قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية إلا أنت (نساء متمردات ج3) للكاتبة منى لطفي الفصل الثالث والثلاثون

رواية إلا أنت (نساء متمردات ج3) للكاتبة منى لطفي الفصل الثالث والثلاثون

رواية إلا أنت (نساء متمردات ج3) للكاتبة منى لطفي الفصل الثالث والثلاثون

شهقات متقطعة كانت دليلا على نوبة البكاء التي داهمتها واستمرت لساعات طويلة، تحديدا منذ خروجه بعد ان رمقها بنظرة تعبر عن الاسف وخيبة الأمل!

رفعت وجهها التي دفنته بين ركبتيها وهمست تحدث نفسها بعينين منتفختين وأنف أحمر ووجه شاحب يلمع من أثر الدموع:
- أهون عليك يا حمزة؟ تسيبني كدا من غير ما تريحني وكمان قافل موبايلك مش عارفة أوصل لك؟..

وصمتت لثوان اتسعت بعدها حدقتيها وهمست بهلع وصور مرعبة تتخيل لها: - معقولة بعد الشر يكون جراله حاجة؟ أو. يكون راح. راح لها؟!
لتنتفض في جلستها وهي تهتف بذهول وعينان جاحظتان: - معقول! حمزة يعملها؟، لا. مش ممكن...
ثوان مرت قبل أن تتوحش معالم وجها وتقول بعزم لا يلين: - بس لو عملتها تبقى غلطان يا حمزة، وهي تبقى غبية لو افتكرت اني هسيبك لها بسهولة!

لتنهض من فراشها وقد اتخذت قرارها، فستحارب للحفاظ على بيتها وزوجها بكل الاسلحة المشروعة والممنوعة فكل شيء مباح في الحب و. الحرب!

اغتسلت وارتدت ثيابا بسيطة للخروج، بنطالا من الجينز الازرق وقميصا بأكمام الى المرفقين أصفر اللون، وجمعت خصلاتها النحاسية في ربطة شعر على هيئة ذيل الفرس، وانتعلت حذاءا رياضيا، قبل أن ترتدي حقيبتها اليدوية بشكل عكسي، واتجهت من فورها للخروج من الشقة والبدء بحملة استعادة زوجها.

كانت قد وصلت أمام الباب تهمّ بفتحه عندما فوجئت به وهو يُفتح وحمزة يقف أمامه، ولم يكن قد رآها بعد فقد كان ينظر الى الاسفل، ولكن هي لحظة أو أقل حتى كان يرفع رأسه ليصطدم بمرآها أمامه، وتعاقبت التعبيرات على وجهه، من المفاجأة. ثم ذهول ف، غضب ناري تطايرت ألسنته داخل دخانيتيه، ليستعيد رشده سريعا ويصفق الباب خلفه قبل ان يتجه اليها يقبض على مرفقها وهو يزأر بشراسة وعيناه تحرقانها بنظراتهما النارية:.

- كنتي رايحة فين؟ هتهربي!، فاكرة انك لما تمشي هسيبك؟، تبقي غلطانة يا هانم!

نجوان وهي تطلق أنينا خافتا دليلا على ألمها لقبضته القوية: - وأهرب ليه؟ أنا معملتش حاجة تخليني اهرب!
حمزة بعينين حمراوين أثارا قلقها وجعلاها تقطب في توجس وحيرة بينما ابتسم ابتسامة اثارت خوفها:
- قصدك أنا اللي عملت صح؟، مصممة تشوفيني أني خاين وكداب مش كدا؟ انما يا ترى ليه؟ ايه. عاوزالك سبب قوي عشان لما تقولي لهم مش عاوزة أكمل يقتنعوا؟ صح يا نجوان مش كدا؟

نجوان باضطراب خفي وهي تحاول الافلات من قبضته: - حمزة أنت مش طبيعي، والكلام اللي انت قلته دا اكبر دليل على كدا!
أسرع حمزة بالقبض على مرفقها الاخر ما ان شعر بمحاولاتها للافلات منه وقال بأنفاس متسارعة بينما صدره يعلو ويهبط دليلا على حجم الانفعالات التي تمور بداخله:
- اه مش طبيعي، فعلا، ما هو لما اقعد في عربيتي اكتر من اربع ساعات تحت البيت مستني الاقيكي في اي لحظة خارجة من العمارة أكون مش طبيعي.

تراجعت الى الخلف ليتقدم هو ذات الخطوات باتجاهها الى الامام وهو يردف بسخرية: - ولما أرجع لك برجليا بعد ما صبري نفذ، وأقرر أني مش هقعد مستنيكي لما أشوفك وانت سايباني وراكي وماشية، وأطلع عشان أمنعك من حاجة زي كدا، أبقى مش طبيعي.

ضغطة أقوى على مرفقيها فتأوهت بألم ليسحبها ناحيته بقوة فارتطمت رأسها بعضلات صدره القوية بينما تابع بمرارة:
- ولما أحبك الحب دا كله وانت مش حاسة بيه. أبقى أكيييد مش طبيعي!
ما ان سمعت اعترافه بالحب حتى تداعت الى ذاكرتها احداث نهار هذا اليوم لتقاومه بشراسة وهي تهتف فيه بحدة وحنق:
- سيبني يا حمزة، روح اضحك على عقل حد تاني، حب! حب ايه دا؟ انت مش بتحبني ولو بتحب فعلا يبقى اكيد مش انا!

حمزة ببرود: - مش مصدقاني، صح؟ الفترة اللي فاتت دي محسيتيش بيا خالص، مش كدا؟
نجوان بهتاف حاد وهي لا تزال تحاول فك ذراعيها من اسر قبضتيه: - قصدك التمثيل اللي مثلته عليا، صح؟ بصراحة أنت تستحق جايزة الاوسكار في التمثيل! وأنا اشهد لك!

صمت حمزة لثوان قبل ان يقول بجمود وعيناه تلمعان ببريق غامض: - تمام يا نجوان، أنا هخليكي تسمعي بودانك!
ليسحبها معه ويلقي بها الى الاريكة ثم يجلس بجانبها بدوره قبل أن يخرج هاتفه المحمول يضغط بضعه أرقام ثم يفتح مكبر الصوت لتسمع نجوان ذلك الصوت الناعم الذي جعل عينيها تبرقان بجنون وحاولت القيام ليمنعها حمزة قسرا قبل أن يقول رادا على الطرف الاخر:
- معلهش يا مايا. اتصلت في وقت متأخر.

مايا بصوت ناعس ولكنه يحمل رنة قلق وحيرة واضحة: - لا ابدا يا حمزة، انت تتكلم في اي وقت.
حمزة بهدوء نسبي: - أصلي معرفتش أكلمك بعد ما روحتي عشان أطمن عليكي، انتي عاملة ايه دلوقتي؟
مايا بصوت رقيق ناعم: - الحمد لله يا حمزة، انا تعبتك معايا انهرده معلهش.
طالعت نجوان في حمزة الذي سلط نظراته القوية عليها وهو يجيب نجوان: - ما تقوليش كدا يا مايا، انتى عارفة معزتك عندي...

زمجرت نجوان بغضب وشرعت في النهوض ليقبض حمزة على معصمها بقوة يوقفها، فرمته بنظرة ملتهبة ولكن حمزة تابع وعيناه تأسران نظرات نجوان النارية:
- زي معزة أختي فدوى بالظبط!
فغرت نجوان فمها للوهلة الاولى قبل ان تطالعه بتفحص في ريبة وحيرة، بينما سمعت مايا وهي تقول:
- ميرسي يا حمزة، بس اللي عاوز يشكرك بجد هو مدحت، لما عرف اني دوخت في الشارع بس ربنا ستر وانت كنت جنبي وقتها استندت عليك قبل ما يغمى عليا!

توسعت حدقتي نجوان في ذهول وصدمة وهي تنظر الى حمزة الذي طالعها بابتسامة ساخرة مخلوطة بمرارة واضحة قبل ان تسمع مايا وهي تتابع قائلة بصدق:
- انا بجد آسفة جدا يا حمزة لو كنت اتسببت لك في حاجة، أني يغمى عليا في الشارع وانت تشيلني وقودام مدرستك اكيد ناس كتير شافونا.

حمزة بدون مبالاة: - ولا يهمك يا مايا، اللي عارفني كويس أكيد هيفهم انه في سبب لكدا، واللي ميعرفنيش ويتكلم في حقي. – ونظر الى نجوان متابعا بجمود – يبقى ما يلزمنيش معرفته من اساسه!

لم تفطن مايا لجمود حمزة وقالت: - طيب خد مدحت عاوز يكلمك.
استمعت نجوان لباقي المكالمة الهاتفية وهي في صدمة واضحة بينما حمزة فوجهه يحمل تعبيرا ظاهرا للأسف وخيبة الأمل، أنهى المحادثة بعدها وجلس ينظر أسفل قدميه في صمت تام، قطعته نجوان هامسة بحيرة:
- ليه ما قولتليش؟
لم يجبها ولم يلتفت اليها لتتابع تساؤلاتها: - ليه يا حمزة ما فهمتنيش؟ ليه سيبتني أتهم بحاجات غلط؟

رفع حمزة عينيه ونظر اليها في سكوت للحظات قبل أن يقول بجمود تام: - وانتي ليه ما واثقتيش فيا؟ ليه ما سألتنيش الأول قبل ما تتهميني بالكدب والخيانة؟

نجوان بانفعال: - أسألك؟ اللي أنا شوفته دا مش منظر عادي فأنا هسألك وتحكي لي، لو انت كنت مكاني كنت هتسألني؟ ولا كنت هتشك فيا وتتهمني وتعمل أكتر من اللي أنا عملته معاك كمان؟

حمزة ببرود: - صح! كنت مش هعدي الموضوع ببساطةن بس عارفة امتى؟
نظرت اليه بتساؤل صامت بينما أكمل: - في وقتها! في نفس اللحظة اللي هكون شوفتك فيها في موقف زي كدا، هتلاقيني بهجم عليكي، بتخانق وأزعق ويمكن أصوّر قتيل كمان، لكن انتي معملتيش كدا يا نجوان.

قطبت فتابع بمرارة: - انت ما اتهجمتيش علينا وواجهتيني. بالعكس، انتي بعدت واختفيتي بدل الساعة اتنين وتلاتة. ورجعت تواجهيني بشكوكك واتهاماتك.

نجوان مدافعة عن نفسها: - يعني انا غلطت عشان ما حبيتش أعمل فضيحة في الشارع؟!

ضحك حمزة نصف ضحكة ساخرة وقال: - لا انتي فكرتي يا نجوان، صدمتك ما كانتش جامدة، بس معذورة، لانك ما حبيتينيش. لو كنتي بتحبيني ما كنتيش هتفكري، كنت في لحظتها هتهجمي علينا، تصرخي وتضربي حتى، تسألي مين وليه، وأنا كنت هعذرك، الموقف صعب عليكي، لكن لما تغيبي كم ساعة المفروض انك هديتي وفكرتي، يعني لما رجعتي يكون عندك استعداد انك تسمعي، لكن اللي حصل خالف كل توقعاتي، انت سيبتينا ومشيتي من غير حتى ما تخلينا نشوفك، غبتي وفي الاخر رجعتي وانت حكمتيني وأدنتيني وأصدرت الحكم فعلا، اتهمتيني وبكل ثقة أني كداب وخاين، ما وقفتيش للحظة واحدة تراجعي نفسك، وتفتكري أنه الانسان دا هو نفسه اللي اعترف لك بحبه بدل المرة ألف. معنى كدا ان حبي فشل انه يوصلك!

صمت تام ساد بعد حديثه، لتتجمع الدموع في عينيها، بينما زفر هو بتعب قبل أن ينهض واقفا فأسرعت بالقبض على يده المدلاة أمامها وهي تهتف بتضرع:
- حمزة...
نظر اليها حمزة من أعلى وهو يقول بحزن وأسف: - أنا آسف أني منعتك أنك تمشي، الحب مش اجبار يا نجوان، بس بردو مقدرتش أستحمل انك تسيبيني وتبعدي، عموما دلوقتي بعد ما عرفتي الحقيقة تقدري تعملي اللي انتي عاوزاه.

وجذب يده من بين أناملها وسار خطوتين قبل أن تنهض بدورها وتلحق به لتقف أمامه وتقول برجاء حار:
- حمزة أنا آسفة، بس أنا كنت بموت كل ما كنت افتكرك وانت شايلها بين ايديك. وخصوصا انه مايا دي حبك الاولاني، مش دي اللي انت كنت بتحكيلي عن قصة حبكم يوم بيوم وساعة بساعة؟! كل يوم ترجع من الكلية لازم تكلمني عنك انت ومايا...

قاطعها حمزة بجمود: - ومدحت!
قطبت نجوان في حين تابع حمزة: - أنا ومايا ومدحت كنا مع بعض دايما، لكن قصة الحب دي كانت بين مايا ومدحت، أنا عمري ما كنت طرف في علاقة حب مع مايا، قصة الحب الوحيدة اللي كنت طرف فيها كانت مع واحدة بس. من أول ما شوفت عينيها وخطفت قلبي بنظراتها وأنا ما حبيتش غيرها!

نجوان مذهولة وبغير تصديق: - حمزة؟!
مال عليها حمزة يجيبها بشراسة: - أيوة يا نجوان. أنتي!
نجوان بدهشة فائقة: - مش ممكن، ومايا؟ وقصتكم اللي ما كملتش؟

حمزة بشبح ابتسامة استهزاء: - مش حقيق، تقدري تقولي كدا وكدا، مايا ومدحت من أول يوم شافوا بعض وهما وقعوا في حب بعض، وكنت أنا قاضي الغرام بينهم، لما كانوا بيتخانقوا سوا أو يزعلوا من بعض أنا اللي كنت بتدخل وأصالحهم. يعني الحكاية اللي حكيتهالك كانت عن مايا ومدحت، مش أنا وهي!

نجوان بتساؤل حائر: - طب. طب ليه؟ ليه فهمتني أنك بتحبها؟
حمزة بانفعال حاد: - عشان متبعديش عني، عشان طول الوقت كنت بتبصي لي انى أخوكي، عشان مش عاوزك تخافي مني وتبعدي، عشان تآمنيلي وتحكي لي على كل حاجة بتحصل معاكي، لكن عمري ما بصيت لمايا ولا غيرها، أنتي بس. أنتي اللي كنت في عقلي وقلبي وصورتك قودام عيني طول الوقت.

نجوان بحية: - بس. انت كنت رافض جوازنا، فدوى قالت لي انك يومها اتخانقت مع عمي و...
حمزة مقاطعا: - رفضي كان عشانك انتي! ما رضيتش أتفرض عليكي، رفضت أنه أي حد يجبرك على أي شيء مش عوزاه حتى لو كان الشيء دا هو حلم حياتي اللي بنام واقوم أحلم بيه. لكن كله يهون إلا أنك تتجبري على حاجة مش عاوزاها!

رفعت يدا مترددة تضعها على صدره ورفعت عينين دامعتين وهي تقول بصوت خنقته غصة بكاء مكتوم:
- أنا آسفة. وعارفة اني لو اتأسفت من انهرده لبكرة مش هيكفي، بس أنت حتى لما صارحتني بحبك في أول جوازنا ما حكيتليش الكلام دا، وأنا كنت عوزة أسألك عنها وكل ما كنت أتشجع كنت أرجع تاني وأخاف أسألك!

حمزة مقطبا: - تخاف؟
نجوان بهزة بسيطة من رأسها: - أيوة، ما كنتش (لم أكن) عاوزة أسمع قصتك معها، ازاي حبيتوا بعض وليه سيبتوا بعض، لما قلت لي انك طول عمري بتحبني بصراحة افتكرتها مبالغة، او زي ما تقول كدا لاني معاك طول الوقت فحبك ليا كان شيء اعتيادي. ونفس الخوف دا هو اللي منعني اني أواجهكم انهرده!

حمزة بشك وحية: - ازاي؟
نجوان ودمعة ماسية ركضت على مرمر وجنتها: - خفت. أخ. أخسرك! تسيبني وتختارها هي، فضلت أني أهرب من المواجهة أحسن من أني أحطك في موضع اختيار بيننا، وأنا عندي خوف جوايا رهيب انك تختارها هي، في الاول والآخر انا اتفرضت عليك، لكن هي كانت اختيارك من كلامك ليا زمان عنها، يعني ما كانش لا مبالاة زي ما كنت فاهم!

رفع يده يحيط بوجنتها ليمسح بابهامه دمعتها ويقول بعدها بصوت منخفض: - لو عليا كنت اتجوزتك من زمان، من لحظة ما اتخرجت، لكن طول الوقت وانا كنت شايف في عينيكي انك مش بتبصي لي غير على اني حمزة ابن عمك وصديق ليكي وبس، ولما بابا فاتح عمي كنت را في موضوع جوازنا انتي كنتي رافضة، عمري ما هنسى كلامك ليا اني أرفض وأصمم على رفضي عشان مينفعش نتجوز، ولما كتبنا الكتاب طلبتي اننا نطوّل في تحديد معاد الفرح وما نتجوزش مع عمرو وسلمى، لغاية ما يقتنعوا اننا مش لبعض، بس مقدرتش أعمل كدا، يوم ما اتكتب كتابنا جالي احساس غريب. انك أخيرا بئيتي (أصبحت) مراتي أنا، بين ايديا، ولما أخدتك في حضني كدا.

والتفتت ذراعيه حولها بينما رفعت عينين لامعتين بدموع محبوسة اليه فيما تابع: - أقسمت أنك مش هتفارقيه أبدا، للحظة تخيلت أنك ممكن تكوني لواحد تاني غيري يحضنك ويكون قريب منك، خلّتني اللحظة دي على استعداد أني أقتل أي حد يفكر أنه ياخدك مني، وحلفت أنك مش هتكوني لغيري طول ما أنا عايش.

ابتسم بمرارة مردفا: - لكن نسيت أنه الحب عمره ما كان بالاجبار، مقدرش أجبرك أنك تحبيني، وفي الاول والاخر الحب مش بإيدينا. مش زرار هندوس عليه فنحب ونتحب!

نجوان باعتراض: - حمزة أرجوك تسمعني. أنا حالا لسّه بقولك أني خفت! يا ترى الخوف دا ليه. ما سألتش نفسك؟ لو أنا فعلا متجوزاك غصب عني وانت فشلت أنك توصلي حبك، يبقى ليه خفت أواجهكم، ليه خفت أسألك عليها طول الفترة اللي فاتت دي، ليه خفت أني أخسرك؟

حمزة وبذرة أمل صغيرة بدأت تنمو بداخله وهو ما بين مصدق ومكذّب للمعاني المبطنة لكلماتها:
- يعني ايه يا نجوان؟

نجوان وهي تبسط راحتيها على صدره وتزحف بها الى كتفيه: - يعني أنا معنديش أي استعداد أني أخسرك يا حمزة، أنا عارفة أني ما بادلتكش (لم أبادلك) اعترافك بالحب، لكن دا لأني أنا نفسي كنت مش مصدقة اللي بيحصل جوايا كلما كنت بسمع منك كلمة حب، لكن انهرده. لما شوفتك شايل واحدة تانية غيري، حاسيت بنار جوايا، النار دي خليتني أصرخ بصوت مكتوم. أقول لا. مش من حق أي حد يكون بين دراعاتك غيري، مش من حقك تحضن أي واحدة تانية، أنت كلك ملك حصري ليا اناوبس.

حمزة بذهول: - نجوان انتي.
هتفت قبل ان تخونها شجاعتها: - أنا بحبك ياحمزة بحب...
ليلتقم حمزة اعترافها بالحب بلهفة من بين شفتيها، تماما كما يلتقم الرضيع ثدي أمِّه في نهم وجوع شديدين!

يسير بخطوات واسعة لتلحق به حتى غرفتهما حيث سألته بنعومة ونظرات مترجية: - مش هتتغدى يا مهدي؟
مهدي دون أن يكلف نفسه عناء النظر الى لبنى: - لا أنا اتغديت في الشركة.
دلفت اليه لتراه وهو يقوم باخراج ثيابا نظيفة له فسألته بقنوط: - انت خارج؟
مهدي وهو يتجه الى الحمام: - هاخد شاور وأنزل، عندي شغل!

وصفق الباب خلفه! أسبوع كامل منذ عودتها من لدى خاله أدهم وهو يتحاشاها نهائيا، يتعمد الابتعاد عنها، لا يتناول معها وجباته، لا يعود الى المنزل الا بعد خلودها للنوم، حتى أنها بدأت تيأس، لولا اتصالها بريتاج تشكو لها وحديث الأخيرة الذي بث فيها روح الصمود وأن هذه خطة من مهدي حتى ترفع راية الاستسلام، وتعود الى ما كانت عليه، لكانت تراجعت عن كل قراراتها، ولكنها صمدت بعد حديثها مع زوجة خاله، مصممة على المضي قدما فيما انتوته!

نظرت اليها علية التي كانت تجلس في غرفة الصغيرة نهاوند تقوم بوضعها بفراشها بعد ان ذهبت في النوم، قالت علية بطريقتها الجادة:
- مش هتتغدي يا مدام؟
لبنى بشرود: - ماليش نفس.
ثم استدركت معترضة: - بعدين بلاش مدام دي، انتي عارفة اني مش بحب الرسميات.
علية بهدوء: - وهو كذلك.

لتستأنف بعتاب: - بس انت بئالك كم يوم لا أكل ولا شرب، مش شايفة نفسك وشّك عمل ازاي؟ هينفعك في ايه هو دلوقتي بقه؟ أهو بيتغدى ويتعشى وكمان بيخرج في سهرات عمل وانت هنا محبوسة بين أربع حيطان، بس سؤال. طالما انتي زي ما انتي كان لازمتها ايه المحاضرة الطويلة العريضة اللي ادتيهاللو دي يوم ما رجعت من عند أدهم بيه؟

لبنى بدهشة: - انتي بتقولي ايه يا علية؟
علية بتأكيد: - بقول اللي انا شايفاه! أنا لما سمعتك يومها قلت بس. هلاقي احدة تانية خالص، واحدة هتلتفت لنفسها بقه، وتعمل حاجة ليها هي، عشان مهدي بيه ميفتكرش انك كنت بتقولي اي كلام وخلاص، يعرف انه الموضوع بجد، لكن يوم ورا يوم وانت كل اللي بتعمليه انك قاعده مستنياه يرضى عليكي!

لبنى باعتراض قوي: - لا طبعا، بس أنا أكتر واحدة عارفة وفاهمه مهدي بيفكر ازاي، فاهماه وحاسة بيه، وعارفة انه موضوع والد أحمد دا مش بسهولة انه يتأقلم عليه، وأنه بصعوبة شديدة بيحاول يكون مرن في علاقة احمد بوالده، لكن أنا لغاية دلوقتي مش قادر يفصل بين شريف طليقي وشريف ابو ابني، ولازم مهدي يفهم انه فيه فرق واسع جدا، شريف هيفضل ابو احمد ابني وبس، انما طليقي دا انا نسيته واترمى من ذاكرتي أصلا، بالعكس أنا مش حاسة انى كنت زوجة لواحد تاني قبل مهدي.

علية وهي تقوم بطي ثياب الصغيرة المغسولة: - ودا هتقدري تقنعيه ازاي دا؟ ماشاء الله على دماغه، لما حاجة تدخل فيها يضربها بالنار ولا انها تخرج تاني!

لبنى بنظرات عزم قوية: - هقنعه يا علية، بأمر الله هقنعه!
علية بشكّ: - معاكي ربنا.

اغتسلت وارتدت ثوبا للنوم لم يسبق وأن رآه عليها سابقا، كان باللون الذهبي، ذو حمالات رفيعة للغاية وفتحة صدر واسعة، جزئه العلوي من الدانتيل المخرم والاسفل من الحرير الذي يلتصق بمفاتنها فيبرزها بطريقة السهل الممتنع، ورفعت شعرها الى الاعلى تاركة بعض الخصل تتطاير حول وجهها، ورسمت عينيها بالكحل الاسود العربي فأبرزت شهد عينيها، بينما لونت شفتيها باللون الخوخي فأكتسبتا لمعانا يخطف الابصار، وأنهت زينتها ببضع قطرات من عطرها الفواح الذي كان قد أهداها مثله في أوائل أيام زواجهما وهو يخبرها بأنه يعشق هذا النوع من العطر، ولم يكن يستطيع مقاومتها إذا ما استخدمته، فهو عطر قاااتل للحواس كماسبق له وأخبرها!

جلست في غرفتهما عازمة على انتظاره تقلب في قنوات التلفاز، حتى سمعت صوت خطوات تقترب فخمنت أنه قد عاد ومن المؤكد أنه لم يصفق الباب كي لايسب الازعاج في مثل هذا الوقت من الليل.

دلف مهدي الى الغرفة وهو ينزع سترته، يلقي بها الى الاريكة حيث كانت تجلس لبنى والتي نهضت فور دخوله ووقفت بجوارها، ولكنه لم ينتبه اليها، ثم نزع ربطة عنقه حيث لحقت بالسترة، وفك أساوروف قميصه لينتبه الى وقوفها، فتوسعت عيناه دهشة لما يرى، ثم حاول بعدها التجلد والتماسك ليشيح بوجهه الى الناحية الاخرى وهو يكمل خلع ثيابه قائلا ببرود:
- ايه اللي مصحيكي لغاية دلوقتي؟

لن يقنعها بأنه لم يتأثر بهيئتها، فصدمته الأولى ما ان وقعت عليها عيناه قد أبلغتها بما تريد معرفته، لتتقدم منه غير آبة لبروده، ووقفت أمامه تحيط عنقه بذراعيها البضتين تقرب وجها منه حتى كادت شفتيها أن تمسا فمه المزموم بقوة وهي تهمس بنعومة ذائبة:
- مستنياك، وحشتني وبئالي كتير مش بشوفك.

مهدي بنصف ابتسامة تهكم: - ليه، اومال فين الجمعيات الخيرية ولجنة حقوق الانسان ومحو الامية، وكل دا، راحوا فين؟ مش دول اللي وقفتى قودامي تقوليلي قرارك وانك ناوية تعيشي لنفسك ويبقى لك كيان مستقل؟ ايه اللي حصل للكيان دا؟

لبنى وهي تعلم أن حبيبها تماما كالطفل العنيد لن يتراجع عن رأيه بسهولة: - كياني هو كيانك، وأنت قلتها بنفسك، انت شوفت حاجة اتغيرت في حياتنا؟
قطب وقال: - لا!
لبنى بصبر: - رجعت في يوم مالاقيتنيش؟
مهدي نافيا: - محصلش!
لبنى بتنهيدة عميقة: - روحت في مكان من غير ما اقولك؟
مهدي بحزم: - لا طبعا!

لبنى بمهادنة وهي تضع قبلة خفيفة كرفرفة جناح فراشة على شفتيه وتبتعد سريعا: - طب بتبعد عني ليه؟ انا كل كلامي كان تخطيط للي جاي، لكن مش معناه ابدا انه ييجي على بيتي وجوزي، أبدا. لازم تكون واثق فيا يا مهدي.

حاول مهدي فك ذراعيها من حول عنقه وهو يقول: - الثقة مش بتطلب يا لبنى، الثقة بتتحس على طول، وعشان أثق فيكي لازم انتي كمان يكون عندك ثقة فيا، متخبيش عليا حاجة، منقررش حاجة تخص حياتنا من ورا بعض.

لبنى بتأكيد: - وأنا مقررتش حاجة من وراك! – طالعها بدهشة فأجابت – أيوة طبعا، أنا فكرت وجيت شورتك في القرارات دي، انت افتكرتني خلاص انا اديت (اعطيت) اوامري، ودا اللي هعمله، والموضوع مش كدا خالص، الموضوع اني عاوزة أعمل حاجة تنفعني وتنفع اللي حواليا، صدقني الشغل واني اتعامل مع الناس من تاني هيبقى له اثر كبير اوي على حياتنا، هكون عاوزة احس اني مش مقصرة في اي حاجة وعشان كدا هتلاقيني بحاول أتلافى أي تقصير او خلل في اي واجب من واجباتي كزوجة وأم.

مهدي بحدة مكتومة: - انتي نمتي برة البيت يا لبنى؟ حتى لو كان بيت خالي او حتى أبويا، انك تنامي على سرير تاني غير سريرنا دا شيء مرفوض بالمرة، وكمان من غير اذني!

لبنى وهي تسحب يديها مسدلة رأسها الى الاسفل: - شكلك مش عاوز تنسى يا مهدي، قلت لك بدال المرة كتير، عشان مشوار ضروري لطنط تاج، وكمان عشان ما نتخانقش، انت ما شوفتش نفسك يوم العزا كنت عامل ازاي؟

سارع بالقبض على معصميها وهو يقول من بين اسنانه المطبقة: - متفكرنيش بيوم العزا دا واللي حصل فيه! أنا مش منبه عليكي متكلمهوشي ومافش اي تعامل ما بينكم خالص؟

لبنى بصدمة: - تعامل! تعامل ايه أنا كنت بعزِّيه في حماه مش أكتر، عينه جات في عيني ما كانش ينفع أتجاهله أو أعمل نفسي ما شوفتوش، ليه طيب؟

مهدي بعنف: - عشان انا طلبت كدا!

لبنى وهي تتلوى رغبة في الفكاك من قبضته: - وأنا مش هتعدى الاصول، الراجل دا يبقى ابو ابني، يعني هيفضل في حياتنا، تجاهلنا لوجوده مش هيمحيه، بالعكس. بيثبته! تفتكر احمد مش هيلاحظ حالة الجمود اللي بنكون فيها وهو عنده؟ انا مش عاوزة ابني يتحط بين خيارين انا أو والده، هنا بيت احمد الحقيقي، وانت أبوه إلى معرفش غيره، لكن دا ما يمنعش اني أساعده انه يقرب من باباه، عشان خاطره هو قبل اي حد تاني.

مهدي بعنف مكبوت: - لمس ايدك، عارفة يعني ايه يلمس حتة منك حتى لو ايدك؟ لحظتها كنت عاوزة أدفعه بعيد عنك، وأنزل فيه ضرب وأقوله. انك أصبحتي ملكية خاصة بيا انا، من يوم ما وقعتي قسيمة الجواز!

لبنى بتعب وهي تحاول سحب يديها منه: - بردو مافيش فايدة، مش عاوز تقتنع، بص يا مهدي. أنا تعبت وزهقت فعلا، اعمل ما بدالك. خلاص مش فارقة.

قبض مهدي على معصميها بالقوة وهو يهتف بشراسة: - يعني ايه مش فارقة؟ يعني انا مش فارق؟ حبي مش فارق؟ بتتهميني عشان بغير عليكي انه حبنا مش فارق معاكي؟

لبنى بترجي: - يا مهدي افهمني واديني فرصة اتكلم.

مهدي هادرا بقوة: - فرصة! لا فرصة تانية انتي بقه! ولو لسه مش عارفة انتي ايه عندي انا على استعداد اني اعرفك. انت خط احمر، أمي وأبويا نفسهم مش مسموح لهم يقربوا منه، ولا أي حد، سكوتي لمرات خالي كان عن احترام ليها، لكن مش معنى كدا اني كنت راضي باللي حصل، لا، عشان كدا من هنا ورايح رجلي على رجلك، عاوزة تروحي جمعيات خيرية ممتاز، انا معاكي، حتى لو مش بذاتي فيه عربية بسواق تحت أمرك، ودا مش من دلوقتي دا من تاني يوم قراراتك اللي اتحفتيني بيها، يعني مهما روحتي وجيتي فأنت تحت عينيا، واضح؟

لبنى ببرود وهي تتأهب للانصراف: - واضح.
لترفع عينيها اليه مردفة بتحد: - بس بردو هنفذ اللي انا عاوزاه ومش هتقدر تخليني اتراجع. لا بتكشيرتك ولا بأوامرك العسكرية، ولو على العربية اللي بسواق فأنا هقبلها لسبب بسيط جدا، انك كدا وفرت عليا السواقة في الزحمة!

مهدي بنصف عين: - ماشي يا لبنى، مش هنتكلم كتير في نفس الحكاية.
لبنى وهي تشد يدها: - طيب ممكن تسيبني اروح انام.
مهدي بابتسامة شريرة: - اكيييد. كلنا هننام!
وفي لحظات كان انحنى ليرتفع ثانية على الفور يحملها بين ذراعيه يتجه بها الى الفراش، ليضعها في منتصف اغطيته القطنية الناعمة وينضم اليها وهو يقول بصوت خشن من فرط تأثره بمنظرها المهلك له:.

- انا بئالي اسبوع مش بنام، مش عاوز أكتر من أني آخدك في حضني وبس، والصبح لو لسه عاوزة تكملي خناق براحتك. بس دلوقتي عاوزك في حضني.

لتستسلم لبنى وترقد بين ذراعيه فيطوقها بحرص وقوة، ويبتسم ابتسامة رجولية جعلت دقات قلبها ترتفع عنان السماء، قبل ان يغمض عينيه مستسلما للكرى الذي جرفهما لينعما بنوم هادئ لم يذوقاه منذ سبعة أيام!

ومع انبلاجة الفجر. شعرت لبنى بهواء ساخن يضرب صفحة وجهها، ولمسات خشنة تتجول على مفاتنها، لتشهق فزعة وما ان فتحت عينيها حتى طالعتها نظراته المتوقدة بنيران شوق مستعر، ليهمس لها بصوت خشن وقد نفذ صبره:
- أخيرااااااااا.

وقبل ان يتثنى لها الكلام كان ينقض على ثغرها، يطفئ جوعه وشوقه اليها لتبادله ذات مشاعره بنفس القوة والعمق، فتاها معا داخل دوامة عشق مجنون، ملتحمان ببعضهما البعض تماما كتوأم سيامي لا يمكن الفصل بينهما!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة