قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية إلا أنت (نساء متمردات ج3) للكاتبة منى لطفي الفصل الخامس عشر

رواية إلا أنت (نساء متمردات ج3) للكاتبة منى لطفي الفصل الخامس عشر

رواية إلا أنت (نساء متمردات ج3) للكاتبة منى لطفي الفصل الخامس عشر

دلفت حيث يجلس صغيرها معتصما بغرفته منذ أن هتفت فيه بحزم تأمره بالذهاب الى حجرته الخاصة وعدم الخوض في أحاديث الكِبار. فهي فقط من يحدد أينتقلون للسكن مع جدته وعمه من عدمه!

سارت اليه وهي ترسم ابتسامة حنون بينما قبع هو فوق فراشه يمسك بكراس خاص للرسم بيد بينما الأخرى فتقبض على قلم رصاص يقوم بخربشة بعض الاشياء عليها، لتجلس بجوارها وتمد يدها تمسد مؤخرة رأسه وهي تقول بذات الابتسامة:
- حبيب ماما بيرسم إيه؟

اكتفى باعطائها نظرة باردة قبل ان يوجه اهتمامه لما بين يديه، لتركز نظراتها الى ما يقوم برسمه وما ان وقعت عيناها على الورقة أمامه حتى توسعت ابتسامتها وغامت عيناها بحلاوة الذكرى، فالصغير قد ورث تلك الصفة عن والده، الخربشة بخطوط كثيرة متشعبة ما ان يشعر بضيق او قلق! وها هو ابنها يقوم برسم خطوط كثيرة متشابكة تعبر عن مدى غضبه وحنقه. تماما كما كان والده يفعل. الأمر الذي جعلها تكاد تبكي لمهاجمة ذكريات حبيبها وزوجها لعقله. وكأنها قد نسته في يوم!

منال بعتاب رقيق: - مش عيب يا فريد لما أكلمك وتودي وشّك (وجهك) الناحية التانية؟
فريد وهو يرفع رأسه يطالعها بحنق: - أنا زعلان منك. فعادي مش أكلمك. أنت مش عزئتي جامد ليا؟
قطبت منال مرددة بغير فهم: - عزئت! ايه عزئت دي يا فريد؟
نفخ فريد في ضيق وأجاب: - عزئت يا ماما. يعني كلمتي بصوت عالي اوي. زي جرس الفسحة بتاع الحضانة بتاعتي!

أطلقت منال ضحكة ناعمة ومالبثت أن قالت بفهم: - آآه. زعئت (صرخت) قصدك؟
أومأ فريد بنعم فواصلت منال بصبر: - وأنا زعئت لك ليه؟ مش علشان مش بتسمع كلامي ومصمم أنفّذ لك اللي انت عاوزه؟ المفروض انت راجلي يافريد. يعني تيجي تسألني وتتفاهم معايا أنا ليه رافضة نروح مع تيتة وعمك، مش تديني ضهرك زي ما انت عامل دلوقتي وسيبتني ومشيت قودامهم أول ما قلت لك اننا مش هينفع نروح.

فريد بعناد يفوق عمره الذي يقارب الاربع سنوات: - أيوة يا ماما. بس انا عاوز أروح بيت بابا بتاع زمان. عاوز أشوف أوضة بتاعته وهو صغير وألعب في الجنينة بتاعت البيت.

منال وهي تمسك بيده الصغيرة بين راحتيها وبحنان أمومي فياض: - وأنت مش رفضت يا فريد!
فريد بتساؤل: - بس انت قلتي مش هينفع؟
منال بصبر: - أيوة ولو كنت استنيت تسمع باقي كلامي كنت هتفهم أنا قصدي ايه، انت جريت اول ما قلت لك لا...

فريد باهتمام: - طيب ممكن أفهم؟
منال بابتسامة واسعة: - طبعا ممكن يا سيدي. المسألة وما فيها انه بيتنا هنا قريب من شغلي ومن حضانتك، يعني مش هاخد وقت طويل في المواصلات، انما بيت بابا القديم بعيد جدا، معنى كدا اني هتعب على ما أوصلك وأروح شغلي لأني مش عندي عربية.

فريد وكأنه قد نجح في حل اللغز: - عمو هشام يوصّلنا!
منال وذكر عمّه كفيل باشعال فتيل غضبها الذي حاولت كتمانه: - مش هينفع يا حبيبي. لانه عمه شغله مالوش مواعيد ثابتة دا غير انه طريقنا مش طريقه خالص.

فريد بيأس: - طيب ودي نحلّها ازاي دي؟
منال ببساطة: - ابدا. هنروح نقضي معهم الويك اند كل اسبوع. ايه رايك؟
لتشرق أسارير فريد ويقفز ملقيا بكراس الرسم والقلم الى البعيد ليحيط بعنق أمه هاتفا بحبور:
- حبيبتي يا ماما، انا بحبك اوي اوي عشان وافقتي اروح بيت بابا واشوف اوضته والعب زي ما كان بيلعب هناك...

منال وهي تحتضنه محاولة كتم سيل دموعها الذي يهدد بالانهمار وقد شعرت بمدى افتقاد فريد لوالده:
- وانا كمان بحبك اوي اوي يا قلبي...

وقبلته فوق جبينه قبلة عميقة، بينما لمعت عيناها وقد تذكرت هشام ولا تدري لما تحمست لرؤية رد فعله عندما يعلم ان فريد قد تقبّل جيدا عدم الانتقال معه هو وجدّته، وان كان المقابل ان تتحمل صلفه وغروره وتحكمه الشديد يومين في الاسبوع فستحاول الضغط على نفسها في ذلك. ولكن ليس لأكثر من يومين فلا يكلف الله نفسا الا وسعها، بل انها قد تترك فريد يقضي لديهما اجازة نهاية الاسبوع وتتعذر هي بأي حجة كي لا تضطر لخوض هذه الحرب الباردة، فهي على يقين من أنه لن يقبل بقرارها وسيحاول اثنائها عنه او فرض سطوته. وهي لا طاقة لها ولاصبر لتحمل غروره الذكري الغليظ.

زفرت أنعام وقالت في محاولة اخيرة منها لاثناء كنتها عن قرارها: - يعني ما فيش فايدة يا منال؟ بصراحة انا كمان هكون قلقانة عليكم دا غير انه من يوم فريد ما اتولد ما بعدش عن عيني يوم واحد، صعبة اوي عليا يا بنتي.

منال بتفهم: - يا ماما يا حبيبتي انتي عارفة انا اتحايلت عليكي قد ايه تفضلي معنا، لكن سيادة العقيد بقه مصمم أوامره هي اللي تمشي. عموما يا ستي ليكي عليا آخر كل اسبوع فريد يقضيه معكم زي ما قلت لك. والبيت هنا بيتك قبل ما يكون بيتي، في اي وقت ترجعي تنوريه من تاني، ولو هشام بيه شغله هيخليه يسيبك لوحدك كتير يبقى بيتك دا أولى بيكي.

أنعام وهي تتنهد بقلة حيلة: - والله انا تعبت من عنادكم لبعض، دا انا مش عارفة هو هيعمل ايه لما يعرف انكم مش جايين معايا، من يومها وهو مسافر في مأمورية ويدوب رجع انهرده كلمني من شوية قالي انه جاي في الطريق ونجهز عشان نروح معاه.

لم تكد تنهي حديثها حتى علا رنين جرس الباب ليندفع فريد بخطواته الطفولية السريعة لفتحه حيث تلقاه هشام بين ذراعيه وهو يرحب به فيما هتف الصغير مهللا:
- عمو جِه. عمو جِه.
الامر الذي يصيب منال بالدهشة فعلاقة ابنها بعمه تقوى كل يوم عن سابقه، ما يجعلها تؤمن أن ابنها يفتقد وجود الأب في حياته ويعمد بطريقة غير متعمدة لملأ فراغه بأحضان عمه!

دلف هشام ليرى أمه واقفة وبجانبها حقيبتيها، ليتجه نحوها ويميل عليها مقبلا رأسها بينما فريد لا يزال بين ذراعيه، ليتوجه بعدها مشيرا برأسه الى منال بتحية خفيفة قابلتها بالمثل قائلة بهدوء:
- حمد لله على السلامة.
رد هشام تحيتها بهدوء مماثل قبل ان يقول ناقلا نظراته بين أمه ومنال: - جاهزين؟
أنعام وهي تنقل نظراتها بين ابنها وكنّتها: - أيوة يا حبيبي. دول شُنطي (حقائبي)!

قطب هشام متسائلا بريبة: - أومال فين حاجتك انتي يا منال وفريد؟

أشارت منال لفريد الذي نزل عن ذراعي عمه لتميل عليه منال تطلب منه بهدوء الذهاب الى غرفته، فهي لا تريد منه أن يحضر النقاش الذي هي على يقين من أنه سيكون أشبه بشجار مع ذلك المتصلب الرأي، وهي لا تريد أن يقع ابنها في حيرة. الى أي فريق ينتمي. أمه أو عمه؟، فهي سواء قبلت أم لا. لن تستطيع الانكار أنه قد أصبح لهشام مكانة خاصة به لدى ابنها، وهو أولا وأخيرا شقيق فريد زوجها. فلا تريد أن يحمل ابنها اي ضغينة ناحيته. فهي أمه وولائه أولا واخيرا سيكون لها هي.

منال بهدوء: - أحنا ان شاء الله هنبقى نيجي نقضي مع ماما الويك اند. فالموضوع مش محتاج شنط يعني، هبقى أجهز وقتها شنطة صغيرة ناخدها معنا.

سكت هشام لثوان محاولا استيعاب ما قالته، ليتقدم منها قائلا بعقدة جبين وصوت مغلف بتوجس وريبة:
- أفندم. آخر الاسبوع؟ أظن اننا اتفقنا أنكم هتنقلوا معنا، وفريد بنفسه كان متحمس جدا لكدا، ايه اللي حصل وخلاكي تغيري اتفاقنا؟

منال ببرود: - أولا أننا ما اتفقتش معاك على حاجة، دا كان كلام بينك وبين فريد.
حركت كتفيها صعودا وهبوطا بلا مبالاة مردفة ببساطة أغاظته: - وفريد مهما كان طفل صغير. انت الغلطان انك اخدت كلامه كجواب نهائي!
انتفخت أوداج هشام غيظا وكاد ينفخ بقهر شديد، يقسم أنه ارتاب أنها ستقوم بأمر ما حتى تتنصل من الذهاب معهما، ليقول بهدوء ينذر بالشر:.

- بعيدا عن تلميحك انه فريد عيّل واني غلطت لما اخدت كلامه محمل ثقة، أنا كنت فاكر انك مش ممكن تجبريه على حاجة مش عاوزها، افتكرت انك هتعملي اهمية لرغبته لكن للأسف. طلعت أم متسلطة استخدمتي سلطتك كأم انك تفرضي عليه أنه يفضل هنا، بس أحب أقولك أنه حتى لو فريد غيّر رأيه دا ما يهمنيش. لأني أنا. – قالها بثقة كبيرة أثارت استفزازها بقوة – ما غيرتش ومش ممكن أغير رأيي، وجودكم هنا مرفوض تماما. واتفضلي روحي حضري شنطة ليكي انتي وفريد فيها الحاجات المهمة وبعدين تبقي تيجي تكملي اللي انتو عاوزينه!

لمعت عيناها ببريق التحد الذي خطف بصره لثوان ليتسمر مكانه ولكن كان هذا للحظات انتبه بعدها على صوتها الواثق الذي انطلق يقول برنة غضب واضحة:.

- أولا علاقتي بابني مش محل نقاش ولا أنا مستنية تقييمك ليا كأم، تاني حاجة فريد مقتنع بالكلام دا وتقدر تسأله أو تسأل ماما أنعام وهي تقولك، تالت حاجة بقه. أنا هنا في بيتي ومع ابني ودا الوضع الطبيعي والمنطقي. لكن وجودي في بيت حتى لو كان بيت العيلة لكن هيفضل مكان مش مكاني هو دا الغير منطقي، وانا وعدت ماما أنه فريد هييجي يقضي معكم أجازة آخر الاسبوع، يعني مش هحرمه منكم ولا حاجة. بالعكس أنا أكتر واحدة عارفة فريد محتاج حضنكم كجدة وعم ليه ازاي. ويا ريت زي ما بحترم رغبتكم انكم تفضلوا مطمنين على حفيدكم انت كمان تحترم رغبتي اني أربي ابني في البيت اللي فيه ذكرياتي مع باباه.

أنعام وهي تقترب من هشام وبصبر: - هشام يا بني. – في حين وقف الاخير مسلطا نظراته المحتدة على تلك العنيدة المستفزة – منال بتكلم صح، فريد فعلا اقتنع انه يفضل هنا مع مامته، وبعدين احنا هنشوفه أخر الاسبوع، دا غير لو عندك مأمورية شغل هتغيب فيها زي المرة دي أنا هاجي وأقعد معهم الفترة دي.

رفعت يدا تربت بحنان على ساعده متابعة بابتسامة صغيرة: - عشان خاطري يا هشام ما تتضايقش، يا بني أنتو أغلى اتنين عندي بعد فريد الصغير، انت ابني وهي ربنا يعلم انها بنتي اللي مخلفتهاش. لما بشوفكم بتتخانقوا او زعلانين مع بعض ربنا العالم بكون متضايقة أد ايه. ما تزعلش يا هشام، وبعدين منال عندها حق.

نظر هشام لأمه مكررا بذهول حانق: - عندها حق؟!
أنعام بهزة رأس مؤكدة: - أيوة طبعا. شغلها وحضانة فريد جنب البيت هنا، يعني الموضوع مش بياخد نص ساعه منها تكون ودّته (ذهبت به) الحضانة وراحت شغلها، لكن بيت جاردن سيتي بعيد. هتغلب في المواصلات، ولو قلت ننقل فريد لحضانة قريبة طب وشغلها؟ هننقله هو كمان؟

هشام ببرود مستفز: - تسيبه، أو تشوف لها شغل في مكان قريب من البيت، ولو مش هتعرف تلاقي أنا ممكن ألاقي لها بدال الشغل عشرة. – ليقلب شفته مردفا بغير رضا – مع اني مش مقتنع بموضوع شغلها دا، هي مش محتاجه المرتب عشان تصرف بيه على فريد، الحمد لله ربنا مدّينا (معطينا) وبزيادة كمان.

الى هنا وكفى! لقد اكتفت من غروره وعنجهيته الذكورية البغيضة، ويجب أن تضع حدّا لتدخله السافر في حياتها، فهو عمّ لفريد ابنها فقط، لا يوجد أي صلة لها به سوى هذه. وعلى سيادة العقيد استيعاب هذا الأمر جيدا!

شدت هامتها ورفعت رأسها وزمّت عينيها وقالت بثقة مطلقة جعلته رغما عنه يعجب بقوة شخصيتها الظاهرة:
- أعتقد أنه شغلي من عدمه شيء مالوش صلة بك لا من قريب ولا من بعيد، من الاخر موضوع مالَكْشْ فيه (لا دخل لك به)، بعدين لو فاهم اني اشتغلت في المكان اللي انا فيه دا بواسطة تبقى غلطان. انا لا بحب الوسايط ولا اللي بيتعاملوا بيها!

ركّز مع كلماتها ليتذكر أخرى وقفت أمامه في مشهد شبيه بهذا ولكن لتتهمه أنه لا يريد مساعدتها في نيل وظيفة مرموقة عن طريق مركزه الهام وعلاقاته المتعددة وفي الاخير صممت على العمل تعويضا عن عجزه عن منحها طفلا. وكأنه قد أجرم في حقها فتطالبه بالتكفير عن ذنب لا يد له فيه!

انتبه على صوتها الذي لم يفقده غضب صاحبته نعومته الواضحة وهي تسترسل قائلة: - عشان ما نتكلمش كتير. شغلي خط أحمر مش مسموح لأي حد انه يقرب منه، بمعنى أني خارج دايرة اهتمام سعادتك، يعني كل اللي يهمك فريد وبس، اللي بالمناسبة يبقى ابني. يعني لا هتحبه ولا هتخاف عليه أكتر مني. لكن لو قصرت في تربيته او أني آخد بالي منه ساعتها ليك أنك تتدخل. أنما غير كدا أي تدخل منك مرفوض تماما!

قطبت انعام في خشية فلأول مرة ترى من يقف أمام ابنها يقارعه الكلمة بمثلها. ان لم يكن أقوى منها! بينما زادت عقدة جبين هشام عمقا وتقدم اليها ليقف امامها ويميل ناظرا الى عينيها وهو يقول ببطء يشية بغضب ناري يعتمل داخله:
- انت قلتي ايه؟ سمعيني تاني كدا!، لا. واضح انك اللي مش واخده بالك اني أبقى الوصي الشرعي على فريد ابن أخويا.

قطبت منال وتساءلت في ريبة: - يعني ايه؟
رفع هشام رأسه وقال بنصف ابتسامة شريرة: - يعني ليا الحق اني أتدخل في أي شيء يخص فريد واي حد. واعتقد أنه أول وأهم حد له صلة مباشرة بيه وأكبر تأثير عليه هو أنتِ. مامته! وبالتالي أنتي هتكوني قودام عيني طول الوقت. مش عشانك لا. عشان فريد ابن اخويا الأمانة إلى في رقبتي وانا عمري ما فرطت في الامانة.

سكت ليعطيها الفرصة كي تستعيب ما يخبرها به فيما طالعته هي فاغرة فِيها(فمها) في ذهول تام جعلها أشبه بابنها حينما كان يخبره حقيقة من حقائق الكبار لا يعلم عنها شيئا. ليميل ناحيتها بعدها قائلا بلؤم وابتسامة ساخرة طفيفة اعتلت وجهه الرجولي الوسيم:
- يعني من الاخر كدا أنتِ وشغلك وحياتك كلها ما فيهومش أي خطوط حمرا بالنسبالي. أظن واضح؟..

ليستقيم فجأة ويتركها وهي جاحظة العينين فاغرة الفم تحاول فهم الكلمات التي أطلقها في وجهها كوابل من الرصاص فما توجه هو الى والدته يحمل حقائبها وهو يقول ببساطة:
- هستناكي تحت يا أمي، و آه، – التفت ناظرا لمنال مردفا بحزم – لو حصل أي شيء مهما كان صغير أو بسيط من قعدتكم لوحدكم مش هاخد رأيك ساعتها. اللي هقوله أنا بس اللي هيتنفذ!

وانصرف يحمل حقيبتي والدته التي تقدمت من منال التي وقفت تطالع أثره الغارب في صدمة من غروره وصلفه اللذان فاقا الحد! قالت أنعام وهي تعانق منال مودعة:
- هتوحشيني يا بنتي. معلهش ما تزعليش من هشام، هو عصبي حبتين أنما طيب وقلبه أبيض. أنا هدخل أسلم على فريد ومستيناكم يوم الخميس زي ما وعدتيني.

واتجهت لغرفة فريد بينما وقفت منال تتابعها ولسان حالها يتساءل في دهشة كبيرة. قلبه أبيض! أومال لو كان أسود و لا كحلي كان عمل أيه؟ حسبي الله ونعم الوكيل فيك يا أمن دولت أنت! .

دلفت ريما الى منزلها بعد ان قام عصام بايصالها وقد أخبرها أنه سيتدبر أمر ارجاع سيارتها لها، وكانت قد التزمت الصمت التام منذ أن فجّر مفاجأة قدومه مساءا للتقدم لخطبتها رسميا!

اتجهت الى غرفة الجلوس وقد طرق سمعها صوتا دعت الله أن يصدق حدسها في صاحبته، وما أن أبصرتها حتى اتجهت اليها من فورها وهي تهتف بيأس:
- طنط تاج. الحقيني!
سكتت ريما بعدما ألقت ما في جعبتها لريتاج التي تبادلت النظرات مع راندا، ولم تكن قد أخبرتهما بأمر ذهابها الى ممدوح، بل جُلّ ما قالته هو رغبة عصام بخطبتها ضاربا بعرض الحائط قرارها بالرفض الامر الذي جعل راندا تحدق فيها مصدومة قبل ان تقول بذهول:.

- بتقولي ايه؟، . عصام ابن اخويا محمود عاوز يتقدم لك وانت رافضة؟
لتردف بتهكّم: - ويا ترى حضرتك رافضة ليه؟، أيه عصام ابن خالك شايفاه مش قد المقام ولا مش مناسب ليكي؟

ريما بعناد: - ايوة مش مناسب ليا! مش حاسة انه هو دا الانسان للي ممكن ارتبط بيه. من الاخر انا شايفاه زي مهدي اخويا بالظبط مش اكتر من كدا!
راندا بسخط: - تبقي مش بتشوفي وعاوزة نضارة!..
تاج والتي تدخلت لأول مرة منذ بداية الحديث مهدئة لرندا: - استني بس يا راندا لما نفهم منها كويس.

نهضت راندا وهي تجيب بغيظ وقهر: - أستنى ايه بس يا تا ج. انتي مش سامعه كلامها اللي يفوّر الدم؟ عصام ابن خالها عريس يترفض؟ حد يقول كدا؟ وبعدين هي بالذات جربت واتخطبت لواحد كان ظاهر لنا انه انسان عادي. وطلع إيه في الآخر؟ مجنون وكان هيوديها في داهية!

امتقع وجه ريما وقالت بجمود: - اللي حصل لي وارد انه يحصل لأي حد، معنى كلام حضرتك يا ماما أني أحمد ربنا وأبوس إيدي وش وضهر أنه ابن خالي اتقدم لي وفكر فيا بعد اللي حصل لي. مش كدا؟ زي ما أكون فيا عيب أو حاجة غلط فمعنديش الحق أني أقبل أو أرفض!

تنهدت رندا بعمق قبل أن تنظر لريما قائلة: - لازم تعرفي أنه محدش هيخاف عليكي وهيحبك قدي أنا وباباكي. أنا ما قلتش أنه مالكيش حق الرفض. ممكن جدا ترفضي لكن لما الرفض دا يكون منطقي، لكن لأ. لمجرد ال لأ. دا يبقى اسمه عناد وخلاص. ومش مقبول وقتها أننا نسمعه أو ناخد بيه.

ثم نظرت الى ريتاج مردفة: - ولا أنا غلطانة يا تاج؟
تاج بهدوء: - ممكن تسيبيني معها لوحدنا شوية يا راندا؟
زفرت راندا بتعب قبل أن تومأ بالايجاب وانصرفت لتتركهما بمفردهما تماما، وما أن غابت عن الانظار حتى التفتت ريتاج الى ريما قائلة بحزم:
- ودلوقتي عايزة أعرف كل حاجة. وخصوصا الحاجات اللي ما رضيتيش تحكيها قودام مامتك!

نظرت اليها ريما بدهشة وتأتأت قائلة: - ال حا. حاجات. حاجات إيه دا.
قاطعتها ريتاج بجدية: - ريما، عشان أقدر أساعدك لازم أعرف كل حاجة من البداية. وأقصد البداية يعني من قبل ما يسافر ابن خالك، ولّا أنتي فاكراني ما كنتش ملاحظة حالتك وقتها؟!

ابتلعت ريما ريقها بصعوبة وقالت بتلعثم طفيف: - حا. حالتي؟

تاج بابتسامة صغيرة: - ما تقلقيش يا ريما، محدش خد باله وقتها، أنا بس عشان معظم الوقت كنتي قاعده معنا في البيت مع ماما الله يرحمها، ويمكن مامتك كمان اللي لاحظت انك مش على طبيعتك وكانت قالت لي حاجة زي كدا، لكن الموضوع اتنسى تقريبا مع خطوبتك واللي حصل بعدها. ودلوقتي بقه طالما عاوزة مساعدتي يبقى لازم تصارحيني بكل حاجة، من الالف الى الياء زي ما بيقولوا!

سحبت ريما نفسا عميقا قبل ان تهمس باستسلام وهي تطالع ريتاج بتعب: - هحكي لك يا طنط. لأني فعلا حاسة أني تايهة وعاوزة أرسى على بر!
صمتت ريما بعد أن انتهت من سرد ما حدث بينها هي وعصام منذ ليلة سفره وحتى يومها هذا. قالت ريتاج بعد أن نظرت اليها تريد سبر أغوارها:
- امممم، ريما أنا عاوزة أسألك سؤال بس تجاوبيني عليه بصراحة...
نظرت اليها ريما بتساؤل فتابعت ريتاج: - انتي بتحبي عصام؟

سكتت ريما لبرهة قبل ان تقول بجمود: - لا!
ابتسمت ريتاج وقالت: - يبقى آه يا ريما!
ريما بعناد: - أنا قلت لحضرتك لأ...
ريتاج بتأكيد: - وأنا بقول لحضرتك آه. انتي لسه بتحبيه يا ريما...
لتردف بحنان: - ريما حبيبتي أنتي فكرتي قبل ما تجاوبي. لو انتي فعلا مش بتحبيه كنت هتقولي في ساعتها، لكن ترددك دا اللي فضحك.

ريما بتشبث بالرأي: - لا يا طنط، مش صح، أنا مش بحبه، أنا واحدة عندي كرامة أزاي حضرتك تتصوري أنه يرفضني ولما يحب يغير رأيه ويتقدم لي أنا أوافق عادي كدا؟ لا طبعا مينفعش!

ريتاج بابتسامة متآمرة: - طبعا ما ينفعش. أنا معاكي في دي، يبقى المشكلة أنه رفضك في الاول، يعني كرامتك هي اللي وجعاكي، يبقى ناخد بتارها. صح؟

ريما بعد صمت لثوان، وبنفي تام: - لا، أنا مش عاوزاه!
تاج بجدية: - ريما. صارحي نفسك قبل ما تكوني صريحة معايا. أنتي فعلا مش عاوزة عصام ولّا عاوزاه بس عاوزة تاخدي بتارك منه الاول؟ تربيه يعني من الآخر!

ريما بعد تفكير لدقائق: - مش عارفة يا طنط أنا متلخبطة وتايهة بس اللي عارفاه كويس أني متغاظة منه أوي، يعني هو أنا تحت أمره؟ وقت ما يبعدني أبعد ووقت ما يقرّبني أقرب!

ريتاج بابتسامة ماكرة: - مين قال كدا؟ بس جاوبيني الاول. أو بلاش خليني أسأل السؤال بطريقة تانية، لو كرامتك اتردت لك. وحاسيت انك شفيتي غليلك من عصام. هتوافقي عليه؟

سكتت ريما لثوان قبل أن ترتفع طرف شفتيها في ابتسامة صغيرة وقالت: - ممكن. لكن دا في حالة أني آخد بتاري الأول. بعدها بقه أفكر إذا كان ينفع أرتبط بيه ولّا لأ!

ريتاج بمكر: - تمام، يبقى نربيه. عشان يعرف أن الله حق وأنه الموضوع مش تحت أمره. وأول حاجة هنبتدي بيها لما ييجي لك انهرده يخطبك انك.

ريما بحماس: - أرفضه!
ريتاج برفعة حاجب وبخبث شديد: - لا، هتعملي زي أي عروسة ما بتعمل...
نظرت ريما بتساؤل وعدم فهم فأردفت ريتاج بابتسامة ماكرة: - هتطلبي وقت عشان تفكري الاول، لأنه عصام كان بالنسبة لك ابن خالك وفي مقام مهدي أخوكي، ولو قالك حاجة قولي له انت اللي سبق وطلبت مني كدا. وصعب عليا في يوم وليلة أني أغير نظرتي ليك. أصلها مش زراير هنضغط عليها فمشاعرنا تتغير في لحظتها، صح يا ريما؟!

طالعتها ريما باعجاب قوي قبل ان تهتف بحبور: - وأكبر صح. كنت عارفة أنه حضرتك اللي هتقدري تنصحيني.
ريتاج بسرور: - يبقى ننادي راندا ونقولها انك وافقتي مبدئيا على أنه ييجي بالليل. ولما يشرف عصام. هيكون متوقع منك الرفض، لكن هيلاقي جوابك غير ما هو مرتب خالص. ايه رأيك؟

احتضنت ريما ريتاج وهي تقول بسرور: - هو فيه بعد كلامك كلام، صدق خالو أدهم لما بيقول عليكي المتمردة، أنتي مش أي متمردة يا طنط. أنتي البوس الكبير!

ضحكت ريتاج وقالت: - وانتي خليفتي يا ريما. عاوزين نوريهم شغل المتمردات اللي على حق!
لتضرب كفها بكف ريما وتتعالى ضحكاتهما، وتلمع أعينهما حماسا لبدء خطة تربية عصام على يد المتمردة الكبيرة والاخرى الحسناء!

قدم عصام بصحبة محمود ومها وأدهم، بينما مكثت ريتاج لدى راندا طوال اليوم، بعد أن جلس الجميع في غرفة استقبال الضيوف، وتبادلوا التحيات مع راندا ونزار، بينما حضر مهدي ولحقت لبنى بريما في غرفتها تاركة وليدها في رعاية علية، استهل أدهم الحديث قائلا بابتسامة:
- أومال فين عروستنا يا راندا؟ ريما فين؟
راندا بابتسامة عريضة: - حالا يا أبيه.

وشرعت في النهوض حينما قال نزار بحب أبوي: - تعالي يا ريما يا حبيبتي.
لتدلف ريما بينما طالعها عصام بلهفة غير مكتومة، ليميل عليه مهدي قائلا بحزم زائف:
- لِم عينيك عن أختي. دا انت لسّه يا دوب جاي تتقدم!
رمقه عصام باستفزار وهمس بسخط: - انت ايه اللي جابك؟ معملتش ليه زي مراد واسلام. قالوا خلينا في الليلة الكبيرة؟

مهدي بابتسامة واثقة: - أنا أخوها يا كابتن، يعني لازم أكون موجود.
عصام بغيظ: - طيب ممكن تحرمنا من تعليقاتك يا أستاذ موجود؟ حاسس أني في ماتش كورة ومدحت شلبي بيعلق عليه!

صوت محمود قطع جدالهما الساخر الهامس وهو يقول بابتسامة: - تعالي اقعدي جنبي يا آخر العنقود...
تقدمت ريما لتجلس بين خاليْها. محمود وأدهم الذي مال عليها مقبلا لها وهو يحيط كتفها بذارعه ويجذبها اليه بينما يرمق ذلك الذي جلس يرمقهما أولا بحسد ثم بعدها بغيظ وقهر ليغمزه أدهم بمكر في خفية عن الاعين ثم يميل على ريما هامسا بمشاغبة:
- فيه واحد قاعد قودامنا دلوقتي هيدخّن كمان تلات ثواني بالظبط!

أطلقت ريما ضحكة ناعمة ثم همست وقد استطاع أدهم بمرحه أن يمتص توترها الذي لاحظه عليها ما أن دلفت اليهم:
- يدخّن. يطلع نار حتى، مش ممكن هقوم من جنبك يا أحلى دومي، انت ال آس يا بوس!

ليطلق أدهم ضحكة عميقة جعلت مهدي يميل على أذن عصام الواجم هامسا: - لو ما كانش خالك أدهم هو خالي وخال ريما أختي كنت قلت أنه بيظبطها لنفسه!
فحدجه عصام بنظرة زاجرة قبل ان يهمس بغيظ واضح: - تعرف تسكت خالص؟ عشان بدال ما أنا جاي أدخل دنيا مع أختك. أخرجك منها لو فضلت على سماجتك دي!

مهدي باستفزاز: - بقولك ايه. هو انت عشان متضايق أنه البوس قاعد في ذات نفس القاعدة اللي عينك هتطلع عليها من اول ما اختي دخلت هتطلعهم عليا أنا؟ عموما انا هسكت أهو. بس انجز ياللا وادخل في الموضوع على طول. مش جاي تتعرف علينا يعني ولا تعمل لنا كشف هيئة الاول!

زفر عصام بضيق ثم غمز لوالده الذي ابتسم قائلا لنزار: - شوف بقه يا نزار، ريما دي بنتي قبل ما تكون بنتك وبنت راندا، وعصام ابنكم. أحنا انهرده جايين عاوزين ريما لعصام. قلتم ايه؟

هتفت رندا بفرح: - ودي عاوزة كلام يا محمود. زي ما قلت ريما تبقى بنتك. مش كدا يا نزار؟
نزار بابتسامة هادئة: - أكيد طبعا يا محمود، وعصام بالذات له معزة خاصة عندي وهو عارف كدا، لكن الموضوع مش في ايدي أنا. في الاول والاخير دي حياة ريما والقرار لازم يكون ليها!

دلفت ريتاج وقتئذ بصحبة لبنى تتبعهما الخادمة بصينية محملة بكؤوس الشربات، أمرتها ريتاج بوضعها فوق الطاولة الرخامية والانصراف، قبل ان تتجه للجلوس بجانب أدهم من الناحية الأخرى فيما جلست لبنى بجوار مهدي، مال أدهم على ريتاج هامسا بحب:
- وحشتيني يا تاجي. يوم كامل ما شوفكيش!

ريتاج بهمس مماثل: - معلهش ياحبيبي. موضوع ريما جه فجأة. نعمل ايه في ابن أخوك، ولو اني مش عارفة ليه حاسة انه ليك يد في الموضوع دا، المفاجأة والاقتحام، مش بعيد عنك دول، صح؟..

ابتسم أدهم هامسا بعبث: - يعجبني فيكي أنك فاهماني من غير ما أنطق.
ريتاج ساخرة بمرح: - أصلي جربت نفس الاقتحام والمفاجأة دي قبل كدا. فزي ما تقول كدا حفظتهم عن ظهر قلب!

ليقطع عصام تهامسهما قائلا: - أنا كنت عاوز بس أوضح أنه لما ريما ان شاء الله توافق. ما فيش داعي لخطوبة احنا مش لسّه هنعرف بعض انهرده، أنا بقول خير البر عاجله ويبقى كتب كتاب وبعدها بشهر الفرح!

كتمت ريما شهقتها قبل ان تنظر الى ريتاج بحنق موجه اليه، لتغمض ريتاج عينيها بمعنى أن تهدأ قبل أن يلتقط أدهم الاشارات الصامتة بينها وبين ريما ليقول بضحك:
- مش لما نسمع راي العروسة الاول وبعدين نبقى نتكلم في معاد الفرح؟
ليتحفز عصام وهو يترقب سماع جوابها والذي هو على يقين من أنه الرفض، ولكن. بعد ثوان كان ينظر اليها في ذهول بينما قال مهدي بفكاهة:
- ايه يا بني. هي القطة اكلت لسانك ولا إيه؟

عصام بدهشة: - هي اختك قالت ايه دلوقتي؟
مهدي بضحك: - قالت عاوزة تختبر اخلاقك الاول، والله عندها حق!
ليرمقه عصام شذرا قبل ان يقول نزار: - يعني عاوزة وقت تفكري يا ريما صح؟
أومأت ريما بالايجاب قبل ان تقول بابتسامة ناعمة زينت ثغرها الوردي: - أيوة يا بابا. أظن دا من حقي. مش كدا يا خالو؟
موجهة سؤالها الى محمود الذي قال بابتسامة: - أكيد طبعا يا حبيبة خالو، بس بيتهيالي أنتي عارفة عصام كويس.

مها مكملة بابتسامة: - يعني مش غريب عنك يا ريما.
ريما بدهاء وهي تطالع عصام الواجم من خلف رموشها: - أيوة يا طنط، بس ما كانش في بالي خالص موضوع الخطوبة دي، عصام طول عمره زي ما هو كان دايما بيقول لي.

سكتت تطالعه للحظات قبل أن تتابع بابتسامة ماكرة: - زي مهدي أخويا تمام!
عصام بحدة مكبوتة وابتسامة صفراء: - بس أنا مش مهدي، وأكيد مش أخوكي، طيب ممكن أعرف يلزمك وقت أد ايه عشان تفكري؟

ريما متظاهرة بالتفكير: - امممم. مقدرش أحدد بالظبط، يعني تقدر تقول وقت مفتوح!
عصام بغيظ: - وقت مفتوح؟!، ليه هو القرار صعب اوي كدا؟
هزت ريما كتفيها بلا مبالاة قائلة ببرود: - دا جواز يعني حياة تانية خالص، فلازم أكون مقتنعة بقراري مليون في المية!

عصام بتحد: - طيب بعد اذنك يا عمي. – موجها كلامه لنزار – أنا شايف أننا نقرا الفاتحة دلوقتي لأني مش غريب عنكم، وبعدين لو لسّه عاوزة ندرس أخلاق بعض فالخطوبة اتعملت عشان كدا، ايه رأيكم؟

هتفت ريما مقاطعة: - نعم! قراية فاتحه؟ دا اللي هو ازاي يعني؟ أنا بقول وقت عشان أفكر نرتبط ولا لأ انت تقول نقرا الفاتحه!

محمود بصبر: - وماله يا ريما يا حبيبتي لما نقرا الفاتحة؟ الفاتحة الواحد بيقراها على أي موضوع هيتبدي فيه، دي مش جواز يعني، ولا ايه رأيك يا أدهم؟

أدهم ببساطة: - أنا شايف أنه ما فيهاش حاجة لما نقرا الفاتحة دلوقتي وياخدوا فترة يقربوا من بعض، وبعدين خطوبة مثلا فترة كمان ويبقى كتب الكتاب والفرح في ليلة واحدة، مش كدا يا نزار؟

نظر نزار الى ابنته التي بدت كالضائعة وقال بابتسامة صغيرة: - أنا سبق وقلت أنه عصام له عندي مكانة ومعزة خاصة جدا، لكن القرار في ايد ريما، ولو أني شايف أنه قراية الفاتحة دي شيء كويس عشان ربنا يبارك لهم، ودا ما يمنعش أبدا لو هي حاست أنها مش هتقدر تكمل أنه الموضوع كأن لم يكن!

عصام بهمس داخلي: - كأن لم يكن! على جثتي، اصبري عليا يا ريما أما كنتي تدخلي بيتي في ظرف شهر من دلوقتي ما بقاش أنا عصام محمود شمس الدين!

وارتفعت الأيادي تهم بقراءة الفاتحة لتنصاع ريما حذوهم كالمغيبة فيما عبارة تدور ببالها. أن السحر قد انقلب على الساحر، ولكنها لن تقف مكتوفة الايدي حتى تفاجأ بنفسها وهي تزف اليه. فابن خالها العتيد لا بد له من تأديب شديد كي يعلم أن الأمور لا تسير وفقا لهواه وحده. وستبدأ منذ اللحظة!
وبرقت عيناها بعزم جعل عصام يقطب بتوجس وريبة!

زفر بحنق وهو يهتف بغضب شرس: - أنا مش قلت 100 مرة قبل كدا مافيش مرواح للحضانة دي؟ كلامي مش بيتسمع ليه؟
تسنيم بقوة لا تشعر فعليا بها: - وأنا قلت لك يا فواز قبل كدا بردو أني مش هسيب شغلي، طالما مرتاحة فيه ومبسوطة يبقى أيه المانع؟

فواز بحدة واضحة: - المانع انك عندك مذاكرة المفروض تركزي فيها، وبعدين حكاية الحضانة وتفضلي من 8 الصبح لبعد العصر مش بالعها بصراحة!

تسنيم بعناد وهي تعقد ساعديها أمامها: - ليه ان شاء الله؟ الحضانة بعدنا بشارعين والمدام صاحبتها في منتهى الاحترام، يبقى لأ ليه؟

فواز يطالعها بنصف عين: - وانتي من امتى بتقفي قودامي وتجادليني الكلمة بكلمتها. ها؟! 1
صرخ بقوة لتقفز تسنيم في مكانها قبل ان تتجه اليها الجدة بخطوات ثقيلة وتقول بلوْم لفواز:
- اللاه. جرى ايه يا فواز يا بني مش كدا، البنية ما غلطتش، والكل بيشكر فيها وفي اخلاقها كمان، وانا بنفسي سألت عن الست صاحبة الحضانة وعرفت انها ست طيبة وكُمل.

فواز يغيظ: - يعني انتي هتعومي على عومها يا جدتي؟ أنا مش قايل 100 مرة أنها تركز في مذاكرتها وبس وتسيبها من موال الشغل دا دلوقتي؟ مش هتنجح بتقدير لو شتت نفسها بين الشغل والبيت والدراسة، كفاية عليها البيت والدراسة.

تسنيم بتشبث بالرأي قوي: - وأنا ما اشتكيتش (لم أشتكي) لحد، ولو لاقيتني مقصرة في البيت او الدراسة ساعتها ليك الكلام لكن طالما قايمة بكل حاجة يبقى خلاص.

فواز بغضب: - ودا على حساب مين؟ مش على حساب صحتك؟ انتي ناسية أنه الدكتور منبه انك ما تبذليش مجهود كتير عشان الانيميا اللي عندك واللي محتاجة غذا كويس وطبعا حضرتك طول فترة وجودك في الزفتة الحضانة دي بتنسي نفسك لا أكل ولا شرب!

الجدة باستسلام: - في دي يا بني معاك حق!
نظرت اليها تسنيم بدهشة فأردفت: - لا ما تبصيش كدا يا تسنيم، انتي ناسية انك دوختي في الحضانة من يومين لولا الاستاذ اللي جابك لغاية هنا الله يستره؟!

قطب فواز مقتربا من جدته وهو يقول بريبة: - مين؟ أستاذ مين اللي جاب مين؟
الجدة بطيبة ظاهرة: - الاستاذ أبو الولد اللي عندها في الحضانة، الله يستره جابها يومها وما رضاش يمشي الا لما فاقت واطمن عليها، حتى كان عاوز يوديها المستشفى بس هي رفضت، ما انت عارفها مش بتحب لا المستشفيات ولا الدكاترة!

ليخطو فواز ناحية تسنيم التي تراجعت الى الخلف لا اراديا وهي تطالعه بترقب وخشية بينما اعتلى وجهه تعبير اجرامي وهو يقول بهدوء ينذر بالشر:
- وان شاء الله بسلامته دا عرف مكان سكنها منين؟
ليهدر فجأة بعنف: - عرف عنوانك منين يا هانم انطقي!

تسنيم وهي تأبى اظهار خوفها وبعناد: - أنت بتزعق لي ليه؟ عموما عنواني مش سر الذرة يعني، عم رجب البواب عارفه وهو اللي قاله للاستاذ طاهر لما جه ياخد مصطفى ابنه وحصل اني دوخت ووقعت.

فواز بعينين تبرقان بالوعيد فيما يواصل اقترابه منها بينما تخطو هي الى الخلف بعيدا عنه:
- أه. والاستاذ طبعا كان هو الفارس اللي شالك ساعتها وجابك لغاية هنا، صح؟!
اكتفت بالنظر اليه ليزأر غاضبا: - جاوبيني بلسانك اللي من ساعة ما دخلت وهو بيرد عليا الكلمة بكلمتها. صح يا هانم ولا لأ؟

تسنيم وقد ضاقت ذرعا بتملكه الظاهر، كانت ستفرح بشدة لو كان غضبه ذلك نابع من غيرته عليها ولكنها تعلم تماما أن قلبها محتل من قِبل تلك الحرباءة سماح، وأنه لا أمل لها في أن ينظر اليها كأنثى متيمة في هواه، فهي بالنسبة اليه ليست أكثر من مجرد قريبة لجدته التي تكفلها بناء على وصية جدتها هي المتوفاة، أي أن احساسه بالمسئولية تجاهها هو من يحركه، وهي لم تعد تقنع بذلك، فأما كل شيء أو لا شيء. أي أما أن يكون فواز لها قلبا وقالبا كحبيبا خالصا لها أو لا يكون له صلة بالمطلق بها!

نظرت اليه ولمعة جديدة طغت على نظراتها جعلته يشعر بالتوجس والدهشة منها، قبل ان تقول بتماسك وقد قررت رمي قفاز التحدي اليه لتعلم هل هناك أدنى أمل لها في أن يكون غضبه الناري هذا نابع عن غيرة منه وهي تدعو الله في سرها ألا يخذلها:.

- انا مش عارفة انت عاملها حكاية ليه؟ أنا طبعا مش فاكرة مين اللي شالني وقتها بس أكيد هو لأنه ما كانش فيه حد في الحضانة ساعتها، هو اتأخر على ابنه وأنا مقدرتش أمشي وأسيبه، فبالطبيعي هو اللي شالني مش عم رجب الراجل اللي عدّى الستين يعني!

فواز ببطء: - امممم. وانتي مبسوطة بقه من كدا؟
قطبت تسنيم وهتفت بحدة: - فواز. كلامك فيه تلميح ما اقبلوش، يعني ايه مبسوطة دي؟ عموما يا ريت تاخد بالك من كلامك بعد كدا، أنا خلاص ما عدتش (لم أعد) تسنيم بنت 14 سنة، أنا كبرت، ولو انت مش واخد بالك يا ريت تلاحظ كدا، لأني مش هقبل أي تلميح منك بعد كدا. عن اذنك!

وانصرفت سريعا من أمامه لينظر في أثرها بذهول لثوان قبل أن يقول لجدته التي وقفت بجانبه تربت على صدرها تهمس ألا يغضب منها:
- دي بتزعق في وشي؟ تسنيم اللي أنا كنت باخدها من ايدها وأقدم لها في المدرسة وأقعد أذاكر جنبها بتقف قودامي وبكل بجاحة بتقولي ماليش دعوة بيها!

ليصرخ وهو ينظر الى المكان حيث اختفت تسنيم: - مش كدا يا هانم؟ ايه خلاص. كبرتي عليا!
الجدة بالحاح: - معلهش يا فواز يا بني ما تزعلش منها، بس بيني وبينك انت مزودها معها شوية.
فواز بحدة: - لازم يا جدتي. احنا بئينا (أصبحنا) في غابة، متعرفيش فيها حبيبك من عدوك وهي خام سهل أوي أي حد يضحك عليها.

الجدة بفهم: - لا يا فواز يا بني. مش دا السبب الوحيد، انت خايف أحسن الدنيا تجرفها زي ما جرفت سماح، وتبقى نسخة منها، بس أحب أقولك انه سماح من يومها وهي مش بتقنع باللي معها، وعلى طول كانت باصة لفوق، لكن تسنيم لأ، البنت اقل حاجة بترضيها، عشان خاطري يا فواز يا بني بالراحة عليها. دي مهما كان لسّه صغار، دا انا اللي مريّح قلبي من ناحيتها لو جرى لي حاجة وجودك جنبها، عشان خاطري يافواز اوعدني ترجع معها زي ما كنت الاول. هادي وصبور.

نفخ فواز بضيق وهو يومأ بالايجاب بينما سؤال يراود ذهنه. لماذا أصبح يفقد صبره كثيرا أمام تلك الصغيرة العنيدة؟ هل لأنه يخشى أن تتبع خطى سماح كما قالت جدته أم، أن هناك سببا آخر يخشى مواجهته ولو بينه وبين نفسه؟! .

أيقظه من شروده رنين جرس الباب ليقول لجدته قبل ان يتجه لفتحه: - ما تقلقيش يا حاجة. أنا هعمل كل اللي يرضيك.
واتجه ليرى من الطارق ترافقه دعواتها: - روح يا بني ربنا يرضيك ويراضيك ويريّح بالك قادر يا كريم.
ولكن. يبدو أنه لم يكتب بعد راحة البال لفواز والذي وقف مقطبا أمام ذلك الزائر الغريب والذي عرّف عن نفسه بابتسامة صغيرة رآها فواز لزجة:
- أنا طاهر السيد. والد مصطفى عن الانسة تسنيم في الحضانة!

وفورا اعتلى وجه فواز تعبير متحفز قبل ان يقول بخشونة: - أهلا، خير فيه حاجة؟
ليعلو صوت جدته من الداخل تتساءل عن هوية الطارق، وهي تخطو باتجاههما، وما أن وقع ناظريها على الزائر الغير منتظر حتى هللت مرحبة وهي تدعوه للدخول:
- يا أهلا وسهلا يا أستاذ اتفضل، ابن حلال. لسّه كنا جايبين في سيرتك.

دلف طاهر بقامته المديدة وجسده العضلي الممشوق والذي خمّن فواز أنه يناهز أواسط الثلاثينات، بينما بشرته فهي سمراء محببة، ووجهه يحمل مسحة من الجاذبية، قال طاهر رادًّا على ترحيب الجدة به:
- الله يخليكي يا حاجة. وان شاء الله بالخير؟
الجدة وهي تشير اليه بالجلوس: - طبعا يا بني بكل خير، هو اللي زيّك وفي شهامتك ومروءتك ييجي من وراه غير الخير.

فواز الذي لم يعجبه الترحيب المبالغ فيه بنظره من جدته للزائر الثقيل الظل بالنسبة له:
- أهلا يا حضرة. خير، نقدر نخدمك في حاجة؟
الجدة وهي ترمق فواز بنظرة زاجرة: - اللاه. جرى ايه يا فواز، تلاقي الاستاذ جاي يطمن على تسنيم، مش صح؟
قطب فواز بغير رضا وقال بحنق: - والاستاذ يطمن عليها بتاع ايه؟

طاهر بدماثة: - أكيد طبعا يهمني أطمن على الانسة تسنيم، بس مش دا السبب الوحيد لزيارتي ولو انه يخص الانسة تسنيم!

الجدة بتقطيبة: - خير يا ابني، اتفضل.
تنحنح طاهر ليجلي حنجرته قبل أن يقول وسط نظرات التوجس والريبة من فواز: - شوفي يا حاجة، أنا راجل دوغري وبحب أدخل البيت من بابه، أنا أرمل وعندي مصطفى ابني وحيدي عنده تلات سنين، مراتي اتوفت وهي بتولده الله يرحمها، وانا كنت بالنسبة له أب وأم ورفضت أنه يعيش بعيد عني لا عند جدة ولا عمة ولا خالة.

الجدة بشفقة: - ربنا يخليه ليك يا بني وتفرح بيه.
فواز بسماجة: - معلهش يعني واحنا دخلنا ايه في حكاية سيادتك؟
لتنهره الجدة بنظرة زاجرة فيما أجاب طاهر بهدوء: - أكيد طبعا أنت بتسأل نفسك أنا بحكي لكم دا ليه، بس لازم أكون واضح مع الناس اللي عاوز أناسبهم!

ليستقيم فواز في وقفته مكررا ببطء: - ت. ت ايه؟
طاهر بابتسامة هادئة: - أناسبهم! أنا يشرفني أني أطلب ايد الانسة تسنيم!
وبينما تأرجحت الجدة بين القبول والرفض. كان فواز قد استقر على جواب وحيد. أن هذا الأحمق أن لم يختف في ظرف ثوان من أمامه فسيكون ابنه ليس يتيم الأم فقط بل. والأب أيضا!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة