قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية إلا أنت (نساء متمردات ج3) للكاتبة منى لطفي الفصل الثامن والعشرون

رواية إلا أنت (نساء متمردات ج3) للكاتبة منى لطفي الفصل الثامن والعشرون

رواية إلا أنت (نساء متمردات ج3) للكاتبة منى لطفي الفصل الثامن والعشرون

جلست ريتاج وبجانبها جلست هنا، قالت ريتاج بهدوء بينما تعلقت أنظار الفتيات بها: - دلوقتي يا هنا فيه نقاط محددة لازم حضرتك تفهميها كويس اوي.
هنا بإذعان: - اتفضلي يا طنط.
ريتاج بوضوح: - أنتي مش هنا حرم طارق الديبلوماسي في وزارة الخارجية ووالدة شهد بنتكم وبس. لأ! أنت هنا محمود شمس الدين، خريجة جامعة، في عز شبابك، عندك 27 سنة، الحياة قودامك كبيرة، تقدري تقوليلي عملتي ايه ل هنا؟

هنا بتقطيبة عدم فهم: - عملت ايه ل هنا؟ امممم. يعني اتجوزت من الانسان اللي بحبه، عندي بنوتة مالية عليا دنيتي، و...

وسكتت، ظهرت الحيرة جلية على وجهها لتنقذها ريتاج قائلة: - وبس يا هنا! هنا لو تاخدي بالك طول فترة علاقتكم وانت الطرف اللي بيدي (يعطي)، جوازكم أنت اللي وقفتي واتحديتي فيه الكل، حتى عمّك ادهم لما حاول معاكي انه يسافر وانتي تكملي تعلميك وتحصليه رفضتي، وقودام اصرارك الكل رضخ لقرارك، واي قرار بيكون ليه تبعات، ممكن تظهر في وقتها وجايز بعدها بوقت، واللي حصل انه ظهرت نتايج القرار دا. دلوقتي، مع اني اعتقد انه علاقتك بطارق مرت قبل كدا بمنحنى صعود وهبوط كتير، دي مش اول مرة، صح؟

اكتفت هنا بهز رأسها الى الاسفل في حزن لتقول ريتاج وهي مرتبة على يديها المعقودتين في حضنها:
- ولا يهمك يا هنا، الحكمة بتقول أن تصل متأخرا خيرا من الّا تصل، انت أديتي طارق كتير اوي، لدرجة انه جاله تخمة مشاعر!، على طول مراعية معه، على طول مقدرة ظروف شغله، على طول بتحاولي تكوني زي النسمة في حياته، لدرجة انه زهق من حياته اللي أصبحت مملة في عينيه!

تبادلت كلا من همس وشمس وريما ولبنى نظرات الدهشة في حين نظرت اليها هنا ف ذهول وقالت:
- مملة!، حياتنا مملة؟ دا أنا على قد ما أقدر كنت بحاول أعمل تغيير فيها!

ضحكت ريتاج ضحكة خفيفة وقالت: - لا يا حبيبتي، انت مش فاهماني، الهدوء اللي كان في حياتك هو دا اللي خلّا جوزك يحس بالملل، السعادة اللي كنتي بتحاولي انها تملى حياتكم كانت بالنسبة له روتين، مرة واحدة لاقى نفسه عاوز اللي تتخانق معه، تقوله رايح فين وجاي منين، مين الست اللي كلمتك في التليفون؟ مين زميلتك دي؟ ليه ضايف بنات عندك الاكونت بتاعك؟! لكن انا متأكدة انك ما كنتيش بتعملي كدا؟!

هنا في محاولة منها لرفع اللوم التي تراه في نظرات ريتاج والاخريات: - ايوة يا طنط، انا ما كنتش حابة أكون زي باقية الستات اللي بتخنق ازواجها، كنت عوزة أديه الاحساس اني واثقة فيه ومتأكدة انه مش ممكن يعمل حاجة غلط!

ريتاج بهدوء: - بس ثقتك دي خليته يغلط فعلا يا هنا! فهم منها انك باردة وما عادش فارق معاكي! حبيبتي انا مش بقول انك كنت تشكي في كل كلامه وتمرري حياتكم بالشك دا، لكن التوازن مطلوب، ما تديش الامان أوي وفي نفس الوقت متخنقهوش وتحاصريه زي القط ما بيحاصر فار! الوسطية والاعتدال مطلوبة في كل أمور حياتنا.

همس بتساؤل: - طيب وايه الحل دلوقتي؟
ريما بانفعال: - طارق لازم يتربى!

نظرت الى هنا التي طالعتها اوتوماتيكيا واردفت باعتذار: - سوري يا هنا، بس بصراحة جوزك مستفز أوي، متخيل أنه بعد الخدعة الحقيرة اللي عملها واللي تعتبر خيانة حتى لو مش كاملة الاركان بس كفاية انه سمح لنفسه انه يكلم واحدة تانية وضميره مش كويس من ناحيتها، بعد دا كله منتظر منك زي ما عودتيه انه يرجع ندمان تقومي انتي واخده ف حضنك وتقولي له خلاص يا بيبي. احنا ولاد انهارده!

انفجرت همس بالضحك على شقيقتها بينما ابتسمت هنا وهي ترى طريقة ريما في تقليدها لتقول معلقة:
- انا مش بقول بيبي على فكرة!
لبنى بمرح: - لا بتقولي حبيبي زي حالاتي!
نظرت اليها ريتاج بنصف عين وقالت بتوعد: - استني انتي عليا، دورك لسّه جاي!
فمالت شمس على أذن لبنى تسألها في همس: - عملتي ايه يا مرات ابن عمتي؟ قولي يا لولو سرّك في بير!

لبنى بحيرة: - والله ما أعرف، دا حتى أول ما طنط ريتاج قالت لي أني أروح معها وافقت على طول وانا عارفة انه مهدي مش هيعديها بسهولة، كفاية موبايلي اللي خليتني قفلته بعد ما كلمت علية اطمنت على احمد ونهاوند، وهي بتقولي مش عاوزة قلق، جوزك مش هيبطل اتصالات!

شمس بتفكير: - اممممم، عموما هنعرف، مرات عمك هتخلص على هنا وتدخل عليكي على طول!

انتبهتا لريتاج التي قالت لهنا: - بصي يا هنا، انت فعلا ابتديتي أول خطوة في رجوع هنا بتاعت زمان اللي سحرت طارق و خليته يعمل المستحيل عشان يضمن انك ما تروحيش من ايده، اشتغلتي مع همس، البرنامج بتاعك انا متاكدة انه هينجح، بدليل انت بدات من مدة بسيطة لكن جذب ناس كتير وانا متابعه التعليقات عليه في السوشيال ميديا، انا بقه مش عاوزاكي ترجعي للدايرة اللي مركزها سي طارق بعد ما تسافروا، عاوزاكي تنطلقي في شغلك، همس تقدر تساعدك انك تشتغلي في نفس المجال هناك، مش كدا هموس؟

أجابت همس بحماس: - أكيد، انا اعرف هناك ناس بيشتغلوا في قناة فضائية، ممكن جدا أكلمهم لك، وأكيد هيوافقوا خصوصا وانك عندك كذا لغة، ايطالي وفرنساوي غير الانجليزي.

هنا بهدوء: - واسباني والماني وشوية تركي، بصراحة الحاجة فعلا اللي استفدتها من شغل طارق اني اتعلمت لغات كتير.

ريما بحماس: - ممتاز! نيجي بقه للي بعده يا طنط تاج.
ريتاج بابتسامة: - اللي بعده!
غمزت هنا قائلة بمكر: - نعمل لطارق اللي هو عاوزه!
قطبن جميعهن تتبادلن نظرات الحيرة والتساؤل لتحل ريتاج اللغز بقولها بابتسامة ماكرة:
- هو مش بيلومك على ثقتك الزايدة وعوزك تغيري عليه، وفاهم الثقة دي برود؟
هزت هنا رأسها بالايجاب فاستأنفت ريتاج ببراءة مزيفة وهي ترفع كتفيها وتخفضهما في قلة حيلة مصطنعة:.

- خلاص، يبقى لازم تريحي جوزك يا هنو، وتسأليه رايح فين.
التقطت همس طرف الخيط من ريتاج وأكملت بغمزة متواطئة مع حماتها: - وجاي منين؟ كلمت مين.
قاطعتها ريما بخبث: - مين اللي انت ضايفها عندك في الاكونت بتاعك دا؟
شمس بمرح ماكر: - ايه اللي أخرك؟ المشوار ما ياخدش نص ساعة دلوقتي اربعين دقيقة العشر دقايق دول راحوا فين؟

لبنى وقد استهواها الامر: - ليه وقفت مع الست دي كتير؟!
هنا بعينين مذهولتين: - دا انا كدا هجننه؟، هخنقه من الاخر!
ريتاج بابتسامة مكر وببساطة: - هو اللي عاوز الخنقة دي، هما مش بيقولوا القط مش بيحب إلا خنّاؤه (خانقه)؟! اخنقيه يا هنّو!

لتبتسم هنا وهي تجيب بحماس مؤكدة: - هخنقه، وهخليه حتى النفس مش قادر ياخده!
وضحكن جميعهن وهن يرفعن اصبع الابهام علامة النصر، فويل لك يا طارق من كيد النسوة. ان كيدهن عظيم!

اوصلت ريتاج كلًّا من همس وشمس وريما الى منزلهن بينما اصطحبت لبنى معها، دلفت الى داخل المنزل، لتقابل أدهم الذي قبلها فوق جبينها في حين رحب بلبنى التي استأذنت وصعدت الى غرفتها وهي تعيد حديث ريتاج الذي ألقته على مسامعها بعد انفرادها بها في السيارة.

نظرت ريتاج للبنى التي كانت منشغلة في النظر الى هاتفها الشخصي الذي امسكت به في يدها طوال رحلة العودة، ولم تقم باعادة تشغيله وكأنها تخشى من أن يهجم عليها مهدي من خلاله فهي أدرى الناس بغضبه.

قالت ريتاج بهدوء: - لبنى حبيبتي، انتي عارفة انك زي شمس بنتي تمام. تمام؟
استحوذت على انتباه لبنى التي رفعت عينيها اليها وقالت بثقة: - اكيد يا طنط.
ريتاج بابتسامة صغيرة: - طيب ممكن اتكلم معاكي بصراحة؟
هظت لبنى رأسها بالايجاب هاتفة من فورها: - اكيد، اتفضلي حضرتك.
رفعت ريتاج الزجاج الفاصل بين السائق وبينهم، وقالت بهدوء: - انت بتحبي مهدي يا لبنى صح؟
أكدت لبنى قائلة: - طبعا.

ريتاج بصبر: - بس غيرة مهدي لازم لها كونترول يا حبيبتي، غيرته بالطريقة دي هييجي عليكي وقت ومش هتقدري تتحمليها، ممكن تضيع المشاعر الجميلة اللي بينكم، دا غير انه جوازكم يبقى مهدد!

لبنى بذعر: - ايه؟! لا، مش ممكن مهدي يسيبني، وانا يستحيل اعيش من غيره!
ريتاج مهونة عليها: - اهدي يا لبنى واسمعيني كويس، مهدي بيحبك ومش ممكن تحت اي ظرف يتخلى عنك، لكن احيانا الحب دا بيخنق، بتلاقي نفسك بتغرقي وعاوزة تنجي بروحك، شريف حقيقة واقعه في حياتكم، مهدي لازم يتعلم ازاي يتعامل مع الواقع دا!

لبنى بقنوط: - حضرتك معاكي حق، بس أنا مش بقدر افتح معه كلام عليه خالص، دا انا ما صدقت انه هدي شوية من ناحيته واحمد بقه بيروح لباباه كل اسبوع من غير ما يركبه العصبي ويفضل طول اليومين دول لا بيقعد ولا بينام ولا بيرتاح الا لما يشوفه قودامه من تاني! وهو اشترط عليا انه ما يكونش بيني وبين بابا احمد اي اتصال من اي نوع، عشان يتقبله هو!

ريتاج بنفي قاطع: - غلط يا لبنى! انت كدا ريحتيه هو على حسابك انت! شريف دا مش ابن خالتك كان جوزك زمان لا، دا ابو ابنك، بينكم ولد بكرة يكبر ان شاء الله ويبقى راجل، لما يروح يتقدم لأي بنت هياخدك انتي وشريف معه، باباه ومامته، اي شيء يخص مستقبله لازم هيستشيرك انتي وباباه، ومهدي لازم يتقبل حاجة زي كدا، يعني مينفعش مثلا انك ما كنتيش تروحي تعزي شهرت انهرده، مهما كان هي مرات شريف ابو ابنك، وبتحب احمد جدا بدليل كلامه عنها مع الكل، وانتي حاسة بكدا. مهدي لازم يتفطم يا لبنى!

لبنى بدهشة وحيرة: - يت ايه؟ يتفطم! طب ازاي؟
ريتاج بابتسامة مطمئنة: - واحدة واحدة، اول حاجة عاوزة اسالك. انت سيبتي شغلك ليه؟
هزت لبنى كتفيها مجيبة: - مهدي اقترح اني اتفرغ للبيت ولاحمد وبعدها حملت في نهاوند، وانا وافقت.
ريتاج بتفكير: - اممممم، وافقتي عشان دا كان طلبه ولا انت كنت مقتنعة بكلامه؟

لبنى بتلقائية: - بصراحة انا اقتنعت بكلامه، انا في شغلي بكون دقيقة جدا، وبالتالي اعصابي بتكون مشدودة طول الوقت، فمش هيبقى عندي صبر بعد كدا للبيت والاولاد، عشان كدا وافقته، عاوزة اكون متفرغة لهم، واعصابي هادية معهم، خصوصا احمد، الولد ابتدا يكبر والسن اللي هو داخل عليه سن خطر، مرحلة مراهقة هتبتدي وفي جيلهم دا بتبدأ بدري اوي. دا غير نهاوند محتاجة اكون معه طول الوقت، يمكن بحاول اعوض التقصير اللي كان غصب عني واحمد في سنها لما اضطريت انزل اشتغل واسيبه عشان اقدر اصرف علينا وعلى خالتي احلام.

ريتاج موافقة: - ممتاز، بس مش معقولة 24 ساعة في اليوم بتربي ف الولاد يا لبنى! انتي لازم يكون عندك هدف تاني، تربية الولاد هو نمرة 1 لأي ام، والعناية ببيتها وزوجها لهم الاولوية مافيش كلام، لكن وسط دا كله هقولك زي ما قلت لهنا ما تنساش نفسها! زي ما هتحققي نفسك من خلال ولادك وبيتك وجوزك ايه المانع يكون عندك اهتمامات تانية خاصة بلبنى نفسها؟!

لبنى باهتمام: - ازاي يعني يا طنط؟
ريتاج بصبر: - طالما انتي مش عاوزة ترجعي الشغل، ليه ما تحاوليش تشتركي مثلا في الجمعيات الخيرية؟ يبقى لك دور في حياة ناس كتير محتاجين أي ايد تتمد لهم؟ الجمعيات دي بتهتم بدور الايتام ورعاية المسنين، ليه ما تشتركيش في فصول محو الامية مثلا؟ تحضري ندوات دينية وتحفيظ القرآن الكريم عشان تقدري تنفعي نفسك وبيتك وولادك اكتر، عارفة يا لبنى...

أنصتت لبنى باهتمام في حين تابعت ريتاج بابتسامة شاردة: - عمك أدهم كان رافض شغلي في المصنع!
لبنى بدهشة: - معقولة؟
ضحكت ريتاج قائلة: - زي ما بقولك، انا فاكرة ايامها كان مصمم اني لو عاوزة اشتغل يبقى في الشركة، على كلامه ما انتي ليكي نصيبي في الشركة كمان ليه المصنع والتعب اللي مالوش لزوم؟!

لبنى بحيرة: - اكيد خايف عليكي شغل المصنع متعب غير شغل الشركة خالص.
ريتاج بغمزة ماكرة: - لا وانتي الصادقة، شغل المصنع وسط العمال والمهندسين، المكتب مش بدخله الا قليل اوي، عكس شغل الشركة اللي بكون فيه في اوضة طول الوقت وهو على بعد خطوتين مني!

لبنى هاتفة: - ايه دا؟ يعني عمي ادهم كان بيغير؟!
ريتاج بايماءة واثقة: - وجدا كمان! انا كان ممكن أعاند معه واقوله لا، انا عاوزة كدا، لكن انا اتعاملت معه بذكاء، فهمته اني بحب شغل المصنع، ومن اول يوم شافني فيه وهو عرف كدا، وعشان اوصل لحل وسط رضيت اقسم وقتي بين هنا وهنا، لغاية ما تقريبا بئيت في الشركة معظم الوقت، عشان هو في الشركة.

وغمزتها ضاحكة: - بيني وبينك الغيرة حلوة ما اقدرش انكر، وعمك أدهم مع انه يبان متفتح وديمقراطي لكن. مسيطر جدا! بس على مين. انا المتمردة بردو!

ضحكت لبنى لتردف ريتاج بحنان: - انا بتكلم بجد يا لبنى، مهدي طول ما هو شايفك 24 ساعة حواليه، ومافيش حاجة شاغلاكي غيره هو وغير اللي عاوزه ويرضيه وغيرته هتزيد اكتر واكتر، لازم يحس انه جزء من حياتك، ممكن يكون الجزء الكبير، واكيد طبعا هيبقى له هو وولادكم الاغلبية من اهتمامك، لكن انتي كمان ليكي حياة خاصة بلبنى، لزم تتعلمي تتناقشي معه وتقنعيه برأيك، ما تكبريش دماغك وفي الاخر ترجعي تشتكي وتعيطي لما ما يسمعش غير لنفسه وبس! ما تعمليش زي الستات اللي تقعد تشتكي من ازواجها، وانه جوزها مش بيساعدها في البيت ولا مع الاولاد مع انها بتشتغل زيها زيه، وتلاقي نفس الست دي تربي ابنها على انه الراجل، ولو عندها بنت تخليها هي اللي تخدمه نفلدرجة كوباية الماية مش بيجيبها لنفسه، هو الولد دا اللي لما يكبر بيبقى جوزها اللي قاعده تشتكي منه، وزي ما بتقول الله يسامحك يا حماتي. هتيجي اللي هتدعي بنفس الدعوة عليها، للأسف يا لبنى احنا عندنا ازدواجية رهيبة، عشان كدا عمري ما فرقت بين مراد وشمس بالعكس، عمك ادهم ايام مشكلته مع همس كان قاسي عليه جدا، وانا دايما كنت اقوله انت ضهر اختك بعد بابا، لما كانت بتتعب هو اللي كان بيواليها معايا، تماما زي ما هي بتعمل معه، نصيحة يا لبنى ربي ولادك زي ما بتتمني تشوفي مش زي ما اتعودتي انك تشوفي!

لبنى مؤكدة بحماس: - هيحصل يا طنط، ودلوقتي الخطوة اللي جاية ايه؟
ريتاج ببساطة: - هنروح سوا على عندنا، وبكرة ان شاء الله انا بنفسي هوصلك.
قاطعتها لبنى معتذرة: - معلهش يا طنط، سيبي لي انا الطلعة دي! أنا هروّح بيتي لوحدي!
ضحكت ريتاج ورفعت ابهامها علامة النصر متشاركة ابتسامة تواطئ مع لبنى. لك الله يا مهدي! ...

انتهى العزاء وانصرف المعزُّون، دلف شريف الى القصر ليجد المحامي في انتظاره مع حماته وشهرت زوجته، قال شريف وهو يجلس قبالته بجوار شهرت:
- خير يا متر، انت طلبت انك تقعد معنا بعد العزا ما يخلص.
تنحنح المحامي الخاص بفضل الرازي وقال: - بصراحة الموضوع محرج بس لازم تعرفوه!
قطب شريف وقد تبادل النظرات المتسائلة مع شهرت في حين تكلمت شويكار بوقار حزين قائلة:
- ادخل في الموضوع على طول لو سمحت.

المحامي بهدوء مهني لم يخلو من شفقة خفيفة: - للأسف النائب العام حجز على كل ممتلكات وأرصدة فضل بيه، وانا بصفة استثنائية أجلت تنفيذ الحكم لبعد الجنازة والعزا!

شحب وجه شويكار وانقبضت أصابعها في حين شهقت شهرت بصدمة: - ايه؟!
شريف بتقطيبة شديدة: - انت بتقول ايه يا متر؟
نهض المحامي وهو يستعجل الابتعاد بعد القائه هذا الخبر الصادم عليهم: - للأسف اللي حضراتكم سمعتوه، يا ريت تجهزوا نفسكم. عن اذنكم، والبقاء لله مرة تانية!

نهض شريف مصافحا المحامي والذي انصرف من فوره بينما نظر شريف الى شهرت التي طالعته بشفاه ترتجف فيما نهضت شويكار فجأة وهي تحاول التماسك فليست شويكار هانم الدرمللي من تنهار أمام أي شخص حتى وان كان ابنتها وزوجها، لتقول وهي تتأهب للانصراف:
- عن اذنكم، محتاجة أقعد لوحدي شوية!

جلس شريف بجوار شهرت وهو يرى كيف تعاملت حماته مع ذلك الخبر القنبلة بالنسبة اليه، وكاد يبتسم ساخرا، فمن الواضح أن عوامل الوراثة أيضا كان لها يد في البرود الذي اتسمت به زوجته بالاضافة الى التربيةالانجليزية المتشددة! نظر الى شهرت الى غامت فيروزيتيها خلف غلالة من الدموع الثقيلة، ليشدها اليه يحتويها بين أحضانه وهو يهمس لها بقوة:.

- عيطي يا شهرت، ابكي. سيببي دموعك تنزل، هترتاحي. الظروف اللي انتي بتمري بيها دي أي راجل مش هيقدر يستحملها، الدموع مش عيب، عيطي، عيطي يا حبيبتي!

وكأنه كلماته المتفهمة تلك كانت المعول التي هدمت السد أمام طوفان دموعها الذي انهمر بقوة، لتعلو شهقاتها، بينما حالة من الذهول تعتريها، فهي في يوم وليلة أصبحت بلا أب، بل أن هذا الأب متهم في جريمة تعد أخلاقية بالدرجة الاولى، التخابر مع منظمة ارهابية! خائن! هي ابنة خائن لربه ولوطنه! وجميع أملاكهم ذهبت في غمضة عين وكأنها ذرات غبار! ولكن لا بأس. هي لا تبكي على الثروة الضائعه بل أنها كانت ستهبها للجمعيات الخيرية أن كانت ورثتها، لعلها تكفّر عن بعض من آثام والدها!

نظرت الى شريف الذي احتواها بحنان وهي تفكر. ترى، ماذا سيكون الحال بينهما بعد الآن؟ علاقتهما كانت كالطفل الوليد الذي بدأ لتوّه يحبو، ليس لها عند زوجها بعد الرصيد الكافي الذي كانت تتشدق به اليه منذ أيام في شجارهما الأخير، لا يوجد لها ما يجعله يحتمل حديث الناس عنها وعن عائلتها، تعلم يقينا أنه سيتعرض لضغوطات كثيرة من عائلته ليتركها، وهي لن تلومه، فما بينهما لم يتعدى الانجذاب من ناحيته بينما تخطى مرحلة الحب من جهتها وبمراحل!

قال شريف والذي لاحظ شرودها بعد هدوء نوبة بكائها بهمس حان: - ما تفكريش كتير يا حبيبتي، كل حاجة وليها حل، أللي عاوزك تتأكدي منه أني مش هسيبك أبدا، أنتي مراتي ومامتك في مقام والدتي، واللي يمسكم يمسني!

نظرت اليه بذهول، كيف علم ما جال بتفكيرها؟ هل هي شفافة الى هذا الحد؟ أم أن أفكارها مفضوحة لتلك الدرجة؟ ليثير دهشتها للمرة الثانية وهو يبتسم ابتسامة خفيفة مجيبا على تساؤلها الصامت:
- ما تستغربيش يا شهرت، طبيعي انه اللي يشغل بالك دلوقتي هو كلام الناس، خصوصا وانه ما حضرش العزا الا قليلين، وأغلب عيلتكم محضرتش، كأنهم بيتنصلوا منكم.

شهرت وهي تحاول الابتعاد عنه وهي تمسح دموعها براحتها: - بئينا بالنسبة له شبهةن وخصوصا أنه مافيش لا ثروة ولا فلوس. تخليهم ييجوا على نفسهم ويعزوا فيه عشان الورث، دلوقتي مافيش حاجة خالص، بالعكس تلاقي كل واحد فيهم خايف أحسن تحصل له مشكلة من ورا صلته ببابا، وثروته هو كمان تتصادر!

شريف وهو يسند شهرت كي تنهض: - ممكن ما تفكريش في اي حاجة دلوقتي وتقومي معايا؟ لازم ترتاحي انت من يوم ما حصل اللي حصل مش بتنامي.

شهرت وهي تسير بخطى بطيئة بجواره: - ومين ييجي له نوم بس، في الظروف دي.
ومن دون أدني كلمة زائدة كان شريف يحمل شهرت بين ذراعيه التي شهقت معترضة وطلبت منه انزالها ولكنه رفض واتجه الى غرفتها، حيث دلفا اليها ليركل الباب خلفه يغلقه قبل ان يضعها على طرف الفراش ثم يتجه من فوره حيث غاب في دورة المياه الملحقة بغرفتها لتسمع صوت جريان المياه، عاد بعدها وهو يقول بحنان:.

- ياللا يا حبيبتي ادخلي خدي شاور، وانا دقيقتين وراجع، ولا أدخل أساعدك؟!
شهقت شهرت بخجل وقالت باعتراض: - لا لا لا، تساعدني ايه، ونهضت متجهة الى الحمام من فورها، ليقبض شريف على معصمها أثناء مرورها الى جواره حيث مال على أذنها هامسا بدفء:
- المرة هسيبك براحتك، لكن المرة الجاية مش هستأذنك، أنتي مراتي وأنا من حقي آخد بالي منك في كل حاجة تخصك!

لم تستطع النظر اليه وبدلا من هذا سحبت يدها وهرعت بخطوات سريعة الى الحمام حيث أغلقته وراءها بينما لمعت عينا شريف بابتسامة حانية، قبل أن تغيب ويحتل تعبير صارم وجهه بدلا عنها واتجه خارجا تحديدا الى حماته، حيث يجب وضع النقاط على الحروف، فهو لن يسمح لأي شيء بأن يمس شهرت. زوجته!، ،.

دلف شريف عائدا من غرفة شويكار والدة زوجته الى غرفة الاخيرة، وهو يحمل صينية عليها كوبا من الحليب الساخن وشطيرة من الجبن وأوراق الخس، كان قد عرج على المطبخ الصغير الملحق بالطابق الاعلى وقام بتحضيرها على عجل، بعد انتهائه من نقاش حماته حول ما تعتزم القيام به.

ابتسم بحنان ما ان شاهد شهرت وهي ترتدي منامة قطنية، من الواضح أنها لم تدقق جيدا فيها قبل ارتدائها، وكانت تنام ووجهها ناحية الباب، اقترب منها ووضع الصينية فوق الطاولة الصغيرة المجاورة للفراش حيث جلس بجوارها، وهزها برفق قائلا:
- شهرت. قومي يا حبيبتي اشربي كوباية اللبن دي. .

شهرت متمتمة باعتراض خافت فالحمام الساخن مع ما مرت به من أحداث صعبة في الايام السابقة تكاتفوا عليها لتغرق في النوم ما ان لامست رأسها الوسادة في حين لم تكلف نفسها عناء تجفيف شعرها، لتبتل الوسادة أسفل خصلاتها المبللة:
- تؤ. عاوزة أنام.
ابتسم شريف فهي تبدو كالطفلة المتذمرة: - لا مينفعش قومي اشربي اللبن وارجعي نامي تاني.
شهرت وهي تنهض بصعوبة جالسة: - اوف. هو انا صغيرة يا شريف؟ وبعدين انا مش بحب اللبن.

شريف وهو يرفع الكوب أمام شفتيها وبحزم كأب يؤنب طفلته المشاغبة: - انت مش صغيرة يا شهرت، لبن ايه اللي مش بتحبيه!
تجرعت شهرت رشفة كبيرة باجبار منه بصعوبة، لتقول وهي تبعد وجهها عن الكوب بينما صنع الحليب شاربا كثيفا فوق شفتيها:
- والله مش بحب أشربه كدا، بشربه هوت شوكولا!
شريف وقد شرد في حركة شفتيها وهي تنطق كلمتها الاخيرة: - ها؟ بتشربي ايه؟

شهرت والنعاس بدأ يثقل جفونها ثانية وهي تمط شفتيها أمامها ببطء: - هوُت شوُكُولا!
كاد الكوب ينزلق من بين أصابعه فأسرع بامساكه ليقول بحنق وهو يمسك بمؤخرة عنقها بيد وبالاخرى يرفع الكوب الى فمها يجبرها على انهائه:
- طيب اشربي بس دا، وهنشوف حكاية الهوت دي بعدين!

قطبت شهرت بعدم فهم، وما لبثت ان زمجرت بسخط وهي تبعد فمها بعد ان انهت كوب الحليب تحت قوته الجبرية، وهي ترنو اليه بنظرة حانقة، ولكن شريف فاجئها بما مسح تعبير السخط من وجهها، إذ سرعان ما همس ويده تداعب مؤخرة رأسها بينما يضع الكوب على الطاولة المجاورة:
- كويس الشنب اللي انتي عملتيه دا؟
شهرت بغباء: - ها؟!

مال شريف على وجهها وأردف بهمس عابث: - لكن ولا يهمك، بما أني جوزك وأنا اللي أجبرتك على شرب اللبن فأنا هشيل الشنب دا!

وقبل أن يتثنى لها الاستفسار كان يغيبها في عناق حنون، يحيطها بين ذراعيه في حضن عذب دافئ، حتى أنها كادت تبكي من رقة المشاعر التي تبادلاها، فلأول مرة تشعر بأنه يهتم لها، يعملها بحنان كشيء نفيس يخشى عليه من الكسر، لتقضي ليلة لم يسبق لها وأن خاضت تلك المشاعر التي اختبرتها معه قبلا، ولكن، ومع بزوغ النهار، كان يوم جديد قد بدأ، بأحداث جديدة، وقرارات خطيرة، أهمها ذلك القرار الذي واجهت به شريف ما أن فتح عيناه ليفاجأ بها وهي ترتدي كامل ثيابها وتقف أمامه بكل ثبات، حتى أنه قد فرك عينيه جيدا، فأمامه تقف شهرت القديمة بكامل برودها وجمودها، وما أن تساءل بابتسامة حائرة عن سبب استيقاظها مبكرا وارتدائها لكامل ثيابها حتى فاجئته بما سحب الدم من عروقه وتركه مذهولا مما يسمع:.

- أنا مسافرة مع ماما يا شريف، وهستنى ورقتي تيجي عند المحامي في أسرع وقت!
وسارت بخطى قوية تجر خلفها حقيبتها لتخرج من الغرفة بينما انتبه هو لحظة أوصدت الباب خلفها، ليقفز راعدا وهو يركض خلفها غير مبال بجذعه العلوي، لا يرتدي سوى سروال منامته فقط:
- شهرت!

ولكن ما أن وصل الطابق السفلي حتى فوجأ بها قد اختفت ليصرخ مناديا الخادمة التي أجابته بصوت مرتعب أن سيدتها الصغيرة قد غادرت لتوها بصحبة السيدة الكبيرة. والدتها!

ليصرفها بصوت كالرعد، اتجه بعدها الى سترته الملقاوة فوق ذراع الاريكة منذ الليلة الماضية ليخرج هاتفه الشخصي من جيبها الداخلي، ويضغط بعض الارقام قبل أن يقول للطرف الثاني:
- مراتي خرجت من ثواني هي ومامتها، عاوزك وراهم زي ضلّهم، لو فلتوا منك مش هيكفيني فيك روحك! .

وأنهى المكالمة وهو يحمد الله أنه ترك سيارة خاصة لحراسة شهرت دون علمها بعد ما حدث لأبيها خوفا عليها من أن يطالها مكروه!

سمع صوت تأتأة خفيفة ليلتفت فرأى الخادمة التي أمرها بالانصراف يبدو أنها تريد قول شيء ليسألها بغلظة عما تريده، فأجابته وهي ترتعد:
- شريف بيه، أنا مش عارفة صح إلى هقوله ولا لأ، لكن ست شهرت صعابنة عليا أوي، مش قادرة أسكت وأنا شوفتها بعيني وسمعت اللي حصل بنفسي!

شريف بتقطيبة مرتابة: - ايه اللي حصل؟
توترت الخادمة فطمأنها شريف قائلا بحزم: - اطمني محدش هيقدر بأذيكي، لكن لو خبيتي عليا حاجة مهمة محدش هيرحمك من ايدي لو شهرت هانم جرالها حاجة!

الخادمة بهلع: - لا. خلاص هقول، بصراحة دولت هانم جات من بدري وطلبت تقابلها.
هتف شريف في ذهول: - ماما!
أومأت الخادمة متابعة بشفقة: - وبعد ما كانت شهرت هانم فرحانة واول مرة من ساعة إلى حصل الاقي الضحكة مالية وشّها وهي بتطلب نحضر الفطار عشان هي اللي هتطلع بيه لحضرتك، غابت معها شوية وخرجت زي ما حضرتك شايفها، عينين حمرا ووشّها أصفر ودبلان، وشوية وطلعت لحضرتك وحصل اللي حصل!

زمّ شريف عيناه والتفت ليصعد الى الاعلى وهو يقول بحزم في نفسه: - واضح يا دولت هانم أنه فيه كلام بيننا كتير وجِه أوانه، بس أول حاجة لازم تعرفيها أنه شريف بتاع زمان ماعادش موجود، وأنه بيتي وحياتي ومراتي. خط أحمر ما أسمحش لحد ولا حتى أنتي انك تقربي منها، وبعد كدا أفضى للمجنونة دي وهعرف ازاي أحرّمها تتكرر الجنان اللي عملته دا!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة