قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية إلا أنت (نساء متمردات ج3) للكاتبة منى لطفي الفصل الخامس والخمسون والأخير

رواية إلا أنت (نساء متمردات ج3) للكاتبة منى لطفي الفصل الخامس والخمسون والأخير

رواية إلا أنت (نساء متمردات ج3) للكاتبة منى لطفي الفصل الخامس والخمسون والأخير

اندفع دالفا الى الداخل وهو يهتف قائلا: - ايه دا يا عمنا، انا ما صدقتش نفسي والسكرتيرة بتقولي، 3 شهور يا جبار! شهر العسل عند مخاليق (خلق) ربنا كلهم تلاتين يوم، تعملهم انت 90! تلات شهور مش شهر يا عصام! جد كتيييير!

نهض عصام من خلف مكتبه في غرفته بمجموعة شمس الدين، والتفت حوله ليتجه الى شقيقه وهو يقول مبتسما:
- طيب قول حمد لله على السلامة الاول. ز
اسلام ببساطة: - حمد لله على السلامة الاول! – ثم رفع سبابته محذرا وهو يردف – خلاص سلّمت كدا؟ بُص بقه الايام اللي حضرتك خدتها جبرا واقتدارا دي هتشتغل زيّهم بالظبط، أنا ورمت من كتر النفخ، إذا كان عمك ولا أبوك!

ضربة بسيطة كانت رد عصام على وقاحة توأمه بيده على مؤخرة رأسه وهو يقول لائما: - انت لسانك دا هيفضل طويل على طول؟ وبعدين دا بدل ما تقولي براحتك يا خويا، دا انت تروّح وأنا هنا مكانك، انت بردو عريس!

نظر اليه اسلام باستهجان وكرر بحنق: - عريس! دا انت قربت تخلّف! ما احنا كمان كنّا عرسان، بس عمك وأبوك يدوب شهر العسل خلص من هنا وصدرت الاوامر العليا اننا ننزل الشغل من هنا!

ثم تابع بغيظ من بين أسنانه: - فعلا. حظوظ!
عصام بابتسامة: - يا بني بطّل قر بقه، مش كفاية اني مش هعرف اسافر برة زي باقي خلق الله، انت وابن عمك سافرتوا روما وباريس في شهر العسل وانا مستكتر عليا تونس في الفيوم؟!

اسلام ساخرا: - حد قالك تتجوز سوابق؟!
عصام مهددا: - كله الا الهزار في الموضوع دا، هنسى انك اخويا وفي ثانية هبقى أنا فيك سوابق!

اسلام وهو يزدرد ريقه بخوف مفتعل: - وأنا هاخد لقب مرحوم بقه ولا ايه؟ لا بقولك ايه احنا جوزناك عان تدخل دنيا مش تدخل الليمان (السجن)!

نفخ عصام وقال بملل: - انجز، الشبورة اللي انت عاملها دي سببها ايه؟ اللي يسمعك يقول شايل الشغل كله على دماغه ما معاك مراد ومهدي، اللي يصعب على الواحد بجد جوز عمتك. حمايا، محدش معاه، ريما في اجازة وانا هنا بأمر من الكبير!

اسلام نافخا بقهر: - الصفقة الجديدة يا سيدي، مع عملاء صعب جدا التفاهم معهم، ومراد مشغول في مشروع المنتجع بتاع الغردقة، لأول مرة البوس يقبل بشريك وتخيل مين؟

عصام مقطبا وهو يقلب شفتيه بحيرة: - فارس محمود!
سكت عصام لثوان قبل ان يشرق وجهه بالفهم ويهتف بدهشة: - قصدك د. فارس محمود صاحب سلسلة منتجعات الاميرة. في الغردقة؟!
إسلام وهو يومأ برأسه الى الاسفل: - هو بعينه!
عصام بتساؤل: - غريبة! عمك عمره ما قبل الشراكة!

اسلام بشرح: - مراد بيقول انه المنتجع اللي داخلينه سوا عبارة عن دار خاص بالمسنين، لكن على هيئة منتجع سياحي، انت عارف انه الناس الكبار السن دول دايما الدكاترة بتنصحهم انه يعيشوا في مكان مفتوح وهوا نقي، عشان تلوث الهوا بعوادم العربيات ودخان المصانع كل دا مضر ليهم، فالبوس داخل المشروع كفرع من مؤسسة تاج الرحمة، ود. فارس عجبته الفكرة لما قابله في الاجتماع الاخير بتاع الغرفة التجارية، وعرض عليه انه يدخل شريك ويكبروه، وهو كمان هيعمله تابع لسلسلة الاميرة.

عصام يقاطعه بتفكير: - استنى استنى. هي مش حرم د. فارس محمود اسمها.
اسلام وقبل ان ينهي عصام سؤاله أخذ بتحريك رأسه الى الاسفل موافقا: - د. أميرة سيف الدين.
ضحك عصام وقال متندرا: - يا عيني على الحب!
قاطع ضحكته صوتا يقول بجدية زائفة: - ماله الحب يا ابن أختي؟
اسلام بذهول: - الكبير!
دلف ادهم بخطوات واثقة ليقف أمامهما فأسرع عصام بتحيته وهو يقول: - ازي حضرتك يا بوس، انا كنت هاجي المكتب أسلم عليك.

أدهم بابتسامة ساخرة: - ودا ينفع بردو ا عريس؟ دا واجب علينا احنا. ها طمني انبسطت في الاجازة؟ وريما أخبارها ايه؟

عصام بابتسامة عشق لم يخفيها ما ان سمع اسم معشوقته: - الحمد لله يا بوس. والاجازة كانت جميلة...
ادهم مستفهما: - طيب حيث كدا بقه، ريما هتنزل الشغل امتى؟ ولّا هي هتستقر خلاص في الشركة عند نزار؟

عصام بابتسامة صغيرة: - لا بصراحة يا عمي ريما مش هتنفع تنزل الشغل حاليا خالص!
ما ان سمع أدهم كلمة عمي حتى شعر أن هناك أمرا يخفيه ابن شقيقه، فهو لا يناديه بلقب العم في العمل مطلقا، ليقول بابتسامة بينما حدسه يخبره بذلك الامر فأراد التأكد:
- وليه يا عصام؟ كسل ولا انت عملت عليها سي السيد؟ ولا، – تابع بخبث – فيه حاجة تالتة غيركم اللي منعاها؟

أومأ عصام ليقول بابتسامة زهو وسعادة: - فعلا يا بوس، حاجة تالتة. أو بمعنى أصح، طرف تالت. ولي العهد!
هتف اسلام بفرح وهو يضرب كتفه توأمه بفرحة حقيقية: - يا ابن اللعيب! مبروك يا عصُّوم. والله وهتبقى أب وهتعاني زيّنا. لا حقك تلات شهور بصراحة، بس اعمل حسابك انك هتعيش على ذكراهم لغاية ما ابنك يتم ست شهور كدا على الاقل!

همس عصام لاسلام: - عرفت بقه انا اخدت تلات شهور ليه؟ لغاية ما تثبت الرؤيا!
بينما ضحك أدهم وقال: - يا بني أنت ناسي أني أبقى حماك؟! معنى كدا انك عاوز تقول انه شمس كانت مقصرة في حقك؟

اسلام بذعر وهو يحرك يديه أمامه يسارا ويمينا: - لا لا لا من قال كدا يا حمايا، هو فيه زي شمس، الله يكرمكم محدش يجيب لها سيرة أحسن بعدين آخد ضربة شمس تسيّح النافوخ!

تعالت ضحكات الرجلين على كلمات الثالث، ليقول أدهم بعدها بجدية مفتعلة وهو يشد على كتف اسلام:
- اجمد كدا يا اسلام، خايف من ايه؟ العمر واحد والرب واحد!
اسلام زافرا نفسا عميقا: - آه. فعلا.
لينتفض وقد وعى لمعاني كلمات عمه فصاح بهلع: - ايه؟!
عصام بحزم ساخر: - يا بني اسكت بقه، شمسك يا خويا بتبرد لما بتشوفك، ارتحت!

ليولي انتباهه الى عمه وهو يتابع: - انما مين العملاء الجدد دول يا بوس صحيح اللي اسلام بيقول عليهم؟

ادهم بغموض: - حتة أرض وهما أصحابها، لو أقنعناهم ببيعها يبقى لينا السبق اننا نكون اول ناس نقدر نوصل للمنطقة دي ونعمل فيها مشروع بالضخامة اللي هتلاقيها عندك في دراسة الجدوى، عشان كدا عاوزك انت وهو – مشيرا لاسلام الذي حدق فيه بغير استيعاب واكمل – تتولوا مهمة اقناع أصحاب الارض، مراد زي ما انتم عارفين الفترة الجاية كلها هيبقى شبه مقيم في الغردقة، وانا على اتصال اول بأول بفارس والحمد لله الامور ماشية تمام.

اسلام باعتراض: - وانا ليه يا بوس، ما البركة في عصام ومهدي.
ادهم بصبر: - مالكش دعوة بمهدي، مهدي خلاص هيستقر في شركته. شركة والده، مهما كان نزار من حقه انه ابنه يكون معاه، بس دا مش معناه انه هيسيب المجموعة عندنا، هييجي يومين في الاسبوع يباشر الشغل بتاعه هنا، خصوصا انه دلوقتي عين له نائب.

ليحيط كتف كلا من عصام واسلام بذراعيه مردفا بفخر: انتو اولاد شمس الدين. سواء مجموعة العايدي او شمس لازم تكونوا مع بعض، وعشان كدا نزار صمم انك ترجع مكتبك عنده يا عصأم وانا اتفقت معاه انه زي مهدي ما عمل هنا انت هتعمل هناك، بمعنى انه مكانك الرئيسي هنا لكن دا ما يمنعش انك هتتابع الشغل اللي انت ماسكه هناك وهتحط نائب ليك زي مهدي ما عمل.

عصام موافقا: - كل اللي تأمر بيه أنا موافق عليه يا بوس.
ادهم وهو يبتعد عنهما: - تمام، عموما ما تتاخروش هنستناكم انهرده.
عصام بابتسامة: - احنا نقدر نتأخر على مناسبة زي دي؟ دا كانت مرات عمي تنفخني!
اسلام موافقا: - وانا قبلك، اصلي جوز بنتها عقبال أمالتك!

لينظر اليهم أدهم ويقول مهددا بزيف وهو يحرك اصبعه أمامهما: - كلمة زيادة منك ولا منه ووقتها هسيب المتمردة تاخد حقها منكم، وانتم عارفين مرات كل واحد فيكم باشارة واحدة من تاجي تقدر تعمل فيكم ايه؟

تصنع عصام واسلام الذعر واسرعا ناحية ادهم يقبلان كتفيه وهما يرجوانه السماح ليبعدهما قائلا بغرور:
- خلاص خلاص. عفونا عنكم، ناس ما تجيش غير بالمتمردة بصحيح!

أنهت ريتاج التأكد من تجهيزات الحفل، وكان أدهم قد أصر على الاحتفال بيوم مولدها بالرغم من رفضها، ولكنه قال كلماته الحاسمة وهو ينظر في عينيها جيدا محيطا وجهها براحتيه:
- كل سنة بترفضي وبردو بنحتفل بيه، وعشان تريّحي نفسك ما فيش يوم ميلاد ليكي هيمر علينا من غير احتفال، ازاي عاوزاني ما أفرحش باليوم اللي ربنا باعت لي فيه نصّي التاني، أنا ما اكتملتش غير بيكي انتي يا تاجي!

أمسكت براحته تسند وجنتها عليها تنعم بدفئها، قبل ان تطبع قبلة صغيرة فوق باطن كفّه وهي تقول بعشق غمر خلاياها:
- ربنا يخليك ليا يا أدهم وما يحرمنيش منك ابدا.
افاقت من ذكرياتها على صوت مراد الذي حضر مع زوجته وابنتهما من الغردقة خصيصا لحضور هذا الاحتفال وهو يهتف قائلا:
- ايه دا. كل السنين ما بتعدي وانت بتصغري يا تاجي!

ضحكت ريتاج التي تقدمت تتلقى عناقه تبعته همس فحفيدتها ريتال ليعلو صوتا يقول بحز مصطنع:
- تاج مين يا ابن ادهم؟ دي تاجي أنا بس!
وتقدم ادهم من ريتاج يحيط كتفيها بذراعه بحركة تملكية وهو ينظر الى ابنه بانذار جعل همس تضحك قبل ان تميل على زوجها تقول بهمس مسموع:.

- يا ريت تتعلم من أونكل شوية، بصراحة انا بحسد طنط عليك يا خالو، وبصراحة أكبر أنا سبب موافقتي على مراد انه ابنك، وقلت الولد سر أبيه، بس اللي انا شايفاه دا أكاد أجزم أنه حضرتك مالكش مثيل ولا شبيه!

مراد بامتعاض: - لا والله؟
همس بضحك: - آه والله!
ليتوعّدها مراد هامسا: - ماشي يا همس، طيب ايه رأيك بقه. ريتال صاحية، نايمة، عاوز تغير عاوزة تاكل عاوزة ترقص حتى، مش هعتقك الليلة، وانتي اللي جبتيه لنفسك، عشان تبقي تتبقي تتحججي ببنتك زي كل مرة!

شهقت همس وقالت مؤنبة: - مراد بس بقه، عيب كدا، وبعدين انت بتهددني يعني؟ يا سيدي هي بس الليلة تيجي وليك عليا – وغولمزت بطرف عينها متابعة بمكر أنثوي – مش هقول غير. الليلة يا عمدة!

توافد بعد ذلك جميع أفراد عائلة شمس الدين، ليغيب أدهم فجأة وما ان بدأت ريتاج بالتساؤل عن مكانها حتى هاتفها طالبا منها أن تقوم بارتداء الثياب الموجودة فوق فراشهما وأن توافيه الى الحديقة!

وبارغم من ذهولها واستغرابها فعلت تماما كما طلب وسط دهشة الميع وهم يرونها وقد ارتدت حلة جلدية، وهتف أدهم الصغير يبدي اعتراضه فهو يريد مثلها، ثم اتجهت الى الخارج، حيث فوجئت بمنظر جعلها تطلق صيحة مكتومة، وتلمع عينيها بغلالة من الدموع، وهي ترى فارسها وقد ارتدى حلة مشابهة لها، ولكن لم يكن هذا ما حبس أنفاسها، بل ذلك الهيكل المعدني الضخم الرابض بجواره والذي لم يكن سوى دراجة نارية من أشهر الماركات.

أشار لها أدهم بيده، فتوجهت اليه، حتى وصلت أمامه، فقام بوضع خوذة الرأس لها، قبل أن يمسك بها من الجانبين ثم يميل عليها مقبلا جبينها ليقول بعدها بابتسامته التي تزيده وسامة في عينيها مهما مرت السنوات:
- كل سنة وانتي معايا وفي حضني ووسط ولادنا.
ريتاج بحب لمع بين زيتونيتيها: - كل سنة وانت حبيبي واهلي ودنيتي كلها يا ادهم.

ابتسم ادهم لها قبل ان يشير اليها بالصعود الى الدراجة، ثم تبعها جالسا أمامها، لتحيط خصره بذراعيها، فيشغل أدهم المحرك الذي هدر بقوة، مال أدهم الى الخلف هامسا بابتسامة:
- فاكرة لما طلعتي تجري بالموتوسيكل وانا يومها منعتك منه؟
ريتاج بابتسامة مماثلة: - فاكرة طبعا يا مستبد! وماما الله يرحمها لاقيتها فرصة وما صدقت وصممت اني أسمع كلامك وما أركبوش تاني!

أدهم ببساطة: - دلوقتي بقه أنا هخليكي تطيري. مش بس تجري!
ولم يكد ينهي عبارته حتى كان ينطلق بسرعة الصاروخ، لتختلط ضحكاتهما بهتافها، وتفكّر. هل ستنتهي مفاجآت مروّضها يوما؟ لا تظن، فهي تشكّ في ذلك!

تم الانتهاء من تلك الصفقة الضخمة، ولكن لم يرتضي الطرف الاخر بالبيع بل ساهموا في المشروع بالارض، ليكونوا شركاء لمجموعة شمس الدين، ليقوم أدهم بدعوتهم مع كبار رجال الاعمال للاحتفال بتوقيع العقد، وذلك في قصره المنيف.

حضر اسامة ويارا التي ظهر عليها الحمل واضحا وكيف ولا وقد اقترب موعد ولادتها، كما دعا أدهم هشام ومنال والتي اصطحبت معها فريد بعد اصرار ريتاج فالأطفال هناك من يعتني بهم، ولن تنسى منال أبدا تلك الصدفة التي جعلتها تعشق زوجها أكثر مما هي، وذلك عندما قابلت، ليلى. طليقته!

كان ذلك في إحدى المولات، حيث كانت تشاهد واجهة المحلات هي وفريد بينما تلقى هشام اتصالا هاتفيا فابتعد قليلا ليستطيع السماع بوضوح، لتفاجأ بصوت رجل ساخط يبدو وكأنه ينهر زوجته، لترفع عينيها وقد شعرت بالشفقة تجاه تلك الزوجة، فمن كلماته يبدو وكأنه يؤنبها، تفاجأ بليلى وهي تقف وقد ظهر حملها جليّا، بينما تحمل طفلا صغيرا، جعل منال تتعجب، فمن الواضح أنها قد حملت بعد أن أتمت نفاسها فورا، فطفلها لا يزال رضيعا لم يتم السنة بعد فهو يبدو أقل بشهرين أو ثلاثة، بينما من الواضح أن حملها قد يكون في الشهر الرابع او الخامس.

كان يبدو عليها علامات الاجهاد واضحة، حتى أن منال أوشكت أن تنهر الرجل حتى يحمل عن زوجته صغيرهما، فهي حامل ومن الخطر ما تفعله، ولكن أكثر ما أثّر بها هو ما سمعته منها وكانت تقف على مقربة شديدة منهما فاضطرت لخفض رأسها حتى لا تتعرف ليلى عليها، لقد سمعتها وهي ترجوه أن يبتاع لها أي شيء تأكله، فهي جائعة، ولم تتناول طعام الغذاء، ليزجرها زوجها بقوة غير آبها بالناس من حولهما وهو يعنّفها بأنها هي من دفعته للدخول لذلك المطعم لتناول الطعام، ولكن كالعادة في حملها الغبي فهي لا تأكل بل وأغلب الوقت تقضيه ذهابا وايابا الى الحمام لشعورها بالغثيان، والآن هي تريد الطام؟ فلتنتظر حتى يعودوا الى منزلهما، فهي ليست بطفلة! أو كأنها صائمة، فلو كان هذا اليوم من ايام شهر رمضان. هل كانت لتفطر؟!

أرادت منال أن تسخر منه وتخبره بأن الله أباح الافطار في نهار رمضان للحامل التي لا تستطيع الصيام حفاظا على صحتها وصحة جنينها!

لم تلتفت منال الا بعد ان ضعف صوت زوجها الحانق لتعلم انهما قد ابتعدا، فحانت منها نظرة لتراه وهو يسير كالطاووس بخيلاء بينما هي تتبعه وقد بدا عليها التعب، ولا يزال صغيرها قابعا فوق كتفها! لمسة خفيفة من أنامل هشام فوق كتفها نبهتها، ليهتف فيها معنفا وهو يتطلع اليها بذهول، قبل ان يسحب منها حقائب المشتريات قائلا لها بأنه طلب منها أن تنتظر بالقرب منهم لا بحملهم! وعندما بررت بأنها لا تحوي الشيء الكثير، فمعظمها ثياب للمولود، وبعض الملابس لفريد أخبرها بحزم بان ورقة الياسمين التي تسقط غير مسموح لها بحملها!

يومها طالعته بذهول ممزوج بحب عظيم، ليباغتها قائلا أنه قد لاحظ أنها لم تستطع تناول الطعام جيدا ولذا فهو يدعوهم لمحل جديد قد فتح في المول مشهور بالبيتزا الشهية، فصاح فريد فرحا، بينما دعت منال في سرها ان يحفظه الله لها، فهي من دونه كالورقة في مهب الريح!

رأى مهدي شريف وشهرت وهما يتقدمان فقام بتحيتهما قبل ان تنضم اليهما لبنى والتي اكتفت بتمتمة تحية سريعة اصطحبت بعدها شهرت متجهتان الى ريتاج والتي كان لها فضلا كبيرا بعد الله في إدخال السعادة الى قلب شهرت وذلك بعد ان علمت بمحنتها التي اختبرها الله بها، فهي لن تستطيع أن تضم صغيرا لها بين ذراعيها، فطلبت ريتاج لقائها، لتقوم لبنى بالاهتمام بالامر، وفي هذا اللقاء عرضت ريتاج على شهرت ان تنضم الى مؤسسة تاج الخير، وتتولى رعاية دار الايتام، وهناك مال قلب شهرت لرضيعة لم تتعد الشهر من عمرها، وجدوها ملقاة وسط النفايات، لتقرر كفالتها، ولم يمانع شريف الذي كان يريد صنع اي شيء لجعل البسمة لا تفارق وجه حبيبها.

وبعد سؤال أهل الدين، علمت أنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، وكان أن اقترحت شادية التي أصبحت عضوا فعالا في مؤسسة تاج، أن باستطاعتها استشارة طبيب نسائي بخصوص الادوية المدرة للبن، وبالفعل، وصف لها ذلك الدواء، ليعلو مستوى هرمون الحليب لديها، ويبدأ ثديها بافراز اللبن، ولم يخلو الامر من تحذيرها بشأن آثار مثل هذه الادوية التي قد تصل للخطورة، ولكنها في سبيل احتواء صغير بين ذراعيها، والشعور به وهي تقوم بارضاعه من حليبها شأنها في ذلك كأي أم!

} فلا يخفى على محسن تعلق قلبه برضى ربه ما لكفالة اليتيم من رفيع المنزلة وجميل الفضل. ويكفيه من ذلك بعد رضى الله أن يكون هو والنبي صلى الله عليه وسلم كالسبابة والوسطى لنفترض أنه لم يجد الزوجان قربية من القريبات المذكورات...
ما الحل.
جاءني مرة أحد الأخوة وكان على هذه الحال. يشكو عدم وجود قريبة ترضع...
وكان جوابي هو ما سأعرضه على الإخوة والأخوات.

من المعروف طبيا أن المرأة التي لم تلد لا تقدر على إرضاع طبيعي.
فإذا حملت ووضعت امتلأ ثديها لبنا لرضيعها.
والأمر يرجع بعد الله تعالى إلى هرمون يتسبب في تهييج الغدد اللبنية المنتجة للحليب. وهذا الهرمون دائم الوجود في الدم بنسب معينة لكنها ترتفع في هذه الحالة إلى أن ينقطع الرضاع وتفطم.

واسم هذا الهرمون هو (برولاكتين لو استطاع الأأطباء استعمال حقن من هذا الهرمون لتحفيز الغدد على إنتاج الحليب كان حلا بينا.
وهو أمر ممكن فقد قرأت في بعض المقالات عن أحد الدكاترة المتخصصين واسمه عمرو نوري وهو استشاري أمراض النساء والتوليد أن الأمر ممكن بعد دراسات شخصية له. فذكر أنه يمكن إثارتها بحقن نسب معينة من الهرمون ثم يستعان بعد ذلك على الإدرار بمص الرضيع.

وقد وجدت اللجنة الفقهية للواء الإسلامي سئلت عن هذا فأجابت بالإيجاب وكان مما قالت: (يجوز شرعا التماس ما يدر اللبن ممن لا يوجد فيها هذا الإدرار، كما يجوز للأطباء والعاملين في مجال الأدوية والعلاج أن يقوموا بإعطاء تلك الأدوية وتوفيرها لمن يطلبها من النساء، حيث يجئ عملهم هذا في إطار مهمتهم الإنسانية النبيلة التي أوكل الله إليهم القيام بها وهي حفظ النفوس من الأمراض والأدواء، ودفع الأذى عن المرضى والضعفاء.

ومنهم أولئك الأطفال اليتامى واللقطاء الذين إذا لم يتوافر لهم مثل هذا النوع من الرعاية، فإنهم سوف يردون موارد التهلكة والضياعدون ذنب قد جنوه، ومن غير جريمة ارتكبوها، وبهذا يعلم الجواب إذا كان الحال كما ورد في السؤال والله أعلم{.

الموضوع الأصلي: وها هي الآن أمّا لطفلة تمت الخمس شهور من عمرها، قرة عين لها ولزوجها الحبيب، نسمة وهي بالفعل قد هبّت على حياتهما كالنسمة الرقيقة لتجعلها أكثر دفئا، حتى أن أحمد ابن زوجها أصبح لا يطيق فراق تلك الصغيرة. وهي تكاد تزقزق تماما كالعصافير عندما تراه لتشاغبه بعينيها الرماديتين، حتى أنه ما أن رآهم الليلة حتى سارع بحملها عن مربيتها، وتوجه بها الى الطابق العلوي حيث باقي الاطفال، وهي تكاد تجزم أنه لن يترك نسمة من يده مطلقا خاصة مع وجود ذلك الصغير. ال أدهم! فهو قد أظهر شغفا كبيرا بابنتها، تلك التي من الواضح أنها تملك ذوقا عاليا لما يتعلق بالذكور، فالصغير ينبأ بوسامة ملفتة وشخصية. جامحة! ما جعل أحمد في كثير من الاحيان يهم بزجره خاصة عندما ينهال عليها قبلا، وكانت تراه كثيرا في دار الايتام حيث كان يرافق والدته بينما تحمل هي نسمة معها أينما ذهبت، لتفاجأ بأحمد يكاد يكون شبه مقيم معهم، حارسا لصغيرته التي أسماها هو بنفسه، الأمر الذي جعل مهدي يكاد يجن من التساؤل، كما أسرت لبنى لها ذات يوم، وهي تضحك، فهو بعد ان كان يرتاب في شريف أنه هو من يحاول اقناع أحمد بقضاء أكثر الاوقات معه، ثبت له خطأ ظنه عندما صرّح أحمد في احدى المرات ان هن سبب رغبته بالذهاب الى هناك حتى يرعى صغيرته نسمة، ليتندر مهدي قائلا أن هناك أيضا صغيرة تدعى نهاوند هي أولى بوقته! ليسقط في يد ابنها ساعتها ولا يجد اجابة غير أن نهاوند أكبر من نسمة، كما أن نسمة صغيرته هو، هو من أختار اسمها، بينما نهاوند لم يهتما باشراكه في اختيار الاسم! لتبتسم بفكاهة وهي تتذكر وجه تلك الصغيرة في المرات المعدودة التي رأتها فيها هي تمسك بيد أحمد بقوة وكأنها تعلن أحقيتها له حينما تراه وهو يحمل نسمتها، حتى أنها في مرة من المرات كادت توقعها من فوق يده وعندما زجرها أحمد أخبرته بفم مزموم أن أحمد خاص بها هي. ييتال (ريتال)! من الواضح أن الصغير سيضحى شابا تتهافت عليه الاناث حينما يكبر، ومن الواضح أيضا أن تلك الصغيرة ستكون ممن يتمسكون جيدا بحقهم، فلن تفرط فيما تريده أبدا!

وكان حضور هنا برفقة زوجها وابنتهما شهد مفاجأة سعيدة لمها ومحمود، وسائر عائلة شمس الدين، لتسر هنا لريما أنها هي الآخرى في انتظار حدث سعيد، وأنه من المرجح أن تصطحب معها والدتها في رحلة العودة، لتنظر ريما الى نجوان المتقدمة في الحمل عنهما تقول بمرح أنها ستختبر الولادة فيها هي أولا، لتجيبها الاخيرة بسخرية أنها على استعداد للولادة بأي شكل طالما أنفها المنتفخ هذا سيعود الى قواعده سالما، فهي تشعر وكأنها قد أصبحت عبارة عن أنف ساحبا خلفه جسدها! لتمازحها أنها لا بد وأن الجنين ذكرا، لترد نجوان بأنها تقول ما تخبره به والدتها حماتها، ولكنها لا تأبه لأي شيء فهي تريد استعادة أنفها الطبيعي بأي طريقة!

قطعت ريما حديثها مع رفيقاتها وهي ترى فواز وتسنيم لتستأذن منهما، وتتجه مرحبة بصديقتها التي كانت السبب في تبدل فواز مائة وثمانين درجة، أو فلنقل اعادة فواز لطبيعته المحبة المتسامحة، وان كانت غيرته تزداد اطرادا كلما ازداد عشقه لها، ولكنها لم تحتج بالعكس فهو يشعرها بأنها ملكة متوجة، قد ولّاها قلبه وحياته كلها، ولن تنسى ريما سعادتها بخبر حمل تسنيم والذي جعل فواز في البداية يكاد يحملها من مكان لمكان خوفا عليها، وبعد عدة مجادلات مشاحنات وافق مرغما على استمرار ذهابها للجامعة بعد ان كان متمسكا بأن تكمل كمنتسبة، ولكن مع تحذير شديد أنه مع أول بادرة لتعبها فهو لن ينتظر منها السماح فسيقوم هو بتغييرها الى منتسبة وان رفضت فلتترك الدراسة برمّتها. أفضل لها وأحسن لقواه العقلية!

طلب مصوّر الحفل من أدهم أن يقوم بالتقاط صورة له وللعائلة، ليقف أدهم محيطا بذراعه كتف ريتاج، تجاورها راندا يحيط بها نزار، فمحمود يلف ذراعه حول خصر مها، ويلتقط المصور الصورة والتي تظهر وبوضوح عشقهم الذي لا تخفيه الاعين.

وقف عصام بجوار اسلام يهمس له: - اتأخروا يعني؟ انت مش مأكد عليهم؟
اسلام بابتسامة يلقيها على المحيطين من حوله: - ايوة يا بني، حتى قلت لهم أبعت لهم السواق الفندق ييجيبهم رفضوا، وقالوا انهم معهم عربية.

عصام لاويا فمه الى الجانب الايسر: - البوس هينفخنا لو ماجُوش (لم يحضروا). شوفت واقف سعيد بيتصور جنب مرات عمك ووالدك والست الوالدة وعمتك وجوز عمتك ازاي؟ أهو لو اتأخروا أكتر من كدا الضحك دا كله هيطلع علينا احنا ضرب!

ثوان واشرق وجه اسلام وهو يشير الى البعيد قائلا: - أهوم. جوم!
وأسرع اسلام لمقابلاتهم يلحق به عصام، بينما دلف ثلاثة رجال أداروا الرؤوس ما ان ولجوا، بطولهم الفارع وجاذبيتهم الرجولية الساحقة، بالرغم من بشرتهم التي لوحتها الشمس، ولكنهم يملكون حضورا طاغيا يفوق أكبر المشاهير من رجال الاعمال والفن.

مال أحدهم على الاخر يقول بمرح ساخر: - أختي لو شافتك في البدلة مش هتعرفك، ومش بعيد تصرخ وتقول ودّيت جوزي فين؟
نهره الثاني بهمس غاضب: - باه. عتتمسخر على أم عدنان ولا ايه؟ ما تسكّت خوك يا غيث!

تحدث غيث ببروده المعهود قائلا: - شهاب، مش وجت مسخرة وضحك احياة الغاليين عنديك، أني لولام جدّك عبد الحميد اللي صمَّمَّ ناجي ما كنت طبيت اهنه واصل، اني لحد دلوك مش بالعها احكاية الشراكة داي، بس نجول ايه الكابير أمر، واحنا علينا السمع والطاعة.

شهاب ببساطة: - بالعكس بقه، انا مبسوط جدا، الصعيد لسه فيه مناطق كتيرة اوي بعيدةعن الالفية التالتة بألف سنة كمان، لسه فيه نجوع وكفور ما دخلهاش كهربا ولا ماية، والحكومة مش هتعمل كل حاجة، رجل اعمال زي ادهم شمس الدين لما يفكر يعمل مشروع عبارة عن وحدات سكنية متكاملة ومستشفى ومدرسة، يعني تقدر تقول مدينة من الاخر، واحنا عندنا الارض اللي تنفع لكدا، بدل ما نبيعها له ودا طبعا عيب كبير في حقنا احنا عيلة الخولي أكبر عيلة في كفر الخولي، أو نرفض وبكدا نحرم الناس الغلابة اللي ظروفهم صعبة انهم يعيشوا عيشة كريمة، دخلنا شركاء معه في الارض، وبصراحة الراجل سمعته ممتازة واسمه كبير، ولا ايه يا. ليث؟

تحدث الليث الخولي بوقار قائلا: - اف داي معاك حَاجْ.
ونظر الى غيث متابعا: - اول مرة خوك يجول حاجة عليها الجيمة!
فتح شهاب عينيه واسعا في ذهول، وهمّ بالاعتراض عندما شاهد اسلام وعصام وهما مقبلان عليهم، ليبتلع عتراضه لوقت آخر.

تم الاحتفال بتوقيع عقد الصفقة بين عائلة الخولي ممثلة في ابنائها أسود الخولي. الليث وغيث وشهاب، وبين أدهم شمس الدين ونزار العايدي الذي تحمس لفكرة المشروع وعرض مشاركتهم على أدهم الذي وافق من فوره...

وقف الثلاثة يحتسون العصير الذي قدمه لهم أحد الندلاء الذين يسيرون بصواني تحمل العصير والمقبلات، حينما قاطعهم رنين هاتف الليث الشخصي، ليقطب ما أن رأى اسم المتصل، فرفع عينيه الى وجهي غيث وشهاب المتسائلة وقال بتوجس وهو يهم بتلقي الاتصال:
- دِه جدي عبد الحميد. ربنا يستر!
دقائق ما ان تلقى المكالمة، حتى كان وجهه يكفهرّ لينهي الاتصال قائلا لزوجي الاعين المتسائلة لابنيْ عمه:.

- جدي عاوزنا نعاودوا الصعيد الليلة. بيجول البلد هتجيد فيها النار لو عوّجنا (اتأخرنا)!

غيث بتوجس: - غريبة! ما جالكش ليه؟
الليث نافيا بهزة من رأسه: - لاه. كل اللي جالو هات ولاد عمك وارجعوا جوامكم (من فوركم)!
شهاب بهزة كتف لا مبالية: - ما تقلقوش، تلاقي حاجة حصلت في الديوان ولا المزرعة، انتو عارفين أبويا عثمان وعمي عدنان ربنا يدِّيهم الصحة ما بئوش (لم يعودوا) قادرين على الشغل زي الاول.

الليث وهو يشير لاحدى لندلاء ليتقدم ناحيتهم فيضع كأس العصير على الصينية وحذا حذوه غيث وشهاب:
- ياللا احنا نسلّموا على الجماعة اهنه، عشان نلحجوا وجتنا.

واتجه الثلاثة لالقاء التحية على ادهم والباقيين، قبل أن ينصرفوا وهم يسيرون جنبا الى جنب، غير آبهين للأعين الملاحقة لهم، والاسئلة التي تدور بخلد الجميع عنهم، فهم أسود الخولي وهذا. يكفي! ولكنهم لم يعلموا ما الذي يخبئه لهم القدر هناك. في قريتهم التي يجري فيها نهر النيل، يروي أرضها الخضراء ويسقي ماشيتها، ولكن مع صور الطبيعة الجميلة، التي تخلب اللب وتخطف العين، يوجد أيضا ما يسرق الانفاس وتتسارع له دقات القلوب. ألا وهي تلك العادات المتأصلة في ناسها، وكأنهم قد رضعوها مع حليب أمهاتهم، وأولها. الثأر. تُرى. هل يغفر العشق ثأرا أم أن هناك دماءا لا يغفرها العشق؟..

وهُنا. لاح الفجر لاح وصاح ديك الصباح. فسكتت شهرزاد عن الكلام المباح!
وأخيرا وليس آخرا. أترككم في رعاية الله وحفظه. مع وعد بمشيئة الله أن تتجدد الحكايات. لتحكي شهرزاد ولا تسدل الستار لطلوع الصباح. دمتم لي بود. منى لطفي(احكي ياشهرزاد).

همسة من الكاتبة، ريتاج وأدهم ليسا ب حلم. ريتاج وأدهم قاعدة لا استثناء، ريتاج وأدهم وعلاقة حب وزواج استمرت لما يزيد عن ربع قرن، ثلاثين سنة، كل أزمة ومشكلة مروا بها زادت علاقتهم رسوخا، ليصبحا روحا واحدة ولكن في جسدين، حتى أن ملامحهما قد تقاربت من بعضهما البعض فمن يراهما يظنهما توأما. وهم بالفعل توأم ولكن من رحم الحياة التي عاصراها سوية، وسأظل مصرة على قولي #كوني له ريتاج يكن لك أدهم.

تمت
نهاية الرواية
أرجوا أن تكون نالت إعجابكم
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة