قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية إغواء قلب للكاتبة ميرا كريم الفصل الحادي والعشرون

رواية إغواء قلب للكاتبة ميرا كريم الفصل الحادي والعشرون

رواية إغواء قلب للكاتبة ميرا كريم الفصل الحادي والعشرون

طرقات منتظمة على باب مكتبه أخرجته من شروده ليأذن للطارق بالدخول ويستأنف مراجعة عمله ليتقدم منه رجل في العقد الخامس من عمره ويدعى محمود يحمحم بحرج: ممكن أخد من وقتك دقيقة يا صقر بيه
رفع صقر عينه من على الورق وابتسم بهدوء وقال مرحبًا: تعالى يا عم محمود فينك ياراجل ياطيب كده تحرمني من قهوتك
لامؤاخذة يا بيه كنت تعبان شوية وراقد بقالي كام يوم
ولا يهمك انت أحسن دلوقتي، محتاج حاجة.

نفى محمود برأسه وأخبره بامتنان: أنا أحسن يا بيه، ومش محتاج غير سلامتك ربنا يخليك لينا انت مش مقصر
ابتسم صقر بود ليتحمحم محمود من جديد والتردد يكسو ملامحه
ليتنهد صقر ويقول بجدية بعدما لاحظ تردده: عايز تقول حاجة قولها يا عم محمود متترددش.

ايوة يا بيه في حاجة معايا تخصك، ورقة ولازم اديهالك لقيتها وانا بروق المكتب من كذا يوم وبصراحة خوفت اسيبها توقع في ايد أي حد غيرك وسامحني يابيه والله لولآ رقدتي وتعبي كنت جبتهالك علطول
عقد حاجبيه باستغراب وتسائل بريبة: ورقة ايه ياعم محمود؟
ناوله محمود تلك الورقة التي خطتها هي له منذ عدة أيام وقصت له كل شيء بخصوص المخطط اللعين.

لتتجمد ملامحه وهو يؤشر الى محمود أن ينصراف بعدما شكره، وعندما قام بالتدقيق بها
اتسعت عينه بصدمة عارمة من تلك الكلمات التي سطرتها لأجله فقد شرحت له كل شيء و أخبرته أنها لن توشي بأي شيء يخص عمله وأكدت أنها لم تستطيع ايذائه.

وضع يده على فمه بعدم تصديق وهو يقرأ باقي كلماتها ويقسم انه شعر برجفة قوية اجتاحته بعدما قرأ قسمها؛ أنها أحبته بصدق. اغمض عينه بقوة يحاول استيعاب الأمر ولكن مهلآ ذلك لم يغير شيء بالنسبة له فيكفي انها اخفت عنه.

وتعمدت أن توقعه في شباكها أما بشأن قسمها قلبه يخبره أنها لم تتصنع مشاعرها واحبته بصدق لكن عقله اليابس لم يقتنع بتلك السهولة وحتى إن اقتنع ذلك لا يغير من كونها مدنثة عديمة الشرف بالنسبة له فهو مثله كمثل أي رجل شرقي يتمسك بالمبادئ والقيم والأعراف المُتبعة، وهو كا شرقي ايضًا يعد من أكثر رجال الأرض غيره على عرضه وشرفه ولا يقبل المساس بهم بتاتًا.

بعد تفكير دام طويلًا تنفس الصعداء وتعمد عدم الأكترث لندائات قلبه وبعد القليل من الشرود جال بخاطره
عقد الصفقة الخاصة بفهد وظل يسأل نفسه إن لم تكن هي من فعلت فمن فعلها لدقائق فقط استغرق الأمر منه التفكير ليرفع سماعة الهاتف ويطلب رقم مدير الشئون القانونية الخاص بشركته ويطلب منه بإيجاز أن يتأكد له من أمر ما.

أما عنها بعد أن قصت لإحسان كل شيء شعرت أنها ازاحت عنها قليلًا فكانت تجلس والآخرى تجلس بجوارها حين همهمت هي بضعف: خايفة يكون مات يا ست إحسان انا معرفش انا عملت كده أزاي انا شكلي هروح في داهية وهتسجن
اجابتها إحسان بأمل: هو يستاهل كل اللي حصله، بس نقول ايه ربنا يعفي عنه علشانك ياغلبانة وعلشان مستقبلك ميضعش دي أختك ملهاش غيرك.

انتفضت بقوة بعدما تذكرت شقيقتها وغمغمت: نهار ابيض انا نسيت ان فرحة هتروح على البيت اللي كان أكمل مأجرهولي دي اجازتها كمان ايام ده حتى تلفوني معرفش فين نسيته علشان اقولها انا لازم اروحلها المدرسة وأقولها متجيش دلوقتي لغاية متخلص امتحانات
لطمت إحسان صدرها بقوة وقالت بذعر: لأ مش هتتحركي من هنا انتِ عايزة يتقبض عليكِ
حاولت فتون طمأنتها: متخافيش مش هخلي حد ياخد باله مني وكمان لازم اعرف أكمل مات ولا لأ.

هدرت إحسان بنبرة يشوبها القلق: يالهوي كمان عايزة تروحي برجليكِ مستحيل اسيبك لوحدك
أصرت هي: متخافيش ياست إحسان لو ليا نصيب في حاجة هشوفها
أومأت لها إحسان بقلة حيلة واوصتها بنبرة حانية: علشان خاطر ربنا يا بنتي خلي بالك من نفسك
هزت رأسها بإنصياع وقد عزمت أمرها أن تذهب غدًا.

استبد القلق بهم جميعًا عندما لم يستفيق الى الآن فكان لكل منهم أفكاره الخاصة.
فكانت امه تنتحب بحرقة وتتسائل من الذي تعمد أذية ولدها ولكن هاشم تستر على الأمر واخبرها أنه سارق وما حدث كان نتيجة لتعرض أكمل له قبل ان يفر هاربًا.

اقتنعت وظلت تدعوه لولدها بتضرع طالبة من الله عز وجل أن يسلمه لها أما عنها ظلت متسمرة أمام الحائط الزجاجي المطل على فراشه بالعناية لم ترمش حتى عن موضعه، وظلت تناجي ربها لأجله لحين اتاها صوت أكرم الخفيض من خلفها فهو ايضًا ظل ملازم لهم داخل المشفى ينتظر الأطمئنان عنه: وجودك هنا غلط، انتِ أكيد عارفة أن صقر هيضايق لو عرف.

اجابته بأصرار مقيت لا علاقة لعقلها به: عارفة يا أكرم متتعبش نفسك مش همشي غير لما أطمن عليه، وانا عارفة انك أكيد مش هتخبي على صقر حاجة ومش فارق معايا علشان انا كنت هقوله
تنهد أكرم وقال بيأس من يباس رأسها: انتِ حرة يافدوة بس انا مش عايز صقر يضايق كفاية اللي هو فيه
أومأت له بضيق واستمرت بتحديقها بمالك قلبها من خلال الحائط الزجاجي.

أما عنه دخل ليتفحصه هو وفريق من الأطباء المختصين وبعد عدة دقائق خرج وعلى وجهه ابتسامة مطمئنة، تهافتوا الجميع عليه وسألوه بصوت واحد: طمنا ياهاشم
اجابهم بعملية: الحمد لله كل الوظايف الحيوية كويسة ومفيهاش خلل كل شيء طبيعي وحالته مستقرة
زفرت هي بأرتياح واعتلت بسمة هادئة ثغرها ثم تمسكت بقلادتها وكأنها تستمد منها القوة ورفعت عيناها بترجي قائلة بنبرة متألمة تناجي ربها: يارب متوجعش قلبي عليه، واحفظه.

لتقول فايزة والدته بلهفة: عايزة اشوفه يا هاشم الله يخليك
رد هاشم: حاضر ممكن اتنين منكم يدخلو يشوفوه بس طبعًا مش ازيد من عشر دقايق
أومأت له بتفهم وصوبت نظراتها على فدوة وقالت بحنو: انا وفدوة هندخله.

وبعد عدة دقائق دلفو اليه وعند رؤيته عن قرب أنهارت امه باكية وأخذت تقبل جبهته وهي تتوسله: ياقلب امك اوعي تسبني انا مليش غيرك يا أكمل كفاية اني اتحرمت من أختك علشان خاطر امك اوعي تسبني لتتعالي شهقاتها ويزداد نحيبها ليأتي هاشم واحد الممرضات ويسحبها خارجًا وهو يهدئها.

أما عنها انسابت دمعاتها تأثرًا بأنهيار والدته وتقدمت من فراشه بخطوات بطيئة وحين تمسكت بيده شعرت ببرودتها أخذت تمسح عليها برفق قاصدة تدفئتها وهمهمت من بين دمعاتها: متعملش كده فينا فوق علشان خاطري
س، ام، حي، ني
همهم هو بنبرة متقطعة دون وعي وهو مازال مغمض العينان
هزت رأسها بعدم تصديق وظنت انها يهيأ لها أنها استمعت لهمهمته
لتنظر اليه بذهول وتقول بلهفة: أكمل انت اتكلمت صح رد عليا انت كويس.

همس هو من جديد من بين لا وعي بتقطع وبنبرة ضعيفة خافتة: سا، محيني
ابتسمت هي بأتساع وقالت بقلب يتراقص بين جنباتها دون لحظة تفكير منطقية واحدة: هسامحك اوعدك هسامحك بس فتح عيونك يا أكمل
ليهزي من جديد دون وعي بنبرة أضعف: فتون، سامحيني يافتون.

وعند تفوهه بأسم آخرى شحب وجهها وانتفضت من جانبه تنظر له بصدمة عارمة وهي تجفف دمعاتها و تشعر بخنجر مسموم انغرس بصدرها فيبدو أن شكوك صديقتها بمحلها، لتنظر له نظرة عميقة تحمل بطياتها الكثير ودون أدني تفكير قامت بنزع القلادة التي تحاوط عنقها بقوة قطعتها ووضعتها بكفه المتراخي فهي عزمت بعد اطمئنانها عليه أن ترحل دون رجعة فيبدو أن قد حان موعد الفراق بالنسبة لها، هي تعلم أن قرارها السابق هو الصواب ولن تتهاون وتضعف من أجله فيكفيها خنوع، تبًالقلبها.

تنهدت بعمق قاصدة لملمت شتاتها ثم ألقت عليه نظرة أخيرة وأنصرفت بتعجل دون الأكتراث لأحد ممن كانوا ينتظرون بالخارج ينادون بأسمها.

ظلت تعبث بأغراضها بفوضوية مبالغ بها وهي تبحث عن ضالتها لتدخل والدتها إليها والحزن يحتل تقاسيم وجهها وتهتف بعدم رضا: بتدوري على ايه يا مي؟
أجابتها وهي منهمكة بالبحث: البسبور بتاعي كان هنا مشفتوش انا قلبت عليه البيت ملقيتهوش
ردت هنية بمغزى: ومش هتلقيه متتعبيش نفسك
عقدت مي حاجبيها بعدم فهم وتسألت: مش فاهمة ليه مش هلاقيه؟
علشان انا خدته يامي
هدرت مي بضيق: ياماما حرام عليكِ هو معاكِ وسيباني ادور عليه.

ردت هنية بنبرة حزينة تعاتبها: عايزة تسافري وتسيبيني يامي عايزة تهربي ليه ومخبية ايه عني تاني؟
زاغت نظراتها وردت بتوتر: هخبي ايه ياماما بس انا كنت هسافر أغير جو في أي حتة مش أكتر
قاطعتها هنية بأنفعال: كدابة...
انا سمعتك بوداني بتتفقي مع الدكتور أحمد ابن صاحب ابوكِ انك عايزاه ينتدبك عنده في المستشفى بتاعته اللي في دبي
لسنة كاملة
زفرت مي وهدرت بأندفاع: بتتجسسي عليا ياماما.

اجابتها هنية بعصبية: اه بتجسس عليكِ لما أشوفك بتضيعي نفسك وبتخربي حياتك بأيدك يبقى لازم اتدخل مش هقف اتفرج عليكِ
انفعلت مي وصرخت بقلب مفتور من الألم: حياتي هي فين حياتي اللي انتِ خايفة عليها عايزاني اقف اتفرج عليه وهو بيتجوزها قدام عيني؟
ولا عايزاني استني هنا واتحمل تجريحه فيا كل ما يشوفني.

عايزاني اركع عند رجله واقوله مخنتكش معملتش حاجة لتنهار باكية وتهمهم بضعف من بين دمعاتها الحارقة: عملت اللي أكتر من كده ومصدقنيش ومقدرش يسامحني على حاجة انا معملتهاش يا ماما الثقة انعدمت مابينا وانا مقدرش أحاول اقنعه تاني حتى البيبي اللي في بطني خايفة اروح أقوله انا حامل يفاجأني ويقوولي مش مني ويكرر جرحه ليا واتهامه
اتسعت عين هنية بصدمة وتسألت متلهفة: انتِ حامل!

هزت رأسها بضعف وهي تجفف دمعاتها بظهر يدها وجلست على طرف الفراش بهوان وهمهمت بنبرة حزينة بعدما تداركت زلفة لسانها: ايوة حامل ياماما اتأكدت من كام يوم ومكنتش عايزة حد يعرف
لتقول هنية بعدم تصديق: بس انتِ كنتِ بتاخدي حبوب منع يابنتي أزاي حصل
وضحت مي بحرج: أخر مرة كنت معاه يوم طلاقنا كانت حبوبي خلصت من فترة.

أحتضنتها هنية بحنان ومسحت على ظهرها بحنو وقالت بفرحة عارمة: مبروك يا بنتي ربنا يكملك حملك على خير أخيرًا امنيتي هتتحقق وأشوف عيالك لتقبل ظهر كفها وباطنه بالتناوب وهي تحمد ربها انه استجاب لدعواتها أخيرًا
لتهمهم مي برجاء: اوعديني انك متقولوش!
ردت هنية بعدم اقتناع: أزاي يابنتي من حقه يعرف حرام عليكِ تحرميه من الفرحة دي.

انتفضت مي بعصبية مفرطة وبجسد متشنج وصاحت بأندفاع كعادتها: يا ماما حرام عليكِ قولتلك مش هيصدقني وهيشكك فيا وحتى لو صدقني هيبقى فاكر اني عايزاه يرجعلي علشان حملي انا مش هفرض نفسي عليه ولا هقبل انه يرجعلي شفقة منه
اجتاح القلق قلبها من هيئة أبنتها وعصبيتها التي من الممكن ان تضر جنينها لذلك سايرتها: خلاص يابنتي اللي يريحك بس براحة علشان اللي بطنك بلاش تتعصبي الله يخليكِ، اهدي.

زفرت مي بقوة أنفاسها وجلست من جديد تحاول كبح دمعاتها لتحتضنها والدتها و تدعو والدتها لها جهرًا: ربنا يصلحلك الحال ياقلب أمك.

رمش بأهدابه عدة مرات قبل ان يفتح جفونه بضعف ثم همهم بصوت متحشرج بعدما استعاد جزء من وعيه: انا فين؟
تهللت اسارير هاشم وهو يتفحصه وقال بسعادة عارمة: نشفت دمنا يا جبلة وطيرت النوم من عيونا، حاسس بأيه
ابتسم ببهوت وهمهم بصوت واهن ضعيف: يارتني موت وريحتكم مني.

زجره هاشم يستنكر قوله: بعد الشر يا جبلة متقولش كده، ده لو تشوف أمك منهارة أزاي من ساعة اللي حصلك هتتمني تقعد تحت رجليها الباقي من عمرك ولا الغلبانة اللي حلفت ما تسيبك غير لما تفوق وفضلت وقفة على الأزاز الليل بطوله تبص عليك وهي بتعيط
ابتسم هازئا وأستفهم بضعف: مين دى الغلبانة اللي عملت كده، نيرة...

رد هاشم متهكمًا: هي نيرة صاحبتك دي ليها في حاجة غير المياعة دي طهقتني بقى بذمتك راجل ملو هدومه زي تقوله شومي دي عايزة ميت شومة على دماغها
ابتسم أكمل وهو يتحامل على نفسه وهمس: البنت كانت بتعمل اللي طلبته منها كتر خيرها أنها وفقت تمثل معاك على مي
وبعدين مش انت اللي كنت عايز كده ياحنين علشان تثبتلها أن الدنيا مش هتقف عليها.

لم يعطي حديثه عنها أهمية فذلك ليس وقت ملائم كي يخبره عن تخبط افكاره وسوء هواجسه ليغير مجرى الحديث: تاني حنين والله ما عارف أعمل فيك ايه؟
همهم أكمل بتعب: قولي تقصد مين بالغلبانة؟
أجابه هاشم بمساومة: لما تقولي مين القادرة اللي عملت فيك كده
غامت عين أكمل بحزن بائن وتمتم بضيق بعدما تذكر ما فعله بها: قادرة، ده مفيش حد ظلمته في حياتي أدها انا أستاهل ياريتها كانت موتتني ورحمتني من تأنيب الضمير.

ضيق هاشم عينه يحاول سبر اغوار صديقه لكن دون جدوى
ليستأنف أكمل بأصرار بعدما ألتقط نظراته: مش هقولك هي مين ريح نفسك والحمد لله انك مبلغتش زي ما قولتلك
على فكرة فيها مسؤولية كبيرة عليا ومسائلة قانونية بس ولا يهمك والحمد لله ربنا ستر و
أهم حاجة انك قومت بالسلامة
ليستأنف أكمل بتعب والفضول يتأكله: مش هتقولي برضو تقصد مين بالغلبانة
تنهد بعمق وأخبره بإيجاز: لما انقلك غرفة عادية وأطمن عليك هبقى اقولك.

وإن نوي الخروج استوقفه أكمل بنفاذ صبر وبنبرة جاهد لتكون قوية: استني ياحنين وقولي الأول مش هعرف أصبر
ليهتف هاشم بمراوغة: لما تعترفلي الأول، قلبي حاسس انك عامل مصايب
ابتسم بوجع وحاول أن يعتدل بجلسته فأستند على الفراش بكفيه بهوان وتحامل على نفسه ليتراجع هاشم ويحاول مساعدته وهو ينهره: مينفعش تتحرك كتير غلط عليك علشان جرحك لسه عايز وقت علشان يلم.

ولكن هو لم يعقب على حديثه بعد ما فاجأه ذلك الملمس البارد الخاص بقلادتها تحت يده، ألتقطها بخفة ورفعها أمام عينه بملامح شاحبة يكسوها صدمة عارمة فهو الأن علم هوية تلك الذي أخبره هاشم عنها ولكن لمَ الآن تركت قلادته، تلك القلادة هو من أهداها لها وهي أقسمت أنها لن تشلحها من عنقها إلا بمماتها لمَ الآن تخلت عنها هل حقًا كل شيء انتهى بينهم اين هي هل تركته للأبد.

غمغم بعدم اتزان وبنبرة هستيرية وهو يحاول النهوض: فدوة فين ياهاشم هي اللي كانت هنا طب هي فين وليه قلعت السلسلة من رقبتها انا لازم اروحلها امنعها أكيد هتسافر
ليحاوطه هاشم بقوة ويمنعه وهو يوبخه: انت اتجننت عايز تروح فين انت لسه تعبان ومش هينفع تتحرك لما تشد حيلك تبقى تروح مطرح ما أنت عايز
هدر هو بعصبيه وبكل إصرار وهو يتلوى بين يده: لأ انا لازم اشوفها ولو في أخر الدنيا.

مش هينفع تتحرك اسمع الكلام متبقاش مجنون
وهنا غمغم أكمل بنبرة منهارة تدمي القلب ومازال يقاوم هاشم الذي يمنعه عن النهوض: لا انا مجنون، مجنون بيها ياهاشم انا لازم أفهمها كل حاجة وهي أكيد هتعذرني انا بحبها ياهاشم، بحبها ومش هعرف اعيش من غيرها.

حاول هاشم جاهدًا تهدئته وكبح حركته لكن دون جدوى ليزئر أكمل بوجع ويتمسك بصدره بضعف و يحاول تنظيم انفاسه المتعالية ولكن الألم كان فوق أحتماله فلم يعلم أهذا ألم الطعن أَم قلبه اللعين المهوس بها ليسقط من جديد مغشي عليه من شدة الألم.

جلست هي بين صديقاتها على أحد الطاولات العريضة داخل ذلك المطعم الفاخر الذي يتوافد عليه نخبة المجتمع
وظلو يتبادلون الهمسات بينهم والأحاديث المتملقة بين نميمة ومدح وزم ايضًا لكن بطريقتهم الخاصة، أطلقت ضحكة صاخبة أثر قول إحدى صديقاتها
لتعقب احدهم عليها: واضح ياهند أن فضيحة ابنك مأثرتش عليكم خالص.

أجابتها هند بعنجهية وابتسامة صفراء: وليه عايزاها تأثر ابني راجل ويعمل اللي هو عايزه وبعدين هي دي اول مرة تسمعوا عن نزوات رجال الأعمال ولا أيه وبعدين شباب ولازم نعذره.

ليتبادلون الضحكات من جديد وهم يأيدو حديثها بتملق ليقاطعها رنين هاتفها لتجيب وهي مازالت محتفظة ببسمتها وعند سماع صوته المقيت تجمدت ملامح وجهها و استأذنت منهم بلباقة وابتعدت في زاوية بعيدة عن الأنظار وأجابته: عايز ايه تاني مش قولتلك متتصلش بيا!
انتِ نسيتي اتفاقنا ولا أيه يا ست هند انتِ وعدتيني تخرجيني من هنا علشان ارجع الأمانة وأخليها تحت عيني من تاني.

اسمع الراجل كلها كام يوم ويموت وساعتها مفيش حاجة هتقلقني وانت معندكش أي دليل ضدي وانا فكرت كتير ولقيت ان سجنك أحسن كتير على الأقل هتبطل تاخد مني فلوس وتستغلني
وإذا كان على الأمانة بتاعتك مبقتش تلزمني لان بعد موته مفيش حد هيشاركني انا وابني في حاجة
يعني ايه ياست هند بعتيني واستغنيتي عني بالبساطة دي وطلعتيني من المولد بلا حمص
افهمها زي ما تحب و متتصلش بيا تاني وبتمنالك من كل قلبي تعفن في السجن.

أغلقت معه واعتلى ثغرها بسمة منتصرة ظنًا منها أنها انتهت منه ومن ابتزازه لها غافلة أن للقدر حسابات آخرى.

بعد وصولها لباحة القصر ظلت ملازمة سيارتها لعدة دقائق تحاول أن تتمالك نفسها لكن دون جدوى استندت برأسها على عجلة القيادة وظلت تتعالى شهقاتها دون انقطاع لتضرب المقود عدة ضربات بهوان و تهمهم بضعف قاصدة دعم نفسها: كفاية، كفاية انا تعبت، انا قفلت صفحته وهبدأ من جديد انا لازم ابقى قوية وأد قراري انا مش هضعف تاني.

لتتنهد بعمق وتسحب عدة محارم ورقية من تابلوه السيارة وتجفف دمعاتها وحين انتهت نزلت من سيارتها وتوجهت الى الداخل
في تلك الأثناء
كان هو يقطع الردهة ذهابًا وايابًا وهو يشعر أن رأسه ستنفجر من كثرة التفكير ليصيح بها بحدة بعدما وقعت عينه عليها
مش هقولك كنتِ فين علشان انا اتوقعت ده، بس قولتلك قبل كده وهفضل اقولك مش هسمحلك ترجعيله حتى لو روحك فيه، فاهمة.

ظلت تجاهد حتى تكبح رغبتها بالبكاء مرة أخرى امامه وهمهمت تدعي الثبات: انا منستش وعدي ليك انا قدمت على التأشيرة من كام يوم ومستنية الموافقة وان شاء الله هسافر خلال ايام وياريت تكون أقنعت خالتو علشان مش عايزة أمشي وهي زعلانة مني
هذا أخر ما تفوهت به قبل أن تنسحب الى غرفتها
تاركته ينظر لآثارها بذهول فهو توقع أنها ستعارضه أو حتى تناقشه بعد ما حدث لذلك اللعين لكن هي فاجأته كثيرًا بردة فعلها.

بعد ان استرد وعيه أطمئن عليه هاشم وعمل اللازم له تم نقله لغرفة عادية داخل المشفى وحين لاحظ تلهف أمه عليه وجلوسها بجانبه وهي تحمد ربها على سلامته قرر أن يترك لهم المساحة الكافية واستأذن منهم وذهب لذلك القابع بالخارج بشرود على أحد المقاعد الحديدية القابعة في الرواق
فقد جلس بجانبه ورتب على ساقه بأمتنان قائلًا: تعبتك معايا يا أكرم معلش بس ملقتش غيرك ينفع يجيب مامت أكمل.

ولا يهمك أهم حاجة طمني على قليل الأصل بقى احسن
اه الحمد لله أحسن ليعقد حاجبيه بأستفهام ويستأنف: بتقول ليه عليه قليل الأصل!
ابتسم أكرم بحزن واجابه بأنفعال: علشان هو قليل الأصل ومعملش حساب للي كان بينا
تسائل هاشم بعدم فهم: عمل ايه فاهمني؟
انت مقريتش الجرايد ولا إيه!
هز هاشم رأسه ب لا وتحدث مستفهمًا: فيها أيه الجرايد.

زفر أكرم بنفاذ صبر وتناول هاتفه وعرض عليه الخبر من على أحد المواقع الألكترونية وأستأنف موضحًا: صاحبك بعتله البنت دي لعبت عليه وكانت بتتجسس لحسابه وخسرت صقر صفقة مهمة في شغله ومش بس كده الندل كان ناوي يحطله مخدرات علشان يسجنه
وكل ده ليه علشان غبي وتفكيره محدود كان فاكر أن صقر ليه علاقة بموت أخته.

أغمض هاشم عينه بقوة يشعر بلاستياء من صديقه ثم عقب: كنت حاسس انه بيخطط لحاجة بس معرفش انه هتوصل بيه لكده والبنت دي انا عارفها وميتهيألي كمان انا السبب في أختياره ليها ليدلك عنقه بأنفعال ويتمتم من بين أسنانه: غبي، طول عمره غبي وتفكيره سطحي، بس انا مش هسكت لازم اوجهه وابهدله.

لينهض بقوة قاصد إيلامه ليوقفه أكرم بأصرار وهو يقبض على ذراعه: مش وقته يا هاشم هو لسه تعبان استنى لما يشد حيله وبعدين متنساش ان أمه معاه
أومأ له بتفهم وتمتم بأصرار: ماشي هسمع كلامك بس لغاية مايشد حيله
تعالى بقى معايا ابص عليه قبل ما أمشي علشان أطمن صقر.

هز الآخر رأسه بعدم تصديق من قوله أيعقل أن صقر يريد الأطمئنان بعد كل هذا حقًا انه معدنه أصيل و رغم ادعائه الحدة والصرامة إلا أن قلبه انصع من بياض الثلج، ليلعن هاشم غباء أكمل للمرة الألف ويدلف اليه برفقة أكرم
فكان هو متسطح بين أحضان والدته وشارد بحزن في صاحبة القلادة
إلى أن همهمت أكرم اجفلته: حمد الله على سلامتك.

نظر له نظرة خاطفة ثم أطرق رأسه بخزي ولم يتفوه ببنت شفه ليستطرد هاشم يلاحق الموقف أمام والدة أكمل: أكرم جه يسلم عليك قبل ما يمشي كان قاعد هنا من ساعة اللي حصلك علشان يطمن عليك
ليقول أكرم بتهكم تقصده: إحنا أخوات وعندنا أصل ومينفعش نسيب بعض في ظروف زي دي، انا همشي بقى تأمروني بحاجة
ليهمهم أكمل بحرج: شكرًا يا أكرم مش عارف اقولك ايه انا مكسوف منك.

أومأ له وإن كاد ينصرف أخبرته فايزة: خدني معاك يا أكرم هجيب هدوم لأكمل وشوية حاجات لتستأنف قبل انسحابها وهي توجه حديثها لأكمل: مش هتأخر عليك يا حبيبي مسافة السكة
أومأ لها لتخرج برفقة أكرم أما عنه ظل ينظر له بغيظ يريد ان يحطم جمجمته اللعينة التي تسببت بكل شيء سيء ليهمهم أكمل بعدما ألتقط نظراته: مالك يا هاشم انت بتبصلي كده ليه!

أجابه هو من بين اسنانه: هتعرف بس مش وقته حاول تنام شوية وانا هشوف كام حاجة كده وارجعلك
أومأ له لينصرف هاشم ويتركه يتطلع لتلك القلادة التي أفقدته أخر أمل له في استردادها.

تسللت هي إلى خارج منطقتهم الشعبية بعدما تعمدت أن تخفي وجهها بطرف وشاحها الأسود وعند ابتعادها مسافة كافية زفرت بأرتياح وتوجهت الى منزل أكمل لعلها تستعلم عن توابع فعلتها
وعند وصولها أخبرها حارس البناية أن سيارة أسعاف اصطحبته الى مشفى الجارحي لتتوجه الى هناك دون تردد.

بعد أقل من نصف ساعة وصلت هي الى غايتها وبعد استعلامها عن غرفته ذهبت الى هناك بخطوات مهزوزة، فقد وقفت أمام باب غرفته وهي تشعر ان كل إنش بجسدها ينتفض من الذعر لكن لا مجال للتراجع
تعالت أنفاسها بقوة وهي تدير مقبض الباب وتحاول فتحه وعندما اتضحت الرؤية أمامها حمدت ربها انه بمفرده لتجول المكان من حولها بحيطة وتدلف الى الداخل وتغلق الباب خلفها.

كان هو يتحايل على النوم لكن دون جدوى لينتبه لدخولها ويتأهب بجلسته ما أن سقطت عينه عليها وينطق بعدما أبتلع ريقه متوجسًا: جيتي ليه؟
اوعي تكوني جاية تموتيني بجد المرة دي؟

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة