قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية إلا أنت (نساء متمردات ج3) للكاتبة منى لطفي الفصل الثالث والعشرون

رواية إلا أنت (نساء متمردات ج3) للكاتبة منى لطفي الفصل الثالث والعشرون

رواية إلا أنت (نساء متمردات ج3) للكاتبة منى لطفي الفصل الثالث والعشرون

رمى برأسه الى الخلف مطلقا ضحكة رجولية عميقة تداخل معها صوت أنثوي يهتف بحنق: - أنت بتضحك يا أدهم؟ عجبك اللي عمله ابن أخوك المجنون دا؟

نظر أدهم الى ريتاج التي وقفت أمامه تتميز غيظا فمنذ أن دلفت اليه في غرفة مكتبه بمنزلهما وهو قد علِم أن هناك أمرأ قد طرأ جعلها على مثل هذا الشكل من الغضب والسخط، ولم تنتظر سؤاله بل اندفعت تخبره بعقد قرآن عصام وريما والذي يعتبر فعليا قد أجبر الأخيرة عليه، لتهرع ابنة شقيقته الى أمها الروحية تستنجد بها فهي خائفة أن يتمادى أكثر من ذلك وتفاجأ به وقد جهز لحفل زفافهما دون أن يخبرها سوى قبله بدقائق حتى تجهّز نفسها كعروس له!

قال أدهم محاولا امتصاص غضبها والابتسامة تظلل فمه المكلل بلحيته المشذبة بينما يتقدم منها:
- هدِّي نفسك بس، أنت متضايقة ليه؟ وبعدين لو كان فيه مشكلة أول ناس كان هيعترض هو نزار وراندا، لكن اللي حصل العكس، وأنت شوفتي بنفسك. الكتاب اتكتب ونزار بالذات ما اعترضش وانتي عارفاه كله إلا بناته. يبقى ايه اللي مضايقك عاوز أفهم؟!

نظرت اليه ريتاج باستهجان وهتفت بزمجرة: - ايه اللي مضايقني؟ اللي مضايقني أنه بيضغط على ريما، عاوز يتجوزها أوكِ ما قلناش حاجة. لكن بالاصول، البنت مفرحتش زي باقية العرايس اللي في سنها، نفس اليوم اللي اتقدم لها رسمي فيه هو نفسه يوم ما قروا الفاتحة، وهوب مرة واحدة كتب كتاب! أبسط حاجة. فين شبكتها اللي المفروض تخترها بنفسها زي أي عروسة؟..

سكتت تطالعه بسخرية متابعة: - اول مرة أشوف عروسة يتكتب كتابها ولسّه ما لبستش شبكة!
دنا منها أدهم حتى وقف أمامها ومال عليها يزرع عينيه بين عينيها التي دكن لونهما فاستحالت رمادية دليل على عواطفها الثائرة، فتلك العينان هي مرآتها، يتغير لونهما تبعا لمزاجها، وكم لتلك النظرات من تأثير مُهلك عليه، حتى بعد مرور تلك السنوات!

همس أدهم بصوت شجي وابتسامة تداعب ثغره وقد غامت عيناه بحلاوة الذكرى: - لا. فيه يا تاج! فيه عروسة اتكتب كتابها وبعدها عريسها جاب لها الشبكة. حتى يومها قالها زيّك دلوقتي. عمرك شوفتي عروسة تلبس شبكتها بعد كتب كتابها؟ ...

لتنتقل ابتسامته اليها وترفع عينيها اليه تغوص بين رمادي عينيه وهي تقول وقد خبى مزاجها الغاضب فجأة وهما يتشاركان حلاوة الذكريات:
- أنت لسّه فاكر؟

امتدت يديه تحيطان بخصرها، لترفع يديها تبسط راحتيها وتضعهما على صدره، وتحديدا فوق الجهة اليسرى، بينما احتواها أدهم بين ذراعيه وهو يطالعها بنظرات عشق لا ينضب مهما مر عليهما من العمر، بل هو يزداد رسوخا وقوة، تماما كما الشجرة العملاقة التي تضرب في أرضها عميقا بجذورها، لتعلو وتكبر. وتتشعب تلك الجذور. وتقف باسقة شامخة. تحفة للناظرين. تضفي الظلال من حولها بوريقاتها الخضراء. لا تنحنِ مهما هزّتها الريح. فذلك هو قصة حبهما. العميق. المتجذر بداخلهما. والذي حتى وأن فاضت الارواح فسيبقى خالدا. يتحاكى به الاولاد والاحفاد جيلا بعد جيل!

أدهم بحب تجلّى بين مقلتيه: - وعمري ما أنسى! عارفة يا تاجي. عصام بيفكرني بيا بالظبط، عشان كدا لما قلت له اقتحم كان عن تجربة، أنت كنت زي ريما. كلك عنفوان وعناد على قد ما كان بيغيظني لكن كان بيجذبني ليكي وبشدة، كنت لازم أضمن أنك ليّا. بأي طريقة وأي شكل، ما كنتش (لم أكن) أقدر أجازف ولو للحظة أنك تروحي من ايدي، عشان كدا ضغطت عليكي، ووالدتك ربنا يرحمها ساعدتني. شافت في عينيا اللي أنا بشوفه في عيون عصام دلوقتي.

ريتاج بابتسامة حلوة وعينان تلمعان عشقا لصرحها الشامخ أمامها: - يا ترى حضرتك بتشوف ايه في عينين عصام يا. حكيم العيون؟
أدهم بصوت أجش: - بشوف حب كبير جوّة عاشق مجنون، ممكن يعمل كل حاجة وأي حاجة عشان يضمن أنه حبيبته تفضل معاه. مش مهم الوسيلة، الغاية تبرر الوسيلة. وفي الحب بالذات. لأنه في الحب والحرب كل الوسائل متاحة!

لم تستطع ريتاج كتم ضحكتها الناعمة لتقول بصوت أنثوي رقيق وكيف لا وها هو حبيبها بعد ما يقرب من ثلاثين عاما يمطرها غزلا وكأنها لا تزال بنت العشرين عاما:
- امممم. على كدا دا اعتراف منك بالجنون؟! لانك قلت اللي في عيون عصام هو نفسه اللي كان في عينيك انت.

أدهم بابتسامة واسعة وهو يميل على صدغها يلثمه: - تهمة ما أقدرش أنكرها، ولو الجنون في حبك جريمة يبقى أنا معترف ومع سابق الاصرار والترصد كمان!

ريتاج وهي تغمض عينيها بينا زحفت يديها تحيطان بعنق أدهمها تقربه اليها لتحتضنه بقوة:
- وأنا بحبك أوي يا أدهم، ومهما مرّ علينا من وقت لسّه قلبي بيرفرف زي قلب بنت عندها عشرين سنة كل ما تقولي بحبِّك!

أدهم قبل أن يغيب ويغيبها معه في عناق دافئ: - وأنت فعلا لسّه في عيني زي أول يوم شوفتك فيه. وأنت عندك 22 سنة، يوم ما وقعت من ع الموتوسيكل. ولما رفعت الخوذة عن راسك وبصيتي لي بعينيك. عرفت وقتها أن أنا اللي وقعت. مش أنتِ!

كانت تنعم بأحضانه الدافئة عندما فوجئت بمن يجذب طرف فستانها من الاسفل، ففتحت عينيها بصدمة وهي تسمع الصوت الطفولي الحانق هاتفا:
- ثيب مامي!
ابتعدت ريتاج عن ذراعي أدهم فورا والذي فطن لوجود ابنه يشد طرف ثوب والدته بيد بينما بالاخرى فهو يعمل على دفعه بعيدا عنها، لينظر اليه قائلا بتقطيبة:
- أدهم! أنت جيت ازاي؟
أدهم بصوته الصغير: - همث وموياد (همس ومراد).

أدهم بعد أن ركع على ركبتيه ليكون في مستوى ابنه مقطبا: - انت مش المفروض رايح عشان عاوز ريتال؟ انت مكملتش ساعتين، إيه رايح تشوف وشّها وتلف وترجع تاني؟

أدهم بتكشيرة مزعجة وبسخط أكبر من عمره الطفولي: - ييتال مش تسمع كلامي. أنا عمها!
لتصدح ضحكة ريتاج عالية وهي تطالعه بذهول بينما فغر أدهم فاه مندهش من كلمة ابنه ليستقيم وهو يرفعه فوق ذراعه العضلي قائلا باهتمام:
- اممم. عمّها! مين اللي قالك الكلمة دي يا أدهم؟ أنت أساسا كنت لغاية انهرده الصبح بتتخانق انك عاوز تتجوزها واحنا نقنع فيك انه مينفعش!

أدهم نافخا صدره ودون أن ينظر لوالده وبتقطيبة عميقة تخالف سنوات عمره التي قاربت على الثلاث سنوات:
- إثلام! إثلام جوذ ثمث (اسلام جوز شمس) قالتلي كدا!
أدهم بضحكة ساخرة: - أهو كفاية قالتلي دي عقاب على طولة لسانه، وبعدين مش اسمها شمس يا أدهم. دي أختك الكبيرة.

نظر أدهم الى والده بدهشة وتساءل بحيرة: - لا. اسمها ثمث. كلكم بتقولوا ثمث!
ضحكت ريتاج وتقدمت لتأخذ أدهم من فوق ساعد والده وهي تقول: - ما تتعبش نفسك، مش بيتنازل بسهولة عن كلامه، وطالما قال ثمث يبقى ثمث!
ألقى أدهم بنفسه بين ذراعي والدته لتحتضنه تقبله بحنو وما أن همّ أدهم بالاقتراب منهما حتى دفعه أدهم الصغير في صدره مما أصابه بالذهول هو وريتاج ليقول صغيرهما بحزم طفولي غاضب:
- ابعد. دي مامتي أنا.

ضرب أدهم كفا بكف فيما ابتسمت ريتاج قائلة: - وهو بابي بردو يا دومي.
أدهم ببساطة: - عايف (عارف). بس انت مامتي. هو يبعد. ز
أدهم بدهشة: - ابنك بيغير مني يا تاج!
ريتاج بضحكة: - طالع لأدهم الكبير. تقول إيه بقه؟!
ليدنو أدهم منها ويميل عليها هامسا غير مبال لمحاولات ابنه لدفعه بعيدا: - أقول أن هذا الشبل من ذاك الاسد!

قاطع حوارهما الضاحك رنة هاتفه الشخصي ليسحبه من جيب بنطاله مطالعا اسم المتصل فقطب قبل ان يبتعد وهو يتلقى الاتصال وما هي الا دقائق حتى سمعت ريتاج صوته وهو ينهي المكالمة بأنه سوف يأتي من فوره.

ريتاج بتقطيبة: - فيه حاجة يا أدهم؟
تقدم أدهم منها وقال بابتسامة هادئة: - أطمني مافيش حاجة، شوية مشاكل بس في الصفقة الجديدة اللي جاية ولازم أروح اشوفها بنفسي.

ريتاج بزفرة ضيق: - قلت لك بلاش رياض ذهني يا أدهم، مش عارفة ليه صممت تتعامل معه، الراجل دا شغله كله مريب والسوق كله عارف كدا.

مال أدهم مقبلا جبينها وجبهة صغيره قبل أن يقول بهدوء: - ما تقلقيش حبيبي. ان شاء الله خير. أنا مضطر أمشي دلوقتي.
وانصرف دون أن يترك لها المجال لمزيد من التساؤل، فهو يعلم جيدا أن القلق يشغلها منذ علمت بموافقته على الشراكة مع رياض، وهو لم يخبرها باتفاقه مع هشام فالسرية ضرورية لضمان نجاح خطتهما في الايقاع بذلك الوغد، ووعد نفسه بأنه سيخبرها كل شيء ما أن يتم القبض عليه.

دلف أدهم الى هشام في مكتبه بمباحث الامن الوطني وبعد تبادل السلام جلس أمامه حيث أشار وقال هشام بابتسامة:
- الفار دخل المصيدة خلاص يا أدهم باشا.
أدهم بابتسامة نصر: - ممتاز يا هشام باشا. الخطوة الجاية هتبقى ايه؟

هشام موضحا: - احنا قبضنا عليه فعلا، وطبعا هو نفى أي علاقة له بالشحنة، وانه كل مسئوليته عن تأمين وصول الشحنة من بلدها لمخازن شركتك. واستدل على كدا بعقود الشراكة وأوراق الصفقة. وطبعا اتفاجأ بالبند اللي في العقد اللي بينكم، بجد شابوه للمحامي بتاع حضرتك، محامي أستاذ بجد.

فقد أضاف المحامي شرطا ينص على أن الشحنة لا تبدأ مسئولية شركة شمس الدين عنها الا بعد استلامها في مخازنها التابعة لها ومراجعتها من قِبل الموظف الموكّل بهذه المهمة هناك. أما قبل ذلك فالمسئولية تقع على شركة الشحن منذ لحظة خروجها من بلد الشركة المصدّرة وحتى يتم دخولها الى مخازن مجموعة شمس الدين طبقا للمواصفات المتفق عليها! ولطمع رياض الشديد وغروره الأشد وضع توقيعه دون أن يعترض، فهو واثق أن الشحنة لن يعترض طريقها مخلوقا. فيكفي اسم أدهم شمس الدين ليضمن أنه لن يساور أيًّا كان أي شك أو ريبة بشأنها، وأن التفتيش لن يكون سوى أمر روتيني يتعلق بالتأكد من صحة ورق الشحنة ليس إلا، كما أنه أكيد أنها لن تتعرض للتفتيش في الميناء. فهذا الاسم تماما ككلمة السر. التي ستسهل له الصعاب دون أدني تعب منه.

أدهم بهدوء: - للأسف، طمعه صوّر له أنه هيقدر يضحك علينا ويستغل اسمنا بالطريقة القذرة دي، أنما صحيح. أخبار فضل الرازي ايه؟

هشام بابتسامة ظفر: - المجلس سحب منه الثقة واترفعت الحصانة عنه. ومشرّف حاليا عندنا مع شريكه. رياض ذهني.

أدهم بتساؤل: - تفتكر هيتعاقب ومش هيطلع منها؟!

هشام بثقة تامة: - الحبل المرة دي ملفوف كويس أوي يا أدهم باشا. مش هيقدر يِّرخّيه حتى (يُرخيه). البنت السكرتيرة بتاعته جابت لنا أوراق تخليه مش يتعدم مرة واحدة بس. لا! يتعدم خمسين مرة، من سلب ونهب وتربّح واستغلال لمكانته وعلاقاته، دا طبعا غير تجارة السلاح وتسهيل دخولها للبلد، من الآخر الراجل دا أخطبوط. ولازم قطع راسه، دا أكبر عميل لأكبر منظمة ارهابية في المنطقة. والدلائل اللي عندنا تثبت دا، صوت وصورة!

صوت جلبة عالية قاطعهما ليهتف هشام مناديا عسكريّ الامن الواقف أمام باب مكتبه فدلف الاخير وبعد أدائه للتحية العسكرية قال رادّا على سؤال هشام:
- حضرتك دا محامي المتهم رياض ومعه واحد بيقول أنه ابن عمه وعمال يزعق و...
هشام بصرامة: - يزعق؟! ليه؟ فاكر نفسه في سويقة؟ خليه يدخل يا بني.

خرج العسكري ليدلف محامي رياض بصحبة شاب يبدو في العشرينيات من عمره، هدر الشاب ما أن رأى هشام يجلس خلف مكتبه في حين التزم أدهم الصمت التام في مكانه أمام المكتب:
- اللي حصل دا مش هيتسكت عليه! انتو عارفين يبقى مين اللي انتو أخدتوه بالطريقة دي من بيته؟ أنا هصعّد الامر ومش هسكت و...

ضرب هشام سطح مكتبه بقوة وهدر بأمر: - وطِّي صوتك! احنا مش في سويقة هنا! وبعدين اللي انت بتقول عليه منعرفوش دا. لا عارفينه، وعارفينه كويس أوي كمان...

نظر الشاب بتحد الى هشام الذي بادله النظر ببرود قبل أن يستأنف قائلا ببرود تام: - عارفين أنه مجرم وعميل، وخاين لبلده، وأنه يستناه كذا قضية مش قضية واحدة بس، وأقل حُكم تأبيدة.

سكت ناظرا للشاب الذي اتسعت حدقتاه في ذهول غاضب ثم تابع بابتسامة ساخرة: - ياترى عرفت انت بقه مين هو رياض ذهني؟
هجم الشاب صارخا: - دا كدب! انتو ملفقين له القضية دي أكيد!
أسرع المحامي الذي دلف بصحبته اليه وقال وهو يسحب ذراعه مبتعدا عن مكتب هشام الذي نهض من فوره ما ان هجم الشاب عليه وقال بلوم:
- مش كدا يا سمير بيه، أنت كدا هتأذي أخوك رياض باشا، اهدى أنت وأنا هتصرف.

والتفت المحامي الى هشام الذي رفع يده يقاطعه قبل أن يتحدث قائلا بصلابة: - من غير كلام كتير يا متر، الشيء دا – وأشار الى سمير الذي وقف يطالعه بنظرات كره عميقة وأردف بصرامة - يمشي من قودامي بدل ما أرميه في الحبس مع أخوه. أقله يونّسوا بعض.

سمير هاتفا: - طب وريني كدا. وأنا أوعدك أنك مش هتستنى في مكانك دا ثانية واحدة بعد كدا.
المحامي بنفاذ صبر: - يا سمير بيه مش كدا. اهدى انت وسيبني أنا.
ليسمع صوت هشام والذي انطلق ما ان فرغ سمير من تهديداته الجوفاء، يخاطب العسكري الذي دخل بناءا على استداعئه حيث قال بأمر وهو يشير الى سمير الواقف أمامه يطالعه بتحد وغلٍّ واضح:
- خُد الاستاذ وارميه في الزنزانة. مع أخوه!

أدى العسكري التحية وهو يقول بمهنية: - أمرك يا باشا.
واقترب من سمير يقبض على ذراعه ليصيح الاخير هادرا: - انت اتجننت؟ شيل ايدك.
ابتعد هشام عن مكتبه واقترب من سمير ووقف أمامه وبينما كشر الاخير عن أنيابه وهو يلهث من شدة الحدة والعصبية قال هشام بتحد:
- ورِّيني بقه. هتنقلني إزاي؟!
ثم غابت بسمته في لحظة واحتل وجهه بدلا منها تقطيبة حادة وأردف قائلا بحزم: - خدوا يا عسكري.

ليسحب الشرطي سمير والذي تعالى صراخه مهددا ومتوعدا هشام بأنه سينال منه، اقترب بعدها المحامي من هشام وقال بابتسامة صغيرة:
- هشام باشا حضرتك عارف أنه قبضك على سمير باشا غير قانوني.
هشام ببساطة: - مين اللي قال؟ دا هددني وقودام شهود كمان...
ثم أشار الى أدهم متابعا: - أدهم بيه، والعسكري الواقف بره الصوت أكيد وصله واضح جدا، و، أنت!
بُهت المحامي وتراجع الى الخلف متسائلا في دهشة: - ايه؟ أنا!

هشام وهو يهز كتفيه قائلا: - أيوة أنت. مش انت حاضر معنا وسمعت تهديداته ولّا. ناوي تكون شاهد زور وتشهد معه أنه محصلش يا. سيادة المحامي الكبير!

دمدم المحامي يسب سمير بصوت هامس: - بيتك يا سمير وبيت سنينك، هتوقعني مع الحكومة لأ ومش أي حد. أمن وطني ومع دا بالذات. المعروف عنه أنه معندوش يا أمَّا ارحميني!

هشام بتساؤل: - بتقول حاجة يا متر؟
المحامي متتبها: - ها؟ لا يا هشام باشا ولا حاجة. طيب أنا بطالب بالافراج عن رياض باشا بكفالة مالية!

هشام بابتسامة: - للأسف مش هينفع، موكّلك يا متر متهم في كذا قضية مش قضية واحدة. نصيحة. القضية دي خسرانة فبلاش تمسكها عشان اسمك وسمعتك كمحامي عمره ما خسر قضية ما يتهزوش.

سكت لثوان تابع بعدها بثقة: - ما يستاهلشي يا متر، بالرغم من الالوف اللي أنا عارف أنك بتاخدها مخصوص. عشان كدا.

المحامي في محاولة للتماسك: - تمام يا هشام باشا. بس أنا كمحامي أحب أفكرك أنه المتهم بريء الى أن تثبت ادانته و.

هشام مقاطعها ببساطة: - ثبتت يا متر. الادانة ثبتت. اطمن!
ألقى المحامي بتحية مبهمة قبل أن يستدير للانصراف في حين قال أدهم المتابع في صمت كلما حدث:
- أهنيك على قوتك يا هشام باشا. لو فيه عندنا كم واحد زيّك كدا. صدقني البلد دي كانت نضفت من رياض وفضل واللي زيّهم.

تعالى صوت طرقات على الباب تبعه دخول العسكري سريعا وهو يهتف بسرعة عالية: - هشام باشا. المتهم اللي في الزنزانة.
نهض هشام يصيح بقوة: - متهم مين يا عسكري، ثابت يا عسكري.
اعتدل العسكري يقف في وضع الثبات يضرب بقدمه الارض في حين ارتفعت يده بالتحية العسكرية فقال هشام بصرامة:
- فيه ايه بقه؟ واتكلم بالراحة عشان أفهم.
العسكري بلهفة لم يستطع مُداراتها: - متهم من اللي في التخشيبة.

قاطعه هشام: - ماله المتهم دا؟
أجاب العسكري سريعا: - مقتول!
هشام ببساطة: - آه.
ليبتر كلمته وقد توسعت عيناه بقوة وهدر بغضب فيما نهض أدهم واقفا وهو يطالع الشرطي بترقب وشكّ:
- إيه؟، يعني ايه مقتول؟ مصيبتكم سودة، تعالى ورايا.

وأسرع هشام بالمغادرة في حين وقف أدهم يتابعه بتقطيبة توجس وحيرة، بينما وصل هشام الى زنزانة المتهمين حيث سمع صوت هرج ومرج بين المسجونين فيما ارتفع صوت شرطي الحراسة يصرخ فيهم مطالبهم بالسكوت، وما أن أبصر قائده حتى سارع بالقاء التحية العسكرية بينما أشار إليه هشام بوحه متجهّم بفتح الزنزانة، وما أن فعل حتى اندفع الى الداخل ليصمت الجميع فتقدم الى الداخل ليفاجأ بجسد مسجى على الارض مكفيًّا على وجهه، فاسرع اليه ليديره وما أن شاهده حتى اتسعت عيناه في ذهول. فأمامه يرقد. فضل الرازي مدرّجا في دمائه!

دلفت شهرت الى المنزل بعد أن فتحت لها الخادمة الباب لتندفع الى الداخل يلحقها شريف حيث ما أن أنهت شهرت الاتصال مع والدتها حتى أمرها بسرعة تجهيز نفسها للذهاب اليها.

أشارت الخادمة الى شهرت بوجود والدتها في غرفة الجلوس، لتتجه اليها من فورها، وما أن دلفت حتى فوجئت بوالدتها تجلس بوقارها الذي لم يهتز ولكن خانها وجهها الذي كساه الشحوب. لتهمس شهرت بقلق وصدمة:
- ماما!
التفتت شويكار سريعا الى مصدر الصوت لتقول ببطء وهي تحاول التماسك: - شهرت.
هرعت شهرت ناحية أمها تحتضنها بينما لحق بها شريف بخطى هادئة، هتفت شهرت وهي تحتوي أمها بحنان:.

- ايه اللي حصل يا ماما. what s wrong
شويكار بتنهيدة تعب عميقة وهي تربت على ذراع ابنتها فابتعدت عنها قليلا: - معرفش، المحامي بيقول حاجات غريبة عن قضايا وارهاب و.
أشاحت بيديها كثيرا وهي تردف بصدمة وعدم معرفة: - معرفش يا شهرت. وفضل اخدوه من مكتبه، يعني مش من هنا على الاقل كنت هسأله فيه ايه.

تقدم شريف حتى وقف بجوار زوجته التي اعتدلت واقفة وقال بهدوء: - أنا كلمت المحامي بتاعي يا شويكار هانم، وان شاء الله يطمنّا.
رنين هاتفه قاطعه ليخرج هاتفه من جيبه مطالعا اسم المتصل وما لبث أن تلقى المكالمة قائلا:
- أيوة يا متر.
لحظات وكان شريف يهتف بذهول صاعق: - ايه؟! انت بتقول ايه يا متر؟
شهرت بخوف ينهشها بينما نهضت والدتها ببطء من مكانها وهي تطالعه بقلق كبير: - في ايه يا شريف؟

شريف منهيا المكالمة: - تمام يا متر، مشافة السكة هكون عندك.
وأنهى الاتصال لتهتف شهرت وقد استبد بها القلق والحيرة: - فيه ايه يا شريف ما تفهمني؟
شريف زافرا باختناق وهو يبعد عيناه عنها: - ال. البقاء لله!
شهرت بهلع وقد جحظت عينيها: - إيه؟!
شويكار وقد ترنحت لتسارع شهرت بالامساك بيدها بينما نظرت الى شريف تهمس والدموع تهدد بالانهمار:
- انت. انت بتقول ايه يا شريف؟ فضل! ازاي؟

زفر شريف بتعب وقال وقد قرر القاء القنبلة دفعة واحدة: - لاقوه مقتول في الزنزانة!
شهرت بشهقة عالية: - بابا!
في حين همست شويكار بصوت ضعيف وصدمة بالغة: - ف، فضل؟!
لتهوى بين ذراعي ابنتها التي صرخت عاليا تناديها: - ماما!

خرج الطبيب الذي أمر شريف باستدعائه من غرفة شويكار حيث تلازمها ابنتها وقال لشريف الواقف أمامه:
- للأسف انهيار عصبي حاد، والموضوع خطير لأنها مريضة ضغط، أنا ادتها مهدئ قوي هيخليها تنام فترة، المهم مافيش أي انفعال خالص، ممنوع منعا باتا أنها تتعرض لأي نوع من أنواع الانفعالات سواء سعيدة أو حزينة.

شريف وهو يومأ بالموافقة: - ان شاء الله يا دكتور.
وأشار الى مديرة المنزل لترافق الطبيب بعد أن تناول منه الوصفة الدوائية، ليعطيها اليها وهو يأمرها ببضعة كلمات مقتضبة أن يذهب السائق لاحضارها.

طرق شريف الباب ليدلف حيث وجد شهرت تجلس على كرسي بجوار فراش أمها الراقدة حيث يحاكي لونها لون الوسادة البيضاء شحوبا، بينما تمسك بيدها بين راحتيها فيما دموعها فتسيل مغرقة وجهها في صمت، اقترب شريف منها ليجلس الى ذراع المقعد يحيط كتفيها بذراعه العضلي، ومال عليها هامسا بشفقة:
- كفاية دموع يا شهرت، هتقوم بالسلامة ان شاء الله.

شهرت وهي تلتفت برأسها اليه هامسة بحزن يقطع نياط القلوب وصوت باكي متألم وعينيه ذابلتين:
- وبابا يا شريف؟ هيرجع لي هو كمان؟!
زفر شريف مغمضا عينيه في أسى قبل أن يضمها تحت كتفه مقبلا شعرها بينما أجهشت هي بالبكاء ليهمس لها:
- بس حبيبتي بس، ادعي له بالرحمة يا شهرت، حرام اللي بتقوليه دا.

شهرت وهي تترك يد أمها لتغطي وجهها براحتيها: - مش مصدقة يا شريف، مع انه الفترة اللي فاتت كان مخصمني عشان ما رضيتش أسمع كلامه وأرجع معه، لكن كفاية أنه كان موجود، بكلم ماما وبعرف أخباره، دلوقتي خلاص يا شريف. خلاص.

نهض شريف وأنهضها معه ليحتويها بين أحضانه وسارا حتى جلسا على أريكة في الطرف الأقصى من الغرفة قبل أن يحتضنها بقوة وحنان وهو يقول:
- لو العياط هيريحك عيطي، مهما قلت أنا عارف أنه الخبر كان صدمة بالنسبة لك.

أبعدت شهرت وجهها عن صدره وقالت بمرارة وأسى: - صدمة وبس؟ دا صدمات يا شريف، أنا مش عارفة هستحمل إيه ولا إيه؟ موت بابا بالطريقة البشعة دي ولا القضايا والتهم اللي كانت متوجهة ضده، أنا مش مصدقة يا شريف، تخابر مع منظمة ارهابية؟، بابا!

أحتوى شريف وجهها بين راحتيه وقال بمواساة: - شهرت القضايا لسّه شغالة، ولغاية ما القضاء يقول كلمته احنا مش هنحكم عليه، كل اللي نقدر نعمله دلوقتي اننا نطلب له الرحمة، ونخلي بالنا من مامتك، لازم تكوني أقوى من كدا عشان خاطرها، أمال فين بقه البرود الانجليزي اللي فقع مرارتي 8 سنين جوازنا؟

مازحها بسؤاله الاخير لتجيبه بخواء: - ساح يا شريف، البرود انصهر، شهرت اللي قودامك دلوقتي. مالهاش أي علاقة بشهرت بتاعت زمان.

شريف بابتسامة وهو يمرر ابهاميه على قسمات وجهها: - يعني نقدر نقول انه شهرت اللي قودامي دلوقتي دي. صناعة مصرية؟
شبح ابتسامة هزيلة علا شفتيها وهي تهمس بضعف: - حاجة زي كدا.
شريف بابتسامة ونظرة لمعت بين دخاني عينيه: - صدقيني الصناعة المحلي مافيش أحسن منها!

ثم مال عليها لاثما ثغرها في قبلة كادت تذيبها من رقتها، وجعلت دموعها تهدد بالانهمار ثانية، قبل ان يحتويها شريف بين ذراعيه مهدهدا حتى نامت مفترشة صدره وهي تشعر بالرغم من كل الكوارث التي تحيط بها بالدفء والأمان في هذا الحضن القوي.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة