قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية إلا أنت (نساء متمردات ج3) للكاتبة منى لطفي الفصل الثالث عشر

رواية إلا أنت (نساء متمردات ج3) للكاتبة منى لطفي الفصل الثالث عشر

رواية إلا أنت (نساء متمردات ج3) للكاتبة منى لطفي الفصل الثالث عشر

كان يصعد درجات السلم المفضي الى الطابق الثاني حيث غرف النوم بخطوات متثاقلة، وقد امسك بربطة عنقه كي يرخيها عندما سمع امه الواقفة أسفل الدرج تناديه بحزم وان شاب صوتها بعض اللهفة المستترة:
- شريف.
فتوقف مكانه للحظات حيث زفر باختناق قبل ان يتابع صعوده الى الاعلى مما أثار حنق والدته ليعلو صوتها وهي تكرر ندائها له، فتوقف للمرة الثانية ولكنه التفت نصف استدارة حيث رماها بنظرة خاوية وقال بجمود:.

- نعم يا دولت هانم، فيه حاجة؟
تقدمت دولت حتى وصلت اسفل السلم الداخلي تماما وأمسكت بالرأس الخزفي لسور الدرج والمصنوع على شكل أسد يزأر المطعّم بالذهب وقالت بحدة طفيفة:
- ايه الاسلوب اللي بتكلمني بيه دا يا شريف؟ دي طريقة تكلم بيها والدتك؟

وضع شريف يديه في منتصف خاصرته وهو يوليها ظهره رافعا رأسه لأعلى يسحب نفسا عميقا ثم نظر اليها من فوق كتفه وهو يحاول التحكم في غضبه بصعوبة فهو الى الان وبعد المفاجأة التي تلقاها يوم قدوم لبنى وابنه لم يلومها او يعاتبها او حتى يحاول الاستفسار. لما؟! . هل كان اسم العائلة ولقبها اهم لديهما هي ووالده من ابنه؟ حفيدهما الوحيد؟، قال محاولا عدم السماح لاعصابه بالانفلات:.

- لو سمحت مش عاوز اتكلم دلوقتي خالصّ، انا لسّه بحاول استوعب اللي حصل، فياريت بلاش تفتحي كلام في اي مواضيع دلوقتي. صدقيني مش هيكون لصالح حد فينا!

حدقت فيه دولت بعصبية بالغة وهي تهتف بسخط قوي وقد طغى عليها طبعها المترفّع وجيناتها الشركسية الموروثة عن أجدادها:
- انت بتقول ايه يا ولد؟ انت هتحاسبني ولّا إيه؟
ليفقد شريف آخر ذرة من تماسكه الهش ويلتفت بكليّته اليها هادرا بغضب عنيف بينما عيناه فتطلقان شرارات نارية:
- ايه؟ مش من حقي يا دولت هانم؟
ثم اسرع بنزول الدرجات التي تفصلهما ليقف امامها متابعا بضب امتزج بخيبة امل واضحة:.

- مش ابني دا اللي كنت هتسلّموه للموت بدم بارد؟ يعني الغريب يشفق عليه اكتر منكم؟ ومراتي تتهموها بالكدب وقتها ولولا اني انا اهتميت كنت فضلتم عند كلامكم عليها، ولما أثتب انها صادقة فعلا تضحكوا عليا زي ما اكون عند صغير وتفهموني انكم ساعدتوها تعمل العملية لابني وانتم ف الاصل ما كانش فارق معكم عاش ولا مات!

دولت ببرود: - بس دي مش مراتك يا شريف! لا دلوقتي ولا حتى وقتها! وبعدين مستغرب ليه عشان اللي عملناه، وانت اول واحد اتخليت عنها هي وابنك؟

سكتت للحظة تابعت بعدها بلهجتها الثلجيّة: - ما تتكلم. سكِّتْ يعني؟ عارف يا شريف انت مشكلتك ايه؟
نظرت اليه وهي تتابع بنظرات قوية: - انك عاوز كل حاجة. عاوز البنت اللي انت فرضتها علينا وعاوز الجاه والمال والسلطة، مش عاوز تتنازل عن اي حاجة فيهم، بدليل انك اول ما هددناك اننا هنتبرأ منك وتتحرم من الفلوس كنت أنت أول واحد تبيع مراتك وابنك اللي انت واقف تحاسبني عليهم دلوقتي!..

ابتسمت بسخرية مردفة: - عاوزنا نشتري حد انت سبق وبِعته ازاي؟ لو هتلوم يبقى لوم نفسك من الاول يا ابن المسيري، ما ترميش اللوم كله عليّا انا وباباك الله يرحمه!

لثوان وقف شريف يطالعها بنظرات غامضة قبل ان يتحدث ببرود يخفي نارا تشتعل بصدره وغضبا وحشيا يهدد بالافلات في اي لحظة تجاهه هو اولا قبل اي شخص آخر:.

- يمكن كلامك صح، بس انا كنت طايش، اتعودت كل طلباتي تتنفذ، عمركم ما قلتوا لي لأ او مينفعش، كانت النتيجة اني انجذبت للبنى، لأنها اول بنت تقولي لأ، وعلى أد ظروفها ما كانت صعبة لكن كانت قوية وهي بترفض اي علاقة بيا مرة واتنين، لغاية ما لاقيتني منجذب لها، وفجأة لاقيتني عاوز أجرّب حاجة جديدة، فاتجوزتها، ولما عرفتم وللصدفة وقتها طلعت حامل وخيّرتوني منكرش اني خفت! ازاي اعيش من غير العز والجاه دا؟ المشكلة اني ماكنتش واخد حياتي معها جد، لكن لما جات هنا وعرفت بابني مقدرتش أطنّش (أتجاهل)، روحت وسألت واتأكدت، غلطتي الوحيدة اني صدقتكم لما ساومتوني اني ابعد عنهم خالص في سبيل انكم تساعدوها في علاج ابني، لكن عمري ما كنت اتخيل انه كلامكم هيطلع كدب! معقول قلوبكم ماتت بالشكل دا؟ دا ابني يعني حتة مني يعني برضاكم غصب عنكم شايل(حامل) اسم المسيري!

سكتت للحظات تابع بعدها بابتسامة تحمل مرارة امتزجت بالسخرية: - وانا اللي افتكرت انه بابا عاوز يكفّر عن غلطته في حقي انا وابني زمان لّما حرمنا من بعض، وخصوصا انه مراتي اللي حضرتك بنفسك اخترتيها حسب كاتالوج حضرتك طلع عندها مشاكل جامدة في الحمل، حاسيت وقتها انه دا عقاب من ربنا لكم عشان اجبرتوني اني اتخلى ع ابني واستغلتوا ضعفي وجبني منكرش!

رفع يده يسكتها وقد انتوت مقاطعته مكملاً: - منكرش اني كنت ضعيف وجبان، كنت حاسس اني مش هقدر اعيش برّه عباية (عباءة) المسيري، وانتو استغليتوا دا، وقتها بجد قلت دا قلم لينا احنا وتعويض من ربنا لأحمد ابني، كأنه بيقول لنا الولد اللي احنا رفضناه هو دلوقتي اللي باقي عشان اسم المسيري ميختفيش!

ضحك بمرارة متابعا: - لكن للاسف نسيتوا انه المستور لازم ينكشف، الراجل اللي انا سعيت وبكل قوتي اني أدمره كان هو نفس الراجل اللي أنقذ ابني، وايدي اللي دخّلته السجن.

وسكت رافعا يده أمامه مردفا: - هي نفسها اللي خرجته ومش بس كدا لأ. أنا انتقمت له كمان من اللي كانت السبب في اللي حصل له واللي حطيت الفكرة في دماغي من الاساس!

دولت بغضب بارد: - يعني احنا دلوقتي اللي طلعنا شياطين وانت اللي ملاك صح؟ شريف. تقدر تقولي ايه سبب قضية الحضانة اللي كنت عاوز ترفعها؟ – رفعت سبابتها مواصلة بتحذير- وما تقوليش عشان وصية باباك، انت كنت بتعمل كدا عشانك انت، صح ولا لأ؟ كرهك لأدهم مش عشان انه اتصدى لك في موضوع ابنك لأ. كرهك ليه ورغبتك انك تزيحه من طريقك كان عشان ام ابنك، طليقتك!

شهقة خافتة لم تصل اسماعهما صدرت من تلك التي دفعها قلقها للذهاب لتفقده في غرفة المكتب فهو لم يصل بعد، لتفاجأ بوقوفه مع والدتها وتستمع رغما عنها الى حوارهما كاملا ومع تدافع الاتهامات بينهما تجد نفسها وهي تتمنى لو تستطيع احتواء غضبه وألمه الكامن خلف كلماته المفعمة بالوجع والغضب، حتى سمعت اسمها! ذلك الاسم الذي كان السبب في الأرق المزمن الذي تعانيه منذ فترة وتحديدا منذ عودة هذا الاسم لحياة زوجها، لترى زوجها ولأول مرة وقد انقلب حاله 180 درجة، ويتحوّل ذلك الرجل الغامض البارد الذي لا يفقده تماسكه أي شيء حتى وقت وفاة والده. إلى آخر ناري المزاج، غضبه نار مهلكة، والاهم أنه لا يخفي رغبته الشديدة فيها. تلك الأنثى التي كانت السبب لترى زوجها ولأول مرة، فاقدا لاتزانه، تصرفاته تشي بشعوره بالملكية الشديدة تجاهها، لبنى. زوجته السابقة، ولم يردعه أنها زوجة لآخر لا يقل عنه نسبا وغنى وشبابا و، عشقا لها!، ليتردد سؤال ملحّ في ذهنها. ترى هل رغبة زوجها في استعادة غريمتها عن حب لها أم لأنها من الممنوعات والممنوع مرغوب دائما بالنسبة له! ...

ايقظها من شرودها صوت زوجها المتهكم والذي يحمل رنة أسى واضحة وهو يقول بابتسامة ساخرة:
- تصدقي. صح!
شهقة كادت تفضح تواجدها لتكتمها بيديها الاثنتين قبل ان تسمعه وهو يتابع بلهجة مشبعة بمرارة واضحة:.

- انا فعلا كنت عاوز لبنى ترجع لي، يمكن ساعتها أقدر أرجّع شريف اللي تاه منِّي وسط العالم بتاعكم إلى مبيرحمش! شريف اللي كانت أبسط حاجة منها تفرّحه، شريف اللي كان بالنسبة لها الدنيا وما فيها، اللي عمرها ما خليته يحس انه ناقصها اي حاجة.

سكت مبتلعا غصة مُرَّة قبل ان يردف بقهر: - شريف اللي اول ما ظهرتوا تاني ف حياته حولتوه لشريف الجبان، اللي مع اول انذار منكم خاف وجري ورماها من غير ما يفكّر مرتين...

اقترب من امه التي وقفت تناظره ببرودها المعهود ولكن شحوب طفيف ظهر على وجنتيها فضح توترها المخفي، بينما أكمل وهو يهمس بابتسامة خاوية:.

- عاوزة تعرفي انا له روحت برجليا لغاية عندهم انهرده؟ – طالعته بتساؤل صامت في حين وقفت الاخرى تستمع اليه وهي تحبس انفاسها ترقبا – عشانها هي، عشان أثبت لها ولو لمرة أني مش وحش اوي، واني أستحق بجد أكون أبو ابنها. سلّمت اخيرا اني خسرتها، بس على الاقل ما اخسرش الرباط اللي هيفضل بيننا العمر كله. ابننا!

وسكت وقد استدار مغمضا عينيه وهو يتذكر عبارتها التي همست به اليه يوم أن زارته هنا لتفجر أمامه حقائق قلبت عالمه رأسا على عقب، يومها همست وهي تقبض على يد ابنها الذي رفض الاقتراب منه بل انه قد عانقه بصعوبة شديدة فقد كان يرمقه بنظرات حذرة، همست قائلة:
- أثبت له انك تستحق أنه يشيل اسمك ويفتخر بيك، لمرة واحدة يا شريف. حط ابنك قبل اي حاجة تانية، انسى شريف وافتكر. أحمد شريف!

فتح عينيه وهو يمسح براحتيه على وجهه ليلتفت الى والدته التي قالت وهي تحاول التماسك:
- يعني عاوز تقول انه البنت البيئة دي هّي اللي صحّت ضميرك فجأة!

شريف بتهكّم واضح: - تصدقي! البنت البيئة دي على كلامك هي الوحيدة اللي قدرت توصل لشريف الانسان، اللي ورا البدلة – ورفع طرف سترته متابعا – ورصيد البنك والعربية والقصر، البنت دي قدرت تعمل اللي انتي يا دولت هانم يا سليلة الباشوات والقصور فشلتي انك تعمليه. قدرت تربي ابنها ازاي يبقى راجل. شوفتيه وهو واقف جنبها عينيه عليها، مش زي اي طفل، القصر والجنينه والفخامة دي كلها معبرهاش بنظرة واحدة. عينه مليانه، وللاسف دا مش منّي انا. دا من أمه. و، – ابتلع ريقه بصعوبة وهو يضغط على نفسه بالاعتراف بما يكره – وجوزها. اللي قودامي قالها يا اللا نمشي عشان منتأخرش على. بابا!

رماها بنظرة متهكمة قبل ان يتابع: - حتى بنت الذوات اللي اخترتيها عشان تنول الشرف السامي انها تكون مرات ابنك. – أصغت وقتها بانتباه فها هو قد ذكرها – ما كانتش أكتر من مانيكان. عروسة حلوة أزين بيها السفرة في عزايمي، وأتباهى بيها قودام الناس. عندها كل مقومات الجمال لكن للأسف. جمال بارد. ميّت. من غير روح!

زفر بتعب قبل أن يقول وهو يستدير ليصعد الى غرفته الى الاعلى: - ياريت ما تفتحيش معايا موضوع ابني تاني، ومن هنا ورايح أنا هعمل اللي يرضيني أنا، بصرف النظر بقه اذا كان في مصلحة عيلة المسيري أو. لأ! عن اذنك.

وتركها وهي تطالعه بأعين مصدومة، فلم تكن تتصوّر أن يقف أبنها امامها كما فعل. يلوم ويعاتب و، يحاسب!

بينما في الاعلى توارت سريعا عن الانظار لتعود الى غرفتها الخاصة داخل جناحهما، مغلقة الباب خلفها في نفس اللحظة التي وصل فيها شريف الى غرفته وما ان سمعت صوت صفق الباب حتى سمعت لدموعها بالانهيار فبعد كل شيء فدمية العرض أو المانيكان. كما يحلو له تسميتها. تملك قلباً، ينبض!

جلست همس تستمع الى هنا والتي ما أن ألقت ما في جعبتها حتى طالعتها همس متسائلة بصدمة:
- مش معقول يا هنا! مش ممكن يكون طارق عارف أنه اللي اسمها مشاعل دي في مصر، ومستحيل يقابلك ويديها (يعطيها) معاد في نفس التوقيت وفي نفس المكان اللي هيقابلك فيه كمان! لانه بكدا يبقى بيقفل اي طريق قودامه ممكن يوصل لك منه!

هنا بجمود: - أكيد نازلة معه في نفس الفندق، متنسيش اني قابلته في الكافيه هناك.
همس بنفي قاطع: - لا يا هنا. أنا متأكدة أنها جات من غير ما يعرف، ومش صعبه أنها تعرف منه اسم الفندق اللي هينزل فيه، وكمان سهل جدا انها تسأل أي حد في الريسبشن عن مكان وجوده فدلّها على الكافيه اللي كنتم فيه، من الاخر هي اللي رتبت ل دا. متخليهاش تنجح في اللي هي عاوزاه وتبعدكم عن بعض.

نظرت اليها هنا لتهتف بغضب قوي لأول مرة تراه عليها، فحتى حينما حكت لها سبب عودتها واصرارها على طلب الطلاق ولم تحكي لغيرها لم تكن بمثل هذا الغضب، بل أنها كانت تتحدث ببرود وكأن الأمر يخص أنثى غيرها!

هتفت هنا بغضب قوي: - ومين في الاساس اللي دخلها حياتنا وخلاها طرف تالت بيننا؟ مين اللي سمح لها انها تحس انه ليها الحق فيه وبالتالي تحاول تفرق بيننا؟ مين يا همس؟ مش هو!

همس وقد ركزت عينيها عليها: - ومين اللي سمح لها انها تنجح في اللي عاوزاه؟ مين اللي استسلم ورفع الراية؟ مين اللي دلوقتي عاوز يسيب لها الجمل بما حمل ويهد حياته ويستغنى عن حب عمره ببساطة وسهولة من غير حتى ما يحاول يحارب عشانه؟

هنا بقوة: - وهو ليه ما يحاربش عشاني؟ تفتكري يا همس أنه البرود اللي البيه وأي راجل بيعرف واحدة ست على مراته بيتحجج بيه وبيكون اول شماعة يعلق عليها خيانته، البرود دا انا كمان ما حسيتش بيه؟ ما وصلنيش الاحساس دا في وقت من الاوقات؟ ما كانش قودامي فرصة واتنين وتلاتة أني أغلط وخصوصا بعد ما عرفت بعلاقته مع غيري وكنت بررت لنفسي الخيانة أني برد له القلم؟

سكتت تلتقط أنفاسها قبل أن تتابع بخواء: - أنا مش ملاك يابنت عمتي، واكيد الشيطان لعب في دماغي وقالي زي ما خانك خونيه. وأهي واحدة بواحدة!، لكن اللي منعني خوفي من ربنا. هقف بين ايديه ازاي؟ هقوله إيه لما يسألني خنتي له؟ الخيانة يا همس مش خيانة لطارق و بس او خيانته ليا. الخيانة هتكون خيانة لربي وديني قبل جوزي. وهو نفس الشيء، وحاجة تانية كانت قودام عينيا طول الوقت. الحاجة دي هي شهد بنتي! لازم أحافظ عليها كويس جدا، داين تدان يا همس، وأنا معنديش أي استعداد أنه ربنا يعاقبني فيها، وعشان كدا بردو أنا مصممة على الطلاق، خايفة عليها من اللي طارق يعمله تترد ف بنتي. اللي بينط على حيطة غيره يا همس بييجي اللي ينط على حيطته هو كمان. لكن للأسف، طارق ما راعاش أنه عنده زوجة وبنت ممكن جدا اللي هو عمله يترد فيهم، وأنا معنديش أي استعداد أني أجازف. من الاخر. ما يستاهلش يا همس!

همس بصبر: - هنا أنا مقدرة حالتك دلوقتي، وحاسة بالنار اللي جواكي، لكن مش معنى كدا انك تسمحي لها انها تهد حياتك وتحرم بنتك من باباها. لازم تكوني أقوى من كدا، لازم تحاربيها وتنتصري عليها وترجعي جوزك وحبيبك وأبو بنتك تاني.

هنا بابتسامة ساخرة: - وأهتم بنفسي زيادة وأشوف أنا مقصّرة في ايه وأحاول أعدله، وأزود اهتمامي بيه و و و و. مش كدا يا همس؟ طب ولو قلت لك اني مش مقصرة معه، ومهتمة بنفسي جدا بدليل اللي يشوفني ما يصدقش اني زوجة وأم وبنتي عندها تلات سنين تقريبا، وعمري ما قصرت معه، السبب مش دا يا همس.

همس بتقطيبة: - اومال ايه؟
هنا ببرود: - زي ما قلت لك يا همس، طارق للأسف اتعود على وجودي جنبه، اتعود أني على طول عاذره غيابه وانشغاله عني أنا وبنتنا، دايما مكبرة دماغي، في أي خناقة بحاول أكون انا اللي بصالح، اللي خلّى طارق ينجذب لواحدة تانية للأسف مش قلة اهتمامي بنفسي او بيه لأ، دا اهتمامي الزيادة ياهمس، خجلي اللي لغاية دلوقتي مش قادرة أتخطاه وأنا زوجة وأم، معنديش الجرأة اللي عندها.

قاطعتها همس بحنق: - دي مش جرأة اللي عندها يا هنا. دي اسمها بجاحة!، وطالما حضرتك عارفة السبب ليه مش بتعالجيه؟ ليه مفرطة في حقك فيه؟ دا جوزك وحبيبك وأبو بنتك، ليه تسيبيه بالساهل كدا لواحدة تانية؟، حاربي عشان حياتك انت وبنتك قبل ما يكون عشانه هو.

ضحكت هنا ضحكة صغيرة مشبعة بالمرارة قبل ان تجيبها وهي تطالعها بعينين حزينتين: - تفتكري اني ما حاربت عشانه وعشان حياتنا؟ أنا عطيته بدل الفرصة مرة واتنين وعشرة عشان يرجع عن اللي هو فيه، حاولت أني أخليه يفوق لنفسه ولينا قبل ما يخسرنا، لكن لغاية آخر وقت وهو مصرّ انه مافيش حاجة وأني اللي بيتهيألي، رافض يعترف أنه غلط، حاط (وضع) كل اللوم عليّا أنا وعلى عدم ثقتي بيه، ممكن أسألك سؤال يا همس؟..

اكتفت همس بأن أومأت بالايجاب لتتابع هنا بصوت يقطر مرارة وأسى: - تفتكري لو كنت أنا مكان طارق، كان هيحارب عشاني؟ ليه دايما الراجل هو المغفور له كل زلاته حتى لو الخيانة؟ ليه دايما الست هي اللي تحارب عشانه وعشان بيتهم وحياتهم، ليه دايما تكون هي السبب في خيانة الزوج؟ لو في برود في علاقتهم كأزواج البرود دا هما الاتنين السبب فيه، اي علاقة بتكون ليها طرفين، نجاح العلاقة او فشلها متوقف عليهم همّا الاتنين مش على واحد لواحده! كتير بنسمع رجالة تشتكي انه زوجاتهم اتغيرت وما عادت زي الاول وقت ما اتجوزوا، طيب ما أنت كمان اتغيرت! لو كانت مراتك شكلها اتغير فأن كمان شكلك اتغير، أنت اخدت منها ومن صحتها، ولادك اللي بتتباهى بيهم قاسموها في صحتها دي، نسيت نفسها ولو لفترة عشانهم. مش يبقى جزاءها الاهمال ليها وبرّه مع الناس تتغير شخصيتك 180 د رجة وتكون قمة المرح وكأنك واحد تاني خالص، لكن معها البوز شبرين ومش عجبك حاجة...

سكت هنا للحظات قبل ان ترفع عينيها الى همس متابعة بابتسامة حزينة: - الراجل للاسف مخلوق أناني، عاوز كل حاجة، عاوز مراته تكون زوجة وأم وحبيبة وصاحبة وحتى أمه في وقت من الاوقات، لكن مش شايف انه كمان هو يكون ليها الاخ والزوج والحبيب والاب في بعض الاوقات، لو مراتك تخنت أنت كمان كرّشت مش تخنت وبس، بطنها اللي بتعايرها بيها دي اللي شالت ولادك، لكن كِرش سيادتك دا شال إيه غير البط والمحشي والمحمر والمشمر؟!

همس بابتسامة: - هنا أنتي مليانة على الآخر! وبعدين مالك انت ومال الستات السمينة أنتي اللي يشوفك يقول لسّه بنت في الجامعة ماشاء الله عليكي!

هنا بقهر: - من اللي بسمعه يا همس وبشوفه، الموضوع مش عليا انا لوحدي، كم ست بتتعرض للخيانة من جوزها والمجتمع الظالم اللي احنا فيه دا بيلومها هي على خيانته ليها، ومش بس كدا وبيعطوه العذر وانه في الاول والآخر راجل، وبيطالبوها هي انها تستحمل عشان البيت والولاد وعشان ما تكونش مطلقة وبالتالي كل العيون تنهش فيها ويبعدوا عنها زي ما تكون جربة واول ناس بيظلموها هما اهلها!

همس محاولة امتصاص سخط هنا الظاهر: - أنا معاكي يا هنا أنه فيه ظلم كبير اوي من المجتمع على الزوجة، لكن أنا هقولك كمان أنه لو أي ست جوزها خانها وسابته يبقى معنى كدا الطلاق ينتشر اكتر ما هو اساسا منتشر، دا غير الاولاد اللي اكيد نفسيتهم هتتأثر نتيجة لتفكك الاسرة، انا في رايي أنه الأنثى ذكية جدا وأذكى من الرجل بمراحل، يعني في الوقت اللي المفروض تكون بتحارب عشانه وعشان حياتها متنساش تربيه. بس من غير ما ينتبه لكدا!

هنا ببرود: - إزاي يا أمينة السعيد؟

هس بابتسامة: - ولو أنك واخداها تريقة لكن هقولك. ناخدك انت مثل، انت عارفة انه مشكلة جوزك مثلا هي الاهتمام الزيادة. يبقى نقلله لكن منمنعوش، يعني نعطيه الاهتمام بس المطلوب وبس. لا زيادة ولا نقصان، طول ما الواحد قودامه المايّة (الماء) مش بيحس بقيمتها، لكن لو صام أو اتمنع عنها لأي سبب بيبقى هيتجنن عليها، كل راجل وله مفتاح مراته بس هي إلى عارفاه، يعني مينفعش نعمم كل الحالات. إلى ينفع طارق غير اللي يتناسب مع مراد مثلا، صدقيني يا هنا وجربي وانتي هتشوفي، مش هتخسري حاجة، حاولي عشانك انت قبل اي حد، لو نجحت المحاولة يببقى كسبتي بيتك وجوزك وبنتك ولو فشلت وأنا أؤكد لك انها مش هتفشل ان شاء الله يبقى اللي انت عاوزاه اعمليه، بس وانتي بتحاولي اهم حاجة انك مش تبيني دا، من الاخر يا هنا إدّيه (اعطيه) الدواء لكن من غير ما يحس!

صوت طرقات قاطعتهما ليظهر رأس مراد من خلف فتحة الباب بعدها وهو يقول بابتسامة: - معقلهش قاطعتكم. طارق تحت يا هنا. تقريبا اتصل بالبيت وطنط مها هي اللي قالت له انك عندنا.

تبادلت النظر مع همس قبل ان تقول لمراد: - تمام يا مراد. انا نازلة.
جلس في غرفة استقبال الضيوف يتبادل الحديث مع مراد وهو لا يدري ما فحواه فقط بعض الكلمات البسيطة التي تصدر عنه بينما عقله فمشغول بتلك العنيدة والتي للمرة الأولى يكتشف أنها تملك صفة العناد بشكل منقطع النظير. لا بد أن عناد صغيرته شهد قد ورثته منها! 1.

قاطع تأملاته صوتها الناعم وهي تلقي التحية، لينهض من فوره وهو يطالعها بنظرات ملهوفة بينما هي فقد جلست بكل ثقة على المقعد المواجه له، ليعتذر مراد وينسحب فيما عاد هو الى مقعده ثانية، وهو يرمقها بنظراته التي تحاول سبر غورها، قالت هنا بعد زفرة ضيق:
- ما أظنش أنك جاي بيوت الناس ياطارق عشان تقعد ساكت؟ أفندم. ممكن أعرف سبب مجيتك هنا؟ ولا أقولك.

وقاطعته وقد همّ بالحديث وهي ترفع يدها باسطة راحتها أمامه: - أقولك أنا أنت جيت ليه. انت جيت عشان تقولي انك ما كنتش متفق مع الهانم على حاجة، وانك اتفاجئت بوجودها في الفندق. صح؟

طارق بلهفة: - صح يا هنا. أنا استغربت لما شوفتها في اللوبي (الردهة) بتاع الفندق، قالت لي انها سألت عليا وعرفت اني نزلت مصر في اجازة سريعة.

قاطعته ببرود: - وعرفت منين الفندق اللي نازل فيه؟
هرب طارق بعينيه بعيدا عن عينيها وهو يجيبها وقد شعر بالخجل من نظراتها القوية: - أنا في مرة قلت لها انه من احسن الفنادق هنا، واني لما بنزل في مأموريات سريعة كتير بنزل فيه...

هنا بابتسامة ساخرة خفيفة: - امممم، وأكيد كمان قلت لها انك هتفسحها لما تنزل مصر، عشان كدا هي طالبتك بوعدك ليها صح؟

زفر بتعب قبل ان يقول: - هنا لازم تسمعيني.
قاطعته وهي تقف قائلة بثقة كبيرة: - ما فيش حاجة اسمها لازم، انت خسرت أي حق ليك عندي، انا دلوقتي اللي بقول لك لو كان فيه حاجة لازمة يبقى. الطلاق!

لينتفض كالملسوع من مكانه وينهض واقفا امامها وهو يهتف بحدة: - هنا انا لغاية دلوقتي مقدّر حالتك، لكن طلاق لأ، الموضوع غير ما أنت متخيلة خالص، كل الحكاية انه مشاعل كانت عاوزة صديق جنبها في غربتها لا أكتر ولا أقل...

هنا بابتسامة خفيفة ساخرة: - يعني قصدك تقول انكم مجرد أصدقاء؟
طارق بهزة رأس مؤكدة: - تمام. هو كدا!
سكتت هنا للحظات قالت بعدها ببساطة: - طارق. تعمل ايه لو قلت لك انني أعرف واحد وكل اللي بيننا مجرد صداقة. لأنه بعيد عن أهله وبلده!
هدر طارق بعنف: - هنا، راعي كلامك، يعني ايه تعرفي واحد دي؟
هنا ببرود اثار استفزازه: - ما انا قلت لك صداقة. مجرد صداقة!

طارق وهو يقبض يديه بشدة: - هنا. من غير استفزاز. اوعي تكوني فاكرة نفسك ممكن تريدهالي بالشكل دا، انا غيرك، الراجل غير الست!

لينزاح قناع البرود الذي اعتمدته منذ أن قابلته، وتقول باشمئزاز كبير: - طبعا، هو دا إلى عندك، الراجل غير الست! الخيانة حلال لكم، والسماح والغفران واجب علينا وكأننا بنجازيكم على خيانتكم لينا، لكن لو الأوضاع اتقلبت تمسكوا للست المشنقة، بس انت فعلا عندك حق. انا مش خاينة زيك. وعشان كدا انا برفض اني استمر معاك، أنا كمان من حقي أنه الانسان اللي ارتبط بيه ما يشوفش من الستات غيري أنا. لأني أنا كمان ما يملاش عيني غيره. غير كدا أنا برفضه!

طارق وهو يطالعها بنصف عين ولهجة تحذيرية: - يعني إيه الانسان إلى ترتبطي بيه؟ وأنا ايه قودامك يا هانم؟ مش المفروض الانسان دا؟!
عاجلته قائلة بقوة: - كنت! كنت الانسان دا، وأظن من حقي اني اتراجع عن اختياري الغلط، الانسان مش بيعيش غير مرة واحدة بس!
طارق بهدوء ينذر بالشر: - وبنتك؟

هنا وهي تهز كتفيها بلا مبالاة: - مالها؟ بنتي في حضني ومش هيجرى لها حاجة، كم من ستات اتطلقوا واتجوزوا تاني وأزواجهم كانوا آباء لأولادهم. مش شرط زوج الأم يطلع الاشكيف المخيف، لأني مش أنا الأم اللي هقبل أنه أي حاجة أو حد يجرح بنتي ولا حتى الهوا!

طارق ساخرا: - وتفتكري اني هسمح لبنتي انه يربيها راجل غيري؟
هنا ببساطة: - هتهددني يعني انك تاخدها؟ ولو ال أنك في الطبيعي شهد مش كانت بتشوفك خالص، لكن عموما دي بنتك وأكيد هتراعيها وهتاخد بالك منها!

قطب طارق في ريبة وتقدم منها حتى وقف أمامها تماما ليفاجئها بالقبض على مرفقها بقوة وهو يتساءل بغضب مكتوم:
- انت زي ماتكوني مرتبة كل حاجة؟ تكوني كمان لاقيت زوج الغفلة وأنا آخر من يعلم؟

هنا بحدة وهي تحاول سحب ذراعها من قبضته: - سيب دراعي يا طارق انت اتجننت؟ وبعدين وارد جدا طبعا اني أتجوز بعد ما نتطلق ولا فاكرني هعيش أبكي على الاطلال؟ لا. سوري معلهش، أنا لسه في عز شبابي أضيّعه ليه في زعل على واحد خاين ما يستاهلش؟!

الى هنا وفقد طارق آخر ذرة لتمالكه لنفسه، لتمتد يده الحرة ويمسك برأسها فيما ترتفع الثانية بعد تركه مرفقها وتحيط بالجانب الآخر من رأسها ويجذبها ناحيته وهو يقول مشددا على كلماته:
- اسمعيني كويس لأني مش هعيد كلامي تاني، طلاق مش هيحصل. وعلى جثتي أنه حد تاني يمس شعرة منك أو من بنتي، أنا هسيبك يومين اتنين تريّحي فيهم أعصابك، في التالت هتلاقيني عندك عشان هنرجع سوا، مفهوم يا هنا؟

طالعته بصمت للحظات قبل أن تقول ببرود بينما تعلقت عيناه بشفتيها المكتنزتين: - ما تتعبش نفسك. رجوع معك مش هنرجع لا أنا ولا بنتي. واللي عندي قلته. احنا حياتنا لغاية كدا وقفت، معنديش استعداد أني أكمل في علاقة خسرانة!

اكتفى بالنظر اليها بغموض قبل ان يفاجئها بخطف شفتيها في قبلة عميقة، لم تستمر الا لثوان معدودة، تركها بعدها وهو يتنفس بقوة هامسا بابتسامة واثقة:
- هنشوف ياهنا. هنشوف!

نظر اليه أدهم وهو يتلاعب بقلمه الذهبي بين اصبعيه وقد ارتفع طرف شفته العليا في شبه ابتسامة ساخرة بينما ذلك الثائر يروح ويجيء أمامه وهو يكاد ينفخ نارا من فمه وأنفه على حد سواء، قال أدهم الجالس باسترخاء تام خلف مكتبه الفخم:
- ممكن تقعد عشان تعرف تفكر كويس؟ عصبيتك مش هتوصّلك لحاجة على فكرة.

وقف عصام مكانه واستدار ناظرا الى عمه لينفخ بقهر قبل ان يهتف بحنق: - أنت أصلك ما شوفتهاش يا عمي. دي كلمتني زي ما أكون جاي أشحت منها! وبكل غرور رفضت حتى انها تفكر في مسألة ارتباطنا، حتى لما حكيت لها على كل إلى مريت بيه عنادها زاد! كنت فاكر.

قاطعه أدهم وهو ينهض من خلف مكتبه يتقدم ناحيته: - كنت فاكر انك هتصع عليها وتسامحك على غباءك اللي ضيعها من ايدك قبل كدا. صح؟
زمجر عصام هاتفا بقهر: - اوووه. عمي!
أدهم ببساطة: - ايه اللي مضايقك من كلامي؟ مش دا اللي حصل فعلا؟، مش انت اللي رفضتها بكل غباء وانت فاكر نفسك بتضحي عشانها؟ على فكرة يا عصام. ريما ما طالبتش منك التضحية دي. وبالتالي ما تطلبش انت منها ثمن حاجة هي ما طلبتهاش!

عصام بذهول: - أنا بطلب منها التمن يا عمي؟
أدهم وهو يحيط كتفه بذراعه يوجهه للسير الى الاريكة الجلدية السوداء الموضوعة في زاوية الغرفة:
- دا اللي هي حاسته من كلامك.
جلس ليتبعه عصام قبل ان ان يتابع: - تقدر تقولي أنت صارحتها بالسبب الرئيسي لرغبتك في الجواز منها؟

عصام بقوة: - أنا حكيت لها كل حاجة ياعمي، قلت لها السبب أني رفضت مشاعرها، قلت لها أني ما كنتش أتصور أنها تكون لغيري وفي الوقت اللي هي وافقت على انسان تاني انا كنت بجهز نفسي للرجوع لمصر عشان أخطبها، واني جوازي لانجيل كان في الاساس بسببها. لكن هي ما اهتميتش، ولا كأني قلت حاجة!

أدهم وهو يهز برأسه في يأس: - أكيد طبعا ما يهمهاش كل الكلام دا، عصام. من الاخر. انت بتحب ريما ولا لأ؟

عصام بقوة: - ما انت عارف يا عمي وانا قلت لك يوم ما صارحتك بكل حاجة وانت في المستشفى.
أدهم وهو يركز نظراته على عينيه: - صارحتها هي؟ قلت لها انك بتحبها؟
هتف عصام بحنق: - وهي ادتني فرصة! دي لا عاوزة تسمع ولا تفهم!
أدهم بثقة: - اخلق انت فرصتك بإيدك، وما تدهاش الاختيار تسمع أو. لأ، اقتحم يا ابن اخويا. احيانا الحب محتاج الهجوم والاقتحام عشان تفوز بحبيبك. اسألني أنا!

ابتسم عصام قائلا بتهكم: - آه. مقتحم قديم يا بوس، شكل ريما طالعه لطنط تاج.
أدهم وهو يربت على كتفه: - متمردة، لكن أنت كمان طالع لعمك، هتقدر تروّضها. وصدقني على قد ما تتعب على قد ما هتحس انها تستاهل التعب دا، لغاية ما تفوز بقلبها. وقتها فعلا هتحس انك اكتملت. أنه نصّك الضايع رجع لك تاني.

وشرد أدهم في متمردته ليتنحنح عصام قائلا: - جرى ايه يا بوس، احنا عاوزين نشوف حل للمتمردة بتاعتي انا مش تسرح في المتمردة بتاعتك!
ضحكة رجولية انطلقت منه قبل ان ينهض قائلا: - فكرتني. انا عندي معاد غداء مع المتمردة بتاعتي، همشي وفكر كويس في اللي قولناه.

ارتدى أدهم سترته وسار ليخرج وبجواره عصام ليقف أدهم ناظرا له قبل أن يقول ببساطة:
- على فكرة. المتمردة بتاعتك ناوية تسيب الشركة وتروح تشتغل عند باباها. واضح فعلا أنها عاوزة تقطع أي خطوط توصل بينكم...

عصام بصدمة: - هي اللي قالت لك؟
أدهم بنفي: - لا نزار. خاف أحسن أزعل فقالي انها فكرتها هي...
عصام بهمس غاضب: - هي فاكرة نفسها تقدر تهرب مني بالطريقة دي؟
نظر اليه أدهم قائلا بمكر: - أنت الغلطان...
قطب عصام قائلا: - غلطان!
أدهم بابتسامة ماكرة: - هو مش اللي عاوز يخطب حد المفروض يدخل البيت من بابه؟!
عصام بتفكير: - تقصد...

وسكت ليهز أدهم رأسه بالايجاب مبتسما فابتسم عصام بدوره، قال أدهم وهو يتأهب للانصراف:
- أنت كدا هتأخرني. ابقى بلغني بآخر التطورات. سلام.
بينما برقت عيني عصام وهو يرد التحية. فعمّه على حق، يجب عليه التحدث مع ولي أمرها بشأن ارتباطه بها، وهو أكيد أنه عمته ستكون أكبر حليفا له، كما أن علاقته بعمه نزار أكثر من ممتازة، ليهمس بداخله أن استعدي ريما، فأنت شئت أو أبيت ستكوني لي أنا، مروّضك الأوحد!

نظرت إليه مضيقة عينيها ليبادلها النظر بأخرى واثقة قوية، تنفست بعمق وشدت قامتها قبل أن ترفع ذراعها وتمد سبابتها مشيرة إليه وهي تقول بصوت حمّلته كل غطرسة العالم:
- اوعى تفتكر انك بكدا لاويت دراعي، يبقى لسّه معرفتش أنا مين!

فقد فاجئها والدها بمفاتحة عصام له برغبته في الارتباط بها، وأنه ينتظر الموافقة قبل ان يتقدم بشكل رسمي، وقد حدد معه موعدا لزيارتهم في المنزل كخاطب لابنته وليس ابن عمها! والان ها هو السيد العظيم يطلب من والدها وبكل صفاقة الجلوس معها على انفراد بعد ان واجهته برفضها أمام والديها فما كان من رندا إلا ان سحبت نزار وتركتهما كما طلب وهي ترميها بنظرات زاجرة آمرة.

اقترب عصام منها بخطوات بطيئة تماما كما النمر المتأهب لاصطياد فريسته ليقف على بعد إنشات بسيطة وهو يضع يديه في جيبيه ويميل ناحيتها يطالعها ببرود قبل أن ترتسم ابتسامة ساخرة على وجهه الرجولي الوسيم زادت من جاذبيته المهلكة ثم مال باتجاه أذنها هامسا لها ببساطة تحمل في طياتها تهديدا خفيّا:
- أنتي اللي لسه معرفتيش أني مش من النوع اللي بيسلّم بسهولة، لكن مش مهم، مسيرك هتعرفي...

أبعدت وجهها عن مرمى أنفاسه الحارة وطالعته بقوة تناقض داخلها الذي ينتفض كالعصفور ولكن اللعنة عليها إن جعلته يشعر ولو بخيط رفيع من تلك الحرب الشعثاء التي تدور بين قلبها وعقلها لتجعلها أشبه بالمحيط في ليل عاصف شديد، أجابته بكل عنفوان وقد شحذت كل ما تملكه من ثقة وتماسك:
- وأنا ما يهمنيش أعرف، اللي أعرفه أنك ابن عمي وبس.

وسكتت تنتظر وقع كلماتها عليه ولكنه بادلها النظر بأخرى غامضة فتابعت وقد هدأت الحرب بداخلها وبدأت ابتسامة نصر صغيرة في الظهور على ثغرها الوردي لتردف بتحد:
- وأكتر من كدا، مش مقبول، مرفوض، من الآخر ما يلزمنيش أني أعرفه. يا، ابن خالي!

صمت تام ساد المكان حولهما، فلم يعقّب على كلماتها. لترتسم ابتسامة ظفر صغيرة على شفتيها الكرزتين، وتسير بجواره بغيّة الانصراف وتركه حينما انطلقت يده كالكماشة تقبض على رسغها النحيل فشهقت بذهول ودهشة وطرفت عينيها عدة مرات وهي تطالعه بريبة وقلق، فمال عليها هامسا أمام وجهها:.

- محدش بيتكلم معايا ويسيبني ويمشي أبدا، أنا هعدّيها المرة دي بمزاجي، بعد كدا لما أكون موجود اوعي ألاقيكي بتديني ضهرك وتمشي، دا لمصلحتك انتي يا بنت عمتي، محبش انك تختبري غضبي. صدقيني. مُرّ أوووي، مش هتقدري عليه، وعشان كدا بطوّل بالي عليكي للآخر، لكن اعرفي كويس أوي انه لصبري حدود، فيا ريت كلامي يكون اتسمع واتفهم كويس اوي؟!

وألقى عليها بنظرة متسائلة مرفقة بابتسامة ساخرة وهو يرفع حاجبه الأيمن، فبادلته النظر بأخرى ساخطة، حانقة. غاضبة، قبل أن تتمالك نفسها وتجذب معصمها من قبضته بشدة آلمتها ولكنها لم تبالي بها فهي لن تجعله يشعر بالفوز عليها. ولسان حالها يتوعده هامسا. أنا أبدا لن أخضع، أخطأت يا من تظن أنك سيدي فأنا أبدا لن أركع، تحدثت بصوت خفيض ولكنه يقطر سخرية:.

- تأكد انه اللي حصل مش هيتكرر تاني، مش لأني خفت من كلامك.
أضافت عبارتها الأخيرة حينما وجدته بدأ ينتشي ظنًّا منه أنها قد شعرت بالرهبة من وعيده لها لتردف رافعة حاجبها بتحد واستفزاز ونبرة استهزاء تغلف صوتها:
- لأنه ببساطة مش هيحصل تاني اننا نتجمع في مكان واحد، تشاااو يا. ابن خالي!

ورفعت يدها تشير له بأصابعها في حركة وداع قبل أن تستدير وتنصرف وهي تضرب الأرض بكعبيها المدببين رافعة رأسها لأعلى في شموخ وإباء ليتابعها بعينيه حتى توارت تماما عن الأنظار قبل أن يهمس بصوت حازم يقسم بداخله على تنفيذ وعيده لها:.

- هنشوف ازاي هتقدري تبعدي عن اي مكان يجمعنا ببعض، خصوصا اني مش هسيب لك حق الاختيار، وقريب اوي هتكوني ليا. وبين ايديا. وبمباركة والدك نفسه ووالدتك، عمتي. راندا، والكل هيعرف أنك بالنسبة لي خط أحمر مش مسموح لحد انه يقرّب منه، الكل في كفّة وأنتي وحدك في كفّة، إلا إنتي يا. بنت عمتي. إلا أنتي!

زفرت وهي تشعر بعدم الراحة، تشتم نفسها للمرة الألف على موافقتها لفواز في مرافقته الى هنا، انتبهت على خطوات فواز التي دنت منها ليقف أمامها قائلا:
- معلهش يا ريما اتأخرت عليكي، هو مستنينا في الجنينة. أنا لاقيت أنه أنسب مكان تشوفيه فيه عشان ما تكونيش قلقانة.

زفرت ريما بتعب ورافقته الى الحديقة الواسعة الملحقة بذلك المصح النفسي حيث فاجئها فواز بأنه قد استطاع اقناع ممدوح باكمال علاجه في ذلك المشفى وأنه سيتكفل بكافة المصروفات، وعندما استفسرت منه عن التهمة التي يواجهها وهي الهروب من المشفى أخبرها فواز أن المصح هنا يكفل السرية التامة لنزلائه وأن لا أحد يعلم بأمره، كما أنه قد اتفق معه أنه ما أن ينتهي من العلاج حتى يقوم بتسليم نفسه للسلطات المختصة، وأنه لا يرغب سوى برؤيتها لطلب السماح منها، كما أخبرها أن الاطباء متفائلون بأنه سيشفى أن التزم بأوامرهم، ورجاها بصفة خاصة بأن تلبي طلبه في الزيارة فهو يعتقد أن زيارتها تلك ستكون عامل ايجابي في استجابة ممدوح للعلاج، وها هي هنا الآن تسب نفسها بأنها رفضت عرض نجوان لمرافقتها ما ان أخبرتها، ولكنها حاولت بث الثقة الى نفسها فهو لن يستطيع التمادي معها أو أذيتها فهي هنا وسط أناس كثيرون وأولهم فواز. وهي متأكدة أنه سيسارع بحمايتها أن تطاول عليها ممدوح.

وقفت أمامه لينهض هو من مكانه وهو يطالعها بابتسامة شاردة، فاقتربت منه، ليمد يده مصافحا بينما فواز قد ابتعد عنهما عدة خطوات بسيطة للخلف، فرفعت يدا مترددة لتصافحه بدورها، ليعرض عليها الجلوس ولكنها رفضت بهزة من رأسها قائلة:
- أنا ما جيتش عشان أقعد. أنا عاوزة أعرف أنت طلبت تقابلني ليه؟
تنهد ممدوح بتعب قبل ان يقول: - مش ناوية تنسي صح؟ ريما أنا بحبك، اللي عملته دا من خوفي انك تكونى لحد تاني.

رفعت ريما عينين غاضبتين وهمست باستنكار: - اللي انت كنت عاوز تعمله دا جريمة مالهاش أي مبرر!، حتى حبك ليا دا مش حب. دا مرض، اللي يحب حد عمره ما يفكر يأذيه. أنت بعملتك دي كنت هتقتلني مش هتأذيني وبس!

ممدوح ببساطة: - انتى مراتي يا ريما، يعني اللي كان هيحصل لا عيب ولا حرام!
طالعته باستهجان قبل ان تهمس بسخط لا تريد لفت الانظار اليهما: - انت دلوقتي عاوز ايه؟ سيبك بقه من الكلام دا!
ممدوح بتلقائية: - ما هو دا الموضوع اللي عاوزك عشانه!
قطبت ريما متسائلة: - موضوع؟، موضوع إيه؟
ممدوح ببساطة: - أنك تصبري معايا لغاية ما اتعالج، زي ما اي ست ما بتستحمل، جوزها!
ريما بسخط: - جوز مين؟

ممدوح بهدوء: - جوزك يا ريما. أنا ما طلقتكيش، الطلاق كان غصب، مش بارادتي.
قاطعته ريما بحدة: - اولا دا كان مجرد كتب كتاب والطلاق كان بحكم محكمة.

ممدوح بجدية وقد بدأت نظراته تثير الرعب في أوصالها: - ماليش فيه، أنت لغاية دلوقتي مراتي. أنا مطلقتكيش، ولو جابوا لي ألف قاضي. واوعي تقلي عقلك وتوافقي على اي عريس تاني. لأنك وقتها هتبقي خاينة. وأنا بحبك آه، لكن مش ممكن أقبل بالخيانة اللي عقابها عندي حاجة واحدة بس...

سكت لتبرق عيناه بشر قبل أن يتابع: - الموت!
لتفغر ريما فاها بذهول، بينما عقلها لا يستوعب ما يقوله ذلك المجنون، هو يهذي. لا بد أنه يهذي، أي زوجة وأي زواج وأي خيانة تلك التي يهذي بها؟ ولكن نظرة واحدة منها الى وجه ممدوح جعلتها تتأكد أنه قادر بالفعل على تنفيذ تهديده، وبمنتهى السهولة، فهي في نظره لا تزال، زوجته وأن مع ايقاف التنفيذ!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة