قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية إغواء قلب للكاتبة ميرا كريم الفصل السابع

رواية إغواء قلب للكاتبة ميرا كريم الفصل السابع

رواية إغواء قلب للكاتبة ميرا كريم الفصل السابع

بعد مرور أسبوعين قد اعتادت هي على العمل معه، وأصبحت تتعامل بحرص شديد بعد تصريحه لها بقوانينه الصارمة
تنهدت بسأم وهي تتذكر جموده الدائم وملامحه التي لا تفسر فأحيانًا تلتقطه يطالعها خلسة وعندما تلتقي نظراتهم يزيح بنظره بعيدًا ويعاملها برسميته المعهودة واحيانًا آخرى تلمح بعينه ومضة غريبة لا تستطيع تفسيرها، زفرت بضيق وهي تقف أمامه تنتظره أن يعيرها أهتمام حتى يوقع على المستندات التي تحملها:.

الورق ده محتاج توقيع حضرتك
رفع عينه ببرود من على الملف الذي يتفحصه وأشار لها أن تتقدم التفتت خلف مكتبه واقتربت من مقعده ومالت بجذعها قليلًا حتى تمرر له الورق، لتتمرد خصلة من شعرها و تسقط على جانب وجهه القريب منها اغمض عينيه لبرهة بعد ما رائحة زهرة الياسمين الذي يعشقها تسللت إلى أنفه لتباغته هي:
مستر صقر امضي هنا لو سمحت.

افاق على نبرتها الرسمية وهي تؤشر على الورق، تنهد بضيق و تناول القلم من يدها وقام بوضع توقيعه بخفة وتعجل حتى يفض ذلك القرب المهلك بالنسبة له وتلك الرائحة التي تصيبه بالتشتت، فقد تحمحمت هي بعد انتهائه وعدلت وقفتها وابتسمت بهدوء وكادت أن تنصرف لولآ حديثه لها:
اعملي حسابك هتسافري معايا الأسبوع الجاي عندنا اجتماع مهم مع مستثمرين أجانب في الجونة.

رمشت عدة مرات بدون استيعاب وتحدثت مستفسرة: امتى بالظبط
أجابها موضحًا: هنسافر الجمعة علشان عايز احضر له براحتي هو هيبقي يوم الحد
ردت بتوتر وهي تفرك يدها بحرج: هو، يعني، أصل
تسائل هو بعدما التقط توترها: في ايه اتكلمي؟
اجابته بتردد: أقول من غير ما تتعصب
رد هو بنفاذ صبر: انطقي انا مش فاضي
بالفعل نبرته كانت نافذة لذلك تلعثمت: اصل اختي هتجيلي في اجازتها وبصراحة هي وحشانى اوي
خليها تأجل الإجازة شوية.

لو قولتلها متجيش هتزعل أصلها في مدرسة داخلية أجازتها رسمية
أومأ صقر بتفهم و تسائل: هتجيلك امتى
خميس وجمعة وهتمشي السبت الصبح
تنهد صقرثم قال بحزم: انا مبحبش حد يكسر قواعدي الاستثناء ده علشان خاطر ظروفك
أومأت له بامتنان ليستأنف بعملية: هنسافر السبت هشوف مواعيد الطيران وابقى أَأكد عليكِ
همهمت هي بذعر: هاااه طيران لأ انا احصلك بسوبرچت احسن.

ضحك دون شعور على سذاجتها ثم حك طرف أنفه محاولًا الحفاظ على رسميته المعهودة بعدما وجدها تنظر له ويعتلي ثغرها ابتسامة هادئة فسكنت ملامحه وتشابكت نظراتهم لدقائق وساد الصمت بينهم، عضت هي على طرف شفتها بحرج عندما انتبهت لشرودها به وأطرقت رأسها ليحمحم هو بعدما أبتلع ريقه بتوتر فهي تشعره دائما بالتشوش يحاول أن يتجاهل تأثيرها عليه لكن دون جدوى ليرد بنبرة جاهد أن تكون ثابتة بعدما ازاح بوجهه بعيد عنها:.

مفيش الكلام ده رجلك على رجلي ويلا روحي على مكتبك.

انصاعت له وانصرفت من مكتبه ليزفر بارتياح و يرمي بجسده على مقعده ويفك رابطة عنقه بأهمال ففي كل مرة يشعر بالغرابة من نفسه فهو لأول مرة يراوده شعور مثل ذلك تجاه انثى هو ليس مثل بعض الرجال الذين ينساقون وراء غرائزهم فهو يحكم عقله في كل شيء وعقله ينبهه دائمًا أنه لا يجوز، هو سيتزوج عما قريب من ابنة خالته وبالطبع يكن لها الاحترام والولاء ولا يصح أن يخل بثقتها به.

مرت الأيام عليها برتابة غير مسبوقة في منزل والدتها فمنذ شجارها مع زوجها ولم تتواصل معه بتاتًا حتى المشفى لم تذهب إليه وتركت له المسؤولية كاملة ملت هي من توبيخ والدتها لها في كل مرة تنصفه عليها بعد أن تأمرها بالاعتذار له، هي سئمت كل هذا لم لا يوجد أحد يفهمها هي تكره أن يفرض عليها شيء وتحبذ أن يكون القرار نابع من صميمها حتى لو كان خطأ ستتحمل نتيجة تبعاته تنهدت بهدوء وهي تتوجه لوالدتها التي تتمتم بنفاذ صبر وهي تمسك بالهاتف الأرضي:.

مالك يا ماما ايه اللي مضايقك
الصيدلية دي خامس مره اكلمهم علشان يجددوا ليا الروشتة ويبعتولي حد بس مش بيردوا عليا
يمكن مشغولين ولا حاجة على العموم انا هنزل اجيبلك الدوا علشان انا كمان حبوبي خلصت من كذا يوم
لوت هنية فمها بنزق وهي تسترسل: حبوب، هو فين جوزك الأول!
ماما ابوس ايدك بلاش تبدأي انا على أخري.

وهنا تعالى رنين الهاتف الأرضي بإلحاح لتنظر له هنية وتقول بلامبالاة وهي تنهض: طيب انا هقوم اريح شوية ردي انتِ على التليفون
أومأت لها مي بانصياع وتتبعتها بعيناها حتى اغلقت باب غرفتها
تناولت الهاتف بأيدي مهزوزة وأردفت بخفوت فهي تعلم هوية المتصل فهو اخبرها انه مازال يحتفظ برقمها فمنذ جلوسها هنا وهو لا يمل من مهاتفتها يوميًا
الو عايز ايه يا مازن مش قولتلك متتصلش تاني.

اتاها صوته متوسلًا: اسمعيني يا مي الله يخليكِ
اسمع إيه انا لسه في عصمة راجل يا مازن واللي بتعمله ده غلط
خلاص تبقي تتطلقي ونرجع لبعض وانا عندي استعداد اتجوزك وهاخدك ونسافر يا مي ونحقق كل اللي حلمنا بيه زمان فاكرة يا مي احلامنا سوا
مبقاش ينفع انا لو في خلافات بيني وبين جوزي مش معناها اني هطلق علشانك ارجوك ابعد عني
طب خليني اكلمك اعتبريني صديق.

مفيش حاجة اسمها كده مفيش ست متجوزة تقبل أنها يبقى ليها صديق انا اخلاقي متسمحليش اعمل كده
يعني كل مشاكلك معايا علشان انتِ متجوزة، قولتلك اتطلقي
انت بأي حق تقولي كده، اسمع للمرة الألف بقولك ابعد عني هذا أخر ما تفوهت به قبل أن تغلق الخط دون انتظار لرده فقد جلست بشرود على الاريكة التي تتوسط الغرفة تتطلع بالفراغ.

فمنذ عودت مازن الى حياتها تشعر بالغرابة من نفسها هي لم تستشعره قط ومشاعرها نحوه جامدة متلبدة عكس ما هيئ لها حتى محاولاته العدة لإقناعها بترك هاشم لم تستجيب لها و عند ذكر كلمة الطلاق ينقبض قلبها بذعر وتشعر أن أنفاسها تنسلت منها وظلت تتسأل.

هل ما ظنته حب عمرها وأوقفت حياتها تفكر به ونقمت زوجها لأجله هو خدعة واهية بالنسبة لها! هل مسمي الحب الاول انه لا ينتسى اكذوبة ايضًا!؟ لاتعلم هي ضائعة مشوشة بداخلها ثورة من الأفكار المتضاربة لا تعلم ماهيتها وكل ما تعلمه هو أنها افتقدته بشدة وافتقدت حنانه المفرط معها
طرقات خافتة على باب الشقة أخرجتها من شرودها تنهدت بسأم وهي تفتح الباب بترقب لتتسع عيناها من المفاجأة
وحشتيني.

هدر بها بنبرة حنونة غلفها الأشتياق
طالعته هي بصدمة يقف يستند على إطار الباب الخشبي ويبتسم ابتسامته الحنونة النابعة من قلبه وتلك الغمزات التي تزين وجنته شعرت انها حفرة عميقة و سقطت بها، شهقت بخفوت وهي تطالعه يحمل بيده باقة ورد غاية في الجمال ويقدمها لها بشكل مسرحي خطف انفاسها ابتسمت باتساع وهي تتأمل ملامحه البشوشة التي افتقدتها بشدة ليقول هو بهدوء:
هتفضلي سيباني كده على الباب.

هزت رأسها ب لا ليخطو نحوها ويغلق الباب، فوجدت ذاتها دون شعور ترتمي بأحضانه بقوة وتتشبث بملابسه، اجفلته بفعلتها فما كان منه غير أن بادلها العناق باشتياق يدفن وجهه بين ثنايا عنقها ويضمها لصدره يود أن يزرعها به فقد افتقدها بشدة و تلك الايام اللعينة مرت عليه كا الجحيم لم يذق طعم النوم ولا الراحة دونها ولكن كان يريد ينتظر مبادرتها هي رغبة منه أن يشعر بمدى تمسكها به فبرغم أنها جرحت كبرياءه إلا انه تغاضى فهو يعلمها عندما تقوم ثورتها تقذف بالكلمات دون شعور ولولآ مهاتفة والدتها له كان قد استمر بانتظارها ما تبقى من عمره دون كلل، ولذلك تنهد تنهيدة محملة بقلة حيلة سَاكنه وهمس بأُذنها:.

حقك عليا
فصلت عناقهم وهمست ايضًا: وانا كمان اسفة
قالتها وهي منكسة الرأس ليرفع هو وجهها بأنامله و يهيم بها لثوانِ يتشرب تقاسيمها قبل أن يقترب مقتنص شفاهها بقبلة حنونة حالمة بث بها مدى اشتياقه وتوقه لها، لتمرر هي يدها بخصلاته البنية القصيرة بحميمية غير مسبوقة وتبادله بشغف لم يعتاده منها، فصل قبلته بعد وقت ليس بقليل وقام.

بحملها بخفة ودار بها بسعادة فقد شعر ان روحه كانت مسلوبة ببعدها عنه ليسترسل بخفوت أمام شفاهها وهو مازال يحملها:
بحبك يا مجنونة وهفضل احبك لغاية أخر نفس فيا ابتسمت هي بسمة رائقة وغمرت رأسه بسعادة ليسير بها إلى غرفتها وهو يتسائل بعبث:
هي مامتك فين؟
ماما نايمة
قشطة اوى يلا بينا كويس ان هي نايمة علشان نبقى على راحتنا
قالت هي بتذمر: ايه يلا، على فين هاشم متبقاش مجنون إحنا مش في بيتنا وماما ممكن تصحي فأي وقت.

لم يعير تذمرها أي اهتمام واكمل سيره بها وهو ينظر لها برغبة قاتلة هامسًا بنبرة يغلفها الأشتياق والتوق الشديد لها:
بقولك ايه انا بقالي اسبوعين من غيرك ومعلش لازم اخد حقي وأعوض اللي راح عليا
همهمت هي بعدم فهم وهي تتعلق بعنقه: ايه تعوض يعني ايه؟
أجابها هاشم بوقاحة يخصها هي فقط بها: يعني يا حبي اعملي حسابك مش هسيبك غير لما اشبع منك، يعني ممكن منطلعش من الأوضة كده غير بعد اسبوعين زيهم.

ابتسمت هي بدلال وقالت: والله انت اللي مجنون
رد هو بهمس مهلك أمام شفاهها: انا لو مجنون فأنا مجنون بيكِ يا ميوش، لتتنهد هي بعمق وتستند على صدره، ليبتسم هو بمكر و يدلف بها للغرفة ويغلق الباب بطرف حذائه، لينهل من نبعها ويرتوي من وصالها الذي كاد يجن من شدة توقه له.

زفر بعمق اثناء جلوسه بسيارته أمام السنتر الخاص ب فدوة تلك الشرسة التي اختطفت قلبه فمنذ الحفل الكارثي وهو يقتله الشوق لها يتمني لو يطالعها لوهلة فقد من بعيد، الى أن جال بخاطره فكرة خبيثة لرؤيتها تدلى من سيارته بخطوات متلهفة الى الداخل فهو تقصد أن يدلف إليها بعد انصراف العاملين معها، وفور دخوله تسمر مكانه بذهول عندما وصل الى مسامعه تلك النغمات الهادئة بصوت فيروز التي تثير الذكريات بداخله بقوة.

شايف البحر شو كبير
كبر البحر بحبك
شايف السما شو بعيدي
بعد السما بحبك
كبر البحر وبعد السما
بحبك يا حبيبي بحبك نطرتك أنا، ندهتك انا، رسمتك على المشاوير
يا هم العمر يا دمع الزهر يا مواسم العصافير...
ابتسم بحنين وهو يردد الكلمات الأخيرة التي كانت دائمًا تخصه بها (يا هم العمر) فعندما كان يشاكسها كانت تتغني بها له، تنهد بعشق بعدما سقطت عيناه عليها شاردة.

تستند على مقعدها بأريحية وتعبث بخصلاتها بشرود، تعالت دقات قلبه عند رؤيتها تتنهد ولم تنتبه له بعد فيبدو أن تلك النغمات تثير ذكرياتها ايضًا
اقترب بخطوات حثيثة بجانبها وهمس بأذنها: وحشتيني
انتفضت هي بجذع حتى انها كادت تسقط من على مقعدها لولآ ذراعيه التي باغتتها بخفة وثبتتها بالمقعد، ارتفعت وتيرة أنفاسها وهي تطالعه بذهول فكاد أن يصيبها بنوبة قلبية وهدرت بأنفاس متقطعة مذعورة:
انت بتعمل ايه هنا؟

ابتسم بمكر وهو يعدل من وقفته ويضع يده بغرور بجيب بنطاله قائلًا: جيت انفعك قولت انتِ اولى من الغريب
نعم مش فاهمة عايز ايه؟
عايز فستان على ذوقك
جمدت ملامح وجهها ببرود قاصدة تلاشي الفضول بداخلها وردت برسمية: اتفضل حضرتك المكان مكانك اختار اللي على ذوقك
هز رأسه بلا وهدر بخبث: اختاري انتِ على ذوقك
انا أسفة ممكن حضرتك
تيجي بكرة هتلاقي البنات يقدروا يساعدوك.

أقترب خطوتان منها وهو يري احمرار وجهها من الغضب ليزيد من اغاظتها ويشملها بتبجح قائلًا:
انا عايزك انتِ اللي تساعديني اصل بصراحة ذوقك يجنن في لبسك
تنهدت بنفاذ صبر وهي تتوجه معه تنتقي له بعض الأثواب المناسبة لتسأل بعملية: المقاس ايه؟
اجابها بوقاحة قاصد اغاظتها أكثر: مش عارف بصراحة بس هي جسمها ملفوف لفة بنت لذينة حاجة كده كيري تخبل.

وبخته هي عندما شعرت انه تمادى كثيرًا: على فكرة انت قليل الادب وانا غلطانة اصلًا اني بساعدك
ضحك هو على حيلته التي كسرت جمودها واسترسل: هو انا قولت حاجة مش انتِ اللي سألتي
اجابته بحده: سألت على المقاس يا أستاذ مش بقولك اتغزل في جسمها
خلاص متتحمقيش هما كده الحريم يا ساتر
لو سمحت الوقت اتأخر، اخلص.

هدرت هي بجملتها بنفاذ صبر بعد ما شعرت بقلبها يعتصر بألم فترى من هي التي يتحدث عنها بتلك الجرأة ويريد اقتناء الملابس لها، أخرجها من افكارها و هو يرفع ثوب بيده يلوح أمام وجهها بخفة:
سرحتي فأيه، على العموم انا اخترت ده هيبقى يجنن عليها انا متأكد.

ليغمز لها وهو يتفحص الثوب وكأنه يتخيل منحنيات امرأة بداخله شعرت بفوران رأسها واشتعال وجهها من الغضب لتهتف بتسرع وهي تجذب الثوب من بين يده وتلقيه ارضًا متناسية كرامتها وجمودها التي جاهدت في الحفاظ عليهم:
طالما انت مقضيها مع كل واحدة شوية
وبتحب، وبتتغزل، وبتشتري هدايا عايز مني انا ايه! ليه مش عايز تسيبني في حالي بعد اللي عملته فيا؟
ابتسم باستفزاز وقال ببرود: انتي عارفة السبب كويس متتغبيش.

ابتسمت ساخرة وردت بنبرة موجعة: انا معرفش حاجة. غير انك مش طبيعي.

لتستأنف بهستيرية ودون وعي: انا مش قادرة افهمك بترقبني خطوة بخطوة ومن كام يوم جيتلي وقولتلي هقتل صقر لو فكرتي تتجوزيه ومن شوية قولتلي وحشتيني ودلوقتي واقف تتغزل بمواصفات واحدة قدامي بكل وقاحة وجاي تشتريلها فستان وعايزني كمان انا اللي اختاره انت ايه مش بني ادم، ارحمني، و ارحم اعصابي. انا تعبت فرت دمعة خائنة من عيناها وهي تلعن غبائها وتسرعها ثم وضعت يدها على وجهها محاولة منها كبح رغبتها بالبكاء فهي لن تشعره بلذة انتصاره عليها مثل كل مرة و حاولت جاهدة لم شتاتها واسترداد ثباتها.

رؤيتها هكذا اشعره بالضيق فهو لم يتقصد كل هذا هو فقط أراد أن يثير غيرتها و يخرجها من جمودها معه ولو قليلًا اقترب بخطوات بطيئة نحوها هامسًا:
انا...
قاطعت هي حديثه بشراسة: اطلع بره يا اكمل ومش عايزة اشوف وشك تاني وكفاية لحد كده
انتِ بتطرديني يا فدوة
أضافت بإصرار وهي تؤشر بيدها إلى الخارج: ايوة بطردك ومش من هنا بس من حياتي كلها بره.

هز رأسه بيأس وامتثل لرغبتها وهو ينهر نفسه على غبائه الذي يفسد كل شيء كعادته.

حاوطها بحميمية زائدة وهو يدثرها بالغطاء و يحاول تهدئة أنفاسه الثائرة أثر جموحه معها لتبتسم هي له برضا تام فهو كما عاهدته دائمًا حنون و مراعي لها، دام الصمت لثواني بينهم وهو يشعر أنه لاذ بقطعة من السماء بين أحضانها، انتفضت هي بذعر عندما تعالى صوت رنين الهاتف الارضي القابع بجانبها على الكمود مدت يدها بسرعة ادهشته وسحبت المقبس الخاص بالهاتف من جانب الفراش بقوة.

ثم هدرت بتوتر بعدما تلقت نظراته المشدوهة: أصل صوته عالي وخوفت يصحي ماما
ابتسم بهدوء وقام بسحبها مرة أخرى لأحضانه لتتذمر هي: لا انا هقوم اخد شاور قبل ما ماما تصحي وابقى في نص هدومي
ضحك هاشم وأردف بوقاحة يخصها هي فقط بها: هي فين هدومك دي اللي هتبقي في نصها
ردت هي بخجل تنكزه بصدره: بطل قلة ادب
يا بنتي انا جوزك
هدرت مي بسأم: جوزي يبقى في بيتنا نعمل اللي احنا عايزينه براحتنا سيبني اقوم بقى متبقاش غلس.

ماشي بس بشرط قاطعته هي بعناد: لأ. عارفاه من قبل ما تقول ومش موافقة لتركض إلى المرحاض الملحق بالغرفة بخفة وأوصدته بأحكام فهي تعلم إلى ماذا يرمي فهو لا يكتفي منها ابدًا
ضحك هو على طفولتها وتذمرها المعتاد ورد بمرح: بقى كده. ماشي يا مي انتِ الخسرانة
ليتطلع إلى ملابسه الرسمية المتناثرة على الأرض بسأم ويهدر وهو يدلك عنقه بهدوء: بقولك ايه هو انا مليش هدوم هنا.

لم يأتيه ردها فيبدو أن صوت المياه يحجب سمعها تنهد بقلة حيلة بعد ما التقط بنطاله وارتداه بأهمال وتوجه الى الخزانة باحثًا عن شيء يناسبه ويكون اكثر اريحية، ظل يقلب بين الحاجيات والملابس الى أن وقع تحت يده ذلك الصندوق الخشبي الصغير دفعه فضوله أن يتفحص مقتنياته، ابتسم بمكر وكأنه يكتشف سر من أسرار الحرب وقام بفتحه بتوجس لتجحظ عيناه وتقسي ملامح وجه بانزعاج وهو يطالع تلك الرسائل العديدة المفعمة بكلمات غرامية صارخة وأحلام معسولة، ضحك بعدم اتزان وبعيون غائمة وكأن عقله رافض الاستيعاب وعينه تقع على اسم الراسل بأخر الخطاب.

(حبيبك المخلص دائمًا مازن العدوي ).

ظل الاسم يتردد بذهنه مرارًا وتكرارًا لتشتعل عينه بلهيب قاتل وتنفر عروقه فهذا هو اسم السمج الذي كانت تتساير معه قذف الصندوق من يده بعنف وتوجه الى الهاتف الأرضي فما فعلته آثار ريبته لكنه تجاهل الأمر ولكن الآن قد غزى الشك قلبه وضع مكبسه وقام بالضغط على أزراره بحثًا في المكالمات الواردة وعن آخر رقم ليعاود الاتصال به ليأتيه الرد بثواني وكأن المتلقي كان ينتظر على احر من الجمر.

كنت عارف اني مش ههون عليكِ يا قلبي انا بحبك يا مي وعندي استعداد استناكِ العمر كله لغاية ماتخلصي من هاشم وتكوني ليا من تاني.

كان يستمع له بصدمة عارمة بعدم استيعاب اهو كابوس مفزع وسيستيقظ بأي وقت لا يعلم لما تجمدت حواسه بهذه اللحظة لمَ عجز صوته عن الخروج من حلقه فهو يريد أن يسبه ويلعنه بأفظع السباب ولكن الكلمات لم تسعفه عجز عن النطق ارتمي على طرف الفراش بعدما أغلق الخط و انسلت منه دمعة خائنة بلا وعي وشريط حياته معها يمر أمام عينه
هاشم.

أتته نبرتها المهزوزة وهي تنظر للصندوق تحت قدمه بذعر لتنتشله من حالة التجمد الذي اصابته انتفض بقوة نحوها وعينه تقدح بالغضب وقبض على رسغها بعنف يهزها بين يده و هدرًا بوجهها:
بررت نفورك وبرودك معايا بكل حاجة ممكن تتخيليها بس عمري ما جه في بالي انك بالحقارة والانحطاط ده
همست هي راجية: اسمعني يا هاشم ارجوك هفهمك دي حاجات قديمة
اخرسي، كفايه كدب.

نفضها عنه باشمئزاز والتقطت قميصه من الأرض وصرخ بصوت جهوري ارعبها: انا غبي، غبي مفيش حاجة بالعافية كنت فاكر اني هقدر احببك فيا بس يا خسارة طلعتي مستكفية حب يا هانم، تمسكت هي بذراعه بترجي ودموعها تنهمر دون انقطاع:
لأ اسمعني متظلمنيش
لتندفع والدتها الى الغرفة بذعر بعد ما التقطت صراخهم متسائلة بجذع: في ايه يا ولاد صلو على النبي ايه اللي حصل بس.

أجابها هو متهكمًا: اسألي بنتك و لا تلاقيكِ عارفة وعلشان كده كلمتيني
رمقت هنية ابنتها بترقب تنتظر دفاعها لكن ابنتها كانت تنتحب ومطرقة رأسها بخزي فأخبرها قلبها أن ما فعلتها كانت جسيمة وتعدت تمردها وكبريائها لتهتف هنية بترجي:
يا بني عارفة ايه اهدى بس وفهمني...
رد هو بنبرة مؤلمة نابعة من قلبه العاشق الذي اكتفى: معنديش كلام يتقال بنتك طالق يا مرات عمي ليرمق مي باشمئزاز ويهدر مرة اخرى قبل ان ينصرف:.

انتِ طالق يا هانم
سقطت تلك الكلمة على مسامعها
كا الصاعقة القاتلة فقد شهقت بقوةو وضعت يديها على اذنها مستنفرة قوله وانزلقت جالسة على الأرض بهوان تنتحب بقوة تؤنب نفسها على ما توصلت له حياتها بسبب ذكرياتها الواهية بينما تشدقت امها بحسرة وهي ترمق انهيارها:.

بتعيطي ليه ما انتِ عملتيها وارتحتي يا بنت بطني أهو طلقك كابري بقى براحتك عيشي برأسك طول عمرك ناقمة عيشتك أهي زالت من وشك وهدمتي بيتك بغبائك، قلبي وربي غضبانين عليكِ
هدرت بجملتها الأخيرة بحزم دون الإشفاق على ابنتها ولا حتى الأستماع لها لتصيح مي بنحيب من بين دمعاتها الحارقة:
كفاية ابوس ايدك انا بنتك حسي بوجعي وافهميني لو لمرة واحدة.

غامت عين والدتها تأثرًا بها وسيطرت عليها غريزتها كأم لتحتضنها وتحاول أن تهدئتها ولكن انجرفت هي ايضًا بالبكاء بجانبها تحسرًا على هدم حياتها بسبب كذبة واهية تدعى حبها الأول.

بعد يومان استقبلت فتون شقيقتها بسعادة عارمة فلم تشعر بالوقت برفقتها فقد انقضى اليومان سريعًا احتضنت شقيقتها بحنو اخوي داخل الفراش وهي تقبل جبهتها تشعر أن ربها يعوضها عن ما قاسته سابقًا، وكم تمنت أن تكون هذه حياتها سابقًا أرادت أن تمحو من ذكرياتها قسوة ابيها واستغلاله لها وذلك المقيت جمال وكل ما فرض عليها سابقًا وعند وصول تفكيرها ل أكمل تنهدت بهدوء فهو رغم تهديده لها وفرض غطرسته عليها إلا أنها تشعر دائمًا انه بداخله ليس سيء فيكفي أنه بعث شقيقتها لاستكمال دراستها بمدرسة لم تكن تحلم بالمرور بجانبها ويكفي ايضًا انه كان السبب بمعرفتها ب صقر عند مرور اسمه بخاطرها تنهدت بعمق و تعالت دقات قلبها بصخب حتى أن شقيقتها شعرت باضطراب ورفعت رأسها تخمن وهي تطالع هيأتها:.

طب والنعمة انتِ بتحبي يا فتون دي دقات قلبك صحتني وعينك بتطلع قلوب
قالت فتون مستنكرة: هااا احب ايه انتِ كمان بطلي هبل رفعت فرحة حاجبيها بتشكيك واردفت وهي تعدل من جلستها:
عليا برضو احكيلي يا تونة بدل ما هعيط واغرقلك السرير
يا بت مفيش حاجة احكيها بس...
بس ايه انطقي بقى
تنهدت فتون بخفوت واحمرت وجنتاها بخجل وهي تسترسل: كنت فاكرة أن كل الرجالة زي بعض وكنت متعقدة منهم بسبب ابوكِ بس هو حاجة تانية خالص.

شخصيته قوية اوي حتى كلامه بحساب ده غير عينه اللي بحس أن فيهم حنية تكفي الدنيا، أي نعم مبينطقش بس ببقى حاسة بكده كل ده كوم وصوته كوم تاني يافرحة صوته بحس اني عارفاه وسمعته قبل كده بيطمني.

شهقت فرحة ساخرة: يا لهوي ده انتِ واقعة لشوشتك ياتونة مين يصدق فتون اللي كانت بتكره صنف الرجالة تقع على بوزها كده
ردت فتون بإستنكار: حب ايه بس لا طبعًا انا مش بحبه انا بس بقولك انه مختلف
همست فرحة بتشكيك: عليا برضو بس انا هطير من الفرحة
ليه يا مجنونة نهضت فرحة فوق الفراش وبدأت بالقفز عليه بسعادة وهي تهتف: علشان اخيرًا لقيتي يوچين بتاعك وربنا نجاه من الطاسة.

ضحكت فتون بسعادة على طفولة شقيقتها وسحبتها تجلسها من جديد وقالت بخفة: انا قولت مجنونة محدش صدقني اقعدي يا بت هتكسري السرير ده عهدة، جاورتها فرحة مرة أخرى وهدأت ضحكاتها وهي تتسأل:
برضو مش قادرة اصدق ان الشقة والعربية سلمهملك في الشغل
ردت فتون بثقة زائفة: لا صدقي انتِ مستقلة بأختك ولا ايه
هزت فرحة رأسها ب لا وأردفت بعدم استيعاب: طب فلوس المدرسة جبتيها منين دي مصاريفها غالية جدًا.

همهمت فتون بتلعثم أثر كذبتها: دخلت جمعية كبيرة مع زمايلي في الشغل وبعدين انا بدفعهم على كذا مرة يعني بالتقسيط متشغلش بالك انتِ وركزي بس في دراستك شردت فتون بحزن بعدما شعرت بخوض شقيقتها بالنوم فهي لاتريد أن تخبرها انها نقدت وعدها مرة أخرى فماذا تخبرها أتخبرها بدنائة ما أقدمت عليه للإيقاع بالشخص الوحيد الذي استشعرته وسقطت حصونها بحضرته أَم تخبرها باتفاقها مع أكمل وانصياعها له هي تخشى أن تخسر ثقتها بها وتهتز صورتها من جديد في نظرها فهي تفضل الكذب على أن يطلق عليها لقب مغوية من جديد نفضت أفكارها واغمضتت عيناها تتوسل النوم فغدًا موعد سفرها معه.

أما عنه شعر بعد خروجه من عندها أن انفاسه تنحصر بصدره من كثرة الضيق ولكن يبقى لديه بصيص من الأمل فا كل يوم ينتظر من فتون أن تخبره بأنها أوقعته في شباكها لكن لا جديد هو لا ييأس بعد فهو يعلم صقر تمام المعرفة ويعلم أن حصونه لا تنهار بهذه السهولة لكن يكفي انه تقبلها تعمل معه وحين أخبرته بسفرها معه لمعت عينه بمكر وهو يحيك لها كيفية التقرب منه واستغلال الأمر، تنهد بضيق بعدما توقف أمام اللا الخاصة بعائلته فهو شعر انه بحاجة لرؤية والدته والاطمئنان عليها دلف الى الداخل وعند وصوله شاهد أمه خاشعة في صلاتها جلس ينتظر انتهائها شارد بها وهو يشعر بتغيرها الجذري فبعد موت شقيقته تقربت من ربها وقطعت كل علاقتها بذلك الوسط المقيت لكن بعد فوات الأوان فهو قد عزم ترك منزل عائلته وقرر أن ينفرد بنفسه بشقته لا يعلم السبب ولكن عندما يأتي إلى هنا يشعر بروح شقيقته تلاحقه وتحثه على الثأر لها لهذا أقنع حاله أنه سيستقر مع والدته بعدما ينول غايته ويحقق انتقامه المنشود، أخرجه من شروده صوت والدته الحنون المرحب به بعد انتهائها:.

أكمل اخيرًا جيت تطمن عليا يا حبيبي انت وحشتني اوي
اجابها أكمل بود: وانتِ كمان يا ماما وحشتيني طمنيني عليكِ بتاخدي أدويتك في ميعادها
اجابته والدته بحنان: اه ياحبيبي متقلقش عليا قولي انت عايش ازاي ومين بياخد باله منك وانت لوحدك
رد أكمل بنبرة هادئة: متقلقيش عليا انا بعرف اتصرف
احتضنت وجهه وهي تبتسم بحنو اموي وقالت: قلبي عمره ما هيطمن عليك وانت بعيد علشان خاطر أمك اللي ملهاش حد غيرك ارجع عيش معايا.

مش دلوقتي وبعدين انا اتحايلت عليكِ كتير تيجي تعيشي معايا وانتِ مرضتيش
هزت فايزة رأسها واستأنفت بحزن: عمري ما هسيب البيت اللي جمعني بأبوك وأختك الله يرحمهم ده كفاية ريحتهم اللي لسه في الحيطان بتونسني
أومأ اكمل لها وهو يحتضنها فا بالرغم سابقًا كان لديها اهتمامات آخرى كانت تؤدي الى تقصيرها معهم ولكن يعلم أن موت شقيقته قد أثر عليها كثيرًا.

في صباح اليوم التالي
في المكان المخصص للزيارة لأحد السجون
كان يجلس بهيئته البغيضة وهو يرتدي ذلك الزي السائد كلباس رسمي داخل السجن.
فظلت كل حواسه متأهبة بغضب لموعد الزيارة ففي كل مرة ينتظر أنا تحنو عليه ابنته وتأتي لزيارته ولكن دون فائدة شعر بإحباط وهو ينهض بغرض العودة لزنزانته لولا صوت ذكوري حاد اجفله:
ازيك يا عايق والله ولك واحشة.

تهللت أسارير عزت وهو يجلس مرة آخرى مواجه له: والله وفيك الخير يا جمال عامل ايه والسنيورة عاملة ايه في غيابي؟
نحمد ربنا انا تمام وتشكر على الواجب اللي عملته لولا انك شلتها لوحدك كان زماني مشرف معاك.

عد الجمايل علشان هتردهالي لما اخرج من المدعوق ده
رقبتي سدادة يا عايق
طمني السنيورة عاملة ايه والبت فرحة
والله ما عارف اقولك ايه
فيه ايه اتكلم؟
تنهد جمال واخبره: من ساعة ما اتسجنت وهما اختفوا انشقت الأرض وبلعتهم وناس بتقول ان بيه عليوي أوي شافو السنيورة وهي بتركب معاه.

انكمشت ملامح عزت بغضب وهدر بقسوة: مينفعش تختفي لازم تبقى تحت عنينا دي هي مفتاح الكنز اللي هيغرقنا فلوس انا عايزك تقلب الدنيا عليها يا جمال وليك عليا اجوزهالك وينوبك من الحب جانب بس تجبلي قرارها
ليهدر جمال بخبث: متقلقش هجيبهالك دي ست البنات ومش هتكون لحد غير ليا.

ليصدح جرس تنبيه معلن عن أنتهاء موعد الزيارة لينصرف عزت لزنزانته ويتطلع جمال بآثاره وهو يقسم أنه سيجدها مهما كلفه الأمر ويجعلها ملك له حتى وإن بالغصب فرغبته بها قاتلة وتكاد أن تقضي عليه.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة