها وقالت ببرود: - لا. مش دي، ولو انت فسرت وقوفي جنبك في الظروف اللي انت فيها دي غلط، أحب أصلح لك وأقولك انى في الاول والاخر كنت المسؤولة عن حالتك فضميري المهني ما سمحليش اني كنت اسيبك في الوقت دا، انت حالة من حالات كتير اوي عندي يا استاذ معتز، ولو كل واحد فيهم فكّر زيّك كدا يبقى مش هخلص...

واستدارت لتنصرف وهي تتابع: - عموما كويس اني اطمنت عليك. عن اذنك!
هدر صوته: - استني هنا رايحه فين؟
لتنظر اليه من فوق كتفها تقول بتهكم وابتسامة أسف صغيرة: - معلهش أصلي اتأخرت أوي. عندي حالات كتير لازم أمرّ عليها!
وتركته وانصرفت مسرعة ليركل هو الهواء أمامه مصدرا شتيمة نابية لم يسبق له التلفظ بها!

يا بت يا شادية قومي افتحي الباب.
نفخت شادية لتنهض متثاقلة من فوق اريكتها المعتادة وتتجه ناحية الباب وهي تقول متذمرة:
- هيكون مين يعني غير جوزك؟ تلاقيه نسي المفتاح كالعادة وأنا اللي أسمع لي كلمتين!

فتحت الباب لتتسمر أمامه، فقد ظهر أمامها أجمل مشهد من الممكن ان تراه، لتهتف وقد فاقت من ذهولها وتتقدم تختطف ما أبهرها بيديها تحمله بصعوبة وهي تهتف قائلة:
- حبيبتي!
وانحنت تلثم وعاء النوتيللا ذو الحجم العائلاتي وليس عائلي واحدة، فهو يكفي ما لا يقل عن اطعام عشرين شخصا من البالغين وليس الاطفال!

لم تكد تبتعد خطوتين حتى سمعت قفل الباب وهو يدور، وكانت تحتضن الوعاء بين يديها كابن غال عليها، لتحدق بذهول في الوافد بصحبة والدها والذي لم يكن سوى. معتز!

تقدم محمد من ابنته يقول بلوم: - بقه كدا يا بنتي؟ تقفلي الباب على مناخير الراجل؟
قطبت لتلاحظ انتفاخ بسيط في أرنبة أنفه الذي اكتسب لونا أحمر، لتقول ببرود تعني به ذلك الواقف أمامها يطالعها بابتسامة غريبة:
- ما كانش قصدي ي بابا.
معتز بتفكّه
- معلهش يا عمي، أصلها لما شافت النوتيلا جالها هوس.
محمد بضحك: - انت كمان عرفت انها مجنونة نوتيللا؟
معتز بابتسامة ساخرة: - مصر كلها عرفت يا عمي، مش انا بس!

شادية بغيظ: - والله؟ ممكن أعرف انتم تعرفوا بعض منين؟
محمد ببساطة: - أبدا أنا قاعد على القهوة بلعب عشرتين طاولة مع عمك مرعي لاقيته طابب عليا بيستأذن انه يطلع الهدية دي - مشيرا الى وعاء الشوكولاتة – ليكي، ولما سألته يبقى مين قالي، عريسك!

تفاجئت شادية وهتفت بذهول: - ايه؟
ليصدح صوت والدتها قائلة: - انت بتقول ايه يا ابو شادية؟
محمد ببساطة: - بقول انه الشاب دا جالي وحكى لي كل حاجة وطلب ايد شادية بنتك وانا ارتحت له بصراحة بس دا ميمنعش اننا نسأل عليه ونشوف...

شادية مقاطعة باعتراض قوي: - لالالا تسأل ايه يا حاج، مش لازمة سؤال. أنا رافضة!
تقدم معتز منها ومد يديه ناحية وعاء الشوكولاتة وهو يقول ببساطة: - تمام. عن اذنك بقه هاتي برطمانات الشوكولاتة دا، مادام كدا كدا مرفوض!
أبعدت شادية الوعاء عن متناول يديه وهي تقول: - لا تاخد ايه، دا بتاعي خلاص، انت جبت هدية وانا قبلتها تبقى بتاعتي.

معتز بعناد: - الهدية كانت مشروطة انت رفضتي الشرط يبقى الهدية ترجع لاصحابها.
قاطعت الدتها جدالهما قائلة: - ومين دا إلى يرفضك، استهدي بالله يا شادية وتعالى يا بني نتفاهم!
أشار محمد الى معتز بالدخول الى غرفة الصالون تلحق بهما امها وهي ترمقها بنظرة زاجرة بينما وقفت شادية تتابعهم بعينين متسعتين بذهول لتهتف بعدها رافضة:
- على جثتي!

لولولولولولولولي...

تعالت الزغاريد فرحا بزفاف شادية ومعتز، وجلست شادية بجوار عريسها وهي لا تكاد تصدق انهما يحتفلان اليوم بزفافهما، فلقد مرت الايام كلمح البصر، منذ أن فاجئها بزيارته لمنزلها وهديته العظيمة لها، متقدما لوالدها للزواج منها، لترفض فيصر، ويكرر زياراته لهم عدة مرات حاملا معه كل مرة نفس الهدية، ويزداد الحاح والدتها عليها حتى أعيتها السبل فوافقت شرط أن لم تجد في نفسها الرغبة بالاستمرار بهذه الزيجة فستقوم بفسخ الخطبة من فورها! وها هي الآن بعد ثلاثة أشهر تجلس محتفلة بزفافها اليه ولا تدري لما تشعر بأنه قد غرر بها بوعاء الشوكولاتة ذو الحجم القبائلي (نسبة للقبيلة) وليس بالتأكيد العائلي!

أغلق الباب خلفهما، بعد أن رحل الجميع، حيث احتفلا بزفافهما في حديقة منزله والذي ورثه مع رصيد ضخم من النقود، ليمتلك ثروة لا بأس بها أبدا.

وقفت حائرة مترقبة، ما ان سمعت صوت صفق الباب خلفها حتى انتفضت، لتسمع همس خشن بجانب أذنها.

- ايه؟ اتخضيتي؟
همّت بالابتعاد عنه وهي تقول: - لا مش.
ولكن ذراعه كانت أسرع حيث اعتقلت خصرها، يرفعها بين ذراعيه وهو يقول بابتسامة: - مبروك يا عروسة.
شادية وهي تركل الهواء بقدميها: - نزلني يا معتز...
ولكن معتز ابى الاستماع اليها ليسير بها وهو يقول: - ما تستعجليش ما انت هتنزلي هتزلي لكن في المكان اللي انا عاوزه.

واتجه بها يصعد الدرج سريعا الى الاعلى وكأنها بوزن الريشة، ليدلف الى غرفتهما، فيصفق الباب خلفه، ويضعها في منتصف الغرفة، تلفتت حولها قبل أن تتراجع الى الخلف وهي تراه وقد خلع سترته تبعها بربطة عنقه ثم فتح أزرار قميصه حتى منتصف صدره، فأكمامه التي كفكفها الى الاعلى، قبل أن يتجه اليها ببطء فتراجعت هي الى الخلف وهي ترفع سبابتها امامها مهددة:.

- ايه. عاوز ايه؟ مش كفاية ضحكتوا عليا لغاية ما لاقيتني قعدة جنبك في الكوشة؟
معتز ساخرا: - ليه. كنا شربناكي حاجة أصفرا؟
وقفت شادية وهتفت بسخط: - انت عارف كويس انت عملت ايه؟ مش كفاية ماما إلى زي ما تكون سحرت لها؟ كل ما آجي افتح بؤي تقولي دا أمانة أمه أمنتك عليه؟

أشارت عليه قائلة: - أفهم أمانة ازاي؟ معقول واحد في طولك كدا ويبقى أمانة؟
اقترب منها معتز حتى أصبح على بعد خطوة واحدة وقال: - ايوة أمانة، تقدري تنكري أنه أمي الله يرحمها وصتك عليا قبل ما تموت؟
شادية وهي تدفع صدره بيدها حتى يبتعد: - لا ما انكرش، لكن أنا لما حبيت أقف جنبك في محنتك اتهمتني اني عاوزة أنفذ وصيتها اني أتجوزك، ودا مش صح!

معتز وهو يتراجع بها حتى التصقت بالجدار خلفها: - أنا آسف، واعتذرت لك بدال المرة ألف، ومستعد يبقوا ألف وواحد كمان، وبصراحة أنا اللي كنت هموت عشان أتجوزك، لأني بحبك جدا، وبموت فيكي جدا، مقدرتش أستحمل بعادك عني جدا جدا!

شادية وهي تدير وجهها بعيدا عنه لتلفح أنفاسه الساخنة بشرة وجنتها المرمرية: - وأنا جعانة جدا جدا جدا!
قطب معتز بريبة: - نعم!
شادية ببساطة وهي تطالعه ببراءة: - جعانة!
لا يصدق أن الليلة هي ليلة عرسه، فبينما من المفترض به أن يقضي اليلة بين أحضان عروسه، إذ بوعاء النوتيللا يحظى هو بذلك المكان، فيما تلتهمه هي بتلذذ، مصدرة أصوات جعلت دمه يفور ساخنا في أوردته، ليهتف فيها عاليا:
- شادية!

نظرت اليه باستفهام بينما شفتيها ملطختان بالشوكولاتة الذائبة، ليزمجر في غيظ، قبل أن يسحب الوعاء منها ويضعه جانبا ويشدها اليه بلمح البصر فهتفت بدهشة:
- ايه.
ولكن ضاعت كلماتها بين شفتيه اللتين التهمتا ثغرها تماما كما التهمت هي الشوكولاتة خاصتها، وبعد وقت طويل تركها تلتقط أنفاسها قبل أن يهمس وعيناه لم تحيدان عن شفتيها:.

- اللي كان يشوفك كن يقول بتاكل بوشّها شوكولاتة. بس تصدقي. طعمها من هنا – وأشار برأسه ناحية فمها – ألذ من البرطمان بكتير!

لم يمهلها التعقيب على كلامه ليغيبها في عناق أعمق وأطول، كان البداية لاتحاد دام العمر كله مكلل بحب عميق وعشق لا يموت!

ثلاثة أشهر حتى أوشك على الجنون، لم يعد يستطيع الاحتمال، لولا حديث ريما اليه والذي اكتشف منه ان صغيرته العنيدة قد شكته الى صديقته، حيث طلبت منه أن يترك لها المساحة الكافية حتى تفكر كما تشاء، وألا يضغط عليها، خاصة وأنه بالفعل قد أذنب في حقها، وها قد مر أكثر من ثلاثة أشهر واليوم آخر أيام امتحاناتها، وقد مبلغ صبره منتهاه، وكما استمع لكل من طلب منه الصبر عليها، حان الدور عليهم هم ليستمعوا اليه، وآن الاوان كي تنفذ ريما رغبته بالمقابل!

تسير في الفناء الخارجي للجامعة وهي شاردة في ذلك الحبيب الغاضب، تعلم تماما أنها قد استنفذت صبره كله، وأنه يضغط على نفسه كي لا يبدي تذمره من حالة اللازواج التي فرضتها عليه، فهي وان كانت تقيم معه أسفل نفس السقف، ولكنهما لا يشتركان الغرفة ذاتها فهو ينام بالغرفة الأخرى، تاركة الرئيسية لها هي، لا تنكر أن العناقات التي كان يسرقها منها خلسة كانت ذات مذاق خاص، ولكنها كانت تبدي رفضها وتعاقبه بعدم الجلوس اليه حتى يتحكم في نفسه جيدا. فالطريق للوصول الى قلبها لا يزال طويلا أمامه، ولا يعلم أنه قد نال مسامحتها كاملا وتربع على عرش قلبها الذي لم ينساه للحظة واحدة، منذ أن نطق باعترافه بحبه لها كاملا. لكن ليس هناك ما يمنع من أن تثأر لنفسها قليلا لما فعله معها، حتى يفكّر جيدا قبل أن يغضبها ثانية!

بنات مش دي يارا المذيعة؟..
التفتت تسنيم حيث أشارت زميلتها لترى يارا وهي تقف بينما تتحلق حولها دائرة كبيرة من الطلبة والطالبات، فتقدمت برفقة زميلاتها، لترى ما جعلها تتسمر في مكانها، فأمامها كان يقف فواز يحاور يارا، حتى وقعت عيناه عليها، فابتسم واسعا، قبل ان يقول بصدق وقوة:
- أنا عاوز أعترف لشخص واقف معنا هنا، وقدام 100 مليون مصري. أني آسف جدا. وبحبه جدا. وحشني جدا جدا!

يارا بابتسامة وهي تنظر الى تسنيم حيث تسلطت عيناه عليها: - أحلى حاجة أنك حب، والاحلى أنك تتحب. ايه رايكم في الكلام دا؟
أشارت لتسنيم متابعة: - يا ترى ايه رأيك انتي؟
تقدمت تسنيم كالمغيبة وعينيها مأسورتين بنظراته النافذة لتقف أمامه تجيب بعينين دامعتين وشفاه ترتجف بابتسامة مرتعشة:
- رأيي أنه حبيبي أعظم رجل في العالم!
ليفاجئها فواز ويفاجأ الجميع برفعها بين ذراعيه يدور بها وهو يهتف عاليا: - بحبك!

لتحيط عنقه بذراعيها تضحك بسعادة كبيرة، بينما ضغطت يارا على بضعة أرقام لتضع الهاتف على أذنها تقول بابتسامة:
- تم يا قمر، انتي تؤمري يا ريما، والبرنامج كان على الهوا ومصر كلها شافته!
وأنهت الاتصال الهاتفي ووقفت تتابع مع الجميع روميو وجوليت العصر الحديث!

دلف سريعا الى المنزل وهو يهتف بقلق: - منال. منال انتي فين؟
حضرت أمه من فورها تقول: - كويس انك جيت يا هشام، مراتك تعبانة رافضة نجيب دكتور او حتى تكلمك، أول مرة أشوفها كدا؟

هشام بقلق وهو يتجه الى غرفتهما التي كانت فيما مضى غرفته هو وغرفة منال ليضمهما سوية في جناح خاص بهما للنوم:
- ازاي الكلام دا؟ أنا هشوفها الاول وبعدين هكلم الدكتورة.
دلف هشام حيث وجد منال ترقد فوق الفراش، اتجه اليها من فوره، وجلس بجوارها وهو يهتف في قلق:
- منال حبيبتي مالك؟
جس براحته جبهتها ليهاله ارتفاع حرارتها الشديد، قالت منال وهي تجاهد للسيطرة على نوبة السعال التي داهمتها:.

- مافيش. مافيش حاجة يا حبيبي. شوية برد وهيروحوا لحالهم.
هشام رافضا: - لا. لازم دكتورة تشوفك.
منال باعتراض: - والله ما قادرة أتحرك، مالوش لزوم الدكتور أنا شربت التليو (اعشاب خاصة للبرد) اللي ماما انعام عملتها واخدت قرصين بنادول، هنام وأقوم كويسة ان شاء الله.

هشام بحزم: - انا قلت دكتورة مش دكتور. وبعدين أنا مش هطمن غير لما دكتورة.
قاطعه طرق على الباب ليدعو أمه بالدخول فنهض حال رؤيته لمرافقها، وتقدم منها فقالت أنعام وهي تشير الى مرافقها:
- دكتور نبيل، جوز الست وفاء جارتنا بصراحة أول ما قلت له جِه على طول.
دلف الطبيب الستيني العمر وهو يقول ببشاشة: - دا واجبي يا ست أنعام وبعدين احنا جيران. والجيران لبعضيها.

تقدم من منال بعدها ليقوم بفحصها وسط نظرات هشام اللائمة لوالدته، قبل أن يهم بالجلوس بجانبها وكأنه يحرسها، وكان قاب قوسين أو أدنى من أن يقوم هو بالفحص نيابة عن الطبيب الذي تابع عمله وهو يراقبه مقطبا في حيرة من أمره!

أنهى الطبيب كتابة الوصفة الطبية مشددا على ضرورة الالتزام بالعلاج والراحة، رافقه هشام وهو يخبرها بأنه سيذهب لابتياع الدواء تاركا أنعام تهتم بها.

عاد سريعا، ليدلف الى زوجته يساعدها في تناول الدواء والذي رفضت تناوله بشدة، ليصاب بالدهشة الحيرة، ويسألها عن السبب فهتفت بنفاذ صبر بعد الحاحه:
- لأنه اللي في حالتي مينفعش تاخد اي دوا!
هشام بحيرة: - حالتك؟ العيان بياخد دوا يا منال؟
جس حرارتها ليردف: - آه انت سخنة! خدي يا منال ربنا يهديكي.
منال بتعب: - يا هشام عشان خاطري، أنا مستنية لما أتأكد الاول.
هشام بتوجس: - تتأكدي من ايه؟

منال بتردد: - أصل. أصلي عملت بتاع الصيدلية وكنت مستنية لما أحلل دم عشان أكون متأكدة لاني مش عارفة دا حصل ازاي؟!

هتف هشام بغير فهم: - هو ايه إلى حصل؟ وصيدلية ايه ودم...
قطب مفكرا قبل ان يقول بتشكك: - منال. انتي...
وسكت لتومئ بالايجاب قائلة: - أيوة يا هشام، ومش عاوزة أقول قبل ما أتأكد الاول، لأني مش عارفة حصل ازاي؟
أمسك هشام بيديها يبعدهما جانبا قبل ان يضع راحته الكبيرة فوق بطنها قائلا بتهدج: - حامل؟ حامل يا منال؟ ابني هنا!

قالت منال بدموع فرح تترقرق في عينيها: - أن شاء الله يا حبيبي نعمل اختبار الدم وربنا مش هيكسفنا.
احتضنها بقوة وهو يهتف: - يااااااااه، يا ما انت كريم يارب.
أبعدها عنه يحتوي وجهها بين يديه بينما ترقرقت دمعة في عينيه وهو يقول بسعادة جمة:.

- ما كنتش متوقع انه العلاج هيجيب نتيجة، أنا قعدت خمس سنين أتعالج، لغاية ما زهقت وسيبته، ما انتظمتش مع دكتور تاني غير بعد جوازنا، كان نفسي في ابن منك انتي يا حبيبتي، مع انه فريد عندي بالدنيا كلها، ما صدقتش نفسي والدكتور آخر مرة بيقول لي انه حالتي اتحسنت جدا من التحاليل الجديدة اللي عملتها بعد ما انتظمت على علاجه الجديد. أنا لازم أعمل حاجة لله. هدبح عجل كامل وأفرقه على الغلابة والمساكين. شكر لربنا.

عانقته منال بقوة وقالت وهي في شدة الفرح من سعادته: - ربنا يفرحك دايما يا حبيبي يارب.
هشام يحتويها بحنان بين ذراعيه: - طول ما أنتي معايا وأنا فرحتي مش هتغيب عني أبدا.
ليميل بعدها على أذنها هامسا بعبث: - بقول ايه صحيح. هي تحقيقات الامن الوطني بتاعت كل يوم. خطر على الصحة العامة؟

ضحكت منال قبل أن تقول بابتسامة رقيقة: - اممم. يعني على حسب، أنا في حملي ما اشتكيتش من حاجة، بس بيتهيالي أنه الامن الوطني يحقق بالراحة واحدة واحدة، وكفاية تحقيق واحد، مش لازم ملف التحقيقات بتاع كل ليلة!

هشام وهو يقذف حذائه من قدميهن ويرتفع بجوارها على الفراش، قبل أن يسحبها اليه محيطا كتفيها بذراعه وهو يهمس:
- لا، من الناحية دي اطمني، مش هتحسي بأي تحقيق. اطلاقا!
وشرع في تحقيقه الليلي، مع الالمام كاملا بتفاصيل التفاصيل!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة