قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية إلا أنت (نساء متمردات ج3) للكاتبة منى لطفي الفصل الثامن والثلاثون

رواية إلا أنت (نساء متمردات ج3) للكاتبة منى لطفي الفصل الثامن والثلاثون

رواية إلا أنت (نساء متمردات ج3) للكاتبة منى لطفي الفصل الثامن والثلاثون

نزلت الى الطابق السفلي، وقد مرّ وقت طويل منذ سمعت صوت السيارة، تقدمت ناحية غرفة المكتب تتلمس خطواتها في الظلام، فتحت الباب وهي تناديه برقة بينما قدماها تتقدمان الى الداخل ويدها تفتش عن قابس النور فأشعلته، لتدور بعينيها في المكان حتى استقرتا عليه وهو يجلس على الكرسي خلف المكتب، لتقترب منه حتى وقفت خلفه ومدت ذراعيها تطوق عنقه وهي تميل عليه هامسة بحنان ورقة:.

- قلقتني عليك اوي، حمد لله على السلامة حبيبي.
أجابها دون أن ينظر اليها: - الله يسلمك.
دارت حوله لتركع على قدميها أمامه وتمد يديها تحيط بهما وجهه وهي تقول بهمسها الناعم:
- طمني يا حبيبي، عملت ايه؟
زفر أدهم بعمق قبل أن يقول بجمود: - هي في المستشفى حالتها خطر، وهو محدش عارف مكانه فين!
ريتاج بدهشة: - ايه؟ مستشفى!

اعتدل أدهم ونهض من مكانه لتحذو ريتاج حذوه بينما ابتعد عنها ووقف موليا لها ظهره وهو يشرح بجمود:
- أول حاجة فكرت فيها اني أروح لهم بيتهم، قلت يمكن يكون رجع أو هي تكون عارفة راح فين، اتفاجئت بالسكيورتي بيقولي انه عربية الاسعاف جات اخدتها بعد ما وقعت من طولها، اخدت منه عنوان المستشفى وروحت هناك، قابلت الدكتور اللي قالي على حالتها بالظبط.

ريتاج وهي تدنو منه حتى وقفت خلفه تماما وبتقطيبة بين حاجبيها: - وايه هي حالتها يا ادهم؟

التفت اليها يطالعها بهدوء لثوان قبل ان يجيبها ببرود قائلا: - كانت بتشتكي من قلبها من فترة طويلة، والدكتور قالها انها لازم تعمل عملية قلب مفتوح لأنه التأخير مش في مصلحتها، لكنها كانت خايفة عشان ابنها اللي ميعرفش اي حاجة عن حالتها الصحية بناءا على تشديدها على الدكتور بتاعها. وانهرده تقريبا بعد اللي حصل بينها هي وراندا انفعلت وما استحملتش، الدكتور قالي انه الشغالة بتاعتهم اللي كلمته عشان يروحلها بعربية الاسعاف قالت له انهم سمعوا صوت ابنها بيصرخ جامد خرج بسرعة بعدها وهي قعدت تنادي عليه وفجأة وقعت مغمى عليها!

نفخ أدهم بضيق وتابع قائلا: - طبعا حالتها ساءت جدا، والدكتور قالي انه العملية لازم تتعمل بأسرع وقت، هي حاليا في العناية المركزة، بس المشكلة انها رافضة تعمل اي حاجة بعد ما فاقت الا لما تطمن على ابنها الاول!

ريتاج بذهول وشفقة: - مش ممكن، معقول كل دا حصل؟

أدهم بأسف: - أومال انتي فاكرة ايه يا ريتاج؟ اللي حصل مش سهل ولا بسيط، واللي حصل دا مش من انهرده الصبح لما راندا راحت لها. لأ! اللي حصل. حصل من زمان، من تلاتين سنة تقريبا، ودلوقتي مش هي لوحدها بس اللي دفعت تمن روحها اللتي اتشوهت نتيجة للي حصلها زمان، لأ. وابنها وبنت أختي. اللي كانت سبب من الاسباب في اللي حصل زمان، اتنين مالهومش ذنب. دفعوا تمن ضعف وانانية وسلبية أهلهم.

ريتاج وهي تمسك بساعده تتطلع اليه بحنان وشفقة: - اهدى يا أدهم يا حبيبي، انا معاك انه فيه لخبطة حصلت، بس خلاص انت بنفسك قلتها. منقدرش نرجع الزمن تلاتين سنة لِ ورَا، اللي حصل. حصل، ورندا ونزار اتجوزوا وخلفوا وعاشوا حياتهم وهي كمان اتجوزت وربنا رزقها بابن، وأصبح ليها حياتها هي كمان، يبقى...

التفت أدهم وهو يصيح بقوة: - يبقى اللي عمل حاجة لازم يتحمل تبعاتها للآخر!
قطبت ريتاج وهي تتساءل: - يعني ايه يا أدهم؟
أدهم بصلابة: - يعني نزار غلط لما هرب من مشاعره ناحية الطالبة بتاعته، فخطب واحدة كل ذنبها انها وافقت عليه، وأهلها شافوه زوج لابنتهم، حطوا ايدهم في ايده، وميعرفوش انه هيأذي بنتهم وهتبقى روحها مشوهة!

تابع أدهم بقوة وهو يشير بيده: - وراندا غلطت لما ما بعدتش عنه، المفروض واحد خطب، ودبلته واسمه لواحدة تانية كانت احترمت دا. لكن اللي حصل لعب عيال! بمنتهى الانانية كانت بتضرب على نقطة ضعفه ناحيتها، على مشاعره بيها، لغاية ما انفجر كل شيء، ساب خطيبته، وخطب غيرها، تلميذته، تفتكري دا كان وقعه ايه على سهام وهي بتشوف خطيبها والانسان اللي وافقت عليه واحبته باعترافها هي لراندا وهو سابها عشان واحدة تانية!؟ كان ممكن الموضوع يعدي، كتير خطوبات بتفشل، لكن لما يخطب فجأة بعد فسخ خطوبتها بوقت بسيط، وتطلع معهم في الكلية، أكيد دا سبب لها صدمة، والصدمة دي للاسف خليت نفسها مريضة بالحقد والكره وحب الانتقام، فحياتها ضاعت من غير ما تحس بحلاوة أيامها مع راجل تاني، بشهادة الجميع كان راجل مافيش منه اتنين، سواء في اخلاقه او كرمه او طيبته، وابنها. اللي انا متأكد انه سبب رئيسي لحالته النفسية وانطوائه وعزلته من صغره يرجع ليها هي. أمه، ما هي نفسها معطوبة يبقى هتطلع ابن سليم ازاي؟

ريتاج بحزن: - انت عرفت عن جوزها؟
ادهم وهو يسحب شهيقا عميقا: - وانا بجمع معلومات عن معتز ابنها، بعد ما عصام صارحني بقلقه منه، وعرفت من ريما انه والدته كانت زميلة لنزار، جمعت معلومات عنه، وعرفت كل حاجة عن العيلة دي. وللأسف تطلع اختي انا وجوزها السبب في التشوّه اللي حصل للست دي في حياتها.

قاطعته ريتاج مشفقة عليه من انفعاله الواضح: - اهدى بس يا حبيبي، انا معاك انه نزار غلط وراندا كمان.
قاطعها هاتفا بقوة وعيناه تنظران اليها بلوم وعتاب كبير ممزوج بخيبة أمل واضحة: - وانتي!
توسعت حدقتي ريتاج وقالت بدهشة مشيرة الى نفسها: - أنا!

ادهم وهو يشير اليها بسبابته وبكل ثبات: - ايوة يا تاج أنتي!، تقدري تتخيلي منظري انهرده وانا واقف أسمع من أختي أنا – مشيرا الى نفسها متابعا بحرقة – اللي حصل زمان؟ لا ومش بس كدا، مراتي كمان كانت عارفة! ما قلتليش ليه؟ وانا اللي فخور اني قدرت أحافظ على أمانة والدي الله يرحمه، وقدرت أربي أخواتي ويطلعوا حاجة تشرف عيلة شمس الدين، ويشرّفوا الاسم اللي شايلينه، اتضح لي أني كنت غلطان! أنا طول الوقت دا وأنا نايم على وداني، وأختي بتخرب بيوت ناس ومراتي عارفة وساكتة!

ريتاج وقد بدأت تقلق على حالته الصحية فقالت محاولة تهدئته: - يا ادهم انت ربيت اخواتك احسن تربية، وحافظت على أمانة والدك الله يرحمه، اللي عملته راندا دا كان بالنسبة لها حرب مشروعة لانها في نظرها سهام هي اللي اخدت حاجة مش ليها، الموضوع ما كانش أكتر من انها بترجع الصورة لمكانها الصح!

أدهم بمرارة: - باللعب بمشاعر الناس؟

ريتاج بصبر: - رندا مالعبتش بمشاعر حد، ولعلمك بقه لما نزار خطب سهام هي مرت بظروف نفسية وحشة جدا، لانها بتحبه وعندها يقين انه فيه مشاعر من ناحيته ليها، اللي كان مجننينها ليه؟ عشان كدا قالت هي هتقرب بس بصورة مش ملحوظة، وتشوف رد فعله، لو لاقيته عادي كانت هتبعد لكن لو لاقيته مهتم فعلا زي ما هي حاسة، هتفضل وراه لغاية ما يعترف بمشاعره دي، ما كانش قصدها أبدا انها تفسد حياة غيرها، هي كانت بتحافظ على حياتها هي وهو، ولعلمك أنا كنت معارضاها، وقلت لها طالما اختار واحدة تانية يبقى اختار حياة جديدة، يعني تبعد عنه، بس هي رفضت كلامي.

ادهم بقوة: - كنتى لازم تقوليلي!
ريتاج بتعب: - اقولك ايه بس يا ادهم؟ اولا وقتها احنا كنّا زي القط والفار تمام ولّا نسيت؟ بعدها حصلت المحنة اللي مريت بيها، وفجأة جوازنا وحياتنا اللي كانت مهددة اننا نسيب بعض، وفي وسط دا كله هما اتخطبوا، بعد ما أجلوها عشاني لغاية ما المحنة مرت بالسلامة، أقولك ليه بقه اذا كانت سهام نفسها وقتها كانت فعلا اتكتب كتابها على راجل تاني؟

أدهم بريبة: - ايه؟

تنهدت ريتاج بعمق وقالت: - ايوة يا ادهم، ورندا عرفت من الكلية، يعني سهام ارتبطت قبل ما رندا ونزار خطوبتهم تتعمل، ممكن تقول انها حبيت تبين لنزار انها اتخطته بسهولة، لكن من الواضح انه محصلش بدليل حقدها السنين اللي فاتت دي كلها، لو كان فيه حد أفسد حياتها وشوّه نفسيتها يبقى هي يا ادهم! هي اللي النار مسكت فيها لما اتفاجئت بنزار هو كمان وهو بيخطب وبيعيش حياته، يعني هي اللي دمرت نفسها بنفسها، كرهها وحقدها وغيرتها العامية ورغبتها المريضة في الانتقام اللي شوّهوا قلبها. هي استكترت على نزار انه يعيش حياته، في الوقت اللي هي فعلا كانت ابتدت حياة تانية خالص مع راجل تاني، لو كان فيه جاني هنا يبقى هي. هي اللي افسدت حياتها وحياة ابنها واللي انا متأكدة منه انه جوزها أكيد كان حاسس انه فيه خلل في حياتهم، لانه من الواضح انها مقدرتش تتخطى حبها لنزار، فبالتالي مقدرتش تحب ابو ابنها، وأكيد هو كان حاسس بكدا، والمؤسف في كل دا انه. مات! يعني مش هتقدر تعوضه تقصيرها في حقه، دا غير ابنها اللي سمع بودانه اعتراف امه بحبها لواحد تاني. يعني اصبحت في نظره خاينة، بعد دا كله هتقولي مين السبب. هقولك لو نزار وراندا 50% يبقى هي ال 50% الباقية!

ادهم وهو يشيح بيديه: - مش عارف، انا بئيت متلخبط، بس اللي انا متاكد منه حاجة واحدة. انه فيه واحدة راقدة بين الحياة والموت الست دي كانت لعبة في ايد جوز اختي زمان، انت قلتيها بلسانك مقدرتش تتجاوز حبها ليه، وهي احبته لما ارتبطوا، يعني تيجيبيها كدا، توديها كدا. نزار يتحمل نسبة كبيرة اوي من اللي حصل، كان يقدر يهرب من مشاعره إلى واضح انه كان خايف ينساق لها بأي شكل تاني، حتى لو كان استقال او هاجر، لكن انه يستغل واحدة تانية كحاجز ضد مشاعره دي. اكبر غلط!

ريتاج بموافقة: - تمام، بس انا مش عاوزاك تحط اللوم كله على راندا ونزار، انا عارفة انك مثالي زيادة عن اللزوم، بس كل واحد بيدفع نتيجة افعاله!

هدر ادهم بغضب: - اللي هيدفع ناس مالهومش ذنب! ولادهم هما اللي بيدفعوا التمن!
تاج برجاء: - يا ادهم اهدى شوية مش ممكن كدا، لو عليها هي. فقلبها اساسا تعبان على كلام الدكتور، وابنها هنلاقيه ان شاء الله، هو دا المهم دلوقتي. أما بقه. ريما.

وسكتت فقطب ومال عليها متسائلا: - مالها ريما؟
ريتاج بزفرة تعب: - عاوزة تقدم الفرح. بس عصام.
ادهم بشك: - تقدم الفرح ليه؟ وعصام ماله؟
ريتاج وهي تنظر اليه وباستسلام: - عصام رفض يا ادهم!
ادهم بذهول: - ايه؟
تاج بأسف: - زي ما قلت لك، عصام رفض، وطبعا مهدي هاج، غير حالة الانهيار اللي دخلتها راندا لما عرفت انه بنتها عاوزة تقدم الفرح عشان مش قادرة تشوفها هي ونزار...

ادهم بصدمة: - هو ايه اللي بيحصل دا؟
ثم نظر الى ريتاج متابعا بمرارة: - شوفتي يا تاج، حتى لو سهام غلطانة ومريضة زي ما بتقولي، يفضل انه ليها حق في رقبة نزار، والحقوق بتخلص يا تاج، ولو طال الوقت. داين تدان!

ثم زفر بيأس قبل أن يتراجع الى الخلف حيث ترك نفسه يسقط جالسا على الاريكة وقال وهو يضع رأسه بين راحتيه:
- مش عارف أعمل ايه، أو أتصرف ازاي؟
لم تستطع ريتاج رؤية حبيبها وهو بمثل هذا اليأس، لتتقدم منه، تجثو على ركبتيها أمامه، تمد يدها لترفع وجهه اليها، تنظر اليه بمنتهى القوة لتقول بعدها:.

- انت كبير عيلتك، أمرك نافذ على الكل، اللي تحكم بيه محدش هيقدر يراجعك فيه، أنا يمكن غلطت. بس غلطة مش مقصودة، وراضية باللي تعمله، لكن اللي مش ممكن هرضى بيه اني أشوفك كدا. تعبان ومهموم وحيران. أدهم، انت عماد العيلة دي، احنا كلنا بنتقوى بيك انت. مينفعش تضعف يا حبيبي، مقدرش اشوفك بالحيرة دي كلها. انا جنبك ومعاك في اي قرار تاخده. المهم انك متبقاش بالحيرة دي، صعب عليا اوي اشوفك كدا.

نظر اليها أدهم وهمس: - اتعصبت عليكي وجيت عليكي جامد. مش كدا؟
ريتاج وهي تقترب منه لتحيط عنقه بيديها هامسة أمام وجهه والصدق يشع من مقلتيها: - مش مهم، لو دا هيريحك أنا راضية، موافقة أكون متنفس غضبك، بس متعملش في نفسك كدا، ما تقساش (لا تقسو) عليها بالشكل دا...

لتحتويه بعدها بين ذراعيها فيحتضنها بقوة دافنا انفه في عنقها، بينما اناملها تداعب خصلاته القصيرة التي اختلط بها اللون الابيض مما زاد في جاذبيته المهلكة...

بعد فترة. رفع رأسه ونظر اليها هامسا بنظرات ثابتة أثلجت صدرها فها هي حيرة حبيبها قد انجلت وعادت تلك النظرة الواثقة القوية تحتل رماديتيه:
- طول ما انتي جنبي. وانا عمري ما أضعف، لانك بتسنديني على طول.
ابتسمت ريتاج وقالت: - وهفضل دايما جنبك ووراك وحواليك، مش هسيبك لحظة واحدة. المهم دلوقتي، ليا عندك رجاء.

قاطعها أدهم وهو يهز برأسه الى الاسفل والاعلى: - عارف. رندا!
ريتاج مؤكدة: - متتصورش حالتها شكلها ايه، من جهة ريما واللي عملته ومن ناحية تانية انت وخوفها انك تزعل منها، وانت عارف رندا بتحبك أد ايه ومتعلقة بيك ازاي.

ابتسامة خفيفة زينت ثغره قال بعدها: - عارف، بس كان لازم الكلام اللي قلته ليها ولنزار، يمكن كنت قاسي شوية، بس كان لازم حد يحطهم قودام مراية، عشان يعرفوا غلطهم فين، ويحاولوا يصلحوه!

ريتاج بغير فهم: - يصلحوه ازاي؟
ادهم بصبر: - في معتز! ابنها اللي مالوش اي ذنب، وعلى فكرة هي مش اللي حطيته في طريق ريما، هو الولد اللي انشد لها، وانتي عارفاها طيبة جدا وشخصيتها سلسلة وبسيطة والكل بيرتاح لها، وكأن القدر حب يخليهم هما التلاتة (سهام ونزار وراندا) يكفروا عن غلطهم زمان، لازم نلحق ابنها، لانه مالوش ذنب في اللي حصل دا كله!

ريتاج بتساؤل: - طيب. وريما؟
أدهم بهدوء: - ريما احنا حواليها، دا غير عصام طبعا.
ريتاج بحيرة: - والفرح اللي عصام مش عاوز يقدمه زي ريما ما طلبت؟
ادهم باستفهام: - مش عاوز يقدمه ولّا لغاه خالص؟
ريتاج بتفكير: - مش عارفة يا ادهم، لكن اللي انا متأكدة منه انه عصام كان جواه غضب رهيب بيحاول يتحكم فيه بصعوبة، عشان حالة ريما.

زفر ادهم عميقا ثم قال وهو يحتضن ريتاج: - كل شيء هيتصلح ان شاء الله. لما كل واحد يعرف غلطه ويعترف بيه نبقى كدا ابتدينا اول خطوة، والبقية تأتي.

في فيلا محمود ومها. غرفة الضيوف.
لم تستطع رندا ترك ابنتها والعودة الى منزلها، ليعرض عليها محمود قضاء الليلة لديهم هي ونزار والذي وافق مكتفيا بهزة رأس في صمت تام، فيما تبدو علامات الصدمة واضحة جلية عليه، ففي غضون ساعات انقلبت حياته الهادئة رأسا على عقب وكأن اعصار تسونامي قد ضربها!

جلست رندا على طرف الفراش بكامل ثيابها وكانت مها قد أعارتها بعضا من ملابسها، بينما جلس نزار على الطرف الآخر المقابل لها، وقد أولى الاثنان ظهرهما لبعضهما البعض...

قال نزار كمن يكلم نفسه بينما راندا تمسح براحتها دموعها الصامتة: - أنا حاسس اني بحلم! لا مش حلم، دا كابوس رهيب!
رندا بصوت خنقته غصات البكاء الحار: - بنتي كرهتني يا نزار. ريما مش طايقاني. تتخيل انها تطلب من عصام يقدموا فرحهم بس عشان مش عاوزة تقعد معنا؟، معقول كرهتنا بالطريقة دي؟

نزار بجمود: - الغلط غلطي انا من الاول، وهي اللي بتدفع التمن دلوقتي، هي ومعتز مالهومش اي ذنب.

هبّت رندا واقفة وهي تهتف بحرقة عالية: - بس ماتجيبش سيرته تاني، هو السبب في اللي حصل.
نهض نزار ملتفتا اليها وطالعها للحظات قبل ان يقول بغموض: - بس مش هو اللي قلّب في الدفاتر القديمة يا راندا!
قطبت راندا: - قصدك ايه؟
دنا منه وهو يقول: - روحتي لها ليه يا راندا؟ ومن غير ما تقوليلي كمان!

راندا بسخط: - رايحة عشان ابعد ابنها عن بنتي، كفاية اوي اللي حصل لنا ايام اللي اسمه ممدوح دا، وانت عارف ريما كويس اوي زي ما انا عارفاها، قلبها الطيب هو مشكلتها الازلية، دا غير انه كان جوايا شك انها هي اللي تكون زقّاه (دفعت به) في طريق ريما.

نزار ساخرا: - غلط يا شارلوك هولمز، سهام لما جات لي اول مرة كانت صريحة جدا في كل حاجة تخص ابنها حتى مرضه النفسي، لو كانت فعلا مخططة يبقى من الاحسن لها اني معرفش حاجة عن حالته الصحية وخصوصا لو كان مرضه نفسي، لكن هو اتقرب من ريما بحكم الزمالة، وزي ما قلتي بنتك مشكلتها في قلبها الطيب، اللي حصل انها اتعاملت معه غير الباقيين، حاسسته انه مافيهوش حاجة ناقصاه، لدرجة انه التأتأة اللي في كلامه كانت فعلا ابتدت تختفي. مشاعره لبنتك اللي بتقولي عليها سهام مالهاش دخل بيها، يمكن حاولت تستغل دا بعدين عشان مصلحة ابنها، لكن في الاول والآخر هي أم وعاوزة مصلحة ابنها، يمكن لاقيتها كمان فرصة انها تنتقم من اللي عملناه فيها زمان.

رندا بذهول وغضب: - انت بتحامي لها! مش ممكن! بعد دا كله ولسّه بتطلع لها اعذار؟
نزار بصوت قوي النبرات: - انا مش بطلع اعذار، لكن للأسف كلام أدهم أخوكي كله كان صح!
راندا باستغراب: - ايه؟

نزار بجمود: - ايوة يا راندا، لو كان فيه شخص مسئول عن كل الفوضى اللي حصلت دي فهو. أنا! ضعفي وسلبيتي زمان هما اللي خلوني أستغل واحدة ما أذتنيش في شيء عشان أهرب بيها من مشاعري ناحية تلميذتي اللي بيني وبينها فرق 15 سنة...

قاطعته رندا بدهشة: - انت ندمان يا نزار؟ بتلوم نفسك انك سيبتها وخطبتني؟

لتردف بقوة: - اللي حصل دا بيحصل عادي على فكرة، مش انت اول ولا آخر واحد يكتشف انه مش بيحب خطيبته فبيفضل انه ينفصل عنها، بالعكس بقه انت رحمت نفسك ورحمتها من علاقة زواج فاشلة. ودي حاجة تتحسب لك، هي اللي سابت نفسها للحقد والكره يملاها، ماشافتش انه ربنا عوّضها بزوج طيب وابن، كل اللي كان قودامها انك اتجوزتني انا التلميذة بتاعتك، معنى كدا اني خطفتك منها، متعرفش انه مكانها اللي جنبك دا مكاني أنا.

سكتت تلهث لثوان اردفت بعدها بخفوت: - مكاني جنبك يا نزار، قلبك اللي اختارني ورفضها، مش من العدل ندفع تمن حاجة ما قصدنهاش، حتى لو كنت غلطت فغلطة مش مقصودة، انت ما تعمدتش انك تأذيها، ما تحمل نفسك فوق طاقتها يا نزار.

دنا منها نزار حتى وقف امامها تماما ليقول بتساؤل وهو يمسك بكتفيها: - يعني مش ندمانه انك اتجوزتي من واحد ضعيف وسلبي و...
لم تتركه يكمل عباراته، إذ سارعت بوضع يدها على فمه وهي تهتف فيه تنهره: - اوعى. اوعى تقول على نفسك كدا، انت راجل يا نزار. سامعني؟ انا جوزي رااااجل، واللي حصل دا مش اكتر من خطأ غير مقصود، ومين فينا مش بيضعف ويغلط، احنا كلنا في الأول والآخر بشر. مش ملايكة يا حبيبي!

لثم راحتها التي تغطي فمه قبل أن يمسك بها يبعدها وهو يقول بأسف: - بس أدهم.
قاطعته راندا بجدية: - أدهم الكلام اللي قاله نتيجة صدمته من اللي عرفه، لكن انا متأكدة انه عمره ما هيتغير من ناحيتك أبدا، أدهم مشكلته كلها انه حقّاني اووي، وانا متأكدة انه تاج هتقدر تهديه. وتخليه يفكر تاني في اللي حصل.

سكتت تردف بعدها وعيناها بدأت تظللهما غشاوة رقيقة من الدموع: - بس. ريما يا نزار.
احتواها بين ذراعيه وقال مؤكدا: - هنقعد معها ونفهمها كل حاجة، اللي حصلها دا من تأثير الصدمة، لكن أنا متأكد انها لما تسمعنا هتفهم وتقدر.

في غرفة عصام
جلس عصام واسلام ومراد بعد ان انصرف مهدي وهو يرغي ويزبد أنه لن يترك أخته هنا وسيعمل على أخذها لبيته، وما جعله يصمت عن بقائها هو وجود والديه في نفس المكان.

اسلام وهو ينفخ بضيق: - يعني انا دلوقتي عوز أفهم. انت كنت هتموت وتتجوز ريما في أسرع وقت، يبقى لما تيجي هي بنفسها وتقولك عوزة تقدم الفرح ترفض؟

نظر اليه عصام وقال ببرود: - أنا مش محطة هروب عشان تستخبى فيها يا اسلام، لو ف وقت تاني كنت هفرح واقول انها هي كمان ملهوفة على جوازنا زيي، لكن ريما مش في حالتها العادية دي نمرة 1، وانا مش ممكن أستغل الحالة اللي هي فيها، نمرة 2 انه فيه حاجات لازم أحط فيها النقط على الحروف وأولها. علاقتنا ببعض!

اسلام مقطبا: - مش فاهم!
نهض مراد وتقدم من عصام الواقف يستند بجذعه الى سطح المكتب من خلفه: - لكن انا فاهم.
ثم نظر الى عصام متابعا: - انت قصدك خروجها مع معتز وانها راحت تشوف والدته من غير ما تقولك!
عصام وهو يقبض على يديه بقوة وبصوت خرج بصعوبة من فرط غضبه المكتوم: - بيته يا مراد! ريما راحت بيت واحد بيحملها شعور معين، وانا حذرتها قبل كدا انها تبعد عنه خالص، عرف معنى اللي عملته ايه؟

اسلام وهو يتجه اليه: - معاه ايه يا عصام؟
عصام بابتسامة ساخرة: - اني مش فارق معها خالص! انا ما رضيتش أتكلم ولا ألومها أو أعاتبها، وقلت مش وقته دلوقتي، بعدين لما الحالة اللي هي فيها دي تعدي، لكن لما لاقيتها بتطلب تقديم الفرح ما قدرتش اوافق! يا ريتني أقدر أتأكد انه طلبها دا عشان تكون معايا فعلا. مش بتهرب من مواجهة عمتي راندا وعمي نزار.

تنهد مراد باستسلام وقال: - فاهمك ياعصام، وانا اكتر واحد حاسس بيك – وقد تذكر تلك الفترة الاليمة التي انفصل فيها عن همس بعد سوء الفهم الذي حدث بينهما عندما رآها وهي تصعد ال بناة سكنية برفقة اسامة زوج يارا وخطيب همس سابقا! - بس خلي بالك، ما تقساش اوي يا عصام، ريما دلوقتي بتمر بمحنة وعاوزاك جنبها.

عصام بجمود: - وأنا مش هسيبها، لكن بعد اللخبطة دي ما تهدى، لازم لنا وقفة انا وهي، انا اكتشفت اني طول الوقت بضغط عليها، كل خطوات ارتباطنا تقريبا وانا إلى بدفعها، خطوبة وكتب كتاب حتى تحديد معاد الفرح، عشان كدا لازم وقفة، أنا هبعد واسيبها تفكر براحتها.

ثم نقل نظراته بين اسلام ومراد مردفا بأسف: - احنا محتاجين نبعد عشان نقرر صح، احيانا القرب بيكون زي الضباب اللي بيعمي. لكن لما بنبعد بنقدر نشوف الصورة اوضح. وقرارنا بيكون في محلّه وقتها!

ان كان أدهم يظن أن تلك الليلة الطويلة قد انتهت فقد تبيّن خطئه بعد انتهاء جلسته مع ريتاج وتحديدا قبل ذهابه لاخيه محمود، حيث جاءت الخادمة تخبره بقدوم ضيف له، وكان بحوزة هذا الضيف مفاجأة من العيار الثقيل!

جلس على إحدى الارائك في غرفة استقبال الجلوس، وهو يتلفت حوله، قبل أن يشرد فيما حدث اليوم عصرا، وعلى خلاف العادة يجد تسنيم وهي تقترب منه وتجلس اليه تسأله عما به؟ وعندما أخبرها أنه لا يوجد شيء، اعترضت قائلة أنه لم يتناول طعام الغذاء، بل أنه تحديدا ومنذ زيارة صديقه له منذ يومين وحاله قد تبدل، وبعد الحاح منها وجد نفسه يخبرها بقصة ممدوح وريما حتى خروج الاخير من المصحة فما كان منها الا ان أشارت عليه بأنه لا بد لريما وأن تعلم، ولكنه يعرف ان ريما متسرعة وقد تؤذي نفسها وتقوم بمخاطرة ما، كما أن عصام خطيبها علاقته به فاترة، لتنصحه تسنيم بالذهاب الى خالها أدهم، ففي المرات القلائل التي رأت فيهم ريما كانت تحدثها كثيرا عن خالها وكيف انه أقرب رجال عائلتها اليها على الرغم من أنه أكبرهم سنا!

وها هو الآن يجلس ف انتظار أدهم ليدلي اليه بما يحمله من انباء علّه يستريح بعدها، ولم يعلم أن الراحة ابعد ماتكون عنه!

دلف أدهم اليه وقد تذكره جيدا، فهو صديق لريما، بعد الجلوس والسؤال والتحية نظر فواز الى ادهم وقال بتلعثم بسيط:
- بصراحة يا ادهم بيه، انا جاي في مهمة تقيلة اوي، كنت اتمنى الاخبار اللي معيا تبقى احسن من كدا.

قاطعه ادهم بدماثة: - اتفضل حضرتك ادخل في الموضوع من غير مقدمات!
بعد ان انتهى فواز من القاء قنبلته نظر اليه ادهم في ذهول وقال: - انت عاوز تقول انه ممدوح خرج من المصحة والقضية اتقفلت، وعاوز يرجّع كل حاجة زي ما كانت؟

فواز بأسف: - للأسف آه، ممدوح ما خفّش من حبه لريما، لدرجة اني اصبحت على يقين انه دا حاجة بتجري في دمه كدا، المشكلة انه مش بس عوز يرجع علاقته بريما لا. دا مصر انكم اللي ضغطتوا عليها انها تسيبه، وفي نظره انه دا معناه حاجة واحدة بس.

ادهم بريبة: - اللي هي؟
فواز بعد ان سحب نفسا عميقا: - انها لسّه مراته، حتى لو القاضي حكم بفسخ عقد الجواز، وهو ناوي يتمم الجواز بكل اصرار.

ادهم بتوجس: - بس ريما مكتوب كتابه فعلا على عصام، دا غير انها مش ممكن ترضى ترجع له ترضى حتى لو ماكانتش مرتبطة!

فواز بتلكؤ: - مش دا لو سألها في الأول؟
ادهم وقد توجس خيفة من معنى عبارة فواز: - بمعنى؟
فواز وهو ينظر الى ادهم وقد قرر القاء ما في جعبته دفعة واحدة: - بمعنى انه مش ناوي يسألها، ممدوح هيحط ريما قودام الامر الواقع!
ليقفز ادهم واقفا وهو يهدر بذهول مقترن بغضب عنيف: - ايه؟!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة