قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية إغواء قلب للكاتبة ميرا كريم الفصل الثاني والعشرون

رواية إغواء قلب للكاتبة ميرا كريم الفصل الثاني والعشرون

رواية إغواء قلب للكاتبة ميرا كريم الفصل الثاني والعشرون

تسللت هي الى خارج منطقتهم الشعبية بعدما تعمدت أن تخفي وجهها بطرف وشاحها الأسود وعند ابتعادها مسافة كافية زفرت بأرتياح وتوجهت الى منزل أكمل لعلها تستعلم عن توابع فعلتها
وعند وصولها أخبرها حارس البناية أن سيارة أسعاف اصطحبته الى مشفى الجارحي لتتوجه الى هناك دون تردد.

بعد أقل من نصف ساعة وصلت هي الى غايتها وبعد استعلامها عن غرفته ذهبت الى هناك بخطوات مهزوزة، فقد وقفت أمام باب غرفته وهي تشعر ان كل إنش بجسدها ينتفض من الذعر لكن لا مجال للتراجع
تعالت أنفاسها بقوة وهي تدير مقبض الباب وتحاول فتحه وعندما اتضحت الرؤية أمامها حمدت ربها انه بمفرده لتجول المكان من حولها بحيطة وتدلف الى الداخل وتغلق الباب خلفها.

كان هو يتحايل على النوم لكن دون جدوى لينتبه لدخولها ويتأهب بجلسته ما أن سقطت عينه عليها وينطق بعدما أبتلع ريقه متوجسًا: جيتي ليه؟
اوعي تكوني جاية تموتيني بجد المرة دي؟

كانت هي تستند على الباب و تضع يدها على خافقها تحاول أن تكبح ذعرها وتتمالك نفسها لتقول بعدما هزت رأسها بنفي مستنكرة إتهامه: معرفش جيت ليه انا كان مفروض ازعل لماعرفت انك عايش بس لقيت نفسي عندك علشان أطمن انا عارفة انه غباء مني بس يمكن جيت علشان أريح ضميري
زفر هو براحة وأجابها ساخرًا: جاية تطمني عليا ولا على نفسك على العموم متقلقيش مبلغتش عنك.

أطرقت فتون رأسها بالأرض وهمهمت بخفوت: كنت فاكرة انك هتبقي عايز تسجني وتعاقبني على اللي عملته فيك
تنهد باستسلام استغربته منه وهدر وهو يتمسك بصدره: انا أستاهل أكتر من كده ياريتك موتيني
ليستأنف بأسف وشعور الندم ينهش به: سامحيني يا فتون و اوعدك هحاول أصلح اللي حصل
هزت فتون رأسها هازئة بما تفوه به وغمغمت بنبرة حزينة متألمة: مبقاش ينفع هتصلح ايه ولا أيه.

انت قضيت عليا بعد ما دنثتني بوصمة عار عمري ما هعرف امحيها
تحدث بأصرار وبنبرة مؤنبة: انا هقول ل صقر كل حاجة هقوله انك مكنش ليكِ علاقة بفهد وان كل ده من تخطيطي انا
قاطعته فتون ودمعاتها تنسل على وجهها دون انقطاع وبنبرة حزينة يائسة: مش هيصدقك وحتى لو صدقك عمره ما هيغفر ولا يستوعب اني بريئة مبقاش ينفع يا أكمل.

لتستأنف بتهكم ونبرة أشد حزنًا: لو كنت انت صدقت، كان هو كمان صدق، انت نسيت انك في يوم من الأيام خدتني لنفس الغرض
ضرب بقبضته الفراش بقوة وهدر بأنفعال بعدما لامس حديثها اوتار قلبه المدمي وشعر بفداحة فعلته: انا السبب فكل حاجة انا السبب غبي، غبي.

لتستأنف فتون بقهر وبنبرة متألمة اضنتها الحياة: مش انت السبب لوحدك في اللي وصلتله في غيرك ابويا اللي كان بخاطر بيا وبسمعتي ده كان مش هامه اني ممكن في مرة أضيع وأخسر شرفي كان كل اللي يهمه الفلوس وبس.
لتضيف ببسمة ممزقة: ده غير جمال
وعوض، وفهد، وغيرهم كتير حاولوا يستغلوني اسوء استغلال وينهشو فيا
الوحيد اللي لقيت معاه الأمان وعمره ما حاول يعمل زيكم كان صقر وللأسف خسرته للأبد بفضلكم.

لتشهق بحرقة وتهمس بصوت مختنق على حافة البكاء: بدعي من ربنا تحس باللي حسيت بيه، يتوجع قلبك زي ما وجعتني وظلمتني حسبي الله ونعم الوكيل فيك
وإن كادت أن تلتفت لتغادر استوقفها راجيًا: استني متمشيش انا هعوضك واللهِ يافتون هعوضك بس سامحيني
هزت رأسها بنفي قاطع وغمغمت ودمعاتها تنسلت على وجهها: أطلب السماح من ربنا مش مني انا.

مش عايزة منك حاجة غير انك تسيبني في حالي انا هاخد أختي ونبعد في أي حتة بعيدة وعمري ما هرجع هنا تاني
ليصرح لها: انا قطعت وصولات الامانة انا عمري ما كنت هأذيكِ يافتون
أبتسمت بسخرية مريرة وقالت قبل أن تلتفت: ياريتك أذتني ولا أنك عملت فيا كده.

وإن فتحت الباب لتغادر وجدت هاشم متسمر أمامها وملامحه ممتعضة للغاية فيبدو انه أستمع الى حديثهم، أطرقت هي برأسها بالأرض تجفف دمعاتها ثم تخطته وأنصرفت بخطوات واهنة متخاذلة ليندفع هاشم الى أكمل بقوة ويلكمه بوجهه بعنف غير عابئ بحالته الصحية هادرًا من بين اسنانه: حرام عليك ليه، ليه انا مش مصدق عملت كده أزاي.

أجابه أكمل بضيق و بعيون غائمة وهو يتمسك بفكه متألمًا: بلاش انت كمان تيجي عليا، واعذرني انا فهمت غلط وكان انتقامي عاميني
اجابه هاشم بعصبية مفرطة: يبقى تستاهل تتحمل نتيجة غلطك لوحدك ايه ذنب المسكينة دي
أجابه أكمل بندم: انا عارف اني استاهل أي حاجة تحصلي وصدقني ندمت.

ليحذره هاشم بجدية مبالغ بها وبنبرة لا تقبل التفاوض: قسمًا بالله لو مصلحتش اللي عملته وروحت ل صقر واعترفتله بكل حاجة لكون انا اللي حكيله وساعتها متلمش غير نفسك
أومأ له أكمل بأنصياع وأخبره وهو مطرق الرأس: اوعدك هصلح كل حاجة بس أخرج من هنا، رمقه هاشم بأحتقار ثم غادر بخطوات غاضبة تاركه يتطلع لآثاره وهو يشعر بالخزي من نفسه.

أما عنها بعد خروجها من المشفى
توجهت من جديد لبيت إحسان فهي لم تقوى على الحركة أكثر بعد مواجهتها معه و شعرت بقليل من الأطمئنان عندما أكد لها انه لم يوشي بها للشرطة فقد قررت تذهب في صباح اليوم التالي الى مدرسة شقيقتها وتخبرها بما نوته فهي عزمت ان عند انتهاء اختبارتها أن تأخذها بعيدًا عن كل شيء وتبدأ حياة جديدة.

ظلت تسير بخطوات بطيئة متخاذلة وهي تحمي وجهها بوشاحها حتى لا تلفت الأنظار لها وحين وصلت الى البناية تنهدت بأرتياح وصعدت الدرج بأرهاق تام
وحين طرقت على الباب فتحت لها إحسان وهي متلهفة وملامحها يكسوها القلق: الحمد لله انك رجعتي يابنتي كنت هموت من قلقي عليكِ.

ابتسمت لها فتون ببهوت واجابتها وهي تدلف للداخل: الحمد لله ربنا ستر وان كادت تغلق باب الشقة خلفها اندفع الباب بقوة ارتدت هي على آثارها، وإذا به يظهر بهيئته المقيتة وصوته الذي يشعرها بلاشمئزاز: وحشتيني ياست البنات انتِ فكرك لما تخبي وشك مش هعرفك عيب ده انا أطلعك من وسط ألف واحدة
شهقت هي بقوة وان كادت تصرخ
دفعها بقوة اسقطتتها بعدما دلف الى الداخل وأغلق الباب هادرًا.

بوعيد وهو يشهر مديته بوجهها: عارفة ياروح أمك لو صوتك طلع هعمل فيكِ ايه انتِ والحيزبونة دي عليا النعمة هشرحكم
كتمت فمها بيدها وهي تهز رأسها بهستيرية واجابته بخوف: مش هفتح بؤقي يا جمال بس بلاش تأذي ست إحسان الله يخليك هي مذنبهاش حاجة
ابتسم جمال بشر وجذب إحسان بقوة ووضع مديته على رقبتها وهتف بنبرة إجرامية: خايفة عليها ياست البنات يبقى تسمعي الكلام.

هزت رأسها بأنصياع وهي ترفع يدها باستسلام ونهضت بهدوء وسايرته: حاضر هسمع الكلام بس سيبها يا جمال
هدر هو بتشكيك: واضمن منين انك مش بتشتغليني زي المرة اللي فاتت
قالت هي بقلة حيلة: قولتلك هعمل اللي انت عايزه
طب فين الفلوس اللي خدتيها من البيه العليوي
اجابته فتون بصدق لم يستوعبه: واللهِ ما أخدت حاجة.

رد جمال بخبث: هعمل نفسي مصدقك يا بنت العايق و انكري براحتك بكرة فلوسنا تبقى واحدة ويبقى مفيش بينا فرق لما اتجوزك
كررت كلمته بعدم استيعاب: تتجوزني
اه هتجوزك ياست البنات ده انا حلمت كتير باليوم ده انك تبقي ليا لوحدي وأعيش معاكِ
همهمت إحسان بأنفاس مضطربةوهي تحاول ان تخفف ضغط يده على رقبتها: أهدى ياابني الله يخليك وخلينا نتفاهم
وبعدين جواز ايه ده اللي بالغصب.

نهرها جمال بحدة بعدما دفعها بقوة على أحد المقاعد المتهالكة: ملكيش دعوة انتِ يا وليه يا حيزبون انا متفق مع العايق انه هيجوزهالي لما ألقيها
همهمت فتون بضعف: بس ابويا مسجون!
العايق طالع، أصل البيه اللي قدم البلاغ غير اقواله من كام يوم و كلها يومين بالكتير ويفرجو عنه انا عرفت الكلام ده من حد معرفة جوة القسم
غامت عيناها وهي تلعن حظها العسر فيبدو أن أكمل قد صدق بوعده لها وسيخرج اباها.

ليستأنف جمال بنبرة لا تقبل التفاوض: هنكتب الكتاب اول ما يخرج انا اتفقت معاه على كده واعملي حسابك ياعروسة ليوجه
حديثه لإحسان: وانتِ يا وليه عايزك تظبطهالي وتخليهالي زي البدر في ليلة تمامه.

ليسحب هاتف إحسان الموضوع على الطاولة أمامه ويدسه بجيبه ثم يخطو عدة خطوات الى الهاتف الأرضي ويهشمه بالارض بقوة ويسحب السلك الخاص به ويقطعه بمديته الحادة هدرًا بوعيد: لو فكرتو تستنجدو بحد ولا شطانك وزك بس تهربي هندمك يافتون، هجيب كرش ست إحسان بتاعتك دي ده غير اللي هعمله في المحروسة أختك واوعي تفكريني ياست البنات كرودية لأ انا بقولك أهو رجالتي في كل حتة في الحارة حتى باب الشقة هوقف اتنين منهم عليه ونجوم السما أقربلك تعتبي بره عتبة البيت لغاية ما أعقد عليكِ ليخرج ويتركها متسمرة تتطلع لآثاره بعيون جاحظة غير مستوعبة لكل ما حدث ليتهدل جسدها على الأرض تنتفض بقوة شاعرة بصقيعها النفسي ينخر عظمها لتهز رأسها بنفور ودمعاتها الحارقة تكوي وجهها فكل ما يحدث لها يفوق قدرتها على التحمل لتندفع إليها إحسان تحاول أن تهون عنها لكن هي كانت مثل المغيبة فقد صرخت بحرقة ثم سقطت فاقدة للوعي بعدما تحاملت كثيرًا على نفسها.

تنهد بعمق وهو يفرد جسده على الأريكة التي تحتل زاوية من غرفة مكتبه داخل شركته
وهو يقرأ رسالتها للمرة الألف يحاول أن يستنبط أي شيء من بين السطور يقنع عقله به، وخاصًة انه يشعر بحلقة مفقودة بالأمر
دخل أكرم إليه بهدوء وأخبره برسمية: في عندي معلومات مهمة لازم أقولهالك
زفر ورد بلا اكتراث بسبب ضجيج رأسه: مش وقته يا أكرم عايز ابقى لوحدي.

قال أكرم بأصرار وهو يقترب منه: لأ مش هسيبك لوحدك وبعدين لازم تعرف علشان يمكن المعلومات اللي عندي تهون عليك
أجابه بنفاذ صبر بعدما أعتدل بجلسته: اتكلم يا أكرم انا على اخري ودماغي هتنفجر من التفكير
تنهد بضيق من طريقته ولكن عذره وهتف يزف إليه الخبر: مش فتون اللي سربت العرض ل فهد
عقد حاجبيه بدهشة وتسأل بعدم فهم: اتأكدت ازاي؟

حسين مدير التسويق لقينا الملف بتاع Deal مسحوب على اللاب توب بتاعه لما فحصناه ولما اتحقق معاه مأنكرش ده اللي عرفته من الشؤون القانونية بعد ما انت بلغتهم بشكوكك
أغمض عينه بقوة وأخذ يمسد جبهته وهو يستند برأسه للخلف على الأريكة يحاول ان يهدأ ثوران أفكاره ويرتبها لكن دون جدوى فهو يشعر ببراكين ثائرة داخل رأسه وان حممها ستفيض وتحرق العالم من حوله.

ليربت أكرم على ساقه قاصد دعمه: انت عارف اني مش من مصلحتي أضللك بس قلبي حاسس أن البنت دي انت ظلمتها حاول تراجع نفسك علشان انا متأكد انك بتحبها، نهض صقر بعصبية وشعل احد سجائره و ولاه ظهره يحاول بكل قوته ان يستوعب الأمر ويلتمس لها الأعذار لكن عقله اليابس لا ينصاع اليه.

ليهمهم أكرم من جديد بعدما طال انتظاره لرده: على العموم ده قرارك وانت حر ليستأنف حديثه بعملية: انا راسلت المستثمرين الأجانب صحاب Deal اللي خده فهد المجري وشرحتلهم كل حاجة عن التلاعب اللي حصل وعن سرقة عرضنا من فهد والمحامي بتاعهم قالي انهم هيلغوا الاتفاق معاه و كمان هيبلغو كل الشركات العالمية التانية محدش يتعامل مع شركته
أومأ له صقر بتفهم ولكن ظلت ملامحه جامدة: كويس يستاهل هو اللي جابه لنفسه؟

ليحمحم أكرم بتردد: انا حسيت انهم عندهم النية يتعقدوا معانا بس بصراحة يا صقر بعد الكلام اللي في الجرايد ما اتنشر عنك وسمعتك اتهزت في السوق ويمكن ده اللي منعهم
زفر صقر بضيق بعدما تفاقم غضبه وهتف بصوت جهوري اجفل الآخر بعدما طرق بيده سطح المكتب بقوة: عايزني اعمل ايه يعني؟

اروح اوضح لكل من هب ودب وأقوله اني كنت مغفل وحبيت واحدة عديمة الشرف ولعبت بيا وبمشاعري، ولا تحب اقول على صاحب عمري انه ظن فيا السوء وانه خطط لكل ده علشان ينتقم مني على حاجة مليش يد فيها، قولي يا أكرم انا غلطت في ايه؟ عملت ايه استاهل عليه اني اخسر شغلي وسمعتي، عملت ايه انا علشان يستهترو بمشاعري كده ليخبط رأسه بقبضته عدة خبطات ويستأنف بهستيرية: رد عليا، قولي حاجة تقنعني وتريحني وتخلي دماغي توقف تفكير رد عليا...

أطرق أكرم رأسه بالأرض ولم يستطيع ان يجيبه فهو محق هو لم يقترف شيء كي ينال كل ذلك الخذلان
ليلعن صقر تحت أنفاسه الغاضبة ثم يخطوا كي يغادر
ليستوقفه أكرم بقلق: رايح فين وانت بالحالة دي استهدى ب الله
صاح هو بنفاذ صبر وهو يزيحه عن طريقه: سيبني عايز ابقى لوحدي ومتجيش ورايا لينصاع الآخر له بيأس
ليغادر هو بخطوات ضائعة وبأفكار متخبطة.

ظل شارد بكل ما ولت إليه حياته
وهو مستلقي في فراش المشفى
يشعر بالخزي من سوء أفعاله فقد لعن نفسه للمرة المائة وهو يتذكر ما خسره بسبب مخططاته الدنيئة
فهو خسر صقر رفيق دربه وصديق طفولته وما يزيد الأمر عليه سوءٍ هو موقف صقر الرجولي تجاه شقيقته
وحتى هاشم الذي يعتبر اقرب شخص له فبعد معرفته بفعلته اتخذ موقف عدائي تجاهه، ووالدته الذي تركها لحالها لسنوات تعاني بمفردها ألام الفقد والوحدة،.

حتى هي خسرها من تربعت على حصون قلبه خسرها وربما الى الأبد هو يعلم ولائها ل صقر وشعورها الدائم بلأمتنان له هو وخالتها ويعلم أنها اتخذت القرار بناء على فعلته السابقة فهو الى الآن صدي كلماتها يتردد بأذنه ويتذكر ما تفوهت به سابقًا، اثناء دراستهم بالخارج سويًا.

(انا عمري ما حبيت حد زي ما حبيتك ولا عشقت حد زي ما عشقتك ولا عمري بشوف راجل غيرك زى ما بشوفك، انا عمري ما هسيبك غير لو انت اللي سبتني وساعتها عمري ما هرجعلك ).

ابتسم بحنين لتلك الأيام بعدما فرت من عينه دمعة حارقة وتمني لو أن يعود به الزمن من جديد فكان سوف يتخلى عن روحه ولا يتخلي عنها، هو يعلم أنها ليست بتلك القوة التي تدعيها دائمًا و ليس لديها الجرأة الكافية لتجاهد من أجله وخاصًة بعد فعلته الدنيئة ب صقر.

ليتنهد بحرقة بعدما تفاقم شعوره بالندم ويهمهم بضعف لوالدته التي كانت غافية على الكرسي مقابل فراشه: ماما، ماما علشان خاطري قومي روحي انتِ تعبتي وده غلط على صحتك
فتحت فايزة جفناها بتثاقل وتمتمت بنعاس: مش هينفع اسيبك يا حبيبي لوحدك
متقلقيش عليا انا طول عمري لوحدي مفرقتش كتير قومي روحي وتعالي الصبح.

إنصاعت له بعدما يأست من إقناعه وأخبرته قبل أن تنصرف: أمري لله خلي بالك من نفسك ياحبيبي وانا من النجمة هبقى هنا
أومأ لها ببسمة باهتة لم تصل الى عينه، لتقبله من جبينه بحنان وتخرج من الغرفة ناوية الذهاب واثناء مرورها بالممر
قابلت نيرة وهي تهرول اليها وملامح القلق مرتسمة على وجهها
لتهدر نيرة بأندفاع وتلهف: خير ياطنط طمنيني أكمل كويس
خير يا بنتي الحمد لله هو بقى احسن نحمد ربنا.

طب عايزة اشوفه واطمن عليه بنفسي أشارت لها على غرفته وودعتها
في تلك الأثناء كانت مي تتفقد أحوال المرضي فهي تعمدت ان تأخر نفسها حتى تتهرب من والدتها قليلًا ومن إلحاحها المستمر بأخباره بشأن حملها ليلفت نظرها تلك الشقراء التي تمقتها وهي تتحدث مع والدة أكمل وحين دلفت الى غرفة أكمل دون وجود هاشم ساورها الشك لتخطو بخطى واسعة الى والدة أكمل تحاول ملاحقتها وان أقتربت هتفت بثبات: مدام فايزة ازيك؟

تمام يابنتي انتِ أخبارك ايه؟
لتجيبها مي وهي تحاول مسايرتها وازلاقها بالحديث: تمام. ايه رايحة فين وسايبة أكمل لوحده
هو اللي أصر عليا علشان أروح هجيله الصبح بدري وبعدين هو مش لوحده ده معاه نيرة
أومأت لها والفضول يتأكلها لتتسائل بتوجس: هي نيرة دي قريبتكم
لأ يابنتي دي صحبته من زمان هي أي نعم مجنونة وطايشة بس جدعة وبتحب أكمل زي أخوها.

تنهدت مي بضيق بعدما تداركت ان ذلك اللعين أكمل هو السبب في تعارفهم وربما يكون هو من رجح هذا الأرتباط ورشحها له
لتباغتها فايزة بسؤالها: مالك يابنتي سرحتي في ايه؟
هزت مي رأسها بقلة حيلة وأخبرتها انها على ما يرام
ثم أخذت تتساير معهاوهي توصلها الى باب الخروج.

توجه الى ذلك المكان القريب على قلبه يريد أن يصفي ذهنه ويرتب افكاره التي بعثرتها هي لاينكر أن كل شيء فاق توقعاته، فقد خذلته بعدم ثقتها به، فربما لو كانت واجهته كان تفهم الأمر وحاول مساعدتها يقسم انه كان على أتم الاستعداد لذلك فهو كان من الممكن ان يتقبل أي شيء إلا ما رأه بأم عينه فلذلك الحين يتجسد المشهد أمامه وهي برفقة فهد، أما عن السمعة السيئة الملازمة لها فهو مثله كأي رجل شرقي بمجتمعنا لا يقبل بأمثالها ولن يلتمس لها أي عذر حتى وإن كانت مجبرة فذلك لا يغير شيء بحقيقة أنها مغوية وبائعة هوا مثل ما قيل عنها.

تنهد بعمق بعدما أتخذ قراره الحاسم بشأنها ومد يده بجيب سترته وأخرج تلك العلبة الصغيرة المخمليه التي تحوي الخاتم الماسي الذي رفضت أخذه منه واخبرته أن يحتفظ به لبعد زواجهم وألقاه بكامل قوته في البحر وهو يتمتم بقهر: مبقاش ينفع ياخسارة حبي ليكِ.

لتفر دمعة حارقة من عينه وهو يجلس بهوان على مقعده الرخامي المعتاد ويتأمل تلاطم امواج البحر العاتية على تلك الجزيرة الشامخة والثابتة بوسط البحر وكاد يقنع ذاته انه بثباتها لكن دون ارادة ظلت يتوافد على ذهنه ومضات وذكريات عديدة لها واقربهم الى قلبه هو قولها
(انا بحبك اوي ياصقر انت بتعوضني عن حاجات كتير انا اتحرمت منها واولها الأمان اللي عمري ما حسيته غير معاك اوعي تسبني ياصقر مهما حصل ).

زفر الهواء بضيق وهو يشعر بأن نبرتها الناعمة تتردد الى الآن على مسامعه لتبعثره وتشتته، وهنا هز رأسه بقوة يحاول طرد ذكريتها اللعينة من داخله ولكن عند التدقيق في كلماتها تلك ألمت قلبه للغاية وأشعرته بأنها كانت تعلم أن فراقهم وشيك لذلك كانت دائمًا تخبره أن لا يتركها مهما حدث، لكن يقسم أن الأمر يصعب عليه كثيرًا فعقله رافض وبشدة لأي شيء يخصها.

تنفس بعمق ثم تحسس خاتمها الفضي بيده وقام بنزعه وعند رفع يده قاصد يلقيه هو الآخر في البحر تذكر كلماتها الصادقة بشأنه
(امي وصتني قبل ما تموت اديه للراجل اللي قلبي يختاره واني عمري ما أفرط فيه وانت الراجل دة ياصقر ولغاية آخر نفس فيا شعوري عمره ما هيتغير )
ليتنهد بضيق ثم اخفض يده من
جديد وظل يتمعن به بحزن بعدما عدل عن الفكرة ثم وضعه بجيب سترته بعدما انتابته رغبة غريبة بالأحتفاظ به.

في صباح يوم جديد في احد المصانع الصغيرة القريبة من منطقتها الشعبية
ظلت هي تباشر عملها بين عاملات المصنع وتشرف عليهم فبعد العريضة التي قدمتها هي وامثالها من العاملات المهدور حقهم في رئيس العمال المدعو عوض تم طرده شر طردة وتم تعينها بمنصبه نظرًا لشعبيتها وسط العاملات واسبقيتها في العمل.

وحين كانت تلقي تعليماتها على احداهم لفت نظرها مجموعة يتبادلون الأحديث الجانبية لتباغتهم هي: جرى ايه منك ليها هنسيب شغلنا ونقعد نتسامر ولا ايه كل واحدة تشوف شغلها
انتفضوا على صوتها وباشروا عملهم بطاعة
لتؤشر هي لأحدهم أن تقترب وتدعي فاطمة وتسألها بفضول: في ايه يافاطمة ملاحظة ان البنات من الصبح عمالين يتوشوشو جرى حاجة وانا معرفهاش.

تحمحمت فاطمة بتردد وأخبرتها: بصراحة يا أبلة كوثر البنات ملهاش سيرة غير فتون وفضيحتها اللي في الجرايد
لطمت كوثر صدرها وقالت
بتفاجئ: يالهوي فضيحة ايه يابت؟
والله يا أبلة كوثر انا مصدقتش، دي فتون كلنا عارفنها ملهاش في الغلط لغاية ما لتحمحم بحرج
اصل يا أبلة كوثر...
انطقي يافاطمة وقعتي قلبي
في رجليا.

بيقولو أن جمال جابها وحابسها عند إحسان وحالف ليتجوزها بالغصب ورجالته مالين الحارة ومحدش عارف يفتح بؤه خايفين منه ما أنتِ عارفاه يا أبلة كوثر بلطجي والكل بيعمله حساب
همهمت كوثر بحزن ونبرةمتحسرة: ياعيني عليكِ يافتون طول عمرك الدنيا جاية عليكِ
انا هروح اشوفها يا فاطمة خلي بالك عقبال ما أرجع
من عيوني يا أبلة كوثر
لتتركها وتهرع الى منزل إحسان قاصدة الأطمئنان على صديقتها ومعرفة ما آل إليه حالها.

دلفت هي الى غرفته بالمشفى فلم تجده لينتابها القلق لتخطو الى مكتب هاشم بخطى مهزوزة وقلبها يكاد أن يتمزق لنصفين من القلق لتدفع الباب وتصيح بنبرة مرتعشة: أكمل فين، فين ابني مش في الأوضة هو حصله حاجة ياهاشم رد عليا الله يخليك فين ابني
نهض هاشم من على مكتبه وأقترب منها وحاول تهدئتها قدر المستطاع: هو كويس انا أطمنت عليه الصبح اول ما جيت تلاقيه كان في الحمام ولا حاجة أهدي وتعالي نشوفه.

إنصاعت له وهي تناجي ربها ان يكون تخمين هاشم بمحله لكن عند البحث عنه لم يجدو له أي أثر بكامل المشفى ليلعنه هاشم لتسرعه الأهوج فهو يعلم الى اين ذهب.

أما عنها ظلت شاردة في الفراغ داخل السنتر الخاص بها فتلك هي المرة الأخيرة التي سوف تأتي الى هنا فقد تحدد موعد سفرها بعد يومان و أصرت ان تودع العاملات معها وتعطيهم مستحقاتهم وترتب بعض الأمور الخاصة بالعمل قبل سفرها
الجميل سرحان في ايه؟
باغتها هو بعدما لاحظ شرودها المستديم بعدما اتى إليها ليفاجأها كعادته
ابتسمت هي وردت بهدوء: اهلآ يا آسر، ابدًا المكان هيوحشني.

تسأل هو بمكر: المكان بس اللي هيوحشك ولا في حاجة تانية
لأ مفيش حاجة تانية دة طبعًا باستثناء خالتو وصقر ومي
عقب هو بخفته المعتادة وهو يضيق عينه: واللهِ قلبي حاسس أن في حد كمان مش عايزة تقولي أسمه
ردت هي بعصبيةبعدما تفهمت الى ماذا يرمي بحديثه: أسكت يا آسر بلاش تضايقني
رد هو بجدية عكس طباعه وهو يتعمد مواستها: على فكرة انا مش قاصد اضيقك انا عاذرك علشان كل اللي مريتي بيه انا كمان مريت بيه
بس مع اختلاف بسيط.

ان اللي انا حبتها فضلت عليا واحد تاني واتجوزته علشان اهلها شافو انه مناسب ليها وظروفه أحسن، وقتها كنت في بداية طريقي ومكنتش هعرف احقق ليها ربع طموحها ولا طلبات اهلها واضطريت اسافر علشان اثبت ليها وللدنيا كلها ان الحياه موقفتش عليها، وبقيت حاجة كبيرة زي ما انتِ شايفة من غيرها، لكن انتِ مش مضطرة يافدوة تثبتي لحد وخصوصًا ان أكمل لسه بيحبك
زفرت هي بعصبية ونهضت وولته ظهرها تحاول ان تخفي.

دمعاتها: مبقاش ينفع هو صعبها عليا اوي
حاولي يافدوة، ياريت انا عندي فرصة علشان أحاول مرة تانية صدقيني مش هتردد ثانية
ساد الصمت لثوانِ بينهم وهي تحاول جاهدة أن تبدو ثابتة ولا تسقط من جديد بنوبة بكاء لا تعلم سببها أو بلأحرى ترفض تبريرها ليهتف هو بسأم بعدما طال صمتها: انا زهقت تعالي نتغدا في أي حتة وبالمرة أخد رأيك في كام موضوع كده شاغلني
ايه رأيك؟

تنهدت هي واغتصبت بسمة هادئة على ثغرها واومأت له بموافقة لتسحب حقيبتها وتتبعه ولكن قبل أن تخرج تسمرت في محلها وهي تشعر بضربات قلبها تتقافذ ثائرة فور رؤيتها له، فكان يستند على إطار الباب بتهاون ويتمسك بصدره وينظر لها نظرة عميقة مستعطفة جعلتها تهرول إليه متسائلة والقلق يكسو معالم وجهها: أكمل انت ايه اللي جابك هنا انت لسه تعبان أزاي تسيب المستشفى.

ليهمهم بتقطع وهو بالكاد يحاول الصمود واقفًا: عايز اتكلم معاكِ، ممكن؟
ليتقدم نحوه آسر ويسنده بعدما لاحظ عدم قدرته على الصمود ليدفعه أكمل بضعف ويعترض على مساعدته له لكن الآخر لم يكترث ونهره بخفوت وهو يسنده ويتقدم به نحو أقرب مقعد: والله العظيم انت مجنون رسمي بس نقول ايه الله يخرب بيت الحب وعمايله
رمقه أكمل بملامح جامدة واستغرب كثيرًا ردة فعله لكنه ألتزم بصمته ولم يتفوه ببنت شفه.

لينسحب آسر بهدوء بعدما أخبرها بتعقل وهو يرجوها بعينه أن تستمع له وتعطيه فرصة أخيرة: انا هسيبكم تتكلمو براحتكم
أومأت له بتوتر وإن أنصرف صوبت نظراتها عليه دون حديث ليتمتم هو بعتاب وبنبرة ضعيفة وهو يخرج قلادتها من جيب سترته ويحتضنها بيده: وحشتيني يافدوتي كده تقلعي سلسلتي وترمهالي، هونت عليكِ
ده انتِ وعدتيني زمان مش هتقلعيها لأخر يوم في عمرك.

أجابته هي بعدما تمالكت نفسها وحاولت عدم الأكترث لعتابه الذي يطعن بقلبها: عايز ايه يا أكمل؟
تنفس بعمق وحاول أن يتحامل على نفسه ويتجاهل ذلك الألم اللعين بصدره: متسبنيش يافدوة انا محتاجك
حانت منها بسمة هازئة وهي تجلس على طرف الطاولة الصغيرة مقابل له وأخبرته: اسيبك، انت نسيت ولا أيه يا أكمل انت اللي سبتني.

اجابها بهوان وشعور الندم ينهش به: ندمت وعرفت اني كنت غبي لما فكرت بالحقد ده بس اعذريني مكنتش هعرف اتجوزك وانا فاكر أن صقر هو السبب في موت أختي
أجابته بسخرية مريرة وهي تكبح رغبتها بالبكاء: وانت كمان اعذرني مقدرش اسامحك بعد ما كسرت فرحتي فاليوم اللي اتمنيته من كل قلبي، انا كنت بدعي ليل نهار علشان تبقى من نصيبي بس انت خذلتني، خذلتني يا أكمل ولأ مكفكش روحت اذيت صقر واتعمدت تضره وانت عارف معزته عندي.

همهم هو بخزي من نفسه: آسف
حانت منها بسمة ساخرة ونطقت بنبرة ممزقة: آسف دي تقولها لما تخبط فيا من غير قصد وتدوس على رجلي لكن انت دوست على قلبي واتخليت عني عارف كان ممكن تيجي تحكيلي وكنت هساعدك تكتشف الحقيقة ولو كان اعتقادك في محله كنت هسيب الدنيا علشانك وهقف في صفك بس انت أصريت تبعدني وأخدتني بذنبه وخليت شيطانك يتحكم فيك.

لتستأنف بعيون غائمةو بنبرة حزينة وهي تتحسر على آمالها التي بنتها عليه: لو كنا اتجوزنا كان نفسي اوي يبقى عندي أطفال منك
يشبهوك في كل حاجة، كان نفسي أبني أسرة وبيت الاقي فيهم الحنان اللي اتحرمت منه بعد موت أهلي، انت لما سيبتني خدت روحي معاك، وسلبتني أحلامي وحتى طموحي مبقاش عندي هدف أعيش علشانه لتستأنف ببسمة مريرة ممزقة: علشان كده سيبتهم يتحكموا فيا وأقنعت نفسي اني نسيتك واتخطيت اللي عيشته معاك.

كانت كلماتها كسهام ضارية أصابته بمقتل، وجعلت شعوره بالندم يتخطى قدرته على التحمل ليهمهم بنبرة متألمة: انتِ ليه فاكرة اني كنت مرتاح من غيرك انا كنت بتعذب في بعدي عنك والأيام كانت بتمر عليا بالعافية وانا لوحدي انا عمري ما نسيتك ولا ثانية واحدة ومفيش واحدة عرفت تاخد مكانك في قلبي.

ضحكت هي بهستيرية من بين دمعاتها الخائنة وهتفت بسخرية مريرة وهي تزيحهم بكف يدها وكأنها تتبرأ منهم: انت كنت كل يوم مع واحدة شكل متحاولش تحسسني إني فرقت معاك
هز رأسه بقوة وهو يستنكر حديثها ويحاول أن يستعطفها: والله فرقتي معايا. ومفيش حد خد مكانك في قلبي، انا كنت بقعد انادي عليكِ زي العيل الصغير وكان نفسي تبقي جنبي
لتباغته بحدة وبنبرة هستيرية: كداب ومش مصدقاك تقدر تقولي مين حاول يقتلك؟

نكس رأسه بخزي ولاذ بالصمت لتغمغم هي: واحدة من اللي كنت تعرفهم هي اللي عملت فيك كده صح حتى بالأمارة اسمها فتون
انتبهت كل حواسه حين لفظت أسمها ليتسأل بدهشة: عرفتي منين؟
أجابته ببسمة متخاذلة: كنت بتهلوس بأسمها وانت تعبان
لتباغته من جديد بسؤالها لكن بحدة أكبر: تقدر تقولي ليه حاولت تقتلك؟

تلعثم وتنحنح ولم تسعفه الكلمات فبماذا يخبرها أيخبرها عن ابتزازه ل فتون وتهديده المستمر لها أَم يخبرها انه طعنها بشرفها ودنث سمعاتها، هو لا يقوى على أن يخبرها فهو يعلمها تمام المعرفة هي لن تصفح عنه ولن تلتمس له أي عذر وخاصًة إذا كان للأمر صلة وثيقة ب صقر
وإن طال صمته أخبرته هي بفطنة: البنت دي هي اللي عملتلها الفضيحة مع صقر مش كده.

رفع نظراته لها بضياع وخزي من نفسه لتتفهم هي من نظراته أجابته وتخبره بكل ثقة: انا متأكدة انك عملت كده علشان صقر حبها وانت حاولت تفرقهم بطريقتك مش كده
هز رأسه بضعف وأخبرها بتقريع ضمير وبنبرة راجية اضناها الفراق: هصلح كل حاجة هروح ل صقر وهحكيله وهبرئها بس متسبنيش مش هعرف اعيش من غيرك انا بجد محتاجكك يافدوة
نهضت هي بعصبية من جلستها مقابل له قاصدة المغادرة فهو حقًا خذلها من جديد بسوء افعاله.

ليتمسك بيدها ثم انزلق بوهن وجثى على ركبتيه وباغتها بأحتضان خصرها بقوة و أخذ يرجوها بنبرة متألمة تقطع نياط القلب: متسبنيش، والله انا ندمت وهفضل عمري كله بكفر عن اللي عملته، سامحيني انا بحبك، والله بحبك.

وعندها أطلقت العنان لدمعاتها التي جاهدت لتكبحها طويلًا وجثت هي ايضًا مقابل له واحتضنت وجهه براحتها وهمهمت بضعف من بين شهقاتها: مبقاش ينفع افهم انا ممكن اسامح في حقي لكن حق صقر لأ انت زمان سيبتني بسببه وانا النهاردة هسيبك بردو بسببه وده عدل ربنا
هز رأسه برفض قاطع وأخبرها بأنفاس متقطعة وبنبرة ضعيفة متألمة: مش هعرف، مش هعرف اعيش من غيرك لو على صقر هفهمه واستسمحه بس متسبنيش.

هزت رأسها بعدم اقتناع فهي تعلم صقر لن يتهاون، لذلك أغمضت عيناها بقوة تحاول ان تلملم شتاتها ثم قالت بنبرة قاسية اعتصرت قلبه: انا مش عايزة اشوفك تاني، ابعد عن حياتي، وسيبني ابدأ من جديد
همهم هو بيأس وبملامح
منكسرة يائسة: مش هقدر
أصرت هي: لأ هتوعدني وهتقدر أحلف انك هتسيبني وتحاول تنساني
هز رأسه بعدم اقتناع وأجابها بضعف وكأنه يحتضر: انتِ بتطلبي موتي.

هدرت بأصرار عجيب وبنبرة مختنقة بعبراتها وهي تحاول التغاضى عن أنين قلبها: أحلف يا أكمل
صمت لبرهة يتأملها ثم انسلتت من عينه دمعة حارقة دون وعي من أصرارها اللعين على تركه ليهمهم بأحتياج وبنبرة منكسرة ضائعة مثل روحه التي تود أن تنسلت من جسده من قرارها: احضنيني
رفعت عيناها الباكية إليه بذهول.

ونظرت له دون ابداء ردة فعل ليستأنف هو بيأس وبعيون دامية تقطر بالرجاء: اعتبريه حضن الوداع يافدوة علشان خاطري متعارضيش.

فكرت في الأمر لبرهة ثم أومأت له ليفتح ذراعيه وعينه المنكسرة الدامية تحثها على الأقتراب وإن فعلت دثرها هو بقوة بين أحضانه دون الأكتراث لألآم صدره يستنشق عبقها الأخاذ بأنتشاء يحاول ان يدفنه بأعماقه الممزقة ويحتفظ به ما حيا، فقد دام عناقهم لثوانِ معدودة، و كان متشبث بها بقوة وكأنه يخشي إنفلاتها فلا يريد أن يبتعد ابدًا يتمنى أن يظل الى أخر العمر هكذا بين احضانها فهي دون عن نساء الأرض من ملكت كل ذرة به وصكت قلبه بعشقها.

تنهدت هي تنهيدة مطولة تحفز ذاتها بها ثم رتبتت على ظهره وكررت بأصرار لعين: اوعدني
أخذ نفس عميق من عبقها و
هسهس بأذنها بنبرة رغم وهنها إلا أنها كانت تقطر بإصراره على عشقه وانتماء قلبه لها: اوعدك، عمري ما هنساكِ، وكل اللي هقدر اعمله اني هسيبك تبعدي وتعملي اللي انتِ عايزاه وهيفضل عندي أمل لأخر نفس فيا انك ترجعيلي بأرادتك.

ليسلتها من أحضانه برفق ثم نظر لها بعيونه المنكسرة الدامية نظرة عميقة مُطولة وكأنه يود أن يوشم صورتها على جدار قلبه قبل فراقها.
وبعد ثوانِ مال عليها يلثم جبينها ونهض بعدها وهو يتحامل على نفسه ينسحب من امامها بخطوات واهنة متألمة.

لتتطلع هي الى آثاره ويزداد نحيبها؛ ولكن ليس ندمًا على قرارها بل على عشقه المؤذي الذي أدمى قلبها وهدم آمالها فكانت تدعوا الله بسرها أن يمنحها القوة كي تتخطى أمره و تحيا بعيدًا عنه في سلام.

عند وصولها أمام البناية التي تقطن بها إحسان منعها رجال ذلك المقيت بقوة أن تخطو خطوة واحدة الى الداخل وذلك ما أثار حنقها وجعلها في قمة ثورتها لتندفع الى ورشته وهي تصيح بصوت جهوري لفت الانظار لها: انت يا جمال
خرج لها من ورشته وهو يتسأل بحدة: في ايه يا بت صوتك عالي ليه؟
انت حابس فتون ليه ورجالتك العرر دول ليه منعوني اطلعلها.

أجابها بسماجة وبنبرة مقيتة مثله: انا حر هتبقى جماعتي كمان يومين وأعمل فيها اللي يجي على هوايا انتِ مالك أحبسها ولا حتى أموتها كنتِ الوصية عليها وانا معرفش
هدرت هي بأنفعال وبصوت جهوري: انت فاكر الدنيا سايبة ولا أيه ده انا هفضحك وبعدين تتجوز مين دي مبتقبلكش ولا بطيقك.

ابتسم هو بسمة شيطانية وأقترب منها بخطوات سريعة اجفلتها وقبض على حجاب رأسها بقوة وهدر من بين اسنانه بوعيد: عارفة يا بت لو ما لمتيش نفسك وقصرتي لسانك هخليكِ فورجة للحارة
لتصرخ هي مستغيثة ربما أحد ينجدها منه ويرأف بحالها لكن لا أحد أكترث لصراخها فالكل أكتفى فقط بالمشاهدة فذلك المقيت الكل يهابه نظرًا لأجرامه المعهود.

لتتعلق هي بيده بعدما يأست من تدخل أحد وحاولت التملص من قبضته التي تكاد تقتلع خصلاتها من تحت حجابها
ليشمت بها: محدش هينجدك يا بت متحاوليش ولسانك ده تحطيه في بؤك وكلمة كمان وانتِ عارفة انا أقدر أعمل ايه
لتصرخ هي بقهر: روح ربنا ينتقم منك...
استوحشت نظراته وصرخ بها: اتهدي يابت ومتنسيش انك عايشة لوحدك يعني ممكن اجي ازورك انا ورجالتي ونهدك بمعرفتنا.

هزت رأسها بقوة مستنكرة قوله ليبتسم بأصفرار ويخبرها بنبرة مقيتة بعدما شعر بذعرها: يبقى تسمعي الكلام
أومأت له بضعف لينفضها بقوة ويقول بنبرة آمرة وهو يجلس بأرياحية ويتناول ارجيلته ويسحب منها عدة انفاس متقطعة: هسيبك تطلعي لست البنات بس علشان تعقليها وتروقهالي وعايزك تقوليلها تحمد ربنا اني هرضي اتجوزها بعد فضيحتها مع البيه بتاعها واظن انا عداني العيب.

تمتمت هي بخفوت وهي تلعنه بسرها وترمقه بأحتقار: ربنا ينتقم منك ياجمال انت وامثالك المحسوبين على الرجالة بالأسم بس
باغتها هو بحدة: بتقولي ايه يا بت
لتسايره هي بذعر: ولا حاجة بقولك هعمل اللي تأمر بيه بس خليني اشوفها
رفع جانب فمه ثم أمرها: غورى من وشي هخليهم يطلعوكِ
لتركض هي من أمامه قاصدة بناية إحسان مرة أخرى ليتشدق جمال بنبرة ساخرة وهو ينظر لآثارها: صحيح ناس تخاف متختشيش.

بعد أن خرج من السنتر الخاص بها استند على أحد السيارات المرتكنة أمامه بوهن يحاول جاهدًا أن يتحامل على نفسه لكن دون جدوى
فقد خارت قواه وساقيه لم يعدو يستطيعو حمله
في تلك الأثناء كان آسر مازال يجلس داخل سيارته على أمل أن يطمأن عليها بعد خروج أكمل لكن لفت نظره خروجه وتعبه الواضح وسقوطه الوشيك ليخرج من سيارته ويتوجه اليه بخطي سريعة متسائلًا: انت كويس حاسس بأيه.

حاول أن يجيبه لكن لم تسعفه الكلمات بسبب تفاقم الألم لينزلق بوهن على الأرض.
شهق آسر وهو يحاول ان يساعده وكرر بقلق بعدما لاحظ الدماء التي تلوث ملابسه: انا هاخدك أقرب مستشفى ده شكل جرحك بينزف
هز أكمل رأسه رافضًا وأخبره بأنفاس ضعيفة متألمة تكاد تسمع وهو يتصبب عرقًا: سيبني اموت حياتي مش هتفرق من غيرها
لينهره آسر: انا قولت مجنون محدش صدقني. عايزني يعني اتفرج عليك، انا هسندك وهوديك المستشفى.

وما لبس عدة ثوانِ حتى استمعو لصوت سيارة الأسعاف وخروج هاشم منها وهو يهرول إليه والقلق يغزو ملامحه بعدما شاهد هيئته المزرية: حرام عليك عايز تموت نفسك انا كنت متأكد اني هلاقيك هنا عملت كده ليه
ليقول آسر بتعجل: مش وقته الكلام ده اسعفه بسرعة ده بينزف.

ليزيحه هاشم من جانبه ويعاين أكمل بعملية ويأمر المسعفين الذين برفقته أن ينقلوه الى داخل سيارة الأسعاف وقبل ان يحملوه همهم هو بضعف شديد ل آسر بعدما تمسك بذراعه: خلي بالك منها.
وكان هذا أخر ما تفوه به قبل فقدانه للوعي
ليسرعو به إلى سيارة الأسعاف وينطلقوا بسرعة فائقة لأسعافه من جديد تاركين خلفهم آسر ينظر لآثاره بملامح متأثرة فذلك الأكمل ليس فقط يعشقها بل مهوس بها.

ليهرول بعدها للأطمئنان عليها ويخبرها بما حدث ويرجوها كي تتراجع عن قرارها لكن عندما وجد حالتها ترثي لها هي ايضًا عزم أن يؤجل الأمر قليلًا حتى لا يزيدها عليها ربما لاحقًا سيخبرها عندما يتأكد من سلامته.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة