قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية إغواء قلب للكاتبة ميرا كريم الفصل العشرون

رواية إغواء قلب للكاتبة ميرا كريم الفصل العشرون

رواية إغواء قلب للكاتبة ميرا كريم الفصل العشرون

لملمت شتاتها وظلت تسير بإنهيار تام تحاول أن تمنع تلك الصرخات الموجعة بداخلها
ولكن الى متى فقد عزمت أمرها وتوجهت الى منزله قاصدة الاقتصاص العادل منه فهو سبب كل شيء.

بعد ساعة من السير على الاقدام وصلت إلى شقته التي احضرها إليها سابقًا بأول لقاء دقت الباب بقوه وهي تحاول أن تلتقط أنفاسها، ليفتح لها وهو يطالع هيئتها بصدمة فكانت ملابسها ممزقة وشعرها متناثر بفوضوية أما عن وجهها فكان عليه اثار انامل طابعة على بشرتها بالأحمر القاني أثر أصابع أحدهم
تراجع عدة خطوات للخلف وأسقط نفسه على الاريكة بتأثر و وضع رأسه بين يديه دون أن ينبس ببنت شفه يشعر بالخزي من فداحة أفعاله.

لتعاتبه هي به بانهيار وبنبرة حزينة تقطع نياط القلب: عملت كده ليه حرام عليك ده انا اترجيتك وانت وعدتني، ليه يا أكمل كل الحقد ده ليه؟
ليهمهم هو بعد هطول عبراته المُخزية: كنت فاهم غلط و انه هو السبب في موت اختي يافتون.

رددت قوله بضياع وقهر من بين شهقاتها: أختك، طب هي ماتت واترحمت أن يبقى ليها اخ زيك حقود انا ذنبي ايه تدمرني وتذلني ده انا ركعت تحت رجلك وقولتلك متقولوش حقيقتي اترجيتك علشان متأذهوش تقوم تحرق قلبه وتظلمني حرام عليك عملتلك ايه علشان تبعني ل فهد انا قولتلك ألف مرة انا مش رخيصة يا أكمل والله مش رخيصة ليه، رد عليا ليه؟

زفر بضيق بعدما نهض وولاها ظهره فحديثها طعن بقلبه وادماه من شدة الندم ليلعن غبائه وانتقامه الواهي الذي اطاح بكل من حوله ويهمس بصوت مختنق بعدها: سامحيني يافتون انا كنت غبي ومش عارف هكفر عن اللي عملته أزاي بس اوعدك اني هعوضك
ردت بضياع وبعدم اتزان بعدما سحبت تلك السكين الموضوع بطبق الفاكهة بأيدي مرتجفة واقتربت منه وهو يوليها ظهره: انت فعلًا هتعوضني.

ألتفت ببديهية تزامنًا مع طعنتها التي استقرت بصدره وصراخها به بهستيرية: مفيش حاجة هتعوضني غير روحك، روحك يا أكمل
تناوب نظراته بينها وبين السكين المغروس بصدره ليشهق بألم حارق فاق تحمله ثم سقط بتهاون طريح لآثارها...

حدث كل شيء في غمضة عين في اقل من ثانية بعد ما استجمعت كل ألمها وجمعت كل ما عانته ومرت به واوقعته على عاتقه هو من أرغمها على كل شيء وعندما ابتسمت لها الحياة اخيرًا واهدتها قلب ينبض لها تدخل هو ليحيل بينهم كسد منيع، ضحكات هستيرية انتابتها، وحين تداركت فعلتها الشنعاء تهادت ضحكاتها وبرقت عيناها ثم شهقة قوية صدرت منها بعد أن نفضت السكين المدنث بدمائه ليخور جسدها على الأرض بضعف كضعف روحها التي تهالكت وظلت تنعيها بنحيب وعبرات منسابة دون انقطاع لم تكن ندماً لا هو يستحق ذلك أنما على حياتها البأساء التي اضنتها وأرهقت كل ذرة بها.

أمشي يا فتون
صدر صوته بنبرة ضعيفة يشوبها الألم وهو يحاول جاهداً التقاط انفاسه الموجعة
هزت رأسها بهستيرية وهي ترتجف من شدة خوفها ليستأنف بخفوت و بنبرة متألمة: امشي، اسمعي الكلام
لم تستغرق وقت للتفكير أكثر فقد هزت رأسها بلا وعي ثم نهضت وهرولت للخارج هاربة
بينما هو تناول هاتفه من جيب بنطاله
وطلب رقم هاشم وأخبره بإقتضاب وبحروف متقطعة أن يحضر اليه ويتكتم على الأمر وذلك كان قبل سقوطه فاقد للوعي.

ظل يسير بسيارته دون وجهة محددة لعدة ساعات حتى انه كاد أن يحدث أكثر من حادث بسبب إنفعاله و قيادته المتهورة، يسترجع مراراً وتكراراً ذلك المشهد اللعين داخل رأسه وبعد أن سأم توجه إلى قصره وعند وصوله
تدلى من سيارته بخطوات متخاذلة وهو يشعر أن نيران عاتية من شدة الغضب تشتعل بجسده من جديد توجه الى بركة السباحة ورمى بجسده داخلها باندفاع بملابسه ثم.

حبس أنفاسه تحت المياه لعدة دقائق طويلة وحين شعر بالاختناق طفى مرة أخرى على السطح وهو يزفر الهواء بقوة بعدما جالت بخاطره تلك الومضة عن ذلك اليوم حين انتشلها يوم الحفل من بركته ليلعن عبائه ويلعنها بعدما هيأ له أنها أفتعلت ذلك أيضاً وتعمدت خداعه ليأخذ نفس عميق من اعماقه الممزقة و يضرب المياه بقسوة ويسبح ذهاباً واياباً دون انقطاع ولكن رغم انهماكه بالسباحة إلا أن كلمات أكمل تترد بأذنه وذلك المشهد اللعين لها وهي برفقة ذلك السمج أمام عينه.

بعد وقت ليس بقليل وعندما شعر أن قواه قد خارت خرج من المسبح وتوجه الى السلم المؤدي الى جناحه مباشرتًا، ثم استبدل ملابسه بآخرى وتسطح على فراشه وظل يحملق بسقف غرفته بشرود و بملامح خالية من الحياة لتنسلت دمعة خائنة من عينه بحسرة بعد أن شعر بقلبه يأن من شدة الألم.

طرقات قوية على الباب و صياح امه الغاضب أخرجه من شروده فذلك ما كان ينقصه الآن تنهد بسأم ومسح بطرف أنامله دمعته و أذن لها بالدخول بعدما اعتدل بجلسته لتندفع هي اليه بقوة وتتحدث بسخط: ممكن افهم ايه اللي بيحصل ده وايه الخبر الزفت اللي مالي الجرايد ده
عقد حاجبيه بعدم فهم وتسأل: خبر ايه؟
رفعت جانب فمها بإمتعاض و رمقته بعدم رضا وناولته الجريدة.

ليغزو الشرار عينه وهو يطلع الى ذلك الخبر المزعوم وتلك الصور التي تجمعه معها أثناء رحلتهم لتشتد قبضة يده على الجريدة حتى نفرت عروقه هادرًا بحدة: ابنكل ده كان من تخطيطه من البداية وكان عامل حساب كل حاجة
هتفت هند بعصبية: انت بتقول ايه انا مش فاهمة حاجة هو مين ده؟
أجابها صقر بإنفعال: امي انا مش قادر اتكلم لو سمحتي سيبيني لوحدي
صممت هي: مش همشي من هنا غير لما أعرف حكاية البنت دي ايه يا صقر.

ومن امتى ليك في الكلام الفارغ ده
رد هو بنفاذ صبر: امي لو سمحتي انا مش عيل صغير علشان تحاسبيني
لم تعير حالته أي أهمية بل تهكمت: يبقى علشان كده سبت فدوة مش كده لتضيف بسخرية: وياريتك سيبتها علشان واحدة تستاهل دي بنت شوارع ومشيها بطال.

أغمض عينيه بقوة يحاول أن يتمالك نفسه أمامها بعدما ذكرتها بالسوء وقد شعر بأن روحه المعذبة تتألم من تلك الكلمات المسومة عنها ولكن هو لن يدع لقلبه اللعين أن يغلبه مرة أخرى فكفى فهو عزم أمره أن يسترجع ما كان عليه سابقاً ويمحوها من ذاكرته كأنها لم تكن ليهتف بحزم:
الموضوع خلص يا أمي وياريت متفتحهوش تاني معايا وبعدين انا راجل والكلام المكتوب ده ميأثرش عليا.

عقبت هند بعصبية على حديثه: انت لازم تنزل تكذيب وتقفل الجرنال ده
حانت منه بسمة هازئة وعقب: مقدرش اعمل كده
زفرت هند بضيق وقالت بعدم استيعاب: انا مش مصدقة أزاي وصل بيك الاستهتار لكده انت اتغيرت كتير
ارتمى من جديد على فراشه ووضع ساعده يخفي عينه وهمهم بضيق لكي ينهي الحديث: امي لو سمحتي انا تعبان وعايز انام
زفرت هي بقوة مرة أخرى ثم تركته وخرجت ليشرد هو من جديد في ما آل إليه حاله.

في صباح اليوم التالي كانت تتناول فطورها بتعجل شديد قاصدة الخروج قبل مصادفة خالتها فهي لا تريد أن تتواجه معها من جديد
وقبل ان تنتهي شاركها الفطور محمد العزازي عم صقر وعلى وجهه ابتسامة حنونة نابعة من طيبة قلبه قائلًا: صباح الخير اخبارك ايه يا فدوة؟
ابتسمت هي بأشراقة وردت: انا تمام يا عمو طمني عليك صحتك عاملة ايه؟
أجابها محمد: الحمد لله على كل شيء و كفاية اني وسطكم ولو مت مش هبقي لوحدي.

لترد هي كي تبث به الأمل: بعد الشر عليك ياعمو ربنا يخليك لينا إن شاء الله الدكتور اللي في ألمانيا يرد على صقر وتسافر وتعمل العملية وتبقى زي الفل
ابتسم هو بحزن وأجابها بأيمان قوي: يا بنتي محدش بياخد اكتر من عمره
حاولت طمئنته: ياعمو خلي عندك أمل وبعدين الطب كل يوم بيطور
أجابها آملًا: ياريت يا بنتي ده انا كان نفسي ربنا يمد في عمري علشان اشوف عيالك انتِ وصقر قبل ما أقابل رب كريم بس يظهر مليش نصيب.

فركت يدها بتوتر واجابته وهي مطرقة الرأس: كل شيء نصيب ياعمو وانا وصقر مكناش ولا هنكون غير اخوات وبس.

لتقترب برأسها منه وتخبره بخفوت بعدما أمنت محيطهم وتأكدت أن لا أحد يستمع لهم: كلام في سرك ياعمو صقر بيحب وانا حاسة انها هي كمان بتحبه ورغم انه قال أن الحكاية خلصت قبل ما تبتدي بس انا حاسة انها عمرها ما هتخلص كده لتستند على مقعدها من جديد وتضيف بضيق: حتى لو كان أكمل السبب في كل حاجة ده ميمنعش أن صقر حبها.

هز محمد رأسه بعدم اقتناع وهتف بثقة بعدما استمع لحديثها: معتقدش يا بنتي بعد اللي اتنشر في الجرايد، دي هند كانت شبه المجانين امبارح بليل لما شافت الخبر، عقدت حاجبيها بعدم فهم وهتفت مستفهمة: خبر ايه ياعمو؟
سحب محمد الجريدة وأشار اليها بيده على الخبر المزعوم لتنتفض بقوة وهي تلعن أكمل فمن المؤكد أنه هو من وراء ذلك ايضاً لتستأذن منه بأدب وتخرج بتعجل قاصدة إيلام أكمل على فعلته.

وقف بتعب وعيون غائمة أمام غرفة العناية المشددة يتطلع من الواجهة الزجاجية على صديقه وهو ملقي بداخلها كاالجثة الهامدة لا شيء يدل على حياته سوى جهاز ضربات القلب المتصل بجسده فبعد أن هاتفه بالأمس ذهب اليه بسرعة فائقة وبرفقته سيارة الإسعاف الخاصة ب مشفاه وعند وصوله وجده في حالة يرثي لها فقد نزف الكثير من الدماء وبعد إسعافه ونقله الى المشفى أجرى له عملية جراحية دَقيقة وحمد ربه وقتها أن تلك الطعنة الغادرة لم تصيب صديقه بضرر بالغ فهي أدت إلى تهتك بسيط بالرئة، تنهد بعمق بعدما شعر بتلك الأنامل الأنثوية الرقيقة تربت على كتفه.

والتفت لها بهدوء لتحمحم هي قاصدة التهوين عنه بعد قرارها أن تترك كل ما حدث بينهم جانباً الآن فهيئته أرجفت قلبها ومن المخزي أن تتركه دون أن تواسيه: إن شاء الله هيبقى كويس خليك متفائل
ابتسم بحزن وبعيون غائمة وهمهم بتقطع: خايف يموت
ويسيبني انا مش قادر اتخيل هعمل ايه لو ده حصل.

قالت هي لتبث به الأمل: متقلقش يا هاشم انت دكتور ومفروض تبقى متماسك اكتر من كده علشان انت عارف كل الاحتمالات الواردة ان شاء الله هيفوق ويبقى كويس
رد هاشم بتمني: يارب يا مي انا مبقاليش غيره
تنهدت بضيق من كلماته التي أثرت بها لكنها تجاهلت الأمر و سحبته برفق من يده وهي ترجوه: تعالى هوصلك مكتبك ريح شوية وهطلب لك حاجة تاكلها انت من امبارح وانت على الحال ده.

نظر لتشابك يدها بخاصته بهدوء ثم لاحت منه بسمة باهتة وانصاع لها
وعند وصولهم مكتبه جلس بأرهاق على الأريكة التي تقبع بزاوية من زوايا غرفة مكتبه أما هي اتجهت إلى الهاتف وطلبت له الطعام ثم وقفت أمامه وأخبرته بثبات وهي تضع يدها بردائها الأبيض: الأكل ربع ساعة ويوصل حاول تغمض عينك شوية و انا هروح اشوف شغلي.

رفع عينه المتعبة لها وقام بمد يده لها يناجيها بنظراته أن لا تتركه بمفرده لتخرج هي يدها ببطء وتضعها بين يده، ليسحبها برفق ويجلسها بجانبه وهمهم بنبرة حزينة وبمشاعر متلهفة أرهقها الأحتياج: احضنيني يا مي
لم تتردد ثانية واحدة فنبرته تلك أصابت أوتار قلبها و اشعرتها بمدى حاجته لها لتحتضنه بكل قوتها دافنة رأسه بصدرها بحنان مبالغ به فهي ايضًا بحاجة لقربه فربما ذلك يكون العناق الأخير بالنسبة لها.

اخذت تمرر يدها بين خصلاته برفق وان شعرت بأنفاسه المتقطعة المكتومة أدركت انه يجاهد أن لا يشعرها ببكائه ربتت على ظهره وشددت أكثر من احتضانه لعدة دقائق آخرى دون حديث حتى لا تشعره بالحرج ليهمهم هو بعد عدة دقائق بحزن وبنبرة متحشرجة: انا تعبان يا مي وحاسس إني لوحدي
قطعت هي عناقهم واحتضنت وجهه براحتها وأخبرته بحنان: انت مش لوحدك يا هاشم كلنا جنبك.

جالت عيناه على وجهها بنظرات شغوفة، سرت قشعريرة لذيذة بها فقد ذكرتها نظراته بسابق عهده ليتنهد هو بعمق ويلتفت يمرغ وجهه بكفها ويضع قبلة على باطنه.
ابتسمت هي برقة بعدما تراقصت دقات قلبها من فعلته وقالت: انت اقوى من كده يا هاشم علشان خاطري اتماسك وان شاء الله خير.

صدقني أكمل مش هيستسلم بالسهولة دي، اقترب بهدوء واستند على جبهتها بخاصته وهمهم بعدما مسح وجهه بيده يزيل أثر دمعاته: انا كنت بستمد قوتي منك يا مي ومن حبي ليكِ لكن دلوقتي انا حاسس اني ضايع
همست بنبرة مرتعشة وانفاس متهدجة من تأثيره عليها وهي تحاول جاهدة التغاضي عن أنفاسه الحارة التي تداعب حواسها وتشعرها بتفاقم احتياجها له: انت اللي اخترت البعد مش أنا
ووهمت نفسك ان ده الصح.

أغمض عينيه بقوة يحاول رباط جأشه من جديد ويكبح رغبته الملحة بالتمادي معها وقال وهو يعتدل بجلسته كي يفض ذلك القرب الذي يصعب عليه الأمر: انتِ ازاي عندك الثقة دي انه هيبقى كويس
استغربت هي من ردة فعله وابتعاده عنها لكنها تغاضت عن الأمر وأدركت أنه كان مشوش ليس أكثر لترد عليه بثبات مهترئ تتستر به على اوجاعها: علشان أكمل شرير والأشرار مابيموتوش بسهولة كده.

حانت منه بسمة عابرة واخبرها بجدية مبالغ بها: متقوليش عليه كده أكمل صاحب جدع و انا مبقاليش غيره
زفرت هي بغيظ وتراجعت قليلاً للخلف بخيبة أمل فمن المؤكد انه يريد أن يجرحها من جديد بمقصده فتلك المرة الثانية التي يؤكد حديثه لها وكأنه يذكرها انه محى أي أثر لها بحياته
لتهمهم بنبرة ساخرة وهي تدعي الثبات: ونيرة خطيبتك نسيتها وقورطة العيال اللي هتجبهم منها راحو فين!
خليك متفائل لسه الحياه قدامك يا دكتور.

اعتدل بجلسته وأخذ يدلك رقبته كعادته عندما يتوتر ثم اجابها: منستهاش أكيد، بس أكمل عِشرة عمري
ابتسمت ساخرة من إجابته
لتغير مجرى الحديث بعدما استعادت القليل من كبريائها فهي لن تزيدها على نفسها وتعاتبه من جديد ويخذلها: انت ليه مبلغتش البوليس عن اللي حصل
هز رأسه بنفي قاطع وأجابها: دي كانت رغبة أكمل لما كلمني واستنجد بيا ومعرفش السبب
هزت رأسها بتفهم وتسألت: تفتكر مين ممكن يعمل كده؟

أجابها بِفطنة: انا لما روحتله كل حاجة في الشقة زي ما هي مستحيل يبقى حرامي
عقبت هي على حديثه بشك: مش عارفة ليه حاسة ان واحدة هي اللي عملت كده
دلك رقبته بهدوء وهدر: انا برضو شكيت في كده بس مين دي اللي بالجبروت ده وتبقى عايزة تقتل أكمل الصرفي.

اجابته هي بنبرة متهكمة: ابقى اسأل الشرير بتاعك لما يفوق لتنهض عازمة الخروج وقبل أن تمد يدها تفتح الباب استوقفها هو وقبض على ذراعها برفق وقال بنبرة آسفة: أنا مدين ليكِ باعتذار عن اللي حصل عند مامتك بس اوعدك مش هتتكرر تاني
قلبت عينيها بسأم فا هو من جديد يتعمد أن يشعرها بندمه من مجرد تلامسهم مرة أخرى لتعقب بثبات ظاهري فقط: اعتذارك مش هيغير حاجة يا هاشم.

وأضافت بنبرة واثقة وهي تتلاشى انهيارها: وانا متأكدة انه مش هيتكرر تاني، عن اذنك لازم اشوف شغلي
ترك يدها وقد احتل الحزن ملامحه من جديد وأطرق برأسه بالأرض ولا يعرف بماذا يجيبها ولكنها لم تكترث لهيئته وانسحبت بهدوء وهي تشعر أن ما نوته سابقًا كان عين الصواب ولا سبيل للرجعة فيه.

بعد أن يأست من البحث عنه توجهت الى جاسم ذراعه اليمين واقسمت انه إن لم يخبرها بمكانه ستفعل ما يحمد عقباه لينصاع اليها لمعرفته تمام المعرفة بمكانتها عند رب عمله.

وعند علمها بشأن إصابته وقبوعه بالمشفى لم تشعر بنفسها إلا وهي تسوق بسرعة فائقة الى هناك فهي شعرت أن قلبها انشطر نصفين من القلق، تعلم أنها مخطئة بذهابها إليه لكن قلبها اللعين مازال ينبض له رغم كل ما حدث ورغم محاولاتها الشتى بإدعاء عكس ذلك إلا أنها كانت تجاهد رغباتها فبعد فعلته السابقة لا شيء يستطيع تعويضها عن ما شعرت به عندما هجرها دون أدنى سبب يذكر.

و عند وصولها اندفعت بقوة الى الداخل وظلت تقطع الطرقات بذعر ودمعات منسابة دون إنقطاع
وعند سؤال موظفة الأستقبال علمت بتواجده بالعناية المشددة
فتوجهت مهرولة إلى هناك لتصادف مي بالممر، اندفعت إليها وهتفت بنحيب وبقلب يعتصره الألم: هو فين يا مي حصله ايه ردي عليا ليه ما قولتليش ليه؟
احتضنتها مي وأخذت تطمئنها بحنان: اهدي يا فدوة هو هيبقي كويس هو في العناية ولسه مفاقش.

صرخت فدوة بعدم تصديق: لأ انتِ بتكدبي عليا انا مش مصدقاكِ انا عايزة اشوفه
تنهدت مي بيأس من إصرارها وقالت: هخليكِ تشوفيه علشان تطمني
هزت رأسها بعدم اتزان بعد أن خرجت من أحضانها وتوسلتها بعيناها، لتصحبها مي الى هناك.

وبعد تعقيمها دخلت إليه وعند رؤيته كتمت شهقاتها بيدها فكانت هيئته مزرية كان غائب عن الوعي و وجهه شاحب كالموتى وخراطيم الهواء والأسلاك الطبية متصلة بكامل جسده أما عن مكان الطعن فكان الشاش واللاصق الطبي يغطي كامل صدره بشكل يقشعر الأبدان.

ليزداد نحيبها وهي تقترب بخطوات واهنة منه وتتمسك بيده المتراخية و تخبره بأنفاس مختنقة راجية: متعملش فيا كده فوق يا أكمل، علشان خاطري، انا مقدرتش اسامحك ولا أغفرلك بس عمري ما اتمنيت موتك كفاية عليا اني احس انك بتتنفس وعايش حتى لو مش هقدر أكون معاك، لتضيف بتقطع بأنفاس مضطربة بعدما رفعت كفه واحتضنته: قوم يا أكمل انا عارفاك قوي وهتتحمل مش أكمل الصرفي اللي ضربة زي دي توقعه، شعرت بتحرك انامله بين راحتها مما جعلها تنتفض بقوة وتصيح بلهفة: أكمل انت سامعني مش كده.

أكمل رد عليا علشان خاطري ظلت تناجيه لكن دون جدوى لتندفع إليها مي وتخبرها: يلا يا فدوة الله يخليكِ وجودك هنا غلط كفاية اني طاوعتك وخليتك شوفتيه
هزت رأسها برفض قاطع وتمتمت بهستيرية: حرك ايده انا حسيت بيه
اجابتها مي بعملية: ده رد فعل عادي وبيحصل
شحب وجهها وهي تشعر بخيبة أمل لا مثيل لها ثم نظرت له نظرة طويلة تحمل الكثير بطياتها و خرجت وعيناها متعلقة به لتتبعها مي وترافقها إلى غرفة مكتبها.

أما عنها تلك التي اضنتها الحياه
ظلت ملازمة الفراش كالجثة الهامدة دون حراك منذ ما حدث فبعد فعلتها ظلت تسير دون وجهة محددة لا تعلم إلى أين تذهب لتحتمي من بطش الحياة وحين خطر ببالها منزل تلك السيدة الحنون ذهبت إليها بتلصص دون أن يراها أحد وعند طرقها لبابها لم تشعر بشيء إلا في اليوم التالي.

دخلت اليها إحسان بخطوات حثيثة وهي تحمل بيدها صنية محملة بالطعام وترجتها بهدوء: قومي يافتون يا بنتي الله يخليكِ كُلي لقمة
تطلعت اليها فتون بعيون يكسوها الحمرة و منتفخة من كثرة البكاء دون أن تنبس ببنت شفة لتعيد إحسان رجائها: يابنتي علشان خاطر ربنا اتكلمي وريحي قلبي.

اغمضت عيناها من جديد و أجهشت بالبكاء لتربت إحسان على ظهرها بحنان وتحسها على الحديث: احكيلي يا بنتي وخففي حمولة قلبك فضفضي يمكن ترتاحي ده انا من ساعة ما شوفتك امبارح مرمية قدام الباب ودماغي بتودي وتجيب ايه اللي حصل احكيلي؟!
اجابتها بأنفاس متقطعة من بين شهقاتها: هحكيلك يا ست إحسان بس اوعديني متتخليش عني وتظلميني زي ما كلهم عملوا معايا.

هزت إحسان رأسها بنفي قاطع واجابتها بثقة: ربنا يعلم معزتك عندي انا بعتبرك بنتي اللي مخلفتهاش ومستحيل هظلمك اتكلمي ومتخافيش
اومأت لها بامتنان وأخذت تقص عليها كل ما حدث.

استندت برأسها على ظهر الأريكة وظلت تزرف الدموع دون انقطاع لتباغتها مي بحدة بسؤالها بعدما شعرت بالضيق من إنهيارها: بتعيطي ليه بكرة يبقي زي القرد وبعدين فين كلامك عن انه حكايته خلصت وأنه لو أخر راجل في الدنيا مش هترجعي ليه انتِ رجعتي في كلامك ولا ايه؟

مسحت فدوة دمعاتها بظهر يدها وأخبرتها بنبرة حزينة مختنقة: لأ مرجعتش في كلامي و عمري ما هرجع، بس انا مش عايزاه يموت يا مي مش هتحمل فكرة انه مش موجود حواليا...
رغم اللي عمله زمان فيا بس معرفتش اكرهه غصب عني يا مي حسي بيا
تنهدت مي بضيق وجلست بجانبها تربت على ساقيها بمواساة: انا حاسة بيكِ يا فدوة بس صدقيني أكمل ميستهلش حبك ولا يستاهل تتحدي الدنيا علشان ترجعيله تاني انتِ نسيتي صقر عمره ما هيسمح بكده.

اجابتها هي بنبرة متألمة ودمعات فشلت في كبحها: انا، أكتر حد يعرف أكمل هو مش بالسوء اللي انتِ متخيلاه أكمل مبيعرفش يعبر عن اللى جواه وديمًا بيحاول يظهر عكسه، علشان يثبت لنفسه وللي حواليه انه قوي، انا مش بدافع عنه بس...

قاطعتها مي بحدة و بإندفاع كعادتها كي تذكر صديقتها ولا تلحق بها قبل أن تقع بشركه مرة آخرى: والله كل ده ومش بتدافعي عنه وبعدين بأمارة ايه ده ندل يا فدوة انتِ نسيتي اللي عمله فيكِ فوقي يافدوة وبلاش تضعفي من تاني.

انتِ خدتي قرارك وخلاص متخليش اللي حصله يأثر عليكِ وبعدين ليه مسألتيش نفسك مين اللي عمل فيه كده كل العلامات بتقول انها واحدة اللي حاولت تقتله والأغرب أنه قال لهاشم وهو بيستنجد بيه متبلغش تفتكري ليه؟
وايه اللي ممكن يكون عمله فيها علشان تقرر تقتله.

اومأت لها فدوة بضياع وهمهمت: انا عمري مانسيت ومتخافيش انا مش هرجع في قراري انا بس هطمن عليه علشان ابقى ريحت قلبي وحتى لو واحدة اللي عملت كده فيه مش هيفرق معايا ما أنا بسمع عن علاقاته الكتير ومبقاش يأثر فيا متقلقيش يا مي انا مش هذل نفسي ليه تاني ومفيش حاجة هتعوضني كسرته ليا.

أومأت لها مي واحتضنتها فهي تشعر بها وتتفهم موقفها وتعلم انها مازالت تحبه وتشعر بمقاومتها لنفسها لكن لن تدعها تضعف مرة آخرى وتخضع له فهو لا يستحقها
فنعم تؤيد وبشدة قرار سفر صديقتها فهي تستحق أن تبني حياه جديدة خالية من كل شيء.

وهنا تنهدت مي بضيق و همست في نفسها: على الأقل انتِ لما تسافري مفيش حاجة هتفكرك باللي هنا لكن أنا هاخد حتة منه معايا وهتفكرني بيه لتتحسس بطنها برفق وتلوح بسمة حانية مميزة على ثغرها.

كان يجلس منهمك في عمله بعد أن أقسم أنه يستعيد ما كان عليه ويمحيها من ذاكرته كأنها لم تكن
دخل عليه أكرم وملامح الضيق ظاهرة على وجهه لينتبه له الآخر ويسأله: مالك يا أكرم؟
زاغت نظرات أكرم وتلعثم لم يعرف من اين يبدأ الحديث: أكمل الصرفي حد حاول يقتله وفي المستشفى
لوهلة احتل الضيق ملامحه وشعر بالحزن لكنه ألتزم بثباته وتساءل: حالته ايه؟
مش عارف بس هو في العناية.

استند صقر على مقعده واستأنف: متعرفش مين اللي عمل كده فيه؟
مرر أكرم يده بخصلاته وأجابه: بيقوله واحدة هي اللي ضربته بس اللي استغربته أنهم مبلغوش
عقد حاجبيه بتفكير واشعل سيجاره وتساءل: مين اللي قالك على كل ده طالما هما مبلغوش
هاشم اتصل بيا وطلب مني ابلغ مامت أكمل واوديها المستشفى علشان تطمن عليه أومأ له صقر بتفهم وقال برزانة: روح يا أكرم وابقى طمني من هناك عليه.

ابتسم أكرم بمغزى وقال: رغم كل اللي عمله فيك قلقان عليه انت غريب أوي يا صقر انا مش فاهمك
اجابه صقر بعقلانية ونبرة واثقة: الندل ده في يوم من الأيام كنت أنا وهو أكثر من الأخوات ومينفعش اشمت فيه يا أكرم ولا اتمنى موته لو اني كنت ناوي احاسبه على اللي عمله بس كفاية عقاب ربنا عليه واللي حصله بس ده مش معناه إني سامحته ونسيت اللي حصل
تنهد أكرم وقال بفخر: انا محظوظ ان ليا صاحب زيك.

ابتسم صقر بود وقال بجدية: طب يلا روح علشان متتأخرش
أومأ له وانصرف بتعجل
ليشرد صقر في آثاره ويهمهم لنفسه: كفاية عليا انه هيعيش عمره كله قلبه محروق و ندمان على اللي عمله
وبعد ثوانِ طرقات منتظمة على باب مكتبه أخرجته من شروده ليأذن للطارق بالدخول ويستأنف مراجعة عمله ليتقدم منه رجل في العقد الخامس من عمره ويدعى محمود يحمحم بحرج: ممكن أخد من وقتك دقيقة يا صقر بيه.

رفع صقر عينه من على الورق وابتسم بهدوء وقال مرحبًا: تعالى يا عم محمود فينك ياراجل ياطيب كده تحرمني من قهوتك
لامؤاخذة يا بيه كنت تعبان شوية وراقد بقالي كام يوم
ولا يهمك انت أحسن دلوقتي، محتاج حاجة
نفى محمود برأسه وأخبره بامتنان: أنا أحسن يا بيه، ومش محتاج غير سلامتك ربنا يخليك لينا انت مش مقصر
ابتسم صقر بود ليتحمحم محمود من جديد والتردد يكسو ملامحه.

ليتنهد صقر ويقول بجدية بعدما لاحظ تردده: عايز تقول حاجة قولها يا عم محمود متترددش
ايوة يا بيه في حاجة معايا تخصك، ورقة ولازم اديهالك لقيتها وانا بروق المكتب من كذا يوم وبصراحة خوفت اسيبها توقع في ايد أي حد غيرك وسامحني يابيه والله لولآ رقدتي وتعبي كنت جبتهالك علطول
عقد حاجبيه باستغراب وتسائل بريبة: ورقة ايه ياعم محمود؟

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة