قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية إلا أنت (نساء متمردات ج3) للكاتبة منى لطفي الفصل الثاني والأربعون

رواية إلا أنت (نساء متمردات ج3) للكاتبة منى لطفي الفصل الثاني والأربعون

رواية إلا أنت (نساء متمردات ج3) للكاتبة منى لطفي الفصل الثاني والأربعون

جلس بجوارها يداعب خصلاتها البنية اللون الناعمة بأنامله السمراء وقد لاحظ أن هناك بعض الجذور البيضاء بدأت في النمو ثانية، ليدرك أن حبيبته المشاغبة قد نست أن تلوّنهم كما تفعل دائما، وكثيرا ما كانت تغيظه أنه لن يرى الشيب أبدا في خصلاتها، فهي بارعة باخفائه جيدا، وهي تهز كتفيها بدلال مردفة أنها ضد كِبَر السّن فهي ستظل دائما في أوج شبابها، ويكفي أن زملاء ابنها مهدي من لا يعرفونها ما أن يرونها معه حتى يحسبونها شقيقته الكبرى! لتفرح من اعتقادهم بأنها شقيقته وتحزن من. الكبرى!

أما هو فكان يحدجها بنظرة نارية تعرفها جيدا، قبل أن يخبرها بكل برود أنها لن ترافق ابنها ثانية، إلا إذا تعهّدت أمامه أنها ستخبر الجميع أنها. والدته وليست شقيقته!

كانت ضحكاتها تصدح عندها لتلف بعدها ذراعيها حول عنقه وتنظر في عينيه تسأله بضحكة واسعة ألا يزال يشعر بالغيرة عليها، حتى بعد هذا العمر؟ ، ليجيبها بصدق تام ويداه تطوقان خصرها يبادلها النظر بثبات تام، بأنه لن يكف عن الغيرة عليها طالما في صدره نفس يتردد! لتهمس اليه حينها بصوت مليء بالحب وعينان تطالعانه بعشق صاف بأن يطمئن، فهي لن تكف عن حبه أبدا، فقلبها في كل دقة من دقاته يذكر فيها اسمه، وأنها لن تكف عن حبه حتى يكف قلبها عن الخفقان!

مال عليها يهمس في أذنها بصوت غلفه حزن وخوف لم يسبق له الشعور بهما: - عاوزة تسيبيني يا راندا؟ أهون عليكي؟ ايه في الدنيا يستاهل انك تعملي كدا في نفسك عشانه؟ مش هسامحك يا رندا، مش هسامحك لو كررتيها تاني، أنا مقدرش أعيش من غيرك، أرجوك يا حبيبتي افتحي عينيك، خليني أطمن عليكي، متعمليش فيا كدا يا راندا. أرجوكِ!

ومال عليها يلثم جبينها بقبلة ناعمة طويلة، وقد أغمض عينيه بينما يتضرّع في داخله أن يحفظها الله له، فهي فرحة عمره كله...

تسمع همس بصوت عشقته منذ أن كانت في العشرين من عمرها، وشعرت بيدين حانيتين، تملسان خصلاتها، ثم نفس دافئ يقترب من وجهها لتحط بعدها شفتين دافئتين تعرف صاحبهما جيدا فوق جبينها، فكأنه قد وهبها قبلة الحياة، لتفتح عينيها ببطء وقد بدت الرؤية مشوشة أول الأمر، ولكن، قطبت فجأة في ريبة، فقد ظنّت أن هناك قطرة ماء قد لامست بشرتها، لتفتح عينيها واسعا، وتهمس بضعف:
- ن. نزار!

قطب نزار وهو يستند بوجهه الى جبينها، ليرفع راسه قليلا، ثم يفتح عينيه لتتسعا بعدها بغير تصديق وهو يطالع عسليتيها، حيث هتف قائلا:
- راندا.
رفعت يدها تمسح على وجهه لتتأكد من ظنّها، فعبست برقة وقالت بلوم بنبرات واهنة: - ليه يا نزار؟ دموع! دموعك دي غالية أوي.
عاجلها قائلا وهو يشد على يدها بين راحتيه: - أنتي أغلى!

ليقبل باطن كفها قبل أن يحتويه بين يديه متابعا بصدق: - أنتي أغلى حاجة عندي يا راندا، اوعي تعملي كدا تاني، أنا كان قلبي هيقف من الخضة لما سمعت الاصوات العالية وجريت انا ومحمود على الصوت، ولما وصلنا لاقيتهم بيقولوا دكتور لراندا! تصدقي اني وقفت لثانية أسأل نفسي. مين راندا؟

ضحكت بتعب بينما تابع هو وهو يحتضن وجهها الى وجهه بزفرة عميقة: - اوعي تعملي كدا تاني، مافيش حاجة تستاهل أبدا انك تضايقي نفسك، وبعدين أساسا انتي مش مسموح لك أنك تنشغلي أوي كدا الا بيا أنا وبس! أنا الوحيد من هنا ورايح اللي مسموح لك انك تنشغلي بيه اوي وتفكري فيه اوي اوي!

نظرت اليه تهمس بصدق: - وأنت أغلى عندي من روحي، وعمري ما أرضى انه أي حد يقلل من قيمتك، حتى لو كان ولادي!

تنفس نزار بعمق وقال: - مش وقته الكلام دا، مش عاوزك تفكري في اي حاجة الا صحتك وبس، ومش هكرر كلامي تاني، ما تشغليش بالك خالص بأي حد، سيبيني أنا هتصرّف.

قاطعته بلهفة الأم: - ما تقساش عليها يا نزار، هي مهما كان مش قصدها، هي عاملة زي المخبوط على دماغه، اللي حصل وسمعته كان كتير عليها اوي.

نزار بجدية: - راندا. لآخر مرة تتكلمي في الموضوع دا، قلت لك ما تقلقيش أنا هحله، وبعدين ما تخافيش عليها اوي كدا، ريما بنتي بردو مهما كان، ولو هي اتخبطت على دماغها زي ما قلتي يبقى مافيش مانع من خبطة صغيرة تانية ترجع عقلها لمكانه!

راندا بزفرة عميقة: - ومين قالك انها ما اخدتهاش؟
قطب نزار في تساؤل فواصلت: - أول مرة أمد ايدي على بنتي يا نزار!
اتسعت عيناه بدهشة للحظات قال بعدها بحسم: - بنتك مش هتكبر عليكي، ولما تحسي أنها محتاجة تربية لازم تربيها!
هزت راندا رأسها مغمضة عينيها بأسى وقالت: - صح، بس القلم اللي نزل على وشّها كأنه نزل على قلبي أنا! يمكن عشان كدا ما استحملتش فعلا!

سمعت صوتا حزينا ضعيفا يقول: - اقتليني مش تضربيني وبس، انما ما تسيبناش، انا فداكي يا امي، لكن ما تزعليش نفسك عشاني، أنا ما أستاهلش تعبك ولا زعلك...

نظرت راندا الى ابنتها الواقفة أمام الباب وقد بدت في أكثر حالاتها حزنا وبؤسا، تكلم نزار عاقدا جبينه بينما يشيح بعينيه بعيدا:
- مش وقته الكلام دا دلوقتي، هي تعبانة دلوقتي والمفروض تبعد عن اي انفعال.
أمسكت راندا بيده لينظر اليها فطالعته برجاء صامت، قبل ان تلتفت الى ريما التي قالت بضعف مس شغاف قلب الام بداخلها بينما عينيها لم تكفان عن ذرف الدموع:.

- أنا. أنا آسفة، وعارفة اني مهما اتأسفت ذنبي أكبر، لكن أنا حبيت أقولكم أني بحبكم اوي اوي، وعمري ما أقدر أستقل بيكم، ومش عاوزة غير انكم تسامحوني، لكن أنا عمري ما هقدر أسامح نفسي على اللي عملته...

التفتت ريما تبغى الانصراف عندما نادتها راندا بصوت واهن فوقفت امام الباب الذي تركته مفتوحا بعد دخولها، واستدارت اليها مترددة يدفعها أمل خائف، وما أن طالعت عيني أمها حتى ابتسمت الأخيرة ابتسامة ترتعش قبل أن تمد لها ذراعها في اشارة صامتة فلم تحتاج ريما أكثر لتندفع اليها ترمي بنفسها بين ذراعيها فوق صدرها وهي تجهش ببكاء عنيف، فيما احتوتها راندا بحنان، أما نزار فقد رفع يدا مترددة أول الأمر لتنظر اليه راندا بابتسامة صغيرة، فتنهد بعمق قبل أن يضع يده على رأس صغيرته مربتا عليها لتفاجئه بالامساك بها لتنحني عليها مقبلة ظاهرها تغرقه بدموع عينيها!

بينما وقف كلا من ادهم وريتاج ومها ومحمود يتابعون ما يجري وابتسامة صغيرة تشق وجوههم، أما عصام فوقف على الجانب الآخر منهم، يكتف ساعديه، ينظر الى صغيرته المشاكسة بفخر وحب، وهو يفكر أنه أبدا لن يتخلى عنها، وسيعمل على أن تضع هذا في رأسها الصلد العنيد!

يا راندا اهدي على نفسك شوية، الدكتور قال مش عاوزين اي انفعال.
أجابت راندا ريتاج الساخطة وهي تتحرك سريعا تعطي أوامرها للخدم: - يا تاج تعبي كان له سبب، وخلاص لما السبب راح انا بئيت كويسة، لكن مش معقول بنتي فرحها يبقى بعد يومين ولغاية دلوقتي مافيش حاجة خلصت!

تقدمت تاج اليها وامسكت بكتفيها تدفعها لتجلس كي ترتاح قبل ان تقول بتأنّ: - حاجة ايه دي بس؟ كل حاجة جاهزة، لو على البيت عصام مجهزه من زمان، وانت بنفسك شوفتي ساعة زمن قعدوها على النت طلبوا الموبيليا بتاعتهم وعلى رجوعهم من شهر العسل ان شاء الله هتكون جات، الفستان ولوازمه وكل حاجة موجودة، حاجات ريما نفسها جبناها ومن أحسن مكان، ومش من مصر بس، انتي ناسية الشنطة اللي هنا بعتتها أول ما اتحدد معاد الفرح من الاول؟ يبقى ايه تاني اللي ناقص؟

راندا بلوم: - معقول يا تاج؟ مش في جنّة المفروض للعروسة؟ معقولة ريما آخر العنقود ما اعملهاش حنة؟

زفرت تاج بعمق، فهي تعلم أنها ستتعب مع راندا فهي لن تقتنع بسهولة برغبة أدهم بعدم الاحتفال بحنّة العروس زيادة في الأمان، خاصة وأن ريما قد صممت عى دعوة فواز وسط حنق عصام وتحفظ أدهم، فهو يعلم أن فواز لن يشي بهم لذلك المجنون ولكن اعتاد على ألا يجعل شيئا للظروف.

قالت تاج بابتسامة صغيرة: - مافيش وقت للحنة يا راندا، بعدين يا ستي دا عصام هيعملها فرح ولا فرح قطر الندى، يبقى عاوزة ايه تاني؟

راندا باستنكار: - وهو الفرح يغني عن الحنة يا تاج؟
لتقطب بعدها وتقول: - فيه ايه يا تاج؟ انا من وقت اللي حصل وانا عاوزة أسألك ليه أدهم أقنع عصام بتقديم معاد الفرح؟ طالما الموضوع اتحل بيننا احنا وريما يبقى ليه وجه الاستعجال؟ يوم ما حصل اللي حصل انا ما عرفتش غير انه ادهم بيقول لريما انه الفرح لازم يكون بعد تلات ايام، وبيلومها على انها راحت مع معتز، انما ليه قدّم الفرح ما سألتش!

احتارت ريتاج، أتخبرها بأمر ذلك المجنون وتخاطر بذلك فالطبيب قد شدد بوجوب الراحة النفسية التامة، أم تحاول اختلاق المبررات لها مع انها تعلم تماما ان راندا لن تقتنع بأي سبب تسوقه، فهي ما أن تضع في رأسها أمرا لا بد لها من تنفيذه.

همّت ريتاج بالحديث عندما قاطعها صوت ريما المرح يقول: - انا إلى مش عوزة حنة يا ست ماما!
قطبت راندا ونظرت الى ابنته قائلة: - ليه يا بنتي؟ فيه عروسة ترفض تعمل حنة؟
اقتربت منها ريما تحيط كتفيها بذراعها تدفعها للسير بخفة وهي تقول بابتسامة: - اولا بقه عشان كلام طنط تاج.

همت راندا بالاعتراض لتبادرها ريما: - يا ماما احنا مش هنجازف تاني ابدا، مش ممكن أخاطر أنى اكون السبب للمرة التانية لا قدر الله في تعبك!

راندا باستياء: - كلام فارغ! أنا مش مقتنعة.
قاطعهما صوت ضاحك يقول: - وانا عندي الحل!
هتفت ريتاج بابتسامة: - شمس!
تقدمت شمس للداخل تعانق امها وعمتها وريما قبل ان تقول بحماس: - ليكي عليا يا آنطي نعمل لآخر العنقود حنة ما حصلتش!
همت ريما بالاعتراض لتواصل شمس: - ومن غير اي تعب لماما يا ريما.
ريما بتساؤل: - يا سلام، ودي تيجي ازاي دي؟ انت مش واخدة بالك انه حنة يعني ناس وهيصة و.

شمس بنفي تام: - لا لا لا، مين قال كدا؟ الحنة المعنى فيها نفرح بالعروسة، واحنا فعلا هنفرح بيكين انما عائليا بس، على قدنا احنا، مش مسموح لك غير بنجوان وبس، ونبقى عملنا حنة زي ما عاوزة وفي نفس الوقت متتبعش!

فكرت ريما قليلا قبل ان تقول بتفكير: - اممم، وانا موافقة، لكن هعزم تسنيم مرات فواز كمان، اوك؟
ضربت شمس باطن كفها في راحة يد ريما بنصر بينما ابتسمت ريتاج رافعة ابهامها لاعلى لابنتها فيما هزت راندا رأسها يمينا ويسارا بيأس قبل ان تبتسم بدورها لتنفجر الاربعة في الضحك المتواصل.

اتفق اسلام ومراد على الاحتفال بليلة العزوبية الاخيرة لعصام، واستطاعا بصعوبة اقناع مهدي، والذيى كان يعتقد ان موافقة عصام على التعجيل بالزفاف كانت بناءا على الحاح من خاله أدهم.

اجتمع الاربعة في منزل مراد فهمس لدى والدتها حيث الاحتفال الصغير الذي اقترحته شمس، كانت الجلسة بالبداية باردة نوعا ما ولكن مع روح النكتة التي يتمتع بها اسلام استطاع بسهولة اذابة ذلك البرود، ليقضي الاربعة بعدها وقتا ممتعا، وكان أن همس عصام لمهدي في غفلة عن الباقيين:.

- مهدي، انا مش عاوزك تزعل مني، طبيعي انك تضايق كأخ لما تلاقي خطيب أختك مش ملهوف على الجواز، لكن أنا أحب أاكد لك اني في حياتي ما كنت عاوز حاجة أد جوازي من ريما، أنا بحبها فعلا يا مهدي، ما كنتش أتصور أني أقدر أحب حد كدا، اللي بحسه ناحيتها دا مش حب عادي، هتضحك عليا لو قلت لك اني كتير بحس انها بنتي!

ضحك مهدي بغرابة بينما تابع عصام بابتسامة شاردة: - ايوة يا مهدي، شقاوتها وعنادها، طفولتها اللي لسّه جزء من شخصيتها، كل دا بيخليني أحس انها بنتي، لكن في نفس الوقت الدم اللي بيضرب في نافوخي لما أحس انه حد بيبص لها، مش احساس ناحية بنتي ابدا. وقتها بتكون حبيبتي. مراتي. نصي التاني اللي لا يمكن أستغنى عنه!

قبض مهدي على تلابيب عصام فجأة وهو يقول بجدية زائفة: - بقولك ايه، دي أختي اللي بتتغزل فيها قودامي دي، فيا ريت تخف شوية يا خفيف، ها؟..

فك عصام يد مهدي وقال بضحك: - ماشي يا تقيل، بس اعمل حسابك كلها ساعات وتكون في بيتي ها؟، ووقتها بقه أنا اللي هيبقى لي الكلمة الاولى والاخيرة في اي حاجة تخصها!

مهدي ساخرا: - تمام يا الحاكم بأمره، ولو اني خايف، أصل انت واختي ما بتستروش للآخر ابدا!

مالك يا هشام يا بني بس؟ استهدى بالله كدا وروّق بالك.

نفخ هشام بضيق وهو يروح ويجيء في المكان كالليث المحبوس بينما تجلس أنعام والدته تطالعه بقلق حائر، فهي لا تعلم ما الذي أصاب ولدها وكنّتها، فمنذ عودتهما المفاجئة من رحلة الساحل ومنال تتعمد الصمت التام، وتكاد لا تجتمع بهما، فهي طوال الوقت أما أن تكون بعملها أو مع فريد ابنه في غرفته بحجة المذاكرة له، حتى أوقات الطعام تكاد تقسم أنها تحضرها رغما عنها، ولا تكاد تتناول بضعة لقيمات حتى تتذرع بعدها بأي سبب لتنصرف حاسة نفسها في غرفتها.

وفي المقابل، فأن هشام هو الآخر أصبح نزقا وزادت حدته وعصبيته عن ذي قبل، ولم تفتها النظرات التي يرمق بها منال في غفلة عن الاخيرة والتي تعتمد البرود واجهة لها، بينما تشعر هي بابنها وهو يحترق من الداخل، فهو كالبركان النشط، وأكثر ما يخيفها هو أن يصل الى مرحلة لفظ حممه اللاهبة فوقتها لا سبيل لأحد بالوقوف امامه!

هدر هشام بغضب: - الساعة 8 والهانم لسّه مشرفتش، حتى موبايلها مش بترد عليه، أنا مش فاهم ليه سمحت للسواق يمشي بدري طالما هي هتتأخر؟ أومال أنا حاطط لها سواق ليه، مش عشان الظروف دي؟

انعام محاولة امتصاص غضبه: - يا بني الغايب حجته معاه.
هشام بحدة: - طيب ترد على موبايلها، تكلم الناس اللي هي عايشة معهم تقولهم انها هتتأخر، حتى انها نام وهو بيسال عليها.

ليزفر بعدها بتعب، وهو يمرر يده وسط خصلاته الفحمية، فمنذ ذلك الدرس البائس وهي تنأى بنفسها بعيدا عنه، حتى ولو لم يكن بائسا بالكامل في نظره، وأن أراد الصدق فهو كان ممتعا لأقصى حد حتى حدث ما حدث!

لن ينسى ابدا وجهها حينها، بعد ان رفع راسه عنها كي يسمح لها بالتنفس، حيث راعه شحوب وجهها، ليشعر بها وهي تبدأ بالتهاوي بين يديه، حيث حملها الى احدى كراسي الشاطئ، وقام بوضعها برفق عليها، قبل ان يهتف يناديها بلهفة، فنظرت اليه بعينين واهنتين، ليهمس لها بأسفه، فأغمضت عينيها وقد أشاحت بوجهها بعيدا عنه، ليميل على أذنها يهمس لها بأنه يأسف لعدم توقفه في الوقت المناسب ولكنه لن يأسف على أجمل لحظات قضاها وهي بين ذراعيه! ليكون كما قال المثل. أراد تكحيلها. فأعماها! ومن وقتها وهي ترفض الانفراد به بل والتعامل معه، وكانت قد صممت على الرحيل ما أن استردت وعيها جيدا، ولم يكن ليعترض فيكفي ما صدر عنه، ولكن للحق. كان هذا أمتع درس سباحة قضاه في حياته، حتى لو كانت نهايته بؤساً عليه، فقد نجحت في أن يعود بعلاقته معها خطوات عديدة الى الخلف!

صوت خطوات تقترب جعلته ينتبه لتنهض والدته وهي ترجوه قائلة: - هشام يا حبيبي، بلاش تعكنن على البنية (تُحزنها)، استنى لما نعرف الاول هي كانت فين وما ردتش على تليفونها ليه.

دلفت منال اليهم وهي تلقي التحية، فردت أنعام والتي كانت تلقي لابنها بنظرات تحذيرية، ولكنه اكتفى بأن تمتم برد السلام بصوت غير مسموع بينما وقف عقدا ساعديه أمامه فاتحا ساقيه، وكأنه يقف متأهبا لها، بينما يطالعه ببرود صقيعي.

قالت أنعام بحنان: - خضتينا عليكي يا منال، لا بتردي على تليفونك والسواق خليتيه يمشي بدري، حتى ما اتصلتيش بينا تعرفينا انك هتتأخري.

منال بهدوء: - آسفة ياماما معلهش، الفيلا كان فيها شغل كتير اوي، انا سايباها من فترة، والسواق مراته كلمته تعبت وأنا صممت يروح ياخدها ويودّيها المستشفى، أما الموبايل بتاعي فكنت عاملاه سايلانت (صامت) ونسيت أفتحه!

هشام بجمود: - اظن الفيلا فه مهندس بالعمال بتوعه عشان الشغل، مش انت اللي كنتي بتشتغلي بإيدك، يبقى الشغل اتعطّل ازاي؟

منال وهي تنظر اليه ببرود: - أي حاجة عاوزة صاحبها هو اللي يواليها، فيه حاجات كتير كان لازم مصعب ياخد رأيي فيها، وبما أن حضرتك كنت مانع أي اتصالات للشغل في الفترة اللي فاتت، فحاجات كتير اتعطّلت...

ثم رفعت ذقنها وأردفت بثبات تام: - عموما أنا هتأكد انه اللي حصل مش هيتكرر تاني، مافيش حاجة هتأخرني عن شغلي ولا الامانة اللي في رقبتي تاني.

ثم وجهت كلماتها الى أنعام الةاقفة تنظر بقلق لابنها الصامت بشكل مريب: - عن اذن حضرتك يا ماما، هطمن على فريد وانام.
انعام بحنان: - مش هتتعشي طيب يابنتي؟
منال بابتسامة شاحبة: - تسلمي يا ماما، أنا أكلت الحمد لله، تصبحوا على خير.

ما ان خطت خطوتين حتى قصف صوت هشام من ورائها قائلا: - قفلتي جرس الموبايل ونسيتيه ممكن نفهمها، لكن اتصل ممكن أعرف ما اتصلتيش انتي له؟ أظن دا أبسط قواعد الذوق لحماتك على الاقل!

انعام بخوف: - ما حصلش حاجة يا هشام.
هشام قاطعها بلهجة باترة: - لو سمحتي يا امي.
ثم نظر الى منال التي التفتت اليه واردف ببرود: - مستني جوابك يا مدام. ، وآه يا ريت تعرفينا اتعشيت فين بالمرة؟

نظرت اليه في صمت للحظات قبل ان تقول بهدوئها الذي كرهه في تلك اللحظة: - عندك حق. – وجهت نظراتها لانعام متابعة بابتسامة أسف صغيرة – أنا آسفة يا ماما، بس فعلا ما كنتش أقصد انك تقلقي عليا، أما بقه اتعشيت فين، فأنا أكلت مع العمال في الموقع، وكان معايا دادة سيّدة وأبلة رجاء اللي صمموا يشتغلوا معايا وسابوا (تركوا) الدار بعد ما انا مشيت!

ثم أردفت ببرود: - يا ترى التحقيق كدا خلص ولّا لسه فيه اسئلة تانية؟
كانت انعام هي البادئة بالاجابة بعد ان رمقت ابنها المتحفّز بنظرة مهددة: - لا يا حبيبتي، لا تحقيق ولا حاجة، احنا بس كنّا قلقانين عليكي، وعاوزين نطمّن. روحي نامي انتي يا حبيبتي.

منال وهي تنظر الى هشام بجمود: - أعتقد حضرتك بس اللي كنت قلقانة، لاني ما اعتقدش اني أهم حد غيرك. تصبحوا على خير!

وانصرفت وسط نظرات الذهول المشبعة بالغضب من هشام الذي كاد يلحق بها لولا ان اوقفته انعام قائلة بجدية:
- سيبها يا هشام، أنا معرفش ايه اللي حصل بينكم، لكن دي مش منال بنتي اللي اعرفها، دي واحدة بتطحن نفسها في شغلها عشان مش عاوزة تفكّر!

هشام بغير فهم: - يعني ايه؟
أنعام بهزة كتف: - معرفش، انت اللي تعرف ايه اللي حصل بينكم هناك، واللي يخليها بالشكل دا، لكن مهما كان اللي حصل أحب أقولك انه منال دلوقتي مهما ظهرت انها قوية فهي في أضعف حالاتها، أنا عارفاها كويس اوي، ولو مقدرتش تكسبها وهي بحالتها دي، اعرف انك خسرتها نهائيا!

وتركته وانصرفت، بينما همس هو بقوة وعينان تبرقان: - لو كنتي ضعيفة يا منال، فاعرفي انه ضعفك دا مصدر قوتي، وانا ناوي أستغله للنهاية!

ولمعت عيناه بظفر وقد قرر كيف ستكون خطوته المقبلة!

حفل زفاف ريما & عصام.

انتشر المدعوون على شكل حلقات في الحديقة الواسعة المحيطة بقصر أدهم شمس الدين بمزرعته في منطقة المنصورية بالهرم، حيث قرر عصام الاحتفال بزفافه وريما هناك، وكان قد استعان بأشهر مخطط حفلات زفاف، وقد أخبره بما يريده، لتكون النتجة حابسة لأنفاس الحضور، فقد خيّل اليهم أنهم قد انتقلوا الى الريف الاوروبي، فقد استغل المصمم كل بقعة خضراء في المكان لاخراجه بتلك الصورة الحلم، فكأنه زفافا في إحدى غابات فرنسا التي اشتهرت بجمالها وروعتها.

وكانت تلك أولى مفاجآت عصام لعروسه، فمنذ معرفته بحلمها في العيْش بكوخ محاط بحديقة صغيرة، في منطقة هادئة بعيدا عن الضوضاء، وهو جعل شغله الشاغل معرفة باقي أحلام أميرته وهو ليس عليه سوى التنفيذ!

وكان قد طلب تجهيز قاعتين للاحتفال، أحداهما في الحديقة الواسعة المحيطة بالقصر، والأخرى بداخل القصر ذاته، حيث استغل الغرفة الزجاجية المطلة على الحديقة، ليستطيع الحضور رؤية من بالداخل والخارج، كما قد استعان المصمم بمسرح جاهز قام بتركيبه بالداخل، ووضع بالخارج منصة للرقص، فأصبح الاثنان كأنهما انعكاسا لبعضهما البعض.

تأفف حمزة لتقول نجوان بتقطيبة: - ممكن أفهم انت مكلضم ليه؟ (غاضب)
حمزة بهمس غاضب: - يا سلام، يعني مش عارفة؟ يعني امبارح تقوليلي هحضر حنة ريما بس ومش عازمين حد غيري، وراجعين 2 صباحا، واتفاجئ بيكي انهرده صاحية من النجمة عاوزة تروحي لها، يعني يوم كامل مش معايا، وفي الآخر تفاجئيني كمان بفستانك دا؟

نجوان بغير فهم وهي تتطلع الى نفسها: - ماله فستاني؟ وحش!
هتف حمزة: - وحش!
ليتدارك نفسه فقطب وقال مزمجرا من بين اسنانه المطبقة: - اسكتي يا نجوان عشان ما نتخانقش، لما نروّح لينا بيت نتلم فيه!
نجوان بتحسّر: - نتخانق! هو دا اللي جِه في بالك لما شوفت الفستان؟ أنا هروح أشوف همس يمكن محتاجين حاجة بدل ما اتشل وانا قاعده!

همّت بالنهوض ليقبض حمزة سريعا على يدها ويقول من بين اسنانه المطبقة: - طيب جربي كدا تتحركي خطوة واحدة بس من مكانك وانت هتشوفي هعمل ايه، أنا مش عاوز حد يلمحك خالص في الفستان دا!

زفرت نجوان بضيق ووضعت يدها فوق وجنتها وهي ترمقه بنظرات مغتاظة بين كل حين وآخر في حين همس هو بقهر بداخله:
- قال عاوزة تقوم تتمشى قال، دا انا كان قلبي هيقف وانا شايفها وهي جاية عليا، لكن انا اللي غبي، انا اللي ما صممتش اشوفه لما اشتريته وتقولي مفاجأة يا زومة، أديك أخدت على دماغك يا زومة!

كان فستانها من المخمل الاحمر، بأكمام طويلة تلتصق بذراعيها، ينسدل حتى الارض، ذو فتحة رقبة شبه مربعة، بينما كتفها الايمن فهو عار، وقد زينت فتحة العنق بتطريز فضي على هيئة أوراق شجر. وكانت زينتها هادئة فيما عدا حمرة شفتيها كانت باللون الاحمر القان، الامر الذي جعله يعض على أسنانه طوال الوقت!

رمقها بنظرة سريعة وهي تجلس بجانبه في سيارته في طريقهما لحضور الزفاف، مد يده وقبض على أصابعها النحيلة عنوة، لترمقه بطرف عينها قبل ان تنظر أمامها ببرود، فقال فواز بابتسامة:
- لسّه زعلانة مني عشان رفضت تروحي من الصبح لريما زي ما طلبت منك؟
تسنيم ببرود: - لا أبدا، ما انت امبارح بردو يدوب هي ساعة اللي خليتني اقعدها وجيت بعده على طول، مع اني قلت لك انه لسّه بدري لكن انت صممت!

فواز بعتاب محب: - يعني أهون عليكي تسيبيني وقت طويل كدا واحنا لسّه عرسان في شهر العسل؟ تصدقي انك وحشتيني الساعة اللي انتي مستقلياها دي؟

تسنيم بحنق طفولي: - ايوة يا فواز بس دي ريما!
فواز ببساطة ويده لا تزال تقبض على يدها في احتواء حان: - عارف والله انها ريما، ولأنها ريما أنا وافقت انك تروحي لها امبارح، مع انه خروج من غيري في اي مكان ممنوع!

تسنيم بغير فهم: - يعني ايه؟ يعني لو عاوزة أروح أي مكان أو أخرج مع اصحبي لازم تكون موجود؟
فواز بطبيعية: - اولا مينفعش تروحي اي مكان من غير جوزك، تاني حاجة اصحابك على عيني وراسي مع اني ماشوفتهومش! – لكن فرضا عندك اصحاب، انت بتشوفيهم في الكلية، عاوزين يزوروركي اهلا وسهلا، لكن خروج من غيري. انسي!

تسنيم بهمس يائس: - أنسى! هو أنا آه كان نفسي تكون ملهوف عليا ومش عاوز تبعد عني، بس مش أوي كدا أنا حاسة زي ما أكون متراقبة!

فواز ببساطة: - بتقولي حاجة يا تسنيم؟
تسنيم وقد انتبهت من شرودها: - ها؟ لا، ابدا، ولا اي حاجة.
ولسان حالها يهتف بها ساخرا، انت مش كان نفسك يلزق لك؟ أهو لزق بأمير أهو، شوفي هتفكيه ازاي يا فالحه؟، (أمير. نوع من أنواع الصمغ الشديد اللصق).

مال عليها هامسا: - انما ايه الحلاوة دي؟ الفستان هياكل منك حتة!
ليحمر وجهها خجلا ويزغرد قلبها داخل صدرها لكلماته ونظرات الاعجاب في عينيه، بينما تابع غامزا بشقاوة:
- أما أنا بقه فهكلك (سآكلك) كلّك على بعضك بس لما نروّح!
فامتقع وجهها خجلا وسكتت طوال الوقت المتبقي من الطريق بينما ابتسم فواز بعبث وهو يشعر بنفسه وقد عاد مراهقا من جديد.

دلف هشام برفقة منال والتي كان قد أرسل اليها رسالة يخبرها فيها بأنهما مدعوان لحضور حفل زفاف ابن شقيق السيد أدهم شمس الدين، وهو يعلم ما تكنه للأخير من احترام، ما يجعله أكيدا من موافقتها، ولم ينسى أن يدرج ملاحظة في رسالته أنه ممنوع منعا باتا أن يكون الفستان ذو لون خاطف للأبصار، فأجابته برسالة مقتضبة تقول فيها. لونه أسود. ارتحت!

ليتنفس براحة ولكنها سرعان ما اختفت حالما وقعت عيناه عليها في فستانها الذي كان أسودا بحق ولكنه غاية في الهلاك لأعصابه!

كان من قماش الجبير المطرز بوردات كبيرة مبطّن بقماش حليبي من الساتان الناعم، ذو أكمام طويلة، واتدت وشاحا فضيا عقدته بشكل سهل وانيق، واكتفت ببضع رتوش بسيطة من الزينة، وقد صبغت شفتيها بلون وردي.

صافح ادهم هشام وحيا منال بهزة رأس خفيفة، ليسيرا بعدها بين تجمعات الضيوف حتى وصلا الى مائدة خالية وقبيل جلوسها هتف هشام قائلا:
- بقولك ايه، ما تيجي ندخل نقعد جوة أحسن؟
منال بدهشة: - ليه؟ على الاقل نستنى العرسان لما ييجوا.

زفر هشام بقنوط وأشر لها بالايجاب ليباغتها بسحب مقعدها لتجلس قبل ان يجلس بدوره، وهو يدعو ربه أن يلهمه الصبر، فهو يريد اخفائها عن الاعين، لو كان يعلم هذا لم يكن ليأتي بها وكان حضر بمفرده، فهو لن يستطيع التحمل ان جاءها عريس ما، فعندها لن يضمن ردة فعله، فيكفيه خطّابا لزوجته!

كان مراد يقف يتبادل الحديث مع مهدي واسلام، عندما صاح صوت ضاحك: - مراد أدهم، فينك يا راجل؟
التفت مراد ناحية الصوت ليهلل مرحبا وهو يصافح صاحبه بقوة: - أنور زيدان، انت اللي فينك، يعني كان لازم عصام يتجوز عشان نعرف نشوفك انت وصاحبك.

ثم قطب قائلا وهو يتلفت حوله: - إلا هو فين صحيح؟
أشار أنور الى نقطة معينة قائلا: - أهو هناك يا سيدي، جاي مع نداه!
ضحك مراد بمرح ليقول اسلام بفكاهة: - وانت فين المدام، اوعى تكون مزوّغ من وراها؟

أنور رافعا يديه ف استلام: - لا لا لا، أنا أقدر، هي بس اول ما دخلنا سعدات جالها تليفون من جوزها عشان هيتأخر شوية على ما ييجي، وهي وقفت معها، انت عارف سعادات مع انها متجوزة من لؤي بيه والمفروض اتعودت على الجو دا، لكن في أي مكان جديد بتحس انها تايهة على طول!

ضحك مهدي، وقال: - ما سمعتكش دلوقتي يا أنور، مش هتخلص منها، أنا فاكر قصصها معكم.
قصص ألف ليلة وليلة بقه يعني ولا إيه؟..
وكزتها رنا قائلة بعتاب: - سعادات مش كدا.
مهدي بضحك: - سيبيها يا رنا، أنا متعوّد عليها، ازيك يا سعادات.
سعادات بثبات: - الحمد لله، ازي حضرتك، ما شوفتكش من آخر اعلان جو صوّره للمجموعة عندكم.

ليقاطعهما صوت يوسف الرخيم وهو يقول مرحبا: - ازيكم يا آل شمس الدين والعايدي، يعني ينفع كدا ما نشوفش بعض الا في المناسبات يا الشغل؟

اسلام ببساطة: - نعمل ايه يا جو، مش بيقولوا الجواز تأديب وتهذيب واصلاح، واحنا من يوم ما دخلنا الاصلاحية برجلينا واحنا من الشغل للبيت، خلاص، راحت فين ايام الشقاوة يا حسين؟!

ليضحك الجميع فيقاطعهم صوت انثوي ساخر بنعومة: - امممم، الجواز دلوقتي بقه اصلاحية يا اسلام؟ مش عجبك دلوقتي؟
التفت اسلام الى زوجته التي ابهرته بطلتها الملائكية فهو لم يرها الا الان فهي برفقة ريما وهمس ولبنى منذ الصباح، ليقول هاتفا باعجاب:
- اصلاحية! بذمتي لو كل الاصلاحيات اللي في البلد زي اصلاحيتي محدش هيرضى يخرج منها!

ضحك الجميع ليقول جو: - زي ما انت يا اسلام، ما اتغيرتش.
قالت شمس لندى: - اومال فين توتي؟ ما جاش معكم ليه؟
ندى بابتسامة حنون ما ان سمعت اسم ابنها الذي لم تلده: - سيبناه مع ماما، ما كانش ينفع نجيبه، كان هيقلب الفرح.
شمس لرنا: - وانتي يا رنوش، يوسف الصغير فين؟

رنا بهمس: - مع حماتي، وربنا يهديه وما نروحش نلاقيها مستنيانا بيه على الباب، حاكم عليه شقاوة مش على حد، ولما يتجمع هو وطاهر الصغير قولي على المكان باللي فيه يا رحمن يا رحيم!

ضحكت شمس وقالت: - للدرجة دي! مع انه توتي أكبر منه بأربع سنين تقريبا.
رنا بتنهيدة عميقة: - ما هو عشان كدا هو الاستاذ بتاعه، وتخيلي بقه لما يكون طاهر يوسف استاذ يوسف انور، النتيجة هتبقى ايه؟

قاطعها صوت همس الضاحك: - كارثة!
صافحت همس ندى ورنا وسعادات، عندما حضر عصام الذي رآه مهدي وأشار اليه، فصافح يوسف وانور قبل ان ينحني على مهدي قائل:
- اختك اتاخرت.
همس تطمئنه: - ما تقلقش يا عصام، هتنزل حالا، انا سايبه ماما ولبنى وطنط مها وماما تاج معها.
قاطعه رنين هاتفه، ليرفعه متلقيا المكالمة، وسرعان ما انفرجت اساريره وقال بعدها: - فرجت، عن اذنكم هروح لعروستي.

تعالى صوت الموسيقى الآذن بقدوم العروس، والتي تقدمت متأبطة ذراع والدها عبر ممر مرصوف محاط بالازهار ليتناولها منه عصام بعد ان رفع وشاح وجهها مقبلا جبينها، ليسيرا سوية على صوت ماجدة الرومي الذي صدح بكلمات اغنية. طلي بالابيض يا زهرة نيسان...

وقفا بجوار بعضهما البعض لتبدأ الزفة بآلات العزف الموسيقي الكمان، وبينما كانت تقف مبتسمة كان عصام يمسك بيدها التي تتأبط ذراعه بينما يميل عليها هامسا:
- بيتهيالي ماجدة الرومي لما غنّت الاغنية دي ما كنت تعرف انه هيبقى فيه عروسة جمالها احلى من زهرة نيسان!

احمرت وجنتيها بينما امتنعت عن الرد، فعلم انها لا تزال متسمرة في عقابها له، فهو لم يكن قد رآها منذ شجارها مع والدتها، لترسل اليه رسالة بعدها مفادها انها وافقت فقط لأجل خاطر والدتها، ولكن لم يتغير شيء بينهما، فهي لن تكون له الا بشروطها هي، وأولها أنهما لا يزالان في حكم المخطوبين، ولن يكون هناك زواج حقيقي قبل ان يكون هناك تفاهم حقيقي!

والآن هو سيعمل على افهامها أنهما لن ينفصلا، فهما واحدا متكامل، لا يمكن قسمته ولو على نفسه!

نظر اليها في فستانها الذي هو أكيد أنه اختيار أمها، ودعا الله ان يلهمه الصبر، فهو يشك انه يستطيع ابعاد يديه عنها ان انفرد بها، ووقتها ستبتلع تماما كل كلماتها الحمقاء عن كونهما في عرف المخطوبين فقط!

بدأت الموسيقى الهادئة ثم الاغاني الصادحة، حيث رقص عليها الشباب، وقد جلس عصام وريما الى جلسة خاصة للعروسين اسفل قنطرة من الورود والزهور، وبعد أن بدأت الشمس بالمغيب فقد بدأ الزفاف في الخامسة عصرا، اقترح عصام على ريما الدخول الى القاعة المكيفة الهواء بالداخل، فمع ان الهواء بالخارج عليل، ولكنه لاحظ أنها قد بدأت تشعر بالحر الطفيفن وهي لا تتحمل هذا الجو.

نهض العروسين متوجهان الى الداخل يتبعهما الضيوف، ليجلسا في الجلسة المخصصة لهما، وبعد قليل حضرت المطربة المشهورة التي تعاقد معها عصام لاحياء الفرح، اقتربت مطربة الحفل الشهيرة من العروسين وأشارت للعريس بالوقوف، لينهض وهو ينظر الى عروسه الفاتنة يغمزها بعبثه لتخبأ ابتسامتها عمدا عنه مفتعلة اللامبالاة بينما في داخلها فهي تتلظى بنيران الغيرة لكنها لن تكون خليفة المتمردة كما دأبت زوجة خالها على تسميتها إن أظهرت له ولو شعرة من اهتمامها فابن خالها المبجل سيكفر عن أخطائه كاملا ليعود ك يوم ولدته أمه، وعلى يديها هي بعون الله!..

انضم عصام للمطربة والتي أمسكت بمكبر الصوت تنادي على رفاقه وأصدقائه، ليشد مراد اسلام والذي جذب محمود والده بدوره وينهض مهدي جاذبا نزار فيما يتجه عصام الى الكبير، أدهم، يدعوه للانضمام اليهم وهو يقول ضاحكا:
- انت رئيس العصابة يا عمي، مينفعش من غيرك!

ليطلق أدهم ضحكته الخشة التي لا تزال تدغدغ أوصال ريتاج والتي لمعت عينيها ما ان وقعتا على قامة زوجها التي تعلو الجميع، ولكن فيما العجب؟ فهذا هو أدهمها، هو دائما في نظرها لا يماثله انسان، فهو مروضها الحبيب!

أشار اسلام لانور وجو لينضما اليهم، فلحقا بهم، وشكّل الرجال نصف حلقة ووضع كلا منهم ذراعه فوق كتفي الآخر وصدح صوت المطربة بأغنية فيروز الشهيرة سهر الليالي، لتهتز قاعة الحفل مع دبيب أقدامهم، فيما تعلقت الانظار بهم، وخاصة من توسط الحلقة، رجال عائلة شمس الدين، وعلى رأسهم كبيرهم أدهم شمس الدين...

وارتسمت البسمة على الوجوه بينما جذب عصام الجميع بضحكته التي تعبر عن فرحته الجمة، فها هي أخيرا، ملك يمينه، ومهما ادعت غير ذلك، فهي أخيرا قد أصبحت امرأته هو، حليلته هو، ملكه. هو، وسيثبت لها بالدليل القاطع أنه لا انفصام بينهما فهما كائن واحد لا يقبل القسمة إلا على نفسه، وهي، نفسه!

وفيما جلست ريما تسترق النظر الى عريسها الضاحك ظنّا منها أنه لا ينتبه اليها باغتها بأن قبض عليها بالجرم المشهود وهي تطالعه بافتتان مسروق ليأسر عينيها بنظراته اللامعة تماما كالألماس البرّاق ويهديها غمزة خبث وابتسامة عابثة فيما عيناه فهما يرسلان اليها الوعود. الكثيييير من الوعود، لتعلم أن ليلتها هذه ستكون بالفعل، ليلة ليلااااااااااء!

انتهى حفل الزفاف في ساعات الصباح الاولى، ورفض عصام ان يرافقهما أحد الى المكان الذي كانا سيقضيان فيه ليلتهما بينما يتوجهان في الغد الى المطار ليبدآ رحلة شهر العسل والذي تعمّد عصام اخفاء وجهته عنها، فهي مفاجأة أخرى من مفاجآته لها، وكان قد شعر بالسعادة وهو يرى فرحتها بحفل زفافهما في عينيها، وكأنها تريد سؤاله كيف علم أنها كانت تحلم بزفاف كهذا؟ ليباغتها بعدها بأن قدم اليها خاتم زواج آخر يحمل صورة لهما معا، من الذهب الابيض ومحبس من الالماس، كما ارتدى هو آخر خاتم من البلاتين يحمل ذات الصورة.

قالت ريما له وهو يستعد للانطلاق: - طيب انت ليه مش عاوز تقولي احنا هنروح فين؟ ما كنا قضينا الليلة دي في اي مكان!

عصام وهو ينطلق بالسيارة: - لا طبعا، الليلة دي مميزة، ولازم تكون في مكان مميز!
ادعت عدم المبالاة بينما في داخلها تتحرق شوقا، ولكنها لن تجعله يعلم انها قاب قوسين او ادنى من نسيان ما حدث بينهما، بينما ابتسم عصام بسعادة، فهو قد اختار ان تكون ليلتهما الاولى في كوخها الحلم، فهو على يقين من أنه هناك سينال مسامحتها كاملة...

لمح عن بعد شجرة في وسط الطريق، ليتوقف بالسيارة وهو يتلفت حوله يقول بغرابة: - غريبة، ايه اللي وقّع الشجرة دي؟
ريما بريبة: - غريبة فعلا، بقولك ايه يا عصام، ما تيجي نرجع او نروح من طريق تاني؟
ولكن عصام قال وهو يترجل: - ما تقلقيش، مش هتبقى زي الافلام يعني.
ولكن ما ان وضع قدما خارج السيارة حتى فوجأ بمن يسحبه خارجها بالقوة ليحتل هو مقعده بدلا منه ويصرخ بهياج منتصرا قبل ان ينطلق بسرعة شديدة:.

- لا وانت الصادق. زي الافلام بالظبط!
شهقت ريما برعب وهي ترى وجه خاطفها والذي لم يكن سوى. ممدوح!
وعت على نفسها وهي تهمس باسمه لينظر اليها بعشق مجنون اختلط بخيبة أمل واضحة: - وحشني اوي اسمي منك.
سكتت تبتلع ريقها بصعوبة بينما تابع بعتاب: - كدا يا ريما، ينفع تتجوزي حد غيري؟ لكن انا عارف انهم اجبروكي.
هتفت ريما وقد علمت انها لا بد لها ان تظهر قوية فلن تكون ضعيفة أمامه مرة ثانية ابدا:.

- لا طبعا، انا اللي وافقت اني اتجوزوه بكامل ارادتي، وانت دلوقتي تلف وترجعني مطرح ما اخدتني، وكفاية لغاية كدا يا ممدوح!
ممدوح بأسف: - فعلا كفاية لغاية كدا.
ريما بريبة: - يعني ايه؟
ممدوح ببساطةك
- يعني انا قلتهالك قبل كدا وانت مصدقتنيش، انتي حبيبتي انا، بتاعتي انا، ولو ما كنتيش ليا تبقي مش لغيري، ويا نعيش سوا يا نموت سوا!

جحظت عيناها رعبا بينما ابتسم هو ابتسامة شريرة، وقد تمسك بالمقود منطلقا بسرعة الصاروخ بينما كان عصام قد نجح في اعتلاء سطح السيارة، فبعد ان أوقعه ممدوح، استطاع عصام تمالك نفسه، وعندما كان ممدوح قد صعد الى اليارة كان عصام قد افترش سقفها، وتمسك بيديه بطرفي النافذة، فالمجنون ينطلق بسرعة مجنونة مثله، وان هو أرخى يديه فسيكون مصيره السقوط أسفل عجلات السيارة.

تأرجحت بهما السيارة بقوة يمينا ويسارا فالطريق أسفلها غير ممهد، ومما رأت على ضوء الفجر الشاحب أنهما قد أصبحا قريبا من البحر، لتجحظ عيناها رعبا وهي ترى الجهة التي ينطلق بقوة ناحيتها، فالمكان حيث قاد بها ما هو الا قمة جبل يشرف على البحر، حاولت جذب المقود من بين يديه وهي تصرخ عاليا ولكنه اكتفى بالقبض على يديها الاثنتين في راحته الكبيرة ونظر اليها بضحكة مجنونة قائلا:.

- قلت لك احنا الاتنين مصيرنا سوا، ولازم نكون سوا. ليضغط بقدمه على البنزين وبينما كان عصام يفترش سطح السيارة محاولا الوصول الى نافذة السائق دون ان يسقط فذلك الارعن يقود بجنون تام، كانت عينا ممدوح تبرق بجنون وضحكة مرعبة تفترش وجهه بينما السيارة تنطلق بسرعة الصاروخ مباشرة الى، الهاوية!..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة