قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية إلا أنت (نساء متمردات ج3) للكاتبة منى لطفي الفصل الثاني عشر

رواية إلا أنت (نساء متمردات ج3) للكاتبة منى لطفي الفصل الثاني عشر

رواية إلا أنت (نساء متمردات ج3) للكاتبة منى لطفي الفصل الثاني عشر

تعالى رنين جرس الباب مرتين قبل ان يُصدر المفتاح صوتا صغيرا ليدفع باب الشقة بعدها ويدلف الى الداخل وهو ينادي جدته التي اجابته فاتجه ناحية مصدر الصوت ليجدها وقد جلست في غرفتها اسفل النافذة التي تطل على ذلك الشارع المكتظ بالناس، حيث تمارس هوايتها المفضلة في مشاهدة الغادي والرائح وتبادل الاحاديث الخفيفة مع جيرانها من خلال نوافذهم أيضا أو الشرفات التي تطل على نافذتها، تماما كعادة الاحياء الشعبية، ولكن هذا الحي لم يكن يصنّف ضمن تلك الاحياء في خمسينيات القرن السابق، إذ كان يحوي قصور الباشوات في ذلك الوقت، فكان حيّا للطبقة الارستقراطية، متميزا باللون الأخضر الذي كان يكسو شوارعه لكثرة الأشجار الموجودة آنذاك، كما امتازت المنطقة بشوارعها الفسيحة والتي تفوح برائحة النظافة والهدوء، ولكن. ومع تعاقب الأزمنة ومرور السنوات، ونتيجة للزحف السكاني، تبدّل الحال. لتحل عوادم السيارات مكان الهواء النقي، وتحل البنايات الأسمنتية محل الأشجار الوارفة، وتنتشر وِرش الميكانيكا والحدادة، ويكثر الباعة الجائلين، ويخلع حي الحلمية ثوب الارستقرطية ويصبح. حيّا شعبيّا وبجدارة!

مال على جدته يقبل يدها ورأسها ثم يقول بابتسامة وهو ينظر اليها: - إيه يا أم صفوان، قلقتيني عليكي، بكلمك على تليفون البيت والموبايل بتاعك مش بتردي ليه؟
وحانت منه نظرة الى هاتفها الخلوي الموضوع بالقرب منها، زفرت جدته وردّت: - انت عارف انه الهباب الصغير دا اللي عامل زي الكف ويلف الدنيا لف مش بفهم له، انت اللي غاوي خسارة فلوس وصممت تجيب لي زي ما اشتريت واحد لتسنيم.

ضحك فواز ومد يده يتناول الهاتف المغضوب عليه وقال وهو يحرك سبابته على شاشته: - يا حاجّة ما أنا قلت لك، الموضوع سهل وبسيط. هتضغطي على الاخضر تردي، عاوزة تقفلي هتضغطي على الاحمر.
الجدة بضيق وهي تشيح بيدها: - لا اخضر ولا احمر، هي اشارة مرور! أنا مش عاوزة الهباب دا خالص، اللي انا عوزاه حاجة واحدة بس...

قطب فواز متسائلا: - ايه هي يا أم صفوان؟
الجدة وهي تطالعه بنصف عين: - بنت خالك فين يا فواز؟
امتقع وجهه لثوان ليجيبها بهدوء وهو يشيح بعينيه بعيدا عنها: - وأنا أعرف منين يا حاجة، ما انتي عارفة. من ساعة ما سابت (تركت) البيت وعاشت لوحدها وهي بتظهر وتختفي من غير ما حد يعرف عنها حاجة.

هتفت الجدة بحزم: - كدّاب!
بُهت فواز وردد بصدمة: - كداب! بقه أنا كداب يا ستِّي؟
نهضت الجدة لتقف أمامه وهي تجيبه بكل صرامة وعينيها مسلطتان على وجهه بقوة: - أيوة كداب يا ابن بنتي، عشان انت تعرف عن بنت خالك دبة النملة!

ثم أكملت باستنكار: - اوعاك تكون فاكر اني مصدقة الشويتين اللي انت بتعملهم لما بتيجي سيرتها او بتشوفها. لأ! انت عينك عليها من اول ما رجلها خطت برّه البيت دا مش الشارع كمان، ودلوقتي حالا هتقولي هي فين؟

زفر فواز بضيق قبل ان يقول وهو يتهرّب من نظراتها المسلطة عليه: - يا ستي أنا مش فاهم أيه اللي فكرك بيها دلوقتي؟ مش دي سماح اللي أنتي رفضتي تروحي تعيشي معها؟ مش هي دي اللي رفضتي الشقة اللي جبتهالك ورفضت تاخدي اي فلوس منها؟ دا حتى هدية عيد الام كنت بترجعيها لها، ايه إلى فكرك بيها دلوقتي؟

الجدة بانفعال: - كنت عاوزاها تفووق (تنتبه). تصحى من اللي هي فيه، قلت يمكن لما أزعل منها تراجع نفسها، دي ضنايا يا فواز، امها سابتها لحمة حمرا وانا اللي ربتها بعد ابوها الله يسامحه بقه ما مشي ورا دماغه، وبقه (أصبح) كل شوية مع واحدة شكل، لغاية ما ولاد ال، شاروا عليه انه يسافر.

سكتت تسحب نفسها عميقا فقال فواز وهو يجاورها يربت على كتفها: - خلاص يا ستّي. هتفضل فاكرة لغاية امتى؟ انسي بقه!

نظرت اليه الجدة وقالت بتعب وغلالة الدموع تسبح بين مقلتيها: - أنسى! انسى ازاي يا فواز؟ انسى ايه ولا ايه؟ انسى جحود ابني وقسوته عليا وعلى بنته وقبها على مراته اللي ماتت من قهرتها على نفسها وهو كل يوم مع واحدة شكل من كلاب السكك؟ انسى قسوته على أمك لما جات لنا بيك وانت ابن عشر سنين بعد ما ابوك الله يرحمه ما مات في حادثة في شغله، وفلوس التعويض بتاعه ضحك على أمك وأخده هو؟ ولا انه ما جاش خد لا عزا ابوه ولا عزاها لما ماتت؟

ليتهدج صوتها وهي تهتف بحزن يقطع نياط القلوب في الأخير: - وان نسيت دا، انسى ازاي انه ابني سندي. لوسرقني! سرق حتتين (قطعتين) السِّيغة (الذهب) اللي كنت شايلاهم للزمن، عشان يسافر؟ اللي في بنته دا هو السبب فيه. ويا ما قلت له اتقي ربنا في بنتك، داين تدان يا صفوان، لكن هو الشيطان كان متمكِّن منه، انسى ايه ولا ايه يا فواز يا بني؟

وانخرطت في بكاء حار ليحتويها فواز بين ذراعيه وهو يتذكر بدوره ابنة خاله، تلك الصغيرة التي كانت تبلغ من العمر سنتين حينما أتى هو وامه للاقامة مع جدته بعد وفاة والده، وكيف أنها كانت البهجة الوحيدة وسط أيامه التي غابت عنها براءة الطفولة ليصحو ذات يوم فيفاجأ بنفسه وقد ترك طفولته قسرا ليصبح رجلا مسئولا عن ثلاثة نسوة. أمه وجدته و. هي، سماح، التي جعلته يتسامح مع ظروفه القهرية، فكان يكفيه ابتسامتها التي تضيء وجهها ما أن تراه، فرحتها بلوح الشوكولاتة الذي يجلبه معه عند عودته من مدرسته لتقفز متعلقة بعنقه هاتفة بأنها. تحبّه. وتختم اعترافها الطفولي بقبلة مبللة بلعابها، فوق وجنته التي بدأت لحيته تنمو فوقها فهو قد غدا فتى في الخامسة عشرة، لتشعر بخشونتها فتقطب متذمرة ي تضعوه راحتها الصغيرة فوقها تطلب منه أو بمعنى أدق تطالبه ب. حَلْقَها. وإلا فهي لن تتزوجه عندما تكبر!

لحظتها يود لو يدخلها بين ضلوعه، ليطالعها بدوره وهو يقسم بعينيه أنه يعد الايام حتى تكبر وساعتها. لن يستطيع أحد أن يقف ف وجهه، فهي. طفلته، صغيرته، حبيبته، امرأته. هو فقط، ولكن، وآه من لكن تلك، فكم من الأحلام كانت تلك الكلمة السبب في دمارها، فالصغيرة لم يعد يرضيها لوح الشوكولا، بل أصبحت تتطلع الى ما هو أكبر و. أغلى!

كبرت الصغيرة لتصبح شابة فاتنة تسرق الأنظار أينما ذهبت، وكبر حبّه لها، واتقدت أكثر وأكثر غيرته عليها، كان يشعر أنها تتعمد اثارة تلك الغيرة، وكثيرا ما ألح عليها اعلان ارتباطهما بشكل رسمي، ولكنها كانت تماطل، حتى عرف السبب. وكانت الكارثة الكبرى، فحبيبته متزوجة بعقد عرفي في السر من أستاذها الجامعي، يومها كانت أول صفعة لقلبه منها، ولكنه لم يكن يدع ثأره، لتكون أيضا أول صفعة منه لها، فكان أن أقسمت أنها لن تسمح له بالتدخل في حياتها ثانية، رامية أسفل قدميه بذلك الخاتم الشبيه بخاتم الزواج المصنوع من الفضة، والذي كان هديته لها بعد نجاحها في الثانوية العامة، يومها وعدها أنه قريبا سيصبح من الذهب، ليلق بنظرة الى الخاتم حيث قذفته ويخبرها بصوت ميت أنه لم يعد له أية قيمة. تماما كصاحبته!

ومرت أيام حالكة السواد على هذا البيت وبالاخص جدته، ولكن سماح كانت قد اتخذت قرارها وانتهى الامر، فهي ستترك تلك الحياة البائسة، فجمالها لم يُخلق كي يجترع مررة الفقر، ودارت الايام، وذاع صيت فواز كرسام تشكيلي موهوب، بينما تنقلت هي من زيجة الى أخرى، وكانت أخبارها تصله حيث هو، لم يستطع التخلي عن مسئوليته عنها، قد يكون لأنه ف قرارة نفسه يحملها جزءا من المسئولية عما آل اليه حال سماح. ولكن من المؤكد أنها قد خسرت أيّ ذرة محبة كان يكنّها لها في يوم من الايام...

صوت جدته انتشله من ذكرياته المُرّة وهي ترفع رأسها تنظر اليه ترجوه قائلة: - طمنّي يا بني الهي يطمنك قلبك، بنتي فين؟ بيقولوا – وسكتت قبل ان تتابع بتعثر ملحوظ – بيقولوا انها ف، في السجن، دا صحيح؟

تنهد فواز بتعب مغمضا عينيه قبل أن يطالعها قائلا وهو مشفق عليها: - مين اللي قال لك إيه يا ست الكل؟
الجدة بحزن: - الست توحيدة جارتنا قالت لي ان صورتها نزلت في الجرنال ولما طلبتا من ابنها يستقراه (يقرأه) قالها كاتبين انه سماح متهمة في قضية كبيرة اوي، الكلام دا حقيقي؟

أُسقط في يد فواز، لم يكن يريدها ان تعرف ولكنها كانت ستعلم ان آجلا أم عاجلا فأي خبر خاصة ان كان مثل هذا الشارع كله يتداوله في وقتها أسرع من أي وكالة أبناء!..

زفر فواز قائلا: - أيوة يا ستّي. للأسف.
ابتعدت الجدة تطالعه بقلق واضح قائلة: - تهمة ايه دي يا بني؟ سماح عملت ايه فهمني؟
فواز محاولا تهدئتها: - اهدي انتي بس، انا ان شاء الله مش هسيبها وهقوّم لها محامي، مهما كان دي بنت خالي وانا مسئول عنها...

وشرد لثوان. انتبه بعدها على صوت جدته وهي تقول: - انتي جيتي يا تسنيم؟
التفت يطالع تلك الصغيرة التي وقفت ترمقه بنظرات لم يفهمها بينما كانت بداخلها تتميّز غيظا من عبارته الأخيرة التي سمعتها وهي تدلف اليهما:
- أيوة يا ستِّي. معلهش اتأخرت انهرده شوية، معرفتش أمشي كان فيه ولد اتأخر عليه أبوه، وفضلت قاعده معه لغاية ما جالو.

تقدم فواز منها حتى وقف على بعد مسافة بسيطة قبل ان يتحدث بهدوء حازم وهو عاقد جبينه بعمق:
- انا مش قلت ممافيش شغل؟ وقلت تركزي في مذاكرتك؟ قلت ولا لأ؟

في العادة كانت تسنيم تخشى غضبه ولكن الآن بعد ان سمعته وهو يخبر الجدة انه لن يترك سماح بل سيكون الى جوارها كما هو دائما. هذا الأمر جعلها تضرب بخوفها ذاك عرض الحائط وتقف تواجهه بتحد لم تظن انهابقادرة على الاتيان به قبلا ولكنها قد فاض بها الكيل ان يشعر بها ولو مجرد شعور فذلك يكفيها. لا أن يبادلها الحب القوي الذي تكنّه له بداخلها منذ وطئت بقدميها هنا منذ ان كانت في الرابعة عشر من عمرها، وتحديدا منذ أن وقف لوالدها الذي كان مصمما على أخذها معه بعد وفاة جدتها لامها والتي أوصت بها لقريبتها كي تعتني بها فوالدتها متوفاة وأبيها متزوج من امراة لن تتوانى عن جعلها خادمة لها ولأبنائها – أخواتها من أبيها – ليكون فواز هو من يقنعه أنه من الأنسب تركه حيث وصّت جدتها، مخبرا له أنه على اتم الاستعداد على تحمّل كافة نفقاتها، فيكفيه هو أسرته الثانية، ليرحّب وقتئذ والدها ويتركها دون أن يأبه لأي شيء، فقد كان جُلّ همّه هو نفقاتها فقد كانت جدتها لأمها هي المتكفلة بها، وقد خشي أن اقامتها في مصر لدى قريبتها تجعله يغرم نفقة كبيرة فآثر الاتيان بها كما نصحته زوجته، حتى تكون تحت أعينهم كما أنا الحياة في القاهرة مكلفة ليست بسهولة الحياة لديهم، ليرفع هذا الشاب عن كاهله عبئها المادي وهو يخبره أنه هو من سيتكفل بكافة مصروفاتها، ليتركها والدها ولكن بعد أن استشار زوجته التي رحبت بدورها ومن يومها وهي لم ترى له وجها!

أجابته ببرود استفزّه: - أنت قلت، لكن أنا عوزة أشتغل، أظن حقي؟ كدا أو كدا أنا مسيري أشتغل وأشيل مسئولية نفسي، وبعدين دي فرصة كويسة ليّا خصوصا وأنا عاوزة أدرس رياض أطفال، ومين عارف مش يمكن أتثبت في الحضانة دي وأبقى ضمنت الشغل وانا لسّه بدرس.

مال فواز ناحيتها بوجهه وقال بهدوء ينذر بالشرّ: - غريبة! من امتى لمابقول حاجة أنت بترفضي يا تسنيم؟
تسنيم وهي تتعمد عدم النظر اليه مشيحة بعينيها بعيدا: - انا كبرت يا فواز، مش لسّه عيّلة صغيرة مطلوب منها تقول حاضر ونعم وبس!
ابتسامة شريرة اعتلت وجهه قبل ان يهمس بتهديد واضح: - طيب أعرف أنك كسّرتي كلامي يا تسنيم، وقتها بجد هعاملك زي العيال لما بيتعاقبوا عشان مش سمعوا الكلام!

نفخت تسنيم بقهر قبل ان تخبط بقدمها في الارض قهرا وغيظا منه ثم التفتت الى جدتها تقول بحنق مكتوم:
- عن اذنك يا ستي، هروح أريّح شوية.
واتجهت الى الخارج عدما نادتها جدتها تخبرها ان تتناول طعام الغذاء قبلا لتجيبها وهي تنظر بغيظ الى فواز الواقف يراقبها ببرود:
- مش عاوزة يا ستي. نفسي اتسدت!

وانصرفت وهي ترغي وتزبد لتنظر الجدة الى فواز قائلة بعتاب: - خف ع البنيّة يا فواز يا بني، تسنيم بنت حلال وغلبانة، دي لا أب ولا أم، الأم أمر الله ونفذ، والاب لاهي بمراته وولاده التانيين، متبقاش انت والزمن عليها.

فواز وهو ينظر الى المكان الذي كانت تحتله تسنيم منذ ثوان: - أنا خايف عليها يا ستّي.
الجدة بحنان: - عارفة يا بني، بس شد وارخي، هي بتعزّك ومش بتحب تزعّلك، بالهداوة يا بني، طوّل بالك عليها. دي لسّه صِغَار...

اكتفى فواز بتحريك رأسه الى الاسفل في هزّة بسيطة بينما تسلطت عيناه على الباب حيث غابت تلك الصغيرة منذ ثوان وهو يقطب جبينه فلأول مرة يستشعر ان تلك الصغيرة قد كبرت. ولدهشته لم يعجبه هذا الأمر بتاتاً!

- الحقيني يا همس، أخوكِ هيصوّر قتيل الليلة دي!
همست لبنى بتلك العبارة في هاتفها وهي تحدث همس بعد ان نهرها مهدي محذرا لها ان تقترب من الغرفة حيث يجلس ذلك المأسوف على شبابه، وما أن دلف حتى تعالى بعدها بثوان صوت تأوه عال، لتقرر الاستنجاد بهمس قبل ان يفعل زوجها ما لا يحمد عقباه!

لم يمر أكثر من عشر دقائق حتى كان مراد يقرع الجرس لتسارع هي بفتح الباب وما ان دلف حتى همست بلهفة:
- في الصالون!
ليتجه من فوره الى هناك فاستجمعت قواها ولحقت به وهي مطمئنة نسبيا لوجوده، وحال دخولهما أسرع مراد ليفك قبضة مهدي والتي أمسكت بخناق شريف الذي كان يحاول جاهدا ازاحته دون جدوى، بينما صاح مراد بقوة:
- سيبه يا مهدي هيموت في ايدك.

مهدي بغيظ وهو يضغط على عنق شريف: - يغور في ستين داهية، الواطي دا موته حلال.
مراد وهو يضغط على يدي مهدي ليبعده بصعوبة عن شريف الذي انحنى يسعل بشدة: - يا أخي خلاص، مش كدا.
ثم وقف أمامه حتى لا يهجم ثانية على شريف الذي وقف يترنح قليلا قبل ان يتمالك نفسه بشقّ الانفس ثم قال بصعوبة من بين انفاسه المتعثرة وهو يشير الى مهدي الذي وقف يطالعه بكره شديد:
- انت اكيد مش طبيعي...

همّ مهدي بالهجوم عليه عندما تصدّى له مراد هاتفا بحدة: - خلاص بقه يا مهدي اهدى مش كدا.
ثم التفت الى شريف مردفا: - وانت يا سيّد. مينفعش تتهجم عليه في بيته وتنتظر منه انه يسكت!
هتف شريف بذهول حاد: - مين اللي هجم؟ أنا! أنا لحقت أنطق حتى! دا يدوب دخل وقفت قودامه مديت ايدي بسلّم اتفاجئت بإيده وهي بتسلّم على وشّي!

نظر مراد مقطبا الى مهدي وهو يتساءل بريبة: - الكلام دا صح يا مهدي؟ هو ما اتهجمش عليك ولا ضايقك بأي كلمة؟
زمجر مهدي بقوة وهدر وهو يحاول ازاحة مراد عن طريقه ناظرا الى شريف بحقد: - وهو يقدر ينطق! جاي فاكرني هرحّب بيه بعد اللي عمله!

هتف شريف بحنق: - أنا معترف اي غلطت في حق أدهم بيه، وزي ما كنت السبب في اللي حصل له أنا بردو السبب انهم يقبضوا على الحيّة سماح، وجاي انهرده عشان أفتح صفحة جديدة، قلت أول حاجة أعملها موضوع احمد ابني و ل.

قاطعه مهدي بتحذير شرس من بين أسنانه المطبقة: - انطق بس اسمها وهتبقى دي آخر حاجة تنطقها لمدة طويلة جداااااا.
بلع شريف لعابه بصعوبة وهو يراقب مهدي بحذر، فالواقف أمامه من الواضح أنه قد تلبسّه شيطان الغضب، ومن المحتمل جدا أن يرديه قتيلا دون أي لحظة تردد منه أن أخطأ وذكرها ولو سهوا في معرض حديثه!..

مراد وهو يحاول تهدئة مهدي: - يا بني مش كدا، اقعد نتفاهم، هو جاي لغاية عندك.
هدر مهدي بغب عنيف: - بعد إيه؟ هو فاكر أني هفتح له بيتي وأقول له اتفضل!
ثم رفع سبابته ناحية شريف مردفا بتهديد واضح: - خلي بالك انت مش بس اتسببت في سجن خالي أدهم ظلم. لأ! أنت كمان اتعرضت لأهل بيتي. ودا بقه اللي لا يمكن اسامح فيه!

شريف محاولا تهدئة الوضع علما بأن وجهه قد امتلأ بالكدمات الزرقاء وبعض من الدماء المتجمدة نتيجة نزيف أنفه وفمه:
- لو علشان أني كلمت لبنى من وراك ف.
هدر فيه مهدي وهو يهم بالقفز عليه: - ما قلت مش عاوزك تنطق اسمها على لسانك.
ولكن مراد كان هو من تصدى له ليضع يديه على كتفيه محاولا ايقافه وهو يهتف فيه بغضب مكتوم:
- خلاص بقه، اقعد خلينا نتفاهم...

ثم أخفض صوته متابعا بصوت هامس كي لا يسمعه شريف: - يا اخي اهمد بقه، الراجل بقه وشّه (وجهه) شوارع. انت غيّرت له خريطة وشّه خالص، خلنا نشوف عاوز ايه.

ليجلس مهدي على مضض، ولكن ما ان لمس المقعد حتى سرعان ما انتبه لوجود لبنى ليقفز واقفا هادرا فيها بغضب:
- أنا مش قلت خليكي عندك؟ اتفضلي اخرجي.
غالبت لبنى خوفها وتقدمت الى الداخل مطمئنة لوجود مراد وقالت بثبات زائف: - أظن الموضوع يخص أحمد ابني. يبقى أنا لازم أكون موجودة.
نظر اليها مهدي بغير فهم عاقدا جبينه بقوة للحظات قبل ان يدنو منها وهو يقول ببطء:
- يعني إيه؟ بتكسري كلامي؟!

ازدرت لبنى ريقها بخوف وقالت وهي تتعمد عدم النظر اليه: - لا مش كدا، لكن لما الكلام يخص أحمد ابني يبقى من حقي أنى أسمعه.
لتنظر اليه متابعة بهدوء كاذب: - أعتقد أنى أمه، ولا أيه رايك؟
مهدي بتحذير هامس وهو يرفع سبابته ناحيتها: - لبنى. لو ما بعدتيش من وشّي الساعة دي مش هيحصل طيّب، ما تختبريش صبري اكتر من كدا.

زفر مراد بتعب ووجّه حديثه الى لبنى قائلا بمهادنة: - معلهش يا لبنى، روحي انت دلوقتي واحنا هنقولك اللي حصل.
همّت بالاعتراض ليدف مراد بشبه ترجي: - عشان خاطري أنا. يا للا.
وأشار لها بالخروج، لتسحب نفسا عميقا قبل ان تقول وهي ترمق مهدي بطرف عينها: - حاضر يا مراد، عشان خاطرك انت بس!
وخرجت وهي ترفع رأسها في عزة واباء، غير آبهة بذلك المرجل الذي تركته يغلي بعد كلماتها ليهتف بهمس خشن لمراد:.

- يعني أيه خاطرك انت وبس يعني؟ يعني الغريب له خاطر وجوزها لأ!
مراد وهو يقبض على يده يجبره على الجلوس هامسا بحنق حتى لا يسمعهما شريف الذي كان يراقبها بتقطيبة مرتابة:
- يا بني اهمد بقه. عاوز تتخانق وخلاص؟ ممكن تسكت عشان نعرو جاي ليه؟ خلي الليلة دي تعدي على خير!

زفر مهدي بقوة وهو يرمق شريف بكراهية قوية قبل أن يوجه مراد سؤاله لشريف عما يريد الحديث بشأنه؟!

دلف شريف خارج غرفة الصالون بعد ما يقرب من الساعة، وقف مراد يصافحه، ليمد شريف يده الى مهدي الذي وقف يطالعها بغموض لثوان ثم مد يده بدوره قابضا بشدة على أصابعه هامسا بصوت خافت:
- ودِينِي وما أعْبُد لو صدر منك أي دقّة نقص تانية، ما في حد هيقدر ينجدك من تحت ايدي!

شريف بابتسامة هادئة: - ما تقلقش. اللي عمله خالك لأحمد ابني مش ممكن أنساه، مش ممكن يكون هو السبب ف انقاذ ابني وأاذيه!

ليستدير منصرفا بعدها وهو يهز رأسه في تحية صامتة الى لبنى الواقفة تراقبهم بجمود، قال مراد وهو يهم بالذهاب بدوره:
- همشي أنا أحسن اتاخرت على همس جدا، أشوفكم بكرة ان شا الله. تصبحوا على خير.
وصافح مهدي ليميل عليه هامسا: - اهدى عن مراتك شوية، أنا مشيت أهو زي ما أنت عاوز، بلاش خناق، كفاية اللي انت عملته.

ثم انصرف، ليل لتفت بعدها مهدي الى لبنى الواقفة تطالعه بدورها بجمود، وما أن شرع بالحديث حتى التفتت منصرفة غير آبهة له، ليكشّر مزمجرا ثم يلحقها بخطوات غاضبة، الى غرفتهما، وما أن هم بالدخول خلفها حتى سارعت بغلق الباب وأوصدته بالمفتاح، فرفع يده يطرق الباب بقوة وهو يناديها بهمس غاضب حتى تفتح، لتجيبه ببرود من خلف الباب قائلة:
- ريّح نفسك يا مهدي، مش فاتحه...
مهدي بغضب: - لبنى خلي ليلتك تعدي على خير.

لبنى وقد بلغ صبرها منتهاه: - هتعمل ايه يعني يا مهدي؟ أنت كان ناقصك شوية وترفع ايدك عليا قودامهم. روح نام يا مهدي والصباح رباح.

ليزمجر غاضبا قبل ان يتجه الى غرفة مكتبه ليصادف عليّة في طريقه فرماها بنظرة غاضبة قبل ان يتجه الى مكتبه حيث دلف صافعا الباب خلفه بقوة فهمست عليّة برفض لما تراه:
- عندها حق، لو أنا منها كنت أخاف على نفسي. دا ماشي يتخانق مع اي حد في وشّه!
بينما في الداخل وقفت لبنى وقد لمعت عيناها بتحد وهي تقول: - ماشي يا مهدين أنا بقه هخليك تبطّل عصبيتك واندفاعك دول، ويا أنا. يا أنت!

طرقات بسيطة على الباب دلفت بعدها أنعام، لترى منال وهي تجلس الى المقعد العريض تطالع بعض الاوراق في يدها، فتقدمت منها وهي تقول ببشاشة:
- هعطّلك يا منال؟
وضعت منال أوراقها جانبا وقالت بنفي وهي تبادلها ابتسامتها: - لا ابدا يا ماما، اتفضلي.
جلست انعام على طرف الفراش المواجه لمنال وقالت بطيبة: - انت لسّه واخده على خاطرك من هشام؟

زفرت منال بتعب قبل ان تقول وهي تشيح بعينيها بعيدا: - مقدرش اكدب على حضرتك واقولك نسيت، هشام قالي كلام جامد اوي.
أنعام بترجي: - عشان خاطري ما تزعليش منه يا بنتي، هو يمكن عصبي ومندفع حبتين لكن قلبه ابيض، صدقيني دا بس من خوفه وحرصه عليكي.

منال بذهول: - خوفه!، يا ماما اللي يسمعه يفتكر أنه مسكني وانا في وضع مش كويس! وبعدين محدش قاله لا يخاف ولا يحرص، أنا من زمان وانا شايلة مسئولية نفسي، من قبل ما اتجوز فريد الله يرحمه كمان، يعني مش جديد عليّا أني أعيش لوحدي.

أنعام بصبر: - أيوة يا بنتي، بس زمان انت كنت بطولك، لكن دلوقتي انت عندك فريد، دا غير انك أرملة وانت عارفة الناس مش بترحم!

منال بعتاب: - وكلامه دا مش هيأكد ظنون الناس دي؟..
سكتت للحظات ثم أدارت دفة الحديث فهي تكنّ محبة واحتراما لتلك السيدة الحنون ولا تريد ذكر ابنها بما تكره فهو اولا واخيرا ولدها:
- عامة ياماما حصل خير.
انعام وهي تنظر اليها وبتنهيدة أسف عميقة: - عموما يا بنتي أنا جاية أقولك أني همشي معه بكرة ان شاء الله.
هتفت منال بصدمة: - ايه؟ حضرتك هتروحي معه!

تنهدت أنعام قائلة: - مصمم يا بنتي، دا حتى لسّه ميعرفش انك مش هتيجي معنا. أنا مش قادرة أقوله!
قطبت منال قائلة بغير رضا: - يعني ايه يا ماما؟ حضرتك عارفة اني مش هسيب بيتي، وبصراحة المفروض حضرتك تفضلي معايا، هتروحي تقعديغ لوحدك وهو معظم وقته في الشغل. يبقى لازمته ايه، ولا هي تحكمات وفرض رأي وخلاص؟!

أنعام بصبر: - يا بنتي هو مش هيبقى مطمن على قعدتنا لوحدنا...
قاطعتها منال بغير اقتناع: - أنا دا اللي مش فاهماه، ما احنا من اربع سنين تقريبا واحنا لوحدنا، ايه اللي جدّ؟

انعام بابتسامة: - ومين قال لك انه كان مبسوط؟ يا ما كلمني انه مش مبسوط من قعدنا لوحدنا، وعرض عليا انا انه يأجر لنا شقة جنبه في اسيوط لكن انا اللي رفضت وما رضيتش اجيب لك سيرة عشان عارفة انك كنت هترفضي، وهو سكت عشان عارف انه صعب انك تنقلي حياتك كلها، لكن دلوقتي هو معنا، وما فيش ما يمنع اننا نقعد معه، ولو على حريتك هو عمل دور لنفسه بباب منفصل من الجنينة عشان تكوني على راحتك خالص. بصراحة انا مش عارفة هقوله ازاي انك رافضة.

منال بغير فهم: - وهو ازاي مش فاهمها لوحده؟ يعني معقولة بعد الشّدة اللي حصلت بيننا هوافق اروح معه؟ عموما ما تقلقيش ياماما. أنا هقوله!
وسريعا وضعت اسدالها فوق منامتها القصيرة قبل ان تتجه الى الخارج لتواجهه برفضها.

كان يجلس في غرفة المعيشة يطالع التلفاز عندما وقفت منال تقول ببرود: - ممكن آخد من وقتك دقايق؟
اكتفى هشام برفع عينه اليها ثم وفي صمت كان قد أطفأ التلفاز وأشار اليها بالحديث دون أن يكلف نفسه عناء دعوتها للجلوس، فقالت ببرود تام:
- أنا هفضل في بيتي أنا وابني، مش هتحرك من هنا خطوة واحدة. عن اذنك.
ولفّت لتنصرف عندما اوقفها صوته الصارم، لينهض بعدها ويتجه اليها ليقف بالقرب منها ويقول بتشكك:.

- انت قلتي ايه؟ يعني ايه مش هتتنقلي من بيتك؟
منال بزفرة ضيق: - يعني مش هروح معكم جاردن سيتي، أنا قاعده هنا في بيتي ومع ابني...
قاطعها هشام هادرا بغضب: - وانا مش ممكن أوافق انك تقعدي لوحدك، دا مرفوض تماما...
حضرت أنعام سريعا وقد بدأت أصواتهما تعلو، لتدلف اليهما بينما كانت منال تهتف بحنق:
- اللي يشوفك ولا يسمعك يقول انك مسكت حاجة عليا تخليك رافض اني اقعد لوحدي!

هشام باستنكار: - انا ما قلتش كدا، لكن كمان مش من العقل أنك تقعدي لوحدك خالص مع ولد صغير.
منال بسخرية مريرة: - لا من ناحية انك قلت كدا فأنت قلت وعملت كمان! ولا نسيت الاستاذ أسامة واللي انت قلته وعملته يومها؟!
أنعام بتطييب خاطر لها: - يا منال يا بنتي هشام مش قاصد، دا بس من خوفه و.

قاطعها هشام وعيناه مسلطتان على منال المشيحة بعينيها بعدا: - معلهش يا ماما، هي عندها حق. – سكت للحظة اردف بعده – منال.
وصمت، لتطالعه اخيرة وأمه بتساؤل فأكمل: - أنا ما كانش قصدي المعنى اللي وصل لك، انا مش هعرفك انهرده!..

طالعته انعام ف ذهول تام، فبالرغم من أنه لم ينطق باعتذار صريح ولكن يكفي أنه حاول تطييب خاطر منال وان كانت كلماته قد ضمّت اعتذارا مستترا! في حين قالت منال وهي تنظر الى البعيد:
- حصل خير يا هشام. لكن دا مش هيخليني أغير رايي.
قاطعتها أنعام بابتسامة مترجية: - يا بنتي خلاص، ما قال لك مش قاصده، وبعدين انا متاكدة انه فريد هيفرح لما يعرف، اقله هناك في جنينة كبيرة حوالين البيت يقدر يجري ويلعب فيها براحته.

منال بتعب: - أرجوك يا ماما.
هشام وهو يصدر قراره الاخير: - يبقى ناخد راي فريد...
منال بدهشة حانقة: - يعني ايه ناخد راي فريد؟ فريد ميعرفش مصلحته فين.
رفع هشام يده مسكتا لها وقال بشبه ابتسامة ساخرة: - انت ديكتاتورية ولا إيه؟، وبعدين فريد هو اساس قعدتك هنا يبقى لازم نساله.
ليقاطعم صوت صغير يقول: - تاخدي رايي في ايه؟
نظرت اليه منال وقالت وهي تتجه ناحيته بابتسامة صغيرة: - خلصت الواجب حبيبي؟

فريد بهزة موافقة من رأسه: - أه، عملته كله...
هشام وهو يشير اليه ليقترب منه: - تعالى يا فريد عاوز آخد رأيك في حاجة.
فدنا منه الصغير ليرفعه بين ذراعيه وينظر اليه قائلا بابتسامة واسعة: - ايه رايك يا بطل نسكن ف بيت واسع بجنينة تلعب فيها براحتك؟
فريد بابتسامة واسعة: - وبوبي؟
قطب هشام يتفكّر قليلا ثم قال: - وبوبي (كلب)...
فريد بتقطيبة مفكرة: - بس عمو اسامة هييجي معنا؟

هشام ولا يعلم لما استفزه ذكر اسامة فقال بغيظ مكتوم: - لا يا حبيبي مش هينفع، كل واحد له بيته وعمو اسامة مينفعش ييجي معنا.
فريد باعتراض: - وانا مش اقدر آجي وأسيب عمو أسامة، أنا بحبه اوي.
هشام بغيظ مستتر: - هنبقى نقوله ييجي يزورك، ها. موافق؟
سكت فريد لثوان لتقول منال بزفرة ضيق: - مش هينفع.
ولكن فريد قاطعها وهو يقول ببراءة طفولية ناظرا بسعادة الى هشام: - وأنا موافق يا عمو...

طالعته منال بذهول في حين هتف هشام بنصر: - أيوة يا وحش. هو دا.
ليقذفه الى الاعلى ثم يتلقفه ثانية قبل ان ينظر الى منال بظفر وكأنه يقول: - هارد لاك hard luck 1/0!
لتزمّ منال شفتيها وعينيها وهي تطالعه بغيظ واضح مصممة ان صافرة الحكم لم تنطلق بعد، وأنها لن تنتقل خطوة واحدة من هنا وان أصر فلن يكون أمامه سوى أن يحملها، حملاً الى الخارج، وما لم تعلمه منال أن هشام لن يتوانى عن فعلهاو ولو للحظة!

نظر اليه ادهم قائلا: - هسيبكم تتكلموا مع بعض براحتكم.
ثم نظر الى ريما قائلا: - ما رضيتش تكون القاعده دي ف البيت عدكم ياريما عشان تكونوا براحتكم. أنا قاعد برّه أنا وطنط تاج، فكري كويس ف الكلام اللي هيقوله.

ليغمز عصام قبل ان يخرج ليتركها بمفردهما، فأشار عصام الى الصوفا خلفها قائلا: - ممكن تقعدي يا ريما وتسمعيني كويس؟
جلست حيث أشار فتبعها على المقعد المقابل لها وقال: - انا هبتدي من الاول.
وطفق يسرد عليها كل ما جرى له منذ ان غادر ارض الوطن وحتى عودته ثانية، وما ان انتهى حتى قال:.

- طبعا انتي مستغربة ليه بحكي لك دلوقتي؟ اولا موضوع خالي ادهم اللي أخّر اني اتكلم معاكي، تاني حاجة منكرش اني كنت مستني الوقت المناسب، وأهو جه...

سكت يطالعها بتركيز قبل ان يقول: - ريما، أنا عاوز أتجوزك!
ريما بجمود: - خلصت كلامك خلاص؟
طالعها بتوجس قبل ان يقول بهدوء يخالف داخله المرتاب من ردة فعلها الغير متوقعة: - أيوة، وعاوز أعرف ردك.
نظرت اليه رافعة حاجبها بسخرية قبل ان تقول ببساطة: - مش موافقة!
زادت عقدة جبينه عمقا قبل ان يهتف بخشونة وقد بدأت قشرة هدوء في التصدع: - يعني ايه مش موافقة؟..

نهضت تطالعه بنظرة باردة وابتسامة استفزازية ترتسم على كرز شفتيها: - جرى ايه يا ابن خالي؟ هي صعبة؟ مش موافقة يعني رافضة، يعني خالينا قرايب احسن وبس...

لينهض واقفا وهو يقول بحدة: - مش معقول يكون كل اللي حكيته دا مفرقش معاكي خالص؟

لتطالعه وقتها ببرود مجيبة بحزم بنبرة جليدية: - لا طبعا فرق، فرق اني عرفت انه بسببك انت في ناس مالهومش اي ذنب اتأذوا، تقدر تقولي انت كنت هتتجوز من مراتك لو انا كنت متخطبتش؟ انت اتجوزتها كأنك بترد لي خطوبتي مش عشان انها كدبت عليك وفهمتك انها حامل منك، وانا ما كنتش هتخطب لممدوح وأعشّمه وبعدين أسيبه فيتحول لمهووس خطر على نفسه وعلى اللي حواليه، عرفت فرق في ايه؟

عصام بغضب مكتوم
- انت بتحمليني تبعات اللي حصل وبكدا تبقي ظلمتيني، مش انا اللي قلت لانجيلا تكدب، ولا انا اللي قلت لك توافقي على واحد مش بتحبيه بس عشان بيحبك واللي ظهر في الحقيقة انه مش حب. دا هوْس ومرض، احنا الاتنين غلطنا مش بنكر غلطتي، لكن انت لازم تعترفي بيها.

ريما بجمود: - وانا بعترف قودامك اني غلطت.
نظر اليها بترقب لتتابع: - غلطت لما افتكرت انه مشاعري اياها كانت حب حقيقي، واتضح انها ما كانتش اكتر من افتتان مراهقة بابن خالها الوسيم، لا اكتر ولا اقل...

عصام بقوة: - كدابة!
ابتسمت ريما ترد ببرود: - انا مش كدابة والدليل اني نسيت الحب دا ووافقت على ممدوح اللي فسخت ارتباطي بيه لسبب بعيد عنك خالص، غيرة وتملك زيادة خوفوني منه، لكن انت كنت وما زلت. خارج حساباتي يا ابن خالي...

لتنظر اليه بابتسامة صغيرة مردفة: - عن اذنك يا ابن خالي.
واستدارت لتنصرف حينما اوقفها فنظرت اليه من فوق كتفها وهو يقول بجدية وعينيه تشعان ببريق عزم واضح:
- بس انا هكون داخل حساباتك دي يا بنت عمتي، مش بس كدا، دا انا هكون الاساس في حساباتك دي. وخلي بالك دا مش اخر كلام ما بيننا، واللي عاوزه هوصل له.

ليدنو منها بعدها بخطوات واثقة ويقف امامها ويميل عليها زارعا دخاني عينيه بين زمردتيها وهو يتابع بهمس جاد وكأنه يدلي بقسم عظيم:
- واللي ضيّعته من ايدي زمان، هيكون بين ايديّا، وقريب أوي.

جلست أمامه تنظر اليه وهو يحاول تجميع كلماته، فقد فاجئها بقدومه اليوم صباحا رأسا من المطار، وبعد أن رحّب به عائلتها طلب منها الجلوس سوية في مكان بالخارج، تاركيْن صغيرتهما برفقة جدتها التي شجعتها فهي تريد حل سوء الفهم بين ابنتها وزوجها، حيث رفضت ان تحكي ما حدث بينهما وجعلها تعود بابنتها مصرة على الطلاق!

طارق بزفرة يائسة: - أنا معرفش ايه سبب الكلام الغريب اللي قلتيه؟ وبعدين طلاق ايه دا؟ انت عرفة اني مقدرش اعيش من غيرك انتي وشهد.

هنا ببرود: - لا تقدر يا طارق، وانت عارف كويس اني مش هقدر اتحمل اكتر من كدا.
طارق بيأس: - تتحملي ايه بس؟
هنا بجمود دون ان تطرف عينها: - الخيانة!
نظر اليها طارق بذهول لهنيهة قبل ان يقول وكاد صوته يرتفع ليتمالك نفسه في اللحظة الاخيرة:
- انتي اتجننتي يا هنا؟ خيانة ايه دي؟
هنا بابتسامة ساخرة: - إيه؟ ظلمتك؟!
طارق بحنق غاضب: - اكيد طبعا!

ليقاطعهما ظلّا امتد فوقهما فرفعت هنا عينيها لتقابلها نظرات سوداء تطالعها بتحد، بينما فغر طارق فاه دهشة في حين قالت صاحبة العيون الكحيلة:
- اتأخرت عليك حبيبي، سوري دارلينج!
طارق بذهول: - مشاعل!
مشاعل وهي تسحب كرسيا من جانبه وتجلس قائلة وهي تميل ناحيته: - إيه مشاعل، لا تكون نسيت وعدك لي اننا نروح الاهرامات اليوم. ترى أزعل عليك.

ابتسمت هنا بسخرية وأجابت وهي تسحب حقيبتها اليدوية وتنهض واقفة: - لا ما تقلقيش. هتلحقوا مشواركم.
ثم نظرت الى طارق مردفة: - هستنى تنفذ اللي طلبته منك...
لتبتعد عنهما فلحق بها طارق يوقفها ممسكا بمرفقها وهو يقول بهمس كي لا يلفت الانظار:
- هنا صدقيني انا اتفاجئت زيك انها موجودة هنا. ولو كنت اعرف انها ناوية تيجي ما كنتش هسمح لها ابدا بكدا!

نظرت اليه بأسف وقالت ببرود: - للأسف يا طارق انت سمحت لها من زمان بكدا!
نظر اليها في تساؤل لتردف بابتسامة تحمل مرارة: - سمحت لها تدخل حياتنا وتكون طرف تالت فيها، والطرف دا انت السبب في وجوده، يبقى تتحمل نتيجة افعالك.

طارق بتقطيبة متسائلة: - بمعنى؟
هنا بجمود: - يعني. يا الطلاق يا إما، الخلع!
طارق بهمسة مصدومة: - الخلع!
في حين التفتت هنا لتغادر تاركة خلفها زوجين من الاعين تراقبانها، احدهما بتشفّ والاخر بوجوم وحزن وصدمة هل حبيبته هي من هددته لتوّها فعلا بلفظه من حياتها؟

ولكن ففيما العجب، فلقد سبق لك أنت وأن أدخلت بشريك ثالث الى حياتكما، لتفسد الشراكة، ويتوه الحب، بين أنانية رجل وكرامة أنثى طُعنت بيد حبيبها!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة