قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية إلا أنت (نساء متمردات ج3) للكاتبة منى لطفي الفصل الثاني والخمسون

رواية إلا أنت (نساء متمردات ج3) للكاتبة منى لطفي الفصل الثاني والخمسون

رواية إلا أنت (نساء متمردات ج3) للكاتبة منى لطفي الفصل الثاني والخمسون

سكت تطالعه عيناه بعشق لم يخفيه بينما تابع ولمساته تزداد خشونة: - سامحتيني يا حبيبتي؟
لترفع عينيها اليه تطالعه في صمت دام للحظات بينما ابتسامة أمل صغيرة بدأت بالظهور على وجهه لتموت تلك الابتسامة وتختفي ما أن فتحت فمها وتكلمت بصوت جامد بينما شعر وكأن كلماتها كالرصاصة التي اخترقته قلبه مرورا بأذنيه:
- طلقني!

صمت تام ساد المكان حولهما بعد نطقها بتلك الكلمة، فيما طغى الشحوب على وجه فواز الذي تحدث بعد برهة بصوت غريب وكأنه ينكر ما سمعه:
- نعم؟! انت قولتي ايه؟
زفرت تسنيم بنفاذ صبر فهي لاتريد إطالة هذه المحادثة دون داع: - اظن انك سمعتني كويس، وعامة لو عاوزني أعيدها معنديش مانع. طل
ليسارع فواز بتكميم فمها براحته بينما طوقت ذراعه الاخرى خصرها بشدة، فم تستطع الحركة، وقال بصوت منخفض وبلهجة تنذر بالشرّ:.

- الكلمة دي ما تنطقيهاش ولا بينك وبين نفسك حتى، مش مسموح لك اساسا بالتفكير فيها!

ثم أزاح يده ببطء ففغرت تسنيم فاها في ذهول ودهشة، أليس لغرور هذا الرجل من آخر؟ ولكن الحق عليها هي من رمت بقلبها تحت قدميه ليركله بعيدا دون لحظة تردد واحدة، ولكن. كلا، فكما أهدته قلبها وتوجته ملكا على عرشه، ستستعيد ملكيّته ثانية، فبئسا للحب المهدور الكرامة!

تسنيم باستنكار: - انت غرورك دا مالوش حل؟ لا بجد، ايه كمية الثقة بالنفس دي اللي انت بتتكلم بيها؟ جبتها منين ياريت اعرف؟

مال بوجهه عليها مسلطا عينيه على بندقيتيها وهو يجيبها بطيف ابتسامة: - منك انتِ!
قطبت فواصل: - حبك هو اللي اداني الثقة اللي انت مستغرباها دي.
وباغتها بوضع راحته فوق مقدمة ثوبها وتحديدا على الجانب الايسر من صدرها فوق قلبها مباشرة وهو يردف بخشونة:.

- دا. حقي أنا، ملكي أنا، زي ما دا. – وسحب يدها يضعها فوق خافقه لتستشعر مضخته العملاقة وهي تضرب أسفل راحتها فيما أردف – ملكك انتي، اتوشم باسمك، ومهما حصل عمر الوشم دا ما هيتمحي. لا من عندي ولا من عندك!

طالعته تسنيم بجمود قبل ان تقول بخواء وصوت ميت: - لايا فواز، انت غلطان، الوشم اتشال! عارف ازاي؟
طالعها في جمود بينما فضح توتره اختلاجة عضلة فكه، في حين واصلت بأسف: - لما نادتني باسمها! اسمها كان هو ماية النار اللي نزلت حرقت قلبي. ومحت اسمك من عليه!

هتف فواز بغضب: - كدابة!
تسنيم ساخرة: - اكيد طبعا مش ممكن تصدق، مستحيل ييجي في بالك انه تسنيم البنت الهبلة اللي كانت بتمشي وراك زي ضلك، وكل ما تقولها حاجة تقولك آمين، اللي كان رضاك عندها بالدنيا، كان أملها بس انك تبص لها بنظرة محبة، وحلم حياتها انك تحس بحبها ليك، تسنيم دي خلاص. بَحْ (انتهت)!

فواز برفض قوي وحدة تامة بينما بدأت دقات قلبه بالتسارع بصورة مخيفة: - مستحيل! قلبك مش ممكن ينساني.
أحاطها بذراعيه متابعا بقوة بينما تحاول هي الافلات منه: - حبي محفور جواكي، ومهما كدبتي وأنكرتي، عينيكي بتفضحك، دقات قلبك وانتى بين ايديا دلوقتي بتصرخ باسمي، كل حتة فيك عرفاني وبتشاور عليا، ومستعد أثبت لك حالا.

هتفت باعتراض وهي تحاول الابتعاد عنه عبثاً: - كفاية بقه، ابعد عني وسيبني في حالي، مش عاوزاك، مش.

لتصمت قسريا بأمر من فمه الذي اكتسحها، وفي حين كان يعتصرها فعليا بين ذراعيه بينما يداه تغرزان أصابعه في لحمها الغض، لم تستطع هي الذود عن نفسها، ولأول مرة تختبر قسوة عناقه، وكأن فمه يعاقب شفتيها لنطقها بتلك الكلمات التي أثارت جنونه، فتركت لدموعها العنان ليستشعر مذاق ملوحتها بين شفتيه، فرفع رأسه بعيدا عنها ولكن ليجذبه اليه ويدفنه في صدره الذي يتعالى صعودا وهبوطا وكأنه في سباق ماراثوني، فيما حاول التقاط أنفاسه الهاربة ليتحدث بحزم وصلابة قائلا بلهجة لا تقبل النقاش:.

- انا هسيبك شوية عشان تهدي، بس خليكي فاكرة كويس اوي اننا لبعض، مهما بعدنا. يوم، اتنين، شهر، سنة. مسيرنا في الآخر لبعض. أنا غلطت، أنا معترف ب دا، وعشان انا عارف انه مش غط سهل واني أد ايه جرحتك، عشان كدا مش هضغط عليكي، وهسيبك لغاية ما تهدي. بس مش هنا.

رفعت رأسها تطالعه في تقطيبة عميقة لتدفعه بعيدا فتركها ولكنه أحاط خصرها بيديه، فقالت بحنق:
- اومال فين ان شاء الله؟ اوعى تقول عند ستِّي؟!
فواز بشبح ابتسامة: - مش دا بيتك اللي جيت أخدتك منه؟
لتغيب ابتسامته في لحظة وهو يتذكر ذلك الجالس بالخارج والذي سمح لنفسه بأن يقف أمامه يخبره بكل صفاقة أنه هو المسؤول عن تسنيمه هو! فهتف بشراسة من بين أسنانه المطبقة:.

- ويكون ف معلومك، الاستاذ اللي قاعد برة دا وعجبه اوي دور السيد الوالد اللي انا مش عارف مين اللي إداه الحق انه يتدخل في شيء مالوش دعوة بيه، اذا كان هو ولا أخته. الست سيئات!

تسنيم بشهقة خافتة: - حسنااااات. اسمها الست حسنات، وبعدين هما مش أغراب، كتّر خيرهم انهم واقفين جنبي، اللي مالوش كبير بيشتري له كبير، وانا اشتريتهم!

هدر فواز بقوة ويداه تشتدان حولها: - أنا كبيرك! مالكيش كبير غيري، حطي الكلام دا في دماغك عشان ترتاحي، وقعاد هنا مع سيئات دي والغضنفر أخوها لا!

ايه ايه ايه ايه؟! ...
شهقت تسنيم وهي تطالع صاحبة الصوت الواقفة خلف فواز وقد دلفت اليهما وهي تضرب الباب بقوة لتفتحه عن آخره حتى ارتطم بالحائط من خلفه، بينما تهتف عاليا باستنكار لما سمعته، وبينما حاولت تسنيم ازاحة يدها من قبضته تشبث هو بها وهو يرمق حسنات بحقد من فوق كتفه، دنت منهما حسنات وهي تردف بقوة:
- قصدك ايه بسيئات والغضنفر ان شاء الله؟ انت بتتريق علينا وفي بيتنا؟

دفعته تسنيم بقوة لتفلت منه بصعوبة قبل ان تتوجه الى حسنات التي وقفت تضع يديها في منتصف خاصرتها تحدج فواز بشرارات تتطاير من مقلتيها، قالت تسنيم محاولة استرضائها:
- ما تزعليش يا ست حسنات، فواز مش قصده.

قاطعتها حسنات وعينيها لم تحيدا عن وجه فواز المتحفز: - مالوش لزوم تتطيبي وراه يا عينيا، هو عارف كويس وقاصد كل كلمة قالها، بس انا أحب أقولك بقه يا أستاذ يا متعلم يا متنور، اننا يمكن مش اهل الغلبانة دي بالدم، لكن اهلها بالجيرة والعشرة، وزي ما س فاروق قالك قبل كدا، خروج من هنا مش هيحصل الا لو هي اختارت دا، ولحد ما تقرر هي عاوزة ايه، البيت هنا له حرمة، وال غضنفر – مكررة كلمته قاصدة كي يعلم انها قد سمعته وفهمت انه يعني أخاها – بتاعنا لازم تاخد الاذن منه قبل ما تيجي هنا تاني، آه. احنا ولايا (نساء) ومينفعش يدخل علينا راجل غريب!

هتف فواز بذهول غاضب وقد جحظت عيناه بقوة: - راجل غريب! دي مراتي؟!
حسنات ببرود وهي تقلب شفتيها: - ولو، انتو دلوقتي بينكم مشاكل، والبونية مش عاوزة تكمل، يبقى لغاية ما ترسو لكم على حل.

واقتربت من تسنيم تسحبها ناحيتها وهي تردف: - تسنيم هتفضل هنا، في بيتها، وان ماشلتهاش (حملتها) الارض، نشيلها فوق دماغنا، وكلام معها او زيارات ممنوع إلا بأمر. – وسكتت لثانية تابعت بسخرية بعدها – الغضنفر. عن إذنك!

وسحبت تسنيم خلفها بينما هدر فواز بغضب وهو يدلف خارجا لاحقا بهما: - خدي هنا، استني يا ست!
لتقابله الجدة برفقة فاروق، فقالت بتعب: - ياللا بينا دلوقتي يا فواز يا بني، خلي البنية ترتاح شوية، وانا مطمنة عليها طالما هي مع الست حسنات والاستاذ فاروق.

فواز بتعنت ورفض: - وانا مش هرتاح طول ما هي هنا!
فاروق بصلابة: - اتفضل انت يا استاذ فواز، مع انك غلطت فيا لكن انا هلتمس لك العذر، لكن بعد كدا اي تصرف هيصدر منك مش هيعدي بالساهل، وحط في دماغك اني من هنا ورايح في مقام حماك، واللي اقوله لازم يتنفذ، تسنيم مراتك زي بنتي بالظبط، فاطمن عليها مش ممكن هنهمل فيها، ودلوقتي زي الحاجة ما قالت الوقت اتأخر، مالهوش لزوم كلام كتير، هي هتفكر وهبلغك الرد بنفسي!

سحبته الجدة من مرفقه بصعوبة وهو يرمق فاروق بحقد، حتى اذا ما دلفا خارج المنزل همس فواز بقهر وغيظ:
- مش كان ناقصني غير سيئات واخوها!

رأتها وهي تجلس على إحدى المقاعد المنتشرة في الحديقة، لتهم بخطواتها ناحيتها حتى اذا ما وصلت اليها، مالت عليها تهتف ببشاشة:
- ازيك يا طنط؟
رفعت السيدة الخمسينية العمر عينيها الى محدثتها لتنفرج أساريرها وتهتف بسعادة: - شادية! ازيك انتي يا حبيبتي، طمنيني ايه الاخبار؟ بئالك كتير مش زورتيني؟!
سحبت شادية مقعدا الى جوارها وجلست وهي تقول وقد احتوت يدها وسط راحتيها راسمة ابتسامة خفيفة على وجهها:.

- الحمد لله بخير، معلهش سامحيني ما بين الشغل والجامعة، ملاقيتش فرصة أفوت عليكي قبل انهرده.

طالعته بعينين متأملتين وهي تقول بصوت يحمل رنة رجاء واضحة: - هو اخباره ايه؟ عامل ايه؟ هتجنن عاوزة أشوفه.
شادية وهي تربت على يديها: - هو بخير الحمد لله، كويس جدا، بقه منطلق في الكلام ماتلاحقيش عليه!
ضحكت سهام وقالت بينما عينيها تلمعان بدموع حبيسة: - بجد؟ وحشني اوي اوي يا بنتي، نفسي اشوفه!
شادية وقد شعرت بحزنها لاشتياقها لابنها: - هتشوفيه ان شاء الله، وقريب كمان.

سهام بابتسامة حزينة: - مفتكرش، أنا متأكدة انه معتز مش عاوز يبص في وشي، بس أعمل ايه أنا ماليش غيره، هو سندي في دنيتي، أيامي مالهاش طعم من غيره، حتى بيتي سيبته بعد ما خرجت من المستشفى وجيت هنا في دار المسنين بتاع مؤسسة تاج الرحمة، ريتاج هي اللي جابتني هنا، الوحيدة هي وجوزها اللي كانوا بيسألوا عليا طول فترة قُعادي (مكوثي) في المستشفى، ولما قلت لها مش قادرة ادخل البيت ومعتز مش فيه، جابتني هنا، منها رعاية وناس تاخد بالها مني، وعشان ما أقعدش لوحدي.

شادية موافقة: - بصراحة انا ما شوفتش مدام ريتاج غير مرتين عند حضرتك، وفي المرتين حاسيت انها انسانة في منتهى الاتزان والعقل، وعموما وجود حضرتك هنا احسن، عشان صحتك، انت بعد العملية عاوزة رعاية جامدة، وزي ما انا شايفة الدار هنا موفرة العناية الازمة للنزلاء بتوعها.

سهام بايماءة صغيرة: - فعلا، ودلوقتي كلميني عن معتز، عامل ايه، بياكل؟ صحته اخبارها ايه؟ احكي لي كل حاجة يا بنتي، انا ما صدقت حد من طرفه يطمني عليه، مش عارفة أشكرك ازاي انك دورتي عليا لغاية ما وصلتيلي.

شادية بابتسامة: - مافيش شكر يا طنط، انا كنت لازم اعمل كدا عشان علاج معتز، وان شاء الله هيخف قريب جدا وييجي لغاية عندك، ودلوقتي هحكي لك على يوم من ايام معتز!

وبدأت في سرد ما يجري من احداث لمعتز ف اليوم ساعة بساعة!

يتقلب في الفراش، لتلمس يده المكان بجواره، فيفاجأ به خالي، ففتح عينيه يطالع حوله، قبل ان ينادي بصوت يحمل أثر النعاس بقوة:
- ريما!
لم يكد ينتهي من ندائه لها حتى كانت تدلف تحمل صينية مرصوص فوقها أطباق طعام الافطار، لتقترب منه فأسرع بمساعدتها في وضع الصينية على الفراش بالقرب منهما، قبل ان يسحبها الى جواره ويميل عليها مقبلا صدغها وهو يقول بابتسامته التي أسرت لبها:
- صباح الورد.

ابتسمت بنعومة وقالت وهي تحيط عنقه بذراعيها الناعمتين: - صباح الجمال، صباح كل حاجة حلوة.
عصام ضاحكا بسعادة: - ايه الرضا دا كله؟
ريما بدلال: - وما أرضاش ليه؟ مش كفاية انك حققت أحلامي، وجبت لي المكان اللي كان نفسي أعيش فيه، كوخ أحلامي، اللي وقعت في غرامه من اول ما شوفته!

عصام و هو يحرك رأسه يمينا ويسارا: - تؤ تؤ تؤ. مش مسموح لك تقعي في غرام حد غيري!
ضحكة ناعمة أطربت أذنيه قبل أن تميل على إحداها تهمس بنعومة: - بحبك!
أغمض عصام عينيه متنفسا بشهيق عال قبل ان يفتحهما ناظرا اليها وهو يقول بابتسامته الرجولية المدمرة لاعصابها:
- طيب ممكن واحدة بحبك في الودن (الاذن) التانية؟ عشان الاتزان بس!

لتصدح ضحكتها رقراقة كجدول ماء صاف، قبل ان تقول وضحكتها تستفزه لالتهامها من فوق ثغرها الصغير:
- لا وانا ما يرضنيش ما تبقاش متزن، نعمل لك ظبط زوايا وماله!
لتقترب من الأذن الآخرى وتميل عليها هامسة: - بحبك!
فاحتواها عصام برقة بين ذراعيه، ليميل عليها حتى رقدت فوق الفراش خلفها، وهمس وهو مشرف عليها من أعلى:
- مش أكتر مني!
ومال هامسا في الاذن اليمني: - بحبك.
ليتبعها بهمسة أخرى في الاذن اليسرى: - بعشقك.

ليرتفع بعدها وهو يطالعها بأنفاس متلاحقة ضربت بشرتها الرقيقة وهو يسلط عيناه على شفتيها قبل ان يدنو منهما حتى تلامسا بخفة ثم همس بصوت أجش:
- بموت فيكي!
وختم بعدها اعترافاته بشفتيه، والتي كانت وكأنها تضع اسمه على كل إنش من جسدها، قبل ان يغيبها في عالمهما الساحر والذي لم تعرف بوجوده الا على يدي. عصامها وحده!

بعد شهر: زفر فواز بضيق يكاد يختنق، شهر مرّ منذ ذلك اليوم الذي خرج شبه مطرودا من تلك السيئات عندما باغتته هو وزوجته أثناء محاولاته اقناعها كي ينال مسامحتها له، ليتركها حتى تهدأ تماما، وتفكر فيما أخبرها به، مؤكدا على انه من سابع المستحيلات أن ينفذ لها طلبها المجنون، ويتركها!

همس فواز بصوت غاضب وهو يدور في ردهة منزله هو وتسنيم: - انا هتجنن! شهر لغاية دلوقتي ولسه ما عرفتش تاخد قرار؟ والمصيبة اني مش عرف اشوفها، حتى لما بروح لها الكلية مش بلحق ألمحها، يدوب تخلص محاضرتها تخرج على طول، واللي اسمه فاروق دا قال صاحب واجب اوي، موصي واحد صاحبه عنده تاكسي انه يوديها ويجيبها، فحتى أني أشوفها بعد ما تخلص كليتها مش عارف! وكله كوم وسيئات دي كوم تاني! دي زي ما تكون بتراقبني؟ مافيش مرة أخبط عليهم الا وتكلمني من ورا الباب تقولي الغضنفر مش موجود و. تهشّني! زي ما تكون بتهش قطة من قودام بيتها ولا كلب!

صمت فواز وهو يردد في عقله: - انا هتجنن لو فضلت على الحال دا.
ليقف فجأة في مكانه وقد برقت عيناه بلمعة فوز واضحة قبل ان يهتف بظفر: - بس لاقيتها! مش هييجي الليل عليكي يا تسنيم إلا وانت نايمة في حضني، وهتشوفي!

ألم في رأسها يكاد يفتك به، تلفتت حولها وهي تعقد جبينها: - أنا فين؟..

لتنتبه الى رقودها فوق الفراش في غرفتها، فانتفضت جالسة وهي تشهق بهلع، بينما تحسست ثيابها لتطمئن، فتنفست الصعداء عندما وجدت أنها لاتزال بملابسها، لتبرق عيناها بلمعة جنون وتقفز من مكانها متجهة الى باب الغرفة المغلق، فطرقته بكل قواها وهي تصرخ باسمه عاليا، ليفتح الباب فجأة حتى أنها كادت تسقط ولكنه سارع بتطويق خصرها بذراعه لاسنادها، فضربته بقبضتيها بغلّ وهي تهتف فيه بسخط:
- ابعد ايديك عني!

فرفع يديه بعيدا عنها لتتراجع هي الى الخلف وتصيح فيه بغضب ناري: - انت اتجننت؟ تخطفني!
فواز مكررا باستنكار: - أخطفك؟ حد هيخطف مراته بردو؟
تسنيم بغيظ وقهر: - آه انت!
وتذكرت أنها قد رأته وهي تدلف الى بنايتهما السكنية، حيث ناداها ولكنها أبت أن تلتفت إليه، وقبل أن تضع قدمها على الدرجة الاولى من السلم كان فواز قد أسرع بتكميمها وسحبها الى ركن منزو أسفل الدرج، وما أن أدارها ناحيته حتى قال محذرا:.

- هشيل ايدي، عارفة لو صرختي هعمل فيكي ايه؟
وسحب يده ببطء لتهمّ هي بالصراخ عندما عاجلها بضربة من مقدمة رأسه الى جبينها فتراخت بين ذراعيه ليلتقطها قبل ان تسقط مغشيا عليها!

تسنيم بسخط: - اللي انت عملته دا اسمه شغل بلطجة!
طالعها بنظرات مرعبة، جعلتها تقطب في توجس وخيفة، وقد ازدرت ريقها بصعوبة، لتراه وهو يتقدم منها ببطء، فقالت رافعة سبابتها أمامه بلهجة محذرة:
- انت فاكر نفسك بتعمل ايه؟

تقدم منها بخطوات متمهلة تماما كالنمر المتربص لاقتناص فريسته فعيناه لم تبتعدا عن وجهها ولا بطرفة واحدة، ليجيبها وهو يحوم حولها في دائرة وهمية رسمتها خطواته لتشعر بالدوار فعيناها تلاحقان خطواته بترقب وتوجس فيما قال بصوت هادئ بشكل مريب:
- بعمل اللي طلبتيه بنفسك! انت مش قلتي لجدتي لما راحت لك تاني يوم كنا عندكم. انك عاوزة وقتك ومش عاوزة تتسرعي زي ما حصل ووافقتي على جوازنا؟

فتح ذراعيه متابعا ببراءة زائفة: - وانا بنفّذ لك اللي انتي عاوزاه، خدي وقتك كله - ليبتسم ابتسامة عريضة متابعا ببساطة - وانا مش هستعجلك!

هتفت تسنيم ولم يعجبها حالة الحصار التي يفرضها عليها فكأنها فريسة قد حاصرها صياد ماكر:
- اولا انا قلت كدا لستي عشان ما رضيتش أزعلها خصوصا وانا شايفة دموعها وحزنها، خفت عليها قلت أمهد لها لكن كلامي مش معناه اني هرجع في قراري اللي قلتهولك!

ومضت عيناه بشرّ لينتفض قلبها بين جوانحها بهلع حاولت اخفائه ولكن ترصدتها عينيه اللتين لم تغفلا عنها للحظة فشحذت قواها متابعة بتحد وهي ترفض ان يرهبها الذي ال الشيء الكثير! أين كان عقلها بحق الله عندما وقعت وقعتها السوداء وسقط قلبها على أم رأسه في حبه رأسا على عقب وبمنتهى وقمة الغباء! ألم ترى الفرق المهول بينهما؟ فهي بجانبه تماما كالقزم في حضرة المارد!، قالت وهي ترمي برأسها للخلف فيظهر جيدها الابيض بوضوح لعينيه الجائعتين:.

- تاني حاجة بقه انا لما قلت وقت عشان افكر يعني عاوزة اكون لوحدي، بعيد عن اي ضغوط، واكيد مش معاك، ومش في بيتك!

لا تعلم كيف حدث هذا بعدها، ففي لحظة كانت تقف امامه تواجهه بكل عناد وتحد وفي الثانية كانت ذراعه تطوق خصرها باحكام يلصقها بجسده العضلي بينما يميل عليها تلفحها انفاسه الساخنة اما كيف وصل اليها دون ان تنتبه فهذا ما لم تعرفه، ليهمس بصوت يحمل نبرة خطر واضحة وعيناه تفترسان ملامحها التي تصارع عليها الخوف والعناد لينتصر الاخير وهي ترفع حاجبيه في تحد راقه كثيرا بينما رفعت يديه تدفعه في صدره ولكن هيهات لماردها ان يتركها بعد ما وقعت بين يديه:.

- اسمه. بيتنا ها؟ عموما انا مقدر حالتك كويس، وعشان كدا مش هزعل منك، لكن نصيحة. اوعي اسمعك تنطقي بكلمة طلاق دي تاني، لانك لسه مجربتيش زعلي يا تسنيم، القرار الوحيد اللي مسموح لك بيه هو تحديد معاد رجوعك ليا، لانك على كل الاحوال راجعة راجعة، بس عاوزه يبقى برضاكي، شوفتي انا ديمقراطي ازاي؟

ظهر رد فعلها على تهديده الوقح فوق صفحة وجهها المرمري قبل ان تفتح فمها للصراخ به، ولكنها لم تستطع حتى ان تصدر صوتا واحدا فقد التقط فواز صرختها لتتردد في جوفه هو، داحضا مقاومتها وهي تضرب كتفيه بقبضتيها الصغيرتين، وكأنها يمامة ترفرف بين براثن نسر جامح، ليتركها بعد ان وهنت مقاومتها وبدأ قلبها الخائن في التأثير على جسدها ليعلن استسلامه لمالكه الوحيد، همس امام شفتيها وعيناه مسلطتان على اثر هجومه الكاسح عليهما بينما تطالعه هي من خلف جفنين نصف مغلقين:.

- انتي مكانك هنا.
ورفع يده يضغط يدها المفترشة صدره براحتها حينما كانت تحاول دفعه في وقت سابق وتحديدا فوق قلبه الهادر بدقات عالية كموج البحر الثائر، وأردف بعينين تطالعانها بنظرات عشق واضحة لم يخفيها:
- خروج من هنا انسي. كفاية الوقت اللي ضاع، انا مش ناوي أضيع من عمرنا أكتر من كدا، أيامنا سوا غالية جداااا، فياريت تفكري وتقرري بسرعة لاني ما اضمنش نفسي بصراحة!

ومال عليها لاثما ثغرها في قبلة خاطفة، قبل ان يستدير لتهتف من خلفه وقد أغاظها استسلامها له وثقته اللامتناهية في نفسه:
- تفتكر انك هتقدر تحبسني هنا؟ دا لو حصّلت اني ارمي نفسي من الشباك هعملها، ابقى وريني بقه هتمنعني ازاي!

صمت تام دام لثوان بينما وقفت هي تراقب ظهره بترقب وهي تعض باطن شفتها بقلق، ليستدير على مهل اليها فقطبت تتابع تقدمه منها وهي تحاول ان تستشف رد فعله على تحديها الاهوج له من تعبير وجهه ولكن الاخير كان مبهم بالنسبة اليها، حتى وصل امامها وقال بابتسامة خطيرة ووبساطة:
- اممم. تصدقي ما جاش في دماغي، لكن الحل موجود!
تسنيم وقد دفعها شيطانه لاستفزازه اكثر فأكثر: - ايه هتقفل الشباك بقفل زي الافلام؟

فواز نافيا باستهانة: - لا لا لا دي افلام عربي قديمة، دلوقتي فيه طريقتي أنا، الطريقة الفوازية!
تسنيم بتوجس وريبة: - ايه هي الطريقة ال فوازية دي ان شاء الله؟
فواز بتلقائية شديدة وهو يمد يديه ناحيتها: - دي!
وفي طرفة عين كانت يده تشق بلوزتها طوليا، لتصرخ فزعة وبيديها كرد فعل تلقائي تغطي عريها عن عينيه وهي تهتف:
- انت اتجننت؟
فواز ببساطة: - ابقي وريني بقه هتنزلي من الشباك عريانة ازاي؟

وسار ناحية الباب وقبيل خروجه نظر اليها من فوق كتفه وقال كمن تذكر أمرا: - آه على فكرة انا كنت عامل حسابي مش هتلاقي اي هدوم هنا، بس كنت ناسي الهدوم اللي عليكي، عموما كويس انك لفتي نظري، انا همشي دلوقتي عندي مشوار، ويا ريت لما أرجع تكوني فكرتي، وقررتي، واعملي حسابك انه الصبر اشتكى من صبري خلاص. سلام مؤقت حبيبي!

وانصرف مغلقا الباب وارؤه لتسمع بعدها صوت المفتاح وهو يدور بالباب فهتفت بذهول وصدمة:
- المجنون سابني عريانة ومشي!
لتهتف معنفة نفسها بقوة تكاد تبكي: - انا اللي مجنونة وبنت مجانين كمان عشان حبيت مجنون زيه.
لتعلو وجهها علامات التحد والعزم وتتابع: - ماشي يا فواز، لو انت بقه مجنون أنا أجن منك، وأنا بقه اللي هوريكي الجنون على أصله، وانت اللي بديت والبادي أظلم!

وبرقت عيناه بلمعة عزم واضحة بينما عقلها يرسم ويفكر في وضع خطة محكمة في كيفية الثأر من الطريقة الفوازية ولكن. على الطريقة ال تسنيمية!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة