قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية إلا أنت (نساء متمردات ج3) للكاتبة منى لطفي الفصل التاسع والثلاثون

رواية إلا أنت (نساء متمردات ج3) للكاتبة منى لطفي الفصل التاسع والثلاثون

رواية إلا أنت (نساء متمردات ج3) للكاتبة منى لطفي الفصل التاسع والثلاثون

دلفت اليه لتجده وقد خلع سترته وربطة عنقه ورماهما جانبا، بينما فتح أزرار القميص الى منتصف صدره، وكفكف أكمامه الى المرفقين، تقدمت منه بهدوء ونادته بصوتها الناعم:
- مهدي!

ولكنه لم يلتفت اليها بل ظل واقفا أمام النافذة العريضة التي فتحها ليعبّ من هواء الليل العليل، اقتربت منه حتى وقفت امامه وقالت وهي تطالعه بزيتونيتيها بينما تضع راحتها على قبضته المضمومة والذي يستند لها على حاجز النافذة، وقالت بحنان:
- مهدي. هتتعب كدا، انت واقف بئالك كتير قودام الشباك والليلة دي هوا.
نظر اليها مهدي وقال بجمود: - هوا! اومال أنا مخنووق ليه؟

لبنى بتعاطف: - معلهش يا حبيبي، ان شاء الله كلت حاجة هتتصلح.
مهدي وهو يلتفت كلية اليها: - تتصلح! ه ايه دي اللي تتصلح؟ انتي فاهمه من اللي حصل حاجة؟ من ساعة ما خرجتنا مرات خالي وقعدوا الكبار سوا وانا مش فاهم حاجة، وخصوصا رد فعل ريما لما شافت ماما، اللي فهمته انه الست دي اللي راحت لها كانت زميلة لبابا زمان، وهي السبب في حالة ماما وريما، لكن ايه اللي حصل زمان بقه ومش عاوزينا نعرفه؟

لبنى بصبر: - معلهش، اكيد هنعرف، وبعدين مش مهم ايه اللي حصل، المهم نساعدهم ازاي، شوفت حالة طنط راندا وعمي نزار وريما متمسكة انها تفضل عند عمي محمود؟ ولا عمي ادهم الليه من ساعة ما خرج من غير ما يرد على حد فينا منعرفش راح فين، ولا عصام.

قاطعها مهدي وهو يتجه بخطوات قوية الى الفراش حيث القى بنفسه فوق طرفه جالسا وهو يقول بحدة:
- ما تجيبليش سيرته! دا كان هيتجنن عشان ريما توافق عليه، يبقى يوم ما هي اللي تطلب بنفسها تقديم معاد الفرح يرفض!

ثم اضاف متوعدا وهو يزم عينيه: - بس انا مش هفوّتها له. انه يكسر بقلبها في الوقت اللي هي محتاجاه فيه دا مش هيعدي بالساهل!!

اقتربت لبنى حتى جلست بجواره وقالت ببطء تخشى من غضبه الناري: - أيوة يا مهدي، بس من اللي عرفته انه ريما راحت مع زميلها دا بيته عشان تعزم أمه، ودا غلط، مهما كان هي مآمنا له، او واثقة فيه، وعصام من حقه انه يزعل ويتضايق، وبيتهيالي دا السبب انه رفض تقديم الفرح، وبعدين متنكرش انه حتى دي سكت ومالامهاش (لم يلومها) فيها، لكن هي مش محتاجة كلام، الواحد ممكن يقرا اللي بين السطور بسهولة!

مهدي بلهجة خطرة: - انت بتدافعي عنه يا لبنى؟
لبنى بصدق: - ابدا والله، انا بس بوضح لك الصورة، عشان الواحد في غضبه ممكن ياخد احكام مش صح وانت وعصام علاقتكم قوية، متخسروش في لحظة غضب، وبعدين ممكن تجاوبني بصراحة. هي ريما ما غلطتش؟

مهدي بقوة: - غلطت طبعا! مين قالك ان اللي عملته دا انا هعديه بسهولة؟ انا لو كنت سِكت فعشان راعيت حالتها النفسية وعشان الموضوع ميكبرش، لكن حسابها معايا عسير اوي، مافيش بنت محترمة مهما كانت واثقة في اللي قودامها حتى لو خطيبها تروح له بيته، مابالك بقه لما يبقى البيه حيالله زميلها لا وحاطط عينه عليها كمان؟

لبنى بدهشة: - طيب طالما كدا، زعلان ليه من عصام وعمال تهدد وتتوعد؟
مهدي وهو يطالعها بتركيز بينما يرفع يده اليمنى امامها: - عشان دي اختي، ايدي دي زي ما تعاقبها على غلطها بتطحن اي حد يدوس على طرفها!

تابع بصدق واخلاص وابتسامة حانية تعتلي وجهه: - عشان انا اخوها، امانها وحمايتهاا بعد بابا، والمفروض انه جوزها عصام باشا يبقى كدا ودا اللي حصل، ريما فكرت فيه هو اول واحد، ولا حد فينا جه على بالها حتى ولا خالي ادهم، طلبها انهم يقدموا الفرح عشان عاوزة تكون معه، بتحس الامان جنبه، وهو حمار وغبي مفهمش كدا، وانا مش هفهمه. خليه لغاية ما يفهمها لوحده ووقتها هيندم لاني اللي اعرفه كويس اوي انه ريما اختي زي ما عمرها ما بتنسى حد وقف جنبها في ضيقتها كمان عمرها ما بتنسى ولا بتغفر لحد هي لجأت له وهو خذلها!

لبنى وهي تمسك يد مهدي المرفوعة امامها تقبلها ثم تقول برقة: - أناقلت لك قبل كدا اني بحبك اوي!
مهدي بحاجب مرفوع وباستغراب: - ايه لازمته الكلام دا؟
لبنى وهي تحيط عنقه بيديها: - وانت بتتكلم دلوقتي على ريما، حاسيت فيك بكمية حنان وقوة رهيبة، بجد يا بختها ريما بيك، انا بحسدها انه ليها اخ زيك.

مهدي بنصف ابتسامة: - تحسديها له ما انا معاكي، جوزك اقرب لك من اي حد. صح؟
لبنى بتأكيد: - اكبر صح! انت اهلي كلهم يا حبيبي. ربنا يخليك ليا يارب...
مهدي بابتسامة صغيرة وقد انحسر مزاجه النكدي قليلا: - ويخليكي ليا يا حبيبتي.
لتميل عليه لبنى تلثم ثغره في قبلة رقيقة رفعت راسها بعدها تهمس بحب يلمع بين مقلتيها:
- بحبك!
احتواها مهدي بين ذراعيه منبطحا فوق الفراش بينما توسدت هي صدره وهو يقول باعتراض زائف:.

- انا في ايه ولا في ايه بس يا لبنى؟ مش وقته خالص افكارك الوقحة دي!
لبنى بذهول: - وربنا ما فيه افكار وقحة، دا اعتراف بريء بالحب!
لينقلب مهدي بها فتكون هي فوق الفراش بينما يشرف هو عليها ليجيبها غامزا بمكر وقد تبدل مزاجه تماما:
- بس انا بقه مش بريء!
لبنى بتأنيب مصطنع: - مين بقه اللي افكاره وقحة دلوقتي؟
مهدي وهو يميل بوجهه عليها مسلطا عيناه على ثغرها المكتنز بينما انفاسه تلفح وجهها وبهمس خشن:.

- انتي متعرفيش ولّا ايه؟ الوقاحة عندي اسلوب حياة!
لتطلق ضحكة صافية رقراقة ولكنها لم تكتمل حيث اسكتها مهدي بأرق وأجمل وقاحة ممكنة!

قالت الجدة بقلق: - وبعدين يا بنتي؟
زفرت تسنيم بعمق قبل ان تجيبها قائلة: - ولا قبلين يا ستِّي، لما لاقيته مهموم بالشكل دا فضلت وراه لغاية ما قالي اللي قلتهلوك، وشورت عليه يروح لخال ريما، دايما كانت بتحكي لي عنه، وواضح من كلامها انه انسان عاقل وهيقدر يوزن الامور صح.

الجدة باهتمام: - طيب وما كلمتهوش تطمني؟
نفت تسنيم بهزة من رأسها وهي تقول: - لا، ما رضيتش، قلت خليه براحته، ولو انه القلق هيموتني، وفات يييجي تلات ساعات واكتر ولا جِه ولا اتصل!

وما هي الا لحظات حتى كان جرس الباب يتعالى قبل ان يصمت لثوان تبعها بعدها دخول الطارق كعادته دوما، فهو يقوم بفعل ذلك كتنبيه لوصوله، ودائما ما كانت تسنيم عندها تتسع ابتسامتها وتتعالى دقات قلبها فرحا بقدومه وزهوا وتيها بحبيبها، ذو الدم الحار والذي يراعي أبسط قواعد الادب والاحترام، حتى وان كان من اصحاب المكان.

دلف فواز الى الداخل وتقدم من جدته التي كانت تجلس الى تسنيم في الصالة الضيقة، حول الطاولة الخشبية المستديرة، بينما أمامهما يقبع كوبين من الشاي، حيث فرغ أحدهما الخاص بالجدة بينما الآخر تحول الى شاي مثلج وقد نسته صاحبته والتي انشغل عقلها وقلبها بمالك الاخير. وسؤال واحد يتردد في كليْهما. ترى أين هو وماذا صار معه؟

مال فواز عل جدته مقبلا لظاهر يدها وقمة رأسها فيما تهتف هي مرحبة بصوتها الدافئ الحنون:
- حمدلله على السلامة يا ضنايا.
فواز بابتسامة بالكاد تظهر مما يشي بمدى تعبه: - الله يسلمك يا حاجة.
نظرت الجدة الى تسنيم وقالت بلهجة متلهفة: - ياللا يا بنتي، قومي سخّني العشا لجوزك.
قاطعها فواز بينما كانت تسنيم تهم بالقيام: - لا يا حاجة مش قادر، انا جعان نوم بس. بئالي يومين ما دقتش طعم النوم.

لم ترغب الجدة بسؤاله عن السبب فلم تعلق إلا ب: - ربنا يهدي سرك يا بني، ويصلح لك الحال ويهدي لك مراتك.
نظر فواز الى تسنيم وقد شردت عيناه في هيئتها الجذابة بجلبابها المنزلي الاخضر ذو أفرع أزهار باللون النبيذي وكان يصل الى كاحلها، فيما تصل أكمامه الى المرفقين بثنية خفيفة الى الاعلى. وياقة مربعة كاشفة عن عنقها الحليبي...

قال فواز والذي انتبه لاستغراقه في تأمل تلك الفاتنة والتي يكمن سر فتنتها في براءتها الطفولية المتمثلة في نظرة عينيها التي تتهرب من تحديقه فيها، وحمرة الخجل التي تزين وجنتيها على نداء جدته له:
- ها؟ ايوة يا حاجة سامعك.
الجدة وقد انتبهت لحال حفيدها الغامض: - لا انت شكلك فعلا تعبان، ياللا يا تسنيم يا بنتي مع جوزك، تصبحوا على خير واشوفكم الصبح بأمر الله.

أفسح فواز الطريق لتسنيم والتي تقدمته بعد ان حيّت الجدة تماما كما يفعل فواز، وقد همست بشكرها للاخيرة لانها لم تفصح لفواز عن علمها بسبب ضيقه الفترة السابقة، لتهمس لها الجدة بالمقابل بأنها لم تفعل الا ما هو صحيح، فأسرار زوجها يجب ان تكون بينهما فقط! لترافقهما دعواتها لهما بصلاح الحال وقد اضافت بهمس لم يصلهما ترجو الله ان يزيل الغشاوة التي تضلل بصيرة فواز. ليرى ما تحمله له تلك الزهرة البريئة من حب هو كفيل باحالة حياته الساكنة الى أخرى مليئة بألوان الفرح والبهجة.

اتجهت الى المطبخ ما ان دلفا الى منزلهما وقد تركته ليغتسل ويبدل ثيابه، ولم تسأله ان كان يرغب بتناول طعام العشاء، فهو لم يكد يذق طعاما منذ أيام، لتقوم بإعداد شطائر سريعة وكوبا من عصير الجوافة الطازجة والتي كانت قد أعدته في وقت سابق اليوم، لتخرج تحمل صينية الطعام متجهة الى الصالة حيث الاريكة والتي اتخذها زوجها فراشا له منذ ليلتهما الأولى...

وضعت ما بيدها فوق طاولة صغيرة، وهي تقول لفواز والذي كان سبقها ويقوم باعداد فراشه:
- مش هتنام قبل ما تاكل الاول.
جلس على الصوفا وقال وهو ينفض الغطاء: - انت مش سمعتيني بقول اني جعان نوم؟ ماليش نفس.
جلست تسنيم بجواره بتلقائية لم تقصدها لتأتي جلستها ملتصقة به وقالت بعفوية وهي غير منتبهة لتصلبه المفاجئ:.

- دول ساندوتشات، مش جايبة محشي وبط عشان تقول مش قادر! وبعدين نومك هيبقى كله قلق عشان هتنام جعانن وهتلاقي نفسك بعد شوية صغيرة صحيت، لكن لما تاكل وتشبع هتنام للصبح يمكن من غير ما تتقلب كمان!

لو علمت تسنيم بطبيعة الجوع الذي ينهشه حاليا والصور التي تراءت له من محاضرتها المستفيضة والتي ألقتها بكل براءة عن فوائد النوم بعد اشباع الجوع لكانت فرّت من أمامه كالغزال الذي يهرب سريعا من مخالب النمر! فما ورد على عقل فواز بعيد كل البعد عن براءة محاضرتها تلك، بل ويندرج وبقوة تحت مسمى. التحرش اسما وموضوعا!

لم يستطع فواز الحديث فهو يغالب نفسه كي لا يقوم بتنفيذ مشورتها بحذافيرها، فالجوع الذي يكاد يقتله هو جوعه للنهل من معين جمالها البريء ويشكّ في أن يشبع منه يوما!..

مدّ يده وتناول إحدى الشطائر وقضمها وعيناه لا تزالان مثبتتان عليها، مما جعل تقطيبة خفيفة تعتلي محياها الجميل، بينما أفلتت دقة من دقات قلبها وسؤال بأمل ملهوف، أمعقول ما أراه في عينيه وأستشعره منه؟ هل بات أخيرا يشعر بي وبما يعتمر في قلبي من ناحيته؟ ، لترتسم ابتسامة واسعة على ثغرها الكرزي وتلمع عيناها ببريق يخطف الابصار، وفجأة.

كح كح كح، نوبة سعال قوية داهمت فواز والذي كان يلوك الطعام شاردا فيها وما أن رأى ابتسامتها ووميض عينيها حتى غصّ بطعامه بغتة لدرجة أن الهواء قد انحبس في قصبته الهوائية!

قفزت تسنيم من فورها ومدت يدها تلقائيا تناوله كوبا من الماء وهي تربت على ظهره بقوة قائلة بلهفة وقلق:
- اشرب، اشرب يا فواز.

تناول فواز من يدها كوب الماء ورفعه ليتجرّعه، في حين أكملت بصوت ملهوف بينما مالت عليه لتلمس خصلاتها الكستنائية وجنته الخشنة فيغمض عينيه مستنشقا وبعمق رائحته المسكرة، فيما لم تعي هي لما تثيره فيه من نوازع غير شريفة بالمرة، لتجهز على البقية الباقية من تمالكه لنفسه وهي تسأله بهمس كهمس العصافير بينما أنفاسها الدافئة تضرب وجهه فيخترق عبيرها أنفه حيث تغلغل عبر خياشيمه الى الاعلى، فيشعر بثقل في رأسه، وكأنه قد استنشق مخدرا من نوع قويّ. وليست أنفاسا أنثوية تنثر عبقا خاصّا، لا يماشيه أغلى وأثمن العطور في العالم!

طالعته تسنيم بقلق وهي في واد وذلك المهدد بالاختناق في واد آخر، وذلك نتيجة حبسه لانفاسه حيث يبدو كمن تناول شهيقا عميقا من نارجيلته حيث أضاف نوع معروف من المخدرات الى التبغ الذي يقوم بتدخينه، فلا يريد طرد هذا الهواء كزفير، فيتغلغل الى رأسه حيث يشعر بعدها بأن الأخير. خفيييف. كالريشة، وأنه لا يحمل همّا لشيء!

شعرت تسنيم بالقلق على فواز فهو يبدو كمن تجمّد في مكانه، لتربت بيدها الصغيرة على ظهره وهي تهمس بخوف واضح في نبرات صوتها وحيرة تجلّت في نظراتها الشفافة:
- فواز. مالك؟ حاسس بإيه؟ فيه حاجة حصلت في مشوارك انهرده؟
ولكنه لم يرد على تساؤلاتها الملهوفة والتزم الصمت المقترن بتلك النظرات الغريبة، لتهتف بحيرة ووجل:
- بس لو تفهمني! مالك يا حبيبي؟!

لتنطق بكلمة حبيبي. بكل حرقة، فانطلقت كالسهم لتصيب قلب فواز رأسا، وكأنه قد أفاق من سباته فجأة، لترتد رأسه الى الخلف، وفي أقل من الثانية كانت يده تمتد لتحيط بمؤخرة عنقها يسحبها بقوة ناحيته حتى كادت تقع ليضعها فوق ساقيه، فشرعت تسأل في ذهول:
- ايه يا...

ولكن، لم يُكتب لسؤالها الخروج من بين شفتيها، حيث تلقّاه فم فواز، والذي كان يلتهم شفتيها بالمعنى الحرفي للكلمة، وبينما تغوص أنامله داخل خصلاتها الناعمة، كانت الأخرى تتسلل لتحيط بخصرها، يعتصرها، ويضمها الى صدره، يحتويها بقوة لم تخلو من الحنان، وكأنه يريد اضافتها الى أضلاعه فتصبح ضلعا منهم، لا تفارقه أبدا!

نهض فواز وهو يحملها بين ذراعيه لتبعد تسنيم شفتيها عن فمه بقوة وتقول بأنفاس متقطعة:
- ف، فواز، أنت.
فواز وهو يمطر عنقها بقبلات ساخنة، بينما كان يدلف بها الى غرفة النوم حيث ركل الباب بقدمه ليغلقه، وسار ناحية الفراش:
- أنا خلااااااص، مش قادر أستحمل يا تسنيم، بجد، مش قادر!

وبكل رقة ونعومة تخالف عناقه الكاسح، وضعها بين أغطية السرير، ليقذف حذائه الى البعيد، ويميل عليها، فتحيط عنقه بذراعيها، وبينما تعلو شفتيها المنتفختين دليل هجومه القوي المباغت ابتسامة ناعمة، فيما تهمس باسمه وكأنها لا تصدق أنه هنا. معها، يعترف لها بأنه لم يعد بقادر على الابتعاد عنها، كان هو يهمس باسمها مرارا وتكرارا، بينما في داخله يعلم أنه لن يكون هناك سبيلا للرجوع أن أكمل فيما ينويه، فتسنيم بالنسبة له أصبحت ضرورة ملحة كالماء والهواء تماما، واليوم وهي تضغط عليه برقتها لتعلم الشيء الذي يسبب له الضيق والازعاج، ثم نصيحتها له بالذهاب الى خال ريما، والراحة التي شعر بها بعد أن ألقى الحِمل الذي كان ينوء به كاهله على كتفي أدهم، علم أن مقارنته بينها وبين الأخرى والذي أصبح لا يريد حتى ذكر اسمها، ظلم فادحا لتسنيمه، فهل يقارن الملاك بالشيطان؟ النسيم الرقيق بالاعصار القاتل؟

لم تكن سماح تلتفت مرتين اليه حينما كان يعاني من مأزق أو ضغط ما، بل كان جُلّ همّها هو ذاتها وفقط، أما صغيرته هذه، فعلى الرغم من انشغال باله اليومين السابقين بأمر عودة ممدوح، فقد لاحظ انطفاء بريق عينيها، وغياب البسمة عن وجهها البريء، والذي لم يكن يكلّ ولا يملّ من النظر اليه، وما أن رضخ لالحاحها الذي كان أقرب للرجاء منه الى السؤال، وأخبرها بالأمر، حتى شعر وكأن حيرته قد انتقلت اليها، لتشرد مقطبة جبينها لوهلة ليست بالقصيرة، ثم تهتف كمن وضع هدف الفوز في خصمه، بالحل الذي ما أن أخبرته به حتى تشكك بادئ الامر ولكن مع حماسها لم يملك سوى ان يقوم بما أشارت عليه به، فهو عامة لا يملك الا هذا الحل، ليكتشف أن صغيرته تملك من الفراسة والذكاء وبعد النظر الكثير الكثير، ما يجعل وضعها في كفة ووضع أي أنثى غيرها حتى وأن كانت تلك التي لا ريد تذكر حتى اسمها في الكفة الثانية ابخاس لحق صغيرته الجميلة الذكية، فمرتبتها تعلو فوق الأخريات، وعندما رآها تجلس بجوار جدته تطالعه بنظرات ملهوفة قلقة حتى ضربه اعصار مفاجئ. بأنه يريد معرفة كيف سيكون شعوره ان ترك لنفسه الفرصة كي ينعم بحبها الواضح للعيان؟ فقد فوجأ بأنه يريد هذا الحب، مخرسا أي صوت آخر كان يثبطه سابقا، عن فرق السن بينهما، وخوفه أن يدللها حد الفساد، ليكتشف أن خوفه لا وجه له من الصحة، فتسنيم ليست الأخرى. من آثرت أن تُحرم من فخر عريسها بها يوم زفافها، وأن ترى سعادته بزواجهما في عينيه، على أن تُحرم منه هو شخصيا. دلاله لها يكون واجب مقدّس. وقد يُحاسب أن تقاعس عنه!..

سمعت كثيرا عن الاحتواء، الدفء، العناق، لكن ما خبرته على يديه كان نوعا آخر من المشاعر التي هي على يقين من أنه لم يسبقها اليها انسان آخر، فلحبيبها فواز طريقة خاااصة جدا، يجعلها لا تكتفي منه أو من حبه، تلك هي. الطريقة الفوازية. حيث الذوبان حد الفناء، الانصهار حد الالتحام، أن يصبحا كتلة واحدة لا سبيل لفصلها، أن تذوب فيه بالكامل تماما كانحلال ذرات السكر في الماء. حتى تختفي، فلا يبقى لها أثرا بعد ذلك، ولكن، يظل مذاق السكر الحلو الذي يحمله اللسان دليلا على وجوده وقد التحمت ذراته مع جزيئات الماء قبل ان يجرفها الاخير ليخفيها تماما، كذلك الأثر التي خلفته لمساته على روحها قبل جسدها فكأنها به وقد وضع صكّ ملكيّته الابدية لها، بينما هي لم تسمع بعد ما يجعلها تتنفس براحة، فلا يزال لسانه لم ينطق بما شعرت به، وهي تلمس الجانب الايسر من صدره، حيث فوجئت بخافقه وهو يضرب بقوة وجموح، ومع كل لمسة منه كانت أنفاسه تتسارع ودقاته تتعالى، ليُسكت قلبها ذلك الصوت السلبي الصادر من عقلها الذي يخبرها أنه لم يعترف لها بعد بحبه، بكلماته القوية. بأنه يكفيه تلك النبضات التي تقافزت عاليا تماما كموج البحر الثائر في يوم عاصف، ما أن احتواها بين ذراعيه، دليلا دامغا أنها قد نجحت في الوصول الى قلب حبيبها، حتى وأن أبى لسانه الاعتراف، ففؤاده قد وُسِم باسمها، وانتهى الأمر!

قالت ريتاج لأدهم الذي كان منشغلا باجراء اتصال هاتفي: - هتعمل ايه يا أدهم؟
أدهم وهو يضغط بضعة أزرار في هاتفه الشخصي: - هكلم عصام بيه أشوفه عمل ايه مع بنت عمته.
لحظات وكان الطرف الآخر يجيبه ليقول أدهم بحزم وصلابة وأمر لا يقبل النقاش: - عاوزك قودامي في أسرع وقت، ما تتأخرش يا عصام. – سكت قليلا ليتابع بحدة أقل بعدها – لما تيجي هتعرف. سلام.

وأنهى المكالمة، لتقول ريتاج باهتمام: - هتقوله؟
أدهم بزفرة قوية: - أكيد طبعا لازم يعرف، هو جوزها دلوقتي، ولازم نتحرك قبل ما المجنون دا يعمل حاجة.

ريتاج وهي تلاحظ انه عاد يجري اتصالا هاتفيا: - هتكلّم حد تاني؟
أدهم قاطبا بتركيز وهو ينظر الى شاشة هاتفه الشخصي: - آه، مش عارف كان تايه عن عقلي فين.
بتر عبارته وهو يرى الشاشة وقد تحول لونها الى اللون الاخضر دليل على تلقي الطرف الاخر الاتصال ليرفع الهاتف الى أذنه ويقول مرحبا:
- ازيك يا هشام بيه، بعتذر لو قلقتك.

هشام باهتمام كامل: - لا طبعا يا أدهم باشا، حضرتك تتصل في أي وقت، خير. اؤمرني، أكيد حضرتك عاوزني في حاجة مهمة.

أدهم بجدية شديدة: - مهمة جدا يا هشام بيه، فيه شاب اعرفه، للأسف الشاب دا اتعرض لصدمة معينة، وهو كان بيتعالج من الاكتئاب، وخايفين يأذي نفسه، دا غير أنه والدته في المستشفى من لحظة اختفائه، حالتها خطر جدا ولازم لها عملية فورية وهي رافضة لغاية ما تطمن عليه، أنا بلغت الشرطة فعلا بس طبعا قالوا لي مش قبل ما يمر 24 ساعة على اختفائه، والناس اللي أعرفهم في الداخلية بصراحة وعدوني انهم هيحاولوا يوصلوا له بسرعة، لكن احنا في سباق مع الوقت عشان حالة مامته الصحية زي ما قلت لك، ففكرت لو ممكن تساعدنا أننا نلاقيه؟

هشام باستجابة فورية: - أكيد طبعا يا أدهم باشا، بعد اذنك تبعت لي كل المعلومات عنه، وياريت لو عندك صورة ليه تبعتهالي وأن شاء الله هنوصله في أسرع وقت.

شكر أدهم هشام بكلمات بسيطة، لينهي الأخير المحادثة ويقوم باجراء اتصال هاتفي آخر ليقول بحزم وصرامة:
- فيه معلومات عن واحد هبعتهالك على الواتس، ومعها صورة، صاحب الصورة دي عاوز أعرف مكانه بالظبط في ظرف 24 ساعة، عاوزكم تقلبوا مصر كلها عليه، ولما تعرفوا محدش يقرب له، بلغني وانا هقوم باللازم.

استمع الى تلبية الطرف الآخر لطلبه والتي أدلى بها بكل طاعة واحترام، قبل أن ينهي الاتصال، ثم يجول بعينيه في المكان حوله حتى سقطتا على بغيته، ليبتسم باتساع ويهمّ بالتوجه اليها حيث تقف على شاطئ البحر يتطاير وشاحها الابيض الخفيف خلفها وكأنه جناح ملاك، بينما طرف فستانها فالهواء يتلاعب به بقوة، ولكن، سرعان ما بدأت ابتسامته بالانحسار وارتفع حاجبه الايمن في توجس وريبة، وقد برقت عيناه غضبا وحنقا وهو يرى ذلك الشاب وهو يقترب من زوجته، ليسارع هو بالاتجاه اليها، غارزا قدميه في الرمل بقوة حتى ترك آثار قدميه خلفه، وما ان اقترب منها حتى وصله صوتها الموسيقي الهادئ الرنان وهي تقول بابتسامتها الصغيرة المعهودة:.

- للأسف معرفش مكان أدوات الغوص فين، ممكن حضرتك تسأل حد من المسئولين عن ال beach (الشاطئ)!

قاطعهما هشام بصوت خشن غليظ بينما عيناه ترسلان شرارات من نار لذلك المتحذلق الذي وجده كما خمّن وقد بدأ يرسل نظرات الاعجاب لها بينما هي كما عهدها تماما، لا تنتبه لتلك الرسائل الصامتة:
- لو عندك اي استفسار أحنا هنا نزلاء في القرية، تقدر تسأل اي حد مسئول فيها.
الشاب بسخرية خفيفة ولكن فهمها هشام فورا من نظرة عينيه المستهزئة ورفعة حاجبه المتعجب:
- انتم؟!

ليحيط هشام خصر منال بذراعه فكتمت الأخيرة شهقة كادت تصدر عنها، بينما طالعته باستغراب تام، فلأول مرة منذ ذلك الصباح يلمسها، لقد مرّ يومين على ذلك اليوم ومن حينها وهو يتحاشى لمسها، وكأنه يريد اثبات قوله، وهو أنه لا يريدها زوجة قدر ما يرغب بها كانسانة أولا، فيما تحدث هشام ببرود يجمد الدم في العروق قائلا:
- أيوة، أنا ومراتي، اعذرنا أصلنا في شهر العسل!

ومن دون أن يترك له الفرصة للتعليق بحرف واحد، ضغط بخفة على خصر منال ودفعها أمامه بعيدا عن ناحية الشاب ليسير هو بمحاذاته، وقد رسم ابتسامة صفراء على وجهه، وما أن ابتعدا قليلا، حتى أفاقت منال من شرودها لتقف وهي تهتف قائلة بينما تمسك بذراعه محاولة دفعها بعيدا عنها:
- انت فاكر نفسك، بتعمل ايه؟

هشام وهو يحيط خصرها بذراعه الآخر محبطا محاولتها في الافلات منه بمنتهى السهولة، بينما يميل ليزرع دخانيتيه بين بندقتيها وبصوت حازم جاد:
- بحط حد لأي حد يفكّر انه يقرّب منه ويضايقك بسماجته!
منال بنزق وهي تدفعه براحتيها ليبتعد: - بصفتك ايه بقه ان شاء الله؟ الزوج العظيم!
هشام بجدية: - ولو مش جوزك، راحتك وحمايتك مسؤوليتي، وما أسمحش لأي حاجة أو أي حد أنه يتطاول عليكي أو يضايقك.

نفخت منال بغيظ وصاحت بقهر: - طيب ممكن تبعد شوية؟ شكلنا وحش أوي قودام الناس.
انصاع هشام مرغما لرغبتها بينما شعر بالخواء بعد خلو حضنه من جسدها الدافئ، ليقف على بعد خطوات منها بينما قالت كمن يؤنب طفلا صغيرا:
- مش معقول يا هشام كدا! كل واحد يقرب مني أو يتكلم معايا يبقى في نظرك انسان سمج وبيتطاول وبيحاول يعاكسني!

قطب هشام ليصبح وجهه تماما كالطفل العنيد المشاغب المصرّ على أنه ليس بمخطئ وهتف بحنق:
- يا سلام! يعني أنا بيتهيألي (يُخيّل إليّ)؟! همّا اللي مفضوحين سواء في نظراتهم او طريقة كلامهم!

زفرت منال بقلة حيلة وقالت بيأس: - يعني عاوز تفهمني انه المهندس مصعب كان بيغازلني؟ ولا الأستاذ اللي في الفرح بتاع البوفيه، ودلوقتي الشاب اللي كان بيسألني عن...

قاطعها هشام هاتفا وقد ثارت حميته وفار دمه وهي تعيد على مسامعه ذكر هؤلاء الشرذمة من الرجال الذي يكاد يقسم أن نظراتهم لها لم تكن أبدا بريئة، ولكنها هي البريئة زيادة عن اللزوم!

هشام بسخط: - بس. بس. بس. انتي هتعديهوملي (تُعدِّدهم له)!، تنكري أنه كلهم بيتحججوا بأي حاجة عشان يكلموكي؟ أقربها الواد الخيخة بتاع عدة الغوص، دا بدل ما تشكريني أني نجدت من سماجته ودمه اللي يلطش؟

منال وقد ارتأت أن أفضل وسيلة للرد عليه هي البرود الشديد، ولكن لا تعلم أي شيطان وسوس لها أن تثير استفزازه، فهي لا تنكر أن غضبه يجعله شبيها لفريد ابنها عندما يريد أمرا ما وترفض فيعتلي وجهه تعبيرا هو ذاته الذي تراه على وجه هشام عندما تفعل أو تقول ما لا يحلو له!
قالت منال ببساطة مصطنعة وابتسامة خلابة أسرت عيناه: - بصراحة أنت ظالمه، دا كان مؤدب جدا، ودمه خفيف، مش تقيل ولا حاجة!

قطع الخطوات التي تفصلهما ليدنو منها حتى وقف يكاد يلتصق بها فهمّت بالتراجع الى الخلف حينما منعتها قبضته التي أمسكت بذراعيها ليميل عليها متسائلا بهدوء خطِر:
- ايه؟!، مين دا اللي مؤدب ودمه خفيف؟ دا شبه سامح حسين! (ممثل كوميدي مصري). وبعدين لمّي الدور بقه يا حرمنا المصون، عشان مش عاوز أقلب على الوش التاني، وربنا يكفيكي شره.

منال ساخرة: - لا وعلى ايه القلبة دي، انت هتقولي؟ عارفاها من قبل ما اشوفها، أكيد تبع مباحث أمن وطني. صح؟

هز برأسه موافقا وقبل أن يتحدث سمع صوت صراخ وهتافات عالية، ليقطب قائلا: - ايه دا؟
ثم تركها وأردف وهو يلتفت ليرى سبب تلك الضوضاء العالية: - أنا هروح أشوف فيه ايه؟
قالت منال وهي تهمّ للحاق به: - استنى أنا جاية معاك.
غريق! ...
تعالى الهتاف بتلك الكلمة التي ترجف لها الأبدان، بينما كان هشام يخترق الجموع التي تجمعت عند شاطئ البحر، وهو يهتف بعجالة:
- ايه اللي حصل؟

ليتطوع أحد الواقفين باخباره وهو يهز رأسه بأسف: - بيقولوا فيه غريق.
تقدم هشام من البحر وزمّ عينيه محاولا الرؤية مظللا عينيه من وهج الشمس العالي، ليبصر نقطة ما على مدى بصره، فخلع قميصه وألقى به الى منال التي سارعت بالتقاطه قبل أن يسقط على الرمال، قال هشام سريعا وهو يركض:
- أنا رايح أشوف فيه ايه؟..
هتفت منال وهي تلحقه: - خالي بالك من نفسك يا هشام!

وبدون وعي منها كانت تقرب قميصه القطني منها، تحتضنه بحنان، وتستنشق رائحته وداخلها يدعو الله أن يعيده سالما وأن يستطيع انقاذ ذلك الغريق، لتنتبه بعدها على نفسها فتفتح عينيها تنظر من حولها لترى الجميع مشغولون بالنظر الى البحر، فأمسكت بالقميص بطريقة عادية، وصوبت عينيها هي الأخرى ناحية البحر، وما هي إلا دقائق حتى تراءى لها هشام وهو يخرج حاملا جسدا فوق ظهره، وما أن ألقى به فوق الرمال حتى تبين لها أنه شاب في أواسط العقد الثاني من عمره تقريبا، مال هشام على الشاب، يضغط بيديه الاثنتين على صدره عدة مرات، قبل أن يقلبه على بطنه ليستفرغ الماء الذي شربه، ثم يسعل بعدها، فارتمى هشام الى جانبه والمياه تقطر منه، وهو يلهث بقوة، فالشاب بنيته ليست بالخفيفة، كما أنه كان فعليا في عرض البحر وكانوا عرضة للدوامات التي تشتهر بها هذه المنطقة أن تجرفهما الى عمقها!

تقدمت منال اليه وهي تبتسم، ولم تكد تقترب حتى فوجئت بفتيات الشاطئ وهن يتقدمن اليه، واحدة تحمل منشفة كبيرة، وثانية تحمل قارورة مياه، وثالثة تحمل كاميرا رقمية تريد تصوير البطل المنقذ، ورابعة وخامسة وسادسة، درزينة من الفتيات، وكلهن بلا استثناء يبدين اعجابهن بشجاعة وبسالة هشام، لتقطع عليهم منال هذه الجلسة الشاعرية بعبارتها التي ألقتها بابتسامة صفراء تعتلي وجهها:
- هتبرد كدا يا هيرو، خد البس!

وقذفت القميص اليه ليرتطم بوجهه، فكشّر ثم شرع في النهوض، ومال بعدها عل الشاب ليجده وهو خائر القوى تماما، فقال لمنقذ الشاطئ والذي أخفق في انقاذه لخوفه من منطقة الدوامات التي كادت تودي بالشاب:
- لازم دكتور يشوفه فورا. واضح انه شرب كمية كبيرة من الماية، أنا حاولت أسعفه على قد ما أقدر، عشان كمان لو فيه أي مضاعفات نقدر نسيطر عليها.

الموظف بتأكيد: - حالا هننقله مستشفى القرية.
ابتعد هشام ينادي منال التي التفتت اليه وقالت ببرود: - أفندم، ممكن كفاية بقه وياللا نمشي؟ أنا فعلا زهقت.
هشام وهو يمد يده اليها: - أوكي، زي ما تحبي.
لينتبه الى أمر ما فيردف: - صحيح. الموبايل كان في جيب القميص، معاكي؟
أومأت منال وقالت وهي تمد يدها به اليه: - آه، اتفضل، وقع من القميص لما ادتهوني وكويس أني شوفته.

ليمد يده يتناول هاتفه فتلمس أناملها الناعمة، فتشعر بالتوتر والارتباك، فتسحب يدها بعيدا بينما تخضب وجهها باللون الأحمر، وأشاحت بعينيها الى البعيد، بينما هو فكتم زفرة حانقة وهو يدعو في سرّه. صبرني يارب!

صوت وصول رسالة قاطع استرساله في افكاره، ليضغط فتح الرسالة والتي وجدها من أدهم، قرأ فحواها والتي كانت تخص معتز المختفي، ولكن ما أن وقعت عيناه على الصورة حتى توسعت حدقتاه بقوة وهتف بغير تصديق:
- مش ممكن. أنا مش مصدق!
منال بتقطيبة وهي تقترب منه: - فيه ايه يا هشام؟
أدار هشام لها شاشة الهاتف لترى الصورة وهو يقول بتساؤل وذهول: - انتي شايفة الصورة دي؟

منال وقد زادت عقدة جبينها عمقا مشيرة الى الصورة ونقطة بعيدة نسبيا عنهم فوق الشاطئ:
- مش. مش دا ال.
هشام بدهشة فائقة وحيرة بالغة: - الغريق! دي صورة الغريق اللي أنقذته، والله أعلم باللي جراله من البحر!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة