قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية إغواء قلب للكاتبة ميرا كريم الفصل الرابع

رواية إغواء قلب للكاتبة ميرا كريم الفصل الرابع

رواية إغواء قلب للكاتبة ميرا كريم الفصل الرابع

طرقات صاخبة على باب منزلهم اصابتهم بالهلع لتنهض فرحة بخوف وتهتف: ياترى مين اللي بيخبط كده يا فتون
حاولت فتون طمئنتها: متخافيش يمكن أبوكِ ده مرجعش من امبارح وانتِ عارفة لما بيشرب بينسي أن معاه مفتاح اهدي هروح أشوف مين لتتقدم وتفتح باب الشقة بترقب إذا بجمال يقف أمامها يلهث لتباغته هي:
هو أنت عايز أيه؟ حد يخبط كده!
ألتقط الآخر أنفاسه ورد بنبرة مرتعشة من شدة رهبته: ابوكِ اتقبض عليه...

لطمت فتون خدها وهدرت: متعرفش قبضوا عليه ليه ليكون علشان السرقة...
مش عارف يا ست البنات المخبر المعرفة هو اللي قالي بس ميعرفش مسكوه ليه أنا جيت أقولك واعمل اللي عليا، معطلكيش انا هختفي في أي حتة لغاية ما يبان بس يارب ابوكِ يطلع جدع وميعترفش علينا
همهمت فتون بجذع: طب وانا اعمل ايه؟
مليش فيه، و لو المحروس ابوكِ جاب سيرتي هزعله واجيب ناس تزعله مش لو كان جوة السجن لو كان فجهنم هجيبه.

ليفر هاربًا بعد أن زف لها الخبر لتسقط هي على أقرب مقعد شاردة فماذا سوف تفعل إذا تم القبض عليها هي ايضًا، ماذا عن شقيقتها من سيرعاها وماذا ستفعل من دونها، فرت من عيناها دموع حارقة وهي تلقى شقيقتها متكورة على نفسها وتجهش بالبكاء، هرولت إليها وجثت مقابل لها تحاول أن تبث بها الطمأنينة المنعدمة لديها:
اهدي علشان خاطري واجمدي ابوكِ هيطلع هي أول مرة تلاقيه خدوه تحري زي كل مرة.

ردت فرحة بخوف من بين دمعاتها: وافرضي قبضوا عليه علشان السرقة انتِ نسيتي انك متورطة معاه يعني لو قبضوا عليكِ هيبقالي مين بعديكم، مسحت فتون دمعات شقيقتها بكف يدها وطمئنتها:
متخافيش ابوكِ أكيد مش هيعترف عليا هيخاف اسيبك لوحدك لو ورطني معاه، قومي يلاا أغسلي وشك وروحي اقعدي ما ست إحسان عقبال ما أجي
هتروحي فين؟
هروح القسم يمكن اعرف حاجة عنه
لتتشبث بها فرحة وتهتف بذعر: عايزة تروحي برجليكِ هناك لأ مش هسيبك.

قولتلك متخافيش يلا قومي وخدي لتقوم بنزع حلقها الذهبي من اذنها وتضعه بكف شقيقتها لتشهق فرحة بصدمة:
ايه ده انتِ اول مرة تقلعي حلق ماما من ودنك ده هو والخاتم الحاجة الوحيدة الفاضلة من ريحتها
معلش مضطرة ومحلتيش غيره وأنتِ عارفة الخاتم مقدرش أفرط فيه علشان وصية أمك لكن الحلق لأ لو اتأخرت عليكِ بعيه وخلي فلوسه معاكِ وتخليكِ قاعدة مع ست إحسان متتحركيش من عندها فاهمة يا فرحة.

كانت تشدد على حديثها وكأنها تودعها مما جعل فرحة تهمس بقلق حقيقي: انا خايفة عليكِ أوي متسبنيش يا فتون
جذبتها فتون لأحضانها وقالت بحنان وهي تربت على ظهرها: متخافيش، ربنا موجود
ونعمً بالله
همت فرحة بالخروج قاصدة بيت تلك الجارة الحنونة إحسان.

وقامت فتون بأرتداء ملابسها بعجالة استعدادًا للخروج وإن شرعت بفتح باب الشقة صعقت مما رأت عيناها انه هو يقف أمامها بتلك الإبتسامة الساخرة المملؤة بالشر التي تزين فمه يسد طريقها، تصاعدت انفاسها و تراجعت للخلف بذعر ليتقدم هو بتمهل ويغلق باب الشقة خلفه ومازال محتفظ بتلك البسمة الساخرة التي جمدت اوصالها، تمتمت هي بتلعثم أثر خوفها:
انت جاي ليه عايز ايه تاني؟

تعالت ضحكاته المستفزة ورد ساخرًا: قولتلك هتشوفيني تاني يافتون وبصراحة خوفت اوحشك
هددته فتون بنبرة مهزوزة: هصوت والم عليك الناس
استمع لتهديدها باستخفاف وجلس على أحد المقاعد المتهالكة ووضع ساقه على الآخري ببرود ثم أشعل سيجاره ينفث دخانه بهدوء افقدها اتزانها وخاصًة حين هدر:
اعملي كده علشان اقلع هدومي وابقى في سريرك واقول انك ماصدقتي ابوكِ يتسجن علشان تجيبي رجالة في البيت.

شحب وجهها وصرخت به: حرام عليك انت عايز ايه؟
قال بإيجاز وبملامح ثابتة: نتفق
على ايه؟
تعملي اللي هقولك عليه بالحسنى وتسمعي الكلام
زاغت نظراتها وسألته بتوجس: ولو رفضت هتعمل ايه؟
سحق سيجارته بكعب حذائه ثم ابتسم بسمته المعتادة ونهض يقترب منها بهدوء أرعبها وجعلها تتراجع حتى ضربت ظهرها بالحائط ليباغتها هو بمحاصرته لها و قبضته القوية تضغط على عنقها هامسًا بفحيح أمام شحوب وجهها:.

هخليكِ تحصلي ابوكِ ده غير الأحكام اللي هتضافلك لما اقدم وصلات الامانة
تعلقت بذراعه محاولة منها التملص من قبضته التي كادت أن تفقدها أنفاسها ليستأنف تهديده لها:
اه ونسيت اقولك معايا فيديو ليكِ يجنن وانتِ بتخدريني اهو ده بقى جناية لوحدها ده شروع في قتل يعني هتعفني في السجن قولتي ايه؟! قالها وهو يشدد أكثر على عنقها مما جعلها تسعل بقوة و تحاول ألتقاط أنفاسها ليخرج صوتها مختنق يائس لأبعد حد:.

موافقة، بس سيبني هتموتني
ابتسم بأنتصار وحل يده من على عنقها، لتشهق هي بقوة محاولة منها التقاط بعض الهواء الذي سلب منها وبعد برهة تسائلت بأنفاس متقطعة قليلًا:
قولي عايزني اعمل ايه؟
هقولك بس مش هنا عشر دقايق وتكوني تحت هستناكِ في العربية
ليوجه لها سبابته بتحذير ويستأنف: ولو فكرتي تهربي ولا تعملي حركة غبية هخليكِ تترحمي على اختك هي والست اللي عندها.

ليهم بالانصراف تحت نظراتها المنكسرة من جبروته وتطلق العنان لعبراتها الحارقة ثم تلحق به بعد ما اخذت خاتم والدتها ودسته بحقيبة يدها لعله يشعرها بأن عبق والدتها يرافقها ويحميها من قسوة تلك الحياة التي سئمت منها.

ظلو يتنقلون بين المحلات الكبرى بأحد المراكز التجارية ينتقون ما يناسب ذلك الحدث القريب، فكانت مي تختار ما يثير إعجابها ولكن الأخرى كانت شاردة في عالم آخر
الى أن نهرتها مي بخفة وهي تلوح بيدها يمينًا ويسارًا أمام وجهها: يا دودو سرحانة في ايه انا بقالي ساعة بتكلم وانتِ مش معايا خالص
بررت فدوة بحرج: هااا معلش اصلي مكسوفة من المكان وحاسة الناس بتبص عليا.

لتجيبها مي وهي تنهرها: انتِ والله مجنونة يا بنتي بطلي بقى كسوفك ده اللي هيوديكِ فداهية ويلا اختاري معايا بصي ده فظيع لترفع أمام وجهها بيبي دول أسود من الدانتيل الذي لايستر شيء يذكر لتشهق فدوة وهي تسحبه بخفة من يدها وتنظر يمينًاويسارًا بخجل وتقول:
انتِ مجنونة انا ألبس ده لأ لا اتكسف طبعًا وبعدين صقر مؤدب مش بيحب الكلام الفارغ ده.

ردت مي ساخرة: والله ما حد مجنون غيرك لتغير نبرة صوتها قاصدة تقليدها: صقر مؤدب ومش بيحب الكلام ده يا بنتي مفيش راجل مبيحبش الكلام ده انتِ اللي هبلة ولسه على نياتك
دافعت فدوة بكل ثقة: لا متأكدة انه مؤدب ده عمره ما اتجاوز حدوده معايا ويمكن علشان كده خالتو مستعجلة تجوزنا.

لتستأنف مي وهي تلوي جانب فمها: مش بقولك هبلة يابنتي هند العزازي مستعجلة على جوازكم علشان خايفة تطالبيها بميراثك من امك فقالت زيتنا في دقيقنا
هتفت فدوة مبررة: زيت ودقيق ده انتِ عجنتيها خالص انا متأكدة انها بتحبني زي صقر وعايزة مصلحتي.

ردت مي بخفوت بعد صدمتها من حديث صديقتها: والله انتِ حرة لتضيق عيناها بشك وهي تتذكر موضوعهم الأساسي وتتسأل بفضول: هو انتِ بتتكلمي جد يعني مخطوبين من سنتين وعايشين في بيت واحد وعمره ما قرب منك ولا خد بوسة كده ولا كده لتغمز لها بختام حديثها لتشهق فدوة وتلكزها قائلة:
انتِ بقيتي قليلة الادب بعد الجواز على فكرة
صرحت مي ببسمة ساخرة: عادي جواز يعني قلة أدب وانا يا ستي قليلة الأدب وعايزة أعرف.

لتزفر فدوة وتفرك يدها وهي تجيبها: لأ عمره ما عملها
لتضيق مي عيناها وتشاكسها بعدما أدركت أنها احرجتها: طب والله شكلك زعلانة علشان عمره ما عملها
لتهز فدوة رأسها ويصدر من مي ضحكة صاخبة عفوية شاركتها بها فدوة وقد رجت الهدوء السائد بالمكان غافلين عن من يتربص بهم بحيطة حتى يطلع رب عمله بكافة تحركاتهم.

ظل يخطو خطى واثقة وهو يمر على اقسام مصنعه يتفقده بنفسه ويرى سير العمل فهو لا يتهاون في كل ما يخص العمل فمصنعه أصبح له صيت في أرجاء العالم نظرًا لجودة انتاجه وحرصه الدائم بتطويره حتى تظل تلك السمعة الطيبة التي اكتسبها من أبيه
تنهد بارتياح بعد ما انهى معاينته للانتاج وتحدث بامتنان للعاملين: براوعليكم يارجالة الشغل ممتاز.

رد أحد العاملين: البركة في حضرتك يا صقر بيه لولآ تشجيعك لينا وتقديرك لمجهودنا مكناش عرفنا نوصل لكده
رد صقر بود: المصنع ده انتو ليكوا فيه زي بالظبط وانتم اهلي اللي كبرت بيهم
هتف أحد العمال بامتنان حقيقي: أنت خيرك مغرقنا كفاية يا بيه انك بتساعدنا ومبتتأخرش على حد.

أقر صقر ببسمة هادئة: ده حقكم عليا انا مكنتش هكبر غير بيكم ليتنهد براحة وهو يتلقى الدعوات الصادقة من العاملين ليؤمن على دعواتهم ويخطو الى مكتبه ليلقى اكرم ينتظره ويصيح قائلًا:
خلاص اطمنت على كل حاجة بنفسك وارتحت
جلس خلف مكتبه واستند على مقعده بأريحية وقال: اه ما انت عارف ده طبعي ومش هغيره ومبرتحش غير وانا وسط العمال.

يا بني انت عاملهم مصلح اجتماعي ده اللي عنده مشكلة بتحلها واللي عايز يتجوز بتساعده ده حتى اللي بيدلعوا بتقعدهم في بيوتهم وتبعتلهم مرتب
حرام عليك دول ناس غلابة وميعرفوش الدلع وبعدين انت مالك ده مصنعي ودول عمالي وأنا حر
يا عم انا غلطان قولي اعمل ايه؟ اطبع دعاوي للحفلة
دعاوي ايه انا مش هعزم حد غير موظفين وعمال بس. ده حقهم وتقدير ليهم على تعبهم معانا طوال السنة.

يا صقر لازم نعزم رجال أعمال وصحافة واعلام تغطي الحفلة كده هيبقى ملهاش لازمة ومصاريف على الفاضي
هز رأسه وقال بإصرار وبقرار قاطع: لأ انا عايز كده ويلا من هنا شوف شغلك
رد اكرم بخفة وهو ينهض من مقعده: ياعم انت بتكسفني ليه كده ده انا زي صحبك برضو وبعدين احنا بنتناقش
زفر هو بنفاذ صبر ورد بكل مهابة: اكرم في حاجات مبقبلش فيها نقاش وانت عارف
خلاص ياعم براحتك انا ماشي احسن تكرشني وتبقى كملت.

اغمض صقر عينه بندم واستأنف بعد ما لانت نبرته قليلًا: متزعلش يازفت انا مبحبش الاورة
أبتسم اكرم بلا فائدة فصديقه حاد الطباع ولا يعرف صياغة الأعتذار ولكن لديه قلب يضاهي لون الثلج بنصاعته، لذلك رد بمحبة خالصة:.

اللي يعرفك ويعاشرك مستحيل يزعل منك يا صقر انا هروح اشوف الشغل عن اذنك وإن هم بفتح الباب فاجأهم دلوف رجل بأوائل العقد السادس من عمره وتبدو البشاشة على وجهه، نهض من خلف مكتبه وتقدم منه فمنذ قدومه من السفر وعلمه بزيجة من والدته لم يتسنى له ملاقاته نظرًا لانشغاله الدائم
رحب به بحفاوة فبرغم كل شيء يظل في منزلة والده: ازيك يا عمي نورت.

رد محمد العزازي ببسمة مريحة هادئة: ده نورك يا صقر انا قولت اجيلك هنا علشان مش بشوفك في القصر
أجابه صقر وهو يدعوه للجلوس وإن فعل جلس هو من جديد خلف مكتبه: مشغول ياعمي والله والشغل كله على كتافي وخصوصًا ان انت مش عايز تيجي تشتغل معايا
ربنا يقويك يابني بس انا خلاص مفيش عمر ولاصحة للشغل البركة فيك بقى.

نهض صقر من مقعدة وجلس مقابل لعمه بعد ما شعر بأنكسار نبرته ليربت على ساقه بود: بعد الشر عليك ياعمي ربنا يخليك لينا
غمغم محمد بنبرة حزينة: انا عارف انك واخد على خاطرك مني بس يا ابني انت كنت مسافر وهند هي اللي صممت وانا مرضيتش ازعلها
تنهد وأجابه بنبرة هادئة فهو على دراية تامة أن والدته هي من أصرت لأهداف بعقلها: خلاص يا عمي انا مليش حق اعتب عليك دي حياتكم وأنتم أحرار.

رد محمد بنبرة صادقة متأثرة: صدقني يا ابني انا عملت كده علشان افضل وسطيكم الكام يوم اللي فضليلي في الدنيا انت عارف ان المرض اللي عندي استجابته للعلاج ضعيفة وانا زهقت بقالي سنين على الحال ده ومفيش فايدة
لتغيم عين صقر تأثرًا به ويتحدث: خلي املك في ربنا كبير يا عمي ايه رأيك لو اخدك ونسافر بره اكيد هناك عندهم حل
لا يا بني انا خلاص مش هحاول تاني انا مفيش في الدنيا حد يخليني اتمسك بيها
واحنا يا عمي نسيتنا.

ربنا يباركلي فيك يا حبيبي عارف يا صقر كان نفسي يبقى ليا بنت واجوزهالك لو كانت مراتي عاشت كان زمان دلوقتي عندي ولاد كتير
الله يرحمها اكيد كانت ست عظيمة اللي تخليك مخلص ليها السنين دي كلها من وانا صغير وانا بسمع من بابا وجدي الله يرحمهم بس انت عمرك ما حكيتلي عنها هز رأسه بحزن وأردف محمد وعينه تغيم بالذكريات:
كانت طيبة وحنينة فوق الوصف وكان حبنا مقوي قلوبنا أبتسم بحنين لتلك الأيام واستأنف:.

عارضنا اهلينا علشان نتجوز هي كانت من أسرة بسيطة بس كانوا متشددين جدًا وكانوا عايزين يجوزوها راجل قد ابوها غصب، هربت انا وهي واتجوزنا ومهمنيش غضب ابويا عليا مهمنيش حاجة غير اني ابقى معاها لغاية ما في يوم جدك عرف طريقنا وغصب عليا اطلقها وفعلًا طلقتها بعد ما هددني انه هيسلمها لأهلها يقتلوها، بعدها عملت حادثة وقعدت في غيبوبة شهرين وبعد ما فوقت قلبت الدنيا عليها مكنش ليها أثر لغاية مجالي مكالمة وبلغوني انها ماتت من غير ما يقولولي أي تفاصيل تانية.

شهق بحرقة وترك العنان لعبراته الحارقة بالهطول لينظر له صقر بمواساة ويهمهم بأسف:
أنا آسف يا عمي اني فكرتك
رفع عمه نظراته بحزن وهدر بتحسر: انا عمري ما نسيت يا ابني انا بس كان نفسي اعرف طريق قبرها علشان ادفن جنبها
بعد الشر عليك سلم امرك لله وبلاش تشائم وان شاء الله قريب اوي انا وفدوة هنملالك القصر عيال ليستأنف قاصدًا بث به الأمل من جديد:
وربنا هيديك العمر وهتعيش وتربيهملي وتجوزهم كمان معايا.

ليبتسم عمه وقد التمعت عينه بالحياة، ليستأنف صقر وهو يبادله الابتسامة الهادئة: طب يلا بقى نروح احسن هند هانم العزازي تغضب علينا لو اتأخرنا على الغدا
أومأ له بود وهو يمسح عبراته وتبسم له بطيبة: ربنا يباركلي فيك يا ابني
ليربت صقر على ساقه بحنان ويرد عليه: ولا يحرمنا منك يا عمي.

ظلت منكمشة داخل المقعد الخلفي لسيارته تطالعه بتوجس خيفه منه فملامحه لا تبشر بالخير بتاتًا، فكانت مرتعبة تتسأل مع عقلها ترى ما الذي يريده منها قطع شرودها صوته الآمر:
انزلي من العربية
تمسكت بحقيبتها بقوة وجالت محيط المكان بعد أن انتبهت أن السيارة توقفت ثم شددت على حقيبتها أكثر وكأنها تستمد منها الثبات وتدلت تنظر حولها تحاول معرفة المكان لكن دون جدوى
يلا يا روح أمك انا هفضل مستني سعاتك كتير.

هدر بجملته بنفاذ صبر لتعلو أنفاسها من الخوف وهي تتوجه نحوه وتسير خلفه بخطى مهزوزة إلى المصعد، ابتلعت ريقها بتوتر وهو يفتح باب الشقة و يقبض على رسغها بقوة يدفعها أمامه هادرًا بحدة أجفلتها:
خايفة يا روح امك ايه اول مرة تروحي مع واحد شقة لوحدكم
ردت فتون بنبرة مرتجفة رغم تصنعها للثبات: مش خايفة، وانت عندك حق مش اول مرة قولي عايز ايه مني؟

ضحك أكمل ساخرًا من جرأتها فهي اثارت اهتمامه دون ان تشعر ويستطرد قائلاً وهو يشملها بنظرات متفحصة ذات مغزى:
عايزك تعملي حاجة انتِ متعودة عليها
تسألت فتون بترقب وقلبها يهوي بين ضلوعها: قصدك ايه؟
التمعت عينه وهدر بنبرة كارهة: عايزك تغوي، صقر العزازي وتوقعيه فيكِ...
زاغت نظراتها بوجل وهي تستمع لنبرة الحقد الواضحة بصوته وهذا الأسم الذي نطق به ليس غريب على مسامعها.

لتهمهم بعدم استيعاب: اغويه ازاي! انا مش زي ما انت فاكر انا مش رخيصة ولو كنت عملت كده معاك فعلشان انا كنت مغصوبة
لاح على ثغره نفس البسمة الساخرة وقال متهكمًا: لا واللهِ، صدقتك انا كده الشوية دول تعمليهم على حد غيري
لتتسأل هي بعد ما فقدت الأمل بإقناعه: طب وانت ايه مصلحتك في كده
رد اكمل بنفاذ صبر: انتِ تنفذي الأمر من غير اسئلة انتِ فاهمة.

ليفرك وجهه بعنف واستأنف: عايزه يتعلق بيكِ بأي شكل اتصرفي وعايزه يثق فيكِ لازم احرق قلبه زي ما حرق قلبي ولسه بيحرقه ومتخافيش هو مش هيجبرك على حاجة علشان بأختصار ملوش في الشمال
لتضع فتون يدها على خافقها محاولة منها تهدئة روعها وتتحدث بنبرة متوجسة: وافرض معرفتش!
اندفع إليها والشرر يتطاير من عينه وقبض على خصلاتها بقوة،.

لتشهق هي بألم في حين هدر هو بغضب قاتل: مفيش حاجة اسمها مش هتعرفي انتِ عرفتي تضحكي عليا انا، اكمل الصرفي، بجلالة قدره مش هتعرفي تضحكي عليه
هزت رأسها بقلة حيلة لعله يرحمها فهو كاد أن يقتلع خصلاتها.

بينما ابتسم هو برضا وهو ينفضها بعيد عنه باشمئزاز وتحدث مفسرًا: هظبطلك ورق علشان هبعتك تشتغلي عنده وكمان الشقة دي هتفضلي فيها وفي عربية صغيرة تحت هتبقى معاكِ تقدري تستخدميها وقام بوضع مفتاح السيارة على الطاولة واستأنف بتحذير:
وأياكِ تغلطي واظن انتِ عارفة انا اقدر على ايه
همهمت فتون بنبرة يشوبها الضياع: عارفة، بس محتاجة افهم اكتر...

بكرة هجيلك افهمك بالتفصيل وهجيب معايا حد من شركتي يفهمك طبيعة الشغل، انتِ درستي ولا تور لاهي في برسيمه
لتتحمحم هي: انا كنت في كلية تجارة بس مكملتش وكنت باخد كورسات في اجازة الصيف وبعرف اتكلم انجليزي كويس
ليرد ساخرًا: اول مرة اشوف واحدة شمال متعلمة
خفضت رأسها بخزي وطفرت بما يجول برأسها: اختي مش عايزاها بعيد عني وابويا هيفضل مسجون.

اختك هقدملها في مدرسة داخلي لغاية ما مهمتك تخلص وإذا كان على ابوكِ هطلعولك بس مش دلوقتي هسيبه يتربي شوية وخصوصًا انه قرر يشيل الليلة لوحده وميعترفش على اللي كان معاه، وبفكرك يا فتون لأخر مرة انا اقدر اوديكي ورا الشمس وكفاية اني مجبتش سيرتك في البلاغ فأحسنلك متفكريش تغلطي
اومأت له فتون بطاعة وهي تحاول الثبات
وتمتمت محاولة منها استعطافه: حاضر هنفذلك كل اوامرك بس ليا رجاء عندك.

اومأ لها مستفهم لتسترسل حديثها: ممكن تخلي فرحة معايا
لأ
اتاها رده كصاعقة هدمت كل آمالها لتنظر له والحزن يسيطر عليها ليستأنف هو: ممكن تجيلك في اجازتها غير كده لأ بس الأول لازم اغير أوراقكم علشان لو سأل عنك اكيد هيعرف أن ابوكِ سوابق أومأت له بطاعة ليهم بالأنصراف تاركها ترتمي على الأريكة بهوان وتضم نفسها وتجهش بالبكاء وهي تلعن حظها العسر الذي أوقعها في طريقه.

بعد مرور عدة ايام في ذلك القصر المهيب الخاص بعائلة العزازي تلألأت في السماء تلك الالعاب النارية عاكسة أنوارها في الأرجاء فقد توافد على الحفل كل العاملين الذين قد بذلوا جهد كبير ليتأنقوا لذلك الحفل الخير الذي يهديهم إياه رب عملهم كل عام، كانوا يتبادلون الهمهمات المنبهرة بفخامة القصر وكرم صاحبه الى أن تدلت هي من اعلى الدرج ترمق كل من حولها بنظرة مستنفرة فقد رفعت رأسها بتعالي وهي تؤشر للمسؤول عن الخدم الذي حضر لها وهو مطرق الرأس:.

تحت امرك يا هند هانم
أمرته هند بإزدراء: خلي بالك كويس منهم واوعي حاجة تتسرق انت اكيد شايف اشكالهم عاملة أزاي
رد عليها وهو مازال مطرق رأسه بطاعة: تحت امرك يا هانم متقلقيش لتؤشر له أن ينصرف ثم جالت المكان حولها قاصدة البحث عنه لتتوقف عيناها وتطالعه بغيظ وهو يقف وسط عماله ويتبادل أطراف الحديث برحابة وابتسامته واسعة تزين وجهه خطت نحوه بخطوات غاضبة وأشارت له ليأتي إليها وإن اتى تسائل بريبة:.

ايه يا امي في حاجة؟
اجابته هند مستنفرة: انت اكيد اتجننت يا صقر فاتح بيتي لشوية رعاع وواقف تهزر وتضحك وتقولي في حاجة
تنهد بحنق ورد بعدم رضا: متقوليش عليهم رعاع دول اللي بيهم كبرت شركتنا ولولآ تفانيهم ووقفهم جنبي مكنتش عرفت أنجح وأكبر الشركة
دول موظفين عندك ومبيشتغلوش ببلاش.

رد صقر وهو يربت على يدها بحنو: امي علشان خاطري بلاش نتناقش في الموضوع ده علشان انا مش هغير معتقداتي وياريت يا حبيبتي تعدي الليلة من غير خناق ختم حديثه برفع يدها وتقبيلها
لتهمهم هند: ماشي يا صقر علشان خاطرك
ليقول صقر وهو يمدح جمالها: بس ايه القمر ده انتِ مالك بتحلوي كده ده حتى الناس مفكراكِ خطيبتي مش امي
ابتسمت بغرور وهي ترفع حاجبها بتباهي وهمست: طول عمري حلوة مفيش حاجة اتغيرت.

ثم تنهدت واستأنفت بغيظ: فكرتني، خطيبتك دي اللي هتشلني مش عايزة تلبس الفستان اللي اخترتهولها
سايرها صقر بلين: سيبيها براحتها يا امي بلاش تضغطي عليها
هدرت هي بتسلط كعادتها: لأ كفاية اني سمعت كلامك مرة وسيبتها برحتها وكانت النتيجة اننا اتفضحنا قدام الناس وسيرتنا كانت على كل لسان.

اغمض عينه بنفاذ صبر فوالدته تتقصد أن تؤنبه في كل مرة وتحمله مسؤولية تهرب صديقه وفعله الأرعن الذي نتج عنه مقاطعته لسنوات ليهتف بترجي:
امي علشان خاطري بلاش نقلب في القديم مش وقته وهي ملهاش ذنب تخنقيها
ردت هند بإصرار: لازم تسمع الكلام و لازم شكلها يليق بيك
لم يقنعه حديث والدته، وكاد أن يخوض نقاش معها لولآ انه لمح فدوة تتقدم نحوهم وهي تفرك يدها بخجل بسبب ذلك الثوب المكشوف التي اصرت خالتها عليه.

بأرتدائه فكان يكشف اكثر ما يستر وهي لا تحبذ ذلك رمقتها هند برضا وابتسمت بإعجاب:
اخيرًا شرفتي يا فدوة
آسفة على التأخير
طالعها صقر بعدم رضا وتحدث بحدة: ايه ده إن شاء الله ده فستان ولا قميص نوم روحي غيريه
شهقت فدوة بخجل وقد احتلت الحمرة وجنتيها ورفعت الشال على ذراعيها وهي تؤشر بعيناها نحو خالتها لملاحقة الأمر.

لتهدر هند: لأ مش هتغيره وبعدين ماله الفستان ده تحفة عليها وبعدين لازم يبقى في تناسق مبينكم علشان الصور
صور، صور ايه؟ ردد أخر ما تفوهت به والدته بغير استيعاب لتهدر هي: انا كلمت كذا مجلة هيغطوا الحفلة لازم الناس كلها تعرف انك بتعطف على عمالك وبتقدرهم.

لتنسحب دون انتظار رده فهي تعلم أنها خالفت اوامره لكن لن تكون هند العزازي إن لم تستغل الفرصة لتفخيم نفسها والتباهي أمام الإعلام، تطلع لآثارها بحنق وفرك ذقنه محاولًا كبح نوبات غضبه، أقتربت فدوة وتعلقت بذراعه وتحدثت مواسية اياه:
متزعلش علشان خاطري وبعدين الناس بتبص علينا
ضحك بهدوء وجذبها من خصرها هامسًا بأذنها: والله انتِ جبانة وبتخافي منها وقولتك ألف مرة متخليهاش تتحكم فيكِ كده وخليكِ مستقلة.

تنهدت واخبرته بمسالمة: مش بحب ازعلها هي برضو خالتو يا صقر
هز رأسه لتستأنف هي: خلاص بقى متزعلش منها وسيب اليوم يمشي زي ما هي عايزة علشان خاطري من غير مشاكل
زفر انفاسه واخبرها بضيق: هعمل كده مضطر بس اكيد ليا كلام معاها بعد ما اليوم يخلص
لتسترسل هي بخفوت: خلاص نبقى نعلن عليها الحد بعد الحفلة
ابتسم بسمة هادئة وشاكسها: حد إيه بس ده أنتِ جبانة ومبتعرفيش تتكلمي قصادها كلمتين على بعض.

مطت فمها و عقبت بثقة وهي تستند على صدره بكفوفها: انا هبقي اتحامى فيك زي ما بعمل علطول وأنت هتقويني
اتسعت بسمته الودودة ثم مال وقبلها بخفه من جبينها غافلين عن من يتربص بهم والغيرة تنهش قلبه
ابتعدت فدوة بخجل وأردفت متهربة: انا هروح Toilet
أومأ لها بتفهم وهدر: وانا هطلع اشرب سيجارة بره
هزت رأسها وانصرفت بتعجل نحو المرحاض لتشهق بذعر وأحد يجذبها بقوة داخله ويغلق الباب بعدها...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة