قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية إلا أنت (نساء متمردات ج3) للكاتبة منى لطفي الفصل الخامس والأربعون

رواية إلا أنت (نساء متمردات ج3) للكاتبة منى لطفي الفصل الخامس والأربعون

رواية إلا أنت (نساء متمردات ج3) للكاتبة منى لطفي الفصل الخامس والأربعون

يقود سيارته متجها الى كليّتها، لم تذهب اليها منذ ما يقرب الاسبوعين، وهي تلزم جانبه، يعلم أنه السبب، فهو من تعمّد استغلال قلبها المحب وعدم قدرتها على شيء له ليستغل ذلك أسوأ استغلال، فيجد الأعذار والمبررات بسهولة ما يجعلها هي بنفسها من تنأى عن تركه والنزول الى الجامعة، فتارة يخبرها ببراءة زائفة أنه قد قدّم على أجازة لمدة ثلاث أيام وذلك ليتثنى له البقاء معها، فتفرح كطفلة قرر والدها الذهاب بها الى مدينة الالعاب، وأخرى وبعد أن تجهزت وارتدت ثيابها للنزول أدّعى أنه يشعر ببعض التوعّك لتهبّ من فورها مسرعة اليه تمسك بيده حتى يعود الى الفراش، ليهمس بصوت ضعيف مصطنع أنها ستتأخر عن محاضراتها ولكنها تهتف ببراءة ولهفة أسرتاه أنه أهم لديها من الدراسة ومن أي شيء آخر، وأنها لن تخطو خطوة واحدة بعيدة عنه حتى يصبح بخير، وقتها كاد يرقص بداخله، ولكنه تمادى في اصطناع المرض، حتى إذا ما تركته وهمّت بالذهاب لتتركه كي ينال قسطا من الراحة فيما تصنع هي بعضا من الحساء الساخن، قبض على يدها مانعا ابتعادها ليسحبها ناحيته ببطء وهو يهمس لها أن شفائه يكمن في ملازمتهما سوية الفراش، وليس هو بمفرده!

ابتسم وهو يتذكر ردة فعلها إذ فغرت فاها ببلاهة وتمتمت بذهول وغباء أنها لا تشكو من شيء كي تلزم الفراش بل هو من.! ولكنه بتر حديثها وقد سحبها بجواره على الفراش ليميل عليها ناظرا في عمق عينيها هامسا بصوت خشن أن شفائه في وجودها بجواره، وما ان استسلمت حتى بدأ بمداعبتها لتعترض في ضعف فهو لا يشعر أنه بخير، والمجهود ضار به، ولكنه أدحض محاولاتها في الابتعاد عنه واثنائه بأن أجابها بصوت حار أن هذا المجهود هو بالظبط ما يحتاجه كي يشفى مما هو فيه!، وبعد ساعات وبينما ترقد فوق ذراعه متوسدة صدره العضلي سألته بحيرة. مما كان يشكو؟ . فهي لا تعلم ما هي العلّة تحديدا التي شُفي منها؟!

صفّ سيارته وترجّل منها سريعا، وهو يفكّر أنها ما أن تنتهي من أداء امتحانات منتصف العام حتى يأخذها ويسافرا لقضاء شهر العسل الذي تأخّر كثيرا، فلا بد له أن يتدبّر أمر الأجازة.

دلف الى الجامعة وابتسامة تعتلو محياه، وما ان وقعت عيناه عليها حتى بدأت بالاتساع وفجأة. بدأت بالتقلص! فالانحسار. لتنقلب الى تكشيرة غضب قوي، بينما امتدت يده ترفع نظارته الشمسية الى أعلى رأسه فيما يواصل تقدمه ناحيتها حتى أصبح خلفها فسمع صوتها الخجول وهي تقول بابتسامة صغيرة بدت في عينيه ضحكة واسعة:
- تمام يا أشرف، هحاول أخلّص انهرده ان شاء الله الجزء الخاص بيا في البحث، وهجيبه بكرة عشان تشوفه.

أشرف بابتسامة واسعة بينما عيناه تلمعان باعجاب لم تخطئه نظرة فواز الذكورية ولكنها ببراءتها لم تراها، ليرتفع صوته من خلفها مناديا بخشونة:
- تسنيم!
نظرة دهشة اعتلت محياها الجميل قبل ان تلتفت وهي تهتف بسعادة تجلت في عينيها ونبرات صوتها ما برّد من نيران غضبه قليلا:
- فواز!
لتقطب بعدها وتدنو منه وهي تتساءل في قلق: - خير يا فواز، فيه حاجة؟
مش تعرّفينا يا تسنيم؟ ...

انطلق السؤال من فم أشرف الذي لم يستطع لجم فضوله ليعرف من يكون هذا الشخص الذي لمعت عينيها ما ان رأته، واستطاع سماع نبرة الشوق بين نبرات صوتها!

ارتبكت تسنيم قليلا وهمّت بالاجابة مبتسمة بحياء خضّب وجنتيها وهي تقف بجانب فواز الذي مدّ يده ليمسك بيدها يشبك أصابعه بأناملها البيضاء الصغيرة ما جعل الكلمات تهرب منها، لتنخفض بعينيها الى الاسفل ثم تعيد النظر اليه ثانية في تساؤل وحيرة، ليتحدث فواز بدلا منها مجيبا بصوت استطاع أشرف سماع نبرة التحدّ فيه:
- تسنيم تبقى. مراتي.

وجم أشرف بادئ الامر قبل ان يجيب بابتسامة مفتعلة وهو يمد يده مصافحا: - آه. معلهش، أصل تسنيم مش بتتكلم عن حياتها كتير، عموما تشرّفنا.
نظر فواز الى يد أشرف الممدودة في صمت بارد للحظات وسط نظرات الترقب والحيرة لينهي السكون السائد حولهما بمد يده مصافحا أشرف وهو يضغط عليها بقوة جعلت الاخير يطالعه مقطبا بتوجس وريبة!

فواز ببرود وبابتسامة لم تتعدى عينيه: - شكرا.
ثم ترك يده ملتفتا الى تسنيم وأصابعه تشتد حول أناملها تكاد تطحنها، دون وعي منه، وقال بهدوء زائف:
- ياللا بينا احنا.
فأومأت بالايجاب مبتسمة بحيرة فهي لا تعلم ما سبب ذلك الغضب البارد الذي تراه في عينيه؟، ولكنها أرجئت الكلام لحين عودتهما، فالتفتت الى أشرف تقول بابتسامة صغيرة:
- عن إذنك يا أشرف. وزي ما اتفقنا. البحث هيكون جاهز بكرة ان شاء الله.

لم ينتظر فواز أكثر، ليسحبها معه ويتجه بخطوات سريعة واسعة الى الخارج بينما تهرول هي محاولة اللحاق به، وما ان وصلا سيارته حتى فتح باب المقعد الامامي ودفعها فيه صافقا الباب خلفها، ثم استدار حول مقدمة السيارة وصعد الى مقعد السائق وفي ثوان كان ينطلق بسرعة صاروخية وسط سكون تااااااام، تكاد الانفاس أن تجرحه!

نظرت اليه وهما يصعدان الى شقتهما حيث سبقها بعدة درجات، وهي مقطبة في تساؤل، تحاول فهم السبب في الغضب المتفجّر من كل أنش فيه، وما أن وصلا الى شقة الجدة أسفل شقتهما حتى نادت فواز قائلة بينما كان هو مكملا طريقه في الصعود الى الاعلى:
- انا هشوف ستّي.
والتفتت لتخرج نسختها من مفتاح الشقة حينما فوجئت بيد فواز وهي تقبض على معصمها يشدها بعيدا وهو يقول بأمر خشن:
- ستّك ابقي شوفها بعدين، مش وقته!

ولكنها عاندت وقالت وهي تثبت بقدميها في الارض محاولة سحب رسغها من قبضته القوية: - لا انا عاوزة أشوفها دلوقتي، اطلع انت لو عاوز...
أدار فواز رأسه ناظرا اليها وهو يقول بغضب بارد: - تسنيم مش عاوز كلام كتير، اتفضلي معايا.
همّت تسنيم بالاعتراض عندما قاطعهما صوت فتح الباب تبعه صوت الجدة الحنون وهي تقول:.

- أللاه. انتو واقفين كدا ليه؟ دا انا بالصدفة بمرّ مقودام الباب اتهيألي اني سمعت صوتكم، تعالى يا فواز، تعالي يا تسنيم يا حبيبتي.

زفر فواز بضيق قبل ان يقول محاولا الابتسام ليفشل فشلا ذريعا في رسمها: - معلهش يا ستّي. هننزل شوية كدا، جاي تعبان وعاوز أرتاح شوية.
الجدة بقلق أمومي فطري: - سلامتك يا نضري من التعب، اطلع نام وارتاح، وابقى طمني عليك لما تصحى، روحي مع جوزك يا بنتي.

تسنيم بعناد فقد سئمت هذا الغضب الموجه اليها دون ان تعلم السبب، وقد نجحت في افلات يدها من قبضته بصعوبة:
- لا انا هقعد معاكي شوية يا ستي، هو هيطلع ينام، عشان يرتاح!
وأمام نظرات فواز المذهولة الغاضبة دلفت بالفعل الى شقة الجدة، ليلحق بها فواز فتراجعت الجدة قليلا حتى تسمح له بالدخول، وهي تطالعهما بريبة، في حين هتف فواز في تسنيم قائلا:.

- اقدر أعرف انت رايحة فين؟ جوزك لما يبقى تعبان يا هانم مكانك بيكون جنبه!
وقفت تسنيم تواجهه وهي تضع يديها في منتصف خاصرتها: - وأنا ما قلتش حاجة، اتفضل اطلع ارتاح وانا خمسة هطمن على ستي وأحصلك.
تدخلت الجدة قائلة بعتاب حنون: - لا يا تسنيم يا بنتي ما ينفعش، جوزك تعبان يبقى محتاجك معاه، اطلعي يا بنتي معاه واقصري الشر، وأنا هروح فين يعني، ما انا قاعده.

فواز بأمر مشيرا لتسنيم: - ياللا على بيتنا يا تسنيم!

ولكن تسنيم كان قد فاض بها الكيل، فهو منذ رآها مع أشرف وكأن شيطان قد تلبّسه، في البداية فرحت لغيرته الشديدة هذه، ولكن بعدها وعندما تعمّد احراج زميلها ببروده خاصة عندما تقاعس عن السلا عليه عندما مد الاخير يده اليه، علمت أن الأمر يتعدى الغيرة الطبيعية، ولكنها سكتت صابرة لترى على ماذا ينتهي الامر!؟ ولكن ذلك الصمت البارد استمر بينهما بينما لم يغب عنها شحنات الغضب والتوتر التي تخرج منه، لتؤثر الابتعاد عنه والذهاب الى الجدة ريثما يهدأ، فهي لا تريد المكوث معه وهو على حالته تلك!

اجابت تسنيم وهي تشير الى فواز برأسها: - وأنا آسفة يا فواز، مش طالعه معاك!
نظر اليها فواز وقال مهددا زامًّا عينيه: - نعم؟ يعني ايه؟
الجدة وهي تبتعد عنهما: - انا هسيبكم براحتكم، وادخل جوة، وياريت لما أخرج ما الاقيش حد منكم هنا!
واصرفت الجدة بينما أجابت تسنيم بابتسامة صفراء: - يعني انت عاوز ترتاح، اتفضل انت اطلع نام وارتاح براحتك، انا هفضل هنا.

باغتها فواز بالقبض على مرفقها وهو يقول: - تعالي معايا يا تسنيم أحسن لك!
حاولت تسنيم افلات ساعدها منه وهي تهتف بيأس: - مش عاوزة مش عافية هي!
فواز بغضب شديد: - لا عافية! طالما انتي مش عارفة الصح من الغلط، يبقى جوزك يعرّفك!
تسنيم بخيبة أمل ظاهرة: - وهو شكك في مراتك دا صح؟!
سكن فواز تماما، قبل أن تخف قبضته على ذراعها ليواجهها عاقدا حاجبيه وهو يقول بتوتر خفي:
- مش فاهم، قصدك ايه؟

لتقف أمامه تواجهه قائلة بأسف: - لا انت عارف قصدي كويس اوي.
سكت يطالعها فيما تابعت بابتسامة حزينة: - كنت هبقى فرحانة أوي لو الموضوع كان غيرة وبس! لكن اللي مش ممكن أقبله هو الشّك!

تحركت تفاحة آدم صعودا وهبوطا دليل على ازدراده ريقه ليقول بصوت متحشرج: - شك! مش فاهم انت عاوزة تقولي ايه بالظبط؟
هتفت تسنيم بيأس: - لا انت فاهم كويس يا فواز، وعارف انا عاوزة اقول ايه! انا شوفتها في عينيك انهرده يا فواز، شوفت نظرة شك عمري ما توقعت انك هتبصهالي في يوم من الايام!

فواز ناكرا بقوة: - شك ايه وبتاع ايه؟ ايه الغباء دا؟
تسنيم بمرارة: - لا يا فواز للأسف مش غباء، دا صح وصح جدا كمان، نظرة عينيك فضحتك، سكوتك إلى حاسيت زي ما يكون بركان خامد وهينفجر في اي لحظة، مسكتك ليا دلوقتي زي ما اكون متهم ظبطوه متلبّس!

دنا منها فواز وقال وهو يقبض على كتفيها جيدا: - اسمعيني عشان ترتاحي وانا كمان اتاح، اليوم اللي هشكّ فيكي مش هيكون مجرد نظرات مني ليكي. لا! رد فعلي هيكون أشرس من كدا بكتير، وعشان متفكريش بعقل العصافير بتاعك دا كتير، انا عمري ما أشك فيكي. ولو على الشك أنا شكي بيكون للناس التانية إلى معرفهومش!

تسنيم بقوة: - وأشرف معملش حاجة تخليك تشك فيه!
نار، يشعر برؤوس نيران تتصاعد من جوفه، لتهبط يديه تقبضان على مرفقيها ويهدر بغضب وحشي:
- اسمه ما يتذكرش بيننا تاني، الشخص دا زميل ليكي في الكلية وبس، وممنوع منعا باتا انك تتكلمي معه خالص، وصدقيني يا تسنيم لو كلامي ما اتسمعش رد فعلي هيكون قاسي جدااااا!

تسنيم بتحد: - وأنا ما شوفتش منه حاجة وحشة، اللي يسمعك كدا يقول اني مش ببطل كلام معه.
قاطعها فواز قائلا بصرلابة: - لا معاه ولا مع غيره، انتي من بكرة هترجعي انتساب تاني!
شهقت تسنيم تهتف بغير تصديق: - ايه؟! ليه؟
فواز بنصف ابتسامة ساخرة: - بيتك وجوزك أولى بوقتك، وعموما كليتك نظرية وكتير اوي بيعملوها، بتتجوز وتسافر كمان مع جوزها وتنزل على الامتحانات.

تسنيم بصدمة: - ايوة بس أنا مش مسافرة، وبعدين انا حبيت حياة الجامعة وعوزة أستمر فيها.
فواز ببرود: - للأسف يا تسنيم، انا شايف انك كدا هتبقي مقصرة، بيتك اولى بوقتك، وأنا قبل أي حاجة تانية!

سكتت تسنيم ليجذبها اليه يحيط خصرها بذراعيه ويميل عليها مقبلا صدغها عندما تتراجع برأسها الى الخلف بعيدا عن مرمى قبلاته، ليقطب ثم يضغط بشدة على خصرها حتى كادت تتأوه، يعاقبها على ابتعادها عنه، ليسحبها بعدها ناحيته بقوة حتى ارتطمت رأسها بصدره القوي، لصدر آهة صغيرة، قبل أن يميل عليها معاقبا هذا الثغر الذي نطق باسم ذاك الأحمق الغبي، والذي يقسم أن يفقأ عينيه أن اقترب منها!

تلوت بين يديه لتدفعه بعيدا أخيرا قبل أن تهتف فيه بحدة بالغة: - مش هتقدر تسكتني يا فواز، لازم تعرف اني مراتك، يعني ليا حقوق عليك، وأبسط الحقوق دي الثقة!

فواز باستفهام غامض بينما أنفاسه تتسارع: - وأنا لو مش واثق فيكي مثلا كنت اتجوزتك ليه؟ كنت وافقت انك تكملي تعليم من الاساس ليه؟

تسنيم بسخرية حزينة: - اظن احنا الاتنين عارفين كويس اوي سبب جوازنا، جدتي هي السبب!
فواز هادرا بقوة: - وانا لو مش عاوز اتجوزك مافيش قوة في الارض هتخليني اعملها!
تسنيم بشموخ: - انا شايفة اننا محتاجين ناخد اجازة من بعض شوية، عشان نهدى، أو انا على الاقل اهدى وانسى الكلام الليي اتقال بيننا دلوقتي!

فواز بريبة: - يعني ايه؟
تسنيم متنفسة بعمق: - انا هقعد هنا مع ستي، هبات الليلة عندها وربنا يسهل بكرة!

نزلني يا فواز، ما تبقاش مجنون! عيب كدا! .
أجابها فواز بخشونة بينما يصعد الى الطابق الاعلى حيث شقتهما فيما تتدلى رأسها فوق ظهره وساقيها على صدره:
- الجنان دا انت اللي تعرفيه، والعيب انك تنامي برة بيت جوزك، وفي سرير غير سريره!

تسنيم بدهشة: - يعني هو انا كنت هنام في سرير حد غريب؟ ما دا سريري ودي اوضتي من قبل ما نتجوز!

كان فواز قد وصل الى شقتهما ليفتح بمفتاحه ويدلف صافعا الباب خلفهما، وهو يقول بصلابة:
- من لحظة ما دخلت البيت دا، شعرك ما يتفردش الا على مخدتي انا وبس!
قفزت من فوق كتفه ما ان مال حتى ينزلها، وكان قد دلف بها الى غرفتهما، هدرت غاضبة وهي تسوي بيديها خصلاتها البندقية المشعثة حول وجهها:
- تقدر تقول ستي دلوقتي هتقول ايه؟ دا انت حتى ما خليتناش نستأذن منها.

فواز وهو يتقدم منها: - ما تقلقيش ستك مش هتزعل، ودلوقتي احنا كنا بنقول ايه؟
تراجعت تسنيم الى الخلف وهي تشهر سبابتها محذرة: - فواز ابعد عني الساعة دي، ولعلمك انتساب مش هيحصل.

وقف ينظر اليها بنظرة غاضبة لتكمل هي رافضة الشعور بالخوف من نظراته النارية: - وعشان تبقى عارف انا واشرف في مجموعة واحدة، وبنعمل بحث مع تلاتة زمايلنا تانيين، يعني هتشوفني كتير بتكلم مع اشرف وغيره، واحتمال كمان ادّيه نمرة موبايلي عشان نقدر نتواصل سوا!

لو كانت نظرته قبلا مخيفة فنظرته الآن تجمد الدم في العروق!، ، ليقف يطالعها في سكون للحظات ارتابت لها، قبل ان يقول بغموض:
- اممممم تتواصلوا سوا! وماله، لو عاوزة تتواصلي انا هورِّيكي التواصل بالظبط يبقى ازاي!

ولا تدري تسنيم ما حدث بعدها، فكلما وعت اليه نفسها وهي تطير الى الاعلى لتحط بين ذراعيه وبعدها فوق فراشهما، ليدحض محاولاتها في الافلات منه فهمست له وهي تلهث:
- مش هتجبرني، مش غصب عني يا فواز!
فواز بابتسامة وهو يميل على وجهها فتلفحه رائحة بشرتها الشبيهة ببشرة الاطفال في نعومتها:
- مين اللي قالك انه هيكون غصب عنك!

وبالفعل. لم يقم باجبارها بأي شكل كان ولكن، قلبها هو من فعل، فقد رفع رايته سريعا سريعا، لتسقط معه في دوامة عميقة لعشقهما اللا محدود!

انا هضطر أكلّم محمود ونزار، كان عندي أمل انهم هيخرجوا معنا فلما نقولهم ميبقوش قلقانين وهما شايفينهم قودامهم، لكن دول لسّه مبيتين انهرده عشان هيتعرضوا بكرة ع النيابة.

مهدي بقلق لخاله ادهم: - أيوة يا خالي، بس ماما الدكتور مانع عنها اي انفعال خالص.
ادهم بروية: - أنا مرتب كل حاجة، ما تقلقش.
وبالفعل هاتف ادهم كلا من محمود ونزار مخبرا لهما في عبارات موجزة ما حدث لنجليْهما، وطل من محمود الا يخبر مها، كما طمأنه نزار أنه لن يذكر أي شيء لراندا، وانطلق محمود ونزار في طريقهما لأدهم.

زفرت ريما وكان أدهم قد أخبرهما بحضور والديهما في الطريق، وودعهما على أن يلتقيا في الغد أمام النيابة، قال عصام الجالس بجوارها فوق الاريكة بحجرة الضابط:
- ريما اعصابك هتتعب بالشكل دا، ريحي نفسك شوية، الموضوع كله كان دفاع عن النفس ميحتجش القلق دا كله.

ريما بيأس: - انا مش خايفة ولا قلقانه على نفسي ولا حتى ندمانة. لأ! أنا بس مش مُتخيّلة اني نهيت حياة انسان، حتى لو كان الانسان دا يستاهل الموت!

عصام منهيا النقاش في هذا الأمر: - ممكن ننسى اللي احنا فيه؟ انا مصمم انه اول يوم في جوازنا ما يضربش على الاخر!

ضحكت رغما عنها وقالت: - انت مش ممكن، يعني قتيل وجريمة وجناية ومهددين بعشماوي وعاوزنا ننسى؟
عصام مؤكدا وهو يشبك أصابع يده اليسرى المقيدة مع يدها اليمنى بالقيد الحديدي: - اكيد، الليلة لسه في اولها، وتقريبا حضرة الظابط جالو استدعى في حاجة مهمة جدا انت شوفتي بنفسك تقريبا طار.

قاطعته ريما حانقة وهي ترفع يدها المقيدة الى معصمه: - آه وانت حضرتك قدرت جدا شغله المهم دا وعشان كدا طلبت منه بنفسك انه يكلبشنا الكلبشة السودة دي، مع انه هو نفسه كان ناسي، وخصوصا اننا في المديرية نفسها يعني غير الحراسة اللي على اوضة المكتب هنا القسم مليان عساكر وظباط!

عصام ببراءة مزيفة: - اللاه يا ريما، مش لازم نكون متعاونين مع الراجل؟ كفاية انه وافق اننا مننزلش التخشيبة تحت وقعدنا هنا عل مسؤوليته الشخصيةن يبقى على الاقل لما يقوم بمهمته المستعجلة يكون مطمن انه مافيش حاجة هتحصل!

نظرت اليه ريما بعينين واسعتين بذهول قائلة: - يا قلبك الطيب! ليه هو احنا كنا مجرمين هنهرب؟
عصام مغيرا الموضوع: - سيبك بس من الكلام دا، خلينا نكون ايجابيين، لازم يكن عندك positive energy!

ريما مكررة باستهجان: - بوزيتيف مين حضرتك؟
عصام بصبر: - انيرجي، يعني طاقة ايجابية. ها قوليلي بقه ايه رايك في فرحنا؟
ضحكت ريما باندهتش وقالت بيأس منه: - لا انت مش ممكن، عموما فرحنا كان حلو طبعا، ولو انك ما غنتليش فيه زي ما بشوف في الافراح، شوفت مراد لما غنى لهمس لو كان بأمري؟ ولا اسلام اخوك وهو بيغني لشمس دي مكتوبالي؟!

عصام بتفكير: - امممم. عموما ولا تزعلي احنا لسه فيها!
ريما بدهشة: - لسه فيها؟
عصام بتأكيد: - طبعا، عشان نبقاش اسمي حرمتك من حاجة اهو، حتى ليلة الدخلة في مكان مشش مكن يخطر على بال حد، جديد لانج!

ريما بابتسامة ساخرة: - اشجيني يا حليم!
عصام ببساطة: - لا راغب. لسه مابقتش حليم!
وشرع في غناء سننين رايحة وسنين جاية.
بحبك لو قريب منى
بحبك لو بعيد عنى
بحبك كل يوم أكتر
حبيبي أنت ساحرني
حبيبي أنت آسرني
حبيبى وأنت مش جنبى
معاك قلبي يا روح قلبي
سنين رايحة وسنين جاية
بشوف أحلامي في عينيا
بحس الكون ضحك ليا
بحس الكون ضحك ليا
ولا قبلك ولا بعدك
ولا بقدر على بعدك
وقلبي يا غالي ليك وحدك
قلبي يا غالىي ليك وحدك.

غريبة حياتى من غيرك
غريبة عشان مليش غيرك
هعيش فيها لمين غيرك
تعالي قلبى مستني
تعالى حبيبي طمني
تعالى يا حبيب عمري فداك عمري
سنين رايحة وسنين جاية
بشوف أحلامي في عينيا
بحس الكون ضحك ليا
ولا قبلك ولا بعدك
ولا بقدر على بعدك
وقلبي يا غالي ليك وحدك
قلبي يا غالي ليك وحدك!

وصت بعدها لتطالعه بعينين مغرورقتان بالدموع ليهمس قائلا: - انتي حب عمري وسنيني يا ريما، سنيني اللي راحت وانت بعيد عني، لكن سنيني اللي جاية بأمر ربنا مش ممكن أسمح لك ان تبعدي عني. ودا وعد مني!

ابتسامة شقت وجهها من بين دموعها الصامتة، ليرفع يده الحرة يمسح بابهامه دموعها وهو يسألها بهمس خشن:
- ليه عملتي كدا يا ريما؟ مش لانه ما يستاهلش القتل لا انا لو ما كانش مات كنت هقتله بايديا الاتنين ولا انه يلمس شعرة منك، لكن انتي؟! ليه؟

ريما بصدق شع من بين زيتونيتها: - في لحظة بتمر على الانسان ما ينفعش فيها التردد، اللحظة دي اللي روحه بتتعرض فيها للخطر، يا يدافع عنها بكل قوته أو المقابل انه يخسرها ويموت، وانا مش ممكن كنت أخسرك يا عصام، كفاية خسارتي ليك الاولانية. مش هقدر ابعد عنك تاني، اللحظة دي وانا شايفاه بيحاول يختقك، ما درتش بنفسي غير وانا نازلة عليه بكل قوتي بالحديدة، لاني عرفت وقتها اني مستعدة اخسر اي حاجة، مش مهم عندي حتى نفسي، لكن المهم اني مخسركش انت.

سكتت بينما طالعها بدهشة من اعترافاتها التي طال اشتياقه لها، لتردف بصدق مس شغاف قلبه:
- أنا. بحبك يا عصام، بحبك...

كان يدنو بوجهه منها رويدا رويدا وهي تهمس له بحبها اللا محدود له، وما ان أنهت اعترافها بالحب، حتى بدأ اعترافه هو الفعلي لها، لم يمنعه القيد الحديدي الذي يقيد معصمه، فيده الحرة طوقت عنقها من الخلف، بينما تولى فمه أمر هذا الاعتراف، الذي نطقت به شفتيه مباشرة الى شفتيها، بكل حرارة، ولم تكن هي لتمتنع، بل أنها سكنت تماما أول الأمر، ثم وعلى استحياء بادلته أشواقه تلك، وأن لم تكن بنفس الصورة، فشوقه اليها هو ناري ملتهب، بينما هي فشوقها يكتنفه الخجل.

بعد قليل لاحظت تماديه، ويده تمتد تلمس الأماكن الانثوية بجسدها برغبة محمومة، لتبعد شفتيها قسرا عن فمه اللحوح وهي تهمس برجاء:
- عص. عصام. مينفعش كدا. انت نسيت احنا فين؟
عصام وفمه يتنقل بشكل محمود فوق وجهها بينما ذراعه الايمن يكاد يعتصر خصرها: - انا نسيت نفسي اساسا!، وبعدين متخافيش محدش معنا، ركزي معايا بس، اومال انا خليتهم يكلبشونا ليه؟

فتحت ريما عينيها واسعا لتبعده عنها قسرا وهي تدفع كتفيه بيديها المقيدة والحرة هاتفة بذهول:
- ايه؟!، انت عملت كدا عشان.
وسكتت ليغمز عصام قائلا: - ايون عشان، الليلة مش هتضّرب من كله، دي جوازة ما يعلم بيها الا ربنا!
طالعته ريما بنصف عين قبل ان تقول بتوعد: - امممم. بقه الجوازة دلوقتي مش عاجباك؟
عصام يطالعها بريبة: - لا مين قال كدا بس...

ولكن ريما ألقت اليه بنظرة وعيد قبل ان تقاطعه وتنادي عاليا: - يا شاويش!
هتف عصام بذهول: - ايه؟ انت بتعملي ايه؟
ريما بتهديد: - استنى عليا بس يا متحرّش يا انتهازي!
عصام هاتفا بصدمة: - أنا؟! ريما، انا جوزك!
ريما بهزة مغرورة من كتفها: - هيه. ولو!
دلف العسكري إثر ندائها له فقالت ريما وهي تنظر بخبث الى عصام المتحفّز لها: - لو سمحت احنا هنفضل كتير هنا؟

العسكري بجدية: - معرفش يا انسة، الباشا مش بيقول هيرجع امتى.
لترمق عصام بطرف عينها قبل ان ترفع يدها المقيدة ليد عصام والتي ارتفعت بدورها معها وقالت بحزن مصطنع:
- طيب ممكن تفك الكلابشات دي؟ وجعت لي ايدي اوي!
العسكري بتردد وهو يطالع يدها المحبوسة: - لا أنا آسف يا آنسة، مينفعش.
ريما برجاء حار: - ليه بس؟ مش احنا قاعدين اهو في اوضة الظابط؟ اكيد يعني لو احنا مجرمين ماكانش سابنا؟

العسكري برفض: - لا بردو، ما أقدرش أجازف.
ريما بالحاح: - أرجوك!
ليوكزها عصام بقوة بمرفقه، فتأوهت بعمق قال بعدها ليصرفه: - احترمي نفسك، وخطوة واحدة من هنا مش مسموح لك!

تم تحويل عصام وريما الى النيابة العامة وكان محمود ونزار قد وصلا، ليقابلاهما أمام النيابة العامة، دلف كلا من ريما وعصام ومعهما المحامي، والذي خرج بعد انتهاء التحققات يخبرهم بأن وكيل النيابة قد أمر بحبسهم اربعة ايام على ذمة التحقيق فهما متهمان بجريمة قتل ومعترفان، وذلك لحين قدوم تقرير المعمل الجنائي.

في خضم هذا كله تحددت عملية القلب المفتوح لسهام التي سافرت بطائرة اسعاف خاصة الى مركز د/مجدي يعقوب للقلب بأسوان، وهاتفت ريتاج ادهم لتخبره، ولم يعلم الا هي بما حدث لريما وعصام.

شعر ادهم بالحيرة، فمن ناحية لا يستطيع ترك الاسكندرية الا بعد أن يطمئن على عصام وريما، ومن ناحية أخرى تلك السيدة التي وعدها أن يطمئنها على ابنها قبيل اجرائها للعملية، وكأن ريتاج تقرأ دواخله كلها، إذ أخبرته أنها قد حجزت تذكرة طيران ذهابا وايابا لأسوان لتحضر العملية، وأنها قد زارت معتز بالفعل ولكنه رافضا لرؤية أيّ كان، والطبيب المعالج يقول انه رافضا الكلام، وليس لسبب عضوي بل هو نفسي مائة بالمائة.

ظهر تقرير المعمل الجنائي قبل انتهاء مدة الاربعة ايام حبس، وكانت النتيجة أن ريما هي الجاني، فقد وجدت بصماتها على أداة الجريمة وباعترافها فقد ثبت عليها الادانة، ولكن، كان مع المحامي من الادلة الكثير ما يثبت ان ما حدث كان دفاعا عن النفس ليس الا، وقد استدعت النيابة فواز والذي كان حاضرا في اورقة النيابة بناءا على اتصال هاتفي من ادهم له، ليأتي من فوره وعلى جناح السرعة.

وعلى ضوء المستجدات قررت النيابة خروج المتهمة بكفالة مالية، وتم تحويل القضية الى محكمة الجنايات!

يجلس محيطا ركبتيه بذراعيه ناظرا في الفراغ من حوله، يطالع الجدران البيضاء التي تحيط به، وقد التزم الصمت التام منذ دخوله الى هذا المكان، لينفتح الباب ويقف أمامه طبيبه المعالج، وبجواره شابة لم تتعدى منتصف العشرينيات من عمرها، ذات قامة قصيرة نوعا ما، ضئيلة الحجم، ذات شعر أسود بتجعيدة طبيعية، وعينان في سواد الليل، مال الطبيب على أذن الشابة قائلا:.

- اتفضلي يا حضرة الطالبة النشيطة، حالة تمشي مع رسالة الماجيستير بتاعتك بالظبط! المرض النفسي وعلاقته بالمرض العضوي، مش دا موضوع الرسالة؟

الفتاة بايماءة حماسية بينما عيناها تبرقان بلهفة وصوتها يشتعل حماسا: - ايوة يا دكتور صح.
الطبيب مشيرا الى القابع فوق فراشه الابيض في هذا المصحّ الخاص بالامراض النفسية والعصبية:
- طيب اتفضلي وريني يا سيادة المحللة النفسية، هتخرجيه عن صمته ازاي؟
الفتاة بحماس شديد: - هتشوف حضرتك، بس اديني فرصتي معاه، سيبني للآخر!
الطبيب موافقا: - خدي فرصتك للآخر، وادينا هنشوف!

الفتاةبفخر: - ما بقاش شادية محمد منير، اما خليته بربنط كلام، وبكرة تقول شادية قالت!
وبرقت عينيها بلمعة حماسية وهي تتقدم ناحية معتز تحتل مكانها أمامه وتبدأ في الحديث اليه، وسط نظراته الجامدة المسلطة على الفراغ أمامه، لتدرك شادية ان الطريق أمامها طويلا حتى تحصل أولا على ردة فعل منه!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة