قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية إلا أنت (نساء متمردات ج3) للكاتبة منى لطفي الفصل التاسع والعشرون

رواية إلا أنت (نساء متمردات ج3) للكاتبة منى لطفي الفصل التاسع والعشرون

رواية إلا أنت (نساء متمردات ج3) للكاتبة منى لطفي الفصل التاسع والعشرون

زفر باختناق وهو يدلف الى منزله صافقا الباب خلفه، ليسير حتى منتصف الردهة قاذفا بمفاتيحه فوق الطاولة الرخامية التي تتوسط المكان، فهو لا يكاد يطيق المنزل دون وجودها فيه، لم تكد تغيب يومين وها هو يشعر بهما وكأنهما قرنيْن من الزمان! حتى أبنائهما أحمد ونهاوند لا يملأون فراغ وجودها، وها هما يمكثان لدى والدته بعد اصرار الأخيرة عدم ذهابهما معه لحين عودة والدتهما، الأمر الذي جعله ينصرف من عندها وهو غاضب حتى أنه لم ينتظر تناول الغذاء معهم بعد عودة والده، فهو يشعر بفقدانه الشهية لكل شيء، وأكثر ما يثير غيظه أن الأخرى وكأنها لم تكد تصدق الابتعاد عنه!

هاتفها بدلا من المرة مرّات ولكنها لم تجبه ويفاجأ في الأخير برسالة نصية منها تخبره فيها بأنها ستعود بعد انتهائها من أمر ضروري مع زوجة خاله، فلا داعي لاتصالاته الكثيرة، وليطمئن! يطمئن! أنّى له الاطمئنان عليها وهي بعيدة عن عينه؟! شعور بقلق غريب يعتريه ما أن تغيب عنه، وكأنها ابنته الصغيرة وليست زوجته وأم أولاده، أولاده!

نفخ بتعب وهو يخلع سترته يلقي بها فوق الاريكة قبل ان يرمي بنفسه بجانبها جالسا بتهالك، يغرز يديه في خلاصته الأبنوسية التي ورثها عن والده، مرتدا برأسه الى الخلف يستند بها الى ظهر الاريكة وهو يردد بصمت. أولاده، نهاوند و. أحمد! ، يعلم الله أن أحمد بالنسبة اليه هو ولده الذي لم ينجبه، ولكنه يشعر بغصة كبيرة فهو يعلم جيدا أنه سيظل دائما وأبدا الصلة بين زوجته وآخر، حتى وأن كان هذا الآخر والدا له، كما أنه على يقين من أنه يحمّل الأمور فوق طاقتها ولكنها تلك الغيرة التي تنهش أمعائه ما أن يراها معه وأن كان في موقف عابر كيوم ذهابهما لتقديم واجب العزاء في والد زوجته، نار تصاعدت في جوفه وهو يراها تقف بكل بساطتها ورقتها تتمتم بكلمات التعزية له، ورغما عنه كان يتصرف دون تفكير، لقد أوشك بالفعل في لحظة ما أن يحملها من أمامه ويبعدها عنه حتى لا يراها بعينه، ما بداخله بالنسبة لها قد تعدى مرحلة الحب بمراحل، فهي طفلته التي يخشى عليها من النسيم أن يخدشها تماما كصغيرته نهاوند، وهي زوجته. امرأته، من تحمل اسمه هو لا أحد غيره، من يقف كالجدار خلفها لتستند عليه، حاميا لها ومحافظا عليها، وسندا لها طول العمر، وهي، حبيبته، حبيبته الوحيدة، من دق القلب لها ما أن رأى زمردتيها ومن وقتها وهو لا يكف عن الدق باسمها سواءا في وجودها أو غيابها، يستحيل أن ما يكنه لها هو الحب! فهو قد فاق مرحلة العشق، ليبتسم ساخرا مرددا في نفسه. مجنون لبنى!

صوتا نسائيا خرق تفكيره تقول صاحبته بتأنيب: - مهدي بيه، أظن أنه الأوضة عشان حضرتك تغير فيها هدومك براحتك، مينفعش المنظر دا!

نظر مهدي الى علية الواقفة تشمخ بأنفها الى الأعلى وهي تشير الى سترة حلته الملقاة بجانبه، فما كان منه إلا أن تناولها وبكل بساطة قذف بها في وجهها وقال وهو ينهض واقفا:
- ولا يهمك يا علية هانم، اتفضلي ودّيها الاوضة!
زمّت علية شفتيها في اعتراض تام وهتفت في حنق مكتوم: - حضرتك كدا مينفعش، اتفضل ادخل جوة غيّر هدومك على ما أحضر الغدا، ولّا تكون ناوي تغيرهم حتة حتة في الريسبشن هنا وأنا أدور ألم وراك!

نظر اليها مهدي في دهشة أول الأمر قبل أن يتكلم بحدة: - علية. أنا لغاية دلوقتي مطوّل بالي عليك، ومش عاوز أتنرفز (أحتد)، اتفضلي روحي من قودامي الساعة دي أحسن لك، ولو على الغدا مش عاوز، ماليش نفس.

علية متمتمة بسخط: - وما دام انك مش قادر على بعادها بالشكل دا، كنت بترازي (تضايقها) ليه؟ ولّا هو صحيح الواحد ميعرفش قيمة اللي في ايده إلا بعد ما يروح منه!

قطب مهدي متشككا وقال بريبة: - انتي بتبرطمي (تتمتمي) تقولي ايه؟
علية وهي تتأهب للانصراف مشيحة بيدها: - ما بقولش، عيني عليها واقفة تعمل الغدا وفي الآخر مش عاوز ياكل...
بُهت مهدي وتسمر للحظة واحدة في مكانه قبل ان يهرع اليها يعيق انصرافها لتباغت هي بوقوفه أمامها فجأة بينما هتف فيها قائلا:
- انتي بتقولي ايه؟ مين دي اللي صعبانة عليكي وواقفة تعمل الأكل؟

نظرت اليه علية كمن يطالع كائن خرافي قبل أن تجيبه ببرود قائلة: - يعني هتكون مين، الغلبانة اللي بتكفّر عن سيئاتها من يوم ما اتجوزتك!
تعالى صوت يهتف فيها بقوة وحزم: - علية!
التفتت علية وراءها بينما رفع مهدي رأسه ليرى تلك التي تقف بكل اعتداد وثقة تنهر علية في حزم قائلة:
- لو سمحت يا علية، ما ينفعش تتكلمي مع مهدي بيه بالاسلوب دا.

علية متمتمة ببرود: - آسفة يا مدام لبنى، مش قصدي حاجة، عموما وقت ما تعوزوا ناديني حضرتك وأنا أحضر السفرة.

وانصرفت بعد ايماءة خفيفة من رأسها، فاكتفت لبنى بهزة بسيطة من رأسها، بينما اقترب منها مهدي حتى وقف على بعد خطوات وكانت صدمته برؤيتها أمامه قد خفت، ليضع يديه في جيبي سرواله ويقول بتهكم وسخرية:
- حمد لله على السلامة، غريبة، يعني رجعتي بسرعة؟ يا ترى خلصتي المشوار المهم جدا اللي سيبتي بيتك عشانه يومين ولا لسه؟

تقدمت لبنى منه حتى وقفت أمامه مباشرة لتلفحه رائحة عطرها المنعش بينما زاغت نظراته على فستانها الصيفي السماوي اللون ذو الحمالات الشفافة، وياقته المستديرة من قماش الشيفون، ثم يلتصق محكما بجذعها العلوي مبرزا دقة خصرها، لينسدل بعدها على اتساع وينتهي فوق ركبتيها بعدة سنتيمترات ليست بالقليلة! وقد ختمت زينتها التي تكاد توقف قلبه برفع خصلاتها المجعدة الى الاعلى على هيئة شنيون تتطاير خصلاته لتحيط بوجهها، بينما رسمت عينيها بخطوط كحل أسود، فأبرزت قدحتيها بلون الزرع الأخضر، وطلت شفتيها بلون وردي داكن، يقسم أنه قد اشتم منه رائحة الورود!

قالت لبنى برقة بينما حاول هو التمسك بقناع البرود خاصته فهو لن يسامحها على عصيانها له حتى وأن كان السبب زوجة خاله أو حتى الأصول والتقاليد:
- أنا ما رضيتش أتغدى واستنيتك، بئالي يومين تقريبا مش عارفة آكل، مافيش حاجة ليها طعم في بؤي.

مهدي بتهكم: - وليه ان شاء الله؟ دا انا حتى قلت أكيد انت دلوقتي عايشة حياتك براحتك، تاكلي ما تاكليش، تخرجي ما تخرجيش. محدش بيقولك حاجة.

رفعت لبنى ذراعيها أحاطت بهما عنقه وهمست وهي ترفع وجهها اليه: - تؤ تؤ تؤ، غلطان، وجدا كمان، أنا مقدرش أبعد عن بيتي وعيلتي الصغيرة دي ثانية واحدة، وأي حاجة بعيد عنكم بتبقى مالهاش طعم.

قبض مهدي على ذراعيه يفكهما ويسدلهما جانبا وهو يقول بجمود: - انت اللي اخترتي تبعدي، محدش جبرك على كدا!

وابتعد عنها يوليها ظهره، فكتمت لبنى زفرة ضيق، فهي تعلم جيدا أي عنيد هو، فهو لن يسامحها بسهولة على انصياعها لزوجة خاله، ومبيتها خارج منزلها، حتى ولو كان لدى خاله هو وليس أحد من طرفها، ولكن هذا هو حبيبها، محب متملك غيور، يكاد يحصي عليها أنفاسها، وهي أبدا لا تشتكي، فيكفي حنانه لها والأمان الذي تشعر به وهي بين ذراعيه، وهذا ما جعلها تقتنع بحديث ريتاج وتوافق على أنه لا بد من اعادة رسم خطوط حياتها الزوجية مع مهدي ثانية، حتى تستقر الحياة بهما، فهي لا تستطيع العيش بعيدا عنه أو عن ولديْها...

تقدمت منه لبنى ورفعت يدها تبسط راحتها على ظهره لتشعر بانقباض عضلاته ما ان شعر بملمس كفها الصغير، وقالت بهمس خافت:
- أنا عارفة انك متضايق، لكن اديني (أعطيني) بس فرصة أشرح لك...

التفت دفعة واحدة وقال بغضب مكبوت بينما تراجعت هي خطوة واحدة الى الخلف: - متضايق! متضايق دي كلمة قليلة اوي على اللي حاسيته اليومين اللي فاتوا، وبعدين تشرحي ايه؟ أي سبب اللي يخليكي تسيبي بيتك وتباتي بره؟ ومش بس كدا، لا، أنتى كمان ما كنتيش بتردي عليا، ولما اتنازلتي واتعاطفتي بعتي لي مسيج تقوليلي ما تقلقش، انا هرجع!

لبنى برجاء: - يا مهدي أرجوك اسمعني، أنا.
باغتها بان قبض على مرفقيها بقوة فشهقت بأنين خافت بينما هدر فيها بعنف مكبوت وعينيه تقدحان شررا:
- انتي ايه؟ ها! انتي خالفتي كلامنا يا مدام، احنا مش اتفقنا انه محدش يعمل حاجة من ورا التاني؟ ولازم أي حاجة نكون متفقين فيها؟

لبنى بيأس: - وأنا عملت ايه من وراك؟ طنط تاج إلى بتلومني انى روحت معها دي. تبقى مرات خالك، أنا ما روحتش في مكان لوحدي انت متعرفوش.

مهدي ساخرا بمرارة: - يا سلام، واتفاقك معها انكم تروحوا تعزوا وتحطيني قودام الامر الواقع دا اسمه ايه؟ انك توافقي انك تروحي معها من غير ما تاخدي رأيي وكأن مالكيش زوج، دا يبقى ايه؟ وما يشفعش ليكي انها مرات خالي، دي لو كانت أمي أنا ما أسمحش انك تعملي اللي عملتيه دا!..

لبنى وهي تحاول الفكاك من قبضته القوية لذراعيها دون نجاح يذكر: - عشان فيه حاجة اسمها أصول من الواضح كدا انك نسيتها! والاصول بتقول اني كنت لازم أروح أعزي، دي مهما كان تبقى مرات أبو أحمد. ابني!

زأر مهدي بانفعال قوي: - حتى ولو رفضت! انتي كنتي عارفة ومتأكدة اني هرفض عشان كدا اتحاميتي في مرات خالي، صح؟

هدرت لبنى بقوة: - صح!

لتردف بعدها بحدة وقد سئمت من عناده الأهوج: - بس عارف ليه؟ لأني جبانة!، أيوة جبانة يا مهدي – نظر اليها بدهشة طفيفة لتواصل هي – كنت هكبّر دماغي واقول مش لازم وكفاية أعزيها بالتليفون عشان خاطرك انت، عشان ما تزعلش، طنط تاج اللي فهمتني أنه دا أبوها، ومهما كان هو مجرم أو لأ، لكنه يفضل ابوها وتفضل أنها في مقام أم تانية لأبني، ما كانش ينفع ما أروحش، كنت منتظرة منك انك تفهم وتراعي، آه هتزعل لكن مش بالشكل دا، لكن أنت صح. أنا فعلا الغلطانة، أنا المفروض بعد كدا أعمل الصح مهما كان رأيك، أنا مش واحدة قاصر أو مجنونة عشان ما أعرفش أميز الصح والغلط!

قطب مهدي وقال بريبة: - يعني ايه؟
انتهزت هي فرصة ضعف قبضته لتسحب نفسها بعيدا عنه قبل أن تقف أمامه رافعة رأسها بثقة قائلة بقوة:
- يعني لازم تعرف أني مراتك، مش موظفة عندك تأمرها فتطيع، لازم تعرف أني نصك التاني، يعني لو غلطت ما فيش ما يمنع أني أوضح لك غلطك، احنا الاتنين بنكمل بعض، مافيش ريّس (رئيس) ومريُوس (مرؤوس)، وأنا أرفض انك تعاملني باسلوب التسلط وفرض الرأي دا تاني، عن إذنك.

والتفتت تنوي الانصراف عندما هدر صوته عاليا: - استني هنا!
توقفت مكانها في حين دنا منها ليستدير واقفا أمامها قبل أن يقول وهو يطالع عينيها التي اشاحت بهما بعيدا:
- طيب ابقي وريني هتمشي كلمتك عليا ازاي يا لبنى!، هي كلمة مش هعيدها، خروج من البيت من غير اذني ما فيش، والمرة الجاية لو خالي أدهم بذات نفسه هو اللي جه انت مش هتتنقلي في أي مكان الا لما أنا اللي أقول...

ومال عليها هامسا بجوار أذنها: - أما بقه بِياتك (مَبِيتِك) برّه البيت دا، فمن مصلحتك أنه ميتكررش، ما فيش سرير يحضنك الا سريري أنا، أظن واضح؟!

نظرت اليه مشدوهة، لا تدري أتصرخ فيه رافضة قراراته التعسفية أم أن تضحك جزلا فحبيبها المجنون وسط كلماته النارية يعترف لها أنه يغار عليها من سرير آخر ترقد بجسمها عليه! تُرى. هل لجنونه هذا من آخر؟ ولكن، مهلاً. فشفائه على يديها هي، وأن كانت لا تريده أن يشفى تماما من هذا الجنون، فأي امرأة تغضب حينما يصارحها حبيبها أنه يغار عليها من فراش ليس له؟!..

تحكمت لبنى في قسمات وجهها حتى لا يظهر عليها أيّ من أفكارها الداخلية، واستطاعت بأعجوبة رسم ابتسامة باردة على وجهها وهي تقول بهدوء:
- تمام، بس عشان تنفذ كلامك دا مافيش قودامك غير حاجة من اتنين - قطب في حين تابعت – يا تربطني في رجل السرير، يا تقفل الباب عليّ بالمفتاح، لأني مش هعمل غير اللي أنا مقتنعة بيه وبس!

وابتعدت عنه تحت نظراته الذاهلة، لتقف بعد خطوتين تنادي علية تأمرها بتحضير مائدة الطعام، قبل أن تطالعه قائلة برقة جعلته يحدق فيها بفم مفتوح بذهول:
- هتتغدى ولا أقول لعلية تحضرالسفرة ليا أنا بس؟ بصراحة أنا خلاص مش قادرة عاوزة أتغدى، وبعدين هروح أجيب الولاد من عند ماما راندة، أصلهم وحشوني اوي!

ولكن مهدي اكتفى بمراقبتها وهو يقطب في ريبة وتوجس، لتردف بصوت مرتفع: - اعملي حساب مهدي بيه يا علية في الغدا معايا.
ثم نظرت اليه وتابعت بهمس ناعم: - هما مش بيقولوا السكوت علامة الرضا؟ وانت سكت! روح بقه غيّر هدومك وحصلني على السفرة!

وانصرفت تحت أنظاره التي راقبتها بتقطيبة ذهول فهو بعد انفجاره فيها لم تأبه لتحذيراته بل وقفت تخبره بكل هدوء أنها ستذهب بعد تناول الغذاء لاحضار الأولاد من عند والدته، ليتمتم بتوجس:
- هو أنا كنت بكلم نفسي؟ مرات خالي لعبت في ايه في عقلها عاوز أفهم أنا؟ دي بئيت نسخة طبق الاصل عنها!

دلفت السكرتيرة الخاصة برئيس شركة العايدي للديكور وهي تمد اليه ببطاقة تعريف قائلة:
- حضرتك الدكتورة دي بتقول انها عاوزاك ضروري، وما فيش معاد سابق ليها.
أمسك نزار بالبطاقة وقرأ الاسم ليعقد جبينه لثوان وهو بين التساؤل والدهشة لتخرجه مساعدته الخاصة بسؤالها ان كانت تُصرف الزائرة الغير منتظرة أم تسمح لها بالدخول، ولكن نزار سارع بالنهوض وهو يقول:
- لا طبعا خليها تتفضل.

وسار الى منتصف الغرفة في حين خرجت سكرتيرته لتدلف تلك الضيفة الغير متوقعة فيتجه نزار اليها مرحبا وهو يمد يده مصافحا:
- مش ممكن، أنا ما صدقتش لما قريت الكارت.
صافحته مبتسمة وهي تقول: - أزيك يا د. نزار، أسفة لو جيت من غير معاد.
نزار وهو يشير اليها لتتقدمه معترضا بصدق: - أزاي يا د. سهام، دا مكانك ما تقوليش كدا. اتفضلي.

جلست سهام على المقعد الجلدي المقابل لمكتبه العريض ليحتل هو المقعد المواجه لها قبل أن يقول:
- قهوتك إيه بقه؟
سهام بابتسامة: - مالوش لزوم.
ولكن نزار أصر فقالت: - ان كان ولا بد يبقى لمون فريش.
ليأمر نزار سكرتيرته باحضار كوب من عصير الليمون الطازج وقدح من القهوة التركية الى مكتبه.

قالت سهام وابتسامتها لا تزال تزين ثغرها: - قهوتك مظبوط زي ما هي يا نزار.
نزار بابتسامة مقابلة: - ما نسيتيش يا سهام، ما شاء الله ذاكرتك تمام.

سهام هامسة بداخلها. وكيف أنسى أول انسان دق له قلبي، وأحاط خاتمه ببنصري، ولكن. ليلعب القدر لعبته فيكون من نصيب غيري، وعلى الرغم من زواجي بآخر كان نعم الرفيق إلا أنه لا يزال هناك بعض الذكريات التي لا تنمحي مهما مرت الأيام، ووجودك أنت في مرحلة ما من حياتي. إحداها!

تبادلا الأحاديث الخفيفة قبل أن يقرع الساعي الباب ويدلف حاملا طلباتهما، وبعد أن وضع ما بين يديه أمامهما انصرف بعد كلمة شكر من نزار، لتقول سهام:
- أنا مش عاوزة أعطلك يا نزار، فاسمح لي هدخل في الموضوع على طول.
نزار بهزة مؤكدة من رأسه: - أكيد يا سهام، اتفضلي.
سهام بابتسامة هادئة: - أنا عندي طلب وأتمنى أنك تقدر تساعدني فيه، وصدقني لولا ثقتي فيك أنا ما كنتش فاتحتك في الموضوع.

نزار بتقطيبة: - انتي تؤمري يا سهام، اتفضلي.
سهام شاكرة: - ميرسي، الموضوع أنه أنا عندي ابن وحيد، عنده دلوقتي 23 سنة، هو خريج تجارة انجليش، ما شاء الله عليه ملتزم ومجتهد، لكن المشكلة أنه انطوائي، بعد. – ازدرت ريقها بصعوبة قبل ان تتابع وهي تجاهد دموعها – بعد وفاة والده وهو كان متعلق بيه جدا.

علق نزار بمواساة: - البقاء لله.

سهام بهدوء: - ونعم بالله، المهم. معتز ابني دخل في مرحلة اكتئاب حاد، عرضته على أكتر من دكتور والكل اتفق على أنه لازم يطلع من الوحدة اللي فرضها على نفسه، ودا مش هيكون الا بالاختلاط بالناس، والشغل أهم عامل في شفاه، ودا كان مشكلة بالنسبة له، لأنه من صغره وهو منطوي، مالوش أصحاب، والده كان هو صاحبه الوحيد، ولما كان بيتعرض لمشكلة او هجوم من حد كان للأسف بيتاتأ في الكلام، ودا زوّد من ضعف ثقته بنفسه، دا طبعا غير السخرية من زمايله، حتى البنت اللي اتعلق بيها في الكلية اكتشف انها بتضحك عليه عشان يساعدها في المذاكرة، تصور؟

نزار بأسف: - للأسف الأخلاق أصبحت شبه معدومة الايام دي.

سهام بتنهيدة عميقة: - فعلا، ودا اللي خلّا حالتها تبقى أصعب وأصعب، جوزي اتوفى من سنة بالظبط بعدها على طول انفصل عن البنت دي بعد ما صارحها أنه عاوز يتقدم لها، هو كان سابقها بسنة، لكن هي رفضت ومش بس كدا، دي جرحته جامد بكلامها وأنها لا يمكن في يوم تفكر فيه كزوج ليها، وطبعا وكنتيجة ل دا دخل في طور اكتئاب حاد جدا، ومن ست شهور بالظبط حصل اللي خلاني أفتش عن القشة اللي ممكن تنجد ابني.

نزار بتقطيبة: - حصل ايه يا سهام؟
سهام بعينين دامعتين: - حا. حاول ينتحر!
صُعق نزار هاتفا: - ايه؟..

سهام وهي تومئ بالايجاب: - زي ما بقولك كدا، طبعا دخلته مصحة نفسية، أنا مقدرش أجازف تاني، ومن أسبوعين الدكتور كتب له خروج، بس قالي بالحرف انه علاجه في الشغل وأنه يختلط بالناس، وبالصدفة شوفت اعلان للشركة بتاعتك طالبة محاسبين، أنا مش عاوزاك تشغله عندك شفقة أو عطف، ولولا اني عرفت انك محتاج محاسبين فعلا ما كنتش جيت، وأنا متأكدة انه هيثبت نفسه، دا غير أني بطلب منك أنك مش تعفيه من أي امتحان، بالعكس يمر بكل الخطوات اللازمة للتعيين، وأنا متأكدة أنه هيجتازها وبتفوق كمان.

نزار بابتسامة: - وابنك معتز زي مهدي ابني تمام، وان شاء الله يعجبه الشغل معنا.
دقات مرحة تعالت على الباب دلفت على إثرها ريما وهي تقول بشقاوتها المحببة: - فاضي يا نزار بيه ولا مشغول؟
أشار اليها نزار لتتقدم، فدلفت وما ان أبصرت سهام حتى اعتدلت في مشيتها التي كانت تتبختر بها، واتجهت الى والدها الذي أشار الى سهام معرفا:.

- الدكتورة سهام زميلة من ايام الجامعة وصديقة، ودي يا ستي ريما بنتي. آخر العنقود سكر معقود.

صافحت ريما سهام التي قالت: - ما شاء الله زي القمر، ربنا يفرحك بيها يا نزار.
قال نزار لريما: - بصي يا ستي، ريما هي المسئولة عن الانتر فيو مع المتقدمين للوظيفة عندنا، أصلها نائب رئيس مجلس الادارة بعد ما خطيبها اتحددت اقامته في شركة عمه!

ريما باعتراض: - حضرتك عارف يا بابا الاسباب، عصام ما سابش (ترك) هنا بمزاجه!
نزار ضاحكا: - شوفتي مش عاوزة أجيبه سيرته بأي لوم ازاي؟
سهام بابتسامة حنون: - ربنا يتمم لكم بخير يا حبيبتي.

لاحقا. بعد عودة نزار ريما وأثناء تناولهما الطعام، وبينما كانوا يتبادلون الأحاديث الخفيفة هتفت ريما بحماس:
- بس يا بابا طنط اللي شوفتها عند حضرتك انهرده شكلها طيبة أوي.
قطبت راندا متسائلة بابتسامة: - طنط؟ طنط مين دي؟
ريما ببساطة: - طنط سهام يا ماما، كانت زميلة لبابا في الكلية، يمكن حضرتك تفتكريها بس هي كانت الدكتورة بتاعتك بقه، لأنها كانت زميلة بابا وحضرتك كنت طالبة عنده صح؟

راندا وهي تنظر الى نزار بحيرة وريبة: - سهام؟!
نزار وهو يرشف بضع قطرات من الماء وبهدوء: - الدكتورة سهام يا راندا، كانت أستاذ مساعد أيام ما انت كنتي طالبة.
لينظر اليها مردفا: - مش فاكراها؟
راندا بجمود: - لا ازاي، فاكراها، وفاكراها كويس أوي كمان.
لتفتعل ابتسامة تهكم متسائلة: - بس غريبة افتكرتك يعني بعد السنين دي كلها؟

ريما وهي تضع بعض الطعام في فمها: - معتز ابنها هيشتغل معنا، واظاهر كانت جاية تتوسط له عند بابا.
وغمزت والدها بعينها اليمنى، لتبتسم راندا بشراسة وهي تقول: - اممممم، جميل، جميل!
تقدر تقولي ليه اللي اسمها سهام دي افتكرتك دلوقتي؟ ...
نزار وكان يهم بنيل قسط من الراحة فوق فراشهما بعد ان صعدا الى الاعلى إثر الانتهاء من تناول الغذاء:.

- مافيش يا حبيبتي، ابنها وعاوز يشتغل والشركة عندي عاملة اعلان عاوزة موظفين وهي لما عرفت جات لي، عشان.

قاطعته راندا بقوة: - تتوسط له.
نزار بصبر: - وماله يا ستي، ابنها مش خايب، بس انا عاوز خمسة اتقدم لي خمسين أكيد هيكون منهم على الاقل عشرة كويسين هختار منهم خمسة، فهي عاوزة تضمن ابنها يكون من الخمسة دول، دا غير انها مصرة انه يمر بكل الاختبارات للشغل زي باقي المتقدمين، مش غلط انها تفكر في مصلحة ابنها.

راندا وهي تروح وتجيء أمامه: - اممممم، لا مش غلط طبعا، وأكيد اتكلمتوا وحكيتوا صح؟
نزار وهو يضع رأسه فوق الوسادة: - عادي يا راندا.
راندا وهي تتساءل بحنق مكتوم: - وجوزها عارف انها جاية تطلب خدمة من خطيب. – وابتلعت باقي كلمتها لتقول بدلا منها – زميلها القديم؟

نزار وهو يتأهب للنوم ساحبا الغطاء عليه: - جوزها الله يرحمه اتوفى من سنة تقريبا!
لتتوقف راندا عن السير وتتسع حدقتيها وتردد بصدمة وغير استيعاب: - مات!
نزار وهو بين اليقظة والنوم: - الله يرحمه!
ولم يكد يغلق جفنيه للغوص في النوم حتى فوجأ بمن تقفز بجانبه تهتف فيه بسخط وهي تبعد الغطاء عنه:
- والله العظيم؟! يعني جوزها الله يرحمه، وانت بتقولها عادي كدا؟

رفع نزار رأسه وقال عقدا جبينه بغير فهم: - ايه المشكلة يعني لما أقول الله يرحمه؟ يعني هو كنت أنا اللي قتلته؟!
راندا بصياح مذهول: - انت هتستعبط يا نزار؟
زفر نزار بضيق وقال وهو يسحب الغطاء ثانية ويتأهب للنوم: - بقولك ايه يا راندا، أنا عندي صداع ومحتاج أنام شوية عشان عندي معاد بالليل، فلو سمحت سيبيني أرتاح.

لتنزع الغطاء عنه للمرة الثانية وهي تهتف فيه بشك وريبة: - معاد؟ معاد مع مين وفين وليه؟
هبّ نزار جالسا وهو يصيح فيها بقوة: - اللاه جرى ايه يا راندا؟ ناقص تاخدي لك قلمين وتقوليلي اعترف يا مجرم خبِّيت سلاح الجريمة فين؟

راندا وهي تزم عينيها: - انا مش فاهمه فيها ايه لما تقولي معادك مع مين؟ أظن طبيعي اني أعرف جوزي رايح فين؟

نزار بتهكم: - دا يبقى طبيعي لو كان من عادتك تسأليني السؤال دا، لكن ولأني عارف انه مخّك متركب شمال هجاوبك المرة دي بس وتبقى آخر مرة. المعاد مع صاحب شركة الوادي، هيبني قرية سياحية في الساحل وعاوز شركتنا تمسك التشطيبات الداخلية، ارتحتي؟..

لتفتر شفتاها عن ابتسامة ناعمة وتقول وهي تقترب منه تحيط كتفيه بذراعيها: - ماتزعلش حبيبي، وبعدين دي حاجة المفروض تفرّحك!
نزار ساخرا: - تفرحني؟
راندا مؤكدة: - طبعا، مراتك ولسه بتحبك وبتموت فيك وبتغير عليك!
ضحك نزار وقال وهو يحتضنها بدوره: - يا مجنونة تغيري عليا من ايه ومن مين؟ أنتي ناسية أني جد؟ الشعر الابيض اللي في راسي دا المفروض يخليكي تطمني.

راندا نافية بثقة وهي تمرر أناملها بين خصلاته السوداء التي اختلط بها الشيب بكثرة:
- بالعكس، الشعر الابيض دا بيزود جاذبيتك اكتر واكتر، أنا شخصيا بموت فيه، دا غير طبعا ابتسامتك اللي بتسحر القلب وصوتك الهادي الواثق من نفسه...

قاطعها مبتسما وهو يميل عليها ناظرا بعمق في مقلتيها: - اللاه. دا غزل بقه؟
راندا بتأكيد: - بالظبط كدا، غزل صريح وواضح كمان. عندك مانع؟

نزار ببساطة: - أكيد لأ، بس أحب أطمنك أنا كدا في عيونك انتي وبس، عشان بتحبيني، زي ما أنا حبي ليكي بيزيد مع كل سنة بتمر من عمرنا، ولغاية دلوقتي لسه قودامي راندا الطالبة اللي خطفت قلبي بضحكتها وشقاوتها، عارفة. أنا عمري ما فرقت بين ولادي التلاتة، بس ريما بالذات ليها حتة زيادة شوية عندي، مش لأنها أصغر أخواتها لأ، لأني بحس أنها كلها أنتي، نسخة مصغرة منك.

راندا بحنان: - وأنت ما فيش منك يا حبيبي. انت واحد بس، نزاري أنا، حبيبي أنا.
همس نزار أمام وجهها: - طيب ما تيجي الكلام الحلو دا بقه، نطبقه عملي؟
راندا مصطنعة البراءة: - امممم. ازاي وانت عاوز تنام عشان شغلك بالليل؟
نزار وهو يميل مشرفا عليها بينما انبطحت هي على ظهرها وبابتسامة خاصة: - ما احنا هننام، وأحلى نومة!

وكان على قيلولة نزار أن تنتظر لأمد طويل، فقد أمضى نزار فترة لا بأس لها في التطبيق العملي لمجنونته!..

خلاص يا أمي شبعت، الحمد لله...
أنزلت أنعام ملعقة الطعام قائلة وهي تناول هشام محرمة ورقية ليمسح فمه: - طيب، الحمد لله يا حبيبي. عاوز حاجة تانية أعملها لك قبل ما أقوم؟
هشام محاولا رسم ابتسامة لكنه أخفق فيها: - لا يا أمي، تسلمي.
نهضت أنعام تحمل صينية الطعام متجهة للخروج من غرفته عندما ناداها بلهفة لم يستطع اخفائها فوقفت والتفتت اليه ليسألها محاولا اصطناع عدم المبالاة ليفشل وللمرة الثانية:.

- أومال منال وفريد فين؟ مش باينين يعني انهرده؟
ابتسمت أنعام وقالت: - منال اتكلمت وقالت انها هتتأخر شوية، هتمر على فريد في المدرسة وتروح بيتها تجيب شوية حاجات.

قطب هشام متسائلا بتوجس: - بيتها؟
أنعام ببساطة: - أيوة يا بني، ما هي ما كانتش جابت كل حاجتها. على العموم ارتاح انت شوية وأول ما تيجي هتلاقي فريد طب عليك على طول، ما أنت عارفه كان لازق لك طول الفترة اللي فاتت.

هشام بهدوء: - ربنا يخليه يا أمي، ما تتصوريش فرحتي قد ايه وهو قاعد جنبي وحواليا مش راضي يبعد عني.

أنعام داعية له قبل انصرافها: - ربنا يخليه يا بني ويخلف عليك بالذرية الصالحة يارب.
ألقى هشام برأسه الى الخلف وهو يزفر بتعب هامسا بعد أن سمع دعوة والدته: - ودول هييجوا بالمراسلة؟ حتى لو ربنا ما أرادش فريد عندي بالدنيا، المهم اللي ولا على بالهم دول، هعمل معهم إيه؟

وغرق في تأملاته ليفيق منها على صوت فريد وهو يهتف بفرح: - أنا جيت أعموووو.
ليندفع الى هشام الراقد فوق فراشه يقبله، فاحتواه هشام بين ذراعيه، ليسمع صوت منال الذي كان يقترب منهما وهي تنهر ابنها قائلة:
- فريد عيب كدا، كم مرة أنا قايلة ما نقلقش عمو، عيب!
استكان فريد بين أحضان عمه الذي قال بابتسامة: - مش مهم يا منال، أنا بكون مبسوط اوي وهو جنبي، وأنا الحمد لله بئيت كويس.

فريد بطفولية وهو ينقل نظراته بينها وبين عمه: - عاوزة أقعد معاه كتير، انت مش قلتي انهرده اننا هنرجع شقتنا تاني؟!
فرفع هشام رأسه كالقذيفة ناظرا الى منال بذهول وغضب بينما قالت منال وهي تهرب بعينيها من نظرات هشام التي تطلق شرارات من لهب:.

- أيوة يا حبيبي، هنرجع لبيتنا وترجع لمدرستك، مش أنا قلت لك انه شغلي هيكون محتاجني جامد الفترة الجاية وانا مش هقدر أروح وآجي كل يوم لأنه المكان هنا بعيد، بيتنا أقرب كتير...

تأفف فريد وعقد ذراعيه في حنق طفولي ليميل عليه هشام مستفهما: - انت مش عاوز تمشي يا فريد؟
فريد بثقة: - لا، أنا آه صحيح عمو أثامة (أسامة) يبقى صاحبي، لكن أنا هنا فيه جنينة بلعب وبجري غير انه تيتة موجودة وانت كمان يا عمو، لكن هناك مافيش غير عمو أثامة وطنط يايا (يارا) بس.

منال بلوْم: - احنا اتفقنا وخلاص يا فريد.
فتدخل هشام في الحديث الدائر بينها وبين ابنها لأول مرة قائلا ببرود: - أظن موضوع قعدتكم لوحدكم دا احنا انتهينا منه، ثانيا احنا نقلنا فريد خلاص من الحضانة بتاعته لواحدة قريبة من هنا، تالت حاجة ودا الأهم. حضرتك مش عايشة لوحدك عشان تاخدي قرار بالشكل دا من غير ما ترجعي لي فيه، أنتي ناسية أنه فريد يبقى ابن أخويا؟

تقدمت منال الى منتصف الغرفة حيث وقفت أمام الفراش وقالت بهدوء رافضة وضع عينيها في عينيه:
- مش ناسية، وبعدين السبب اللي عشانه جيت قعدت هنا خلاص ما عاد له وجود و...
قاطعها هشام ساخرا: - لا معلهش اسمحي لي. لو كانوا الاول بيتكلموا كلمة ويسكتوا، دلوقتي هيرغوا (يثرثروا) في 100 كلمة وكلمة ومش هيسكتوا. أبسط حاجة هيقولوا ليه سابت جوزها في ظروف زي دي؟

قطبت منال في توجس وحيرة، ليقول هشام لفريد: - فريد حبيبي روح اعمل ال home work لغاية ما أخلص كلام مع ماما عشان نلعب مع بابا ال game الجديدة اللي نزلت...

سرعان ما أومأ فريد بنعم وانطلق لتنفيذ ما أمره به عمه والذي التفت الى منال قائلا بعد أن سحب نفسا طويلا:
- ممكن أعرف ايه السبب اللي خلاكي عاوزة تمشي؟ ويا ريت بصراحة.
رطبت منال شفتيها قبل أن تجيبه بثبات نسبي: - بصراحة يا هشام حاسة انه حياتنا اتلخبطت جامد الفترة الاخيرة دي، عاوزة أرجع أعيش حياتي الهادية قبل كل دا ما يحصل، وانت كمان المفروض تشجعني، لكن أكتر واحد حياته اتلخبطت كان انت.

هشام بهدوء مع صمت دام لثوان: - مين اللي قالك انه حياتي اتلخبطت؟ مش يمكن العكس!
قطبت منال مستفهمة: - ازاي؟
هشام بابتسامة: - كانت متلخبطة أساسا ودلوقتي بتتصلّح!

طالعته منال رافعة حاجبها الايمن بريبة، فأردف هشام بترضية: - شوفي يا منال من الآخر كدا عشان ترتاحي والكل يرتاح، عيشة لوحدك انت وفريد مش هيحصل، وانسي انه ماما تروح تعيش معاكم، وخروج من البيت دا مرفوض، دا بيتك وبيت فريد، ولو على ارتباطنا ببعض فأنا – وضغط على نفسه مجبرا لسانه على نطقها – فأنا أوعدك انه ما فيش حاجة هتتغير خالص، هنعيش زي ما احنا متعودين. اطمنتي؟

ارتاحت أسارير منال وقالت بنعومتها: - اذا كان كدا. يبقى ارتحت أكيد.
ثم استأذنت قائلة: - أنا طولت عليك، أستأذنك أنا بقه، ومش هخلي فريد يضايقك عشان تعرف تنام شوية.
هتف هشام نافيا: - لا لا لا، خليه ييجي يقعد معايا لو عاوز. أنا مش هنام دلوقتي خالص.
لتمنحه منال ابتسامة رقيقة قبل ان تنسحب بينما ركز هشام برأسه على الحائط مراقبا انصرافها ليهمس بضيق وتعب:.

- عاوزة ترجع بيتها! مجنونة دي أكيد! أنا ما صدقت بئيت جنبي، أسيبها تبعد؟!

وشرد يفكر في حياته التي انقلبت رأسا على عقب منذ دخول تلك الجميلة الناعمة فيها، لتسبغ على أيامه مذاقا خاصا. لن يفرّط فيه أو فيها مهما حدث وسيقف أمام أي خطر يهدد ذلك الشعور الوليد الذي يشع به وهو يتضخم بسرعة جمّة، وهو لا ينوي ايقافه بل ينوي ترك الفرصة له ليقوي جذوره ويكبر ويترعرع، حتى لو وقف أمامها هي شخصيا. فحياته الحقيقية قد بدأت يوم أن وقعت باسمها بجانب اسمه في عقد الزواج، وهو أكثر من سعيد بها ولن يتنازل عنها أبدا مهما كان أو. يكون!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة